المبحث الأول : الدور الإيجابي للخصوم:
على الخصوم أن يثبتوا ما يدعونه أمام القضاء بالطرق التي بينها القانون فموقفه في الإثبات موقف إيجابي وليس هذا واجبا عليه فحسب بل هو أيضا حق له.
وهذا الدور الإيجابي للخصوم في الإثبات وما يستتبعه من حقهم في مناقشة الأدلة تنظمه عدة قواعد.
المطلب الأول: حق الخصوم في الإثبات:
للخصم أن يقدم للقضاء جميع ما تحت يده او ما يستطيع إبرازه من الأدلة التي يسمح بها القانون تأييد لما يدعيه, فإن لم يمكنه القاضي من ذلك كان هذا إخلالا بحقه وكان سببا للطعن في الحكم بالنقض.
ويتقيد الخصم في الإثبات بقيود ثلاث:
لا يجوز للخصم أن يثبت ما يدعيه إلا بالطرق التي حددها القانون فلا يجوز له ان يثبت بالبينة ما لا يجوز إثباته إلا بالكتابة ولا يجوز له أن يجزئ إقرار خصمه إذا كان هذا الإقرار لا يتجزأ, ولا يجوز له أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه حيث يكون متعنتا في توجيهها.
ويجب فيما يسمح له به القانون من طرق الإثبات أن يتقدم بما عنده من الأدلة طبقا للأوضاع و للإجراءات التي رسمها له القانون.
كذلك لا يجوز للخصم أن يطلب إثبات واقعة لم تتوافر فيها الشروط الواجبة.
إذ يجب أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى منتجة في دلالتها جائزة الإثبات قانونيا. ويبقى للقاضي بعد كل ذلك حرية واسعة في تقدير قيمة الأدلة التي تقدم بها الخصم. فيرى ما إذا كانت شهادة الشهود مقنعة, ويقدر إذ قدم الخصم ورقة ما يترتب على الكشط و المحو والتحشير. وغير ذلك من العيوب النادية في هذه الورقة من إسقاط قيمتها في الإثبات أو إنقاصها.
وإذا كانت وقائع الدعوى ومستنداتها كافية لاقتناعه بصحة الورقة التي تقدم بها الخصم الآخر أو بتزويرها فله أن يمتنع عن السير في إجراءات التزوير التي طلبها الخصم الذي طعن بالتزوير في هذه الورقة. بل له ولو لم يدع أمامه بالتزوير أن يحكم من تلقاء نفسه برّد أية ورقة وبطلانها إذا ظهر له بجلاء من حالتها أو من ظروف الدعوى أنها مزورة كما له أن يعدل عما آمر به من إجراءات الإثبات وألا ياخذ بنتيجة هذه الإجراءات.
وإذا رأى أن الدعوى ليست في حاجة إلى استجواب فإن له أن يرفض طلب الاستجواب الذي يتقدم به الخصم.
وحق الخصم في الإثبات يقابله واجب يلقى على عاتق الخصم الآخر, بل على عاتق الغير في الا يعطل هذا الحق. بعنت منه أو سوء نية ويصل هذا الواجب إلى مدى بعيد فيفرض في بعض الحالات على الخصم الآخر أو الغيران يقدم في حوزته لتمكين المدعي من إثبات حقه.
أولا: حق إقامة الدليل بطرق الإثبات التي حددها القانون:
على الخصم ان يثبت ما يدعيه فالأصل هو برأة الذمة ويقع الإثبات على من يدعي ما يخالف الثابت أصلا مدعيا كان أو مدعى عليه .
فموقف الخصم في الإثبات يكون إيجابيا وليس في إقامته للدليل حق له فحسب و إنما هو واجب عليه أيضا. فللخصم أن يقدم للقضاء كل ما تحت يده أو كل ما يستطيع تقديمه من الأدلة التي يسمح القانون بها تأييدا لدعواه فإذا لم يمكنه القاضي من ذلك عد هذا المسلك اخلالا بحق الدفاع وكان سببا للطعن في حكمه بالنقض.
وعلى الخصم في إثبات ما يدعيه أن يتقيد بالطرق القانونية التي حددها القانون للإثبات فلا يجوز أن يلجأ إلى طريق غير منصوص عليه في القانون. فتحديد و حصر طرق الإثبات في القانون يعد أمرا متعلق بالنظام العام.
وبناءا على ما تقدم فإنه لا يجوز للخصم أن يثبت بالبينة ما لا يجوز إثباته إلا بالكتابة و ليس للخصم أن يجزئ إقرار إذا كان هذا الإقرار لا يتجزأ. ولا يجوز له أن يوجه اليمين الحاسمة إلى خصمه حيث يكون متعسفا في توجيهها.
الأصل إذا هو أن الخصم يقدم الأدلة على ما يدعيه من حق و يجب في هذا الدليل أن يكون صادر من الخصم الآخر حتى يكون حجة عليه, فإذا كان الدليل ورقة مكتوبة فيجب أن تكون بخط هذا الخصم أو بإمضائه, وإذا كانت الورقة ليست دليلا كاملا و إنما انحصر نطاقها على أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة فإنه يجب مع ذلك أن تكون صادرة من الخصم الذي يراد الإثبات له .
وبناء على ما تقدم لا يجوز في الدليل الذي يتمسك به الخصم ضد خصمه الآخر ان يكون صادرا من الخصم الأول او من صنعه فالقاعدة هنا في عدم جواز أن يصطنع الشخص دليلا بنفسه لنفسه و نتكلم عن هذا المبدأ بشيء من التفصيل[1]
لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلا لنفسه:
عن أبي عباس رضي اللّه عنه ان النبي صلى اللّه عليه وسلم قال » لو يعطي الناس بدعواهم لأدعي أناسا دماء رجال و أموالهم و لكن البينة على من أدعى«.
فلو أجيز للشخص أن يصطنع دليلا لنفسه ضد شخص آخر لما أمن الناس على أنفسهم و أموالهم و لتعرض الإنسان لادعاءات لا حصرلها يصطنع أدلتها أشخاص آخرون ضده. و لذلك كانت القاعدة المنطقية و التي تعد من مبادئ الإثبات الأساسية هي أنه لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلا لنفسه.
و على ذلك لا يجوز أن يكون الدليل الذي يقدمه الخصم على صحة دعواه مجرد أقواله و ادعاءاته أو أن يكون ورقة صادرة منه أو مذكرات دونها بنفسه كما لا يجوز أن يشهد الخصم لنفسه ضد خصمه، فالقاعدة العامة هي أنه *لا يملك الشخص أن يتخذ من عمل نفسه لنفسه دليلا يحتج به على الغير*.
و يرى الأستاذ السنهوري: أن هذه القاعدة فرع من مبدأ أعم و أشمل هوان الشخص لا يستطيع أن يخلق بنفسه لنفسه سببا لحق يكسبه، و من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، فالوارث الذي يقتل مورثه يحرم من إرثه، و إذا كان التأمين على حياة شخص غير المؤمن له برئت ذمة المؤمن من التزاماته متى تسبب المؤمن له عمدا في وفاة ذلك الشخص أو وقعت الوفاة بناء على تحريض منه، و إذا كان التأمين على الحياة لصالح شخص غير المؤمن له فلا يستفيد هذا الشخص من التأمين إذا تسبب عمدا في وفاة الشخص المؤمن على حياته أو وقعت الوفاة بناء على تحريض منه و يعتبر الشرط قد تحقق إذا كان الطرف الذي له مصلحة في أن يتخلف قد حال بطريق الغش دون تحققه و كذلك لا أساس للشرط الذي تحقق إذا كان تحققه قد وقع بغش الطرف الذي له مصلحة في أن يتحقق و الواقع أنه إذا كان الشخص لا يستطيع اقتضاء حقه بنفسه (على فرض أن له حقا ثابتا) فمن باب أولى لا يستطيع المرء أن يصطنع لنفسه دليلا يكون سببا لحقا يكسبه. القاعدة هي بأن الإنسان لا يستطيع أن يتخذ من عمل نفسه دليلا لنفسه يحتج به على الغير فدفتر الناظر المثبت لحساب الوقف و مقدار ما يستحقه كل المستحقين لا يعتبر دليلا لورثته على المستحقين بقبضهم قيم استحقاقهم مادام لا توقيع لهم على هذا الدفتر يثبت هذا القبض.
وكمثال أيضا أن مجرد إعلان شخص فقد ختمه في إحدى الصحف لا يعتبر دليلا على صحة هذه الواقعة ولا يعتبر حجة على المتمسك بورقة مختومة بهذا الختم.
ولكن يجوز للخصم أن يتمسك بدليل اصطنعه لنفسه إذا كان خصمه قد تمسك بهذا الدليل ذاته أو قبل الدليل الذي اصطنعه الخصم الأول, مثال ذلك أن من يوجه خطابا إلى خصمه يجوز له أن يحتج بهذا الخطاب إذا كان الخصم الموجه إليه الخطاب قد سبق إلى التمسك به لمصلحته.
وإذا كان الأصل هو في عدم جواز اصطناع الشخص دليلا لنفسه, فإن القانون قد ينص في بعض الحالات لمبررات يقدرها على جواز أن يتمسك الشخص بدليل صدر منه مثال ذلك ما نصت عليه المادة 330 ق.م. ( دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار غير أن هذه الدفاتر عندما تتضمن بيانات تتعلق بتوريدات قام بها التجار يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة إلى أحد الطرفين فيما يكون إثباته بالبينة).
و( تكون دفاتر التجار حجية على هؤلاء التجار ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد استخلاص دليل لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها واستبعاد منه ما هو مناقض لدعواه).
ثانيا: حق المطالبة بإلزام الخصم أو الغير بتقديم ما يوجد تحت يده من أوراق :
رأينا أنه لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلا لنفسه, ويقابل ذلك بالضرورة أنه لا يجوز إجبار الخصم على تقديم دليلا ضد نفسه.
فلكل خصم في الدعوى أن يتقدم بما شاء من مستندات إثباتا لما يدعيه من حق أو لدفع يدحض به مزاعم خصمه و يشترط أن تكون هذه المستندات ذات صلة بموضوع الدعوى و مفيدة للحكم فيها و كان من الجائز تقدميها للإثبات و أن لا تحمل طابعا سريا كما يحدث في شأن بعض الرسائل, ولكن إذا كانت هذه المستندات و الأوراق المؤيدة لطلبات ودفوع الخصم موجودة في حوزة الخصم الآخر فهل يجوز للخصم الأول طلب إلزام خصمه بتقديم ما يوجد تحت يده من أوراق.
فإذا كانت أجابتنا عن هذا السؤال بالإيجاب فهذا يعد مخالفة للمبدأ الذي أثبتناه فيما تقدم و يتمثل في عدم جواز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه ولكن قد يصطدم ذلك باعتبار آخر مفاده وجود التزام أخلاقي على عاتق كل خصم بأن يسعى دائما إلى قول الصدق و إثبات الحقيقة وفي عدم جواز أن يتستر على الحقيقة فيخفيها, لا سيما أن القاضي في الإثبات أصبح له دور إيجابي يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة مهما كان مسلك الخصوم أو ما تمليه مصلحة كل منهم ولذلك يمكن القول – من جانب من الفقه- بأن من امتنع من الخصوم دون حق أن يستجيب لطلبات خصمه مع تقديم مستندات في حوزته أو جعل بفعله إثبات الدعوى مستحيلا بأن امتنع مثلا على تقديم دليلا تحت يده لا يمنع القانون من تقديمه جاز أن يخسر دعواه, وذلك بطريق القياس على من جعل بفعله تحقق الشرط الذي علق عليه التزاما مستحيلا, فإن القانون يفترض أن الشرط قد تحقق و بعبارة أخرى فإن الخصم الذي يمتنع عن تسليم دليلا للإثبات موجود تحت يده بطريق الغش يعتبر ذلك منه تسليما بصحة يدعيه خصمه.
وكذلك فإن الغير – وليس الخصم وحده- من واجبه المعاونة في الإثبات و لهذا يصح أن يوجه طلب الالتزام بتقديم المستندات إلى أي شخص آخر غير الخصم في الدعوى طالما أنه لن يضار شخصيا من تقديم هذا الدليل.[2]
هذه الفكرة التي ترمي إلى الزام الخصم بتقديم ما تحت يده من مستندات عرفها القانون الروماني بما كان يسمى بدعوى العرض أو دعوى إبراز السند action adexhibendum.
وفي القانون الفرنسي وجدت عدة تطبيقات لهذه الدعوى, من ما نصت عليه المادة 842/2 و3 مدني فرنسي و الخاصة بالمتقاسم الذي يحوز مستندات الملكية الشائعة و المواد 14و 17 من القانون التجاري الفرنسي التي تلزم التجار بتقديم دفاترهم التجارية بما يسمح للخصم من استخلاص أدلة لمصلحة من هذه الدفاتر.
أما الفقه و القضاء الفرنسي فقد جعلا من هذه التطبيقات مبدأ عام فقبلت دعوى العرض في الحالة التي يكون فيها المستند مشتركا بين الخصمين كعقد الشركة أو عقد الأيجارالذي بقيت منه نسخة واحدة بيد أحد الشركاء أو أحد المتعاقدين, وكانت للطرف الآخر مصلحة أكيدة في إبراز هذا العقد حتى تترتب النتائج القانونية على وجوده, بل و ذهبت الأحكام حدا أبعد من ذلك فألزمت الخصم بتقديم مستندا خاصا به, كما ذهب البعض إلى اعتبار الخصم الذي يمتنع بدون مبرر مشروع عن تقديم ما في حوزته من مستندات متعسفا في استعمال حقه وبالتالي مسؤولا عما يصيب الغير من ضرر بسبب مسلكه هذا ولكن لا مسؤولية على هذا الخصم إذا استند في رفضه إلى مبرر معقول ومشروع كأن يكون المستند ذو الصفة سرية أو كان في إبرازه ما يلحق ضررا بالغير, وعلى أي حال فلقد اعتبر التزام الخصم بتقدم ما تحت يده من أدلة التزاما بعمل, و بالتالي لا تملك المحكمة أن تقضي بمصادرة هذا المسند وإنما ليس سوى لقضاء بالغرامة التهديدية لحمل هذا الخصم واعتبار الطرف الممتنع بدون حق خاسرا لدعواه.
هذا مع ملاحظة أن القضاء لا يأخذ امتناع الخصم عن تقديم ما في حوزته من مستندات على أنه قرينة تصلح للقضاء ضده إلا إذا كان الإثبات ممكنا بكافة الطرق و منها القرائن فعندئذ يعتد القاضي بهذه القرينة إذا كانت ظروف الدعوى تحمل على الاعتقاد بأن المستند في حوزة الخصم الممتنع ، أما إذا كان الإثبات لا يجوز بكافة الطرق فيكون على المدعي أن يقدم الدليل الكتابي على صحة دعواه, فلا يستطيع قبل ذلك طلب إلزام خصمه أي المدعي عليه بتقديم مستند في حوزته.
أما بالنسبة لمن لم يكن طرفا في الخصومة فيجوز إجباره على تقديم مستند تحت يده كأن يكون هذا الغير موظفا عاما ويترك ذلك لتقدير المحكمة.أما إذا وجد المستند في حوزة شخص عادي لم يكن طرفا في الخصومة, وامتنع عن تقديم ما في حوزته من مستندات برغم فائدتها للفصل في النزاع بين الخصوم فيجوز للقضاء إلزامه بتقديم هذا المستند.
وقد استقر القضاء الفرنسي على أن امتناع هذا الغير عن تقديم ما في حوزته من مستندات بغير مبرر مشروع و معقول يعد خطأ يرتب مسؤوليته الشخصية عما يصيب الخصم من أضرار لحقت به بسبب هذا الامتناع.
أحوال إلزام الخصم أو الغير بتقديم ما تحت يده من أوراق :
يجوز للخصم في الحالات الآتية أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده:
· إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه.
· إذا كان مشتركا بينه و بين خصمه, ويعتبر المحرر مشتركا على الأخص إذا كان المحرر لمصلحة الخصمين أو كان مثبتا لإلتزاماتهما و حقوقهما المتبادلة.
· إذا استنداليه خصمه في أية مرحلة من مراحل الدعوى.
إجراءات طلب إلزام الخصم بتقديم المحررات الموجودة تحت يده و الحكم فيه :
إذا توافرت حالة من الحالات المتقدمة جاز للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم المحرر الذي يكون موجودا تحت يده.
ويجب أن يقدم طلب الخصم بتقديم المحرر إلى المحكمة المعروض عليها النزاع و على ذلك لا يجدي أن يقدم الخصم هذا الطلب إلى الخبير المنتدب في الدعوى.
كما يجب أن يكون هذا الطلب صريحا وجازما حتى يلتزم بإجابته أو رفضه بحيث يشتمل أوصاف المحرر المطلوب إلزام الخصم بتقديمه و فحواه وكذلك الواقعة التي يستدل بالورقة عليها و كذلك الأدلة التي تثبت حيازة الخصم الآخر لهذه الورقة ثم تبين في ذات الطلب أن الحالة المعروضة هي إحدى الحالات التي يجوز في إلزام الخصم بتقديم ما تحت يده من أوراق.
فإذا لم تراعي في الطلب الأحكام المتقدمة قضت المحكمة برفضه و إذا قدم الطلب مستوفيا لشروط المنصوص عليها في القانون التزمت المحكمة بالرّد عليه إما قبولا أو رفضا وبالتالي يتعرض حكمها للنقض إن هي أغفلت الرّد عن هذا الطلب. فمسألة الفصل في طلب إلزام الخصم بتقديم أية ورقة منتجة في الدعوى تكون تحت يده إنما تتعلق أوجه الإثبات و إجراءاته التي يتعين على محكمة الموضوع أن تقول كلمتها فيها.
ويراعي أن القاضي في فصله في طلب إلزام الخصم بتقديم أية ورقة منتجة في الدعوى تكون تحت يده إنما يتمتع بسلطة تقديرية.[3]
أثر امتناع الخصم عن تقديم مستند تحت يده :
تقضي المحكمة لمصلحة الخصم الذي طلب إلزام خصمه بتقديم المحرر الموجود تحت يده في الحالات الآتية:
- إذا إمتنع الخصم عن تقديم الورقة المطلوبة في الميعاد الذي ضربته له المحكمة و بطبيعة الحال فإن المحكمة تملك بما لها من سلطة تقديرية في هذا الصدد أن تمدد الميعاد حسب ظروف الدعوى و ظروف الخصم المطلوب إلزامه بتقديم المحرر.
- إذا إمتنع الخصم عن حلف اليمين.
فإذا كان الخصم الطالب قد قدم صورة من المحرر جاز للمحكمة أن تعتد بهده الصورة وتعتبرها مطابقة للأصل. آما إذا لم يكن هذا الخصم قد قدم صورة من المحرر.فإن المحكمة يجوز لها في هده الحالة إن تأخذ بأقوال هدا الخصم فيما يتعلق بشكل المحرر و بمضمونه.
ولكن لا يجوز- و بصفة مطلقة- القول بان الامتناع عن تقديم المحرر يجب قانونا اعتباره تسليما بصحة قول من طلب تقديمها. فالمحكمة تتمتع بسلطة تقديرية في وزن هذا الامتناع وما يحتمله من معاني.
إلزام الغير بتقديم محررتحت يده :
قد تكون الورقة المنتجة في الدعوى والمطلوب تقديمها تحت يد شخص خارج عن نطاق الخصومة لذلك أجاز القانون استكمالا ومراعاة لصالح الخصم الذي يستفيد من هذه الورقة.للمحكمة أثناء سير الدعوى أن تأذن في إدخال الغير لإلزامه بتقديم ورقة تحت يده ويقدم طلب الإدخال في هذه الحالة من الخصم الذي يستفيد من الورقة, ومتى ادخل الغير في الدعوى اصبح خصما فيها.
و الواقع انه قد يكون المحرر الذي تحت يد الغير مثبتا لحق له او عليه بل قد يكون طرفا موقعا على هذا المحرر ومع ذلك قد يكون بعيدا عن مجال الخصومة الماثلة أمام المحكمة.
و قد يتخلف الغير الذي ألزمته المحكمة بتقديم المحرر بعد إدخاله في الخصومة ، فما هو الجزاء الذي يمكن إن يوقع على هذا الغير؟
في القانون المصري إذا امتنع الغير عن تقديم المحرر الموجود تحت يده فإن هدا الامتناع لا يعد دليلا على وجود هذا المحرر المطلوب تقديمه من أحد الخصوم في الدعوى ذلك انه لو أمكن استخلاص هذا الفهم من مجرد الامتناع لأمكن لأي خصم آن يدعي وجود آية ورقة تحت يد شخص آخر غير خصم في الدعوى و يصل عن طريق التواطؤ مع هذا الشخص إلى الحكم بصحة ما يدعيه[4]
ثالثا :حق الخصم في الاستشهاد بالشهود :
على كل إنسان واجب تحمل الشهادة وأداؤها, ومعنى تحمل الشهادة أن يدعوك الرجل لتشهد له على حق أو دين فتلبي دعوته و هذا التحمل واجب لقوله تعالى "ولا يآبى الشهداء إذا ما دعوا" .
و روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم " إذا دعاك الرجل لتشهد له على دين أو حق فلا يسعك أن تتقاعس عنه" .
آما أداء الشهادة فمعناها إن تدلي بها أمام القاضي إذا دعيت لذلك وهذا الأداء واجب تماما كالتحمل لقوله عز وجل" و لا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " ولقوله تعالى "ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده " و الأداء واجب على سبيل الكفاية لا العين إذا قام به البعض سقط عن الكل وإن امتنع الكل اثمو جميعا.
فالأداء بالشهادة أمام القضاء هو واجب على كل شخص قد اطلع صدفة أو بتدخل منه في علاقات غيره على واقعة متنازع عليها والشاهد ليس له الخيار في إن يحضر أمام القضاء ليدلي بشهادته أوان يمتنع عن الادلاء بها فمثل هذا الامتناع يلحق ابلغ الضرر بالعدالة وقد يؤدي إلى ضياع الحقوق واغتصابها إذا ما أنعدمت الأدلة الأخرى على الواقعة المطلوب إثباتها.
هذا الواجب يقابله حق كل خصم في الاستشهاد بالشهود على آية واقعة يسمح القانون بإثباتها
بالبينة فيستطيع الخصم تكليف الشاهد بالحضور أمام المحكمة للادلاء بشهادته فإذا تقاعس الشاهد عن الحضور بغير مبرر قانوني أو حضر وامتنع عن الادلاء بشهادته تعرض لتوقيع الجزاء .
لقد نصت المادة 43 ق إ.م على انه يجوز للقاضي أن يأمر قبل الفصل في الموضوع من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم بإجراء تحقيق وذلك بمقتضى قرار شفوي.
هذا وانه يجوز الأمر بالتحقيق لإثبات الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بطريق شهادة الشهود و بشرط آن يكون التحقيق فيها جائزا و منتجا في الدعوى.م61
إن الأمر بإجراء التحقيق قد يكون من تلقاء نفس القاضي أو بناء على طلب أحد الخصوم.م43 ق إ.م
وإذا تم الأمر بإجراء التحقيق بمقتضى حكم فيجب أن تبين في منطوق الحكم الوقائع التي تكون محل التحقيق وان يحدد تاريخ الجلسة التي يجري فيها التحقيق.
ويجب أن يتضمن كذلك الحكم تكليف الخصوم بالحضور وبإحضار شهودهم في التاريخ المحدد أو بإخطار قلم الكتاب في خلال 08 أيام.
إحضار الشهود:
فعلى الخصوم آن يقدموا شهودهم مباشرة وان يستدعوهم بوا سطة قلم الكتاب وذلك طبقا للأحكام الواردة في المواد من 22 إلى 26 ق إ.م.
هذا وان المهلة لحضور الشهود لا تقل عن خمسة أيام من تاريخ استلام الشاهد التبليغ إلى يوم الحضور لإجراء التحقيق.
ويمكن الحكم على الشهود الذين لم يحضرو بغرامة مدنية لا تتجاوز خمسين دينار مع النفاذ المعجل رغم المعارضة والاستئناف.
ويجوز إعادة تبليغهم وإن تغيبوا مرة أخرى يكون الحكم عليهم بغرامة مدنية لا تتجاوز 100دينار.
وأما الشاهد الذي قدم عذر مقبول عن الحضور يتم إعفاءه من الغرامة ويسمع إلى شهادته.
وإذا تبين أن الشاهد يستحيل عليه الحضور في اليوم المحدد فالقاضي يحدد له ميعاد أخر أو ينتقل لس ماع شهادته.
وإذا كان الشاهد مقيما خارج دائرة اختصاص المحكمة فالقاضي يلجأ إلى الانابة القضائية.(م68 ق إ.م)[5]
ولا تجوز شهادة من هو قريب لأحد الخصوم أو من أصهاره في درجة القرابة المباشرة أو زوج أحد الخصوم ولو مطلق وكذلك لاتقبل شهادة الأخوة والأخوات وابناء العم الأشقاء لأحد الخصم ( م 64 ق ا.م)
لكنه في الدعاوى المتعلقة بحالة الأشخاص و الطلاق تجوز شهادتهم .
أما القصر الذين لم يتجاوز عمرهم ثمانية عشر سنة لا يسمع لشهادتهم إلا على سبيل الاستدلال وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص فاقدي الأهلية في أداء الشهادة أمام القضاء .
كيـفـيـة سـمـاع الـشهــود :
يسمع إلى شهادة كل شاهد على انفراد بحضور الخصوم أو في غيبتهم وعلى كل شاهد أن يذكر قبل الآدلاء بشهادته اسمه ولقبه وعمره وموطنه وعلاقته ودرجة قرابته أو تبعيته للخصوم ثم يحلف الشاهد بأنه يقول إلا الحق وإلا كانت شهادته باطلة (م 85. ق ا.م).هذا وان القصر الذين لم يتجاوز عمرهم خمسة عشر سنة لا يؤدون اليمين (م49/4. ق ا.م) وعلي الشاهد أن يدلي بشهادته دون الاستعانة بأية مذكرة وقد يجوز للقاضي أن يوجه إلى كل شاهد كل الأسئلة اللازمة سواء من تلقاء نفسه أو بناءا على طلب الخصوم ( م71.ق ا. م) .
وعندما يكون الشاهد يدلى بشهادته لا يجوز للخصوم أن يقاطع أحدهم الشاهد ولا أن يوجه إليه الأسئلة بصفة مباشرة.وأخيرا تتلا على الشاهد أقواله ويوقع عليها أو ينوه بأنه لا يعرف أو لا يمكن التوقيع أو انه يمتنع عن ذلك .(م72. ق ا.م)
هذا وبمقتضي نص المادة 73 فالخصم الذي يقدم اكثر من خمسة شهود لاثبات واقعة واحدة يتحمل كل المصاريف المتعلقة بهذا الشان .
وعند الانتهاء من إجراء التحقيق قد يصدر القاضي حكمه فورا أو يؤجل الدعوى إلى جلسة قادمة ,وفي هذه الحالة يطلب القاضي من الخصوم أن يطلعوا علي المحضر التحقيق قبل الرجوع القضية من جديد في الجلسة المحددة (م75 .ق.ا م).
وهذا المحضر يدون فيه أقوال الشهود علي يد كاتب الضبط وهو يحتوي علي بيان اليوم والمكان والساعة التي اجري فيها لتحقيق وحضور الخصوم أو غيابهم واسم كل شاهد ولقبه ومهنته وموطنه كما يبين أسباب رد الشهود ويوقع علي المحضر القاضي وكاتب الضبط ويضاف إلى النسخة الأصلية للحكم (م .74. ق ا.م ).
رد الشهـــود:
يجوز رد الشهود (أو تجريحه ) بسبب عدم أهليته للشهادة أو بسبب قرابته القريبة أو لأي سبب جدي آخر.
هذا وانه يجب رد الشاهد وإبداء اوجه التجريح قبل ان يدلي بشهادته الا اذا تبين سبب رده بعد أداء الشهادة وفي هذه الحالة اذا قبل الرد بطلت الشهادة.( م. 69.ق ا.م ). [6]
رابعا: حق الخصم في استجواب خصمه :
يخول الحق في الإثبات للخصم أن يطلب استجواب خصمه والاستجواب طريق من طرق الإثبات في الدعوى يعمد أخذ الخصوم فيه إلى سؤال خصمه عن بعض وقائع معينة ليصل من وراء الإجابة عليها والإقرار بها إلى إثبات مزاعمه ودفاعه أو تمكين المحكمة من تلمس الحقيقة الموصلة لهذا الإثبات.
وتقضي المادة 106 إثبات مصري أن للمحكمة كذلك أن تأمر بحضور الخصم لاستجوابه سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب خصمه وعلى من تقرر استجوابه أن يحضر بنفسه الجلسة التي حددها القرار.
وتتمتع المحكمة بسلطة تقديرية في إجابة الخصم في طلب استجواب خصمه فإن رأت المحكمة أن الدعوى ليست في حاجة إلى استجواب رفضت الطلب وهي ترفض الاستجواب أيضا إذا وجدت أن الوقائع التي يراد استجواب الخصم عنها غير منتجة أو غير جائزة الإثبات.
ومفاد ما تقدم أن حق الخصم في الحصول على إقرار خصمه بالواقعة أو الأثر القانوني المتنازع
عليه يقابله واجب على الخصم الآخر أن يحضر لاستجوابه وأن يجيب على ما يوجه إليه من أسئلة.
ولذلك تقضي المادة 113 إثبات مصري بأنه إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك.[7]
أما في القانون الجزائري فإن استجواب الخصم من صلاحيات القاضي إذ هو المختص في ذلك ولا يجوز للخصم استجواب خصمه إذ يعد ذلك خروج عن المبادئ العامة في الإثبات ولكن هذا المبدأ ليس على إطلاقه إذ يستطيع الخصم أن يطلب من القاضي توجيه أسئلة - وعن طريق القاضي -تخص النزاع من أجل الوصول إلى قناعة تساعد القاضي في الوصول إلى الحقيقة.
المطلب الثاني: حق الخصوم في مناقشة الدليل وإثبات عكسه :
مهما يكن الدور الذي يلعبه القاضي في توجيه الدعوى فإن الأصل أنه يبقى محايدا في النزاع ولذلك فإن الدور الإيجابي الرئيسي في تحريك الدعوى يبقى الخصوم أنفسهم ويمكن حصر دور الخصوم وحقوقهم في القواعد الآتية:
أولا: حق الخصوم في مناقشة الأدلة التي تقدم في الدعوى :
لا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه على أنه مهما يكن من قدر الحرية التي تطلق للقاضي في الإثبات فلا جدال في أن أي دليل يقدمه الخصم في الدعوى يجب أن يعرض على الخصوم جميعا لمناقشته ويدلي كل برأيه فيه ، يفنده أو يؤيده والدليل الذي لا يعرض على الخصوم لمناقشته لا يجوز الأخذ به ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بدليل نوقش في قضية أخرى ما لم يناقش في القضية القائمة.
وهذا مبدأ جوهري من مبادئ التقاضي، حتى لا تبقى الخصومة مجهولة وحتى تتكافأ فرص الخصوم في الدعوى، ومن ثم كان للخصم حق طلب التأجيل للإطلاع على المستندات المقدمة من خصمه والرد عليها.
ولا يجوز للقاضي أن يقوم بمعاينة مكان النزاع في غيبة الخصوم ودون أن يدعوهم لحضور المعاينة ومن غير إصدار قرار بإجرائها.
ولكن يكفي أن يعرض الدليل على الخصوم لمناقشته، فإذا لم يريدوا مناقشته فعلا فقد نزلوا على حقهم في ذلك وصح الأخذ بالدليل.
كذلك لا يجوز للقاضي أن يأتي بأدلة من عنده لم يقدمها الخصوم إلا إذا تراضوا عليها وقبلوا مناقشتها[8]
ويترتب على حق الخصوم في مناقشة الأدلة التي تقدم في الدعوى أنه لا يجوز أن يقضي بعلمه ذلك أن علم القاضي هنا يكون دليلا في القضية، ولما كان حق مناقشة هذا الدليل اقتضى الأمر أن ينزل القاضي منزلة الخصوم فيكون خصما وحكما وهذا لا يجوز[9]
أن كل دليل يتقدم به الخصم لإثبات دعواه يكون للخصم الآخر الحق في تقديم ما ينقضه وإثبات عكس ما يدعيه تنص المادة 32 من ق.إ.م "على أن الأوراق ومستندات أو وثائق التي يقدمها كل طرف دعما لإدعاءاته يجب أن تبلغ للخصم" وتنص المادة 33 ق.إ.م على أنه "يكون سماع أقوال الخصوم أو وكلائهم أو محاميهم حضوريا"
والغرض من تبليغ أدلة الخصم إلى خصمه هو تمكينه من مناقشتها ومحاولة إثبات ما يخالفها فإذا كان الدليل ورقة رسمية كان للخصم الآخر أن يطعن فيها بالتزوير وإذا كان قرينة جاز للخصم دحضها بقرينة مثلها أو بأي طريق آخر.
وهذا الدور الإيجابي للخصوم في الإثبات ما يستتبعه من حقهم من مناقشة الأدلة يمكن ويسهل للقاضي الوصول إلى قناعة موضوعية بعيدة عن الذاتية تمكنه من إصدار حكم صائب ونزيه. وقد قضت محكمة النقض المصرية بأنه لا تثريب على المحكمة أن تسند في قضائها إلى أوراق دعوى أخرى كانت مرددة بين ذات الخصوم ولو اختلف موضوعها عن النزاع المطروح عليها طالما أن تلك الدعوى كانت مضمومة لملف النزاع وتحت بصر الخصوم كما قضت : بأنه لا يجوز للقاضي أن يستند إلى أوراق عثرت عليها النيابة العامة دون أن يثبت أن هذه الأوراق قد عرضت على الخصوم لمناقشتها.
كما قضت محكمة النقض بأنه لا يجوز للمحكمة أن تبني حكمها على ما تستخلصه من أوراق أو إجراءات إثبات بقضية أخرى ولو كانت منظورة بين الخصوم أنفسهم إلا أن تضم إلى قضية النزاع وتقع تحت بصر الخصوم.
ويقول بارتان "أنه لو سمح للقاضي أن يتدخل في الإثبات وأن يأتي من عنده بأدلة لم يقدمها الخصوم لخشي أن يعدل من طلبات المدعى وليست هذه مهمة القاضي، فإذا ما أتى القاضي بأدلة من عنده ورفض الخصوم أن يناقشوها ونزلوا عن حقهم في الاعتراض كان هذا بمثابة اتفاق بين الخصمين وهو جائز في صورة صريحة فيجوز في هذه الصورة الضمنية " ولكن هذا لا يمنع من أن يستعين القاضي في قضائه بما هو معروف بين الناس ولا يكون علمه خاصا به مقصورا عليه وذلك كالمعلومات التاريخية والجغرافية والعلمية والفنية الثابتة، فله أن يستعين في قضائه بما هو معروف في المجتمع.
ثانيا: حق الخصوم في إثبات عكس الدليل :
آن كل دليل يتقدم به الخصم لإثبات دعواه يكون للخصم الآخر الحق في نقضه وإثبات عكس ما يدعيه ، وذلك نتيجة للقاعدة المنصوص عليها في المادة 32 ق إ.م "إن الأوراق آو المستندات آو الوثائق التي يقدمها كل طرف دعما لادعاءاته يجب إن تبلغ للخصم".
وإذا كان الدليل الذي قدمه الخصم ورقة مكتوبة فان كانت ورقة عرفية كان للخصم الآخر آن ينكر خطه آو مضاءه آو آن يطعن في الورقة بالتزوير وان كانت ورقة رسمية كان للخصم الآخر آن يطعن فيها بالتزوير.
وفي جميع الأحوال يجوز للخصم الآخر- فيما لا يتحتم فيه الطعن بالتزوير- أن يثبت عكس ما هو ثابت ضده بالكتابة على إن يكون إثبات العكس بكتابة مماثلة وفقا للأحكام التي قررها القانون.
وإذا كان الدليل المقدم قرينة قضائية فللخصم الآخر أن يدحض هذه القرينة بقرينة مثلها آو بآي طريق آخر، وكذلك الحال في القرينة القانونية، فإن الأصل فيها جواز إثبات العكس، أما القرائن القانونية التي لا تقبل إثبات العكس فنادرة ولابد في منع إثبات العكس فيها من نص في القانون.
وحتى الإقرار واليمين يتصور فيهما تطبيق هذه القاعدة فإذا تمسك الخصم بالقرار الصادر من الخصم الآخر جاز لهذا الخصم الآخر أن يتمسك ببطلان هذا الإقرار لعدم الأهلية وللغلط آو لغير ذلك من العيوب وإذا وجه الخصم اليمين الحاسمة للخصم الآخر جاز لهذا الخصم إن يرد على خصمه اليمين.
و يتبين من كل ذلك أن الأصل في الدليل الذي يقدمه الخصم تمكين الخصم الآخر من نقضه وان حق الخصم في إثبات ما يدعيه يقبله حق الخصم الآخر في إثبات العكس