دور القاضى و الخصوم فى توزيع عبء الاثبات فى المواد المدنية بحث مهم جدا جدا لكل دارس للقانون

  

مقـدمــــة  :

مرَ الإثبات القضائي في تاريخ الإنسانية بمراحل يضيق المقام عن الخوض فيها فقد [1]كانت الإنسانية في طفولتها تلجأ في الإثبات القضائي إلى ضروب من السحر والشعوذة ثم لجأت إلى الدين. و كان القتال بل الانتحار من الأدلة القضائية عند بعض الأمم في فجر التاريخ.
ولقد تطورت أساليب الإثبات القضائي فأصبح هناك تعاونا وثيقا في الإثبات بين القانون و القاضي و الخصوم. فالقانون يبين طرق الإثبات و يحدد قيمة كل منها، والقاضي يطبق القواعد التي يقررها القانون في ذلك و يتمتع في تطبيقها بشيء من حرية التقدير. و الخصوم هم الذين عليهم أن يقدموا الأدلة على صحة دعواهم و ذلك على الوجه الذي رسمه القانون. و لكل خصم الحق في مناقشة الأدلة التي يقدمها خصمه و في تفنيدها و في إثبات عكسها.
و لما كان الإثبات القضائي محدود في وسائله فالحقيقة القضائية يكون حظها من مطابقة الوقائع بقدر ما يكون للقاضي من سلطة في البحث و التحري، فلا يجوز للقاضي أن يبني حكمه إلا على وسائل الإثبات التي أجازها القانون ولا يقبل منه القضاء بعلمه الشخصي.لأن المشرع عدد طرق و حصرها في ذلك فلا تقبل وسيلة أخرى.فالأصل أن دور القاضي سلبي في إثبات المواد المدنية، فإذا كان القانون يفرض إثبات الديون كتابة ولم يتوفر الدليل الكتابي لدي الدائن فلا يملك القاضي سوى رفض دعواه حتى ولو كان مقتنعا بصحتها. كأن يكون شهد بنفسه الواقعة التي أنشأت الدين. لذلك فأن الطرق التي يحددها القانون للإثبات تلزم المتقاضين من جهة.حيث أن دليلهم لا يستقيم إلا إذا وافق هذه الطرق، والقاضي من جهة أخرى حيث أنه مقيد بقبول الوسيلة الواجبة دون غيرها.والحكم طبقا لما يقتضيه القانون في تلك الحالة.
ووسائل الإثبات في القانون على خلاف الشريعة الإسلامية لا تؤدي غالبا إلا إلى حقيقة ظنية لا قطعية. ويحتمل أن تكون الحقيقة القضائية التي تثبت أمام القضاء تختلف عن الحقيقة الواقعية. ولذالك كانت الحقيقة القضائية نسبية ولكن المشرع يضحي بالحقيقة الواقعية و يضفي على الحقيقة القضائية حجية الأمر المقضي.
وجميع وسائل الإثبات في القانون تفيد الظن إلا أن المشرع أعطى بعض الوسائل حجية ملزمة للقاضي وأعتبر الثابت بها ثابتا في الواقع.
وأوجب على القاضي الحكم بموجبها وهي الكتابة والقرائن القانونية القاطعة واليمين الحاسمة والإقرار بينما ترك بقية الوسائل في تصويرها الحقيقة إلى قناعة القاضي و تقديره و هي الشهادة و القرائن القضائية و الخبرة و المعاينة. والقانون في تمسكه بالحقيقة القضائية دون الحقيقة الواقعية إنما يوازن بين اعتبارين. اعتبار العدالة في ذاتها ويدفعه إلى تلمس الحقيقة الواقعية بكل السبل ومن جميع الوجوه حتى تتفق معها الحقيقة القضائية. واعتبار استقرار التعامل ويدفعه إلى تقييد القاضي في الأدلة التي يأخذ بها في تقدير كل دليل فيحدد له طرق الإثبات وقيمة كل طريق منها. حتى يأمن جوره إذا مال إلى الجور أو حتى على الأقل حتى يحد من تحكمه فلا يختلف القضاة فيما يقبلون من دليل وفي تقدير قيم الأدلة في القضايا المماثلة .
ونظرا للموازنة بين اعتبار العدالة واعتبار استقرار التعامل قامت ثلاث مذاهب في الإثبات: مذهب يميل إلى اعتبار العدالة ولو بالتضحية باستقرار التعامل وهذا هو المذهب الحر أو المطلق(système libre  )   ومذهب يستمسك باستقرار التعامل ولو على حساب العدالة فيقيد الإثبات أشر التقييد حتى يستقر التعامل. وهذا هو المذهب القانوني أو المذهب المقيد( système légal) .
ومذهب ثالث يزن ما بين الاعتبارين فيعتد بكل منهما. و لا يضحي بأحدهما لحساب آخر و هذا هو المذهب المختلط( systeme mixte ). و هذا المذهب الثالث هو خير المذاهب جميعا. فهو يجمع بين ثبات تعامل بما احتوى عليه من قيود و بين اقتراب الحقيقة الواقعية من الحقيقة القضائية بما أفسح فيه للقاضي من حرية التقدير. و قد أخذ المشرع الجزائري بهذا المذهب مقتفيا في ذلك أثر الشرائع اللاتينية كالقانون الفرنسي و القانون الإيطالي و القانون البلجيكي و معظم التشريعات العربية.
و يقف أمام القاضي خصمان كل منهما يدعي الحق و ينسبة إلى نفسه و ينازع في ادعاء الآخر فيه. و القاضي يفتقر إلى ما يرجع به جانبا على الآخر و يظهر أثر ذلك خاصة إذا كان الحق المتنازع فيه غير مستقر و إنما في وضع مؤرجح بينهما. أو كان الحق غير ثابت لأحدهما أو كان محل إثبات صعب المنال فإن تكليف أحد طرفين بإثبات حقه هو تهديد له فيه بحيث إذا عجز عن إقامة البينة أو قصر في تهيئة الدليل المقنع أو فشل في الإثبات الكافي، حكم عليه القاضي و سلب الحق منه، و لهذا اقتضت الضرورة توزيع عبء الإثبات بينهما.
و القاعدة العامة في عبء الإثبات هي البينة على المدعي و اليمين على من أنكر[2]. و وفقا لهذه القاعدة التي تعتمد على التمييز بين المدعي والمدعى عليه، يقع عبء الإثبات على الطرفين و يتوزع على المدعي و المدعى عليه بطريقة عادلة فتوجب الحجة القوية على صاحب الجانب الضعيف و هو المدعي و تفرض الحجة الضعيفة على صاحب الجانب القوي، وهنا يتفق القانون مع ما جاء في الشريعة الإسلامية في أنهما لا يكتفيان بإلقاء عبء الإثبات على المدعي فقط، بحيث يقف المدعى عليه موقفا سلبيا متذرعا بمجرد الإنكار و ملتزما بالصمت و السكوت، و إنما وجب عليه عبء من الإثبات يتناسب مع قوة جانبه فيعزز إنكاره باليمين.
فالإثبات يقع على عاتق الطرفين، فإذا أثار المدعي النزاع وجب عليه أن يثبت دعواه، و إذا فشل في الإثبات و عجز عن تقديم الدليل و لجأ إلى ذمة الطرف الآخر وجب على المدعى عليه اليمين، و ذلك حتى يصدر الحكم القضائي برد الدعوى و بقاء الحق مع المدعى عليه مبنيا على حجة و دليل لقطع الشبهات و لإزالة القلق الذي نشأ بالدعوى و لاستقرار الحق لصاحبه.
و المدعى عليه لا يكلف باليمين إلا في حالة إخفاق المدعي في القيام بما هو مكلف به من إقامة الدليل على ما ادعاه، أما إذا استطاع المدعي إقامة الحجة و تقديم الدليل على صحة   ما ادعاه فإن الأمر يختلف لأن المدعى عليه حينئذ يصبح في مركز ضعيف يحتاج منه إلى بذل جهد مضاعف لكي يحرج من هذا الموقف الذي وضعه فيه المدعي، فإما أن يقر بصحة ما أثبته المدعي و إما أن يقيم الدليل على براءة ذمته مما قام المدعي بإثباته، و من ثمة فإن وصف المدعى عليه ينقلب في الدفع ليصبح مدعيا يقع عليه عبء إثبات ما ادعاه في دفعه، وهكذا يتناوب طرفي الدعوى القيام بعبء الإثبات إلى أن يخفق أحدهما فيخسر دعواه.
فلما كانت مهمة المدعي بعبء الإثبات مهمة عسيرة و شاقة اقتضى الأمر العمل على إيجاد الوسائل التي تخفف من وطأة هذا العبء بحيث لا يترك تحمله للمدعي وحده، فكان الاتجاه إلى توزيع عبء الإثبات بين الخصوم عن طريق تحليل الواقعة محل الإثبات إلى عناصر يتكفل كل من الخصمين بإثبات ما يخصه منها.
و التوزيع معناه التخفيف من مطالبة المدعي بإثبات كافة عناصر الحق المدعى به، فيكتفي منه بإثبات ما يرجح وجود الحق في جانبه ليلقي على خصمه عبء دفع ما قام بإثباته[3]
 و لعل القاضي رغم دوره السلبي في المسائل المدنية إلا أنه يقوم بدور هام في توزيع و تخفيف عبء الإثبات بين الخصوم و يبرز ذلك بقوة في مجال القرائن القضائية و اليمين المتمة.
و مادام الخصوم يملكون الدعوى المدنية فما من شك أنهم كذلك يلعبون دورهم في توزيع و تخفيف عبء الإثبات، و من هذا المنطلق يبرز بحثنا للوجود و هو:" دور القاضي و الخصوم في توزيع عبء الإثبات في المسائل المدنية".
و أساس الإشكالية التي وضعناها هي: ما مدى دور القاضي في توزيع و تخفيف ثقل عبء الإثبات المكلف به المدعي و ذلك بتكليف المدعى عليه بجزء مما كان مكلفا به المدعي؟
و ما هو دور الخصوم في توزيع عبء الإثبات ؟ و هل يمكنهم الاتفاق على تعديل قواعد عبء الإثبات؟ و ما مدى تعلق ذلك بالنظام العام ؟
و للإجابة على هذه التساؤلات وضعنا خطة واسعة تشمل كل الجوانب التي يمكن للقاضي أو الخصوم أن يكون لهم دورا فيها، و نرجوا أن نكون قد وفقنا في ذلك،
 
 
 

الفصل التمهيدي : الأحكام المتعلقة بعبء الإثبات

تستفتح  دراستنا  لهذا الموضوع  بهذا الفصل التمهيدي  الذي نتعرض فيه لتعريف عبء إثبات ثم نتناول بالدراسة  والتحليل أهمية  تحديد  المكلف بعبء الإثبات مع بيان محله  على أن تكون هذه الدراسة  شاملة  لجانبيها   القانوني  وكذا من خلال  أحكام  الشريعة  الإسلامية  .
 
المبحـث الأول : ماهية عبء الإثبات و المكلف به
 

الفصل الأول: دور القاضي في توزيع عبء الإثبات:

الاتجاه الحديث في أغلب التشريعات يسير نحو توسيع سلطة و دور القاضي في تسيير الدعوة و الكشف عن الحقيقة. فلم يعد القاضي بمثابة مشاهد صامت للمنازعة القضائية ليس له إلا الحكم فيها. فللقاضي مركزا ايجابيا في تسيير الدعوة وفي تصحيح شكلها وبشطب الدعوة عند تخلف الخصوم عن الحضور. وله من تلقاء نفسه أن يأمر بإدخال من يرى إدخاله لمصلحة العدالة أو لإظهار الحقيقة هذا من ناحية الإجراءات. أما من ناحية إثبات الدعوة فدوره يقتصر على تلقي الأدلة كما يقدمها الخصوم. ثم يتول تقديرها مراعيا في ذلك ما قد يحدده المشرع من قيم و يصدر حكمه بناءا على ذلك، مع إسناده بعض المهام لكي لا يقف مكتوف اليدين ينظر إلى الخصوم و هم يسيرون الدعوى كما يشاءون، ولهذا كان الاتجاه إلى إعطاء القاضي دورا إيجابيا في الإثبات، بحيث يقوم القاضي بدور هام في تخفيف عبء الإثبات الذي يثقل كاهل أحد الخصمين دون الآخر و يبرز هذا الدور خاصة في القرائن واليمين. وقبل توضيح هذين العنصرين نتطرق إلى تحديد طبيعة دور القاضي في توزيع عبء الإثبات ومناقشة حدود الدور المنوط به.[4]
المبحــث الأول : طبيعة دور القاضي في توزيع عبء الإثبات
 
 
 

الفصل الثاني :   دور الخصوم في توزيع عبء الإثبات :

إن الدعوى المدنية ملك للخصوم و لهذا فما من شك أن لهم دور إيجابي واسع في تغيير قواعد عبء الإثبات. والدور الإيجابي للخصوم مستمد من الحقوق التي كفلها المشرع لكل خصم في الدعوى و أهمها حقهم في الإثبات وحقهم في مناقشة الدليل وإثبات عكسه ولهذا سنتناول هذه الحقوق في المبحث الأول تحت عنوان مبدأ الدور الإيجابي للخصوم، ثم نتطرق في المبحث الثاني إلى دورهم في توزيع عبء الإثبات بموجب الإقرار و اليمين الحاسمة، ثم في المبحث الثالث نتطرق إلى مدى إمكانية الخصوم الاتفاق على تعديل قواعد عبء الإثبات و مدى تعلق ذلك بالنظام العام.
المبحــث الأول : مبدأ الدور الإيجابي للخصوم
 

الخـــــاتـــمـــــة

 
 
في الأخير نختم بحثنا هذا ببعض الملاحظات والاستنتاجات حول أهم النقاط التي تعرضنا إليها، من خلال دراسة عبء الإثبات و كيفية توزيعه و دور القاضي و الخصوم في هذه العملية. حيث عرفنا ماهية عبء الإثبات بأنه ذلك الثقل الملقى على عاتق أحد الأطراف في خصومة قضائية، و المعبر عنه بواجب أحدهما في تقديم الدليل أمام القضاء عن صحة ادعائه، و هذا الخصم قد يكون مدعيا في الدعوى أو مدعا عليه، فالعبرة برافع الادعاء سواء كان طلبا أو دفعا، لا برافع الدعوى أمام ساحة القضاء، فيكون بذلك رافع الادعاء و هو المدعي في الإثبات في مركز ضعيف يفرض عليه بذل جهد في إثبات ادعائه وفق القواعد و باستعمال الوسائل التي حددها القانون. في مقابل ذلك، يجلس الخصم الآخر مجلس المترقب الملاحظ، ينتظر فوزه بمجرد إخفاق خصمه في إثبات ادعائه، أو انتقال العبء إليه بمجرد نجاح الخصم في مهمته، و بالتالي يكون المدعي في الإثبات هو الطرف الضعيف، و المدعى عليه هو الطرف القوي.
لكن بالنظر إلى محل الإثبات و محل عبء الإثبات خاصة، و ما يكتنفه من تعقيد و تركيب، حيث لا يتحقق المحل و لا يكون موجودا إلا باتحاد جميع عناصره، إضافة إلى كونه جائزا للإثبات و منتجا في الدعوى. فالعقد لا يكون له وجود في عالم القانون إلا إذا اتحد تراضي طرفيه و محله وسببه، وكانت أهلية طرفيه سليمة و رضاهما سليما من كل العيوب، وكان المحل موجودا و مشروعا و السبب حقيقيا و مشروعا. كذلك بالنسبة للمحل عبء الإثبات الناشىء عن الفعل الضار، من توافر الخطأ و الضرر و العلاقة السببية، وغيرها من مصادر الحقوق من إثراء بلا سبب و إرادة منفردة... وغيرها من وقائع مادية و تصرفات قانونية. كل هذا يجعلنا نتصور بأن إثبات الحق لا يتم إلا بإثبات جميع عناصره، و هو من قبيل المستحيل بالنسبة للمكلف بهذا العبء.
أخذا بهذه الاعتبارات، قرر القانون تخفيف العبء على المكلف به، فألزم المدعي في الإثبات بالاكتفاء بإثبات عناصر الحق التي تجعله مرجحا للوجود، و لم يلزمه بإثبات كافة عناصر الحق، لأن ذلك يثقل كاهله، و الوسيلة المستعملة في هذا التخفيف هي توزيع عبء الإثبات بين الخصوم، بحيث يتحمل كل طرف جزءا منه.
إن استعمال هذه الوسيلة قد يكون إما من طرف القاضي الفاصل في النزاع، أو من طرف الخصوم أنفسهم، و يتجلى هذا الدور أثناء خصومة معينة،  من خلال الاستعانة بطريقة من طرق الإثبات التي حددها القانون. قد يتدخل القاضي في توزيع عبء الإثبات، وهو مظهر من مظاهر دوره الإيجابي، يظهر ذلك جليا عند استعمال القرائن و اليمين القضائية كدليل في الدعوى، و القرائن المقصودة في هذا المجال هي القرائن القابلة لإثبات العكس، سواء كانت قرائن قانونية قاطعة أو غير قاطعة أو قرائن قضائية، ففيما يتعلق بالقران القانونية بنوعيها القاطع و غير القاطع، تعتبر طريقا معفيا من الإثبات، يقرر القاضي بمجرد توفرها تدعيما لكفة خصم، إعفاء هذا الأخير من إثبات ادعائه، و يلقي العبء على الخصم الأخر ليثبت عكس القرينة المستعملة، و في هذا المجال يجب تجنب الخلط بين المفهومين: قرينة قانونية قاطعة و قاعدة موضوعية، لأن الأولى قابلة للتكذيب و الإبطال ( كإثبات التزوير في الحكم القضائي الحائز لقوة الشيء المقضي به - مثلا - )، أما الثانية فهي قاعدة قانونية تتميز بالعمومية والشمولية و التجريد والإلزام، فلا يمكن إثبات عكسها. أما فيما يتعلق بالقرائن القضائية، فهي التي يستنبطها القاضي من واقعة معلومة في الدعوى كدليل على وجود واقعة أخرى مجهولة في الدعوى، ولها نفس حجية الإثبات بشهادة الشهود،  عندما يستنبطها القاضي فهو يرجح صدق أحد الخصوم وبالتالي فهو يلقي على الخصم الآخر عبء إثبات عكس القرينة القضائية.
فيما يتعلق باليمين، فإن دور القاضي يظهر جليا في كل من نوعي اليمين، المتممة و الحاسمة’ حتى و لو اعتبرنا هذا الدور محدودا فيما يخص اليمين الحاسمة، حيث  يقتصر دوره في منع الخصم من توجيهها نحو خصمه تعسفا، أما فيما يخص اليمين المتممة، فالقاضي يتحكم فيها كليا، فهو الذي يقدر توفر بداية الدليل ليستكمله بتوجيه اليمين إلى الخصم الذي تقوى حجته، أي أن القاضي قد يوجه اليمين إلى المدعي الذي لم يستطع إثبات ادعائه، فيحلفها هو عوض المدعي عليه وفق للقاعدة العامة في الإثبات التي تنص على أن اليمين يحلفها المدعي، و تجدر  الإشارة إلى أنه يجب تجنب الخلط بين هذه اليمين و الأنواع الخاصة من اليمين ، لأن المشرع نص على اقتصار استعمال هذه الأخيرة  في نزاعات معينة، كما وضع قواعد خاصة بها تختلف عن قواعد اليمين العامة ( كاليمين في النزاع حول متاع البيت- مثلا - ).
أما فيما يتعلق بدور الخصوم في توزيع عبء الإثبات، فهو يكون بارزا من خلال لجوئهم إلى الإقرار وتوجيه اليمين الحاسمة، كما أنهم قد يتفقون على التوزيع،
وهذا الدور ناتج عن مبدأ عام مفاده أن الدعوى المدنية ملك للخصوم، يتحكمون فيها، فليس للقاضي فيها إلا دور توجيه و مراقبة الإجراءات. ففيما يتعلق باليمين الحاسمة، يختار الخصم توجيهها إلى خصمه إذا عجز عن إثبات ادعائه، احتكاما إلى ضميره، و في مقابل ذلك ينشأ للخصم الآخر حق رد هذه اليمين.  و فيما يتعلق بالإقرار، تظهر عملية توزيع عبء الإثبات من خلال الإقرار المركب من واقعتين غير مرتبطتين ارتباطا وثيقا، حيث يكلف الخصم الذي قبل إقرار خصمه بإثبات الواقعة المرتبطة بالواقعة المقر بها. كذلك قد يتفق الخصوم على توزيع عبء الإثبات سواء قبل نشوء النزاع أو بعد نشوئه، و يشترط في هذا الاتفاق عدم مخالفته للنظام العام، لكن تبقى مظاهره نادرة الوجود في القانون الجزائري و   قليلة الاستعمال من الناحية العملية.
و كآخر ملاحظة، نرى أن النصوص القانونية التي تنظم الإثبات في القانون الجزائري قاصرة و غير كافية من الناحية الفعالية، فالأجدر تدعيمها و تطويرها. زيادة على أن هذه القواعد حاليا مبعثرة بين نصوص مختلفة، في حين أنه سيكون أنجع وأقرب إلى الصواب توحيد قواعد الإثبات وجمعها في تقنين واحد، كما فعل المشرع المصري.
 
 
 
 
 
 
 

               ﴿ قـــــــائمــــة المراجـــــــــــع

I.     الكتــــــب:
1)               عبد الرزاق أحمد السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني الجديد – نظرية الإلتزام بوجه عام – الإثبات – آثار للإلتزام – دار إحياء التراث العربي – بيروت، لبنان.
2)               د/ رمضان أبو السعود – أصول الإثبات في المواد المدنية و التجارية " النظرية العامة في الإثبات " الدار الجامعية - الطبعة سنة 1993.
3)                د/ محمد فتح الله النشار – أحكام و قواعد عبء الإثبات في الفقه الإسلامي و قانون الإثبات طبقا لأحداث أحكام محكمة النقض – دار الجامعة الجديدة للنشر – الطبعة سنة 2000.
4)               أدم وهيب النداوي – دور الحاكم المدني في الإثبات – دراسة مقارنة – مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع – الطبعة سنة 1997.
5)               د/ نبيــل إبراهيـــم سعد و د/ همام محمد محمود زهران – أصول الإثبات في المــواد المدنية و التجارية – دار الجامعة الجديدة للنشر – الطبعة سنة 2001.
6)               د/ نيبل إبراهيم سعد – الإثبات في المواد المدنية و التجارية في ضوء الفقه و القضاء – منشأة المعارف – الطبعة سنة 2000.
7)               أحمد أبو الوفا – الإثبات في المواد المدنية و التجارية – الدار الجامعية للطباعة و النشر – الطبعة سنة 1983.
8)               د/ محمود عبدالرحيم الديب – أسس الإثبات المدني في القانون المصري و الفقه الإسلامي – دار الجامعة الجديدة للنشر – الطبعة سنة 1998.
9)               محمد أحمد عابدين – عبء الإثبات و نقله – دار الفكر الجامعي – الطبعة سنة 1995.
10) د/ محمد حسن قاسم – الإثبات في المواد المدنية و التجارية – الدار الجامعية للنشر.
11) د/ محمد الزحيلي – وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية في المعاملات المدنية و الأحوال الشخصية – الجزء الثاني – مكتبة المؤيد – مكتبة دار البيان – الطبعة الثانية سنة 1994.
12) د/ عبدالحكم فوده – موسوعة الإثبات في المواد المدنية و التجارية و الشرعية في ضوء الفقه و قضاء النقض حتى سنة 1995 – الجزء الثاني – دار المطبوعات الجامعية – الطبعة الأولى.
13) أشرف ندا – الدليل في الإثبات وفقا للمبادئ التى أرستها أحكام محكمة النقض – دار محمود للنشر و التوزيع – الطبعة الأولى – سنة 1997 .
14) بكوش يحي – أدلة الإثبات في القانون المدني الجزائري و الفقه الإسلامي – دارسة نظرية و تطبيقية مقارنة –المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر– الطبعة الثانية- سنة 1988.
15) د/الغوثي بن ملحة - قواعد و طرق الإثبات و مباشرتها في النظام القانوني الجزائري- الديوان الوطني للأشغال التربوية -الطبعة الأولى- سنة 2001.
II. المجلات القضائية :
1.    المجلة القضائية: العدد الخاص " الإجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية سنة 2001"
2.    المجلة القضائية: العدد الأول سنة 2001.
3.    المجلة القضائية: العدد الثاني سنة 2000.
4.    المجلة القضائية: العدد الثاني سنة 1998.
5.    المجلة القضائية: العدد الأول سنة 1996.
6.    المجلة القضائية: العدد الثاني سنة 1996.
7.    المجلة القضائية: العدد الثاني سنة 1994.
8.    المجلة القضائية: العدد الأول سنة 1993.
9.    المجلة القضائية: العدد الثالث سنة 1993.
10.               المجلة القضائية: العدد الرابع سنة 1992.
11.               المجلة القضائية: العدد الأول سنة 1991.
12.               المجلة القضائية: العدد الثالث سنة 1989.
13.               المجلة القضائية: لسنة 1987.
 
 
 

الفهــرس :

 
 
 
 
 

[1]
هذه القاعدة مستمدة من الحديث المشهور عن مسلم و أصحاب السنن عن ابن عباس أن رسول الله (ص) قال : " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال و أموالهم و لكن البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه". 
[3]  و في ذلك نص المشرع الجزائري في المادة 323 من القانون المدني على ما يلي:" على الدائن إثبات الالتزام و على الندين إثبات التخلص منه ".
[4]  هناك من التشريعات من أخذت بنظام الإثبات الحر وهي الشرائع الجرمانية (ألمانيا وسويسرا). والشرائع الأنجلوسكسونية ( إنجلترا و القانون الأمريكي) و يقوم هذا الاتجاه على عدم تحديد طرق معينة للإثبات تقيد عمل القاضي بالإضافة إلى منحه الحرية الكاملة في تكوين عقيدته. وفي المقابل هناك من التشريعات من أخذت بنظام الإثبات المختلط وهي القوانين اللاتينية (فرنسا) و القانون الإيطالي والبلجيكي ومعظم التشريعات العربية (و منها الجزائر) وفيها يقوم المشرع بفرض بعض القيود على القاضي في إثبات بعض المسائل بينما يترك له الحرية في إثبات بعضها الآخر. أما في نظام الإثبات المقيد فدور القاضي سلبي (أنظر أحكام و قواعد عبء الإثبات ص 75،77)
 

العنــوان



المقدمــة


الفصــــل التمهيدي:  الأحكام المتعلقة بعبء الإثبات


المبحـث الأول : ماهية عبء الإثبات و المكلف به



المطلب الأول: مفهوم عبء الإثبات


أولا : تعريف عبء الإثبات لغة


ثانيا :  تعريف عبء الإثبات في الإصطلاح


المطلب الثاني: أهمية تحديد المكلف بعبء الإثبات


أولا :  عبء الإثبات يقع على المدعي


ثانيا :  المقصود بالمدعي في مجال الإثبات



المبـحث الثاني : القواعد المتعلقة بعبء الإثبات



المطلب الأول: البينة على من إدعى واليمين على من أنكر



أولا : البينة على من إدعى



ثانيا :  اليمين على من أنكر



المطلب الثاني: عبء الإثبات على من يدعي خلاف الظاهر



أولا :  عبء الإثبات على من يدعي خلاف الأصل



·         الأصل براءة الذمة


·         الأصل في الصفات العارضة العدم


·         الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته



ثانيا : عبء الإثبات على من يدعي خلاف العرف و العادة


ثالثـا : عبء الإثبات على من يدعي خلاف القرائـن



المبحــث الثالث: محل عبء الإثبات


المطلب الأول : تحديد محل عبء الإثبات



أولا :  إثبات الواقعة القانونية



ثانيا : إثبات القاعدة القانونية



المطلب الثاني : شروط محل عبء الإثبات



أولا : أن تكون الواقعة محددة و ممكنة


ثانيا : أن تكون الواقعة محل لنزاع و متعلقة بالدعوى



ثالثا : أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى



رابعا : أن تكون الواقعة جائزة الإثبات



الفصــــــل الأول: دور القاضي في توزيع عبء الإثبات



المبحــث الأول : طبيعة دور القاضي في توزيع عبء الإثبات



المطلب الأول : الدور السلبي للقاضي



أولا : عدم إمكانية القاضي تغيير موضوع الطلب



ثانيا : الاستعانة في إثبات الواقعة بشهرتها العامة دون العلم الشخصي


المطلب الثاني : الدور الإيجابي للقاضي



أولا : إمكان إكمال ما نقص من أدلة الخصوم



ثانيا : اتخذ ما يلزم من اجراءات الإثبات



المبحــث الثاني : دور القاضي في توزيع عبء الإثبات بموجب القرائن



المطلب الأول : دور القاضي في توزيع عبء الإثبات بموجب القرائن القانونية



أولا : بالنسبة للقرائن القانونية القاطعة



·          من صور القرائن القاطعة



·          التفرقة بين القرائن القانونية القاطعة و القواعد الموضوعية



ثانيا:   بالنسبة للقرائن القانونية غير القاطعة ( البسيطة )



·          طرق إثبات العكس في القرائن غير القاطعة



المطلب الثاني :  دور القاضي في توزيع عبء الإثبات بموجب القرائن القضائية     



أولا: السلطة التقديرية للقاضي في استنباط القرائن القضائية



·          الفروق بين القرائن القضائية و القرائن القانونية



ثانيا : سلطة القاضي في تقدير الإثبات بالقرائن القضائية



·          سلطة محكمة الموضوع في تقدير القارئن



·          جواز نقض القرينة القضائية بكافة طرق الإثبات



·          قوة الإثبات المحدودة للقرائن القضائية



المبحـــث الثالث: دور القاضي في توزيع عبء الإثبات بموجب اليمين



المطلب الأول: دور القاضي في توزيع عبء الإثبات بموجب اليمين الحاسمة


أولا : سلطة القاضي في منع توجيه اليمين الحاسمة



·          مفهوم التعسف



·          محل اليمين



ثانيا : موقف القاضي من الآثار المترتبة على توجيه اليمين الحاسمة


·          آثار حلف اليمين



·          آثار رد اليمين



·          آثار النكول عن اليمين



·          تطبيقات قضائية لليمين الحاسمة



المطلب الثاني: دور القاضي في توزيع عبء الإثبات بموجب اليمين المتممة



أولا : سلطة القاضي في توجيه اليمين المتممة



·          إمكانية رجوع القاضي عن توجيه اليمين



·          اليمين المتممة وسيلة للتخفيف من حدة التنظيم القانوني للإثبات



ثانيا : موقف القاضي من النتائج المترتبة على توجيه اليمين المتممة.



·          حلف اليمين المتممة


·          النكول على اليمين المتممة



·          صور خاصة من اليمين المتممة



·          تطبيقات قضائية لليمين المتممة بمحكمة معسـكر



الفصــــــل الثاني: دور الخصوم في توزيع عبء الإثبات


المبحــث الأول : الدور الإيجابي للخصوم



المطلب الأول: حق الخصوم في الإثبات



أولا : حق إقامة الدليل بطرق الإثبات التي حددها القانون



ثانيا : حق المطالبة بإلزام الخصم أو الغير بتقديم ما يوجد تحت يده من أوراق



ثالثا : حق الخصم في الاستشهاد بالشهود



رابعا: حق الخصم في استجواب خصمه



المطلب الثاني: حق الخصوم في مناقشة الدليل و إثبات عكسه



 أولا: حق الخصوم في مناقشة الأدلة التي تقدم في الدعوى



ثانيا : حق الخصوم في إثبات عكس الدليل



المبحث الثاني: دور الخصوم في توزيع عبء الإثبات بموجب الإقرار و اليمين الحاسمة



المطلب الأول : دور الخصوم في توزيع عبء الإثبات بموجب الإقرار



أولا : قواعد الإقرار



·          اعتراف الخصم



·          واقعة قانونية مدعى بها



·          أمام القضاء



·          أثناء سير الدعوى



·          حجية الإقرار



ثانيا : التجزئة في الإقرار



·          الإقرار البسيط



·          الإقرار الموصوف



·          الإقرار المركب



المطلب الثاني : دور الخصوم في توزيع عبء الإثبات بموجب اليمين الحاسمة



أولا : توجيه اليمين الحاسمة



·          شروط توجيه اليمين الحاسمة و موضوعها و زمن توجيهها



·          عدم جواز الرجوع في اليمين الحاسمة



ثانيا : الآثار المترتبة على توجيه اليمين الحاسمة



·          حلف اليمين و ردها و النكول عنها



·          حجية اليمين الحاسمة



المبحــث الثالث : دور الخصوم في توزيع عبء الإثبات بموجب الاتفاق



المطلب الأول : التعديل الاتفاقي لقواعد عبء الإثبات



أولا : التعديل الإتفاقي لقواعد عبء الإثبات في الفقه القانوني



ثانيا :  التعديل الإتفاقي لقواعد عبء الإثبات في الفقه الإسلامي



المطلب الثاني : مدى جواز الاتفاق على مخالفة قواعد عبء الإثبات.



أولا :  موضع القاعدة العامة في الإثبات بشهادة الشهود



·          في الفقه القانوني



·          موضع القاعدة في الشريعة الإسلامية



ثانيا : مدى تعلق القاعدة بالنظام العام


الخاتمــــــــة

144

الملحــــق

147

قائمـــة المراجـــع

148

الفهـــــــرس

ابحث عن موضوع