إعداد الطالب : راجح ضيف الله العتيبي
إشراف الدكتور: عبد الرحمن عسيري
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
من الملاحظ أن هناك تعددا في الاتجاهات التي تتناول الأنثروبولوجيا، وتزايد ما يكتب عن هذا العلم خاصة في العقود الأخيرة، مما يدل على حداثته، وأنه ما زال يصنع تاريخه ( فهيم، ١٩٨٦، ص٧ )، وتعتبر الأنثروبولوجيا من أحدث الدراسات في العلوم الإنسانية إذ لم تتجاوز القرن الأول أو يزيد قليلا من عمرها الأكاديمي إذا وضعنا في الاعتبار أن العالم راوخ كان أول من استخدم مصطلح أنثروبولوجيا عام ١٨٤١م بمفهوم يختلف عن مفاهيمه السابقة التي كانت تتضمن معنى فلسفيا يتصل بدراسة النفس ثم اقتصر على دراسة السلالات ( اسماعيل، ٢٠٠٢، ص٩). ومن خلال هذه الرؤية الموجزة سوف أحاول أن أسلط الضوء على مفهوم المنهج الأنثروبولوجي واستخداماته وأدواته (الملاحظة والمقابلة) وذلك من خلال البحث في المراجع العلمية المختصة بالبحث العلمي والتي تبحث في الأنثروبولوجيا .
مفهوم المنهج الأنثروبولوجي:
يعتبر المنهج هو الطريقة التي يتبعها الباحث في دراسته للمشكلة أو الظاهرة لاكتشاف الحقيقة وللإجابة على الأسئلة والاستفسارات التي يثيرها البحث وهو البرنامج الذي يحدد لنا السبيل للوصول إلى تلك الحقائق وطرق اكتشافها ( شفيق، ٢٠٠٩، ص٨٥ )، و أما الدراسات الاجتماعية فهي العلوم التي تهتم بدراسة الإنسان و علاقته بالبيئة المحيطة به وتأثيره فيها وتأثره بها، كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم التاريخ. ويعد مفهوم المنهج الانثروبولوجي في الدراسات الاجتماعية هو ” منهج وصف الواقع كما هو تماما، واستنتاج الدلالات والبراهين من وقائع مشاهدة “ (العساف، ٢٠١٠، ص٢٠١ ).
ويعرف المنهج الانثروبولوجي بشكل عام على أنه علم الإنسان وهو العلم الذي يسعى لدراسة مجرى التطور الإنساني من الناحيتين البيولوجية والثقافية والقوانين والمبادئ التي تحكم هذا التطور والارتباطات التي بين الجوانب الطبيعية المختلفة للإنسان وبين عادات الشعوب في الماضي والحاضر والانماط التي تميز مجتمعات معينة دون غيرها.
وبحسب المدرسة الانجليزية تنقسم الانثروبولجيا إلى : طبيعية وثقافية واجتماعية. وبحسب المدرسة الأمريكية فتقسم إلى : طبيعية وثقافية (فهيم، ١٩٨٦، ص١٤ ).
أما التعريف العلمي للمنهج الأنثروبولوجي فيعرف بأنه، هو منهج شامل لدراسة الإنسان ولا يكتفي بدراسة ناحية واحدة أو مظهر واحد من مظاهر حياته المعقدة أو يقصر اهتمامه على دراسة تكوينه الفيزيقي فقط وإنما يحيط بكل خصائصه ومقوماته البيولوجية والاجتماعية والثقافية سواء في الماضي البعيد أو الماضي القريب أو الحاضر.
وأما تعريفه في الدراسات الاجتماعية، فهو جزء من المنهج الكيفي ويعتمد على المعايشة والملاحظة وتكون المعايشة فيه بشكل فعلي ضمن مجتمع الدراسة وهو يستند على تحليل وتفسير الظاهرة أو المشكلة موضع الدراسة، وكذلك هو دراسة السلوك الذي يتخذ نظم اجتماعية كالعائلة ونسق القرابة والعادات الدينية والأعراف وغيرها داخل المجتمع محل الدراس ( لطفي، ١٩8٤، ص٤٩ )
ولفظة أنثروبولوجيا Anthropology، هي كلمة إنجليزية مشتقّة من الأصل اليوناني المكوّن من مقطعين : أنثروبوسAnthropos ، ومعناه " الإنسان " و لوجوس Locos، ومعناه " علم ". وبذلك يصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيث اللفظ " علم الإنسان " أي: العلم الذي يدرس الإنسان. و تعرّف الأنثروبولوجيا، بأنّها : العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية في ظلّ ثقافة معيّنة .. ويقوم بأعمال متعدّدة، ويسلك سلوكاً محدّداً؛ وهو أيضاً العلم الذي يدرس الحياة البدائية، والحياة الحديثة المعاصرة، ويحاول التنبّؤ بمستقبل الإنسان معتمداً على تطوّره عبر التاريخ الإنساني الطويل.. ولذا يعتبر علم دراسة الإنسان (الأنثروبولوجيا) علماً متطوّراً، يدرس الإنسان وسلوكه وأعماله .
إذن هو يعنى بوصف الخصائص الإنسانية البيولوجية والثقافية للجنس البشري عبر الأزمان وفي سائر الاماكن وتحليل الصفات البيولوجية و الثقافية والأنساق المترابطة والمتغيرة وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطورة ووصف وتحليل النظم الاجتماعية للإنسان.
استخدامات المنهج الأنثبولوجي:
إن من سمات هذا المنهج قدرته على الولوج داخل المجتمعات ودراسة بعض الظواهر الإنسانية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية بها، وذلك لتوفر بعض الأدوات المساندة للباحث، وكذلك عن طريق المناهج الفرعية المنبثقة منه كالمنهج الحقلي على سبيل المثال، وباستطاعة الباحث الأنثروبولوجي متى ما توفرت لديه الخصائص والأدوات البحثية والمعطيات التي تجعله قادرا على الوصول بدراسته الأنثروبولوجية بر الأمان، أن يحقق نتائجا موضوعية وجديرة بالاطلاع العلمي، وحتى في أصعب المجتمعات التي يقصد دراستها، شريطة أن يلتزم بالمنهج العلمي والأخلاقيات المهنية، وأن يختار الأسلوب الصحيح، وكذلك فإن الباحث كلما كان ملما ببعض الجوانب الخاصة بالمجتمع الذي يريد دراسته كان الأمر بالنسبة له أكثر مرونة وسهولة، بعكس تلك المجتمعات التي يجهلها آو تتسم ببعض الغموض بالنسبة له، ولا يعلم عنها إلا القليل، ومن الأساليب الشهيرة والأساسية التي يعتمد عليها الباحث الأنثروبولوجي المعايشة الفعلية داخل المجتمع المراد دراسته – الملاحظة بالمشاركة -.
استخدام المنهج الأنثربولوجي في الدراسة الميدانية :
يسمى هذا النوع من الدراسات في علم الأنثروبولوجيا بـ"الدراسات الحقلية" , وهي تعد من الخصائص المميزة للأنثروبولوجيا الثقافية ؛ وذلك أنها تعتمد على هذه الدراسات الحقلية بشكل كبير , والتي تهدف إلى رؤية الثقافة المحلية أو الثقافات الأخرى عن قرب , فهي بمثابة التجربة العملية التي تقابل المعمَل بالنسبة للباحث في العلوم الطبيعية , فهناك أساليب للبحث الميداني تمكن الباحث من الحصول على المادة المنشودة , والتي ستكون وثيقة الصلة بالسمات والمكونات الثقافية للمجتمع المراد دراسته , ومن خلال هذه المعلومات يتمكن الباحث من تحليل المجتمع و وصفه بشكل دقيق .
حيث يذهب الأنثروبولوجي لكي يقوم بعمله إلى موطن الشعب الذي اختاره موضوعاً للدراسة، فيستمع إلى أحاديثهم ويزور بيوتهم ..ويلاحظ سلوكهم العادي .. ويسألهم عن تقاليدهم، ويتآلف مع طريقة حياتهم حتى تصبح لديه فكرة شاملة عن ثقافتهم، أو يحلّل جانباً خاصاً من جوانبها. فالباحث الأنثروبولوجي في عمله هذا، يجمع المعلومات، ويحلّلها ويربطها بمعلومات أخرى، عندما يرجع من الميدان , ويخرج منها بنتائج محددة .
أدوات المنهج الأنثروبولوجي:
لقد أقرّ علماء الأنثروبولوجيا بعض الطرائق الميدانية التي يمكن اعتبارها أدوات عمل فاعلة في العمل الميداني، ومنها :
1- طريقة الملاحظة المباشرة :
هي أحد الأساليب التي يستخدمها الباحث المقيم، في دراسة الشعوب البدائية. ويقوم هذا الأسلوب على مراقبة أو معاينة ومقابلة أفراد الشعب الذي تجري عليه الدراسة، في أثناء تأدية أعمالهم اليوميّة المعتادة. وكذلك حضور المناسبات العامة التي يقيمها أبناء هذا الشعب.. ورصد الحركات والتصرّفات، وتسجيل ما يجدر تسجيله من حوارات ونحوها، وما إلى ذلك من التعبيرات التي يبديها الأفراد في هذه المناسبات .
وهذا يقتضي من الباحث الأنثروبولوجي أن يقيم فترة لا تقلّ عن (7-8) أشهر، في المجتمع المدروس، وتفهّم ما يدور فيه. فالباحث المحترف لا بدّ وأن يغرق نفسه في حياة الناس، وذلك ؛ لأنّ البحث لا يتمّ إلاّ بالإقامة الطويلة لشهور عديدة في المجتمع المحلّي. كما يفضل أن يحسن الباحث لغة التخاطب بلغة الأهالي، حتى وإن كان السلوك الذي يشاهده غير لفظي. والإقامة في مجتمع البحث، تعني ملاحظة دقائق الحياة اليوميّة كما تجري بين الناس.(فتحية إبراهيم ، وآخر، 1988م، ص 185)
2- المـقـابلـة :
إن الدافع لاستخدام المقابلة, أثناء إجراء البحث الأنثروبولوجي الميداني, هو السعي لمعرفة وجهة نظر أفراد مجتمع الدراسة, وأسلوبهم المتميز في النظر للأشياء والكائنات, ولن يتأتى هذا إلا باستخدام طريقة الحوار, والمقابلة كما نعلم نوعان : مقابلة موجهة ومقابلة غير موجهة, وينصح المختصين في مجال الأنثروبولوجيا باعتماد النوع الثاني من المقابلة , وذلك لأنه يعطي الحرية الكاملة والارتياح النفسي للشخص الذي تجرى معه المقابلة ( المبحوث ) للإدلاء بآرائه حول الموضوعات المستفسر عنها.
وخلال المقابلة يتلخص موقف الباحث في أن يكون مستمعا وملاحظا جيدا, فهو يستمع لكل كلمة تقال وفي الوقت نفسه يلاحظ كل الإيماءات والايعازات وحركات الأيدي وباقي أعضاء الجسم خلال الحديث, والاستماع يعني ألا يوجه الباحث أفكار الإخباري بل يساعده فقط على أن يعبر عنها بالصورة التي تفيد الدراسة, فينتبه جيدا إلى ما يقول, وعندما يتوقف يساعده على الاسترسال بإعادة آخر جملة ذكرها في صيغة سؤال, أو إثارة سؤال حول آخر ملاحظة أبداها, أو الربط بين الملاحظة الأخيرة وملاحظة واقعة أخرى سابقة, أو إدخال عنصر جديد في المناقشة ليكون نقطة انطلاق جديدة لمزيد من الأسئلة, وفي كل هذه الحالات ينبغي أن تظل المناقشة تحت سيطرة الباحث دون أن يشعر الإخباري بذلك.(محجوب، 2005م، 55).
والمقابلة نوعان:
أ- المقابلة الموجهة :
هي عكس المقابلة الحرة, ففي هذه الحالة يقوم الباحث بإعداد استمارة تحتوي على مجموعة من الأسئلة توضع غالبا بدقة محكمة ومضبوطة, حول الموضوع أو الظاهرة التي نريد دراستها, وبعد ملأ الاستمارات من طرف أفراد العينة المحددة, يسترجعها الباحث, ليقوم بتفريغها, وقليلا ما تستخدم المقابلة الموجهة في الدراسات الأنثروبولوجية , إلا إذا أجري البحث الأنثروبولوجي في مجتمع متطور أو متمدن, خصوصا وأن الأنثروبولوجيا في وقتنا الحالي صار مجال اهتمامها أيضا المجتمعات الصناعية أو المجتمعات الحضرية, وسيظل استخدام المقابلة الموجهة, أو إعداد استمارة أثناء دراسة مجتمعات بدائية, أو قروية غير مجدي, لأن ذلك يكون مثار شكوك وقلق من طرف الأهالي تجاه الباحث الذي ينظر إليه على أنه غريب, وبالتالي فالأنسب في مثل هذه المجتمعات هو الاعتماد على المقابلة غير الموجهة .
ب- المقابلة غير الموجهة :
المقصود بالمقابلة غير الموجهة, أو المقابلة الحرة, هي أن يعمد الباحث للاتصال بأفراد, غالبا ما يتمتعون بشأن ومكانة داخل الجماعة, حيث يمتلكون رصيدا هائلا من الأخبار و المعلومات سيما ما تعلق منها بالبناء الثقافي, والبناء الاجتماعي للمجتمع, ويقوم الباحث بتوجيه أسئلة منوعة لهؤلاء الإخباريين ويترك لهم حرية الإجابة, فيسترسلون في الكلام, وعلى الباحث أن لا يقوم بتوجيه إجاباتهم وجهة معينة وفي هذه الحالة على الباحث أن يقوم بتسجيل جملة الإجابات . (محجوب، 2005م، 56).
خاتمة:
إن المنهج الأنثروبولوجي متى ما تم استخدام أدواته بالشكل الصحيح فسوف يؤدي بطبيعة الحال لنتائج تستحق الإشادة العلمية، وهذا المنهج كسائر المناهج العلمية، لديه مفاتيح – أدوات – ومن أهم أدوات هذا المنهج هي الدخول في المجتمع المراد دراسته ومشاركته العيش كجزء من أفراده المكونين له، ومن ثم يشرع الباحث الأنثروبولوجي باستخدام بعض الأدوات ومنها: الملاحظة بالمشاركة . والمقابلة بنوعيها. و تاريخ الحياة، و دراسة الحالة، واستخدام التقنية الحديثة، وغيرها من الوسائل التي تحقق الهدف المنشود وبإمكانية الباحث المزج بين بعض هذه الأدوات أو الاستعانة بأحدها بشكل منفرد حسب احتياج الدراسة وطبيعة المجتمع بها.
المراجع:
1. إبراهيم ، فتحية محمد وآخر (1988م) مدخل إلى مناهج البحث في علم الإنسان ” الأنثروبولوجيا ” , دار المريخ, الرياض.
2. إسماعيل، زكي محمد (2002م) الأنثروبولوجيا والفكر الإسلامي، دار الزهراء، الرياض.
3. محجوب، محمد عبده (2005) طرق ومناهج البحث السوسيوأنثربولوجي , دار المعرفة الجامعية, الإسكندرية.
4. شفيق، محمد (2003م) البحث العلمي، المكتب الجامعي الحديث، القاهرة.
5. العساف ،حمد بن صالح (2010م) المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية، مكتبة العبيكان، الرياض.
6. فهيم، حسين (1986م) قصة الأنثروبولوجيا فصول في تاريخ علم الإنسان، عالم المعرفة، الكويت.
7. لطفي، عبد الحميد (1984) الأنثروبولوجيا الاجتماعية، دار المعارف، القاهرة.
8. محجوب، محمد عبده (2005) طرق ومناهج البحث السوسيوأنثربولوجي , دار المعرفة الجامعية, الإسكندرية.