بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

مفهوم الحرية من المنظور الإسلامي

 بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


المقدمة

تبدو الحرية وكأنها لغة عصرنا الحاضر، والحديث عنها يملأ الدنيا،  ويلهج  الناس دوما  بذكرها خواصهم و عوامهم و عاقلهم  و طائشهم، ويقيمون لها التماثيل والنصب، ويهيمون في حبها في آدابهم وفنونهم، وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك. 

ونلاحظ أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي ورد فيه تعبير الـ "تحرير" صراحة وبكل وضوح 5 مرات في 3 آيات ، وكما يقول الإمام النسفى فإن:"كل تكرير ورد في القرآن فالمطلوب منه تمكين المكرر في النفوس وتقريره" . وكما يتضمن آية أخرى خالدة تحض على : "فك رقبة" )سورة البلد: الآية13 ( ، كما تحدثت آيتان أخريان عن دفع الزكاة والصدقات لتحرير الرقاب . وهكذا فان الذكر الحكيم أمر بالعتق والتحرير في 8 مواضع ، أي 8 مرات . ولم يعهد الناس طوال عمر البشرية كلاماً صريحاً قاطعاً وواضحاً عن التحرير وفك الرقاب المعذبة في الأرض قبل نزول القرآن على سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك ورد لفظ "العتق" صراحة - والأمر به - في عشرات من الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة . فهل يبقى بعد كل هذه النصوص – أدنى شك في كراهية الإسلام للرق والاستعباد وأنه يسعى بكل السبل  لتحرير العبيد في كل أرجاء الأرض ؟ . 

لذلك يقول المفكر الإسلامي عباس محمود العقاد : "شرع الإسلام العتق، ولم يُشرِّع الرق"( العقاد –حقائق الإسلام وأباطيل). ومع ذلك فإننا نرى أن الأدق أن نقول: "شرع الآخر الرق وشرع الإسلام العتق" . فكما رأينا انتشر الرق واستعباد الأقوياء للضعفاء في كل الأمم ، ثم جاء الإسلام ليوقف انتشار هذا السرطان في جسد البشرية بتجفيف ينابيعه ، مع فتح أبواب الحرية أمامهم على أوسع نطاق ممكن ، في منظومة تشريعية متكاملة بالغة الدقة والإحكام أثمرت القضاء على الرق تماماً خلال بضعة أجيال في كل أرض طُبِّقَت عليها أحكام الإسلام .. 

وتكفي نظرة إلى أحكام العتق في الإسلام ليدرك الجميع أن هذا ليس أبداً تشريعاً من عند البشر، وأن هذا القرآن العظيم هو كلام الرحمن الرحيم بعباده حقاً وصدقاً . (حمدي شفيق)

ولـأن زعماء الأمة لا يدركون هذه المعاني السامية التي جاء بها القرآن الكريم ربما في غفلة من ضمير أو لأن قلوبهم قد علاها الران أو لأنهم بعدوا عن المنهاج الحقيقي وهو القرآن الكريم وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم فعاشوا تحت ذل الغرب وعيّشوا شعوبهم تحت ظلمهم حفاظا على كراسيّهم فتجرعت الأمة في زمنهم الانهزام والنكبات تلو النكبات 

ولأننا كشعب فلسطيني ما زال يعيش تحت اضطهاد الحكام العرب من جانب وتحت سطوة الاحتلال الصهيوني الغاشم من الجانب الآخر كان لزاما علينا أن ندرك هذه المفاهيم من مصدرها الحقيقي ونأصل لها لكي نسعى جاهدين ومضحين بالغالي والنفيس وبكل مل نملك لكي نتنفس نسائم الحرية الحقة والتي تنسمناها في جزء من الوطن وهو غزة الصامدة 

لذلك كان هذا البحث لعل وعسى أن يكتب الله تعالى للبعض الاطلاع عليه والاستفادة مما فيه لكي تعم الفائدة والنفع على الجميع والله اسأل أن يوفقنا دائما لطاعته وحسن عبادته وأن يثبتنا على صراطه المستقيم 

مشكلة البحث

ما مفهوم الحرية من المنظور الإسلامي  ؟ 

وينبثق عن السؤال الرئيس الأسئلة الفرعية التالية :- 

أسئلة البحث 

1- ما مفهوم الحرية ؟

2- ما أنواع الحرية ؟

3- ما رؤية الإسلام ورؤية الغرب للحرية  ؟

4- ما ضوابط الحرية وحدودها في المنهج الإسلامي ؟

أهداف الدراسة 

- التعرف على مفهوم الحرية.

- معرفة أنواع الحريات .

- توضيح الرؤية الغربية والرؤية الإسلامية للحرية .

- بيان ضوابط الحرية وحدودها في المنهج الإسلامي.

أهمية الدراسة 

- قد يفيد من الدراسة أهل السياسة .

- قد يفيد من الدراسة المؤسسات التربوية 

- قد يستفيد من الدراسة راسمي وواضعي المناهج التربوية 

مصطلحات الدراسة 

تعريف الحرية لغةً :

" الحر ، بالضم : نقيض العبد " (ابن منظور ، 1410هـ ، جـ 4 ، ص 181 ) .

" والحرة : نقيض الأمة ، والجمع حرائر " ( المصدر السابق ) .

" وتحرير الولد : أن يفرده لطاعة الله عز وجل وخدمة المسجد ، وقوله تعالى (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران:35) " ( المصدر السابق ) .

" والحر من الناس : أخيارهم وأفضالهم . وحرية العرب : أشرافهم " ( المصدر السابق ).

" والحرة : الكريمة من النساء " ( المصدر السابق ) .

" الحُرِّيَّةُ : الأرضُ اللينةُ الرمليةُ " ( الفيروز بادي ،1993م )

تعريف الحرية اصطلاحاً :

وقد تعددت المذاهب في تعريف الحرية، واختلفت الآراء وتباينت تبايناً شديداً في تحديد مصطلح منضبط للحرية،. فقد ورد في إعلان حقوق الإنسان الصادر عام 1789: "الحرية هي حق الفرد في أن يفعل ما لا يضر بالآخرين." )

وعرفها لوك (Locke) بأنها: الحق في فعل أي شيء تسمح به القوانين." 

أما عن تعريف الحرّية في الفقه الإسلامي، فيمكن الوقوف على تعريف الدريني الذي يقول فيه: "الحرية هي المكنة العامة التي قررها الشارع للأفراد على السواء، تمكيناً لهم من التصرف على خيرة من أمرهم دون الإضرار بالغير." مستنداً على تعريف الفقهاء لمعنى الإباحة التي تقوم في أصل تشريعها على التخيير بين الفعل والترك.

وقد ذهب الفاسي إلى محاولة التفريق بين نظرة الإسلام إلى الحرية ومفهومها عن كل النظريات الأخرى الفلسفية والاشتراكية والمادية الغربية بأن يقول: "الحرية جعل قانوني وليس حقاً طبيعياً، فما كان للإنسان ليصل إلى حريته لولا نزول الوحي، وأن الإنسان لم يخلق حراً، وإنما ليكون حرّاً." 

وقد أيد ذلك مجموعة من المفكرين والباحثين المسلمين في العصر الحديث.

وعرفها  د. رحيل محمد غرايبة  " الحرية أصلاً مركوزاً في فطرة الإنسان، وجعلها مناط الابتلاء، كما جعل العقل مناط التكليف، فالله عز وجل الذي خلق الإنسان وكونه أراده عاقلاً حراً، ثم أناط به الخلافة في الأرض وإعمارها وفق منهج تشريعي عبادي متسق مع نواميس الكون وحركة الموجودات" .

ونقصد بالحرية هنا ما وهبه الله للإنسان من مكنة التصرف لاستيفاء حقه وأداء واجبه دون تعسف أو اعتداء.

ولكن بعد التأمل الدقيق ـ نجد ـ أن مرجع جميع هذه التعاريف إلى جامع واحد وحقيقة مشتركة واحدة ـ هي القدرة على الفعل والاختيار ـ دلت عليها ألفاظ متعددة، وبصور مختلفة... ولذا لم يتحصل لدى الانتقال من تعريف لآخر أمر آخر يضيف على التعريف الأول شيئاً يذكر سوى التبسيط، والتوضيح . " ( حسين ، 1421هـ، 44 )

منهج البحث 

اتبع الباحث المنهج الوصفي الذي يصف الظاهرة ويقف على معظم أبعادها ويبينها 

الإطار النظري

*-  مفهوم الحرية عند الغرب  

استخدم مصطلح الحرية في العالم الغربي للدلالة على رفــض الأنظمـــة العبودية والإقطاعية في العصور الوسطى، وترسخ بعد انتصار الثورات التي ألغت الإقطاع وأقامت الأنظمة الجمهورية، واستمر حتى صار يحمل دلالة تعادل (صيغة تقرير المصير الفردي والجماعي، وفي درجة الاستقلال الذاتي الذي تشجع عليه وتبيحه (الديمقراطية)، وفي طبيعة العملية الديمقراطية وفي مجال أوسع للحريات الأخرى الأكثر خصوصية والتي هي من صلب طبيعة العملية الديمقراطية، أو انها من المتطلبات الضرورية لوجودها)( رو برت دال – ترجمة نمير عباس مظفر، ص 517). 

فعرّفها الغرب بأنها الانطلاق بلا قيد ، والتحرر من كل ضابط ، والتخلص من كل رقابة ، حتى ولو كانت تلك الرقابة نابعة من ذاته هو ، من ضميره ، فلتحطم وليحطم معها الضمير إن احتاج الأمر ، حتى لا يقف شيء في وجه استمتاعه بالحياة ، وحتى لا تفسد عليه نشوة اللذة ، ومعنى هذا ترك الإنسان وشأنه يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء ، وهكذا بدون قيود ولا ضوابط ، ولا رقابة ، وعلى المجتمع أن يسّلم بذلك الحق ، وعلى الحكومة أن تحافظ على تلك الحرية وتحميها،   فلا دين يحكم النفوس ، ويكبح جماحها ، ولا أخلاق تهذب طباعها ، وتوقظ مشاعرها ، وتثير فيها روح النخوة والغيرة والإباء ، ولا مثل ، ولا فضائل ، تقاس على أساسها الأعمال خيرها وشرها ، ولا حياء يمنع ارتكاب الشطط ، والمجاهرة بالمنكر 

فالحرية عندهم تعنى أن تفعل ما تشاء و تأكل ما تشاء وتلبس ما تشاء وتعتقد ما تشاء وتنام مع من تشاء فإذا كان هذا هو الحال فما هي النتيجة ؟ الجواب مسموع ومشاهد و معلوم للقاصي و الداني أن أعلى معدلات الجريمة و القتل والسرقة و الاختطاف و الاغتصاب و الشذوذ والخيانة والسكر و الانحلال الخلقي الغير مسبوق هذا كله و أكثر موطنه البلاد الراعية والداعية إلى الحرية !

- فالأمريكان يزعمون أنهم أصحاب حقوق الإنسان وأن الفرنسيين ليسوا سوى مقلدين لهم، وحجتهم أن وثيقة (إعلان الاستقلال) تحمل تاريخ 1776 فهي أسبق من الثورة الفرنسية وقد جاء في مقدمة الوثيقة التي وضعها ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية: (إننا نعد الحقائق التالية من البديهيات: خلق الناس جميعا متساوين، وقد منحهم الخالق حقوقا خاصة لا تنزع منهم: (الحياة ،الحرية ، السعي وراء السعادة).

- ويزعم البريطانيون أنهم الأسبق في ميثاق الشرف الأعظم "الماجنا كارتا" لقد تمت صياغة هذا الميثاق في 12 حزيران 1215 ، وهو نص عام مكون من ثلاث وستون مادة وجهه الملك إلى العامة والخاصة في البلاد  تنص المادة الأولى على أن الحرية ممارسة كل الحقوق والحريات ،وحرية الانتخاب لكنيسة إنكلترا وكذلك منح حقوقا عديدة لكل الأشخاص الأحرار المقيمين في المملكة ،وهي تقيد حق التصرف الملكي بالأموال العامة ،ويعطي الميثاق في المادة 13 كل الحريات والتقاليد الحرة القديمة في البر والبحر لكل المدن والقرى في البلاد ، كما أعطت الوثيقة ضمانات للمحاكمة والإدانة وحظرت الاعتقال والسجن ونزع الملكية والنفي، أو إعلان شخص حر خارجا عن القانون خارج محاكمة عادلة.

- ويرى بعض المفكرين أن العرب سبقوا الغرب في إقرار حقوق الإنسان وذلك في حلف الفضول ،ذلك أن مكة المكرمة أضحت في الفترة التي سبقت الإسلام مركزا تجاريا هاما، وازدهرت إثر هزيمة الحبشة برئاسة أبرهة، واحتدام الصراع بين الإمبراطوريتين الساسانية والبيزنطية ،وأثرى أهل مكة وتشابكت المصالح فنشأت معها أحلاف عديدة منها حلف الفضول.

ويقول ابن الأثير( أصل الحلف المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق ) ويعود أصل حلف الفضول إلى نهاية القرن السادس الميلادي ،حيث يروى أن يمنيا من زبيد أعطى بضاعته لرجل من بني سهم في مكة، فتخلف الأخير عن دفع ثمن البضاعة، فصعد اليمني جبل أبي قيس واستغاث بفضلاء مكة، فسمعوا قصته واقتنعوا بحقه وذهبوا إلى التاجر المكي لإجباره على دفع ثمن البضاعة، وقد رأى المبادرون لهذا التضامن مع المظلوم أن لا تتوقف مبادرتهم عند حدث معزول قائم على احترام قواعد البيع والشراء، فقرروا التحالف على أن لا يقروا ببطن مكة ظالما (لا ينبغي إلا ذلك لما عظم الله من حقها ) فتم الاتفاق في دار عبد الله بن جدعان لشرفه وكبر سنه بحضور بني هاشم وبني المطلب وبني أسد بن عبد الله العزى وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فتحالفوا وتعاهدوا على ( أن لا يجدوا في مكة مظلوما من أهلها أو من غيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على ظالمه حتى ترد مظلمته) فسمت قريش هذا الحلف حلف الفضول وشهده رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وقال فيما يروى عنه (لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان لو دعيت به في الإسلام لأجبت)، وعلى هذا يرى البعض أن هذه هي نواة أول جمعية لحقوق الإنسان في العالم

*- مفهوم الحرية عند المسلمين  

"خص المولى تبارك وتعالى "الإنسان" بالعقل والإدراك والتمييز , وأمر بحفظ حقه في حرية التفكير والتعبير مادام ذلك في حدود الشرع ومصلحة الجماعة , لا يقهر على أمر , ولا يقصر على رأي , ولا يمنع من إبداء الرأي والاجتهاد فيه , لأن هذا قوام :"نموه العقلي" واتساع مداركه وشحذ تفكيره , ومبادئه الإيجابية في بناء حياته الخاصة وفلسفته ونظرته للحياة , وتحقيق طموحاته المستقلة , ومساهمته الفعالة في بناء حياة الجماعة وتطوير نظمها وتراثها الفكري واعلمي والحضاري ,وتمكينها من بلوغ أهدافها المرجوة لخير جميع أفرادها .

ولأن في الحفاظ على حرية "الإنسان" في فكره وتعبيره , صونا "لآدميته" المكرمة من الله تعالى ,ودعما لكيانه المستقل والمتميز عن غيره , وتنمية لشخصيته لتكون قوية متماسكة ,وتعزيزا لاعتداده بذاته وثقته بنفسه , وراحة وسعادة له في حياته , وإعطاء هذه الحياة معاني الكرامة وأسباب الهناء.

والمولى سبحانه وتعالى , وهو يضرب لعباده المثل , وله وحده المثل الأعلى , أقر للإنسان حريته حتى فيما يتعلق بأمور الإيمان والعقيدة والتوحيد ، وهي أسمى الأمور ، وحمله مسؤولية حريته في إيمانه وكفره ، وهذا هو العدل التام ، وأقام عليه الحجة بما أعطاه من حرية قوامها الإرادة والاختيار والعقل " (الزنتالي ، 1993م ، ص196 ) .

قال تعالى : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا)(الكهف: من الآية29)

وقال تعالى : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)(البقرة: من الآية256)

وقال عز وجل : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(يونس: من الآية99)

وقال جل جلاله : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمسيطر  ) (الغاشية: 21،22) 

ومن أسرار الشريعة الإسلامية حرصها على تعميم الحرية في الإسلام بكيفية منتظمة ، فإنّ الله لمّا بعث رسوله بدين الإسلام كانت العبودية متفشيّة في البشر، وأقيمت عليها ثروات كثيرة، وكانت أسبابها كثيرة: وهي الأسر في الحروب،  والخطف في الغارات، وبيع الآباء والأمّهات أبناءهُمْ، والرهائن في الخوف، والتداين. فأبطل الإسلام جميع أسبابها عدا الأسر .

ومفهوم الحرية من المنظور الإسلامي يتحقق من خلال الحقوق  والواجبات باعتبارهما وجهين لعملة واحدة لان الحقوق من دون أن تقيد بالواجبات سيصبح الفرد غير مرتبط بالآخرين وقد يعرف حقوقه ولا يعرف حقوق الآخرين عليه وبذلك يصبح انفراديا في تعامله قاصرا عن أداء واجباته.

وقد حرص الإسلام على تطبيق مبدأ الحرية في هذه الحدود وبهذه المناهج في مختلف شؤون الحياة. واخذ به في جميع النواحي التي تقتضى كرامة الفرد وان يأخذ به في شؤونها وهي النواحي المدنية والدينية ونواحي التفكير والتعبير، ونواحي السياسة والحكم حتى وصل به في كل النواحي إلى شأن رفيع لم تصل إلى مثله شريعة أخرى من شرائع العالم قديمه وحديه.

فالإسلام يرى أن إنسانية الإنسان هي رهن حريته إذ لا يمكن أن تتحقق إنسانيته بدون حريته فان تحكم الآخرين عليه باستعباده بغير صورة شرعية

فالحرية في الإسلام لا تعني الفوضى وارتكاب الموبقات والمنكرات باسم الحرية واستباحة محارم الله والانغماس في الشهوات المحرمة فالحرية التي تبيح هذه المحظورات هي فوضى، وتصور خاطئ للحرية، وقد صحح الإسلام هذا التصور الخاطئ وقرر حرية الناس منذ ولادتهم ، وانه لا يجوز استعبادهم كما لا يجوز تقييد حرياتهم، و كل حق لهم، يقابله واجب عليهم ليكون هناك توازن في الحياة والتعايش مع الآخرين ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله يقول: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسلفها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فآذوهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فان تركوهم هلكوا وهلك الناس جميعهم وإن منعوهم نجو ونجى الناس جميعاً) .

وهكذا حياة الناس على سطح الأرض كركاب السفينة تحمل هذه الأرض البر والفاجر، والصالح والطالح والمحسن والمسيء كالذين يسيئون الآخرين بما فيهم أنبياء الله ورسله بحيث يرسمونهم في صور لا تليق بمقامهم الذي يستحق الاحترام والتقدير والتقديس، فان ترك هؤلاء المسيئين يمرحون ويفعلون ما يحلو لهم وما يشاءون.

دون الأخذ بأيديهم وكفها عن اقتراف الموبقات والآثام لهلك الناس جميعهم نتيجة لاختلال التوازن في مطالب الحياة ، وان اخذ بأيديهم نجو ونجى الناس جميعا وحيوا حياة طيبة، هذا هو توجيه الإسلام للحرية، أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبي الرحمة.

"وقد عزز الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة وسيرته العطرة , مبدأ "الحرية" سواء في التفكير أم في التعبير أم في إعمال الرأي والاجتهاد في أمور الدين والدنيا , حرصا منه على تكوين الشخصية المستقلة المتماسكة القوية لدى المسلم .

فأثناء الاستعداد لمعركة "بدر الكبرى" والتخطيط لها , قال الصحابي الجليل "الحباب بن المنذر" رضي الله عنه :"يا رسول الله, إن هذا  المكان الذي أنت فيه ليس بمنزل, فانطلق بنا إلى أدنى ماء إلى القوم , فإني عالم بها وبقلبها , بها قليب قد عرفت عذوبة ماءه لا ينزح , ثم نبني عليه حوضا فنشرب ونقاتل . ونغور ما سواه من القلب فنزل جبريل عليه السلام على رسول صلى الله عليه وسلم فقال: "الرأي ما أشار به الحباب " فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ذلك .

ولما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث الصحابي الفقيه "معاذ بن جبل" رضي الله عنه إلى اليمن ,ليعلم الذين دخلوا إلى الإسلام ويفقههم , قال عليه الصلاة والسلام :"كيف تقضي إذا عرض  لك قضاء ؟"قال أقضي بكتاب الله قال "فإن لم تجد في كتاب الله  " قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد برأي ولا آلو.فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ,فقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلى ما يرضي رسول الله"  وعن عائشة وعن أنس بن ثابت رضي الله عنهما ,أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنتم أعلم بأمور دنياكم"  (الزنتالي ، 1993م ، ص458)

"عن محارب بن دِثَارٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِرَجُلٍ : «مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ: أَنَا قَاضِي دِمَشْقَ، قَالَ: وَكَيْفَ تَقْضِي ؟ قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ مَا لَيْسَ في كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: أَقْضِي بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ مَا لَيْسَ في سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيٍ وَأُؤَامِرُ جُلَسَائِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَحْسَنْتَ  "( السيوطي ، 1994م ، جـ13 ، ص 472 )

أنواع الحرية 

- الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية 

- الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية 

الصنف الأول : الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المادية ، وهذا الصنف يشمل الآتي: 

أ - الحرية الشخصية: والمقصود بها أن يكون الإنسان قادراً على التصرف في شئون نفسه، وفي كل ما يتعلق بذاته، آمناً من الاعتداء عليه، في نفسه وعرضه وماله، على ألا يكون في تصرفه عدوان على غيره. والحرية الشخصية تتضمن شيئين :

1) حرمة الذات: وقد عنى الإسلام بتقرير كرامة الإنسان ، وعلو منزلته. فأوصى باحترامه وعدم امتهانه واحتقاره ، قال تعالى:(( )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70)   وقال تعالى:(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)   وميزه بالعقل والتفكير تكريماً له وتعظيماً لشأنه، وتفضيلاً له على سائر مخلوقاته، وفي الحديث عن عائشة – رضي الله عنها – مرفوعاً : " أول ما خلق الله العقل قال له اقبل ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم علي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب" ، وفي هذه النصوص ما يدعو إلى احترام الإنسان، وتكريم ذاته، والحرص على تقدير مشاعره، وبذلك يضع الإسلام الإنسان في أعلى منزلة، وأسمى مكان حتى أنه يعتبر الاعتداء عليه اعتداء على المجتمع كله، والرعاية له رعاية للمجتمع كله ، قال تعالى :(( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة:32)   وتقرير الكرامة الإنسانية للفرد، يتحقق أياً كان الشخص، رجلاً أو امرأة ، حاكماً أو محكوماً، فهو حق ثابت لكل إنسان، من غير نظر إلى لون أو جنس أو دين. حتى اللقيط في الطرقات و نحوها، يجب التقاطه احتراما لذاته و شخصيته،. هذا و كما حرص الإسلام على احترام الإنسان حياً، فقد أمر بالمحافظة على كرامته ميتاً، فمنع التمثيل بجثته .

2) تأمين الذات: بضمان سلامة الفرد و أمنة في نفسه و عرضه و ماله: 

فلا يجوز التعرض له بقتل أو جرح، أو أي شكل من أشكال الاعتداء، سواء كان على البدن كالضرب و السجن و نحوه، أو على النفس و الضمير كالسب أو الشتم و الازدراء و الانتقاص وسوء الظن و نحوه، و لهذا قرر الإسلام زواجر و عقوبات، تكفل حماية الإنسان و وقايته من كل ضرر أو اعتداء يقع عليه، ليتسنى له ممارسة حقه في الحرية الشخصية. وكلما كان الاعتداء قوياً كان الزجر أشد، ففي الاعتداء على النفس بالقتل و جب القصاص، كما قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:178)   أو كان الاعتداء على الجوارح بالقطع و جب القصاص أيضاً كما قال تعالى :(( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة:45)  و منع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – الولاة من أن يضربوا أحداً إلا أن يكون بحكم قاض عادل، كما أمر بضرب الولاة الذين يخالفون ذلك بمقدار ما ضربوا رعاياهم بل إنه في سبيل ذلك منع الولاة من أن يسبوا أحداً من الرعية، ووضع عقوبة على من يخالف ذلك. 

ب-حرية التنقل (الغدو و الرواح ): والمقصود بها أن يكون الإنسان حراً في السفر والتنقل داخل بلده وخارجه دون عوائق تمنعه. والتنقل بالغدو والرواح حق إنساني طبيعي ،تقتضيه ظروف الحياة البشرية من الكسب والعمل وطلب الرزق والعلم ونحوه ،ذلك أن الحركة شأن الأحياء كلها ،بل تعتبر قوام الحياة وضرورتها وقد جاء تقرير ((حرية التنقل )) بالكتاب والسنة والإجماع ففي الكتاب قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15)   و لا يمنع الإنسان من التنقل إلا لمصلحة راجحة ،كما فعل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في طاعون عمواس، حين منع الناس من السفر إلى بلاد الشام الذي كان به هذا الوباء، و لم يفعل ذلك إلا تطبيقاً لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرض و انتم بها فلا تخرجوا فرارا منه)، و لأجل تمكين الناس من التمتع بحرية التنقل حرم الإسلام الاعتداء على المسافرين، والتربص لهم في الطرقات، و أنزل عقوبة شديدة على الذين يقطعون الطرق ويروعون الناس بالقتل و النهب و السرقة، قال تعالى : (( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33) 

فالطرق يجب أن تفسح لما هيئ لها من السفر و التنقل و المرور، و أي استعمال لغير هدفها محظور لا سيما إذا أدي إلى الاعتداء على الآمنين، و لأهمية التنقل في حياة المسلم وأنه مظنة للطوارئ، فقد جعل الله تعالى ابن السبيل- وهو المسافر- أحد مصارف الزكاة إذا ألم به ما يدعوه إلى الأخذ من مال الزكاة ، ولو كان غنياً في موطنه . 

ج-حرية المأوى و المسكن: فمتى قدر الإنسان على اقتناء مسكنه ،فله حرية ذلك، كما أن العاجز عن ذلك ينبغي على الدولة أن تدبر له السكن المناسب، حتى تضمن له أدنى مستوى لمعيشته. 

روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له)، وقد استدل الإمام ابن حزم بهذا الحديث وغيره على أن أغنياء المسلمين مطالبون بالقيام على حاجة فقرائهم إذا عجزت أموال الزكاة والفيء عن القيام بحاجة الجميع من الطعام والشراب واللباس والمأوى الذي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة، والدولة هي التي تجمع هذه الأموال وتوزعها على المحتاجين ولا فرق في هذا بين المسلمين وغيرهم لأن هذا الحق يشترك فيه جميع الناس كاشتراكهم في الماء والنار فيضمن ذلك لكل فرد من أفراد الدولة بغض النظر عن دينه. 

فإذا ما ملك الإنسان مأوى و مسكن ،فلا يجوز لأحد ،أن يقتحم مأواه ،أو يدخل منزله إلا بإذنه، حتى لو كان الداخل خليفة، أو حاكماً أعلى –رئيس دولة- ما لم تدع إليه ضرورة قصوى أو مصلحة بالغة، لأن الله تعالى يقول :(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور:27)  و إذا نهى عن دخول البيوت بغير إذن أصحابها، فالاستيلاء عليها أو هدمها أو إحراقها من باب أولى، إلا إذا كان ذلك لمصلحة الجماعة، بعد ضمان البيت ضماناً عادلاً، و هذه المصلحة قد تكون بتوسعة مسجد، أو بناء شارع، أو إقامة مستشفى، أو نحو ذلك، و قد أجلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه –أهل نجران، و عوضهم بالكوفة. و بالغ الإسلام في تقرير حرية المسكن بأن أسقط القصاص والدية عمن انتهك له حرمة بيته، بالنظر فيه و نحوه، يدل على ذلك حديث أبى هريرة –رضي الله عنه-أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فقد هدرت عينه) وهدرت:أي لاضمان على صاحب البيت. 

د-حرية التملك: و يقصد بالتملك حيازة الإنسان للشيء و امتلاكه له، و قدرته على التصرف فيه، و انتفاعه به عند انتقاء الموانع الشرعية،  و له أنواع و وسائل نوجزها في الآتي: 

1) أنواع الملكية: للملكية أو التملك نوعان بارزان،هما:تملك فردي ،و تملك جماعي. 

فالتملك الفردي: هو أن يحرز الشخص شيئاً ما ،و ينتفع به على وجه الاختصاص و التعين. 

وقد أعطى الإسلام للفرد حق التملك، و جعله قاعدة أساسية للاقتصاد الإسلامي،.كما أن الإسلام رتب على هذا الحق أيضا نتائجه الأخرى، وهي حرية التصرف فيه بالبيع أو الشراء و الإجارة و الرهن و الهبة و الوصية و غيرها من أنواع التصرف المباح.

غير أن الإسلام لم يترك (التملك الفردي) مطلقاً من غير قيد، ولكنه وضع له قيوداً كي لا يصطدم بحقوق الآخرين، كمنع الربا و الغش و الرشوة و الاحتكار و نحو ذلك، مما يصطدم ويضيع مصلحة الجماعة .و هذه الحرية لا فرق فيها بين الرجل و المرأة قال الله تعالى : (( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ )(النساء: من الآية32) .

أما النوع الثاني:فهو التملك الجماعي :و هو الذي يستحوذ عليه المجتمع البشري الكبير، أو بعض جماعاته، و يكون الانتفاع بآثاره لكل أفراده، و لا يكون انتفاع الفرد به إلا لكونه عضواً في الجماعة، دون أن يكون له اختصاص معين بجزء منه، مثاله :المساجد والمستشفيات العامة والطرق والأنهار والبحار وبيت المال ونحو ذلك. 

2) وسائل الملكية: و هي طرق اكتسابها التي حددها الإسلام و عينها و حرم ما سواها ويمكن تقسيمها أيضا إلى قسمين :وسائل الملكية الفردية و الجماعية. 

- وسائل الملكية الفردية ،و لها مظهران: 

المظهر الأول :الأموال المملوكة ،أي المسبوقة بملك ،و هذه الأموال لا تخرج من ملك صاحبها إلى غيره إلا بسب شرعي كالوراثة ،أو الوصية ،أو الشفعة ، أو العقد ،أو الهبة ،أو نحوها. 

المظهر الثاني :الأموال المباحة ،أي غير المسبوقة بملك شخص معين ،و هذه الأموال لا يتحقق للفرد تملكها إلا بفعل يؤدي إلى التملك و وضع اليد ،كإحياء موات الأرض و الصيد ،واستخراج ما في الأرض من معادن ،و إقطاع ولي الأمر جزءاً من المال لشخص معين،والعمل ،و نحوه . 

على أن ثمة قيوداً على الملكية الفردية ،تجمل فيما يلي: 

1/ مداومة الشخص على استثمار المال ،لأن في تعطيله إضراراً بصاحبه ،و بنماء ثروة المجتمع.

2/ أداء زكاته إذا بلغ نصاباً،لأن الزكاة حق المال،و كذلك إنفاقه في سبيل الله. 

3/ اجتناب الطرق المحرمة للحصول عليه ،كالربا ،و الغش و الاحتكار و نحوه.

4/ عدم الإسراف في بذله أو التقتير.

- وسائل الملكية الجماعية ،و لها مظاهر كثيرة ،نوجزها في الآتي: 

المظهر الأول :الموارد الطبيعية العامة ،و هي التي يتناولها جميع الناس في الدولة دون جهد أو عمل . كالماء ،و الكلأ ،و النار ،و ملحقاتها. 

المظهر الثاني :الموارد المحمية ،أي التي تحميها الدولة لمنفعة المسلمين أو الناس كافة ،مثل :المقابر ،والمعسكرات ،و الدوائر الحكومية ،والأوقاف ،والزكوات و نحوها. 

المظهر الثالث :الموارد التي لم تقع عليها يد أحد ،أو وقعت عليها ثم أهملتها مدة طويلة كأرض الموات. 

المظهر الرابع :الموارد التي تجنيها الدولة بسبب الجهاد كالغنائم والفيء ونحوها 

هـ- حرية العمل: العمل قوام الحياة ولذلك فإن الإسلام أقر بحق الإنسان فيه في أي ميدان يشاؤه ولم يقيده إلا في نطاق تضاربه مع أهدافه أو تعارضه مع مصلحة الجماعة. و لأهمية العمل في الإسلام اعتبر نوعاً من الجهاد في سبيل الله ،كما روى ذلك كعب بن عجرة –رضي الله عنه –قال : (مر على النبي صلى الله عليه و سلم رجل ،فرأى أصحاب الرسول الله صلى الله عليه و سلم من جلده و نشاطه، فقالوا :يا رسول الله ،لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً، فهو في سبيل الله،و إن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ،و إن كان خرج يسعى على نفسه يعضها فهو في سبيل الله، و إن كان خرج يسعى رياء و مفاخرة فهو في سبيل الشيطان). وهكذا نجد كثيراً من نصوص الكتاب و السنة ،تتحدث عن العمل و تحث عليه وتنوه بأعمال متنوعة كصناعة الحديد و نجارة السفن ،و فلاحة الأرض ،و نحو ذلك ،لأن العمل في ذاته وسيلة للبقاء، و البقاء –من حيث هو – هدف مرحلي للغاية الكبرى، و هي عبادة الله، و ابتغاء رضوانه ، وبقدر عظم الغاية تكون منزلة الوسيلة، فأعظم الغايات هو رضوان الله تعالى، و بالتالي فإن أعظم وسيلة إليها هي العمل و التضحية، و إنما نوه القرآن بالعمل والكسب للتنبيه على عظم فائدته و أهميته للوجود الإنساني، وأنه أكبر نعم الله على الإنسان. 

الصنف الثاني :الحرية المتعلقة بحقوق الفرد المعنوية ،و هذا الصنف يشمل الآتي: 

أ-حرية الاعتقاد: ويقصد بها اختيار الإنسان لدين يريده بيقين، و عقيدة يرتضيها عن قناعة، دون أن يكرهه شخص آخر على ذلك .فإن الإكراه يفسد اختيار الإنسان، و يجعل المكره مسلوب الإرادة ،فينتفي بذلك رضاه و اقتناعه و إذا تأملنا قول الله تعالى : (( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)(البقرة: من الآية256) نجد أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته، و أقر أن الفكر و الاعتقاد لا بد أن يتسم بالحرية، وأن أي إجبار للإنسان، أو تخويفه، أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكره باطل و مرفوض، لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب، و لا يثبتها في الضمير. لذلك قال تعالى : (()وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99)   و تثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به. هذا و يترتب على حرية الاعتقاد ما يلي: 

1) إجراء الحوار و النقاش الديني ،وذلك بتبادل الرأي و الاستفسار في المسائل الملتبسة ،التي لم تتضح للإنسان ،و كانت داخلة تحت عقله و فهمه –أي ليست من مسائل الغيب – وذلك للاطمئنان القلبي بوصول المرء إلى الحقيقة التي قد تخفى عليه، وقد كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة و السلام يحاورون أقوامهم ليسلموا عن قناعة و رضى و طواعية، بل إن في حديث جبريل عليه السلام ،الذي استفسر فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ((الإسلام ))و ((الإيمان ))و ((الإحسان )) و ((علامات الساعة )) دليل واضح على تقرير الإسلام لحرية المناقشة الدينية ،سواء كانت بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم و بين أصحاب الأديان الأخرى، بهدف الوصول إلى الحقائق و تصديقها، لا بقصد إثارة الشبه و الشكوك و الخلافات.

2) ممارسة الشعائر الدينية ،و ذلك بأن يقوم المرء بإقامة شعائره الدينية ،دون انتقاد أو استهزاء ، أو تخويف أو تهديد،و لعل موقف الإسلام الذي حواه التاريخ تجاه أهل الذمة –أصحاب الديانات الأخرى –من دواعي فخره و اعتزازه ،و سماحته ،فمنذ نزل الرسول صلى الله عليه و سلم يثرب –المدينة المنورة –أعطى اليهود عهد أمان ، يقتضي فسح المجال لهم أمام دينهم و عقيدتهم، و إقامة شعائرهم في أماكن عبادتهم .ثم سار على هذا النهج الخلفاء الراشدون ،فكتب عمر بن الخطاب –رضي الله عنه – لأهل إيلياء –القدس- معاهدة جاء فيها : (( هذا ما أعطاه عمر أمير المؤمنين ، أهل ايلياء من الأمان ،أعطاهم أمانا على أنفسهم ،و لكنائسهم و صلبانهم ،،، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم و لا ينتقص منها و لا من غيرها و لا من صلبهم، و لا يكرهون على دينهم ،و لا يضار أحد منهم )) .

ب- حرية الرأي: و هي حرية التفكير و التعبير، واجاز الإسلام للإنسان أن يقلب نظره في صفحات الكون المليئة بالحقائق المتنوعة، و الظواهر المختلفة، و يحاول تجربتها بعقله، و استخدامها لمصلحته مع بني جنسه، لأن كل ما في الكون مسخر للإنسان، يستطيع أن يستخدمه عن طريق معرفة طبيعته و مدى قابليته للتفاعل و التأثير ،ولا يتأتى ذلك إلا بالنظر و طول التفكير. 

هذا و لإبداء الرأي عدة مجالات و غايات منها: 

1) إظهار الحق و إخماد الباطل ،قال تعالى : (()وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)  فالمعروف هو سبيل الحق ،و لذلك طلب من المؤمن أن يظهره ،كما أن المنكر هو سبيل الباطل ،و لذلك طلب من المؤمن أن يخمده. 

2) منع الظلم و نشر العدل ،و هذا ما فعله الأنبياء و الرسل إزاء الملوك و الحكام و يفعله العلماء و المفكرون مع القضاة و السلاطين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ).

3) و قد يكون إبداء الرأي ،بتقديم الأمور حسب أهميتها و أولويتها، و هذا أكثر ما يقوم به أهل الشورى في أكثر من بلد ،و أكثر من مجتمع و قد يكون بأي أسلوب آخر،إذ من الصعب حصرها ،و لكنها لا تعني أن يخوض الإنسان فيما يضره، ويعود عليه بالفساد، بل لا بد أن تكون في إطار الخير والمصلحة إذ الإسلام بتقريره حرية الرأي ، إنما أراد من الإنسان أن يفكر كيف يصعد، لا كيف ينزل، كيف يبني نفسه و أمته،لا كيف يهدمها سعياً وراء شهوتها وهواها. 

وباستعراض التاريخ الإسلامي ،نجد أن ((حرية الرأي )) طبقت تطبيقاً رائعاً ،منذ عصر النبوة ،فهذا الصحابي الجليل ،حباب بن المنذر ، أبدى رأيه الشخصي في موقف المسلمين في غزوة بدر ،على غير ما كان قد رآه النبي صلى الله عليه و سلم ،فأخذ النبي صلى الله علبه و سلم برأيه ، و أبدى بعض الصحابة رأيهم في حادثة الإفك ،و أشاروا على النبي صلى الله عليه و سلم بتطليق زوجته عائشة –رضي الله عنها – إلا أن القرآن برأها ،و غير ذلك من المواقف الكثيرة التي كانوا يبدون فيها آراءهم 

ج-حرية التعلم: طلب العلم و المعرفة حق كفله الإسلام للفرد،و منحه حرية السعي في تحصيله،و لم يقيد شيئاً منه، مما تعلقت به مصلحة المسلمين ديناً و دنيا، بل انتدبهم لتحصيل ذلك كله، و سلوك السبيل الموصل إليه، أما ما كان من العلوم بحيث لا يترتب على تحصيله مصلحة، و إنما تتحقق به مضرة و مفسدة، فهذا منهي عنه، و محرم على المسلم طلبه، مثل علم السحر و الكهانة ،و نحو ذلك. 

و لأهمية العلم و المعرفة في الحياة ،نزلت آيات القرآن الأولى تأمر النبي صلى الله عليه و سلم بالقراءة قال تعالى: ((اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق الإنسان من علق ،اقرأ و ربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ،علم الإنسان ما لم يعلم)) و القراءة هي مفتاح العلم ،و لذلك لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة،و نصب عليه الكفار الحرب،و انتصر المسلمون و أسروا من أسروا من المشركين، جعل فداء كل أسير من أسراهم ،تعليم القراءة و الكتابة لعشرة من صبيان المدينة و هذا من فضائل الإسلام الكبرى، حيث فتح للناس أبواب المعرفة، و حثهم على و لوجها و التقدم فيها، و كره لهم القعود عن العلم و التخلف عن قافلة الحضارة و الرفاهية و الازدهار. و من أجل ذلك كان على الدولة الإسلامية ،أن تيسر سبل التعليم للناس كافة، و تضمن لكل فرد حقه في ذلك لأن هذا الحق مضمون لكل فرد من رعاياها كسائر الحقوق الأخرى. 

د- الحرية السياسية: و يقصد بها حق الإنسان في اختيار سلطة الحكم، و انتخابها ،ومراقبة أدائها، و محاسبتها ،و نقدها، و عزلها إذا انحرفت عن منهج الله و شرعه، و حولت ظهرها عن جادة الحق و الصلاح . 

كما أنه يحق له المشاركة في القيام بأعباء السلطة ،و وظائفها الكثيرة ،لأن السلطة حق مشترك بين رعايا الدولة،و ليس حكرا على أحد ،أو وقفا على فئة دون أخرى و اختيار الإنسان للسلطة، قد يتم بنفسه، أو من ينوب عنه من أهل الحل و العقد و هم أهل الشورى، الذين ينوبون عن الأمة كلها في كثير من الأمور منها : القيام بالاجتهاد فيما لا نص فيه ، إذ الحاكم يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة و الاختصاص من ذوى العلم و الرأي، كما أنهم يوجهون الحاكم في التصرفات ذات الصفة العامة أو الدولية كإعلان الحرب، أو الهدنة ، أو إبرام معاهدة، أو تجميد علاقات، أو وضع ميزانية أو تخصيص نفقات لجهة معينة أو غير ذلك من التصرفات العامة، التي لا يقطع فيها برأي الواحد. قال تعالى : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله و لرسوله و لأمة المسلمين و عامتهم ).

ضوابط الحرية

" الحرية في الإسلام  ليست سائبة ,ولا مطلقة حتى تهوي بصاحبها إلى قاع الضلال الروحي ودرك الانحطاط الأخلاقي ,بل هي حرية واعية منضبطة ,فإذا خرج بها الإنسان عن أحكام الدين ونطاق العقل وحدود الأخلاق ومصلحة الجماعة , تمت مساءلته ومحاسبته وإيقافه عند حده ورده عن غيه , منعا لضرر الفرد والجماعة, وفساد الدين والدنيا." (الزنتالي : ، ص459)

و من يضع الحدود و القيود على الحريات عليه أن يكون له العلم الكامل بالإنسان و حاجاته و ميوله و تركيبته و ما يصلحه و ما يفسده في الماضي و الحاضر و المستقبل ؟ و هل هناك أحد يعلم الصنعة إلا صانعها ؟ وهل يعلم ما يصلح الإنسان و ما يفسده إلا الله ؟ يقول الله تعالى:(ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير)(الملك:14  ),فما من مسلم يؤمن بوجود الله إلا و يؤمن بأن الله عز و جل هو أولى و أحق من يشرع المنهج السليم الذي يصلح الإنسان , يقول الله تعالى:(إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا و أطعنا و أولئك هم المفلحون)(النور:51),ويقول تعالى:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا)( الأحزاب:36), 

ولكي يتضح الأمر يجب علينا فهم مغزى و معنى أوامر الله و نواهيه , فعند ذهاب أحدنا إلى أحد الأطباء المتخصصين فينهاه عن تناول بعض المأكولات و لو كانت محببة إلى النفس و يأمر بتناول أدوية و لو كانت مرة الطعم , فهذا الطبيب قيّد حرية المريض ولكن لماذا ؟ الجواب حتى يتم له النفع و الشفاء , ولله المثل الأعلى فالله عز و جل قيد الحرية بوضع نواهي وحدود حتى لا تؤدى الحرية إلى هلاك الإنسان و انحلاله بل إن الله عز و جل له العلم المطلق بالإنسان , فهذا الطبيب يعلم الكثير ويخفى عليه الأكثر و مع ذلك نسلم له و نرضى بكل أوامره و نواهيه بالحرف الواحد ولا يعارض أمره ونهيه بقول (حرية شخصية) ! أليس من الأولى أن نسلم لله صاحب العلم المطلق والكمال المطلق سبحانه وتعالى وعز و جل بكل أوامره و نواهيه من غير مكابرة و عناد ؟! 

و كما ورد في تعاريف الحُرِّيَّة أنها التصرّف بالملك بدون عدوان على النفس أو الغير، سواء أكان الملك حسياً أو معنوياً.

فلا يُعتبر الاعتداء على النفس أو الملك الشخصي حرية للإنسان، لذلك حرم  " دين الإسلام " الانتحار أو الإضرار بشيء من الجسد أو الملك في غير مصلحة صحيحة مبنية على مكارم الأخلاق، وكذلك فإن الناس يمنعون الأفراد الذين يريدون الانتحار أو الإضرار بأملاكهم من ذلك. كما لا يُعتبر الاعتداء على الغير سواء باللسان ( كالسَّبِّ ) أو الأركان ( كالضرب ) من الحرية. فمن فعل ذلك فهو من الأشرار لا الأحرار. ومن حدود الحرية: قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ، وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ *يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (الحجرات:11،13).

ا

المراجع 

1- ابن منظور، محمد بن مكرم،(د :ت) لسان العرب ج4 (بيروت، دار صادر، الطبعة 1) .

2- وجدي، محمد فريد(1971): دائرة معارف القرن العشرين ج3 ،بيروت، دار المعرفة، الطبعة 3. 

3- المنجد في اللغة (  1997م):  بيروت, دار المشرق, الطبعة السادسة والثلاثون. 

4- زيادة، د. معن،( 1988م) : موسوعة الفلسفة العربية، مجلد 1 (باريس، بيروت، معهد الانماء العربي، الطبعة 1. 

5- بحر العلوم، د. محمد (1421هـ/2000م) : آفاق حضارية للنظرية السياسية في الاسلام (لندن، معهد الدراسات العربية والاسلامية.

6- غرايبة، د. رحيل محمد(1421هـ/2000م) : الحقوق والحريات السياسية في الشريعة الإسلامية (عمّان، المعهد العالمي للفكر الإسلامي والمنار للنشر والتوزيع، الطبعة 1. 

7- الصالح، د. صبحي(1982م) : الإسلام ومستقبل الحضارة (بيروت، دار الشورى، الطبعة 1. 

8- عمارة، محمد، عبد الرحمن الكواكبي(1970م):  أم القرى الأعمال الكاملة (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف. 

9- ابن القيم ، محمد بن أبي بكر ( د : ت ) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ، دار المعرفة 

10- ابن تيمية ، أحمد بن عبد الحليم ( د : ت ) فتاوى ابن تيمية ، دار عالم الكتب .

11- ابن حميد ، صالح بن عبد الله ( د : ت ) أصول الحوار وآدابه في الإسلام ، مكتبة صيد الفوائد .

12- الرقب ، صالح ( 1423 هـ ) العولمة ، الجامعة الإسلامية .

13- الزنتالي ، عبد الحميد الصيد ( 1993 م ): فلسفة التربية الإسلامية في القرآن والسنة ، الدار العربية للكتاب .

14- .شعبان،عبد الحسين ( 2001م ): ثقافة حقوق الإنسان ، ط1 ، رابطة كأوا للثقافة الكردية، بيروت 

15- العبد الجبار ، عادل ( د: ت ) الإرهاب في ميزان الشريعة ، صيد الفوائد .

16- العمر ، ناصر بن سليمان ( 1424هـ ): رسالة المسلم في حقبة العولمة ، مركز الدراسات الإسلامية ، قطر .

17- العودة ، سلمان بن فهد ( د : ت ): أدب الحوار ، مكتبة صيد الفوائد .

18- قطب ، محمد ( د : ت ): المسلمون والعولمة ، مكتبة صيد الفوائد ..

الجامعة الإسلامية – غزة

قسـم الـدراســات العلــيا

كـلـيــــــة   التربـيــــــــة

أصول التربية(التربية إسلامية)

مفهوم الحرية من المنظور الإسلامي 

إعداد الطالب 

يوسف محمد أبو سلمية 

الرقم الجامعي


إشراف الدكتور

حمدان الصوفي 

الفصل الدراسي الثاني

1428هـ -2007م

هناك 4 تعليقات:

  1. الحرية وفقا لمفهوم الشرع والقانون هى تلك الحرية التى الحرية التى يجب الا تتخطي حقوق الغير سواء بالاعتداء على اموالهم او اجسادهم وفيما عدا ذلك الاستثناء يظل الفرد غير مقيد طالما لم يخالف نص شرعى او يصطدم بنص قانونى

    ردحذف
  2. لدي تقريب نفس البحت واريد لو سمحت ان تعطيني بعض الكتب الفقهية لبيان تعريف الفقهاء لمصطلح الحرية و كا المعاجم الفقهية

    ردحذف
    الردود
    1. يمكنك البحث في archive.org عن مصطلح الحرية ستجد بعض المراجع التي قد تفيدك في وضع تصور عام عن البحث الذي تريد القيام به ولكن ذلك لا يغني ان تقوم بجولة في المكتبات طبعا حسب نوع البحث الذي تزمع القيام به

      حذف