حقوق المتهم في ضوء نظام الإجراءات الجزائية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد :فقد خطت وزارة العدل خلال فترة وجيزة خطوات متميزة ، وشهدت تطوراً ملموساً على كافة الأصعدة فاق التوقعات ؛ تحقيقاً لتطلعات ولاة الأمر بالارتقاء في مستوى الأجهزة الحكومية وتحسين أدائها .
ففي مجال الأنظمة صدر خلال مدة عامين وبضعة أشهر مجموعة من الأنظمة منها نظام المرافعات ، ونظام المحاماة ، ونظام التسجيل العيني للعقار ، ونظام تملك غير السعوديين للعقار واستثماره ، ونظام ملكية الوحدات العقارية وفرزها ، كما صدر عدد من اللوائح منها اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات ، واللائحة التنفيذية لنظام المحاماة ، ولائحة التفتيش والتحقيق القضائي ، ومن ضمن الأنظمة التي صدرت نظام الإجراءات الجزائية الموافق عليه بقرار مجلس الوزراء رقم 200 في 14/7/1422هـ ، والمصادق عليه بالمرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 28/7/1422هـ ، والذي جاء رغم قصر فترة إعداده متميزاً بسهولته ، ودقة عبارته ، ويبرز بجلاء سماحة الشريعة الإسلامية ، وحفظها للحقوق ، مما كان له الأثر الطيب في سرعة استيعابه وتطبيقه ، وقد أولى النظام المذكور عناية ملحوظة بحقوق المتهم قبل المحاكمة وبعدها تضمنتها الشريعة الإسلامية السمحة ، ونص عليها النظام بنصوص واضحة صريحة فاقت آخر ما تدعو إليه النظريات الحديثة المتعلقة بحقوق المتهم ، وفي هذا البحث عرضا لأهم ما ورد فيه بهذا الخصوص .
و الله الموفق ...
تعريف حق المتهم
أولاً : تعريف الحق
الحق في اللغة : الحق خلاف الباطل وهو مصدر حق الشيء من بابي ضرب وقتل إذا وجب وثبت ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها ( ).
وفي الصحاح (الحق ): خلاف الباطل ، والحق: واحد الحقوق ، والحقة أخص منه. يقال: هذه حقتي، أي حقي. والحقة أيضا: حقيقة الأمر. يقال: لما عرف الحقة مني هرب ( ) .
ومن معاني الحق : النصيب والواجب واليقين وحقوق العقار ومنافعه ( ).
والحق استعمل في لغة العرب بعدة استعمالات:
منها : الثابت الواجب على الغير لقوله تعالى :﴿ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾ ( ).
ومنها: النصيب لقوله : (( إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث ))( ).
ومنها : الثابت ضد الباطل لقوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾( ) ( )
والحق في الاصطلاح : يأتي بمعنيين :
الأول : هو الحكم المطابق لواقع ، ويطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالهما على ذلك ويقابله الباطل .
والآخر : أن يكون بمعنى الواجب الثابت وهو قسمان : حق الله وحق العباد. والحق في عرف الفقهاء هو :
المراد بالحق غالباً عند الفقهاء : ما يستحقه الرجل ( )
والحقوق نوعان : حق الله ، وحق الآدمي ؛ فحق الله لا مدخل للصلح فيه كالحدود والزكوات والكفارات ونحوها ، وإنما الصلح بين العبد وبين ربه في إقامتها ، لا في إهمالها ، ولهذا لا يقبل بالحدود ، وإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع .
وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها ، والصلح العادل هو الذي أمر الله به ورسوله كما قال تعالى : ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ﴾ ( ).
ثانياً: تعريف المتهم :
أتْهَم الرجل إذا أتى بما يتهم عليه.
قال الشاعر :
هما سَقَياني السُمّ من غير بِغضة ... على غير جُرْمٍ في إناء تهيم ( )
ومن خلال هذه التعاريف اللغوية يتضح معنى حق المتهم فالمراد بالحق غالباً عند الفقهاء : ما يستحقه الرجل ( ).
والمتهم : هو من اتهم بارتكابه فعلاً محرماً بطريق العمد أو الخطأ ( ).
حقوق المتهم في مرحلة القبض :
للأشخاص ومساكنهم ومكاتبهم ومراكبهم حرمة تجب صيانتها ( م40) ، ولا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا بأمر مسبب من هيئة التحقيق والإدعاء العام . ولا تفتش ماعدا المساكن إلا بإذن مسبب من المحقق (م 41 ، 80) ، ويتم تفتيش المسكن بحضور صاحبه ، أو من ينيبه ، أو أحد أفراد أسرته البالغين ، ويّمكن صاحب المسكن ، أو من ينوب عنه من الاطلاع على إذن التفتيش (م46) .
كما أن للرسائل البريدية والبرقية والمحادثات الهاتفية ، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة ، فلا يجوز الاطلاع عليها ، أو مراقبتها إلا بأمر مسبب ، ولمدة محدودة ( م55) .
ولا يجوز القبض على أي إنسان أو توقيفه ؛ إلا بأمر من السلطة المختصة بذلك باستثناء حالة التلبس بالجريمة (م35 ، 33 ) .
ويبلغ فوراً كل من يقبض عليه أو يوقف بأسباب القبض عليه أو توقيفه ، ويكون له حق الاتصال بمن يراه لإبلاغه (م116 ، 35 ) .
ويجب معاملته بما يحفظ كرامته ، ولا يجوز إيذاؤه جسدياً أو معنوياً ، كما يحظر تعريضه للتعذيب (م35 ،2 ) .
ولا يجوز إبقاء المقبوض عليه موقوفاً لأكثر من أربع وعشرين ساعة إلا بأمر كتابي من المحقق ( م33 ) .
حقوق المتهم في مرحلة التحقيق :
يجب على المحقق عند حضور المتهم لأول مرة في التحقيق أن يحيطه علماً بالتهمة المنسوبة إليه (م101) . ويحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محامي لحضور التحقيق (م64،4) . ويحق لوكيل المتهم أو محاميه أن يحضر جميع إجراءات التحقيق (م69) .
وليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه أثناء التحقيق (م70) .
ويجب أن يتم الاستجواب في حال لا تأثير فيها على إرادة المتهم ، ولا يجوز تحليفه ، ولا استعمال وسائل الإكراه ضده (م102) .
حقوق المتهم في مرحلة المحاكمة :
يحضر المتهم جلسات المحكمة بغير قيود ولا أغلال (م158) . ويحق له أن يستعين بوكيل أو محام عنه (م4) . ويجوز له في الجرائم غير الكبيرة أن ينيب عنه وكيلاً أو محامياً لتقديم دفاعه (م140) .
وإذا حضر المتهم وطلب إعطاءه مهلة لإعداد دفاعه فعلى المحكمة أن تمنحه مهلة كافية (م137) .
وتعقد المحكمة جلساتها علنية ؛ إلا ما دعت الضرورة نظرها في جلسات سرية مراعاة للأمن ، أو محافظة على الآداب العامة (م155) .
وتسمع المحكمة دعوى المدعي العام ، ثم دعوى المدعى الخاص ، ثم جواب المتهم أو وكلية أو محاميه ، ويكون المتهم هو آخر من يتكلم (م174).
ويتلى الحكم في جلسة علنية بحضور أطراف الدعوى (م182) . ويحق للمتهم الاعتراض على الحكم ، وطلب تمييزه ، وعلى المحكمة إعلامه بهذا الحق حال النطق بالحكم (م193،9) .
وإذا كان الحكم صادراً بالقتل أو الرجم أو القطع أو القصاص فيما دون النفس فيجب تمييزه ، ولو لم يطلب المتهم المدان ذلك (م195) .
وتنظر قضايا القتل أو الرجم أو القطع أو القصاص فيما دون النفس من قبل ثلاثة قضاة ، ولا يجوز لها أن تصدر حكماً بعقوبة القتل تعزيراً إلا بالإجماع (م129) . وتدقق محكمة التمييز ( الاستئناف ) الأحكام الصادرة بالقتل أو الرجم أو القطع أو القصاص فيما دون النفس من خمسة قضاة برتبة قاضي تمييز ( استئناف ) (م10) . ولا تكون الأحكام المصادق عليها من محكمة التمييز ( الاستئناف ) بالقتل أو الرجم أو القطع أو القصاص فيما دون النفس نهائية ؛ إلا بعد الموافقة عليها من مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة ( المحكمة العليا )(م11) من دائرة مكونة من خمسة أعضاء برتبة رئيس محكمة تمييز ( استئناف ) .
ملاحظات عامة:
نلاحظ أن حقوق المتهم في نظام الإجراءات الجزائية أخذت حيزاً كبيراً من مواد النظام ولا غرابة في ذلك لأن هذا النظام :
أولاً : مستمد من الشريعة الإسلامية التي جاءت عدلاً حقاً وأعطيت كل ذي حق حقه حتى للكافر ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ ( ) ولأن المملكة العربية السعودية تحكم الشريعة في جميع أمورها كما نص على ذلك المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم :
المملكة العربية السعودية دولة إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله وسنة رسوله .
ثانياً : شمولية النظام لأن أي نظام لابد أن يراعي الجاني والمجني عليه وظرف الجريمة وأثر هذه الجريمة والمخالفة تقويماً للجاني والمقصر وضبطاً للمجتمع .
والنظام حافظ على كرامة الجاني وشرفه وحريته وكامل حقوقه في الدفاع عن نفسه بطريقة عادلة .
كما انه أيضاً حافظ على المجتمع وأمنه وحريته واستقراره بطريقة متوازنة .
ثالثاً : النظام لا يلغي الآدمية والبشرية وكافة الحقوق المشروعة للجاني والجانح فالعقوبة لا تجرد الإنسان من بشريته وآدميته وتلغي عنه التكريم الوارد في قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ ( ) وضمنت للمتهم مصلحته في حق الدفاع وفي الحديث أن النبي قال لعلي بن أبي طالب حين ولاه اليمن : ((إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول )) ( ).
و قد برزت في هذا النظام السمات التالية :
1- عدم تعذيب المقبوض عليهم والمتهمون أو إيذاؤهم .
2- حرمة الإنسان والمساكن والمكاتب والمراكب وما في حكمها .
3- تسبيب أوامر القبض والتفتيش والتحقيق.
4- إعطاء المتهم حق الاطلاع على أمر التفتيش .
5- إعطاء المتهم حق التوكيل والاتصال بالمحامي .
6- إعطاء المحكوم عليه حق القناعة من عدمها وتسليمه الصك لاعتراض على الحكم .
7- اكتساب الحكم القطعية بقناعة المدعى عليه .
8- تداخل النظر في الحق العام مع الحق الخاص .
9- الحكم بالقتل تعزيراً يكون بالإجماع وإن لم يحصل الإجماع فيندب وزير العدل اثنين من القضاة .
10- تفويض تحديد الجرائم الكبيرة لوزير الداخلية ورئيس هيئة التحقيق والادعاء العام .
الخاتمة
بعد هذا العرض السريع لبعض مواد هذه النظام وخصوصاً فيما يتعلق بحقوق المتهم يتضح لنا بعض النتائج المهمة:
أولاً: شمولية هذا لنظام حيث راعى المتهم في جميع أطواره وأمواله وأعطى المجتمع حقه في حفظه وصيانته .
ثانياً : بما أن هذا النظام مستمد من الشريعة المستوعبة الشاملة فإن هذه الحقوق التي أعطيت للمتهم وحفظت له إنما هي حقوق أصلية شرعية جاءت من الشريعة نفسها .
ثالثاً : لغة هذا النظام جمعت بين الفقه والسهولة فكانت المواد سلسلة مترابطة ومعانيها وأحكامها قوية وواضحة .
والله الموفق .
المراجع:
1- القرآن الكريم
2- كتب صحاح السنة.
3- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ( 1/144) .
4- الصحاح في اللغة للجوهري (1/140) .
5- مشكاة المصابيح لمحمد بن عبد الله الخطيب التبريزي ، الناشر : المكتب الإسلامي – بيروت الطبعة : الثالثة - 1405 – 1985 تحقيق محمد ناصر الدين الألباني .
6- حقوق المحكوم عليه في الشريعة الإسلامية د أ / محمد بن أحمد الصالح .
7- البحر الرائق شرح كنز الدقائق البحر الرائق 6/148 .
8- إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/ 108.
9- لسان العرب لابن منظور :،الناشر دار صادر - بيروت الطبعة الأولى.
10- الموسوعة الفقهية الطبعة 1410هـ
11- حقوق المتهم في مرحلة الاستدلال في الشريعة والقانون .
12- نظام الإجراءات الجزائية السعودي
13- حقوق المتهم عند القبض ، والتحقيق ، والمحاكمة في ضوء نظام الإجراءات الجزائية , إبراهيم بن صالح الزغيبي , إدارة العلاقات العامة والإعلام بوزارة العدل ،الرياض .
http://www.cojss.com/vb/archive/index.php/t-6107.html