بحث بعنوان: عوارض الخــصومة "التنازل عن الدعوى – الصلح"

 المملكة العربية السعودية
  وزارة التعليم العالي
جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية
  المعهد العالي للقضاء
بحث بعنوان:
عوارض الخــصومة
"التنازل عن الدعوى – الصلح"
إعداد الطالب: فهد إبراهيم اللحيدان
إشراف الدكتور : ناصر الجوفان
العام الجامعي
1434- 1435هـ


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمــة
     إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.  أما بعد...
         فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول عارضين من عوارض الخصومة ألا و هما :عارض " التنازل عن الدعوى " و عارض " الصلح ".
و سيتم في هذا الموضوع الاعتماد على جمع المعلومات من عدة  مصادر ومراجع علمية و ذلك في ضوء ما تيسر لي من معلومات... 
 وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ... إنه سميع مجيب .

التنازل عن الدعوى:


تعريف التنازل عن الدعوى:

التنازل عن الدعوى هو : هو إسقاط الحق أو الجزاء أو بعضه مع تمليك ما يقبل التمليك(1)، أو تنازل المدعي عن حقه في إقامة دعوى جديدة لحماية الحق محل النزاع، فهو بذلك يجرد حقه الموضوعي من أية حماية قضائية. 
والأصل أن التنازل عن الدعوى يكون بإرادة المتنازل وحده فهو عمل أحادي الجانب أو تصرف قانوني بالإرادة المنفردة فلا يلزم لصحة التنازل عن الدعوى أو لإتمامه أن يصادفه قبول من جانب المدعى عليه فالمدعى عليه ليس له أي مصلحة في رفض التنازل عن الدعوى لأن التنازل عن الدعوى يمنع المدعي من رفع دعوى جديدة فلم يعد المدعى عليه يخشى من رفع الدعوى من جديد ضده. إلا أنه قد يكون للمدعى عليه مصلحة مشروعة في الاعتراض على التنازل كما لو كان تنازل المدعي عن الدعوى تنازلا جزئيا أو مصحوبا باحتفاظ المدعي بحقه في رفع الدعوى من جديد ، أو كان المدعى عليه قد رفع طلبا مقابلا ويريد بقاء الخصومة الأصلية حتى يمكن الفصل في طلبه المقابل، وفي هذه الحالة لا يرتب التنازل عن الدعوى أثره إلا إذا وافق المدعى عليه. 
وليس هناك ما يمنع أن يتم التنازل عن الدعوى في شكل عقد يبرمه المدعي مع المدعى عليه يتنازل فيه المدعي عن دعواه، فإذا كان التنازل مقابل تضحية يقوم بها المدعى عليه فيكون هذا العقد في حقيقته صلح، أما إذا كان التنازل لا يقابله أي تضحية من جانب المدعى عليه فإنه لا يعتبر صلحا بالمعنى الحقيقي وإنما هو اتفاق ملزم لجانب واحد، ويمكن للأطراف أن يطلبوا من القاضي إثباته ويندرج في هذه الحالة في طائفة الأعمال التوفيقية أو التصالحية(1).و التنازل عن الدعوى في النظام هو تصرف نظامي من جانب واحد يتضمن نزولا عن الحق في الدعوى.(2) ولا يجوز التنازل عن الدعوى في الحالات التي يعد التنازل فيها عن الحق مخالفا للنظام العام، فلا يجوز التنازل عن دعوى البنوة، أو عن دعوى الإفلاس.  ويؤدي التنازل عن الدعوى إلى انقضاء الخصومة بصفة تبعية لانقضاء الحق في الدعوى، وهذا هو ما تنص عليه صراحة المادة 384/1 من قانون المرافعات الفرنسي الجديد التي نص على أن الخصومة تنقضي بالتبعية للدعوى بالصلح والقبول والتنازل عن الدعوى … الخ. كما يترتب على التنازل عن الدعوى عدم جواز رفع الدعوى من جديد وإلا حُكم بعدم قبولها لتنازل المدعي عن حقه في الدعوى، إلا أنه ليس هناك ما يمنع المدعي من رفع دعوى جديدة مختلفة عن الدعوى السابقة من حيث الموضوع أو السبب أو الأطراف. 

التنازل عن الدعوى في النظام السعودي:

عرفت اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية التنازل عن الدعوى أو ترك الخصومة بأنه " تنازل المدعي عن دعواه القائمة أمام المحكمة مع احتفاظه بالحق المدعى به بحيث يجوز له تجديد المطالبة به في أي وقت "(3).

طبيعة التنازل :

   يعد شراح الأنظمة التنازل من التصرفات التبرعية فهو يتضمن نزول المنشئ له عن حقه أو بعضه بلا مقابل و بمجرد صدوره من جانب واحد مستكملا أركانه وشروطه تترتب عليه آثاره وثمراته. (4)

- التنازل عن الدعوى تصرف قانوني بالإرادة المنفردة :

التنازل عن الدعوى يكون بإرادة المتنازل وحده فهو عمل أحادي الجانب أو تصرف قانوني بالإرادة المنفردة فلا يلزم لصحة التنازل عن الدعوى أو لإتمامه أن يصادفه قبول من جانب المدعى عليه، فالمدعى عليه ليس له أي مصلحة في رفض التنازل عن الدعوى لأن التنازل عن الدعوى يمنع المدعي من رفع دعوى جديدة فلم يعد المدعى عليه يخشى من رفع الدعوى ضده من جديد(5)

- التنازل عن الدعوى إسقاط لحق وليس إنشاء لالتزام :

يجب أن نلفت النظر إلى أنه لا مجال هنا للخوض في الخلاف القائم في الفقه حول ما إذا كانت الإرادة المنفردة مصدرا للالتزام أم أنها ليست كذلك، وذلك لان التنازل عن الدعوى هو إسقاط لحق وليس إنشاء لالتزام، وإسقاط الحقوق يمكن ان يتم بالإرادة المنفردة باتفاق الفقه .
 بل ان المشرع قرر ذلك صراحة في المادة 371 من القانون المدني التي نصت على أنه ينقضي الالتزام إذا ابرأ الدائن مدينه مختارا ويتم الإبراء متى وصل إلى علم المدين. 
وإذا كان صحيحا أن التنازل عن الدعوى ليس إبراء للمدين، فليس معنى ذلك أنه لا يجوز التنازل بالإرادة المنفردة، لأنه إذا كان يجوز إبراء المدين بالإرادة المنفردة، فانه يجوز من باب أولى التنازل عن الدعوى بالإرادة المنفردة، لان الإبراء فيه معنيان الإسقاط والتمليك، وإذا كان يجوز للشخص إسقاط حقه وتمليكه لأخر بالإرادة المنفردة، فانه يجوز له – من باب أولى - إسقاط حقه دون تمليكه لأخر بالإرادة المنفردة. 
ولذلك عند التمييز بين التنازل عن الدعوى والإبراء نجد أن الإبراء يرتد بالرد، أي إذا رد المدين الإبراء فانه لا ينتج أثرا، في حين أن التنازل عن الدعوى لا يرتد بالرد، لان التنازل عن الدعوى إسقاط فقط للحق وليس فيه معنى التمليك ولذلك فليس هناك مجال لان يرتد التنازل بالرد. 
وفي الشريعة الإسلامية الأصل في الإسقاط أن يتمّ بإرادة المسقط وحده، لأنّ جائز التّصرّف لا يمنع من إسقاط حقّه، ما دام لم يمسّ حقّ غيره. ومن هنا فإن الفقهاء يتّفقون على أنّ الإسقاط المحض الّذي ليس فيه معنى التّمليك، والّذي لم يقابل بعوضٍ، يتمّ بصدور ما يحقّق معناه من قولٍ، أو ما يؤدّي معناه دون توقّفٍ على قبول الطّرف الآخر. 
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن النزول عن التقادم بسائر أنواعه عمل قانوني من جانب واحد يتم بإرادة المتنازل وحدها بعد ثبوت الحق فيه.(1). 
كما قضت بأن مؤدى المادة 144 من قانون المرافعات أنه إذا كان الترك ينصب على إجراء من إجراءات الدعوى فإنه ينتج أثره بمجرد التصريح به لأنه يعد في هذه الحالة نزولا عن حق يتم وتتحقق آثاره بغير حاجة إلى قبول الخصم الآخر ولا يملك المتنازل أن يعود فيما أسقط حقه فيه ويعتبر الإجراء كأن لم يكن.
كما قضت بأن الشارع ألزم المستأجر بألا يحدث تغييراً ضاراً في العين المؤجرة بدون إذن المالك ورتب على الإخلال بهذا الالتزام قيام حق المؤجر في المطالبة بإلزام المستأجر بإزالة ما يكون قد أحدثه بالعين المؤجرة من تغيير فضلاً عن التعويض إن كان له مقتض، وإذ كان ترتيب الأثر على هذا الإخلال يتوقف على إرادة المؤجر المنفردة فإن له النزول عن حقه فيه. 
ولما كان التنازل عن الطعن هو في حقيقته تنازل عن الدعوى فإن النزول عن الحق في الطعن يتم وتتحقق آثاره بمجرد حصوله وبغير حاجة إلى قبول الخصم الآخر.
ويمكن أن يرد التنازل عن الدعوى ضمن عقد أو محرر فلا يشترط أن يكون المتنازل له طرفا في هذا العقد أو المحرر حتى ينتج التنازل أثره طالما أن المتنازل لم يشترط الحصول على مقابل من المتنازل له. 
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأنه متى كان يبين مما قرره الحكم أن المحكمة حصلت من عقد البيع المسجل المبرم بين الطاعنة والبائعتين لها ومن باقي الأوراق، أن إرادة الطرفين قد اتجهت إلى التنازل عن حق الارتفاق بالمطل المقرر للعقار المبيع للطاعنة على عقارات المطعون عليهم، ولم تخرج في تفسيرها هذا عن المعنى الظاهر لعبارة العقد، وأوضحت العبارات المبررة لذلك ثم أعملت إثر هذا التنازل في النزاع المطروح لا على أساس قواعد الاشتراط لمصلحة الغير واستفادة المطعون عليهم من عقد لم يكونوا طرفاً فيه، وإنما على أساس تفسيرها لعقد البيع الذي تستند إليه الطاعنة في إثبات ملكيتها، وعلى أن التنازل الذي أنطوى عليه ينتج أثره بالإرادة المنفردة للمتنازل ولا يحتاج إلى قبول فلا يلزم أن يكون المتنازل له طرفاً في المحرر المثبت له، إذا كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور ومخالفة للقانون يكون على غير أساس. 
أما إذا كان المتنازل عن الدعوى قد اشترط الحصول على عوض من الطرف الآخر فلا شك أن ذلك لا يعتبر تنازلا محضا عن الدعوى وإنما هو في حقيقته إيجاب بالصلح يحتاج إلى قبول من الطرف الأخر، فلا ينتج هذا التنازل أثره إلا إذا صادفه قبول من جانب الطرف الأخر. (1)
ولذلك نجد الفقه الإسلامي متفق على أنّ الإسقاط الّذي يقابل بعوضٍ يتوقّف نفاذه على قبول الطّرف الآخر في الجملة، لأنّ الإسقاط حينئذٍ يكون معاوضةً، فيتوقّف ثبوت الحكم على قبول دفع العوض من الطّرف الآخر، إذ المعاوضة لا تتمّ إلاّ برضى الطّرفين. 

-التنازل عن الدعوى قد يكون عملا تبرعيا وقد يكون عملا من أعمال التصرف إذا كان التبرع هو التصرف في الحق بدون عوض. وهذا التصرف قد يكون عقدا وقد يكون تصرفا قانونيا من جانب واحد. 

فهل التنازل عن الدعوى عمل تبرعي أم عمل من أعمال التصرف؟ 
للإجابة على هذا التساؤل يجب علينا أن نفرق بين فرضين على النحو التالي: 
إما أن يتضمن التنازل عن الدعوى إسقاط حق للمتنازل في ذمة الغير وإما أن يؤدي إلى استبقاء التزام قديم في ذمته وأما أن يكون مجرد تنازل عن حق إرادي مجرد فلا يؤدي إلى انقضاء لحق له في ذمة الغير أو استبقاء لالتزام في ذمته .
أ- إذا أدى التنازل عن الدعوى إلى إسقاط حق للمتنازل في ذمة الغير (فإن التنازل يعتبر عملا تبرعيا(  فإذا تتضمن التنازل عن الدعوى إسقاط حق للمتنازل في ذمة الغير فإن هذا التنازل يعتبر عملا تبرعيا(2). فالمتنازل عن دعوى المطالبة بالدين أو بالأجرة أو بالقرض أو بالثمن ....الخ يعتبر متبرعا لان تنازله عن هذه الدعوى يؤدي إلى انقضاء الدين أو الأجرة أو القرض أو الثمن. ولذلك يجب أن تتوافر في المتنازل في هذه الحالات أهلية التبرع فلا يكفي أن تتوافر فيه أهلية الإدارة أو حتى أهلية التصرف. 
ب- إذا لم يترتب على التنازل عن الدعوى انقضاء حق له في ذمة الغير (فإن التنازل لا يعتبر عملا تبرعيا) أما إذا لم يتضمن التنازل عن الدعوى انقضاء لدين أو التزام شخصي للمتنازل في ذمة شخص أخر فإن التنازل في هذه الحالة لا يعتبر عملا تبرعيا لان المتنازل لم يتبرع بشيء. 
يستوي في ذلك أن يترتب على التنازل عن الدعوى استبقاء لالتزام قديم في ذمة المتنازل أو أن يكون مجرد تنازل عن حق إرادي محض لا يؤدي إلى استبقاء التزام قديم في ذمته كما لا يؤدي إلى انقضاء حق له في ذمة الغير. وسنتناول هذين الفرضين على النحو التالي: 
1-إذا كان التنازل يؤدي إلى استبقاء لالتزام قديم في ذمة المتنازل فإن هذا التنازل لا يعتبر عملا تبرعيا وذلك لان هذا الالتزام القديم وجب في ذمته من قبل فهو بتنازله عن حقه في هذا الفرض يستبقي التزاما قديما ولم يتبرع بإنشاء التزام جديد.
والأمثلة على ذلك كثيرة كالتنازل عن دعوى الفسخ وعن دعوى الإخلاء وعن التقادم. فالتنازل عن أي من هذه الدعاوى لا يحتاج إلى أهلية التبرع وإنما يحتاج فقط إلى أهلية التصرف. 
وفيما يتعلق بالتنازل عن التقادم فقد نص المشرع المصري صراحة في المادة 388 من القانون المدني على انه يجوز لكل شخص يملك التصرف في حقوقه أن ينزل عن التقادم بعد ثبوت الحق فيه .  فالنص صريح في أن الأهلية اللازمة للتنازل عن التقادم هي أهلية التصرف وليس أهلية التبرع ولا شك أن التنازل عن التقادم هو نوع من التنازل عن الحق في الدعوى لان المدين إذا تنازل عن التقادم فيكون قد تنازل عن حقه في دعوى براءة الذمة من الدين لسقوطه بالتقادم.
2-إذا كان التنازل عن الدعوى يشكل تنازلا عن حق إرادي محض ولا يتضمن استبقاء لالتزام قديم أو انقضاء لحق للمتنازل في ذمة الغير فإن هذا التنازل لا يعتبر عملا تبرعيا ويكفي فيه أهلية التصرف. 
ومثال ذلك التنازل عن الحق في الشفعة أو عن دعوى الشفعة فهذا التنازل تنازل عن حق إرادي محض لا يؤدي إلى انقضاء حق للمتنازل في ذمة البائع أو المشتري لأنه لم يكن له ثمة حق في ذمة أي منهما كما أن هذا التنازل لا يؤدي إلى استبقاء التزام قديم في ذمة الشفيع المتنازل لأنه لم يكن ثمة التزام في ذمته. (1)  

- التنازل عن الدعوى ليس عملا إجرائيا :

التنازل عن الدعوى يعتبر تصرف قانوني يخضع لقواعد القانون المدني سواء تم داخل مجلس القضاء أو خارجه ولذلك يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة للتصرفات القانونية 

- الحق في التنازل عن الدعوى يمكن حوالته كما ينتقل إلى الورثة 

إذا توفى المدعي جاز للورثة التنازل عن الدعوى.
الإجراءات المتبعة  للتنازل عن الدعوى في النظام السعودي:
للمدعي أن يقوم بالتنازل عن الدعوى عن طريق تبليغ يوجهه لخصمه أو عن طريق تقرير لدى الكاتب المختص (1) يفيد فيه رغبته في ترك الخصومة أو عن طريق مذكرة يذكر فيها المدعي صراحة رغبته في ترك الدعوى وتكون المذكرة موقعة منه أو من وكيله مع إطلاع المدعى عليه على المذكرة أو عن طريق إبداء الطلب شفاهة أثناء نظر الدعوى مع إثبات الطلب المذكور في الضبط .

الآثار والأحكام المترتبة على ترك الخصومة : 

ــ يترتب على الترك إلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك صحيفة الدعوى ، ولكن لا يمس ذلك الترك الحق المدعى به.
ــ إذا أقام المدعي دعواه بعد تركها فتحال لناظرها إن كان موجوداً في المحكمة وإلا لخلفه ، وتحسب له إحالة .
ـــ لا يترتب على ترك الدعوى إلغاء ما دون في الضبط من أدلة ، وعلى ناظر القضية الرجوع إليها عند الاقتضاء .
ــ لا يجوز ترك الخصومة من الوكيل ما لم يكن مفوضاً تفويضاً خاصاً في الوكالة .
ـــ إذا تعدد المدعون وكانت الدعوى قابلة للتجزئة في موضوعها جاز لبعضهم تركها وتظل قائمة في حق الباقين ، وكذا إذا تعدد المدعى عليهم جاز للمدعي تركها عن بعضهم إذا كانت الدعوى قابلة للتجزئة .

شروط التنازل عن الدعوى:

بين علماء المرافعات أنه يشترط في التنازل عن الدعوى ما يلي:
1- أن يصدر التنازل ممن بدأ الخصومة .
2- أن يصدر التنازل عن إرادة صحيحة خالية من العيوب المفسدة للرضى فإن شابها عيب من تلك العيوب بطل التنازل.(2)
3- أن يكون سبب التنازل مشروعا.
4- أن يكون التنازل خاليا من أي شروط وتحفظات تهدف إلى تمسك التارك بصحة الخصومة أو بأي أثر من آثار النظامية المترتبة على قيامها.
5- أم يكون التنازل وفق الشكل الذي نص عليه النظام.
6- أن تتوفر في المتنازل الأهلية الإجرائية اللازمة لبدء الخصومة.
7- أن لا تتعلق بالدعوى مصلحة عامة ذلك أن التنازل لا يرد على الدعاوى التي تتعلق موضوعيا بالنظام العام .(3)
الصلح:
قبل الحديث عن الصلح أتطرق فيما يلي إلى الفرق بين التنازل عن الدعوى والصلح.

الفرق بين التنازل عن الدعوى والصلح:

من الثابت ان الجرائم التي ترتكب تمس امن المجتمع وطمأنينته ويستوجب ملاحقة مرتكبيها والاقتصاص منهم إذا ما ثبت ارتكابهم لها لينعم المجتمع بالأمن والسلام. إلا أن النظام لم يشأ أن يجعل ملاحقة مرتكبي بعض الجرائم أمرا منوطا بممثل الهيئة الاجتماعية وإنما ترك حرية ذلك معلقا على إرادة المجني عليه فله وحده الحق في تحريك الدعوى وملاحقتها إلى أخر مراحل التحقيق والمحاكمة فيها. كما ترك له حرية إنهاء تلك الإجراءات ولم يعلق ذلك على إرادة المتهم حتى ولو أراد الأخير الاستمرار بالإجراءات لإثبات براءته.
ويرجع السبب في إناطة النظام ذلك إلى إرادة المجني عليه إلى أن المجني عليه وحده هو الذي يقدر مدى المصلحة التي يتوخاها من استمرار الإجراءات او انقضائها
وقد قصر النظام التنازل عن الدعوى والذي من شأنه إنهاء الإجراءات التحقيقية على الجرائم التي يتطلب القانون عدم تحريكها إلا بشكوى من المجني عليه أو من يقوم مقامه ، الا ان هذا لا يعني عدم إمكانية التنازل عن الدعوى في الجرائم الأخرى اذ يجري التنازل عنها الا انه ليس لها تأثير على سير الدعوى الجزائية وإنما ينحصر أثرها في الحق المدني والمتعلق بالتعويض.
أما الصلح فهو واحد من الوسائل التي سعى المشرع إلى إنهاء الدعوى الجزائية به والصلح يجري في الجرائم التي يتوقف تحريكها على شكوى المجني عليه ولا يتوقف قبوله على موافقة المتهم. والصلح إحدى وسائل التسريع بإنهاء إجراءات التحقيق وحسم القضية بوقت سريع وبإجراءات ميسرة.

ولكن ما هو الفرق بين التنازل عن الشكوى والصلح؟

- ان التنازل عن الشكوى يستتبعه التنازل عن الحق الجزائي ولا يشمل ذلك الحق المدني الا اذا صرح المشتكي بذلك وفي حالة عدم تصريحه فان بإمكانه مراجعة المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه. أما في حالة الصلح فان تصالح المشتكي مع المتهم يتضمن تنازله عن حقه المدني والجزائي ولا يجوز له المطالبة بأي تعويض عن الضرر لان الصلح يعتبر بمثابة الحكم بالبراءة وهذا يتنافى مع طلب التعويض.
- أن التنازل عن الدعوى لا يرتب اثر البراءة للمتهم في الدعوى الجزائية التي تنازل فيها المشتكي عن حقه الجزائي والمدني وإنما الأثر الذي يرتبه هذا التنازل هو رفض الدعوى وغلق التحقيق نهائيا . اما ما يترتب على القرار الصادر بقبول الصلح فهو نفس الاثر المترتب على البراءة .

الصلح:

يعرف الصلح بأنه" عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا و ذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه (1) " .
و من هذا التعريف نستخرج العناصر المهمة التي يقوم عليها الصلح و هي ثلاثة : نزاع قائم محتمل، الهدف من الصلح هو حسم النزاع و أخيرا نزول كل من المتصالحين على وجه التبادل عن حقهم  . 
فإذا انعدم شرط النزاع القائم أو المحتمل لا تكون أمام صلح ، كما لو تنازل المؤجر للمستأجر عن بعض الأجرة غير المتنازع فيها، فهذا إبراء من الدين و ليس صلحا.
و إذا كان النزاع بين الأطراف مطروحا أمام القضاء فيجوز للأطراف إنهائه بالتصالح و هذا يدعى بالصلح القضائي و يشترط فيه ألا يكون قد صدر حكم نهائي في النزاع و إلا انتهى النزاع بالحكم و لا بالصلح    و ليس من الضرورة أن يطرح النزاع على القضاء ليكون قائما و جائز الصلح فيه، فقد يكون النزاع محتمل الوقوع و يمكن التصالح فيه خارج ساحة القضاء و هذا ما يسمى بالصلح غير القضائي ،كما يجب أن يكون لدى أطراف النزاع نية حسم النزاع بالصلح حتى نكون أمام صلح فإذا غابت نية حسم النزاع       و إنهائه فلا نكون أمام صلح مثل اتفاق الطرفان على طريقة لاستغلال العين المتنازع على ملكيتها لحين صدور الحكم بشأنها فإن هذا الاتفاق لا يعتبر صلحا لأنه لا ينهي النزاع(2).
أما عن الطبيعة القانونية للصلح فنستنتجها من الشكل أو القالب الذي تجسد فيه الصلح ، فقد يثبت بمحضر موقع عليه من القاضي و الخصوم فهنا يكون بمثابة عقد رسمي يقوم فيه القاضي بدور الموثق و قد يثبت الصلح بحكم فإنه يعتبر عملا قضائيا ويخضع لقواعد الأحكام ، ففي الحالة التي يكون فيها الصلح في شكل عقد رسمي فإنه يعتبر سندا تنفيذيا يمكن تنفيذه جبرا و بما أنه في هذه الحالة ليس عملا قضائيا فلا تكون له حجية الشيء المقضي و لا يجوز الطعن فيه بطرق الطعن المقررة للأحكام.
والصلح  قد يكون قضائيا بمعنى أنه يحصل أمام القضاء كما قد يكون غير قضائي أي يحصل خارج ساحة القضاء كأن يحرر محضر صلح بمعرفة المحضر القضائي .    
و الصلح كإجراء قضائي الأصل فيه أنه جوازي بالنسبة للقاضي في جميع الدعاوى و في جميع مراحل الخصومة و استثناءا قد ينص المشرع على وجوبية إجراء الصلح كما هو الحال في مادة شؤون الأسرة  و نفس الشيء كان في الدعاوى الإدارية في القانون السابق إلا أن القانون الجديد لم يعد ينص على إجراء الصلح وجوبيا في المادة الإدارية و اكتفى بالنص عليه كإجراء جوازي في دعاوى القضاء الكامل.

الصلح في النظام السعودي:

ورد الصلح في الفصل الأول من الباب الخامس من نظام المرافعات السعودي، بيان حقِّ الخصمين في رَصْد ما يتوصَّلان إليه من صُلح مُنْهٍ للقضيَّة قبل البتِّ فيها بحكمٍ.
جاء في المادة السابعة والستين: (للخصوم أن يَطلبوا من المحكمة في أيِّ حال تكون عليها الدعوى، تدوين ما اتَّفَقوا عليه من إقرارٍ أو صلحٍ، أو غير ذلك في محضر المحاكمة، وعلى المحكمة إصدار صكٍّ بذلك)(1).
وواضحٌ من هذه المادة أنه متى توصَّل الخصمان إلى صلحٍ يُنهي قضيَّتهما - بعد شروعهما في المخاصمة - فإن المحكمة تَضبط هذا الصلح، وتَعتمده إذا توفَّرت شروط قَبوله، وتنتهي به الخصومة.
وبيَّنت اللائحة التنفيذية لهذه المادة أنه إذا حصَل الاتفاق قبل ضَبْط الدعوى، فيَلزم رَصْد الدعوى والإجابة قبل تدوين الاتفاق؛ لكونه نشَأ بعد نزاعٍ، مع مراعاة أن يكون أصل الدعوى من اختصاص القاضي، ولا يَلزم في هذا الصلح أن يكون الطرفان داخلين في الولاية المكانية للمحكمة.
فمثلاً: لو كانت المدَّعي "محمد" ساكنًا في جدة، والمدَّعى عليه "زيد" مُقيمًا في الرياض، ثم اصطَلح الطرفان قبل شروع المحكمة في نظر الدعوى، ففي هذه الحال يُمكن للطرفين أن يَضبطا صلحهما في أيِّ محكمة؛ سواء كانت في الرياض، أو جدة، أم غيرهما؛ وذلك تيسيرًا على الطرفين، وترغيبًا لهما في الصلح، وتعجيلاً بضَبْطه قبل أن يعدلَ عنه أحدهما.
وأمَّا إذا كان الصلح مُبرمًا بين وُكلاء المدَّعي والمدَّعى عليه، ففي هذه الحالة يَلزم كونُهم مفوَّضين في ذلك في وكالاتهم؛ وَفْق ما جاء في المادة (49) التي اشترَطت كون الوكيل مفوَّضًا بالصُّلح في حال إقرار الوكيل بانتهاء القضية صلحًا.
ومع ما سبَق في حقِّ الخَصمين في ضَبْط الصلح الذي يتوصلان إليه ، فإن للقاضي الذي يُعرض عليه الأمر أن يتحقَّق من الصلح وبنوده وصلاحيَّة الطرفين لإبرامه؛ ولذا نصَّت الفقرة الثالثة من اللائحة التنفيذية لهذه المادة على أنه: (إذا ثبَت للقاضي أنَّ الاتفاق المقدَّم من الخصوم فيه كذبٌ أو احتيالٌ، فيردُّ الاتفاق وَفْق ما تقتضيه المادة (4).
والمادة الرابعة تضمَّنت النص بأنه: (إذا ظهَر للقاضي أن الدعوى صوريَّة، كان عليه رفضُها، وله الحُكم على المُدعي بنكالٍ).
ومما يتعاطاه بعض الخصوم أحيانًا من صور التحايل على المحاكم، أن يَصطلح طرفان على ملكيَّة أرضٍ غير مملوكة، فيُقيمان بينهما دعوى صوريَّة، ثم يُدَّعيان توصُّلهما إلى الصلح؛ كي يتملَّكا الأرض بهذه الحِيلة.
وصورة أخرى، حينما يدَّعي شخصٌ على آخر بمبلغ مالي، فيُقرُّ به المدَّعى عليه، أو يَصطلحان على تقسيطه من باب التحايل لكَسْب المال عن طريق سداده من فاعل خير، أو من جهات التسديد عن المساجين والمُعسرين، ونحو ذلك.


الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين, محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...
فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع: " التنازل عن الدعوى" وموضوع "الصلح " باعتبارهما عارضين من عوارض الخصومة.
هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب .
و بالله التوفيق .


المراجع

1- إبراهيم نجيب سعد : القانون القضائي الخاص ، ﻤﻨﺸﺄﺓ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ، ﺍﻻﺴـﻜﻨﺩﺭﻴﺔ،ج2، ١٩٧٣م.
2- حليمة حبار : الصلح، مجلة المحكمة العليا، عدد خاص ،ج 2 ، الطرق البديلة لحل النزاعات، قسم الوثائق 2009. 
3- عبد الرازق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني، دار المعارف ، القاهرة،ج3، 1982.
4- عبد الرازق السنهوري : نظرية العقد ، دار المعارف ، القاهرة، 1979م .
5- عامر عبد الله الودعاني: أسباب انقضاء الدعوى في الفقه والقضاء، رسالة دكتوراة، قسم السياسة الشرعية ، المعهد العالي للقضاء، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض،1419هـ. 
عمار بوضياف، الوجيز في النظام الإجرائي، دار ريحانة، الجزائر، 1999م. 
6- محمد الفاضل : الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية ، ط5، مطبعة جامعة دمشق، دمشق،1995م.
7- محمد نصر الدين كامل : عوارض الخصومة، مكتبة شباب الجامعة ، الإسكندرية ، 1991م.
8- محمود جمال الدين زكي: الوجيز في النظرية العامة للالتزامات ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، الطبعة الثالثة ، 1987م.
9- نظام المرافعات الشرعية السعودي ولائحته التنفيذية.
10- وجدي راغب: مبادئ الخصومة المدنية، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1995م 

ابحث عن موضوع