حقوق المسنين إسلاميا و عالميا

 تجمع كثير من العلوم الطبية على أن الشيخوخة من الناحية البيولوجية عبارة عن نمط ‏شائع من الاضمحلال في البناء والوظيفة يحدث بتقدم السن لدى كل كائن حي بعد اكتمال النضج ‏‏(قناوي، 1987). وهذه التغيرات تؤثر على الوظائف العضوية والحركية والعصبية. ‏ 
ويمكن القول أن التغيرات التي تصاحب التقدم في السن تتعلق بجانبين:‏ ‏1.‏الجانب البنائي المتمثل في فقدان الخلايا من أعضاء الجسم نتيجة لزيادة ‏التفاعلات الكيميائية الهدامة بالجسم عن التفاعلات الكيميائية البناءة في كل عضو من ‏أعضاء الجسم الحي.‏ 
‏2.‏الجانب الوظيفي ويشير إلى عدم قدرة الجسم على مقاومة المؤثرات ‏الخارجية نتيجة لاضمحلال بناء الجسم وبالتالي عدم القدرة على القيام بالوظائف ‏الحيوية مثل ضعف البصر ، وضعف حركة الأمعاء ، و ضعف الاستجابات ‏العصبية.‏ 

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
تتقدم و ترقى الأمم بقدر ما توفره من رعاية لأفرادها. هذه الرعاية ‏تمتد لتشمل الجانب الصحي ، والجانب النفسي ، والجانب الاجتماعي ، والجانب البيئي.ولأن ‏الثروة البشرية هي العمود الفقري والمورد الحيوي للتقدم والازدهار كان الاهتمام بالجانب ‏البشري يستلزم الاهتمام بالإنسان عبر مراحل النمو المختلفة، فالرعاية والاهتمام تقدم للأطفال، ‏والشباب ، والشيوخ سواء كانوا ذكورا أم إناثا.‏ 
وقد نصت المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه : "لكل إنسان ‏الحق في مستوى معيشي ملائم لصحته ورفاهيته ، وكذلك لصحة ورفاهية أسرته ، بما في ذلك ‏المأكل والملبس والمسكن ، والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية ، والحق في ‏الأمان عندما يتقدم به السن"‏ ولأن الكائن البشري ينمو جسميا ونفسيا وعقليا عبر مراحل مختلفة لكل منها ما يميزها ‏عن غيرها ، كانت أوجه ومجالات الرعاية الاجتماعية متنوعة الأشكال والأساليب تبعا ‏لخصائص كل مرحلة. فهناك الرعاية الاجتماعية المقدمة لفئة الشباب ، وهناك الرعاية ‏الاجتماعية المقدمة للأسرة ، وهناك الرعاية الاجتماعية المقدمة لكبار السن.
 كما أن هناك ‏الرعاية طويلة المدى ، والرعاية قصيرة المدى.‏ ‏ ‏والشيخوخة هي آخر مرحلة عمرية يمر بها الإنسان. وقد كانت من حكمة الخالق ‏سبحانه وتعالى أن جعل الإنسان يمر بمراحل متعددة، فيبدأ وليدا ضعيفا ثم شابا قويا وأخيرا ‏شيخا ضعيفا. قال تعالى: " الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من ‏بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير"‏‎ ‎‏(الروم ، 54 ).‏‎ ‎
 ولأن هذه المرحلة تتميز بالضعف والحاجة إلى الآخرين للقيام بالشئون الدنيوية فهي ‏مرحلة تتصف بالاعتماد على الآخرين ، والشعور بمظاهر العجز ، وعدم القدرة على الحركة ، ‏وكثرة الأمراض الجسمية والنفسية والعقلية. إذا هي مرحلة الانتقال من الاستقلال إلى التبعية ‏ومن القوة إلى الضعف.‏ ولقد أدت التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة في المجتمعات الإنسانية مثل ‏تفكك الروابط الأسرية ، والحراك الاجتماعي أو الهجرة الجغرافية ، والتقدم الطبي إلى زيادة ‏مضطردة في أعداد المسنين ولم يقابل ذلك تقدم كمي وكيفي في أساليب الرعاية الاجتماعية ‏المقدمة للمسنين.‏
 ولكن تزايد الاهتمام في الآونة الأخيرة بهذه الفئة وبذلت جهود علمية وعملية لخدمتهم ‏انحصرت معظمها في الجوانب المادية مثل نظام التقاعد ، والتأمينات الاجتماعية وأسفر عن ‏هذا الاهتمام تخصيص عام 1999 م ليكون سنة دولية للمسنين بدعوة من الجمعية العامة للأمم ‏المتحدة من أجل تركيز الجهود للبحث في قضايا المسنين ومعالجة مشاكلهم الصحية والنفسية ‏والاجتماعية مما يكفل لهم الاحترام و العيش الكريم .‏
و هذه الورقة البحثية ستناقش موضوع حقوق المسنين من المنظور النظام الوطني والقانون العالمي .

حجم المشكلــــة :

مع تقدم وسائل المعيشة الحديثة وارتفاع مستوى الخدمات الصحية والاهتمام بالصحة ‏العامة في جميع نواحيها الوقائية والعلاجية ، فإنه قد حدثت زيادة في أعداد المسنين في العالم ‏كله( يونس , 1417هـ : 319). وليس أدل على ذلك من الإحصاءات التي أجريت في مختلف دول العالم. ففي الولايات ‏المتحدة الأمريكية تشير مصلحة الإحصاءات إلى أن أعداد المسنين في العالم سيزيد إلى ‏الضعف في غضون العقدين القادمين. كما أشارت تقارير مصلحة الإحصاءات العامة إلى أن ‏أعداد الأمريكيين الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة سوف يزيد بحلول عام 2030 م إلى ‏سبعين مليون فرد. وهذه الزيادة أرجعها التقرير إلى التطور في أوجه الرعاية الصحية التي ‏يتلقاها كبار السن (الأمم المتحدة، 1999).‏ 
وعلى مستوى العالم تشير الإحصاءات السكانية أن القطاع المسن من السكان هو ‏الأسرع في النمو. إذ يشير تقرير الأمم المتحدة لعام 1999 م أنه يوجد الآن مسن يزيد عمره ‏على 65 سنة من بين كل 10 أشخاص في العالم. كما يشير التقرير أن هذه النسبة ستقل إلى ‏مسن من بين كل خمسة أشخاص بحلول عام 2050 م ، ومن بين أربعة أشخاص بحلول عام ‏‏2100 م ، ومن بين ثلاثة أشخاص بحلول عام 2150 م. ‏ 

حجم مشكلة المسنين في المجتمع السعودي:

تشير المؤشرات السكانية الصادرة عن الجهات المختصة بالأمم المتحدة إلى أن نسبة ‏من تقل أعمارهم عن 15 سنة يشكلون ما نسبته 41 % من المجتمع العربي السعودي وأن من ‏تزيد أعمارهم على 65 سنة يمثلون ما نسبته 11 % من المجتمع. ولو قارنا هذا التشريح ‏السكاني بمثيله في المجتمعات الأخرى لوجدنا أن المتوسط العمري للسكان في المجتمع ‏السعودي يقل عن 20 سنة.‏ ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك 22 % من السكان تزيد أعمارهم على 65 سنة، ‏وفي المملكة المتحدة تمثل نسبة المسنين 21 % من مجموع السكان ، وفي فرنسا هناك 19 % ‏من السكان تزيد أعمارهم على 65 سنة. هذا بالإضافة إلى أن متوسط عمر الفرد في هذه الدول ‏يزيد عن الثلاثين عاما.‏ ومما يعزز هذه الإحصاءات هو الدراسات التطبيقية التي أجريت في الميدان الطبي ‏حيث أن درجة الخصوبة في المجتمع السعودي تمثل 8.5 بينما هي في المجتمع الأمريكي 1,7 ‏وفي البريطاني 1,9 . وفي هذا دليل على أن هناك ارتفاع في النمو السكاني إذ تشير التقارير ‏السكانية إلى أن نسبة النمو السكاني في المجتمع السعودي تمثل 4,3 % سنويا (الأمم المتحدة ، ‏‏1999).‏ إذا يمكن القول أن المجتمع السعودي لا يعاني من ظاهرة ارتفاع أعداد المسنين في ‏الوقت الحالي ، فهو مجتمع نامي إذ أن 41 % من سكانه تقل أعمارهم عن 15 عاما. وبالتالي ‏لا توجد مشكلة في الوقت الراهن تتمثل في وجود أعداد كبيرة من الأفراد تزيد أعمارهم على ‏‏65 سنة.‏ ولكن هذا الاستنتاج لا يعني بالضرورة تجاهل ما نسبته 11 % من مجموع سكان ‏المجتمع السعودي ممن هم فوق 65 سنة، لأن لهم الحق في الحصول على الرعاية الصحية ‏والاجتماعية بما يكفل لهم الاحترام والعيش الكريم.
‎‏ كما أنه لا يعني أيضا أننا لن نعاني من ‏تزايد أعداد المسنين في المستقبل في ظل التقدم الحضري وما يفرزه من تغيرات اجتماعية ‏وبيئية تؤثر على كل قطاعات المجتمع.

‏ التغيرات الصحية لكبار السن:

 تجمع كثير من العلوم الطبية على أن الشيخوخة من الناحية البيولوجية عبارة عن نمط ‏شائع من الاضمحلال في البناء والوظيفة يحدث بتقدم السن لدى كل كائن حي بعد اكتمال النضج ‏‏(قناوي، 1987). وهذه التغيرات تؤثر على الوظائف العضوية والحركية والعصبية. ‏ 
ويمكن القول أن التغيرات التي تصاحب التقدم في السن تتعلق بجانبين:‏ ‏1.‏الجانب البنائي المتمثل في فقدان الخلايا من أعضاء الجسم نتيجة لزيادة ‏التفاعلات الكيميائية الهدامة بالجسم عن التفاعلات الكيميائية البناءة في كل عضو من ‏أعضاء الجسم الحي.‏ 
‏2.‏الجانب الوظيفي ويشير إلى عدم قدرة الجسم على مقاومة المؤثرات ‏الخارجية نتيجة لاضمحلال بناء الجسم وبالتالي عدم القدرة على القيام بالوظائف ‏الحيوية مثل ضعف البصر ، وضعف حركة الأمعاء ، و ضعف الاستجابات ‏العصبية.‏ 
وفي الحقيقة إن هناك تغيرات عديدة يمن ملاحظتها على المسنين منها: التجعد الواضح ‏للجلد إذ يصبح بصفة عامة جافا مع فقدان ليونته وطبقة الدهن التي تبطنه ويترتب على ذلك ‏انخفاض سمك الجلد إلى ما يقل عن نصف سمكه في سن الشباب. 
ومن التغيرات الجسمية أيضا ‏مظاهر الوهن والضعف فتصبح العظام أقل تماسكا وقابلة للتحطم والتكسر بسهولة ، وتصبح ‏العضلات ذات توتر زائد ، كما تزداد الرعشة والتي ترتبط مباشرة بقصور وظائف الجهاز ‏العصبي.‏ التغيرات النفسية والاجتماعية :
ترتبط التغيرات النفسية والاجتماعية إلى حد كبير بالتغيرات الجسمية. وهذا يبدو من ‏خلال ظهور أعراض الاكتئاب والملل والشعور بالوحدة وفقدان الذاكرة وتوهم المرض وكثرة ‏الشكوى (السدحان ، 1998).
 ‏ ونتيجة لاستقلال كثير من الأبناء سواء من الناحية الجغرافية حيث يسكنون بعيدا عن ‏والديهم حسب ظروف حياتهم المعيشية أو من الناحية الاجتماعية والعاطفية نتيجة لانشغالهم ‏بتربية أبنائهم ، فإن مفهوم الفرد عن ذاته وعن الآخرين يتغير تغيرا كبيرا بحيث تتغير ‏اهتمامات المسن فتتركز حول الجوانب الشخصية المتعلقة به. ‏ ومن السمات الاجتماعية أيضا والتي تشكل محورا لكثير من السمات الأخرى لدى ‏المسنين حالة هجر العلاقات الاجتماعية والأدوار التي تطابق مرحلة الرشد. فيجد المسن نفسه ‏غير قادر أو محروم من مزاولة كثير من الأدوار التي كان يقوم بها في مرحلة ما قبل ‏الشيخوخة. وفي هذا التغير انسحاب من أنشطة المجتمع التنظيمية والتنفيذية (عيسوي، 1989).‏ 
‏وفي هذا الصدد يشير هافجهرست (1968) الى أن هناك نقصا واضحا في درجة ‏التفاعل الاجتماعي بين كبار السن وأفراد المجتمع وذلك يرجع الى انسحاب المجتمع عن الفرد ‏أكثر من انسحاب الفرد من المجتمع، ومن ثم يعاني معظم كبار السن من الانخفاض التدريجي ‏في المجال الكلي للنشاط ، فيعمدون الى التخلص من الكثير من أعمالهم ومسئولياتهم السابقة ‏‏(ٍشنايدر و كروف ، 1992م ).‏ 
ومن السمات الاجتماعية التي تؤثر على المسنين الشعور بالوحدة بعد ترك الأبناء ‏للمنزل فمنهم من تزوج ومنهم من سافر ومنهم من غادر المكان إلى غيره، فلا يجد المسن سوى ‏نفسه وحيدا في المنزل وبالتالي يشعر بأنه في فراغ كبير وأن الخدمة التي كان يرجوها لنفسه ‏غير متوفرة له.‏ 

ومن التغيرات النفسية التي تصاحب التقدم في السن:‏

 ‏1.‏القصور في القدرات العقلية مثل القدرات اللفظية والعددية والادراكية ‏والمعرفية. وهذا القصور يؤدي بالمسن إلى إيجاد صعوبة في عمليات التذكر ‏والاستدلال وحل المشكلات.‏
 ‏2.‏التغير الكبير في الاهتمامات لدى المسنين، إذ تتركز الاهتمامات حول ‏الاهتمامات الشخصية أو الخاصة بالذات. كما تزيد الاهتمامات الدينية والترويحية ‏لقضاء وقت الفراغ.
‏ ‏3.‏عدم الاتزان الانفعالي حيث يثور ويغضب المسن بسرعة ويتسم الانفعال بالحدة ‏والصلابة.‏ وبالرغم من أن هذه السمات النفسية والاجتماعية ذات تأثير نسبي، أي أن تأثيرها على ‏المسنين تتفاوت من شخص لآخر تبعا للفروق الفردية ، إلا أن ذلك لا يلغي كون هذه السمات ‏ذات تأثير كبير على درجة التوافق في حياة المسنين النفسية والاجتماعية (محمود ، 1993).‏ مشكلات المسنين :
إن المتتبع للدراسات الاجتماعية في مجال راية المسنين يلاحظ أن هناك مفهومان يجب ‏التفريق بينهما :
 الأول هو مفهوم الاختلافات العمرية والثاني هو مفهوم التغيرات العمرية. ‏فبينما يشير الأول إلى المرحلة العمرية التي يمثلها الإنسان مثل مرحلة الطفولة، ومرحلة ‏الشباب ، ومرحلة الرجولة ، ومرحلة الشيخوخة ، نجد أن المفهوم الثاني يتعلق بالتغيرات ‏المختلفة التي تعتري أي فئة عمرية مثل التغيرات الجسمية ، والنفسية ، والاجتماعية. ‏ 
ومن هنا كانت التغيرات العمرية التي تطرأ على الانسان خاضعة لمجموعة من ‏المؤثرات والخبرات التي مر بها الإنسان عبر المراحل العمرية وليست وليدة المرحلة العمرية ‏التي يمثلها.‏ وإذا تم تطبيق هذا المفهوم على فئة كبار السن يمكن ملاحظة أن المشكلات التي تعاني ‏منها هذه الفئة لا يمكن فقط إرجاعها إلى الاختلاف العمري وحده ، بل يمكن أيضا إرجاعها إلى ‏الخبرات التي مر بها المسن.
 ولهذا نلاحظ أن هناك من المسنين من تكون هذه المرحلة بالنسبة ‏لهم خالية من الاضطرابات النفسية والاجتماعية (مناع ، 1984).‏
 ويمكن القول أن

 غالبية المشكلات التي تواجه المسنين

 يمكن تقسيمها إلى الآتي:‏

 ‏1.‏المشكلات الصحية التي تواجه المسنين:

 المتمثلة في القصور في الوظائف ‏الفسيولوجية مثل ضعف البصر ، وضعف السمع ، وتغير مظهر الجلد ، ‏وأمراض الدم وتصلب الشرايين. هذا بالإضافة إلى القصور في وظائف ‏الجهاز العصبي مثل ذهان الشيخوخة.

‏ ‏2.‏المشكلات النفسية التي تواجه المسنين:

 ترتبط المشكلات النفسية في الغالب بعدم ‏التكيف مع التغيرات العمرية. فالمسنون تنتابهم مشاعر الوحدة ، والفراغ ، ‏والخوف من المستقبل ، وفقدان حب الآخرين ، وفقدان الأبناء والأهل. ‏

 ‏3.‏المشكلات الاقتصادية التي تواجه المسنين:

 وتتمثل في فقدان الأمن الاقتصادي ‏نتيجة لفقدان مكانة العمل وبالتالي فقدان جزء من الدخل المادي. 
ولأن ‏العائدات المادية تمتاز بالثبات بينما المصروفات تمتاز دوما بالارتفاع فإن عدم ‏القدرة على تعويض التناقص النسبي للدخل يشكل نوعا من القلق والاكتئاب ‏لدى المسن. كما أن الدراسات الاجتماعية أشارت إلى أن عدم إشباع الحاجات ‏المادية يؤدي إلى ظهور آثار الحرمان المادي لدى المسنين. وهذه الآثار ‏المادية تنعكس سلبا على المسن من خلال العجز عن توفير المسكن الصحي ، ‏والغذاء الكافي.‏ ‏

4.‏المشكلات الاجتماعية التي تواجه المسنين:

 لعل هذا النوع من المشكلات يعتبر ‏من أكثر المشكلات تأثيرا على المسنين. فبعد أن يكون المسن ربانا وقائدا ‏ومعيلا لأسرته يسير أمورها ويدبر شئونها ، يتخلى عن هذه الأدوار والمواقع ‏واحدا تلو الآخر ويصبح عاجزا عن تدبير شئون نفسه ما لم يستعن بالآخرين ‏‏(الكيلاني، 1993م). 
ولذلك نجد أن كبار السن تتقلص علاقاتهم الاجتماعية ‏إلى حد كبير، فنراها إلى حد كبير تقتصر على الأصدقاء القدامى القريبين. ‏وعموما يمكن القول أن تقلص العلاقات الاجتماعية ووسائل الاتصال ‏بالآخرين تبعث مظاهر الملل والسأم والإحباط والشعور بأن الحياة تسير بلا ‏هدف وهذا قد يؤدي إلى اضطرابات سوء التكيف مع البيئة.‏ ‏

 مداخل علاجية ووقائية في مجال رعاية المسنين

 إن العمل الاجتماعي مع المسنين يتطلب الكثير من المهارات المهنية نظرا لما يعتري ‏هذه الفئة من تغيرات جسمية ونفسية واجتماعية متلاحقة ومتسارعة تجعل الممارسين يشعرون ‏بالإحباط عندما لا يصلون إلى تحقيق الأهداف المرسومة.‏ ومن هنا كانت هناك العديد من المداخل العلاجية والوقائية التي تناولت مجال العمل ‏الاجتماعي مع المسنين. 
وبالرغم من أن هناك نوعا من الاتفاق بين المهتمين في هذا المجال ‏على أن رعاية المسنين يجب أن تتسم بالشمولية من حيث تناولها لكافة أوجع الرعاية الصحية ‏والنفسية والاجتماعية ، إلا أن التطبيق الفعلي لهذه المداخل لا يخلو من المعوقات المهنية ‏والبيئية. 
وهنا سوف يتم تناول مدخلين علاجيين: مدخل إدارة الحالة والمدخل المساعد.‏ 

أولا: نموذج إدارة الحالة ‏Case Management ‎

 تقوم فلسفة هذا النموذج العلاجي على تنسيق تقديم الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية ‏عن طريق التوافق بين الاحتياجات الفعلية للمسن وبين وجود هذه الخدمات في بيئة المسن (ميلر ‏، 1983).‏ وهذا المدخل العلاجي ليس بالمدخل الحديث ، إذ يرجع تاريخه إلى حركة مجتمع تنظيم ‏الإحسان في أواخر القرن التاسع عشر. فمنذ ذلك الوقت وإدارة الحالة تقوم على مقابلة حاجات ‏الأفراد في بيئاتهم (كروف ،1992).‏ وفي هذا النموذج يكون الأخصائي الاجتماعي هو المسئول المباشر عن توفير احتياجات ‏المسن. 
والأخصائي الاجتماعي ليس هو المزود للخدمة، ولكنه المسئول الأول عن ذلك من ‏خلال التأكد أن المسن حصل على الخدمة التي تقابل حاجاته.‏ ولأن الخدمات هي نسق معقد البناء والوظائف ، فإن احتياجات المسن لا يمكن تلبيتها عن ‏طريق مؤسسة واحدة. فمثلا المسن يحتاج إلى مساعدة مادية، وسكن ، وخدمات تغذية ، ورعاية ‏صحية. وهذه الاحتياجات لا يمكن تقديمها عن طريق مؤسسة واحدة فقط. ولذلك كان التنسيق ‏بين تقديم الخدمات المختلفة واحدا من الأسس الفعالة لتقديم الخدمات للمسنين بفعالية.‏ وإدارة الحالة هي عملية منظمة متناسقة تتضمن العناصر التالية:
‏ ‏1.‏التقدير الشامل لاحتياجات المسن من خلال دراسة العوامل ‏الذاتية والبيئية التي يمكن استغلالها لمقابلة احتياجات المسن. وهذه العوامل ‏تشمل ذات المسن ، والأسرة ، والأقارب ، والأصدقاء. كما تشمل الدراسة ‏معرفة مدى تأثير مشكلات المسن الصحية والنفسية والاجتماعية على المسن ‏نفسه وعلى أسرته. 
‏ ‏2.‏التخطيط للتدخل ويتضمن وضع استراتيجية يمكن من خلالها ‏حصر تنسيق الاحتياجات والمصادر المتوفرة في البيئة وفق الأولويات. وهنا ‏على الأخصائي الاجتماعي أن يجعل خطة التدخل متطورة وقابلة للتغيير تبعا ‏لظروف الحالة. أيضا، يجب أن ترتكز الخطة على أهداف المسن المرحلية ‏وطويلة الأمد ووصف تفصيلي حول الخد مات التي يجب توفيرها لمقابلتها.‏ ‏3.‏ربط المسنين بالخدمات التي تقابل احتياجاتهم. وهنا يقوم ‏الأخصائي الاجتماعي بإحالة المسن إلى المؤسسات التي تقدم الخدمات ‏المختلفة. والدور الذي يقوم به الاخصائي الاجتماعي من الأهمية بحيث يذلل ‏الصعوبات التي تعترض حصول المسن على الخدمات المختلفة من المؤسسات ‏المختلفة. ‏ ‏4.‏تقييم تنفيذ خطة التدخل: وهذه مرحلة تتسم بالاستمرارية ‏والاتصال المستمر مع المسن والمؤسسات المزودة للخدمة. ,التقييم والمتابعة ‏تمكن الاخصائي الاجتماعي من التأكد أن الأهداف التي وضعت في خطة ‏التدخل متحققة. ‏ إن الغاية من نموذج إدارة الحالة هو تقديم أكبر قدر من الخدمات المختلفة للمسن على ‏اعتبار أنه ليس هناك مؤسسة واحدة تقدم كل الاحتياجات التي تتطلبها الحالة. وفي هذا النموذج ‏على الأخصائي الاجتماعي الإلمام الكامل بشبكة الخدمات الاجتماعية التي تقدم في المجتمع ، ‏والقوانين المنظمة لعملها ، والقواعد المنظمة للحصول على الخدمات التي تقدم من خلالها.‏ وقد اقترح ‏Alfred Kuhn ‎‏ (1974 م) تصورا لنموذج إدارة الحالة يرتكز على ثلاثة ‏مراحل:
 مرحلة جمع المعلومات حول احتياجات ومشكلات المسن وحول المؤسسات المختلفة ‏التي تقدم الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية في المجتمع ، ومرحلة الاختيار ويتم خلالها ‏وضع الاحتياجات والمشكلات في أولويات بحيث يؤخذ في الاعتبار أهداف المسن وأسرته ، ثم ‏مرحلة التنفيذ والتي من خلالها التدخل لمعالجة المشكلات التي تم اختيارها وتقديم الخدمات التي ‏تلبي الاحتياجات الفعلية للمسن.‏ 

‏ ثانيا: النموذج الوظيفي المساعد ‏

 قام العالمان سلفرستون و بوراك ويز في عام 1983 بتطوير هذا النموذج العلاجي ‏للعمل مع كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة ويعانون من قصور في الأداء الوظيفي. ‏ويقوم هذا النموذج العلاجي على أن المشكلات والحلول المرتبطة بتقدم العمر يجب النظر إليها ‏على أنها متعددة الجوانب وليست أحادية السبب. وعلى ذلك يوظف هذا النموذج طريقة حل ‏المشكلة(‏problem solving (‎‏ من أجل جمع المعلومات وصياغة خطة التدخل تبعا لذلك. ‏ يرى هذا النموذج العلاجي أن مشكلات كبار السن تنتج من الفقد والاستنزاف للطاقات. ‏وعلى ذلك حدد العالمان سيلفرستون وبوراك ويز نوعان من فقدان الطاقة لدى المسن:‏ 
‏1.‏فقدان الطاقة الأولي ويرجع إلى العوامل البيولوجية مثل القصور في النظر ‏والسمع ، وعدم القدرة على الكلام ، والقصور في الوظائف العصبية كالإدراك ، ‏والتذكر.
 ‏ ‏2.‏فقدان الطاقة الثانوي ويرجع إلى العوامل البيئية والاجتماعية المصاحبة ‏للعوامل البيولوجية. على سبيل المثال، مع التقدم في العمر يزيد التفكير في الموت ، ‏أيضا التغيرات في محيط العمل مثل التقاعد ، والتغيرات في الدخل المادي ، وفقدان ‏العلاقات الاجتماعية أو تقلصها.‏ وبناء على ذلك تقوم فلسفة هذا النوع العلاجي على زيادة التكيف والتدعيم لدى الشخص ‏المسن. ويكون ذلك من خلال إيجاد بيئة تدعيمية تستخدم الأسرة والجيرة والأصدقاء من أجل ‏إعادة بناء القدرة المفقودة لدى المسن وإعادة التوازن النفسي والاجتماعي لديه، أي بمعنى آخر ‏عدم نزع المسن من بيئته الاجتماعية (‏aging in place ‎‏). ‏ 
إذا يمكن القول أن هذا النموذج يرتكز على استجابة المسن لهذه التغيرات وكيفية ‏تكيفه معها. ومن هنا قدم العالمان ثلاث أشكال من الاستجابات:‏ ‏1.‏الإعادة للجزء المفقود لدى المسن وهنا تتم استعادة الوظيفة ‏التي تعطلت نتيجة للفقد. ومثال على ذلك عملية الاستشفاء من المرض المؤقت.‏ ‏2.‏التعويض: وهي عملية يتم من خلالها تعويض الجزء المفقود ‏أو الوظيفة المفقودة. ومثال ذلك استخدام العكاز لتعويض تعطل وظيفة أحد ‏الساقين أو إنشاء علاقات صداقة لتعويض فقدان العلاقات الأسرية.‏
 ‏3.‏التكيف: وهي عملية القبول والتسليم بالواقع كما هو. وهذه ‏العملية تكون عندما يكون مبدأ الإعادة والتعويض متعذرين. فعلى سبيل المثال، ‏فقدان السمع أو النظر من الصعب استعادته أو تعويضه وعلى المسن التكيف ‏معه.‏
ودور الأخصائي الاجتماعي في هذا النموذج يقوم على دراسة احتياجات المسن ‏ودراسة المصادر المحيطة به والتي يمكن توظيفها بفعالية لمقابلة تلك الاحتياجات. وهو هنا ‏يربط بين فقدان المسن للوظائف الحيوية والوظيفية وكيفية إعادة بنائها أو تعويضها أو على ‏الأقل مساعدة المسن على التكيف بدونها‎ ‎‏ (جلفاند،1988).‏

حقوق المسنين عالميا:

إن رعاية المسنين والاهتمام بهم أمر في غاية الأهمية ، فهذه الفئة التي أفنت حياتها بالعطاء والتضحية تستحق الاحترام والامتنان والرعاية من خلال خدمتهم على أكمل وجه وتقديم التسهيلات وتوفير الإمكانيات اللازمة لهم .
و الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت في عام ١٩٩١ م ،وثيقة المبادئ المتعلقة بكبار السن وهي :
١- مبدأ "الاستقلالية" وهو حق كبار السن في الحصول على ما يكفي من الغذاء والماء والمأوى والملبس والرعاية الصحية وإمكانية ممارسة العمل بأجر والحصول على التعليم والتدريب.
٢- مبدأ "المشاركة" و يعني وجوب أن يشارك كبار السن بنشاط في صوغ وتنفيذ السياسات التي تؤثر مباشرة في رفاههم، وأن يقدموا إلى الأجيال الشابة معارفهم ومهاراتهم، وأن يكونوا قادرين على تشكيل الحركات أو الرابطات الخاصة بهم.
٣- مبدأ "الرعاية" وهو توفير فرص الاستفادة من الرعاية الأسرية والرعاية الصحية لكبار السن ، وأن يمكنوا من التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية عند إقامتهم في مأوى أو مرفق للرعاية أو للعلاج.
٤-مبدأ "تحقيق الذات"،وهو يعني تمكين كبار السن من التماس فرص التنمية الكاملة لإمكاناتهم من خلال إتاحة إمكانية استفادتهم من موارد المجتمع التعليمية والثقافية والروحية والترويحية.
٥-مبدأ "الكرامة" وهو تمكين كبار السن من العيش في كنف الكرامة والأمن، ودون خضوع لأي استغلال أو سوء معاملة، جسدية أو عقلية، وينبغي أن يعاملوا معاملة منصفة، بصرف النظر عن عمرهم أو جنسهم أو خلفيتهم العرقية أو الإثنية، أو كونهم معوقين، وبصرف النظر عن مركزهم المالي أو أي وضع آخر، وأن يكونوا موضع تقدير بصرف النظر عن مدى مساهمتهم الاقتصادية.

حقوق المسنين في السعودية:

في السعودية تشير أحدث إحصائية لمصلحة الإحصاءات العامة ان عدد المسنين يقارب مليون وثلاثة آلاف مسن ،أي ما نسبته ٥٪ من إجمالي عدد السكان، وقد حفظت المادة السابعة والعشرون من النظام الأساسي حقوق المسن حيث نصت على: "تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية".
(http://alwareef.blogspot.com/p/blog-page_7758.html)
وتنبع حقوق المسنون في السعودية من رحم الحقوق التي افترضها ووضعها الاسلام للمسنين حيث تتضح فيما يلي:

 في القرآن و السنة :

لقد حرص الإسلام أشد الحرص على العناية بالفرد داخل المجتمع ، منذ كونه جنيناً فطفلا ، فشابا ً، فرجلا ً، بعد أن أعطاه قيمته الإنسانية فقال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) الإسراء : 70 ، فالإنسان في جميع مراحله محترم ومكرم ، لقيمته الإنسانية الذاتية ، ويزداد ذلك التكريم والاحترام بقدر ما يكتسب من محامد وصفات وبقدر ما يعمل من أعمال البر والخير .
إن الإسلام حفظ للإنسان كرامته ، ووفى بحقه ، فأمر بإكرامه عند شيبته وحث على القيام بشؤونه ، وهو النموذج الذي جسدته ابنتا شعيب عليه السلام اللتان قالتا : ( لا نسقى حتى يُصْدِر الرّعاء وأبونا شيخ كبير ) (القصص: 23) .
ولما كان حال الكبر هو مظنة الإهمال والضجر والغضب خصه سبحانه بالذكر وبمزيد من العناية من بين سائر الحالات التي يمر بها الإنسان في حياته ، قال سبحانه (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما : أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِ ارحمهما كما ربياني صغيراً). (الإسراء: 23 - 24) .
وكذلك كانت الشيخوخة محل عناية ووصاية من النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: [ رغم أنفُ ثم رغم أنف ُ، ثم رغم أنفُ ] ، قيل: من يا رسول الله؟ قال: [من أدرك أبويه عند الكبر - أحدهما أو كليهما - فلم يدخل الجنة ] . وقال لرجل استأذنه في الجهاد: [ أحَيٌّ والداك ] فقال: نعم، قال: [ ففيهما فجاهد ] .
والأمر لا يقف عند الوالدين إذا بلغا سن الشيخوخة بل يتعدى ذلك إلى كل كبير مُسّن ، فيوجب له الاحترام ويجعل ذلك من الإسلام ، يقول صلى الله عليه وسلم: [ ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقَّر كبيرنا، ويأمر بالمعروف ، وينْهَ عن المنكر ] (رواه الترمذي وأحمد) .
كما يوجب له الرعاية الاجتماعية والخلقية ، يقول صلى الله عليه وسلم:
[ إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ] (رواه أبو داود) .
ويعد الشاب البار الذي استجاب لأمر ربه يعده بالجزاء الأوفى فيقول صلى الله عليه وسلم: [ ما أكرم شاب شيخاً لسنه - أي في شيخوخته - إلا قيض الله له من يكرمه عند سنّه ] (رواه الترمذي) .
وهذا كله يندرج تحت الأصل العام الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ من لا يرحم لا يُرحم ] (رواه البخاري) .
ومن سماحة الإسلام : أنه راعى حق المسن في العبادات أيضا ، وأمر من يؤم الناس أن يراعي حال المسنين . قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ] (رواه أبو داود) .
رفع الحرج والتيسير على المسنين :
إن من مقاصد الشريعة الإسلامية التيسير ورفع الحرج ، لذلك شُرع قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين للمسافر ، وغير ذلك .
وجعل الإسلام للمرضى المسنين وغيرهم تشريعات خاصة بهم ، وحطّ عنهم الإثم في ترك ما لا يقدرون عليه ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) (البقرة:286) .
من تلك التشريعات : إباحة الفطر في رمضان للمسن ، والمريض الذي لا يقوى على الصوم ، وإذا صام أضر ذلك بصحته قال سبحانه: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) (البقرة: 184) . قال بعض العلماء : أي وعلى الذين لا يطيقونه فدية . والفدية تكون إطعام مسكين عن كل يوم يفطر فيه من رمضان .
قال ابن عباس : لا يُرخص في هذا إلا للذي لا يطيق الصيام أو مريض لا يُشفى. (رواه النسائي) .
ورخص الإسلام للمسن المريض التخلف عن صلاة الجماعة ، قال صلى الله عليه وسلم : [ من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر ] - قالوا: وما العذر؟ قال: [ خوف أو مرض - لم تُقبل - منه الصلاة التي صلى ] (رواه أبو داود) .
بل رخّص للمريض - والمسن غالباً ما يصيبه المرض - أن يصلي بالكيفية التي يستطيعها - إن تعذر عليه أو شق القيام ، وأداء الصلاة بالشكل الطبيعي - فإن لم يستطع أن يصلي قائماً قعد فإن لم يستطع قاعداً فعلى جنبه ، قال صلى الله عليه وسلم لمريض به بواسير: [صلِّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً . فإن لم تستطع فعلى جنب] (رواه البخاري) .
وإنما شرع الإسلام الحج وأوجبه على المستطيع ، فإن بلغت بالرجل السن فشاخ وهَرِم فلم يستطع الحج لم يجب عليه الحج ، لكنه مقصر لأنه أخره إلى وقت لا يستطيعه فيه ، ما لم يكن أخَّره لعذر ، وحين زال العذر بلغ الهرم وخارت قواه ولم يملك مالاً ليُنيب عنه غيره فعندها فقط يسقط عنه الحج . 

مرتكزات رعاية المسنين في المملكة العربية السعودية:

و هناك مرتكزات تقوم عليها رعاية المسنين في الإسلام و تقوم عليها رعاية النظام السعودي للمسنين و هي :
1. أن الإنسان مخلوق مكرم و مكانته محترمة في الإسلام .
2. المجتمع المسلم مجتمع متراحم متواد .
3. إن جزاء الإحسان في الإسلام هو الإحسان .
4. المجتمع المسلم مجتمع متعاطف متكاتف متعاون .
5. المسن المؤمن له مكانته عند الله و لا يزاد في عمره إلا كن خيرا له .
6. توقير الكبير و إكرامه و التشبه به سمة من سمات المجتمع المسلم .
7. المسن ذو الشيبة المسلم له منزلة و مكانة متميزة في الإسلام .
8. وجوب تقديم الرعاية الشاملة للمسن من قبل الدولة .(السدحان , 1418هـ : 33-45)
فهذه هي فلسفة الخدمة الرعاية الاجتماعية الإسلامية و المملكة العربية السعودية تسير على هذا النهج في رعاية المسنين . 
ويهدف الأخصائي كتطبيق للتدخل المهني في ضوء الممارسة الميدانية إلى الارتقاء إلى أقصى حد ممكن بالأداء الاجتماعي للمسنين بحيث يعكس تقديم الرعاية والعناية كواجب إنساني وحق للمسن في ظل مجتمع متكافل مسلم ...يطبق تعاليم الشريعة الإسلامية الصالحة في كل زمان وفي كل وقت هذه الخدمات تأخذ أساليب الخدمة الاجتماعية الوقائية والعلاجية والإنمائية بالإضافة إلى إتاحة ادوار نشيطه ومفيدة لكبار السن ....
و دور الأخصائي الاجتماعي يتطلب مساعدة المسن على الوصول إلى درجة التوافق ‏النفسي والاجتماعي. وعملية التوافق يمكن تقسيمها إلى الخطوات التالية )شنايدر و كروف ، ‏‏1992م):
‏ ‏1.‏تقبل الواقع المعاش على أنه واقع يختلف عن الماضي نتيجة ‏للتغير الاجتماعي الذي تمر به كل الكائنات والمجتمعات.
‏ ‏2.‏التغلب على مظاهر الإثارة والإحباط والارتباك التي تنشأ من ‏عدم التوافق مع الواقع.‏
 ‏3.‏محاولة استغلال ردود الأفعال الناتجة عن عدم التوافق بصورة ‏إيجابية لتكون الدافع نحو الوصول إلى التوافق النفسي والاجتماعي.‏
 ‏4.‏إعادة توجيه الاتجاهات الفكرية ومساعدة المسن على التعبير ‏عنها لأن ذلك يساعد المسن على تقبل الاتجاهات الجديدة والتعايش معها.‏
 ‏5.‏إعادة التوافق النفسي والاجتماعي من خلال الاستثمار الأمثل ‏للموارد الذاتية والبيئية المتوفرة في بيئة المسن.‏
 إذا نخلص من ذلك إلى أن مراعاة الجوانب الثقافية السائدة في المجتمع والتعامل معها ‏بنوع من الحذر يزيد من كفاءة عملية الممارسة المهنية مع كبار السن وصولا إلى التوافق ‏النفسي والاجتماعي. ‏ ووصولا إلى هذا الهدف يسعى الأخصائي الاجتماعي الممارس في المجتمع السعودي المسلم ‏إلى مراعاة الأمور التالية:‏
 ‏1.‏يشكل الجانب الديني في حياة الإنسان محورا لتفسير وتأصيل ‏العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع السعودي. والمسن يكون قد نشأ وتربى ‏على نموذج معين في التربية ولكن وإن تعددت الأشكال فإن المضمون في الغالب ‏يكون واحدا.‏
 ‏2.‏إن الاتجاهات الفكرية خاصة إذا كانت تتصل وترتبط في أذهان ‏الناس بالجانب الديني وإن لم يكن لها في الأصل أي ارتباط تجعل عملية تغييرها ‏تتسم بالصعوبة والتحدي.‏
 ‏3.‏يجب أن ترتكز عملية التدخل المهني على الجانب التوافقي بدلا من ‏التغيير الجذري أو الكلي. لأن التوافق هنا يعني التعايش والتكيف مع الواقع بدلا ‏من رفضه والانسحاب منه.‏
 ‏4.‏إن التقارب الفكري بين الأجيال سلاح ذو حدين فمن ناحية هو ‏يعمل على وصل الماضي بالحاضر ومن ناحية أخرى قد يؤدي إلى التصادم ‏الفكري. ولذلك فإن محاولة التقارب الفكري بين الأجيال يجب أن تتم وفقا ‏للظروف النفسية والاجتماعية والبيئية لدى المسن وأسرته ومجتمعه.‏
 ‏5.‏إن العادات والتقاليد السائدة في المجتمع تقوم على الأعراف غير ‏المكتوبة والتي تتأصل في نفوس الأفراد نتيجة للسلوك الجمعي المحاكى عن ‏طريق التقليد. وتغيير هذه العادات يتسم بالصعوبة البالغة ولكن يمكن تعديلها بما ‏يتلاءم مع الواقع المعاش.‏
و فيما يلي عددا الأساليب التي ينبغي مراعاتها عند التعامل مع كبير السن في المجتمع والتي تنبع من حقوقه التي كفلها له النظام:
 - مبادرة المسن بالتحية والسلام والمصافحة : ويضاف إليه تقبيل الرأس واليد لاسيما إن كان أبا أو أما أو عالما .
 - رفع الروح المعنوية لديه وذلك بحسن استقباله والترحيب به والدعاء له وإظهار البشر بقدومه والتبسم في وجهه فهذا يشعره بحب المجتمع له وفرحه بوجوده وأنه غير منبوذ أو مكروه في مجتمعه.
 - سؤال المسن عن ماضيه وذكرياته وانجازاته والإصغاء إليه وعدم مقاطعته وينبغي أن يدرك من يتعامل معه أن المسن تظل ذكرياته الماضية حية ماثلة أمامه فهو يتذكر جيدا أعماله التي قدمها في شبابه ويرغب في الحديث عنها بنفسه أو التحدث عنها مع غيره.
 - إبراز جهود وانجازات المسن والحديث عن ما قدمه من خدمات لمجتمعه والدعوة إلى الاقتداء به والدعاء له ذو اثر ايجابي عليه وإشعاره بأهميته وخاصة في اللقاءات والمناسبات العائلية فشعور المسن أنه قد أنجز أعمالا باهرة وانه قد كافح بعصا ميتة حتى نال ما نال هذا الشعور يولد نعيما لا ينضب من السعادة النفسية وزادا لا ينفذ لراحته العاطفية وأن أيامه أيام خير وجيله جيل أعمال ورجال.
 - الحذر من الاستئثار بالحديث في حضرتهم أو تجاهلهم دون منحهم فرصة لتعبير عن مشاعرهم أو ذكر شيء من آراءه وخبراته.
 - عدم التبرم والضجر من تعصب المسن لماضيه لان تعصب المسن لماضيه يمثل بالنسبة له القوة والنشاط والمكانة الاجتماعية والانجازات التي قدمها فينبغي تلمس العذر له وتفهم حاله.
 - ضرورة الاقتراب من المسن لاسيما أقرباءه وأصدقاءه :ففي هذه المرحلة من العمر يزداد الشعور بالوحدة والغربة ويشعر المسن بانسحاب الأقارب والأصدقاء عنه وعدم السؤال عن أحواله أو الاتصال به أو الحديث معه وهذا الوضع قد يزيد الخيبة والحسرة لديه ويدهور شخصية المسن ويزيد الشعور بالأمراض والآلام.
 - مساعدة المسن على المشاركة الاجتماعية وحضور المناسبات والعزائم والتكيف مع وضعه الجديد.
 - إشغال المسن بما ينفعه من أمور دنياه وآخرته إما بتكوين علاقات جديدة وصدقات أخرى مع أنداده في السن أو المشاركة في حلقات تحفيظ لكبار السن وقراءة القران وملازمة المساجد والجماعة. 
 - مراعاة التغيرات العضوية والنفسية والعقلية عند المسن حيث يصبح غالبا عرضة لكثير من التغييرات الجسمية والنفسية.
 - مراعاة آداب المجالسة والمخالطة والمصاحبة في حضرة كبار السن وفي الغالب يكثر وجوده في أكثر مجالس الناس اليوم.
 - المبادرة إلى معاونة المسن ونفعه حيث تزداد حاجته إلى المعاونة والمساعدة من قبل الآخرين بسبب ضعفهم وعجزهم.
 - تطييب نفوس المسنين وتقوية قلوبهم.
 - حماية المسن من مخاوف الكهولة ومنها الخوف من فقدان المركز الاجتماعي والقلق بشأن الحالة الصحية والمادية كما تساور المسن مشاعر انعدام الفائدة واستنفاذ الفاعلية وازدياد مرارة الشعور بالوحدة كلما قل الناس من حوله وخاصة الأولاد والأهل أو تناقص الأصدقاء.
 - حماية المسن من الانسحاب الاجتماعي : بسبب تقدم السن والعجز والأمراض وضعف السمع والبصر مما هو من علامات الشيخوخة يميل المسن إلى الاعتذار كثيرا عن المشاركة الاجتماعية في بعض اللقاءات الأسرية أو الاجتماعية وإذا حضر يظل ساكتا دون مشاركة لذلك ينبغي على من حوله وقايته من هذا الانسحاب حتى لا يصبح سلوكا عاما للمسن الأمر الذي يزيد مرضه أو غربته.
 - عدم تعريض المسن للعنت والمشقة فقد شاءت الشريعة بمراعاة الكبير وخففت عنه في كثير من العبادات والواجبات لهذا يلزم من يتعامل معه ألا يعرضه لمواقف فيها مشقة بل يرفق به ويكلف ما يطيق وإذا عجز عن أمر ما وجب مساعدته.
 - إشعار المسن بالعناية والاهتمام ويـتأكد على من يربطه بهم قرابة أو صداقة أو زمالة عمل أو جوار.
 - ملء فراغ المسن بالأمور النافعة ومن ذلك ربطهم بالمساجد وبرامجه ومحاضراته والمشاركة في الأنشطة والمخيمات القيام برحلات داخلية وأداء العمرة والأماكن المقدسة توفير مكتبة ثقافية في مكانه وممارسة بعض التمارين الرياضية.
 - التعرف على ابرز مشكلات المسنين في هذا المرحلة والتي أدت إلى ضعف الصلات الاجتماعية عندهم ومن أبرزها :استهزاء الناس بكبار السن وعدم زيارة الأقارب لهم وكراهية الناس لكبار السن ؛ أفكار المسنين لا تعجب الأولاد ؛الشعور بالعزلة ؛ عدم وجود أصحاب يتحدث المسن معهم عن همومه ؛أفراد الأسرة غير متفهمين لمشكلاته ؛ رفض الأولاد الجلوس مع المسن والحديث معه ؛ كثرة الخلافات الزوجية ؛ شعور المسن بأنه أصبح عبئا ثقيلا على أفراد أسرته ؛ الجيران يتضايقون منه ؛ أفراد الأسرة يتمنون موته.
 - العناية بنظافة كبار السن وستر عوراتهم.
 - وتذكير المسن بأوقات العبادات.
 - أهمية تبصير الأسرة بحقوق المسن وضرورة العناية به لأنه مع طول زمن الضعف والعجز الذي وصل إليه المسن ربما يهمل أفراد الأسرة التعاطف معه أو زيارته والسؤال عنه.
 - ضرورة تعليم الأولاد والصغار وتدربيهم على رعاية الوالدين تعويد الأولاد على المشاركة في الأعمال الأسرية وخاصة تقديم الخدمات إلى الوالدين وكبار السن داخل الأسرة يقوي العلاقة بهم ويصبح الأولاد والأحفاد في المستقبل بارين بكبار السن ويظهرون الاحترام والتقدير لهم فيبادر الأولاد بالسلام عليهم قبل غيرهم ويقبلون رؤوسهم وأيديهم لأنهم اعتادوا على هذه الأمور منذ الصغر.
 - الحضور بالأولاد إلى مجالس المسنين.
 - العناية بغذاء المسنين ومراعاة حالتهم الصحية والنفسية.
 - ضرورة العناية بتربية النشء من مرحلة مبكرة على احترام كبار السن وتقديرهم وإكرامه وحسن معاملتهم.
http://forum.sedty.com/t251471.html



الخاتمة :
إن العنصر البشري على اختلاف فئاته هو الثروة التي تفخر بها الأمم والشعوب، وكل ‏فرد في المجتمع بجب أن تتوفر له أوجه الرعاية المختلفة. وإذا كان الاهتمام الأكبر يوجه في ‏العادة إلى الفئات ذات العمر الأقل – الأطفال والشباب – فإن الاهتمام لا يجب أن يغفل فئة كبار ‏السن.‏ 
وبالرغم من أن المجتمع السعودي لا يعاني في الفترة الحالية من مشكلة تزايد أعداد ‏المسنين كما هو الحال في بعض الدول الأخرى لأنه مجتمع غض، فإن ذلك لا يعني بأي حال ‏من الأحوال عدم الاستعداد والعمل من الآن. فما تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية ، على ‏سبيل المثال، من قصور في الخدمات الاجتماعية المقدمة للمسنين يرجعه الكثير من العلماء ‏المتخصصين إلى عدم الاستعداد لذلك في فترة الستينات والسبعينات يوم كانت نسبة المسنين لا ‏تتجاوز 14 % من مجموع السكان.‏
 والتدخل المهني من قبل الأخصائي المسلم مع فئة كبار السن يجب أن تأخذ بعين الاعتبار السمات الجسمية ‏والنفسية والاجتماعية لهذه الفئة وكذلك الاعتبارات الثقافية الموجودة في المجتمع. أيضا يجب ‏على الممارس المهني استثمار قدرات المسن مهما تكن قليلة وضعيفة ومحاولة توظيفها لتقوية ‏الذات وتدعيم التوافق النفسي والاجتماعي . و الإسلام بما قدمه من منهج قويم في رعاية المسنين يحقق كل هذه الاعتبارات .
و الله الموفق ...

المراجع

1- الأمم المتحدة ( 2000 م) التقرير السنوي لمؤشرات التنمية الاجتماعية في العالم.‏ 
2- إسماعيل، عزت وآخرون ( 1984م) التقدم في السن: دراسات نفسية اجتماعية. الكويت: دار ‏القلم.‏ 
3- السدحان، عبد الله ناصر( 1418هـ) رعاية المسنين في الإسلام. الرياض : مكتبة العبيكان.‏ 
4- عيسوي، عبد الرحمن( 1989) اضطرابات الشيخوخة وعلاجها: مع دراسة حول دور الشيوخ ‏في معركة التنمية. بيروت: دار النهضة العربية.‏
5- الفقي , مصطفى محمد أحمد ( 2008م ) رعاية المسنين بين العلوم الوضعية و التصور الإسلامي . الإسكندرية : المكتب الجامعي الحديث .
6- قناوي، هدى محمد (1987) سيكولوجية المسنين.القاهرة: مركز التنمية البشرية والمعلومات.‏ 
7- الكيلاني، يوسف عبد الله ( 1983م) الشيخوخة والصحة. الكويت: منشورات ذات السلاسل.‏
8- محمود، سامي ( 1993م) لا للشيخوخة المبكرة. القاهرة: الدار المصرية للنشر ‏والتوزيع.‏
9- مناع، محمد عبد الرزاق( 1984م) رعاية المسنين. الرياض: دار العلوم للطباعة والنشر.‏ 
10- يونس , الفاروق زكي( 1417هـ) الخدمة الاجتماعية مع المسنين بنظرة إسلامية – التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية – المنهج و المجالات . القاهرة : المعهد العالي للفكر الإسلامي.
11- من شبكة الانترنت :
http://alwareef.blogspot.com/p/blog-page_7758.html
http://forum.sedty.com/t251471.html


المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الملك سعود
كلية الآداب
قسم الدراسات الاجتماعية
بحث بعنوان:
حقـــــوق المسنــــون من منظور قانوني
إعداد الطالب:
عامر بن غازي العتيبي 
الرقم الجامعي / 433910247
إشراف سعادة الدكتور :
حميد بن خليل الشايجي
العام الجامعي
1434/1435هـ

ابحث عن موضوع