يعد التفتيش من أخطر الإجراءات الجزائية ، وأن المنظم قيده بقيود كثيرة تضمن عدم إساءة استعمال هذا الحق من ناحية، وتضمن صحة النتائج التي يسفر عنها من ناحية أخرى.
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم
جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن
كلية الأنظمة والعلوم السياسية
بحث بعنوان:
إجــــــراءات التفتيـــش
إعداد الطالبة : أثيــــر الطحيــــني
الرقم الجامعي: 433004527
إشراف الدكتورة: فاطمة مصباح
العام الجامعي
1437/1438هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
أرسل الله عز وجل الرسل وأنزل الكتب, لإقامة شرعه في أرضه وبين خلقه، وختم هذه الرسالات برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الكاملة, حيث قال الله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" (سورة المائدة ، آية 3) . فهذه الشريعة الشاملة لم تدع خيراً إلا ودلت عليه , ولم تترك شراً إلا ونهت عنه وحذرت منه , كل ذلك مراعاة لمصلحة الإنسان في دنياه وأخراه . وقد حرصت الشريعة كل الحرص على صيانة الإنسان وتكريمه, وحرمت كل ما يمس شخص الإنسان, أو دينه, أو عقله, أو ماله, أو عرضه, وما يتعلق بذلك من التعرض لحياته الخاصة, ما دام بعيداً عن التهمة, متوقياً الشبهات, ملتزماً بأحكام الشرع. أما إذا خالف ذلك, ووضع نفسه في موطن الشبهة, وقويت التهمة ضده بقيام الدلائل والقرائن, فقد جعل على نفسه طريقاً يجيز التعرض لـه, والمساس بحريته, في حدود ضيقة, وبضوابط معينة. وبما أن هذه الدولة المباركة قائمة على كتاب الله وسنة نبيه، فليس بغريب أن تكون أنظمتها مستقاة من نبع الشريعة الصافي, ومن تلك الأنظمة نظام الإجراءات الجزائية, والذي لم يألو جهداً أن يؤكد على حرية الفرد ومنع الاعتداء على حقوقه المادية والمعنوية, وحماية حرماته من أي انتهاك, ومن ذلك ما جاء في المادة الثانية منه, حيث دلت على أن الأصل منع القيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق, إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً. ولا شك أن التفتيش من أمس إجراءات التحقيق بحرية الشخص وحرمته, وهو من الإجراءات التي عني بها النظام عناية فائقة, وهو موضع الدراسة في الصفحات التالية من البحث.
المبحث الأول : مفهوم التفتيش:
يعد التفتيش من أخطر الإجراءات الجزائية ، وأن المنظم قيده بقيود كثيرة تضمن عدم إساءة استعمال هذا الحق من ناحية، وتضمن صحة النتائج التي يسفر عنها من ناحية أخرى.
تعريف التفتيش:
التفتيش اجراء من اجراءات التحقيق الابتدائي وليس من اجراءات جمع الأدلة . أي لا يمكن اللجوء اليه الا بناءا علي جريمه وقعت بالفعل ، وتتولي النيابه العامه نظرا لجسامتها وحساسيتها التحقيق في لمعرفه الحقيقه1 .
فالتفتيش إجراء يهدف الي كشف الجريمه وهذا حق المجتمع في الحفاظ عليه ومع ذلك يجب الحفاظ علي حرمه الحياه الخاصه للفرد ،وهذا ما حققه قانون الاجراءات بوضع ضمانات وقواعد التفتيش .
و التفتيش هو: الاطلاع علي محمل منحه القانون حرمه خاصه باعتباره مستودع سر صاحبه لضبط ما عسي قد يوجد به عما يفيد في كشف الحقيق في جريمه معينه لهذا يعد بطبيعته اجراء من اجراءات التحقيق2.
وعرف أيضا " بأنه اجراء من اجراءات التحقيق التي تهدف الي ضبط ادله الجريمه موضوع التحقيق وكل ما يفيد في كشف الحقيقة3.
ويمكن أن يُعرّف التفتيش الجنائي للشخص بأنه: إجراء من إجراءات التحقيق ، تقوم به سلطة حددها النظام ، يستهدف التنقيب عن دليل الجريمة في جسد الشخص أو ملابسه أو أمتعته أو ما يركبه أو المكان الذي هو فيه ما لم يكن مسكناً.
وفي نظام الإجراءات الجزائية السعودي يعرف التفتيش بأنه إجراء من إجراءات التحقيق يقوم به موظف مختص بالبحث عن أدلة مادية لجريمة وقت وذلك محل خاص أو لدى شخص وفقا لأحكام القانون4.
والتفتيش يمكن تقسيمه إلى قسمين بحسب المحل الذي يقع عليه:
1 تفتيش الأشخاص : وهو التفتيش الذي ينصب على جسد المتهم أو ملابسه أو ماله الذي معه أو أمتعته.
2 تفتيش المساكن: والمقصود بتفتيش المساكن هو التفتيش الذي يشمل كل مكان مسور أو محاط بأي حاجز أو معد لاستعماله مأوى ؛ فيشمل المساكن والمكاتب والمراكب ونحوها.
وسيتم في هذا البحث التركيز على تفتيش الأشخاص.
ويختلف التفتيش الجنائي للأشخاص عن التفتيش الإداري والوقائي، ولعل المعيار الرئيس الذي يميز بينها هو الهدف من إجراء كل واحد منها، فالهدف من التفتيش الجنائي للأشخاص هو البحث عن أدلة مادية تفيد في كشف الحقيقة لجريمة واقعة، أما الهدف من التفتيش الإداري فهو المحافظة على الأمن وعلى حسن سير العمل في الغالب، وهناك أهداف خاصة مختلفة باختلاف صوره كما سبق أن بينت ، أما الهدف من التفتيش الوقائي فهو تجريد المقبوض عليه مما يحمله من أسلحة أو أدوات قد يستعملها في الإفلات من القبض عليه أو في الاعتداء على نفسه أو غيره.
المبحث الثاني: أهمية إجراءات التفتيش:
تتمثل أهمية إجراءات التفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق أنها تهدف إلى البحث عن أدلة الجريمة موضوع التحقيق، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة من أجل إثبات ارتكابها ونسبتها إلى المتهم. وبالتالي يجب عدم الخلط بينه كإجراء للتحقيق الابتدائي وغيره من صور التفتيش التي تستخدم، كتجريد المقبوض عليه مما يحمله من أسلحة (التفتيش الوقائي) أو التفتيش الذي يهدف إلى التحقق من الشخصية (التفتيش الإداري) والتفتيش عند ركوب الطائرات،
فهذه الأنواع لا تهدف إلى ضبط أدلة جريمة معينة ومن ثم فلا تعتبر من إجراءات التحقيق1.
كما أن دخول المنازل بغير غرض التفتيش كاستجابة لنداء النجدة من ساكنيه، أو في حالات الكوارث فهو لا يعد من إجراءات التحقيق في شيء، ومن ثم لا يجوز لمأموري الضبط تفتيش المسكن بمناسبة دخولهم فيه، وهم إن فعلوا ذلك وقع تفتيشهم باطلا، ولكن إذا وجدوا عرضا لحظة دخولهم المسكن جريمة متلبسا بها، جاز ممارسة اختصاصاتهم المقررة قانونا في حالة التلبس كالقبض والتفتيش2.
ومعنى ذلك أن الغاية من التفتيش هى البحث عن الأشياء المتعلقة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات أو حصول التحقيق بشأنها. فالهدف هنا هو الحصول على أدلة الجريمة، وليس اكتشافها أو فاعلها. إذ التفتيش يكون بمناسبة جريمة وقعت وأسند ارتكابها إلى شخص معين، وتوجد دلائل كافية على ارتكابه لها بما يبرر انتهاك حرمة ذلك المحل الذي منح حرمة
خاصته. ومن هنا يتضح أن التفتيش بطبيعته يمس حق الأفراد في أسرار حياتهم الخاصة، فلا ينصرف إلى الأشياء المعلنة التي يمكن لكل أحد أن يطلع عليها1.
ووقد نصت المادة ٤٥ من نظام الإجراءات الجزائية السعودي ( لايجوز التفتيش الا للبحث عن الاشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع المعلومات عنها، او التحقق بشانها ، ومع ذلك اذا ظهر عرضا في اثناء التفتيش وجود اشياء تعد حيازتها جريمة ، او تفيد في كشف الحقيقة في جريمة اخرى ، وجب على رجل الضبط الجنائي ضبطها واثباتها في محضر التفتيش).
المبحث الثالث: خصائص إجراءات التفتيش:
التفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق:
يعد التفتيش من أهم إجراءات التحقيق لا تقوم به إلا سلطة التحقيق كأصل عام، أو توكل القيام به لسلطة الاستدلال في حال الندب، ولا يجريه رجال الضبط الجنائي إلا على سبيل الاستثناء من الأصل العام في حال التلبس2.
وإقرار هذا المبدأ أمر محمود حتى لا تكون حياة الناس عرضة لهذا الإجراء دون ضابط أو ضمانات كافية توائم بين حق المجتمع في الحفاظ على أمنه واستقراره وحق الفرد في المحافظة على أسراره وحرماته، استنادا لقرينة البراءة.
ولا شك أن التطور الذي شهدته المملكة العربية السعودية بإنشاء هيئة مستقلة تتولى أعمال التحقيق أظهر جليا اختصاص جهة التحقيق هذا الإجراء، وأكد ذلك نظام الإجراءات الجزائية. فقد جاء في نص المادة (٨٠) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي ما يلي: "
تفتيش المساكن عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة ، وللمحقق ان يفتش أي مكان ويضبط كل مايحتمل انه أستعمل في إرتكاب الجريمة او نتج عنها ، وكل مايفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الاوراق والاسلحة ، وفي جميع الاحوال يجب ان يعد محضرا عن واقعة التفتيش يتضمن الاسباب التي بني عليها ونتائجه ، مع مراعاة انه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الاحوال المنصوص عليها نظاما وبامر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام".1
ومن خلال استعراضنا لهذه النصوص التي وردت في نظام الإجراءات الجزائية السعودي تبين أن إجراء التفتيش هو أحد إجراءات التحقيق، والأصل فيه أن تقوم به سلطة التحقيق ويقوم به رجال الضبط الجنائي "مأموري الضبط القضائي" على سبيل الاستثناء في الأحوال المنصوص عليها.
ومما سبق يتضح أن التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق التي لا تمارس إلا من قبل المحقق المختص في هيئة التحقيق والادعاء العام بصفتها الجهة المختصة بإجراءات التحقق بشكل عام، ولا يجوز لرجال الضبط الجنائي القيام بهذا الإجراء إلا على سبيل الاستثناء والحصر وذلك في حالتين هما حالة التلبس بالجريمة أو الندب من سلطات التحقيق.
المبحث الرابع : المواد التي تتعلق بإجراءات التفتيش في نظام الجزاءات السعودي:
* المادة (40) : للأشخاص ومساكنهم ومكاتبهم ومراكبهم حرمة تجب صيانتها . وحرمة الشخص تحمي جسده وملابسه وماله وما يوجد من أمتعة. وتشمل حرمة المسكن كل مكان مسور أو محاط بأي حاجز أو معد لاستعماله مأوى .
* المادة (41) : لا يجوز لرجل الضبط الجنائي الدخول في أي محل مسكون أو تفتيشه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً ، بأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام ، وما عدا المساكن فيكتفى في تفتيشها بإذن مسبب من المحقق . وإذا رفض صاحب المسكن أو شاغله تمكين رجل الضبط الجنائي من الدخول أو قاوم دخوله ، جاز له أن يتخذ الوسائل اللازمة المشروعة لدخول المسكن بحسب ما تقتضيه الحال .
ويجوز دخول المسكن في حالة طلب المساعدة من الداخل ، أو حدوث هدم أو غرق أو حريق أو نحو ذلك أو دخول معتد أثناء مطاردته للقبض عليه .
* المادة (42): يجوز لرجل الضبط الجنائي - في الأحوال التي يجوز فيها القبض نظاماً على المتهم - أن يفتشه . ويشتمل التفتيش جسده وملابسه وأمتعته . وإذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش من قبل أنثى يندبها رجل الضبط الجنائي .
* المادة (43) : يجوز لرجل الضبط الجنائي في حال التلبس بجريمة أن يفتش منزل المتهم ويضبط ما فيه من الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة ، إذا اتضح من أمارات قوية أنها موجودة فيه .
* المادة (44) : إذا قامت أثناء تفتيش منزل متهم قرائن ضده ، أو ضد أي شخص موجود فيه – على أنه يخفي معه شئياً يفيد في كشف الحقيقة – جاز لرجل الضبط الجنائي أن يفتشه .
* المادة (45): لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع المعلومات عنها ، أو التحقيق بشأنها ، ومع ذلك إذا ظهر عرضاً في أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها جريمة ، أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى ، وجب على رجل الضبط الجنائي ضبطها وإثباتها في محضر التفتيش .
* المادة (46) : يتم تفتيش المسكن بحضور صاحبه أو من ينيبه أو أحد أفراد أسرته البالغين المقيمين معه ، وإذا تعذر حضور أحد هؤلاء وجب أن يكون التفتيش بحضور عمدة الحي أو من في حكمه أو شاهدين ، ويمكن صاحب المسكن أو من ينوب عنه من الاطلاع على إذن التفتيش ويثبت ذلك في المحضر 1.
* المادة (47) : يجب أن يتضمن محضر التفتيش ما يأتي :
1. اسم من قام بإجراء التفتيش ووظيفته وتاريخ التفتيش وساعته .
2. نص الإذن الصادر بإجراء التفتيش ، أو بيان الضرورة الملحة التي اقتضت التفتيش بغير إذن .
3. أسماء الأشخاص الذين حضروا التفتيش ، وتوقيعاتهم على المحضر.
4. وصف الأشياء التي ضبطت وصفاً دقيقاً .
5. إثبات جميع الإجراءات التي اتخذت أثناء التفتيش والإجراءات المتخذة بالنسبة للأشياء المضبوطة .
* المادة (48) : إذا وجد رجل الضبط الجنائي في منزل المتهم أوراقاً مختومة أو مغلقة بأي طريقة فلا يجوز له أن يفضها ، وعليه إثبات ذلك في محضر التفتيش وعرضها على المحقق المختص .
* المادة (49) : قبل مغادرة مكان التفتيش توضع الأشياء والأوراق المضبوطة في حرز مغلق ، وتربط كلما أمكن ذلك ، ويختم عليها ، ويكتب على شريط داخل الختم تاريخ المحضر المحرر بضبطها ، ويشار إلي الموضوع الذي حصل الضبط من أجله.
* المادة (50) : لا يجوز فض الأختام الموضوعة ، طبقاً للمادة (49) ، إلا بحضور المتهم أو وكيله أو من ضبطت عنده هذه الأشياء أو بعد دعوتهم لذلك وتبليغهم بها وعدم حضورهم في الوقت المحدد .
* المادة (51) : يجب أن يكون التفتيش نهاراً من بعد شروق الشمس وقبل غروبها في حدود السلطة التي يخولها النظام ، لا يجوز دخول المساكن ليلاً إلا في حال التلبس بالجريمة .
* المادة (52) : إذا لم يكن في المسكن المراد تفتيشه إلا المتهمة وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة
* المادة (53) : مع مراعاة حكم المادتين (42) و(44) من هذا النظام ، إذا كان في المسكن نساء ولم يكن الغرض من الدخول ضبطهن ولا تفتيشهن ، وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة ، وأن تمكن من الاحتجاب ، أو مغادرة المسكن ، وأن يمنحن التسهيلات اللازمة لذلك بما لا يضر بمصلحة التفتيش ونتيجته .
* المادة (54) : لا يجوز تفتيش غير المتهم أو مسكن غير مسكنه إلا إذا اتضح من أمارات قوية أن هذا التفتيش سيفيد في التحقيق.
المبحث الخامس : ضوابط التفتيش 1:
اشتمل نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية على ضوابط شرعية ونظامية للتفتيش أجملها في الآتي :
1- للأشخاص والمساكن حرمتهم ، فلا يجوز المساس بها ولا انتهاكها سواء بالتعدي على حرية الأشخاص أو دخول البيوت إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً .
2 -التفتيش لا يكون إلا بعد جريمة وقعت ، وتحقق وقوعها ويجري جمع المعلومات عنها أو التحقيق بشأنها ، ولا يكفي مجرد الظن أو الشك ، كما أن مجرد البلاغ لا يكفي للقيام بالتفتيش بل لا بد من ظهور الأمارات والقرائن القوية ضد المتهم .
ويكون الغرض حينئذ من التفتيش : البحث عن الأشياء والأدلة المتعلقة بالجريمة التي وقعت .
وهذا هو الأصل لكن إذا ظهر عرضاً أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها جريمة أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى وجب على رجال الضبط الجنائي ضبطها وإثباتها في محضر التفتيش.
3 -التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق لا يمارسه إلا المحقق المختص في هيئة التحقيق والادعاء العام ويجوز استثناءاً لرجل الضبط الجنائي القيام به في حالة التلبس أو الندب.
4- تفتيش المتهم أثناء تفتيش منزله أو تفتيش غيره من الأشخاص ممن هم موجودون فيه مقيّد أيضاً بوجود قرائن وأمارات تدل على أن من أريد تفتيشه يخفي أشياء تفيد في الكشف عن الحقيقة .
5 - يجب على الجهة التي تولت التفتيش ( سواء كان المحقق أو رجل الضبط الجنائي ) أن يعد محضراً عن واقعة التفتيش ويتضمن هذا المحضر ما يلي :
أ - اسم من قام بالتفتيش ووظيفته وتاريخ التفتيش وساعته .
ب - نص الإذن الصادر بإجراء التفتيش ، أو بيان الضرورة الملحة التي اقتضت التفتيش بغير إذن .
ج - أسماء الأشخاص الذين حضروا التفتيش وتوقيعاتهم على المحضر .
د - وصف الأشياء التي ضبطت وصفاً دقيقاً .
ه - إثبات جميع الإجراءات التي اتخذت أثناء التفتيش والإجراءات المتخذة بالنسبة للأشياء المضبوطة ، إضافة إلى ذكر الأسباب التي بني عليها ونتائجه .
6 - التقيد التام والدقيق بحدود الغرض من التفتيش للبحث عن الأدلة المتعلقة بالجريمة فقط ، فإذا عثر عليها وجب التوقف عن الاستمرار في التفتيش ، إعمالاً للقاعدة ما أبيح لسبب بطل بزواله .
7 - يجب أن يكون التفتيش بكل حكمة و رزانة وبما يحفظ حرية الإنسان وكرامته ، ولا يلحق به الأذى البدني أو المعنوي.
8 - تعتبر المعلومات التي يسفر عنها التفتيش سراً لا يجوز إفشاؤه ، سواء كان لها علاقة بالجريمة أو لا . وتتم محاسبة كل من قام بنقل معلومات تتعلق بما اطلع عليه خلال التفتيش إلى شخص لا علاقة له بالموضوع ، أو انتفع بها بأي طريقة كانت، ولصاحب الحق الخاص رفع دعوى ضده1.
المبحث السادس: استنتاجات من المواد المتعلقة بإجراءات التفتيش:
1. تفتيش الأشخاص إجراء من إجراءات التحقيق، وبالتالي لا يقوم به إلا السلطة المختصة بالتحقيق وهي هيئة التحقيق والادعاء العام متمثلة في أعضائها المحققين هذا من حيث الأصل ، أما على وجه الاستثناء فيقوم بتفتيش الأشخاص رجال الضبط الجنائي في حالات معينة تنحصر في حالة التلبس والندب والرضا.
2. تفتيش الشخص يشمل تفتيش المتهم وغير المتهم متى ما توفرت ضوابط وقيود معينة، فتفتيش المتهم لا غرابة فيه، أما تفتيش غير المتهم فقد يكون من التعدي على الآخرين بلا مسوغ، لذلك أحيط بضوابط أشد من ضوابط تفتيش المتهم ، بحيث ضُيق جواز إجرائه فانحصر في حالة واحدة تتمثل في وجود أمارات قوية على أنه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة.
3. حالات تفتيش الشخص في النظام تنحصر في أربع حالات:
1- حالة التلبس بالجريمة.
2- حالة وجود الأمارات القوية على أن التفتيش يفيد في كشف الحقيقة .
3- حالة القبض على الشخص .
4- حالة الرضا.
4. توافر حالة من حالات جواز التفتيش لا تعني إباحته بإطلاق، كما لا تعني القيام به على أي وجه، بل لابد من توافر إجراءات وضوابط وضمانات معينة تحمي جانب الشخص من تعسف السلطة واستبدادها .
5. إن وضع قيود وإجراءات معينة تضبط عملية التفتيش لا يكفي وحده لتحقيق الأهداف المرجوة منها، بل لابد من الجزاء الذي يمنع أو يقلل من الإخلال بهذه الإجراءات ، سواء كان الجزاء متمثلاً في بطلان التفتيش حال مخالفة قواعده، أو كان لاحقاً بالقائم بالتفتيش حال مخالفته وتقصيره، وهذا المعنى دلت عليه الشريعة وجاء النظام بتقريره والتأكيد عليه.
6. أولى المنظم السعودي المرأة عناية خاصة ، سواء كانت متهمة أو غير متهمة، فقد ألزم القائمين بالتفتيش أن يكون في معيتهم امرأة إذا قصدوا تفتيش مسكن يقطنه نساء، كما منحهن حق الاحتجاب ومغادرة المسكن ووفر لهن التسهيلات اللازمة لذلك، كما منع قيام الرجل بتفتيش المرأة منعاً مطلقاً ، وأسند ذلك إلى امرأة متى دعت الحاجة إليه، كل ذلك الاهتمام مصدره الحرص على تطبيق أحكام الشريعة التي عنيت بهذا الجانب عناية تامة.
7. الأصل أن التفتيش إذا توافرت ضوابطه يسري على جميع الأشخاص بدون استثناء، ولكن هذا الأصل ليس مطلقاً، حيث أن بعض الأشخاص قد يحاطون بنوع من الخصوصية لما يقومون به من أعمال ، ومع ذلك فإن هذه الخصوصية لا تمنع من الخضوع للعدالة ولا تؤدي إلى الهروب منها، إذ إنها ليست استثناءات مطلقة بل هي استثناءات مقيدة يكون الشخص لا يخضع للتفتيش الذي يخضع لـه عموم الناس ، وإنما يخضع للتفتيش وفق إجراءات معينة وضوابط محددة مراعاة لمصلحة مبتغاة1.
الخاتمة:
لا شك أن التفتيش من أمس إجراءات التحقيق بحرية الشخص وحرمته, وهو من الإجراءات التي عني بها النظام عناية فائقة, وذلك لما فيه من أهمية بالغة, تتضح من خلال صعوبة ودقة الجمع بين حماية حرمة الإنسان وكرامته وبين العمل على كشف الجرائم وتقديم مرتكبيها إلى العدالة, فإنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس بغير حق.
ويُعرّف التفتيش بأنه: إجراء من إجراءات التحقيق ، تقوم به سلطة حددها النظام ، يستهدف التنقيب عن دليل الجريمة في جسد الشخص أو ملابسه أو أمتعته أو ما يركبه أو المكان الذي هو فيه ما لم يكن مسكناً فما لم توجد هذه الأدلة فلا محل للتفتيش ، فبعض الجرائم حتى لو تم ضبط المتهم متلبساً بجريمته فلا يجوز تفتيشه إذا كان التفتيش لا يهدف إلى ضبط دليل في هذه الجريمة.
فالغاية من التفتيش هي : ضبط الأشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة، أو نتجت عن ارتكابها ، أو وقعت عليها جريمة ، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة .ولقد نص نظام الإجراءات الجزائية في المادة الأربعين على أن : ( للأشخاص ومساكنهم ومكاتبهم ومراكبهم حرمة تجب صيانتها .. )
وهذا يدل على حرص المنظم على حماية الحريات الشخصية للأفراد كحق طبيعي لهم .
وعلى الرغم من أن تفتيش الشخص فيه انتهاك خطير لحريته وحقوقه التي كفلها النظام وبالتالي فإن المنظم نص على عدم جواز تفتيش الأشخاص أو مساكنهم إلا في حالات استثنائية نص عليها النظام ومنها حالة التلبس بالجريمة وما ينتج عنها من نتائج وآثار تخول لرجال الضبط الجنائي مباشرة هذه الآثار التي منها التفتيش .
وقد نص نظام الإجراءات الجزائية في المادة الثالثة والثلاثون أن « لرجال الضبط الجنائي في حالة التلبس بالجريمة القبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه .. » وكذلك نص في المادة الثانية والأربعين على أنه : » يجوز لرجال الضبط الجنائي في الأحوال التي يجوز فيها القبض نظاماً على المتهم أن يفتشه .. » . وبالتالي يتضح أن رجال الضبط الجنائي يجوز لهم التفتيش في جميع الأحوال التي يجوز فيها القبض .
كما أجاز مشروع اللائحة التنظيمية لنظام هيئة التحقيق والادعاء العام : تفتيش الأشخاص في الجريمة المتلبس بها أو عند قيام دلائل كافية على مساهمته بها ،وهذا ما ورد في المادة ( 39 ) من المشروع . ولأهمية هذا الإجراء ولكونه من الإجراءات الخطيرة التي تمس حرية الفرد فقد وضع نظام الإجراءات الجزائية عدداً من الضوابط التي ينبغي مراعاتها عند إجرائه.
والله الموفق.
قائمة المراجع:
1- أحمد بن عبدالكريم بن محمد العثمان، تفتيش الأشخاص في نظام الإجراءات الجزائية، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في السياسة الشرعية، المعهد العالي للقضاء ، الرياض، 1428هـ.
2- أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية،القاهرة:دار النهضة العربية، 1985م.
3- حسن ربيع ، الاجراءات الجنائية في التشريع المصرين ،بدون دار نشر ،ط1،القاهرة، 2001م.
4- عبدالرحيم صدقي ، الوجيز في قانون الجراءات المصري، دار المعارف ط1 ،1986.
5- عبد العظيم نوير، الإجراءات الجنائية في النظم القانونية العربية وحماية حقوق الإنسان،الطبعة الأول، 1991م
6- عبد الفتاح مراد ، التحقيق الجنائي العملي في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي. الإسكندرية: مؤسسة شباب الجامعة، 1989م
7- رؤوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية،الطبعة الثامنة،القاهرة:مطبعة نهضة مصر ، د.ت.
8- نظام الإجراءات الجزائية الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم 39 / م ، وتاريخ٢٨/٧/١٤٢٢هـ .