بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

المدخل للأنظمة والحقوق في المملكة العربية السعودية



إعداد
المستشار الدكتور فؤاد عبد المنعم احمد


عضو الهيئة العلمية - قسم العدالة الجنائية
كلية الدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
1425هـ، 2004م 
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الإنسان كائن اجتماعي، بفطرته وطبيعته لا يستطيع أن يعتزِل الناس ليعيش وحيدًا؛ لأنه أعجز بمفرده عن الكفاء بنفسه أو الوفاء بمختلف حاجاته، فهو كائن مستطيع بغيره، وعلى الأصح بالاشتراك مع غيره؛ ولذلك يعيش دائمًا في مجتمع من الناس، غير أن المجتمع لا يستقيم أمره إلا إذا استوى على سنن بيِّنة ينزل الناس جميعًا عند حُكْمها؛ وذلك أن وجود المجتمع يستتبِع حتمًا وجود علاقات عديدة بين أفراده؛ علاقات عائلية أو اقتصادية أو سياسية، وهي علاقات لا يُمكن أن تُترك فوضى يُنظِّمها كل فرد وَفْق رغبته ومشيئته.
ومن هنا كان لا بد للمجتمع من نظامٍ يَحكُم نشاط الأفراد وما يَستتبعه بينهم من علاقات؛ أي من قواعد موضوعة ابتداءً يستهدي بها الأفراد في تعرُّف سلوكهم، ويلتزِمون احترامها، وهي قواعد تهدف إلى إقامة التوازن بين عديد الحريات المتعارِضة ومختلف المصالح المتضاربة، محقِّقة بذلك النظام والأمن والاستقرار والعدل.
إن فكرةَ النظام في نشأتها وبساطتها إنسان لا يعيش إلا مُجتَمِعًا، ومجتمع لا يقوم إلا على نظام، ونظام لا يستوي إلا على قواعد آمرة مُلزِمة، يُحمل الأفراد على طاعتها بما تملِك الجماعة من سلطة القهر والإجبار، ويعمل النظام أمام تشابُك مصالح الأفراد وتَعارُضها فيما يقوم بينهم من علاقات على تغليب بعض هذه المصالح على بعض، ووضْع أصحاب المصالح المغلَّبة في مركز ممتاز بالنسبة إلى غيرهم من الأفراد، بحيث يُثبِت لهم حقوقًا تُخوِّلهم الاستئثار بسلطات معيَّنة تلتزم الكافة باحترامها.
ومصدر الحق (الشرع أو النظام) يُقرِّر لصاحبه مركزًا ممتازًا يَنفرِد به دون غيره، فإذا وقع نزاع بين شخصين على ملكيَّة منزل على سبيل المثال، وقُضي في هذا النزاع لمصلحة أحدهما بثبوت ملكيته، فإن ذلك يعني اعتباره مالكًا، ومن ثَمَّ يجب على الكافة احترام حقِّه في المِلكيَّة، وعدم التعرض له.
إن دراسة الأنظمة والحقوق في المملكة العربية السعودية لِمن يريد الاشتغال بها، لأداء مهامِّ عمله عن وعي وإدراك وكفاءة واقتدار - تتطلَّب التمهيد لهذه الدراسة، وهذا ما يُعرف بدراسة المدخل إلى الأنظمة والحقوق.
خُطة الدراسة: وتتضمَّن ما يلي:
أ- الأنظمة:
1- المقصود بالنظام، وشروطه، وكيفية إصداره.
2- خصائص القاعدة النظامية وتميُّزها عن غيرها.
3- مصادر القاعدة النِّظامية.
4- الأنظمة الأساسية في المملكة: الحكم، مجلس الوزراء، الشورى، المناطق.
5- الأنظمة العامة والخاصة.
6- تطبيق النظام وتفسيره.
- التطبيق من حيث الأشخاص والزمان والمكان، تفسير النظام:
ب- نظرية الحق:
1- التعريف بالحق.
2- أنواع الحقوق.
3- أشخاص الحقوق (الشخص الطبيعي، الشخص المعنوي).
4- محل الحق (العمل كمحل للحق الشخصي، الأشياء كمحل للحق العيني).
الأنظمة في المملكة العربية السعودية:
1- المقصود بالنظام، وشروطه، وكيفية إصداره.
2-  المقصود بالنظام لغة واصطلاحًا.
النظام لغة:
النظام من (نظم) والنون والظاء والميم: أصل يدل على تأليف شيء وترتيبه واتساقه، و(النِّظام) بالكسر، الخيط أو السلك الذي يَجمع اللؤلؤ أو الخَرَز أو غيرهما .
(ونَظَمتُ) الأمر (فانتظم)؛ أي: أقمتُه فاستقام، وهو على نظام واحد؛ أي: منهج غير مختلَف فيه .
ونِظام الأمر: قِوامه وعِماده، والطريقة والسيرة، والهَدي والعادة .
وجمعه: نُظُم، وأنظمة وأناظيم .
والخلاصة أن النظام يُطلَق على معنيين: أحدهما حِسي، والآخر معنوي، أما الحِسي: فهو التأليف والجمع، وضم شيء إلى آخر؛ فالنظام على هذا المعنى يعني أنه يجمع أحكامًا كثيرة، ويضمُّ بعضها إلى بعض في مجموعة واحدة، وتحت موضوع واحد.
أما المعنوي: فهو الهَدي والسيرة والعادة؛ يقال مثلاً: إن للعمال نظامًا؛ أي: لهم هَدْيًا وسيرة وأحكامًا يسيرون عليها.
النظام في الاصطلاح:
يُطلَق النظام في الاصطلاح على معنيين؛ أحدهما: عام، والآخر: خاص، وبالمعنى العام عرَّفه البعض "أنه مجموعة الأحكام التي اصطلح شعبٌ ما على أنها واجبة الاحترام، وواجبة التنفيذ لتنظيم الحياة المشتركة في هذا الشعب"، فقد يكون نظامًا دينيًّا؛ أي: أساسه ديني؛ كالنظام الإسلامي أو اليهودي أو النصراني، وقد يكون دنيويًّا؛ كالنظام العَلْماني (الذي يقوم على فصْل الدين عن الدولة)، وقد يكون سياسيًّا؛ كالنظام الديمقراطي (حُكْم الشعب نفسه بنفسه)، ويكون اقتصاديًّا؛ كالنظام الرأسمالي أو الاشتراكي .. إلخ.
والإسلام بالمعنى العام عقيدة المسلمين ونظامهم في شتى جوانب الحياة، ويجب الخضوع لأحكامه والانقياد لها والرضا بها، ففيه صلاح حالهم في دنياهم وأخراهم .
الشرع في الإسلام:
يُقرِّر الإسلام أن إنشاء الشرع ابتداء إنما يختص به الله تعالى وحده؛ فإليه يرجع الأمر والحكم، وليس لمخلوق أن يُنشئ حُكمًا بالتحليل أو التحريم ابتداءً من عند نفسه؛ قال - سبحانه وتعالى - : {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 148]، قال - تعالى -: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54].
فتوحيد الله - تعالى - بحق الألوهية، وأن حق التشريع ابتداءً إنما هو لله - تعالى - وحده، وأن منازعته فيه شِرْك.
فالشرع في الإسلام لله - عز وجل - وليس للرسول إثبات الأحكام الشرعية ورفْعها من تلقاء نفسه، وإنما هو رسولٌ ومُبلِّغ عن الله - تعالى - ما يشرعه من الأحكام ويرفعه" .
والمسائل التي يَرِد فيها نصٌّ من الكتاب أو صحيح السنة، أو كانت نصوص الكتاب الكريم ظنيَّة الدلالة أو ظنِّية الثبوت في السنة أو الدلالة، فأُولو الأمر في الأمة من الحكام والعلماء الذين تتوافر فيهم شروط الاجتهاد الشرعية، من العلم بآيات الأحكام، وأحاديث الأحكام، والمسائل المُجمَع عليها، وفقه اللغة العربية وأسرارها، والشريعة ومقاصدها، ومبادئها وأدلتها، وفقه الواقع وأحوال الناس؛ بذْل الجهد الأقصى للوصول إلى حُكم الشرع، ويُسمَّى حكم تقتضيه الشريعة وهو النظام بالمعنى الخاص في الإسلام .
تعريف النظام:
والنظام بالمعنى الخاص حكم تقتضيه السياسة الشرعية، وعرَّف الشيخ محمد رشيد رضا النظام بقوله: "ما يضعه أولو الأمر من الأحكام النظاميَّة، والسياسية، وتحديد عقوبات التعزير مما يحتاج إليه بشرط ألا يُخالِف ما ورد في الشرع" ، ولكن يؤخذ عليه بأنه غير مانع من دخول الحُكم القضائي فيه.
ويُعرِّفه البعض من خلال تعريفه للسياسة الشرعية "السياسة الشرعية تعني تدبير أهل الاجتهاد بشؤون الأفراد والجماعات في الدولة الإسلامية، في المجالات الممكنة شرعًا بأحكام ونُظُم تكون متَّفِقة مع أحكام الشريعة وغير منافرة لها، ونازلة على أصولها، بما يحقِّق مصلحة الأمة ويدرأ المفسَدة عنها، ولم لم يدل عليها شيء من النصوص الجزئية" .
أو هي "كل تصرُّف شرعي موافِق لمقاصد الشارع العامة، ومُحقِّق لغاياته وأهدافه، بحيث يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد . 
وبمعناها الخاص "ما صدر عن ولِيِّ الأمر، من أحكام وإجراءات منوطة بالمصلحة، فيما لم يَرِد بشأنه دليل خاص مُتعين، دون مخالفة للشريعة" .
1-2 شروط النظام الإسلامي:
ونُعرِّف النظامَ بأنه حُكم تقتضيه السياسية الشرعية لاتفاقه مع مقاصد الإسلام الكلية، ومبادئه العامة، واستخلاصه من أدلة الشريعة، وعدم مخالفته لدليل جزئي قَطْعي الثُّبوت والدَّلالة من الكتاب والسنة الصحيحة، ومنه يتِّضِح شروط النظام الإسلامي.
الشرط الأول: أن يتَّفِق النظام مع مقاصد الشريعة:
ويُقصَد بها المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، والمترتِّبة عليها، سواء أكانت تلك المعاني حِكَمًا جزئية أم مصالح كلية أم سمات إجمالية، وهي تتجمَّع ضمن هدف واحد، وهو تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين . 
"جَمْل المقاصد الضرورية يتمثَّل في حفْظ الدين والنفس والعقل والعِرض والمال"، وتنقسِم المقاصد إلى ضرورية، وحاجية، وتحسينية.
والضرورية: لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا؛ بحيث إذا فُقِدت لم تَجرِ مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخُسران المبين، والحفظ لها يكون بأمرين: أحدهما: ما يُقيم أركانها، ويثبِّت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود، الثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقَّع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم .
والمقاصد الحاجيَّة: فمعناها أنها مُفتَقَر إليها من حيث التوسِعة ورفْع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحَرَج والمشقَّة اللاحقة لفوت المطلوب، فإذا لم تُراعَ، دخل على المكلَّفين - على الجملة - الحرجُ والمشقة، ولكن لا يبلغ ذلك مبلغَ الفساد العادي المتوقَّع في المصالح العامة .
وقال ابن عاشور: "الحاج هو ما تحتاج الأمة إليه لاقتناء مصالحها وانتظام أمورها على وجه حَسن؛ بحيث لولا مراعاته لما فسَد النظام، ولكنه كان حالة غير منتظِمة، فلذلك لا يبلغ مبلغ الضروري" .
والمقاصد التحسينية: فمعناها الأخذ بما يَليق من محاسن العادات وتجنُّب الأحوال المدنِّسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قِسم مكارم الأخلاق .
وقال ابن عاشور: "المصالح التحسينية - هي عندي - ما كان بها كمال حال الأمة في نِظامها حتى تعيش آمنة مطمئنَّة، ولها بهجة منظر المجتمع في مرأى بقية الأمم حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوبًا في الاندماج فيها أو التقرب منها" . 
والحاجيات كالتتمة للضروريات، وكذلك التحسينات كالتكملة للحاجيات؛ فإن الضروريات هي أصل المصالح، ويشترط في التكملة ألا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال .
الشرط الثاني: أن يتَّفِق النظام مع كليات الشريعة ولا يخالفها:
ومن كليات الشريعة القطعية السماحة ورفْع الحرج، وثابت ذلك بأدلة من القرآن والسنة، فقد قال الله - تعالى -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقال - تعالى -: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] وقال: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286].
وفي الحديث الصحيح عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أحبُّ الدين إلى الله الحنيفية السَّمحة)) .
وعن عائشة: "ما خُيِّر النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط، حتى تُنتهَك حُرمات الله فيَنتقم لله" .
قال الشاطبي: "إن رفْع الحَرَج مقصود للشارع في الكليات، فلا تجد كلية شرعية مُكلَّفًا بها ففيها حَرَج كلي أو أكثري البتة" .
"وقد أراد الله تعالى أن تكون الشريعة الإسلامية شريعة عامة ودائمة، فاقتضى أن يكون تنفيذها بين الأمة سهلاً، ولا يكون ذلك إلا إذا انتفى عنها الإعنات، فكانت بسماحتها أشد ملاءمة للنفوس" .
ومنها رفْع الضرر والضِّرار؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ضَرَر ولا ضرار)) ، وهو أصل قطعي، فإن الضرر والضِّرار مثبوت منْعه في الشريعة كلها في وقائع جزئيات وقواعد كليات؛ كقوله - تعالى -: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] وقوله: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] وقوله: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233].
 ومنها النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض، وعن الغَصْب والظلم، وكل ما هو في المعنى إضرار وضِرار، ويدخل تحته الجِناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال، فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مِراء فيه ولا شك .
الشرط الثالث: ألا يُخالِف النظامَ دليلٌ قطعي الثبوت والدَّلالة من القرآن وصحيح السنة ؛ لأن طاعة أولي أمر الأمة مقيَّدة بأنها في حدود الشرع؛ قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((على المرء المسلم الطاعة فيما أحب وكَرِه إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) ، فطاعة ولي الأمر - وهم الإمام ونوابه عند الأكثرية - في غير المعصية ؛ أي: طاعة الأمة لولاة الأمر مقيَّدة بالالتزام بالشرع وعدم الخروج عليه.
الشرط الرابع: أن يكون سبيل استنباط أحكام النظام على أسس وقواعد اعترفت بها الشريعة لصلاحيتها لقيام الأحكام عليها واستنباط الأحكام بواسطتها، مثل: المصالح المرسلة، وسَد الذرائع، والعرف، والاستحسان، وسنُبيِّن ذلك في مصادر الأنظمة.
1-3- إصدار الأنظمة في المملكة العربية السعودية:
بيَّن النظامُ الأساسي للحكم في المملكة  السلطةَ المختصَّة بسنِّ الأنظمة وهي السلطة التنظيمية؛ حيث أُعطيت الحق بوضع الأنظمة واللوائح فيما يُحقِّق المصلحة، أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة، وَفقًا لقواعد الشريعة الإسلامية، وتُمارِس اختصاصها وَفْقًا للنظام الأساسي ونظامي مجلس الوزراء ومجلس الشورى.
مراحل إصدار الحكم:
يمر النظام بمراحل أساسية يجب اتباعها قبل دخول النظام حيز التنفيذ، وتتمثَّل هذه المراحل فيما يلي:
أ- مرحلة الاقتراح:
يقدم النظام في مراحله الأولى على هيئة اقتراح أو مشروع للنظام، من مجلس الشورى أو من مجلس الوزراء، وقد نصَّت المادة (23) من نظام مجلس الشورى : "لكل عشرة أعضاء في مجلس الشورى حق اقتراح مشروع نظام جديد، أو تعديل نظام نافذ، وعرْضه على رئيس مجلس الشورى، وعلى رئيس المجلس رفْع الاقتراح إلى المَلِك".
كما نصت المادة (23) من نظام مجلس الوزراء : "لكل وزير الحق في أن يقترح مشروع نظام أو لائحة يتعلَّق بأعمال وزارته، كما يَحِق لكل عضو من أعضاء مجلس الوزراء أن يقترح ما يُرى مصلحة من بحثه في المجلس بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء".
والجدير بالملاحظة أن سلطة اقتراح المشروع للنظام أو تعديله في مجلس الشورى يرفعها رئيس المجلس إلى المَلِك الذي يُحيلها إلى مجلس الوزراء إن رأى ذلك - والمجلس إن وافَق عليه يُحيلها إلى لجنة الخبراء التابعة للمجلس.
ولمجلس الوزراء حقُّ الموافقة على مشروع النظام أو تعديله، سواء كان المشروع من الوزير المختص أو أحد أعضاء المجلس أو من مجلس الشورى المُحال إليه عن طريق المَلك، وإذا رفَض مجلس الوزراء اقتراحًا فلا يجوز إعادة عرْضه إلا إذا دعت الضرورة لذلك.
أما في حالة الموافقة فإن الاقتراح أو مشروع النظام يُحال إلى إحدى اللجان المختصَّة وإلى هيئة الخبراء لدراسته مع الجهات صاحبة الاختصاص وتقديم تقرير عنه، ثم يُعاد مشروع النظام مع الدراسة إلى المجلس مرة أخرى مع دراسة مجلس الشورى لمشروع النظام .
ب- مرحلة المناقشة والتصويت:
بعد تقديم التقرير من لجنة الخبراء إلى مجلس الوزراء يبدأ المجلس باعتباره من الهيئة التنظيميَّة باستعراض تقرير لجنة الخبراء ومناقشته تفصيلاً؛ أي: مادة مادة، ثم يُصوَّت على المشروع من قِبَل مجلس الوزراء كمشروع مُتكامِل، وقد نصَّت المادة (21) من نظام مجلس الوزراء "على أن يبُت المجلس في مشروعات الأنظمة المعروضة عليه مادة مادة، ثم يُصوَّت عليها بالجملة، وذلك حسَب الإجراءات المرسومة في النظام الداخلي لمجلس الوزراء، ويَتبيَّن من هذا النص أنه إذا أقرَّ المجلس المشروع بالموافقة، فإنه يُحال عندئذ إلى الديوان المَلَكي ليتم مرحلة التصديق عليه من المقام السامي، إما إذا انتهت مناقشة مجلس الوزراء برفض المشروع المُقدَّم من لجنة الخبراء، عندئذ يجب اعتبار الأمر منتهيًا وذلك بحفظه، ومع ذلك فقد احتاط النظام الداخلي لمجلس الوزراء لهذا الأمر؛ إذ إنه قد قدَّر احتمالاً بتجدد الحاجة لمشروع النظام الذي يتم رفضه من المجلس لتغيُّر الظروف المحيطة وعندئذ خوَّل النظام الداخلي للمجلس سلطةَ عرْض المشروع الذي رُفِض طالما دعت ضرورة إلى ذلك. 
ج- الإقرار:
يُصدِر المجلس قراره بالموافقة على مشروع النظام، ويُنظِّم مسودة مرسوم مَلَكي يتم رفعها للملك للاطلاع والمصادقة.
د- مرحلة التصديق:
يُصدِر المَلِك أمره بالموافقة على مشروع النظام عندما يوقِّع على المرسوم الخاص بالنظام.
هـ- مرحلة النشر والنفاذ: 
يتم نشْر المرسوم والنظام في الجريدة الرسمية للدولة (أم القرى) وهذا يعنى بَدء العمل به رسميًّا من تاريخ نشْره، مالم ينصَّ على بَدء العمل به من تاريخ معين آخر .
ولا يغني عن ذلك نشر النظام في جريدة يومية أو أسبوعية، أو الإعلان عنه أو حتى تلاوته في برامج البث الإذاعية المسموعة أو المرئية.
ومن المُتفَق عليه بين الفقهاء أنه يشترط حتى ينفذ النظام نشره في الجريدة الرسمية، ويترتب على النشر علم الكافة به، ومن ثم فإنه يجب أن يطبع من الجريدة عدد كافٍ، وأما إذا طبع من الجريدة عدد محدود جدًّا فلا يتحقق العلم به، فالنشر لازم لنفاذ النظام وسَريانه، وليس من العدل أن يُطبَّق النظام دون أن يعلم الأفراد بوجوده .
ولا يجوز لأي شخص أن يَعتذِر بجهل النظام بنشره وحلول التاريخ المحدَّد لنفاذه يقوم افتراض قاطع على عِلم الأفراد به، وهي قرينة قاطعة على العلم به ولا تقبل إثبات العكس لأي سبب من الأسباب.
المدلول الشكلي لاصطلاح "النظام" في المملكة العربية السعودية:
النظام من الناحية الشكليَّة عبارة عن "وثيقة مكتوبة تَصدُر من جلالة المَلِك ومجلس الوزراء مع مجلس الشورى في نفس الوقت لتنظيم سلوك الأفراد ومصالح الناس" .
فلا بد أن يَصدُر مرسوم مَلَكي بالموافقة على "النظام " بعد إقراره من مجلس الوزراء، وهذا المرسوم الملكي يتصدر نَصَّ "النظام".
ومن الأمثلة التوضيحية لأنظمة حديثة العهد:
- النظام العام للبيئة الصادر بالمرسوم المَلَكي لرقم م/34 التاريخ 28/7/1422هـ، بِناء على قرار مجلس الوزراء رقم 193 وتاريخ 7/7/1422هـ.
- نظام مكافحة غسيل الأموال، صدر بقرار مجلس الوزراء رقم 167 وتاريخ 20/6/1424هـ والمُصادق عليه بالمرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 25/6/1424هـ.
- نظام الإجراءات الجزائية، صدر بقرار مجلس الوزراء رقم 200 وتاريخ 14/7/1422هـ المصادق عليه بالمرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 28/7/1422 هـ.
- نظام المحاماة صدر بقرار مجلس الوزراء رقم (199) وتاريخ 14/7/1422هـ المصادق عليه بالمرسوم الملكي م/38 وتاريخ 28/7/1422هـ.
- نظام التسجيل العيني للعقار صدر المرسوم الملكي رقم م/6 في 11/2/1423هـ بالموافقة على نظام التسجيل العيني للعقار، كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 7/ ب/3887، وتاريخ 14/2/ 1423هـ بالموافقة على نظام التسجيل العيني للعقار.
- نظام مِلكية الوحدات العقارية وفرْزها، صدر المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 11/2/1423 هـ بالموافقة على نظام مِلكية الوحدات العقارية وفرْزها، كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم (40) وتاريخ 9/2/1423 هـ بالموافقة على نظام مِلكية الوحدات العقارية وفرْزها.
المدلول الموضوعي لاصطلاح "النظام" في المملكة العربية السعودية:
إن النظام من الناحية الموضوعية: "عبارة عن مجموعة من الأحكام تتعلَّق بموضوع محدَّد، وهذه الأحكام تُعرَض في صورة مواد متتالية" .
ومن الأمثلة التوضيحية في النظام الموضوعي في المملكة:
- النظام العام للبيئة في المملكة العربية السعودية يقع في 24 مادة في أربعة فصول:
الفصل الأول: تعاريف وأهداف (تضمَّنته المادة الأولى والثانية):
فالمادة الأولى:
يُقصَد بالعبارات التالية في مجال تطبيق أحكام هذا النظام المعاني المبيَّنة في كل منها:
1- الجهة المختصَّة: وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.
2- الجهة العامة: أي وزارة أو مصلحة أو مؤسسة حكومية.
3- البيئة: كل ما يُحيط بالإنسان من ماء وهواء ويابسة وفضاء خارجي وكل ما تحويه هذه الأوساط من جماد ونبات وحيوان وأشكال مختلفة من طاقة ونُظُم عمليات طبيعية وأنشطة بشرية.
4- حماية البيئة: المحافظة على البيئة ومنْع تلوُّثها وتدهورها والحد من ذلك.
5- تلوث البيئة: وجود مادة أو أكثر من المواد أو العوامل بكميات أو صفات أو لمدة زمنية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالصحة أو بالأحياء أو الموارد الطبيعية.
المادة الثانية: يهدف هذا النظام إلى تحقيق ما يأتي:
أ- المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها، ومنْع التلوث فيها.
وتناول الفصل الثاني المهام والالتزامات من المواد الثالثة إلى السادسة عشرة.
والفصل الثالث: المخالَفات والعقوبات، المواد من السابعة عشرة إلى الحادية والعشرين.
والفصل الرابع: أحكام عامة:
من المادة الثانية والعشرين إلى المادة الرابعة والعشرين، وهي المادة الأخيرة ونَصَّت:
يُنشَر هذا النظام في الجريدة الرسمية، ويُعمَل به بعد سنة من تاريخ نشره.
خصائص القاعدة النظامية وتميُّزها عن غيرها: 
2-1- خصائص القاعدة النظامية:
النظام: هو مجموعة القواعد المجردة التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، ويُرتَّب على مُخالَفتها جزاء، والقاعدة النظامية هي وحدة النظام وتتحصل خصائصها في:
1- التجريد والعموم.
2- تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع.
3- الإلزام والجزاء.
ونَعرِض لها فيما يلي:
التجريد والعموم:
تتميَّز القاعدة النظامية بكونها مجرَّدة عند نشأتها وصياغتها، عامة عند تطبيقها وتنفيذها؛ فالنصوص متناهية والحوادث غير متناهية، ومقتضى ذلك أن تُصاغ القاعدة النظامية صياغة مجرَّدة، تتناول الحوادث المراد تنظيمها بما يكفُل العدل والاستقرار في المجتمع، فلا توجَّه إلى شخص معيَّن بذاته، ولا واقعة محدودة بعينها، وإنما تضع معيارًا ثابتًا لجميع الحالات المتماثلة .
فالقاعدة النظامية الخاصة بأن كل شخص بلغ سنَّ الرشد متمتِّعًا بكامل قواه العقلية، ولم يُحجَر عليه يكون كامل الأهلية وأهلاً لمباشرة التصرفات والتحمل بالالتزامات، وسِن الرشد ثماني عشرة سنة وفْقًا للنظام السعودي، فليس المخاطب بهذه القاعدة شخصًا معينًا، بل المخاطب بها كل مَن يبلُغ سنَّ الرشد ومتمتعًا بقواه العقلية، ولم يُحجَر عليه، فسواء توافرت هذه الشروط في عمرو أو زيد كلاهما يكون كامل الأهلية، ومن ثَمَّ فإنه يكون أهلاً لإبرام التصرفات الشرعية.
ويترتَّب على تجريد القاعدة النظامية عند نشأتها وصياغتها أن تكون عامة في تطبيقها على كل الأفراد والحالات التي تتناولها هذه القاعدة، دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو المركز الاجتماعي، وهذا ما يُحقِّق الاستقرار في المجتمع، ويؤدي إلى العدل المبني على المساواة.
فالقاعدة التي تقضي بأن "تُعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفِّر الرعاية الصحية لكل مواطن" "المادة الحادية والثلاثون من النظام الأساسي للحكم"، ينبغي تطبيقها على الكافة، فلا يستثنى أحد من الخضوع لحكمها، مهما يكن جنسه أو لونه أو مركزه الاجتماعي.
- إن اتصاف القاعدة النظامية بالتجريد والعموم لا يعني وجوب سَريانها في حق أفراد المجتمع كلهم، فكثيرًا ما يَنصرِف حكم القاعدة النظامية إلى طائفة معينة بصفاتها لا بذاتها دون أن يقدَح ذلك فيما تتَّصِف به من التجريد والعموم، فنظام القضاء في المملكة العربية السعودية يقتصر تطبيقه على المحاكم الشرعية والقضاة وكتَّاب العدل وموظفي المحاكم دون أن يحول ذلك بما تتَّصِف به من التجريد والعموم.
بل إن القاعدة النظامية قد ينصرف حُكمها إلى شخص واحد معين بصفته، وليس بذاته، دون أن يَنقُص ذلك من اتصافها بالتجريد والعموم؛ فالقاعدة التي تنظِّم مركز رئيس مجلس الشورى لا تنطبق إلا على شخص واحد محدَّد الصفة، ولكنه غير معين الذات؛ ولهذا لا تفقد صفة التجريد والعموم، وإنما يستمر تطبيقها على كل مَن تتوافر فيه هذه الصفة .
- والأمر يختلف إذا ما وجِّه الخطاب إلى شخص معين بذاته، فإنه يفقد صفة التجريد والعموم، ولا يدخل بالتالي ضمن القواعد النظامية؛ فالأمر الملكي الخاص بتعيين رئيس مجلس الشورى أو تعيين نواب رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء لا يعتبر قاعدة نظامية، وكذلك الحكم الصادر من المحكمة بإلزام شخص معيَّن بدفع مبلغ أو التضمين، لا يعتبر قاعدة نظامية؛ لأنها موجَّهة إلى شخص معين، فلا تمتد إلى غيره من الأشخاص.
2- تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع:
إن الإنسان مَدني بالطبع، فلا يمكنه أن يعيش إلا في جماعة، ولكي تستقر هذه الجماعة ويأمن كلُّ فرد فيها على نفسه وأهله وعِرضه وماله، دعت الضرورة إلى وجود قواعد تنظِّم سلوك الأفراد في علاقتهم بعضهم ببعض، وعلاقاتهم من السلطة المهيمنة على الجماعة، وعلاقة الجماعة بغيرها من الجماعات.
- والقاعدة النظامية تقتصر على تنظيم السلوك الخارجي للأفراد تاركة لقواعد الأخلاق تهذيب الأمور الداخلية التي تتعلَّق بالعواطف والنوايا؛ ولهذا لا يُعاقب الشرع أو النظام على مجرد التفكير في الجريمة، بل لا بد من سلوك خارجي يدل عليها؛ مثل البَدء في التنفيذ أو القيام بالتحضير، ولا يوقِع الطلاق بمجرد عزْم الزوج، بل لا بد من صيغةٍ تدل عليه .
3- الإلزام والجزاء:
احترام القاعدة النظامية لا يتأتى عن طريق النصح أو التوعية فقط، بل ينبغي أن يُصاحِب ذلك جزاء مادي توقِعه السلطة العامة على كل مَن يُخالف أحكام النظام.
فمادية الجزاء واتخاذه مظهرًا محسوسًا يلمسه الجميع، هو الذي يُضفي على القاعدة النظامية صفة الإلزام بشعية: الزجر والجبر، زجر مَن يُحاوِل مَخالَفة أحكام النظام، وجبْر الضرر الناجم عن هذه المخالفة.
- وارتباط الجزاء بالسلطة العامة هو الذي يُحقِّق معنى العدل؛ إذ ليس لهذه السلطة مصلحة في الميل إلى البعض أو الحيف على البعض الآخر، فما يؤدي إلى توقيع الجزاء على المخالِف على النظام بصورة محددة ومنضبطة، على أساس أن السلطة العامة مفوَّضة من الجماعة لحماية النظام العام، والسهر على تطبيق الشرع والنظام والضرب على أيدي المعتدين .
صور الجزاء:
يتنوَّع الجزاء بطريقة تتناسب مع طبيعة القاعدة النظامية المراد حمايتها، فهناك الجزاء الجنائي، والجزاء التأديبي، والجزاء المدني، والجزاء الدولي.
أ- الجزاء الجنائي:
هو الذي يُطبَّق على مَن يُخالِف القاعدة في الأنظمة الجزائية؛ كالتزوير والتزييف والرِّشوة والاختلاس، وهو أشد أنواع الجزاءات؛ لأنه مُخصَّص لأمن المجتمع، وردْع مَن يرتكب عملاً يُعَد في نظر الشرع والنظام جريمة؛ ولذا فإنه يتدرج شدة وضعفًا حسَب نوع الجريمة ومدى خطورتها .
كالقتل (الإعدام) الذي يوقع على القاتل عمدًا، وقطع اليد الذي يوقع على السارق إذا توافرت شروطها، والحبس تعزيرًا.
ب- الجزاء التأديبي:
هو الجزاء الذي توقِّعه السلطة المختصة على الموظف نتيجة إخلاله بواجبات الوظيفة العامة أو مقتضياتها، قاصدة بذلك حماية النظام الوظيفي بوجه عام، وقد حدَّد نظام الخدمة المدنية الجزاءات التأديبية من الإنذار، والخصم من الراتب، وخفض الدرجة والعزل من الخدمة.
ج- الجزاء المدني:
إذا كانت القاعدة التي وخولفت من قواعد النظام الخاص - أي العلاقات بين الأفراد - فلا يكون الجزاء عادة إلا مدنيًّا، فإذا امتنع المدين عن الوفاء بدينه في الميعاد المُتَّفَق عليه، حُبِس المدين ما لم يَثْبُت إعساره، ويكون للدائن أن يحجز على أموال مدينه للحصول على حقه، (وهذا جزاء مدني) .
التمييز بين القاعدة النظامية وغيرها:
2- 1 التمييز بين القاعدة الشرعية والقاعدة النظامية:
تتميَّز القاعدة الشرعية بأنها لا تقتصر على تنظيم علاقة الإنسان بغيره فحسب، وإنما تُعنى أيضًا في المقام الأول بعلاقته بربه ونفسه؛ ولذلك أتت أحكامها لتشمل كل تلك العلاقات، وأحكام الشريعة الإسلامية تبغي خير الإنسان وسعادته، وهي لا تُنظِّم شؤون الحياة الدنيا فحسب، بل تَعرِض كذلك لكل ما يتَّصِل بالآخرة.
وإن كانت القاعدة الشرعية مِثل القاعدة النظامية تسعى وراء هدف أساسي، وهو تنظيم حياة الأفراد داخل الجماعة، فالقاعدة الشرعية هي القاعدة الأقوى والأثبت والأصلح كقاعدة عامة مجردة، وتُلزِم الأفراد بسلوك معين، ولكن هناك اختلاف بين الشرعية والنظامية في أوجه معينة منها:
أ- من حيث المصدرية:
القاعدة الشرعية، فمن عند الله، تتمثَّل فيها قدرة الخالق وكماله وعظمته وإحاطته بما كان وما هو كائن، ومن ثَمَّ صاغها العليم الخبير بحيث تُحيط بكل شيء في الحال والاستقبال؛ حيث أحاط عِلمه بكل شيء، وأمر جل شأنه ألا تُغير ولا تبدل؛ حيث قال: {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس: 64]؛ لأنها ليست في حاجة للتغيير والتبديل مهما تغيرت الأوطان والأزمان وتطوَّر الزمان.
أما القاعدة النظامية فمصدرها أولي الأمر (رئيس الدولة أيًّا كان مسماه والسلطة التنظيمية)، يداعها فيها تحقيق المصلحة ودرء المفسدة في مكان معين وزمان معين، ولا تتَّسِم بالديمومة، بل يمكن تعديلها وإلغاؤها بما يتغيَّر ويتطور في المجتمعات.
ولما كانت القاعدة الشرعية من عند الله ومن صُنعه توفَّرت فيها صفات الكمال والسمو والدوام، تلك الصفات التي تتوفَّر دائمًا فيما يصنعه الخالق، ولا يتوفَّر شيء منها فيما يصنعه المخلوق .
ب- من حيث التطبيق:
القاعدة الشرعية أوسع نِطاقًا من القاعدة النظامية؛ سواء من حيث المخاطبون بها، أو من حيث المكان والزمان، فهي جاءت للكافة دون تحديد لمكان أو زمان محدَّد، بل هي صالحة للكافة ولكل زمان ومكان، ولا تَصلُح في مكان آخر، وفي نفس المكان قد تَصلُح لوقت معين ولا تصلح لوقت آخر؛ لأنها من صُنْع البشر، وليست من صنع الله تعالى.
فالقاعدة الشرعية عامة للناس جميعًا وشاملة، بينما القاعدة النظامية مقيَّدة بالموضوع والزمان والمكان.
جـ- من حيث الجزاء: 
القاعدة الشرعية؛ فالجزاء فيها أخروي ودنيوي، بل الأصل فيها الجزاء الأخروي، والجزاء الدنيوي وضِع موضع الضرورة لمن لم  يؤمن بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب، فيتَعدى حدود الله، أما أنه شُرع فيها عقاب دنيوي وآخر أخروي؛ فلأن التكاليف الشرعية منها ما هو من أعمال القلوب التي لا يعلم المخالفة فيها إلا الله، ومنها ما هو من أعمال الجوارح التي يطَّلِع الخَلْق على المخالفة فيها، فالعقوبات الدنيوية جاءت على المخالَفة على أعمال الجوارح ووُكِل إلى أولي الأمر تنفيذها، والعقوبات الأخروية جاءت على المخالَفة في أعمال القلوب، التي لا يطَّلِع عليها إلا علام الغيوب يتولَّى هو - سبحانه - إقامتها على المخالِفين في دار الجزاء، كما جاءت على المخالَفة في أعمال الجوارح زيادة على العقاب الدنيوي، أو من لم يُعاقَب في الدنيا وبقي على إصراره.
وأكثر من ذلك أنها جاءت بنوع آخر من الجزاء هو الإثابة على الامتثال للأوامر والكف من المنهيات، فهي تُحاسِب على الامتثال كما تُحاسب على المخالفة .
أما القاعدة النِّظامية فهي تَحكُم السلوك الخارجي للإنسان، ولا تعاقب على مجرد النيات، فالجزاء فيها دنيوي.
ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وقد وصف الله - عز وجل - رسولَه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
وقال الرسول - عليه السلام -: ((إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق)) .
والقاعدة الأخلاقية تتَّفِق مع القاعدة النظامية في أنها تهدف إلى تنظيم العيش في المجتمع، وأنها قواعد عامة، ومقترنة بجزاء يوقع على مَن يُخالِفها، ولكن رغم أوجه الشبه فإنه توجد فروق هامة بين القاعدتين.
أ- من حيث الغاية:
يسعى النظامُ إلى تنظيم علاقات الأفراد داخل المجتمع، فالقاعدة النظامية تراعي وتُنظِّم ما هو كائن بعكس القاعدة الأخلاقية، فهي تسعى بالإنسان نحو الكمال وتُراعي وتحاول أن تصل إلى ما يجب أن يكون، الأخلاق تتَّخِذ من الشخص الكامل نموذجًا لها، في حين أن القاعدة النظامية تتَّخِذ من الرجل العادي نموذجًا ومعيارًا لها.
ب- من حيث التحديد والوضوح: 
تتَّسِم القاعدة النظامية بالانضباط والوضوح حتى يمكن معرفتها وتطبيقها في حين أن القاعدة الأخلاقية غالبًا ما تكون غير محددة، فهي ليست سوى أحاسيس داخلية لدى الأفراد، وقد لا يتَّفق هذا الإحساس الداخلي لكل فرد ومبادئ الأخلاق، وبالتالي فإن مبادئ الأخلاق غالبًا ما تكون غير مُنضبِطة.
ج- من حيث الجزاء:
(وإذا كانت قواعد الأخلاق والقواعد النظامية مُتَّفِقة في أن الغرض في كل منها هو تنظيم سلوك الأفراد داخل الجماعة بيد أنهما يختلفان في العديد من الخصائص، وبالتالي يمكن بسهولة التمييز بينهم من حيث الجزاء).
وتتميَّز القاعدة النظامية بوجود جزاء مُنظَّم توقعه السلطة العامة على مَن يُخالِفها، وهذا الجزاء المادي قد يكون الحجز على أموال المَدَين أو تعزيره بالغرامة أو بالسجن، في حين أن الجزاء في القاعدة الأخلاقية ليس له نفْس الصفة، فالجزاء في القاعدة الأخلاقية معنوي لا تُباشِره السلطة العامة، بل قد تنبُع من ضمير المخالِف نفسه، وقد يكون الجزاء خارجيًّا، ويتمثَّل في رفض الجماعة في سلوك الشخص المخالف .
2-2 التمييز بين القاعدة النظامية والقاعدة الأخلاقية: 
يُقصَد بالقواعد الأخلاقية المبادئ التي يتعارف الناس عليها في مجتمع معين، والتي تهدف إلى تحقيق مُثُل عليا، مِثل الحض على فِعل الخير كمساعدة الفقير، والنهي عن الكذب والغِيبة والنميمة، ويهدف الإسلام إلى الحث على حُسْن الخلق والسلوك القويم.
2-3 العلاقة بين القواعد الشرعية والأخلاقية والنظامية:
يتَّضِح مما سبق أن لكل من القواعد الشرعية والأخلاقية والنظامية دائرة مستقلة بها إلا أنها مُتداخلة في بعضها بصورة أو بأخرى، ويتحقَّق هذا التداخل؛ حيث تشترك تلك القواعد على اختلافها في حُكْم مسألة معيَّنة كتحريم القتل والسرقة.
ويختلف حجمُ هذا التداخل حسَب ظروف كل مجتمع على حِدة، فقد تضيق هذه المساحة المشترَكة في المجتمعات المادية، حيث لا تهتم إلا بالقواعد القانونية المجردة دون اعتبار لدين أو أخلاق، بينما قد تتَّسِع تلك المساحة المشتركة في المجتمعات العقائدية التي تحرص على مواءمة معاملاتها مع قواعد دينها وأخلاقها، ويتحقَّق الوضع الأمثل إن تَطابقت تلك الدوائر مع بعضها البعض دون انفراد أي منها بمجال خاص، ومن ثم تشترك معًا في حُكْم العلاقات الإنسانية بصفة عامة. 
إلا أن التطابق لا يتحقَّق عادة مع الحرص عليه إلا في نطاق الأمور الأساسية، أما بعض المسائل فتستقل استقلالاً تامًّا، فأداء المرء لموجباته الدينية في غير حضور الآخرين أمر تستقل به قواعد الدين استقلالاً تامًّا، وإفشاء السلام وطهارة النفس، ومساعدة الغير ليس إلا مبادئ أخلاقية.
وتنظيم الجمارك وإقامة الأجانب وتنظيم الأمور ومنْح الجنسية وما شابه ذلك فهي من الأمور التي يستقِلُّ بها النظام، وتعتبر مستقلة تمامًا عن المجالين الآخرين الدين والأخلاق، طالما لم تتضمَّن قواعدها خَرْقًا لقاعدة دينية أو أخلاقية .
3- 1 مصادر القاعدة النظامية:
تمثِّل الشريعة الإسلامية في السعودية المصدر الرئيس للنظام، فهي أساس التنظيم القانوني، التي يتعيَّن على جميع المصادر الأخرى احترامها، وإلا اعتبرت مَعيبة بعدم الدستورية بحيث يتعيَّن أن تأتي التنظيمات مُتَّفِقة مع المبادئ الكلية والمقاصد الشرعية وغير مُتعارِضة مع أي حكم قطعي (م48 من النظام الأساس للحكم)، إن الشريعة الإسلامية فيما جاءت به من أحكام تفصيلية قطعية الثبوت  كأحكام الميراث، الحدود، الزواج والطلاق لم يقنِّنها النظام في المملكة، تُعَد مصدرًا رسميًّا أصليًّا عامًّا باعتبارها الشريعة ذات الولاية العامة؛ فكل ما جاء مفصلاً ولم يقنَّن بالنظام (م48 من النظام الأساس للحكم).
إضافة إلى ذلك؛ فإنه حيث جاءت الشريعة بمبادئ كلية فيها من المرونة ما يسمح ببناء أحكام تفصيليَّة على هدى منها، تتطلَّب من ولي الأمر بما له من ولاية أن يضع من التنظيمات ما يُحقِّق به مصالح المكلَّفين عامة بما لا يتعارَض مع مقصود الشرع ، لقد اعتبرت مبادئ الشريعة مصدرًا رسميًّا احتياطيًّا يتعيَّن الرجوع إليه بحثًا عن الحكم الواجب التطبيق في حالة عدم وجود الحكم في المصادر الرسمية الأصلية.
وفي ضوء ما سبق نعرف المصادر الرسمية للقواعد النظامية في المملكة على النحو التالي:
الفصل الأول: المصادر الرسمية العامة الأصلية (مصادر الأحكام الإسلامية):
المبحث الأول: مصادر التشريع:
- المطلب الأول: القرآن الكريم.
المطلب الثاني: السنَّة. 
المبحث الثاني: مصادر الفقه الإسلامي:
- المطلب الأول: الإجماع.
- المطلب الثاني: القياس.
- المطلب الثالث: العرف.
- المطلب الرابع: المصالح المرسَلة.
- المطلب الخامس: الاستحسان.
- المطلب السادس: الاستصحاب.
- المطلب السابع: شرع من قبلنا.
- المطلب الثامن: قول الصحابي.
الفصل الثاني: المصادر الرسمية الخاصة:
المبحث الأول: المصدر الرسمي الأصلي: النظام.
المبحث الثاني: المصادر الرسمية الاحتياطية. 
المطلب الأول: مبادئ الشريعة الإسلامية.
المطلب الثاني: العُرف.
المطلب الثالث: السوابق القضائية.
المطلب الرابع: مبادئ الحق والعدالة. 
الفصل الأول
المصادر الرسمية العامة الأصلية مصادر الأحكام الإسلامية:
ويُقصَد بها الأحكام التفصيلية قطعية الثبوت التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ولم يقنِّنها النظام في المملكة في نصوص هذه الأمور، يرجع للشريعة الإسلامية في مصادرها بحثًا عن الحكم واجب التطبيق، وفي هذا الشأن تعتبر أحكامها مصدرًا أصليًّا، شأن الميراث، الحدود، الزواج، الطلاق. 
تنقسِم الأحكام الإسلامية إلى قسمين:
أولاً: الأحكام التشريعية الإسلامية.
ثانيًا: الأحكام الفقهية الإسلامية.
ويجب التمييز بين هذين القسمين لاختلاف مصادر كل منهما، ولوجود فروق أساسية بينهما، فالأحكام التشريعية الإسلامية والتي جاءت بها نصوص الشريعة الإسلامية في كل من القرآن الكريم والسُّنة النبوية، والتي يُطلَق عليها بالمصادر النقلية حيث يتلقَّاها الخَلَف من السلف في كل العصور، وهي مصادر إلزامية لكل مسلم والتي لا يجوز مخالفتها أو حتي تعديلها.
أما الأحكام الفقهية الإسلامية فهي نتيجة اجتهاد فقهي يَستنِد الاجتهاد فيها إلى النصوص التشريعية، وبمعنى آخر هي اجتهادات لأناس عاشوا في ظروف بيئية مختلفة من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، التي يُطلَق عليها مصادر "الأحكام الفقهية" وهي مصادر عقلية نتيجة مجهودات فردية؛ وعليه فإن من طبيعة الرأي الفقهي قَبُوله للعدول عنه، إن هذا التمييز بين الأحكام الشرعية والأحكام الفقهية مصدره التمييز بين الشريعة، وهي الأحكام التي سنَّها الله تعالى لعباده في جميع شؤون الحياة لما بعد الموت، وبين الفقه وهو اجتهاد عقلي للفقهاء، يُفيد اختلاف العقول في استنباط الأحكام، لهذا فهي غير إلزامية.
المبحث الأول:
مصدر التشريع الإسلامي (المصادر التشريعية):
يُطلِق علماء الأصول على مصادر التشريع الإسلامي مصطلح "الأحكام الشرعية"، وهي التي أقرَّها الشارع لإرشاد وتوجيه المكلَّفين بها، وتُسمَّى بأصول الأحكام أو المصادر التشريعية للأحكام، كما أسلفنا سابقًا؛ فهي الكتاب - القرآن الكريم والسنة -  وسوف نُخصِّص لكل مصدرٍ منهما مَطلبًا خاصًّا.
المطلب الأول: القرآن الكريم:
تعريفه:
لقد عُني علماء الأصول بتعريفه، وإن كان هو أشهر من أن يُعرَّف، فلقد جاءت جميع التعاريف جامعة شاملة ومنها "القرآن وهو الكتاب المنزَّل على رسول الله محمد - عليه الصلاة والسلام - المكتوب في المصاحف المنقول إلينا عنه نقلاً متواترًا، ولا خلاف بين المسلمين في أن القرآن الكريم حُجَّة على الجميع، وأنه المصدر الأول للتشريع.
قطعيَّة ثبوته:
لقد نُقِل إلينا القرآن الكريم في المصاحف عن طريق التواتر؛ فهو طريق يُفيد اليقين، وهو بذلك قطعي الثبوت، ولا خلاف بين المسلمين على حُجِّيته.
جمْعه:
لقد تنبَّه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – زمو [أن] القرآن لم يُجمَع في مصحف واحد، بل كان محفوظًا في صدور الحفاظ الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى استشهاد كثير من حُفاظ القرآن، حيث توفَّى - صلى الله عليه وسلم - وعليه فقد خشي على كثير من القرآن أن يذهب وطلَب عمر - رضي الله عنه - من الخليفة أبي بكر جمْع القرآن، فطلب أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - من زيد بن ثابت تتبُّع القرآن وجمعه، وقد تتبَّع زيد القرآن يجمعه من العُسُب واللِّخاف وصدور الرجال، وكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفَّاه الله، ثم عند عمر في حياته، ثم عند حفصة بنت عمر أم المؤمنين.
 توحيده في نسخة وحدة:
لقد تم توحيده في نسخة وحدة زمن الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وسُمِّيت تلك النُّسخة بمصحف الإمام .
وأتلف ما عداها، وقد عمَّت على جميع الأمصار الإسلامية آنذاك، واستمرت متداوَلة بين الأجيال حتى وصلت إلينا كاملة غير منقوصة عن طريق التواتر. 
خصائص القرآن: 
تتحصل في:
1- أنه كلام الله المنزَّل على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم.
2- أن لفظه نزل باللسان العربي؛ لقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3].
3- أنه نُقِل إلينا بالتواتر.
4- أنه محفوظ من أي زيادة أو نُقصان؛ لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
5- أنه معجزة، فقد عجز البشر جميعًا عن الإتيان بمثله لقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
أحكام القرآن:
لقد اشتمل القرآن على أحكام مُتنوِّعة، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
القِسْم الأول:
الأحكام المتعلِّقة بالعقيدة: كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، وهي الأحكام الاعتقادية، ومحل دراستها علم التوحيد.
القسم الثاني: 
الأحكام المتعلِّقة بتهذيب وتقويم النفس، وهي الأحكام الأخلاقية، ومحل دراستها علم الأخلاق.
القسم الثالث: 
الأحكام العملية والمتعلقة بأقوال المكلَّفين وأفعالهم، وهي المقصودة بالفقه، وهي التي يهدف الفقه وأصوله إلى دراستها، وهي نوعان:
النوع الأول: العبادات؛ كالصلاة والصيام، وغرضها تنظيم علاقة الفرد بربه.
النوع الثاني: المعاملات، وغرضها تنظيمُ علاقة الفرد بالفرد أو الفرد بالجماعة أو الجماعة بالجماعة، فهي بذلك تشمَل: 
الأحكام التي تدخل في نِطاق القانون الخاص والقانون العام، حسَب الاصطلاح القانوني الحديث كما رأينا، وهي: 
أ- الأحكام المتعلِّقة بالأسرة، وهي تدخل في نِطاق ما يُسمَّى بقانون الأسرة، أو مسائل الأحوال الشخصية؛ كالنكاح والطلاق، وما يتعلَّق بهما من أحكام.
ب- الأحكام المتعلِّقة بمعاملات الأفراد المالية؛ كالبيع والرهن وسائر العقود، وتدخل في نِطاق ما يُسمَّى بالقانون المدني.
ج- الأحكام المتعلقة بالقضاء والشهادة واليمين، ويُقصَد بها تنظيم إجراءات التقاضي، وتدخل في نطاق ما يُسمَّى بقانون المرافعات.
د- الأحكام المتعلِّقة بنظام الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم وبيان حقوق وواجبات كل من الحاكم والمحكوم، وهي تدخل في نِطاق ما يُسمَّى بالقانون الدستوري.
هـ- الأحكام المتعلِّقة بالجرائم، حدودًا كانت أم قِصاصًا أم تعزيرًا، وهي تدخل في نِطاق ما يُسمى بالقانون الجنائي أو الجزائي أو قانون العقوبات، من ذلك قوله - سبحانه وتعالى -: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179].
و- الأحكام المتعلِّقة بعلاقات الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في وقت السِّلم والحرب وما يترتَّب عليها من أحكام، فضلاً عن علاقة المستأمنين (الأجانب) بالدولة الإسلامية، ومن هذه الأحكام ما يدخل في نِطاق ما يُسمَّى بالقانون الدولي العام، من ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61]، أو في نِطاق ما يُسمَّى بالقانون الدولي الخاص، من ذلك قواعد إقامة الأجانب في الدولة وهو ما يعبِّر عنه بالمستأمنين. 
طرق بيان القرآن للأحكام:
القرآن الكريم فيه بيان لجميع الأحكام الشرعية ؛ لقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، وبيان الأحكام جاء على نوعين:
النوع الأول: القاعدة والمبادئ العامة للتشريع، ومن أمثلتها: الوفاء بالالتزامات؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وكالقِصاص؛ قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179]. 
النوع الثاني: الأحكام التفصيلية؛ كمقادير المواريث، وعدد مرات الطلاق. 
دَلالة القرآن على الأحكام: 
لقد سبق وأشرنا إلى أن القرآن ثابت قطعًا؛ لوصوله إلينا بطريق التواتر المفيد للعلم اليقيني بصحَّةِ المنقول؛ فأحكامه بذلك قطعيَّة الثبوت، إلا أن دَلالة القرآن على الأحكام قد تكون قطعية، وهذه في حالة ما إذا كان اللفظ لا يحتمل إلا معنى واحدًا، فتكون الدَّلالة على الحكم في هذه الحالة دَلالة قطعية؛ مثل قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12]، وقد تكون ظنيَّة، وهذه في حالة ما إذا كان اللفظ يحتمل أكثر من معنى ، مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، فإن (القَرْء) قد يَعني الحيض، وقد يعني الطُّهر من الحيض.
المطلب الثاني السنة:
تعريف: 
في اللغة: الطريقة المعتادة المحافظ عليها، والتي يتكرَّر العمل بموجبها، وفي اصطلاح علماء الأصول: ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، باعتباره رسولاً بقصد التشريع، واقتداء الناس به؛ فهي بذلك دليل من أدلة الأحكام ومصدر من مصادر التشريع، إن السنة مصدر تُستنبَط منها الأحكام، وقد دَلَّ على ذلك الكتاب الكريم وإجماع علماء المسلمين .
والسُّنة تنقسم من حيث أنواعها إلى: قولية، وفعلية، وتقديرية؛ فالسنة القولية هي أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي قالها في مناسبات وأغراض مختلفة، وهي التي  يُطلَق عليها اسم الحديث، ومنها: ((لا ضرر و لا ضِرار)).
والسنة الفعليَّة: هي ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأداء الصلاة بأركانها، وقضائه بشاهد واحد ويمين المُدعي وما شابه.
والسنة التقريرية: هي سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إنكار قول أو فعل صدر بمرأى عنه أو في غَيبته وعِلمه به، فهذا السكوت يدل على جواز الفعل وإباحته؛ حيث إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يسكت عن باطل أو مُنكَر. 
والسُّنة من حيث قوتها إما سنة متواترة أو مشهورة أو سنة آحاد. 
أ- السنة المتواترة:
هي ما نقلها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جمعٌ من الصحابة يمتنع عادة تواطؤه على الكذب، ثم رواها عن هذا الجمع جمع من التابعين يمتنع عادة تواطؤه على الكذب، ثم نقلها عن هؤلاء جمْع من تابعي التابعين يمتنع اتفاقه عادة على الكذب، مثاله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، وحُكم السنة المتواترة أنها تفيد العلم اليقيني فيجب العمل بها.
ب- السنة المشهورة: 
هي الأحاديث التي ينقُلها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عددٌ من الصحابة لا يبلغ حدَّ التواتر، ثم يَرويها عنهم جمْع من التابعين يبلغ حدَّ التواتر؛ ثم يَرويها عن التابعين جمْع من تابعي التابعين يبلغ حدَّ التواتر؛ مثاله ما رواه عمر بن الخطاب عن النبي: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى))، فقد روى هذا الحديث صحابي واحد، ثم رواه عن هذا الصحابي جمْع من التابعين، ثم رواه عن هؤلاء جمع من تابعي التابعين، وحُكْم هذه السنة أنها تُفيد الطمأنينة والظن القريب من اليقين، ويجب العمل بها.
ج- سنة الآحاد: 
هي ما رواها عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدد لا يبلغ حدَّ التواتر، ثم رواها عن هذا العدد من التابعين عدد لا يبلغ حد التواتر أيضًا، وحُكْم هذه السنَّة أنها تُفيد الظن ولا تفيد اليقين، ولقد ذهب الفقهاء لأكثر من مذهب في وجوب العمل بها .
المبحث الثاني: مصادر الفقه الإسلامي (المصادر الفقهية):
تعتبر المصادر الفقهية مصادر احتياطية لا يجوز الرجوع إليها إلا في حالة عدم وجود الحكم في المصادر التشريعية الأصلية، وهذه المصادر الفقهية هي: الإجماع، القياس، العرف، المصالح المُرْسلة، الاستحسان، الاستصحاب، شرع مَن قبْلنا، وقول الصحابي، وسوف نخصِّص لكل منها مطلبًا خاصًّا.
المطلب الأول: الإجماع:
التعريف: 
لغة: التصميم على الشيء، ومن المعنى أيضًا الاتفاق.
وفي اصطلاح علماء الأصول: اتفاق المجتهدين من المسلمين في عصرٍ من العصور بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على حُكْم شرع في أمر من الأمور، فإذا حصلت واقعة ما وعرضت عند حصولها على جمع المجتهدين من المسلمين، واتفقوا على حكم فيها سُمِّي اتفاقهم هذا إجماعًا، ويعتبر إجماعهم على حكمٍ واحد دليلاً على هذا الحكم، فهو الحكم الشرعي بالنسبة للواقعة.
شروط الإجماع: 
إن من شروط الإجماع ما يلي: 
1- اتفاق جميع المجتهدين من الأمة على حكم شرعي عملي؛ لأنهم هم الذين تتوافر فيهم أهلية النظر في الأحكام الشرعية.
2- أن يكون المجتهدون مسلمين، فلا ينعقد بالمجتهدين غير المسلمين ولا من يكفر ببدعته.
3- أن يحصل اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين بعد عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم، إن الجمهور من العلماء لا يشترطون لتحقيق الإجماع انقراض عصر المجتمعين، ولا عدم سبْق خلاف مستقر، ولا العدالة ولا بلوغ المجتهدين من الأمة عدد التواتر، بينما اشترط ذلك بعض العلماء .
حجية الإجماع:
متى ما انعقد الإجماع بتوافق شروطه اعتبر دليلاً قاطعًا على حسْم المسالة المُجمَع عليها، ومن ثم لزومه للمسلمين، وهو بذلك دليل من أدلة الأحكام الشرعية، ولقد ورد في حجية الإجماع قوله - صلى الله علية وسلم -: ((لا تجتمع أمتي على خطأ))، وله: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن" قول لعبدالله بن مسعود.
إن الحكم المتَّفَق عليه إجماعًا لواقعة معيَّنة يكون مُلزِمًا لا يجوز مخالفته، وليس للمجتهدين في عصر تالٍ أن يجعلوا هذه الواقعة موضِع اجتهاد .
وهذا ما سار عليه غالبية الفقهاء؛ فجمهور المسلمين يعتبرون الإجماع حُجَّة شرعية يجب العمل به على كل مسلم، وترى طائفة أخرى من الفقهاء، وهم من مذهب النَّظَام والخوارج والشيعة بأن الإجماع بالمفهوم السابق لا يمكن تحققه؛ لأنه يتعذر إجماع مجتهدي الأمة على اختلاف أقطارهم وأناسهم، ومن ثم فالإجماع لديهم ليس بحجة.
والرأي السائد أن يكتفى في الإجماع باتفاق غالبيَّة رأي مجتهدي الأمة الإسلامية في عصر من العصور على حكم واقعة من الوقائع، وهذا ما جرى عليه أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - عندما تَصعُب عليهما الأمور؛ فلقد أثِر عنهما أنه إذا غمَّ عليهم الحكم في مسألة هامة تُهِم عموم المسلمين جمعَا لها رؤوس الناس وخيارهم، فإن أجمعوا على رأي أمضياه بغير أن يؤجل الفصل في الخصومة حتى يقف على رأي جميع مجتهدي الصحابة في مختلف البُلدان، إن إجماع غالبية مجتهدي الأمة أقرب إلى الحق والعدل مِن رأي الفرد أو الأقلية .
أنواع الإجماع:
"الإجماع نوعان: الصريح والسكوتي":
الإجماع الصريح: 
اتفاق جميع المجتهدين على حُكم مُعيَّن في المسالة المطروحة، واتفاق الباقين الذين تُعرَض عليهم نفس الواقعة، التي عُرِضت على المجتهدين من قبل فيأتوا بنفس الحكم.
الإجماع السكوتي:
إبداء بعض المجتهدين رأيه في المسألة المطروحة وسكوت الباقين دون أي دَلالة على الموافقة أو المخالفة.
المطلب الثاني:
القياس:
تعريف: 
في اللغة: هو تدير شيء بشيء آخر، وكذا مقارنة شيء بشيء آخر.
وفي اصطلاح علماء الأصول: إتباع ما لم يَرِد فيه نص على حكمه بما ورد فيه نص على حكمه؛ وذلك لاشتراكهم معًا في عِلة الحكم؛ لأن الحكم يدور مع عِلته وجودًا وعدمًا بشرط أن يكون حكم الأصول غير مُختص به.
أركان القياس:
1- الأصل (المقيس عليه) وهو ما ورد النصُّ بحكمه.
2- حكم الأصل الحكم الشرعي الوارد به النص في الأصل، ويُراد إتباعه بالفرع.
3- الفرع (المقيس) وهو ما لم يرد نص بحكمه، ويراد أن يكون له حُكْم الأصل عن طريق القياس.
4- العلة، الوصف الموجود في الأصل، والذي شرع الحكم من أجله ولوجوده في الفرع، ويُراد إتباعه بالأصل في هذا الحكم.
ومثاله: الوصف بتحريم الخمر لعِلَّة الإسكار؛ فكل نبيذ توجد فيه هذه العلة يُتبَع بالخمر في حكمه ويُحرَّم شربه؛ فالقياس الصحيح يعتبر دليلاً من أدلة الأحكام الشرعية.
حجيته:
مذهب جمهور العلماء أن القياس حجة شرعية على الأحكام العمليَّة، ولذلك أساسه من المنقول والمعقول؛ من السنة ما ثبت عن استدلال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض ما توصَّل إليه من الأحكام على القياس، من ذلك أن جارية خثعمية قالت: يا رسول، إن أبي أدركته فريضة الحج شيخًا زمنًا لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها: ((أرأيت لو كان على أبيك دَين فقضيتِه، أكان ينفعه ذلك؟))، قالت: نعم، فقال لها: ((فدَين الله أحق بالقضاء)).
أما المعقول، فذلك أن الحكم الشرعي مبنيٌّ على المصالح ومرتبِط بسببه، فإذا ساوت الواقعة التي لا نصَّ فيها الواقعة المنصوص عليها في علة الحكم التي هي مُنظِّمة المصلحة، قضت الحكمة أن تُساويها في الحكم تحقيقًا للمصلحة التي هي مقصود الشرع، وفي بيان اقتران الحكم بعلته ورد قوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222].
في المقابل فإن الظاهرية وبعض فرق الشيعة يُنكِرون حجيَّة القياس، على اعتبار أنه قضاء بالظن وهو منهي عنه لقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، يُرد على ذلك بأن المنهي عنه اتباع الظن في العقيدة، وليس في الأحكام العملية، وذلك أن أكثر أدلتها ظنية، والقول بغير ذلك فيه إهدار للأدلة النقلية الظنية، وهذا باطل بالاتفاق .
المطلب الثالث:
العرف:
تعريف:
هو ما أَلِفه الناس في المجتمع، واعتادوا السيرَ عليه في حياتهم من أقوال وأفعال وغيره، ولا فَرْق عند الشريعة بين العُرْف والعادة.
أنواع العرف:
قد يكون قوليًّا أو عمليًّا، عامًّا أو خاصًّا، وبجميع أنواعه هذه يكون صحيحًا أو فاسدًا.
فالعرف العملي: هو ما اعتاد الناس عليه من أعمال؛ كالبيع بالتعاطي، والعرف القولي: وهو ما اعتاد الناس عليه من ألفاظ بأن يراد به معنى غير المعنى الموضوع لها. 
والعُرْف العام: هو المشاع بين عامة الناس والبُلدان، والخاص هو المشاع بين فئة معينة من الناس والبُلدان.
والعُرْف الصحيح: هو الذي لا يُخالِف نصًّا شرعيًّا ولا يُفوِّت مصلحة معتبَرة ولا يجلُب مفسدة، أما العُرْف الفاسد فهو الذي يُخالِف نصًّا شرعيًّا، أو يدفع مصلحة أو يجلب مضرة، وحكمه أنه لا تَجِب مراعاته لمعارضته دليلاً شرعيًّا أو إبطال لحكم شرعي، كما إذا تعارفوا على إباحة التعامل في المعاملات الربوية.
شروط العرف: للعرف شروط، منها: 
1- ألا يكون مُخالِفًا لنص صريح.
2- أن يكون شائعًا.
3- ألا يوجد قول أو عمل يفيد عكس مضمونه.
4- أن يكون العرف الذي يقوم عليه التصرف موجودًا وقت إنشائه.
والشارع راعى الصحيح من عُرْف العرب في التشريع؛ ففرض الدِّيَة على العاقلة، وشرط الكفاءة في الزواج، وقد اعتبر العلماء العرف - وإن لم يرد به نص - دليلاً من أدلة الأحكام وأصلاً تُستنبَط منه الأحكام؛ كقوله: (المعروف عُرْفًا كالمشروط شرطًا)، والأحكام المبنيَّة على العرف تتغيَّر بتغيره زمانًا ومكانًا.
المطلب الرابع:
المصالح المرسلة:
تعريف:
المصلحة هي جلْب منفعة ودفْع مضرَّة، والمصالح ما شهِد لها الشارع بالاعتبار فهي مصالح معتبَرة، ومنها ما شهِد له الشارع بالإلغاء، فهي مصالح مُلغاة، ومنها ما سكت عنه، فهي مصالح مرسَلة، والمصالح المرسلة عند علماء الأصول: هي التي تجلب منفعة وتدفع ضررًا، وهي مطلَقة، وفي الأمور المسكوت عنها، وليس لها مثيل منصوص على حكمه لقياسها عليه، وفي الغالب بها وصْف مناسب لتشريع حكم معين، من شأن هذا الحكم أن يحقِّق منفعة ويدرأ مفسَدة، مِثل المصلحة التي رآها الصحابة في إبقاء الأراضي الزراعية التي فتحوها في أيدي أهلها وفرض الخراج عليها.
شروط المصلحة المُرسلة لتكون مصدرًا من مصادر التشريع عند القائلين بها: 
1- أن يكون ذلك في مسائل المعاملات لا العبادات؛ لأن هذه ثابتة لا تتغيَّر.
2- ألا تتعرَّض هذه المصلحة مع مقصد من مقاصد الشريعة، ولا دليل من أدلتها المعروفة.
3- أن تكون مصلحة حقيقية ضرورية للمجتمع، أو على الأقل أن يكون فيها تحصيل نفْع أو درء ضرر حقيقي .
4- أن تكون مصلحة عامة وليست مصلحة شخصيَّة.
أن حجية المصالح المرسلة قد ثبتت لدى الصحابة، ومن جاء بعدهم، وبِناء الأحكام على أساسها، وعدها من أدلَّة الأحكام.
المطلب الخامس:
الاستحسان:
تعريف:
الاستحسان في اللغة: اعتبار الشيء حسنًا، ويُطلَق أيضًا على ما يرغَبه الإنسان، ويَميل إليه.
وفي اصطلاح علماء الأصول: العدول عن قياس جليٍّ إلى قياس خفي أو استثناء مسألة جزئية من أصل كلي، كدليل تَطمئنُّ إليه نفْس المجتهد، يقتضي هذا الاستثناء أو ذاك العدول.
فإذا عرَضت واقعة لم يَرِد نصٌّ بحكمها وللنظر في الواقعة اتجاهان، أحدهما: ظاهر يقتضي حكمًا معينًا، والآخر خفي يقتضي حكمًا آخر قام بنفس المجتهد دليل رجَّح الاتجاه الخفي، فعدَل عن الاتجاه الظاهر فهذا يُعرَف بالاستحسان ، وكذا إذا كان الحكم كليًّا وقام بنفس المجتهد دليل يقتضي استثناء جزئية من هذا الحكم الكلي بحكم آخر، فهذا يعرف أيضًا بالاستحسان .
وقد أخذ الكثير من العلماء بالاستحسان واعتبره دليلاً من أدلة الأحكام الشرعية.
المطلب السادس:
الاستصحاب:
تعريف:
الاستصحاب في اللغة: طلَب المصاحبة:
وفي اصطلاح علماء الأصول: استدامة إثبات ما كان ثابتًا، أو نفي ما كان منفيًّا، أو هو بقاء الشيء على ما كان عليه ما لم يوجد ما يُغيِّره، فما عرف عن وجوده في الماضي ثم حصل تردد في زواله حكمنا ببقائه استصحابًا لوجوده السابق، وما عُرِف عن عدم وجوده في الماضي ثم حصل تردد في وجوده حكمنا باستمرار عدم وجوده استصحابًا لعدمه السابق.
أنواع الاستصحاب:
1- استصحاب الإباحة، إن كلَّ طعامٍ أو شراب أو حيوان أو نبات أو جماد لا يوجد دليل على تحريمه فهو مُباح؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، و إنما يُحرَّم ما يُحرَّم منها بدليل شرعي.
2- استصحاب البراءة، إن ذمة الإنسان لا تكون مشغولة بحق ما إلا إذا قام الدليل عليها، فمن يدَّعي على آخر بدين ولم يُقِم الدليل على ذلك وجب الحكم ببراءة ذمة المُدَّعى عليه؛ لأن الأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على العكس.
3- استصحاب ما دل الشرع على ثبوته لتوافر سببه حتى يقوم الدليل على خلافه، فمن عرف عن حياته في وقت معين حكمنا باستمرار حياته حتى يقوم الدليل على وفاته ؛ لأن ما ثبت باليقين لا يزول بالشك.
المطلب السابع:
شرع من قبلنا:
تعريف:
المراد بشرع من قبلنا: الأحكام المشروعة من الله لمن سبَقنا من الأمم والمنزَّلة على الأنبياء والرسل لتبليغها للأمم، وشرْع من قبلنا فيه خلاف بالنسبة للعلماء في علاقتِه بشريعتنا، فهم يُقسِّمون شرْع مَن قبلنا إلى أنواع:
1- النوع الأول: وهو المُتَّفَق عليه، وعلى حجيته بالنسبة إلينا، وقد وردت في القرآن والسنة؛ مثاله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
2- النوع الثاني: وهو المتَّفَق على نسْخه في حقنا، وخاص بالأمم السابقة، فقد قصَّه الله في القرآن، وبيَّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السنَّة، وقام الدليل في الشريعة على نسْخه؛ مثاله ما جاء في شريعة موسى من أن العاصي لا يُكفَّر ذنبُه إلا بقتل نفسه.
3- النوع الثالث: الأحكام التي لم يَرِد بها ذِكْرٌ في الكتاب والسنَّة فهي لا تعتبر شرعًا لنا.
4- النوع الرابع: ما ذُكِر في القرآن والسنة من أحكام الشرائع السابقة، ولم يَرِد في شرعنا الدليل على كونه مكتوبًا علينا أو أنه مرفوع عنا؛ كقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
فهذا النوع موضع خلاف بين العلماء، فالبعض يعتبره جزءًا من شريعتنا ما دام قُصَّ علينا، ولم يوجد الدليل على نسْخه، وذهب البعض الآخر بأنه ليس بشرع لنا؛ لأن شريعتنا ناسخة لما قبلها.
المطلب الثامن:
قول الصحابي:
تعريف:
الصحابي: حسَب مفهوم علماء الأصول: مَن لقي النبي - عليه السلام - وآمن به، ولازمه مدة تكفي لإطلاق كلمة الصاحب عليه عُرفًا، كالخلفاء الراشدين، فقد قاموا هؤلاء بعد وفاة الرسول - عليه السلام - بالإفتاء والقضاء بين الناس، وقد نُقِلت فتاواهم وأقضيتهم إلينا، وليس هنالك خلاف في أن قول الصحابي حُجَّة؛ حيث لا نَصَّ في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع ولا يوجد في المسألة دليل آخر معتَبَر .
الفصل الثاني:
المصادر الرسمية العامة:
وهي المصادر التي يُرجع إليها بحثًا عن القاعدة القانونية إذا لم يتم العثور على القاعدة القانونية في المصادر الرسميَّة الخاصة الأصلية حيث قد تناولها النظام بالتنظيم؛ فلقد ورد نص المادة 185، من نظام العمل والعمال ببيان ترتيب المصادر الرسمية في هذا النِّطاق؛ حيث ورد نصُّها على النحو التالي: "لا يجوز لأي لجنة من اللجان المنصوص عليها في هذا الفصل أن تمتنع عن إصدار قرارها بحجة عدم وجود نص في هذا النظام يمكن تطبيقه، وعليها في هذه الحالة أن تستعين بمبادئ الشريعة الإسلامية، والقواعد المحلية، وما استقرت على السوابق القضائية، ومبادئ الحق والعُرف، وقواعد العدالة "يُستفاد من ذلك أن نصَّ المادة 185، وإن ورد في تنظيم العمل والعمال إلا أنه يُبيِّن ترتيبَ المصادر الرسمية في نِطاق القانون الخاص عمومًا، فيما لم تتعرَّض له الشريعة الإسلامية بأحكام تفصيلية قطعية غير مقنَّنة من جانب النظام، وفي ضوء هذا النص يمكن ترتيب المصادر الرسمية إلى مصدر رسمي أصلي هو النظام ومصادر رسمية احتياطية، هي مبادئ الشريعة الإسلامية، والعُرْف، والسوابق القضائية، ومبادئ الحق والعدالة.
المبحث الأول:
المصدر الرسمي الأصلي:
النظام:
تعريف:
وهو وضع قواعد مُلزِمة ومُنظِّمة للعلاقات في المجتمع في صورة مكتوبة بواسطة سلطة مختصَّة هي غالبًا السلطة التنظيميَّة  (النظام) حسَب هذا المفهوم: هو الذي يعتبر مصدرًا للقانون، وقد يُطلَق اللفظ على القواعد القانونية ذاتها التي تضعها السلطة التنظيمية فيقال مثلاً: نظام العمل .
أنواع النظام: تنقسِم الأنظمة حسَب قوتها إلى أنواع ثلاثة:
أولاً: النظام الأساسي.
ثانيًا: الأنظمة العادية.
ثالثًا: النظام الفرعي (اللائحة).
وسنَعرِض النظام الأساسي والأنظمة العادية في الفصول القادمة، ونوجز القول عن اللوائح.
الأنظمة الفرعية (اللوائح):
الأصل أن السلطة التنظيمية هي التي تقوم بسن الأنظمة؛ لأن النظام يعتبر من صميم اختصاص هذه السلطة، ولكن الضرورة العملية اقتضت منْح السلطة التنفيذية والمسؤولة أساسًا تنفيذ الأنظمة أن تقوم هذه السلطة بسن بعض القواعد النظامية الضرورية في حدود معيَّنة، وتُسمَّى هذه القواعد بالأنظمة الفرعية أو اللوائح، وعلى هذه الأنظمة أن تَخضَع لأحكام النظام العادي (القانون)، وعدم مخالفتها له؛ لأنها أقل درجة منه.
وستقسَّم هذه اللوائح إلى ما يلي:
1- اللوائح التنفيذية:
هي التي تقوم بإصدارها السلطة التنفيذية لبيان كيفية تطبيق الأنظمة الصادرة.
2- اللوائح التنظيمية:
هي اللوائح التي تُوضَع لتنظيم عملِ المرافق العامة؛ كاللوائح التي توضَع لتنظيم سير العمل في الإدارات والمصالح الحكومية.
3- لوائح الضبط:
يُطلَق عليها لوائح البوليس، وتُوضَع للمحافظة على الأمن العام وحماية الصحة العامة كلوائح المرور وما شابه، ويقترح أُسوة بالنظام العادي اعتبار نَفاذ اللوائح الفرعية من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية (جريدة أم القرى). 
المبحث الثاني:
المصادر الرسمية الاحتياطية:
في حالة عدم وجود القاعدة في المصادر الأصلية في النظام نلجأ إلى المصادر الأخرى كمبادئ الشريعة الإسلامية، والعُرْف، السوابق القضائية، مبادئ الحق والعدلة.
المطلب الأول:
مبادئ الشريعة الإسلامية:
هي مجموعة المبادئ العامة والقواعد الكلية المتَّفَق عليها بين المذاهب الإسلامية المختلفة، فعلى سبيل المثال: من هذه المبادئ العامة: لا ضرر ولا ضرار، الضرر يُزال، الضرورات تبيح المحظورات، إذا زال المانع عاد الممنوع، درء المفاسد أَوْلى من جلب المنافع، العادة محكمة، العبرة للغالب الشائع لا للنادر، إذا سقط الأصل سقط الفرع، لا يُنسَب إلى ساكت قول؛ ولكن السكوت في مَعرِض الحاجة بيان، أسباب الضمان عقد ويد وإتلاف، يخص العموم بالعادة على المنصوص، المنع أسهل من الدفع، يثبت تَبَعًا ما لا يثبُت استقلالاً، كل من مَلَك شيئًا بعوض ملك عليه عوضه في آن واحد، يقوم البدل مقام المُبدَل، ويَسُد مسده، ويَبني حكمه على حكمه.
علمًا أن الرأي الراجح لدى فقهاء المذهب الحنبلي هو المعمول به في المملكة، وللمحكمة اللجوء للمذاهب الأخرى في استنباط الأحكام إذا لم يقف على رأي للمذهب أو تتطلَّبه مقتضيات المصلحة الحقيقية وواقع الناس.
المطلب الثاني:
العرف:
تعريف:
هو اعتياد الناس على سلوك معين في أمر من أمور حياتهم الاجتماعية بحيث تنشأ عن هذا الاعتياد قواعد يتم الاعتقاد بأنها مُلزِمة وواجبة الاتباع، كما ويُطلَق اسم العرف على القواعد القانونية ذاتها، والتي تنشأ من اعتياد الناس على نمَط هذا السلوك.
أركان العرف:
يقوم العرف على ركنين الأول مادي، والثاني معنوي.
الركن العادي:
هو اعتياد الناس على سلوك مُعيَّن في شأن من شؤون حياتهم الاجتماعية، بحيث تنشأ عن ذلك عادة، نتيجة لاتباعهم لسلوك معين واستمرار العمل بموجبه، فسلوك عدد معين من الناس طريقة معينة في تنظيم أمر يَخصُّهم باستهداء من عقولهم نتيجة ظروف محيطة، ثم تَكرار هذا السلوك من غيرهم، وعليه دوام العادة واستقرارها حتى تُصبِح ثابتة، ويَرسخ أثرها في نفوس الناس، ويشترط في العادة والتي يرتكِز عليها الركن المادي للعرف:
1- أن تكون عامة: إن خاصية العموم والتي تثبُت لكل قاعدة نظامية يتوجَّب أن يكون العرف عامًّا بهذا المعنى، ثم الاستقرار عليها من الغالبية العظمى للجماعة.
2- أن تكون قديمة: أي أن يَمضي على قيامها مدة طويلة تُفيد رسوخها في نفوس الناس، وقيام عُرْف مستقر على أساسها.
3- أن تكون ثابتة: أي استمرار اتباع القاعدة بطريقة منتظِمة مما يتوفَّر فيها عندئذ معنى الاستقرار والوجوب.
4- ألا تكون مخالفة للنظام العام: حيث إن العادة المخالفة للنظام العام والآداب لا يمكن لها أن تكون قاعدة قانونية، (عدم مخالفة المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية).
الركن المعنوي:
هو اتجاه الناس إلى اتباع القاعدة نتيجة لتولُّد الاعتقاد العام لديهم بأن هذه العادة مُلزِمة باعتبارها قاعدة قانونيَّة واجبة، لها جزاء توقعه السلطة المختصة عند الحاجة، إن اعتقاد الناس بلزوم العادة ورسوخها يأتي بصفه تدريجية.
إن العرف ينشأ نتيجة لما جرى عليه الناس في تعامُلهم، وفي معاملاتهم الاقتصاديَّة، أو في أحوالهم الاجتماعيَّة، وعليه فقواعده تُعبِّر عما يرتضيه أفراد المجتمع في تنظيم علاقاتهم فتكون أقرب إلى ملاءمتها للأحوال الاجتماعية مما يُساعد على تَطوُّرها نتيجة لتطور هذه الأحوال، ومن ثَمَّ فهي تعتبر دائمًا مرنة وقابلة للتطور، إلا أن العرف قد يثير كثيرًا من المشاكل، فلما كان عبارة عن قواعد غير مكتوبة، فقد يَصعُب التحقق من مضمون القاعدة، وكذا نشأتها وتاريخ قيامها، وهذا كله لا يضمن استقرار التعامل.
التمييز بين العُرف والعادات والمجاملات:
إن لكل مجتمع قواعد وسلوكًا دَرَج الناس على اتباعها في علاقاتهم وحياتهم اليومية، فهناك قواعد تقضي بها المجاملات؛ كالتهنئة في المناسبات السعيدة، والمواساة في الكوارث، وهناك قواعد اعتاد عليها الأفراد، أو جرت عليها تقاليدهم وعاداتهم في الملبس أو المظهر حسَب الظروف والأحوال، وتختلف العادات والمجاملات عن العرف في وجود الركن المادي فيها دون الركن المعنوي إضافة إلى أن مخالفة العادات والمجاملات لا يستتبعها أكثر من جزاء أدبي، إن العادة لا تطبَّق إلا عند الاتفاق عليها من قِبَل الأفراد وعلى مَن يدَّعي وجودها يقع عبء الإثبات، أما بالنسبة للعُرْف فهو مُلزِم ويُطبَّق، سواء قَبِله الأطراف أم لا دون حاجة لإثباته، وقد تتغيَّر نظرة المجتمع إلى بعض قواعد العادات والمجاملات لتتحوَّل إلى قواعد قانونية؛ كتدخُّل القانون ليَفرِض زيًّا معينًا على الناس، ويعتبر العرف مصدرًا مكمِّلاً للتشريع ولكل مزاياه وعيوبه.
الفرق بين العرف والعادة الاتفاقية:
إن ما يُفرِّق العرفَ عن العادة هو أن العرف يجتمع فيه الركنان المادي والمعنوي بعكس العادة الذي لا يتوقَّع فيها سوى ركن واحد هو الركن المادي، ومن ثَمَّ فالعرف يلتزم به الأفراد حال توفُّر شروط انطباقه كأية قاعدة قانونية، فهو مُلزِم عكس العادة التي ليس لها قوة إلزامية بين الأفراد إلا عند اشتراطها بين الأفراد في بعض التعامل، كالعادة في بعض المحال العامة كالفنادق والمطاعم من دفْع نسبة معينة من قيمة الحساب للقائمين بالخدمة وهو ما يعرف (بالبقشيش).
إن القواعد القانونية الناشئة عن العُرْف قد تكون قواعد آمرة، وقد تكون قواعد مُكمِّلة؛ كاعتبار أثاث المنزل مملوكًا للزوجة بين المسلمين في بعض الدول، ويجوز إبرام تصرُّف يُخالِف حكم القاعدة النظامية المكمِّلة؛ لذا فإن القاعدة القانونية المكمِّلة لا تُلزِم الأطراف المتعاقدة إلا إذا لم يتَّفِقا على ما يُخالف حكمها، بينما العادة الاتفاقية لا تُلزِم الأطراف المتعاقِدة إلا إذا اتَّفقا على الأخذ بها، فإذا وُجِد اتفاق بين الأطراف المتعاقدة على حُكْم مسألة معيَّنة، وجَب الأخذ بهذا الاتفاق، سواء كان هذا الاتفاق صريحًا أو ضمنيًّا، وإذا لم يوجد اتفاق بين أطراف التعاقد فعندئذ لا يؤخذ بالعادة، أما بالنسبة للقاعدة النظامية المكمِّلة فيجب الأخذ بها.
مركز العرف بالنسبة للنظام:
كان العرف في الزمن القديم المصدر الرسمي للقاعدة القانونية، ولكن عندما بدأت المجتمعات تتقدَّم وزاد النشاط الاقتصادي فيها، وتَشابكت الروابط الاجتماعية ظهر النظام كأداة ضرورية لسدِّ حاجة الجماعات إلى القواعد المنظمة واللازمة في هذا الشأن، وبدأت أهمية النظام تزداد رسوخًا حتى أصبح النظام يحتل المرتبةَ الأولى بين مصادر القاعدة القانونية، وأصبح العرف مصدرًا احتياطيًّا يكمِّل ما في النظام من نقص.
إن الوظيفة الرئيسية الحالية للعُرْف هي تكملة النقص الحاصل في النظام، فعند عدم وجود قاعدة نظامية لتطبيقها يتم اللجوء إلى العرف، وهو ما يُعرَف بالعرف المكمِّل للنظام، وقد يَعرِض الشارع لمسألة ما، فيستعين بالنسبة للقاعدة التي يضعها بالعرف لتحقيق أغراض، يكون العرف فيها أكثر ملاءمة على تحقيقها من النظام، وهو ما يُعرف بالعرف المُعاون للنظام.
علاقة العرف بالنظام من حيث القوة ومن حيث الإلغاء:
لقد سبق وأن ذكرنا أن النظام أعلى مرتبة من العُرْف، فهو أقوى من العرف، ولا يتم اللجوء إلى العرف لتطبيقه على مسألة معيَّنة إلا إذا لم يوجد نص نظامي يُطبَّق على هذه المسألة، ومعنى هذا أنه لا يجوز أن يُخالِف العُرف النظام أو يُلغيه، وهناك حالات استثنائية تَنصُّ عليها الأنظمة يؤخذ فيها بالاتفاق إن وُجِد، وإن لم يوجد اتفاق يؤخذ بالقاعدة العرفية إن وجدت رغم وجود القاعدة النظامية المكمِّلة، حتى وإن كانت القاعدة العرفية مخالِفة للقاعدة النظامية، وهذا لا يعني إلغاء القاعدة النظامية، بل استبعاد تطبيقها؛ حيث إن النظام لا يُمكن إلغاؤه إلا بنظام مثله، كما لا يمكن أن يلغي العرفُ النظامَ؛ لأنه أدنى منه درجة، فعدم جواز مخالفة العرف للنظام قاعدة مطلَقة بالنسبة للقواعد النظامية الآمرة، ولا يَرِد عليها استثناء، أما بالنسبة إلى القواعد النظامية المكمِّلة فإنه يجوز للعرف أن يُخالفها؛ وذلك لأن القواعد المكمِّلة بحسب تعريفها مما يجوز الاتفاق على عكسها أو استبعادها .
المطلب الثالث:
السوابق القضائية:
تعريف:
مجموع الأحكام التي تُصدِرها المحاكم للفصل في القضايا المعروضة عليها والقياس عليها لتتوحد الأحكام في الحالات المماثلة.
لقد كان القضاء قديمًا يعتبر مصدرًا رسميًّا من مصادر القاعدة القانونية؛ حتى إنه لا زال يُعتبر كذلك في بعض النُّظم القانونية؛ كالنظام القانوني الإنكليزي، فالمحاكم الإنكليزية تأخذ بالسوابق القضائية، وهي القواعد القانونيَّة المُستخلَصة من الأحكام الصادرة عن المحاكم، والتي يتوجَّب على القضاء احترامها وتطبيقها في المنازعات المعروضة عليهم، وقد أخذ القانون السعودي بالنظام (الإنجلوسكسوني)، ووضَع السوابق القضائية في المرتبة الثالثة بين المصادر الاحتياطية، عِلمًا بأن جوهر السوابق القضائية يقوم على أن المبادئ التي تنتهي إليها المحاكم العليا تُلزِم المحاكم الدنيا.
المطلب الرابع:
مبادئ الحق وقواعد العدالة:
إذا لم يجد القاضي المكلَّف بتطبيق النظام قاعدة تحكم النزاع المعروض أمامه في المصادر السابق ذِكرها، فعليه أن يلجأ إلى مبادئ الحق وقواعد العدالة، إن مبادئ الحق وهي المبادئ التي يهتدي إليها الإنسان عن طريق العقل الذي وهبه إياه الله - سبحانه وتعالى -  فهي موافقة لمصلحة الإنسان، وتتَّفِق مع طبيعته، وهي معروفة لدى الجميع وثابتة، ولا تتغيَّر بتغير الزمان، ويُمثِّل هذا المصدر الاحتياطي المرجع الأخير للقاضي بحثًا عن الحكم، وحيث لا يجوز للقاضي إنكار العدالة بالامتناع عن الفصل في النزاع بحجة عدم وجود نصٍّ نظامي، فلقد عبَّرت النُّظم المختلفة عن فكرة (العدالة) اجتهاد القاضي توصُّلاً لحسم النزاع بطرق مختلفة.
إن المقصود بإحالة القاضي في النظام السعودي لمبادئ الحق والعدالة هو حثه على اجتهاد رأيه استنادًا إلى اعتبارات موضوعية عامة وقواعد كلية مُستهديًا باعتبارات العدالة والتوازن في العلاقات، عِلمًا بأن الإحالة إلى هذه المبادئ لا تمدنا بقواعد نظامية عامة، وإنما الأمر يتمخَّض عن حلول تخص النزاع المعروض على القاضي.
4"4- الأنظمة الأساسية في المملكة:
إن دستور المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يَنطِق عن الهوى، وهما الحاكمان على النظام الأساسي للحكم وجميع أنظمة الدولة؛ (المادة 7 من النظام الأساسي للحكم). 
والنظام الأساسي في الحكم يلي الدستور، وعلى جميع الأنظمة مراعاته بعد الدستور، ومنها: نظام مجلس الشورى، ونظام مجلس الوزراء.
4- النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية:
يُقصَد به مجموعة القواعد التي تُبيِّن شكْل الحكم في المملكة، والسلطات فيها، والعلاقة بينها، وحقوق الأفراد وحرياتهم قبل الدولة التي تلتزم بكفالتها واحترامها ؛ أي: إنه يُحدِّد طبيعة الدولة ومقاصدها ومسؤولياتها، وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
ومن خلال استقراء النظام الأساسي يتَّضِح ما يلي:
أولاً: يسعى إلى تطبيق الشريعة في مختلف نواحي الحياة، وحماية العقيدة والمقدَّسات، وهذا يؤكِّد السِّمة الإسلامية للنظام.
ثانيًا: النهوض بالمجتمع في مختلف المجالات:
ثالثًا: ترسيخ الوَحدة الاجتماعية والجغرافية وتحقيق الأمن والاستقرار للفرد والمُجتمَع.
رابعًا: عدم الجمود، بل سيكون خاضعًا للتقويم والتطوير كلما دعَت الحاجة إلى ذلك، بشرط ألا تتعارَض التعديلات المقترَحة مع الثوابت التي يقوم عليها النظام والمجتمع .
أهمُّ الموضوعات في النظام الأساسي للحكم في المملكة:
1- بيان شكل الحكم في المملكة: مَلَكي، ويكون الحكم في أبناء الملك المؤسِّس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، وأبناء الأبناء، ويُبايَع الأصح منهم للحكم على كتاب الله - تعالى - وسنَّة رسوله، وأن المَلِك يختار وليَّ العهد، ويُحدِّد أعماله، وأن ولي العهد يتولَّى سلطات المَلِك عند وفاته حتى تتمَّ البيعة (م5)، ويُبايِع المواطِنون الملكَ على كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله، وعلى السمع والطاعة في العُسرِ واليسر والمنشَطِ والمكرَه (م 6).
2- أن الأسس التي يقوم عليها الحكم في المملكة العربية السعودية هي العدل، والشورى، والمساواة وَفْق الشريعة الإسلامية (م 8).
3- أن الأسرة هي أساس المجتمع السعودي، ويربَّى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه (م 9).
4- وأن الملكية ورأس المال والعمل مقوِّمات أساسية في الكِيان الاقتصادي والاجتماعي للمملكة، وهي حقوق خاصة تؤدي وظيفة اجتماعية وَفْق الشريعة الإسلامية (م 17)، وأن الدولة تَكفُل حريةَ الملكية الخاصة، وحُرْمتها ولا ينزع من أحد مُلْكه إلا للمصلحة العامَّة على أن يُعوَّض تعويضًا عادلاً، وتُحظَر المُصادَرة العامة للأموال، ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي (18- 19)، وأن للأموال العامة حرمتها، وعلى الدولة حمايتها، وعلى المواطنين والمقيمين المحافظة عليها.
5- أن الدولة تَحمي حقوق الإنسان وَفْق الشريعة، وتكفُل الدولة حق المُواطِن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وتَدعَم الضمان الاجتماعي، وتشجِّع المؤسَّسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية، وتيسِّر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه، وتَسُن الأنظمة التي تحمي العامل، وتوفِّر الدولة التعليمَ العام، وتلتزم بمكافَحة الأمية، وتُعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفِّر الرعاية الصحيَّة لكل مواطن، وتعمَل على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنْع التلوث .
6 - إن السلطات في الدولة هي: السلطة القضائية، السلطة التنفيذية، السلطة التنظيمية ، وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها وَفْقًا للنظام الأساسي وغيره من الأنظمة، والمَلِك مرجع السلطات (م 44).
7- وفي الشؤون المالية: الدولة: لا يَجوز بيع أموال الدولة أو إيجارها أو التصرف فيها إلا بموجب النظام (م 74).
ويُحدِّد النظام السنة المالية للدولة، وتَصدُر الميزانية بموجب مرسوم ملَكي، وتشتمل على تقدير الإيرادات والمصروفات لتلك السنَة، وذلك قبل بَدء السنة المالية بشهر على الأقل (م 76)، وتُعِدُّ الجهة المختصة الحساب الختامي للدولة عن العام المالي المنقضي، وترفعه إلى رئيس مجلس الوزراء (م 77).
8- وفي أجهزة الرقابة، تتمُّ الرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها، والرقابة على كافة أموال الدول المنقولة والثابتة، ويتمُّ التأكُّد من حُسْن استعمال هذه الأموال والمحافظة عليها، ورفْع تقرير سنوي عن ذلك إلى رئيس مجلس الوزراء (م 79).
كما تتمُّ مراقبة الأجهزة الحكومية والتأكد من حُسْن الأداء الإداري، وتطبيق الأنظمة، ويتمُّ التحقيق في المخالفات المالية والإدارية، ويُرفع تقرير سنوي عن ذلك إلى رئيس مجلس الوزراء (م80).
ومن الأحكام العامة الالتزام بالأحكام القطعية الثبوت والدَّلالة من القرآن الكريم وصحيح السنَّة في كافة الأحوال، ولا يجوز تعطيل أي حُكْم من أحكام النظام الأساسي إلا أن يكون ذلك مؤقَّتًا في زمن الحرب أو في أثناء إعلان حالة الطوارئ، وعلى الوجه المبيَّن بالنظام.
- كما لا يَجري تعديل هذا النظام إلا بنفس الطريقة التي تمَّ بها إصداره ، وقد صدر النظام الأساسي بأمر مَلَكي.
4-2- نظام مجلس الشورى:
قام نظام مجلس الشورى على أساس الإسلام بموجَب اسمه ومحتواه واستجابة لقول الله - عز وجل -: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38]، وقوله - جل شأنه -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، واقتداء برسول الله - عليه السلام - في مشاورة أصحابه وحث الأمة على التشاور، ومن لطيف المعاني التكامُل في معنى الأمر في الآيتين الكريمتين الأولى في قول الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]، والثانية في قول الله - عزو جل -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]؛ فالأمر في الأولى هو حقُّ الله في التشريع والتدبير والتصرف والذي لا يجوز أن يُنازِعه فيه أحد من خَلْقه، والأمر في الآية الثانية: مَيدان اجتهاد البشر بمقتضى ما منَحهم الله وأعطاهم وهداهم.
والشورى في الإسلام تعني تبادُل الرأي بين المتشاوِرين من أجل استخلاص الصواب من الرأي، والأنجح من الحلول، والسديد من القرارات.
وهي وسيلة لتحقيق العدل وتنفيذ الشرع، وتحقيق مقاصد الدِّين وإقامة التوازُن بين حقوق الأفراد وحقوق الأمة .
وقد بيَّن النظام الأساسي للحكم دَورَ مجلس الشورى في السلطة التنظيمية في البلاد تاركًا التفاصيل الخاصة بتكوينه واختصاصاته وممارسته لأعماله لنظام المجلس، ولوائحه الداخلية، وقواعده التنظيمية، وما يَصدُر مِن أوامر ملكيَّة لاحقة بخصوص تنظيم وترتيب أعمال وشؤون المجلس.
ويتكوَّن نظام مجلس الشورى من ثلاثين مادة، وقد حدَّدت مواده عدد الأعضاء خلال تمتُّعهم بالعضوية، ومدة العضوية واختصاصات المجلس، وكيفيَّة سير أعماله وتكوين اللجان المتخصِّصة والخاصة، اللازمة لممارسة أعماله، وأكَّد النظام على الأسُس والأهداف التي يقوم عليها المجلس، وفي مُقدَّمتها الاعتصام بحبل الله، والالتزام بمصادر التشريع الإسلامي، والحِفاظ على وَحدة الجماعة وكِيان الدولة ومصالح الأمة .
أما اللوائح الداخلية، فتولَّت - حسَب القواعد النظامية المتَّبَعة - توضيح وتفعيل أسلوب العمل داخل المجلس، وكذلك حقوق وواجبات واختصاصات الأعضاء، فقد تولَّت اللائحة الداخلية للمجلس (34 مادة)، بيان اختصاصات الرئيس ونائبه، والأمين العام، وتشكيل واختصاصات الهيئة العامة للمجلس، وكيفية المداولات والتصويت واتخاذ القرارات، وتشكيل اللجان الخاصة والمُتخصِّصة.
وتولَّت لائحة حقوق أعضاء المجلس وواجباتهم (6 مواد) تحديد بَدء وانتهاء مدة العضوية والمكافآت والإجازات والمميزات التي يتمتع بها العضو خلال فترة العُضويَّة، وكذلك الواجبات المترتِّبة عليه، وبيَّنت قواعد التحقيق والمُحاكَمة (5 مواد) وبين الإجراءات الواجب اتِّباعها في حالة إخلال العضو بواجبات عمله، وتناولت قواعد تنظيم الشؤون المالية والوظيفيَّة للمجلس (10مواد) شرْح التنظيم المالي والإداري للمجلس .
ويُمكن تعريف الشورى المطبَّقة والممارسة في المَجلِس بأنها "إصدار قرار في موضوع معيَّن بعد تبادُل الآراء والمُداوَلة والاستماع إلى وجهات النظر من أعضاء المَجلِس بما يتلاءم مع أصول الشريعة ولا يُعارِضها" ، وسنعرِض لتشكيل المجلس ودَوره التنظيمي والرقابي لتشكيل المجلس:
بيَّن النظام واللائحة الداخلية كيفيَّةَ تشكيل المَجلس، وعدد أعضائه، وشروط العضوية، ومدة وطريقة تكوين المَجلِس.
بموجب أحكام النظام يتكوَّن المجلس من رئيس وستين عضوًا، يتولى الملك اختيارهم من أهل الخبرة والاختصاص ، وقد عمل المجلس بهذه التشكيلة خلال دورته الأولى التي استمرَّت أربع سنوات (1414هـ - 1418هـ) (1994 م - 1997م) تَبيَّن من خلال الممارسة الحاجة إلى زيادة عدد أعضائه لمواجَهة حجم العمل والمسؤولية المُلقاة على عاتق أعضائه، وبناء على تلك المعطيات، صدر أمر مَلَكي بتعديل نصِّ المادة الثالثة من نظام المجلس؛ بحيث يتكون المجلس من رئيس وتسعين عضوًا بدلاً من رئيس وستين عضوًا، كما كان معمولاً به ، وطِبقًا للنظام يتم تعيين الرئيس ونائبه والأمين العام والأعضاء بأوامر ملَكيَّة .
ويتَّضِح من تشكيلة المجلس خلال دوراته تنوُّع الخبرات والمؤهِّلات العِلمية والعملية للأعضاء فحسب السيرة الذاتية للأعضاء، ويُلاحَظ أن الاختيار جاء من بين الأوساط العلمية، خصوصًا الجامعات السعودية، وكبار موظفي الدولة، والمُتقاعِدين العسكريين والدبلوماسيِّين ورجال الأعمال، وقد ساعدت هذه التشكيلة المتنوِّعة على قيام المجلس بواجباته ومسؤولياته التي حدَّدها نظام ولوائح المجلس.
وقال رئيس المجلس د. صالح بن حميد: "إن التشكيل النوعي لأعضاء المجلس الغني بكافة التخصُّصات الثرية لمناقشة المواضيع المطروحة، ذات مِهْنية عالية بمِنهاج معيَّن، ينضج الموضوع المدروس، دراسة تتَّسِم بالأسلوب العلمي الجيد، وتُناقَش بحيادية تامة، إن الاختيار يُبرِّر عدة أبعاد:
- البعد العِلمي الثقافي: إذ يَحكم المجلس مجموعة من المؤهَّلين علميًّا في مجالات مختلفة، وتخصُّصات متعددة، حصلوا عليها من مختلف دول العالم، وبالتالي فهم يُسهِمون ويثرون كل نقاش يدور داخل المجلس ولجانه.
- البعد الاجتماعي: فقد رُوعي في عملية اختيار الأعضاء أن يكونوا من وسط اجتماعي جيد قادرٍ على التفاعل مع قضايا مجتمِعه، ويملِك الوعي الكافي الذي يؤهِّله لأن ينقُل هذا الحِسَّ الاجتماعي ليكون عضوًا فاعلاً.
- البعد المِهَني: بإضافة إلى البعد العلمي والثقافي - وهو مِهني - فثمَّة بُعدٌ مِهنيٌّ آخَر، يتمثَّل فيما يزخر به القطاع الخاص بكل خبراته ومناشطِه، ففي المجلس مجموعة مِن منسوبي هذا القطاع من رجال أعمال، وأرباب مِهَنٍ.
- البُعد الجغرافي: إذ يُمثِّل أعضاء المجلس مناطق المملكة، ومحافظاتها، ومدنها، مما يُعطي دراية تامَّة بالخلفيات والمُتطلبات التي تُمثِّل أبرز الاهتمامات التي تُغطي احتياجات المواطن في أرجاء البلاد كافة، إن المستوى التعليمي الذي يتمتَّع به الأعضاء بلغت النظر، فمنهم 64% يحملون مؤهل الدكتوراه، 14% ماجستير، 21% بكالوريوس، منهم 80% من حملة الدكتوراه والماجستير من جامعات غربية والبقية من السعودية ومصر.
إن الدولة اختارت صَفوةً مِن رجالها، ونُخبةً من أبنائها، ليحتلوا مواقعهم ومقاعدهم في مجلس الشورى، وتحت قبة صانعة القرارات.
إن المُراقِب والمُحلِّل لعملية التعيين والاختيار لأعضاء المجلس، يُدرِك أن مجموعة المَجلس قد اختيرت بدقَّة وعناية؛ فهم صفوة من الرجال، كما أن لهذه الخلفيات مِن الثراء العلمي والخبرة العملية، والتنوُّع المميَّز في الاهتمامات والمُتابَعات ما يرسِّخ المشاركة في إبداء الرأي، وصُنْع القرار، ويرسِّخ كذلك الشرعية والهُويَّة الوطنية، والاستقرار الدستوري .