مداخلة حول إدارة المخاطر المالية وأثرها على اقتصاديات دول العالم Managing financial risks and their impact on the economies of countries around the world

Managing financial risks and their impact on the economies of countries around the world

مداخلة مقدمة لفعاليات الملتقى الدولي الأول حول:

 إدارة المخاطر المالية وأثرها على اقتصاديات دول العالم

في جامعة آكلي امحند أولحاج بالبويرة

أيام: 26-27/11/2013م

بعنوان:مدخل استراتيجي لإدارة المخاطر المالية

المحور الأول: التأصيل النظري لإدارة المخاطر، المفاهيم والأساليب الأساسية.

من إعداد:

أ‌. عبد القادر شلالي، جامعة آكلي امحند أولحاج بالبويرة.

أ‌. علال قاشي، جامعة سعد دحلب بالبليدة.  

ملخص:

          يمتاز القرن الواحد و العشرون بكثرة المتغيرات التي تواجهها المؤسسة، لهذا تعتمد إدارتها على منهجية الإدارة المتغيرة التي تعطي الأولوية للفكر الاستراتيجي في مواكبة هذه المتغيرات البيئية، لهذا أدرجنا هذه المداخلة إيمانا منا بالدور المنوط باستراتيجية إدارة المخاطر في حماية و وقاية موارد المؤسسة من كل خطر قد يهددها، و أن نجاح استراتيجية إدارة المخاطر في المؤسسة سينعكس إيجابيا على أدائها، ثم سينعكس إيجابيا على أداء الاقتصاد الوطني ككل، باعتبار إدارة المخاطر نظام فرعي لنظام أشمل هو المؤسسة التي توجد فيها، و المؤسسة نظام فرعي لنظام أشمل هو الاقتصاد الوطني الذي تنشط فيه، ففعالية النظام الأشمل تعتمد على فعالية الأنظمة الفرعية التي تكونه.

و عليه، فقد أصبحت إدارة المخاطر أداة قياسية لكل مدير مؤسسة أو كل مسئول واعي، و قلة المخاطر في المجتمع هي معيار من معايير التقدم.

الكلمات الدالة: إدارة المخاطر، استراتيجية المؤسسة، الفعالية و الكفاءة. 

 

Summary:

       The twenty-first century, known by many variables faced by the enterprise, for this her administration adopt the changing management methodology, which gives priority to strategic thinking to convoy these environmental variables. For this we have included this intervention our belief in the role committed to the strategy of risk management, in the protection and prevention of enterprise resources from each risk may Threatened, and the success of risk management strategy in the enterprise will be positively reflected on her performance, then positively reflect on the performance of national economy as a whole. Insomuch as the risk management system sub-system in the most comprehensive system, it is the enterprise which exist in it, and the enterprise system sub-system in the most comprehensive system, it is the national economy which active in it. 

The effectiveness of the most comprehensive system depends on the effectiveness of the sub-systems which make it.

And therefore, risk management has become a standard tool for each director of enterprise or conscious responsible, and the risks fewness in the community are criterion of progress.

  

Key words: risk management, corporate strategy, effectiveness and efficiency.

مقدمة:

   إن تاريخ البشرية بأكمله تاريخ تعرض للمحن، والظروف المعاكسة، والمخاطر، والجهود المبذولة للتعامل مع هذه المخاطر، فلا يعد ضربا من المبالغة إذا قلنا أن أقدم مهنة كانت إدارة المخاطر.

   ويقصد بإدارة المخاطر وضع سياسات مثلى ذات أهداف محددة للتوصل إلى وسائل للتحكم في الخطر، والحد من تكرار تحقق حوادثه، والتقليل من حجم الخسائر التي تترتب على ذلك، مما يترتب عليه تخفيض درجة الخطر بأقل تكاليف ممكنة.

   ويخضع مجال إدارة المخاطر لتغيرات كبيرة، فبشكل تقليدي، كانت إدارة الخطر مقصورة فقط على مجال حالات التعرض للخسارة البحتة، والتي تتضمن أخطار الممتلكات، أخطار المسؤولية، والأخطار الشخصية.

   ومع مع ظهور مفهوم العولمة، وضمن الواقع الحالي للسوق، الذي يتميز بتقلّب الأسعار، واضطراب الأسواق المالية، وحدوث الأزمة المالية، والانخفاض الكبير في أسعار البترول، بدأت العديد من شركات الأعمال بتوسيع برامج، ومجال إدارة المخاطر لتشمل أخطار المضاربة المالية، وهذا ما أدى إلى ظهور مفهوم إدارة المخاطر المالية، حيث أن القيام بإدارة المخاطر المالية أصبح ضرورياً لاستمرار الشركة في ظل المنافسة، والتغيرات العالمية المعاصرة.

 ومن هنا نطح الإشكالية التالية:

  - ما مفهوم إدارة المخاطر المالية؟ و ما هي طرائق إدارة المخاطر المالية؟ و هل من الضروري وجود استراتيجية لإدارة المخاطر بالموازاة مع استراتيجية المشروع الذي ستنفذه المؤسسة؟

   و للإجابة على هذا السؤال اقتضت المنهجية المستخدمة للبحث إدراج الفقرات التالية:

المبحث الأول: مفهوم إدارة المخاطر المالية

        المطلب الأول: تعريف إدارة المخاطر المالية وأهدافها

        المطلب الثاني: مراحل إدارة المخاطر المالية

المبحث الثاني: سبل إدارة المخاطر المالية

        المطلب الأول: التأمين وإدارة التوازن بين الأصول والخصوم

        المطلب الثاني: التغطية

المبحث الثالث: البعد الاستراتيجي لإدارة المخاطر في المؤسسة

        المطلب الأول: تعريف استراتيجية إدارة المخاطر

        المطلب الثاني: المفاتيح الاستراتيجية لإدارة المخاطر الفعالة

المبحث الأول: مفهوم إدارة المخاطر المالية The concept of financial risk management

   تقتضي دراسة إدارة المخاطر المالية التطرق إلى أهم تعار يفها، وأهدافها وهذا ما ستبينه الفقرات المدرجة في المطلب الأول، و كذا مراحلها وهذا ما ستبينه الفقرات المدرجة في المطلب الثاني. 

المطلب الأول: تعريف إدارة المخاطر و أهدافها

    إن الخطر بمفهومه الشائع هو ما يمكن أن يتسبب في ضرر أو أذى لحياة الإنسان المادية أو المعنوية كممتلكاته، والبيئة المحيطة به، وماله، ووقته، وسمعته، وحتى علاقاته الاجتماعية، فهل هذا المفهوم ينطبق على المؤسسات؟

الفرع الأول: تعريف إدارة المخاطر المالية:

    حيث يرىWilliams Smith & Young  بأن إدارة المخاطر المالية تتضمن القيام بالأنشطة الخاصة بتحديد المخاطر التي تتعرض لها المنشأة، وقياسها، والتعامل مع مسبباتها، والآثار المترتبة عليها. وأن الغرض الرئيسي لإدارة المخاطر المالية يتمثل في تمكين المنشأة من التطور وتحقيق أهدافها بشكل أكثر فعالية وكفاءة. 

    ويرىCummins,J.D  أن مفهوم إدارة المخاطر المالية يشير إلى تلك القرارات التي تستهدف تغيير شكل العلاقة الخاصة بالعائد والخطر المرتبطين بالتدفقات النقدية المستقبلية . 

    ويشير Penny  إلى أن إدارة المخاطر المالية أصبحت تمثل مجالاً متخصصاً يتضمن المقاييس والإجراءات التي تربط بين كل من العائد والخطر المرتبط به . ويؤكد أن الخطر في حد ذاته لا يمكن تخفيضه بالعمليات الحسابية ، وأن المعلومات وبعد النظر تمثل عناصر جوهرية ذات أهمية بالغة في عملية إدارة المخاطر المالية .  ويعرفPenny  إدارة المخاطر المالية على أنها استخدام أساليب التحليل المالي وكذلك الأدوات المالية المختلفة من أجل السيطرة على مخاطر معينة وتدنيه آثارها غير المرغوبة على المنشأة. ويرى أنه يمكن تسمية هذه العملية إدارة الخسائر المحتملة.

   ويؤكد Stewart أن إدارة المخاطر المالية لا تعني التخلص منه؛ لأن التخلص من الخطر يعني التخلص من العائد المتوقع. أما إدارة المخاطر المالية، فإنها تعنى استخدام الأدوات المناسبة لتدنيه الخسائر المحتملة، وهي تستهدف تعظيم القيمة السوقية للعوائد المتوقعة في ضوء درجة المخاطر التي يمكن تحملها، أو المصاحبة لهذه العوائد المتوقعة. وبمراجعة المفاهيم والتعريفات السابقة، نستخلص أن مصطلح "إدارة المخاطر المالية"، يتضمن كل الأنشطة التي تحاول تغيير شكل العلاقة بين العائد المتوقع، ودرجة المخاطرة المرتبطة بتحقيق هذا العائد المتوقع، وذلك بهدف تعظيم قيمة الأصل الذي يتولد عنه هذا العائد . كما أن مصطلح إدارة المخاطر المالية يعنى بالتعرف على أخطار المضاربة المالية، وتحليلها، ومعالجتها، وتتضمن هذه الأخطار: خطر سعر السلعة، خطر معدل الفائدة، خطر سعر تبادل السلعة . 

الفرع الثاني: أهداف إدارة المخاطر المالية Objectives of financial risk management

   إدارة المخاطر المالية لها أهداف مهمة، يمكن تصنيفها إلى أهداف تسبق الخسارة، أو أهداف تلي الخسارة كما يلي:

أولا- أهداف تسبق الخسارة

     تتضمن الأهداف المهمة التي تسبق الخسارة: هدف الاقتصاد، ويعد أول الأهداف، هنا يكون الهدف هو خفض تكلفة التعامل إلى أدنى مستوى ممكن، وغني عن الذكر أن الاقتصاد يتم تحقيقه على حساب التحوط الكافي من وقوع خسائر يحتمل أن يكون لها آثار كارثية، ورغم أن Mehr and Hedges يصنفان الاقتصاد على أنه هدف سابق للخسارة، فإن هناك حالات يمكن أن يكون فيها الاقتصاد هدفا لاحق للخسارة، ويتم تنفيذ الكثير من تدابير خفض الخسارة بعد وقوعها، والقرارات التي يتم اتخاذها في هذا الوقت، يمكن أن يكون لها تأثيرا على التكلفة النهائية للخسارة، وعلى تكلفة التعامل مع المخاطرة. والهدف الثاني هو تقليل القلق، ويقصد به تقليل التوتر، والقلق، وراحة البال، التي تأتي من معرفة أن تدابير مناسبة قد تم اتخاذها للتصدي للظروف المعاكسة، وعندما يظل تعرض كارثي دون حماية، فإن عدم التأكد، والقلق يبقى قائما.

ثانيا- أهداف تلي الخسارة

     تتضمن الأهداف المهمة التي تلي الخسارة: هدف استمرارية النمو، فالنمو هدف تنظيمي هام، فالوقاية من التهديدات التي تواجهه أحد أهداف إدارة المخاطر، واستراتيجيات هذه الأخيرة، يمكن أن تسهل استمرارية النمو في حالة حدوث خسارة كان من الممكن أن تهدد  ذلك النمو. وهدف استقرار الأرباح أو المكاسب، حيث ينبع هذا الهدف من التأثير الذي يمكن أن تحدثه التغيرات الواسعة في المكاسب، حيث يفضل المساهمون الأرباح المستقرة عن المكاسب التي تتقلب بشكل واسع، ولأن المستثمرين يفضلون عموما التدفق المستمر للدخل، فإن إدارة المخاطر يمكن أن تسهم بخفض التباينات في الدخل، التي تنتج من الخسائر، فإن خفض التباين في الدخل يمكن أيضا أن يساعد في تعظيم الاقتطاعات الضريبية عن الخسائر، وتقليل الضرائب .

أما الهدف الأخير فهو المسؤولية الاجتماعية، حيث يقلل هذا الهدف من التأثيرات التي سوف تحدثها الخسارة على الأشخاص، فتدابير منع الخسارة تعتبر جزءا لا يتجزأ من عملية إدارة المخاطر، لأنه عندما تشهر الشركة إفلاسها يتضرر الموظفون، والملاك، أما عندما تحمي استراتيجيات إدارة المخاطر المناسبة الشركة من تكبد خسائر فادحة، يتم تفادي الإفلاس وتداعياته.

المطلب الثاني: مراحل إدارة المخاطر المالية Stages of financial risk management

      من الممكن القول بأن هناك ثلاث مراحل رئيسة لإدارة المخاطر المالية، وهي الوقوف على طبيعة المخاطر، وقياس حجم تلك المخاطر، ثم البحث عن سبل التعامل مع المخاطر. وسيتم التطرق خلال هذا المطلب إلى المرحلة الأولى والثانية، أما المرحلة الثالثة أي طرائق إدارة المخاطر المالية، ستكون الضيف الوحيد في المبحث الثاني.

الفرع الأول: الوقوف على طبيعة المخاطر

      تمثل القوائم المالية وملحقاتها، مصدرا خصبا للمعلومات عن طبيعة المخاطر، فخطاب مجلس الإدارة إلى المساهمين عن أبرز المتغيرات، هو مصدر ثري لتلك المعلومات. وهناك كذلك قائمة الدخل التي تعطي معلومات عن تطور المبيعات والتكاليف المرتبطة بها، وكذا مكونات الربحية. وتتسم القوائم المالية ربع السنوية بالفاعلية، إذ تسهم في الكشف المبكر للمخاطر. فالتغير في حجم المبيعات، ومعدل دوران المخزون الذي تمثل المبيعات أحد مكوناته، يزودان الإدارة بمؤشرات عن سوق منتجاتها. فالاتجاه العكسي لتلك المؤشرات قد يحمل في طياته وجود تغير أو منافسة سعرية، أو يكشف عن انخفاض في جودة المنتج. كما يكشف هامش مجمل الربح، واتجاه حركة المصروفات عنما إذا كان هناك تغير في الأسعار. 

    كما يمكن الكشف عن مدى احتمال التعرض لمخاطر سعر الصرف، وذلك بتحليل المبيعات والمشتريات إلى محلية  تصديرية أو استيرادية، و معرفة العمولات وحصة كل عملة. كما يمكن الكشف عن مدى التعرض لمخاطر سعر الفائدة وذلك من واقع قائمة الدخل، ويكون ذلك بحساب معدل تغطية الفوائد من ربح العمليات، وإن كان من الضروري الاعتماد أيضا على قائمة التدفق النقدي التي تكشف على السيولة. فالأرباح هي نتيجة لقيود دفترية، ومن ثمة ينبغي الوقوف على مدى كون تلك الأرباح محملة بتدفقات نقدية، وذلك طالما أن الفوائد تدفع من التدفقات النقدية، وليس من الأرباح الدفترية . كما تكشف قائمة الدخل بمدى جودة الأرباح المتولدة، ومن المؤكد أن لذلك أهمية، إذ يزودنا بمؤشرات عن مدى إمكانية استيعاب المنشأة للارتفاع في أسعار الفائدة. وإذا كان لقائمة الدخل كل هذه المساهمات، فإن ذلك يرجع إلى كونها تزودنا بمؤشرات الأداء منذ بداية السنة حتى نهايتها، بما أن الأرقام التي تتضمنها تتسم بالحركة. ومن المؤكد أن الوقوف على طبيعة المخاطر وحجمها له فوائده، فهو ينير الطريق أمامنا، ليكشف عن ما إذا كانت تلك المخاطر في حجم يتطلب التغطية ضده، أم أن المخاطر من حجم تفوق فيه تكلفة التغطية العائد المتوقع منها .

الفرع الثاني: قياس حجم المخاطر

      إن قياس حجم المخاطر هو المرشد إلى ما يجب عمله، وبمراجعة كتابات الإدارة المالية بصفة عامة، يمكن تحديد العديد من المقاييس الإحصائية أو المالية للتعبير الكمي عن المستوى النسبي للخطر، ويمكن تصنيف تلك الأدوات في مجموعتين، هما: مجموعة المقاييس التي تعتمد على الأدوات الإحصائية، ومجموعة المقاييس التي تعتمد على أدوات التحليل المالي.

أولاً- الأدوات الإحصائية لقياس المخاطر المالية Statistical tools for measuring financial risk

    وتعتمد هذه الأدوات على قياس درجة التشتت في قيم المتغير المالي محل الاهتمام، أو قياس درجة حساسيته تجاه التغيرات التي تحدث في متغير أخر، ومن أهم هذه الأدوات:

1-المدى : Range

     والذي يتمثل في الفرق بين أعلى قيمة وأدنى قيمة للمتغير المالي موضع الاهتمام، ويمكن استخدام المدى كمؤشر للحكم على المستوي النسبي للخطر. وكلما زادت قيمة المدى كان ذلك مؤشراً على ارتفاع مستوى الخطر المصاحب للمتغير المالي موضع الاهتمام  .

2-التوزيعات الاحتمالية : Probability distributions

      وهي تقدم أداة كمية أكثر تفصيلاً من مقياس المدى، وذلك من خلال تتبع سلوك المتغير المالي وتحديد 

القيم المتوقعة الحدوث في ظل الأحداث الممكنة. وتحديد التوزيع الاحتمالي لهذه القيم، واستخدامه في المقارنة بين مستويات الخطر المصاحبة لعدد من الأصول المستقلة، وبما يمكن من المفاضلة فيما بينها. وكلما كان التوزيع الاحتمالي أكثر اتساعاً نحو الطرفين، كلما كان ذلك مؤشراً على ارتفاع مستوى الخطر.

3-الانحراف المعياري :Standard deviation 

     يعتبر أكثر المقاييس الإحصائية استخداماً كمؤشر للخطر الكلي المصاحب للمتغير المالي، وهو يقيس درجة تشتت قيم المتغير موضوع الدراسة حول القيمة المتوقعة له، وكلما زادت قيمة الانحراف المعياري دل ذلك على ارتفاع مستوى الخطر.

4-معامل الاختلاف: Coefficient of variation

      هو مقياس نسبى ( أو معياري) لدرجة التشتت، حيث يربط بين الخطر (مقاساً بالانحراف المعياري)، وبين العائد ( مقاساً بالقيمة المتوقعة )، ولذلك يصبح معامل الاختلاف أكثر دقة وتفضيلاً عن الانحراف المعياري، عند المقارنة بين عدة أصول مستقلة ومختلفة فيما بينها من حيث العائد والخطر. إن معامل الاختلاف يعبر عن درجة الخطر لكل وحدة من العائد، وكلما ارتفعت قيمته دل ذلك على ارتفاع مستوى الخطر.

5-معامل بيتا: Beta coefficient

       وهو مقياس لمدى حساسية قيم المتغير المالي موضع الدراسة للتغيرات التي تحدث في متغير آخر، فمثلاً يمكن قياس درجة حساسية عائد سهم معين للتغيرات في عائد السوق، أو للتغيرات في أسعار الفائدة بالبنوك. ويدل معامل بيتا المرتفع على ارتفاع درجة الحساسية، وبالتالي ارتفاع مستوى الخطر .

ثانياً- أدوات التحليل المالي لقياس المخاطر المالية Financial analysis tools to measure financial risk

وهي تعتمد على قياس قدرة المنشأة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الغير، وبخاصة الدائنين، في الآجال المحددة لاستحقاقها، وتحقيق تدفقات نقدية صافية للمساهمين. ويعتمد قياس المخاطر المالية بالمنشأة على مجموعة النسب، والمؤشرات المالية التي يمكن الاستدلال من خلالها كمؤشرات تقريبية، على الحالة المتوقعة للمنشأة من حيث التدفقات النقدية المتوقعة لمنشأة، وبالتالي هوامش الربح، أو مؤشرات التغطية لالتزامات المنشأة. ومن أهم النسب، أو المؤشرات المالية التي يمكن استخدامها في هذا الصدد، ما يلي: نسبة المديونية، نسبة التداول، درجة الرافعة الكلية ( مؤشر حساسية ربح السهم للتغير في المبيعات)، نسبة حق الملكية إلى إجمالي الديون، نسبة التمويل طويل الأجل في هيكل التمويل، نسبة التمويل طويل الأجل إلى الأصول طويلة الأجل، ونسبة صافي رأس المال العامل إلى الأصول.

     وهناك العديد من الدراسات السابقة اهتمت بتطوير أدوات مالية مركبة (تجمع بين أكثر من مؤشر مالي واحد في نموذج قياسي)، لأجل قياس المخاطر المالية، وبخاصة خطر العسر المالي أو الإفلاس Bankruptcy risk. ومن أشهر الأدوات المالية في هذا الصدد ما يعرف بنموذج (Z) .

المبحث الثاني: سبل إدارة المخاطر المالية Ways to manage financial risks

   يمكن تقسيم المخاطر إلى مخاطر أعمال ومخاطر مالية، وعندما تتوفر أدوات للسيطرة على المخاطر المالية، تستطيع الإدارة أن تتفرغ للتعامل مع المخاطر المالية. وفي هذا الصدد توجد ثلاث أدوات لإدارة المخاطر المالية، وهي: التأمين، وإدارة التوازن بين الخصوم والأصول (المطلب الأول)، والتغطية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التأمين وإدارة التوازن بين الأصول والخصوم Insurance and managing the balance between assets and liabilities

    ويمكن تلخيص دور وآليات سير كل من التأمين وإدارة التوازن فيما يلي: 

الفرع الأول: التأمين Insurance

   يمثل سوق التأمين جزءا مهما ومتكاملا من السوق المالية، التي يؤدي فيها دورا هاما في اقتصاديات الدول، بل ويعتبر قطاع التأمين من أهم القطاعات المالية محليا ودوليا. والمخاطر التي يمكن التأمين ضدها لا بد أن تتوافر فيها سمات معينة، من أهمها أن تكون المخاطر من النوع الذي تتعرض له عدد كبير من المنشآت والأفراد، وأن احتمال تعرض المنشآت كلها لتلك المخاطر في توقيت واحد هي مسألة بعيدة الاحتمال، بمعنى أن الارتباط بين تعرض تلك المنشآت لهذا النوع من المخاطر هو ارتباط ضعيف، يضاف إلى ذلك أن احتمالات وقوع تلك المخاطر يمكن تقديرها بدرجة عالية من الدقة . كما أن المخاطر التي يمكن التأمين ضدها هي المخاطر غير منتظمة، ولا تتعرض لها كافة المنشآت المؤمن عليها في ذات التوقيت. ومن ثم، فإن أقساط التأمين التي يحصل عليها المؤمن من المنشآت المؤمن عليها، إضافة إلى العائد المتولد عن استثمار تلك الأقساط، لا بد أن تكون كافية لدفع التقسيط لدفع التعويض للمنشأة التي تتعرض في لحظة معينة لنوع المخاطر المؤمن ضدها. وكلما زاد عدد بوالص التأمين التي تصدرها شركة التأمين ضد نوع معين من المخاطر، انخفض متوسط المخاطر التي تتحملها. كما أن الأساس الذي يقوم عليه التأمين، هو ذاته الأساس الذي تقوم عليه فكرة التنويع، فحجم المخاطر التي يتحملها المؤمن  تتناقص مع زيادة عدد المنشات المؤمن عليها، ولا يمكن أن يكون حجم تلك المخاطر صفراً، لأن ثمة منشأة ما سوف تتعرض لتلك المخاطر .

  كما أن مدخل إدارة المخاطر بالتأمين بالإشارة إلى أنه يعاني من نقيصتين أساسيتين: النقيصة الأولى هي وجود وسيط هو شركة التأمين، يعني أن متوسط قيمة الأقساط التي تدفعها المنشاة الواحدة، لابد وأن يفوق متوسط قيمة التأمين الذي تحصل عليه إذا ما تعرضت للخطر المؤمن ضده، إذ لابد أن تغطى شركة التأمين التكاليف الإدارية، وتحقق بعض الأرباح حتى يمكنها الاستمرار. 

أما النقيصة الثانية هي وجود أنواع من المخاطر يستحيل تغطيتها بالتأمين، كمخاطر السعر، فالتغير في أسعار المواد الخام مثلا تتعرض لها كل المنشآت التي تستخدم تلك المواد في عملياتها الإنتاجية، وفي وقت واحد، بمعنى أن معامل الارتباط بين تعرض تلك المنشآت لهذا النوع من المخاطر، هو معامل يكاد يكون كاملا موجبا، ومن ثم يصعب على أي شركة تأمين قبول التأمين على تلك المخاطر.

الفرع الثاني: إدارة التوازن بين الأصول والخصوم:  Managing the balance between assets and liabilities:

     تهدف إدارة التوازن بين الأصول والخصوم إلى تقليل فرصة تعرض المنشأة إلى مخاطر السعر، مع تحقيق العائد المستهدف، بما يعني زيادة العائد لكل وحدة مخاطر. ويتخلص الأساس الذي يقوم عليه هذا الأسلوب، في إيجاد التوازن من خلال تشكيلة ملائمة من الأصول والخصوم المالية، التي تتضمنها الميزانية من حيث تواريخ الاستحقاق، وقيمة كل منهما عند كل تاريخ. ومن ابرز مجالات استخدامات هذا المدخل، هو إدارة مخاطر السعر التي تمثل أهمية خاصة للبنوك التجارية، وشركات التامين، وصناديق التأمين، والمعاشات، وغيرها من المؤسسات المالية التي يتركز نشاطها في إدارة الأصول المالية.     

    ولتوضيح فكرة هذا المدخل، سوف نفترض حالة صندوق للتأمين والمعاشات، يبيع بواصل أو وثائق تأمين لعملائه، ولتكن في شكل ما  يسمى بعقود الاستثمار المضمونة. و في ظل تلك العقود يحصل الصندوق على أقساط دورية من عملائه، مقابل ضمان تحقيق دخل دوري ثابت لحملة تلك البوالص، لتبدو البوليصة وكأنها وديعة تحقق لصاحبها عائدا دوريا. هذا الدخل الدوري، يتم الوفاء به من العائد الذي يحققه الصندوق من استثمار الأقساط التي حصل عليها، والتي عادة ما تستثمر في أصول مالية، تظهر في جانب الأصول في الميزانية، أما الأقساط نفسها فتظهر في جانب الخصوم في الميزانية. ومن الواضح أن كل من جانب الخصوم والأصول، لابد وأن يكون عرضة لمخاطر سعر الفائدة، فلو أن أسعار الفائدة قد انخفضت في السوق، فإن عائد استثمار الأقساط قد لا يكفي لتغطية التزامات الصندوق قبل عملائه، والمتمثلة في الدخل الدوري الثابت.

بل ويمكن النظر إلى تأثير مخاطر سعر الفائدة من زاوية أخرى، بما أن التغير في القيمة السوقية للاستثمارات المالية تسير في اتجاه عكسي، مع التغير في أسعار الفائدة في السوق، فإن القيمة السوقية لاستثمارات الصندوق سوف تنخفض، وربما تصبح قيمتها أقل من القيمة الدفترية للخصوم المتمثلة في هذه الحالة في أقساط التأمين التي دفعها العملاء. هذا، و يتطلب التوازن العام بين الأصول والخصوم، أن يكون توقيت وحجم التدفقات النقدية للأصول، مماثلا لتوقيت وحجم التدفقات النقدية للخصوم، لذا يطلق على محفظة الاستثمار في الأصول، بالمحفظة المخصصة. هذا التوازن يصعب إذا لم يستحيل تحقيقه، وحتى لو أمكن ذلك، فسوف يكون أمرا مكلفا، أو قد يترتب عليه رفض فرص استثمارية واعدة متاحة لإدارة الصندوق، نتيجة لكون تاريخ استحقاق تلك الاستثمارات أطول من الفترة التي تغطيها الوثيقة. ومع هذا، يوجد سبيل آخر ممكن ويسير، في ظله يتحقق التوازن التام دون أن يترتب على ذلك نتائج غير مرغوبة، وذلك بتجاهل مسألة توافق تواريخ الاستحقاق، والتركيز بدلا من ذلك على قيمة كل من أصول وخصوم الصندوق، وذلك بجعل الفرق بينهما لا يتسم بالحساسية للتغير في أسعار الفائدة، وهو ما يطلق عليه باستراتيجية تحصين المحفظة ،

وأول من استخدم هذه الطريقة صناديق التقاعد في الولايات المتحدة، ثم تبنتها البنوك وشركات التأمين. ومن معلوم أن صندوق التقاعد يتعرض لمخاطر تغير أسعار الفائدة، فالصناديق تلتزم عادة بدفع تيار من الرواتب للمشترك عند تقاعده، يكون ذا مقدار ثابت، بينما أنه يدفع اشتراكاته على مدى سنوات طويلة. 

وتعتمد قدرة الصندوق على الوفاء بالتزاماته على دقة الحسابات التي اعتمد عليها تقدير تلك الاشتراكات، فإذا تغيرت أسعار الفائدة تأثر مستوى الدخل ا لذي يحصل عليه الصندوق، ومن ثم يفشل في الوفاء بالتزاماته .

المطلب الثاني: التغطية

      التغطية هي مركز مؤقت، بديل عن مركز سوف يأخذه المستثمر مستقبلا على أصل معين، كما يمكن تعريفها بأنها أسلوب لحماية قيمة أصل معين، يملكه المستثمر إلى أن تتم تصفيته. وهذا التعريف يكشف عن صورتين للتغطية: الصورة الأولى هي للمستثمر الذي يرغب في شراء أصل مالي معين، ولا يملك الموارد المالية اللازمة، وإن كانت ستتاح في المستقبل، غير أنه يخشى أن يرتفع سعر ذلك الأصل إذا ما انتظر حتى تتوافر تلك الموارد. هذا المستثمر، يمكنه إبرام عقد مشتقات يضمن له التعاقد على الأصل من الآن بسعر متفق عليه، على أن يتم التنفيذ الفعلي عندما تتوافر له الأموال المطلوبة.

أما الصورة الثانية، فتتمثل في حالة مستثمر يمتلك أصلا ماليا معينا، و يخطط لبيعه في تاريخ لاحق، في الوقت الذي يخشى فيه انخفاض سعره، عندما يحين ذلك الوقت. هذا المستثمر، يمكنه إبرام عقد على أحد المشتقات لبيع الأصل مستقبلا بسعر يتفق عليه عند إبرام العقد .

الفرع الأول: المشتقات

      المشتق، أو الورقة المالية المشتقة هي أداة مالية، والمشتقات هي عقود تشتق قيمتها من قيمة الأصول المعنية (أي الأصول التي تمثل موضوع التي تمثل موضوع العقد)، والأصول التي تكون موضوع العقد تتنوع ما بين الأسهم، والسندات، والسلع، والعملات الأجنبية. وتسمح المشتقات للمستثمر بتحقيق مكاسب، أو خسائر اعتمادا على أداء الأصل موضوع العقد، ومن أهم المشتقات :

أولا- عقود الاختيارات 

      عقد الخيار، هو عقد يبرم بين طرفين: مشتري ومحرر، ويعطي العقد للمشتري الحق في شراء أو بيع عدد وحدات من أصل معين، بسعر يحدد لحظة التعاقد، على أن يتم التنفيذ في تاريخ لاحق ، ولقد تم تداول عقود الخيارات أول مرة في بوصة منظمة عام 1973، ومنذ ذلك الوقت حدث نمو كبير في أسواق الخيارات ويتم تداولها الآن في بورصات كثيرة حول العالم، وتشمل الأصول موضوع الخيارات: الأسهم، مؤشرات الأسهم، العملات، أدوات الدين، السلع، وهناك نوعان أساسيان من الخيارات: خيار الشراء الآجل، ويعطي حائزه الحق في شراء الأصل محل العقد في تاريخ معين، ومقابل سعر معين. أما خيار البيع الآجل، فيعطي حائزه الحق في بيع الأصل محل العقد في ميعاد معين، ومقابل سعر معين.

ثانيا- العقود الآجلة

      هي اتفاق على شراء أو بيع أصل في وقت مستقبلي معين مقابل سعر معين، ويكون العقد عادة بين مؤسستين ماليتين أو بين مؤسسة مالية، وأحد عملائها في المنشآت، ولا يتم تداوله في البورصات عادة.

ويتخذ أحد الطرفين في العقد الآجل مركزا طويلا، ويوافق على شراء الأصل محل العقد في تاريخ مستقبلي محدد، مقابل سعر محدد تم الاتفاق عليه، أما الطرف الثاني فيتخذ مركزا قصيرا، ويوافق على بيع الأصل في نفس التاريخ مقابل نفس السعر، وتتم تسوية العقد الآجل عند استحقاقه، حيث يقوم حائز المركز القصير بتسليم الأصل إلى حائز المركز الطويل، مقابل مبلغ نقدي مساوي لسعر التسليم، ومن المتغيرات الرئيسة التي تقرر قيمة أي عقد آجل في وقت ما، السعر السوقي للأصل. وتكون قيمة العقد الآجل صفرا عند الدخول بادئ الأمر، وفيما بعد يمكن أن تكون له قيمة موجبة أو سالبة، حسب التحركات في سعر الصرف .

ثالثا- عقود المبادلة

      عقد المبادلة هو عقد يبرم بين طرفين يتفقان فيه على تبادل تدفقات نقدية خلال فترة مستقبلية، وهناك نوعان أساسيان من عقود المبادلة: عقود مبادلة عملات، عقود مبادلة أسعار الفائدة. ومن صور عقود مبادلة العملات العقد الذي يبرم بين شركة مصرية في حاجة إلى دولارات أمريكية، وشركة أمريكية في حاجة إلى جنيهات مصرية لاستخدامها في تغطية تكاليف عمليات في السوق المصري. هنا، تقوم الشركة المصرية باقتراض ما تحتاجه الشركة الأمريكية من جنيهات من احد البنوك المصرية، وفي المقابل تقوم الشركة الأمريكية باقتراض احتياجات الشركة المصرية من الدولارات من احد البنوك الأمريكية.

أما عقود مبادلة أسعار الفائدة، فتتم بين طرفين كل منهما يرغب في مبادلة نمط مختلف من التدفقات النقدية. مثال ذلك عقد مبادلة أسعار فائدة يبرم بين بنك تجاري وشركة تامين، يتفق فيه الطرفان على أن يدفع البنك التجاري لشركة التأمين فوائد بسعر فائدة ثابت، على أن تدفع شركة التأمين للبنك بسعر فائدة متغير، وذلك على أساس مبلغ مفترض يتفق عليه الطرفان. هذا، وإذا كان عقد مبادلة أسعار الفائدة يعتبر أداة من أدوات التغطية ضد مخاطر تغير أسعار الفائدة، فإن عقد مبادلة العملات له طبيعة مختلفة،  إذ أن الهدف منه هو إتاحة الفرصة لتخفيض تكلفة التمويل، ومع هذا قد يكون أيضا أداة للتغطية ضد المخاطر سعر الفائدة .

رابعا- العقود المستقبلية

      عقد المستقبليات هو اتفاق بين طرفين لتداول أصل معين، بتاريخ مستقبلي محدد. يحدد هذا العقد: نوع الأصل المتداول، كمية الأصل التي يمكن تداولها، التاريخ الذي يتم فيه التبادل بين الأصل والمبلغ، السعر الواجب دفعه للأصل .

وعلى خلاف العقود الآجلة، يتم تداول العقود المستقبلية في البورصات، ومن أجل جعل التداول ممكنا تحدد البوصة سمات معيارية معينة في العقد. واكبر البورصات التي يتم تداول العقود المستقبلية فيها هي مجلس شيكاغو للتجارة، و بوصة شيكاغو ميركانتايل .

الفرع الثاني: الاعتبارات الأساسية للتغطية

    هناك ثلاثة اعتبارات لها أهميتها في إدارة المخاطر من خلال التغطية، هي: حجم التغطية، وكفاءة التغطية، وتكلفة التغطية.

أولا- حجم التغطية

    يقصد بحجم التغطية عدد الوحدات من أداة التغطية (عدد عقود المشتقات)، اللازمة لتغطية مركز أخذه المستثمر في السوق الحاضر على وحدة واحدة من الأصل محل التغطية، وهو ما يطلق عليه بنسبة التغطية. فلو أن التغطية ضد مخاطر السعر التي تتعرض لها سندات، أصدرتها شركة معينة بقيمة 1000 دولار، تحتاج إلى عقدين مستقبلين على سندات حكومية بتاريخ استحقاق معين، عندئذ تكون نسبة التغطية 1.2  .

ثانيا- فاعلية التغطية

     تزداد فاعلية التغطية كلما كان الارتباط قويا بين سعر الأصل محل التغطية في السوق الحاضر، وسعره في عقد المشتقات المستخدم في التغطية. و تقاس قوة الارتباط كما هو معروف بما يسمى بمعامل الارتباط، فلو أن معامل الارتباط يساوي الواحد الصحيح، فإن هذا يعني أنه إذا ما استخدمت نسبة التغطية الملائمة، فسوف تتم تغطية مخاطر السعر بالكامل. أما إذا كان معامل الارتباط اقل من الواحد الصحيح، فإن التغطية حتى ولو استخدمت نسبة التغطية الملائمة، لن يترتب عليها التخلص الكامل من مخاطر السعر، إذ سيبقى جزء من المخاطر لن تتم تغطيته، يطلق عليه مخاطر الأساس.

ثالثا- تكلفة التغطية

    تكشف الممارسة في كافة أسواق المشتقات عن أن تكلفة التغطية ضئيلة، لكنها غير مجانية على أي حال. وهناك سببين يجعلان من غير الممكن أن تكون التغطية مجانية، السبب الأول هو وجود تكلفة للمعاملات التي تشتمل على الهامش الذي يحققه صانع السوق، إضافة إلى عمولة السمسرة وما شابه ذلك. أما السبب الثاني فهو أن المخاطر التي يسعى المستثمر للتخلص منها، لابد وأن تنتقل في ظل التغطية إلى طرف آخر، وعادة ما يكون مضاربا. هذا المضارب، لا بد وأنه سيسعى لتحميل التكاليف التي سيتكبدها للمستثمر، بما في ذلك العائد الذي سيضيع عليه، نتيجة إغراق جزء من موارده المالية في استيفاء متطلبات الهامش المبدئي المطلوب.

   هذا، وتمثل تكلفة التغطية و فعالية التغطية، ما يسمى بكفاءة التغطية، و التي يمكن تعريفها بأنها الحد الأقصى لحجم المخاطر التي يمكن تخفيضها و ذلك في مقابل كل وحدة من وحدات التكلفة. و عليه فإن التغطية المثالية هي التي تحقق أقصى منفعة للمستثمر . 

المبحث الثالث: البعد الاستراتيجي لإدارة المخاطر في المؤسسة The strategic dimension of enterprise risk management

  لابد لكل مؤسسة أن تحرص على وجود استراتيجية لإدارة المخاطر (of Risk Management Strategies)، ككيان يوظف بالموازاة مع الأهداف العامة لاستراتيجية المؤسسة، أو استراتيجية المشروع الذي ستنفذه المؤسسة، و هذا ما ستوضحه الفقرات التالية.

المطلب الأول: تعريف استراتيجية إدارة المخاطر Define a risk management strategy

    إذا أخذنا تكلفة الفرصة الضائعة بعين الاعتبار، فإنه ليس من الممكن القضاء على جميع الخسائر المحتملة للمؤسسة، لهذا فاستراتيجية إدارة المخاطر هي   عبارة عن عملية الأخذ بالمخاطر المحسوبة، و هي وسيلة نظامية لتحديد المخاطر و ترتيب أولوياتها و تطبيق الاستراتيجيات للتقليل من المخاطر، حيث تتضمن كلا من الوقاية من المخاطر المحتملة و الاكتشاف المبكر للمشاكل الفعلية، فهي عملية مستمرة تشترك فيها الموارد البشرية في جميع مستويات المؤسسة.

     كما أن الخطوات الأساسية لبناء استراتيجية لإدارة المخاطر في المؤسسة يمكن حصرها بسلسلة مستمرة من خمس خطوات   : 

- تقييم البيئة (Establish The Context): بوضع قاعدة لكيفية النظر للخطر و كيفية التعامل معه من قبل العاملين في المؤسسة، حيث يضمن ذلك تحديد فلسفة إدارة المخاطر. كما أن تحديد الأهداف من قبل الإدارة يمكنها من تمييز الأحداث المحتملة التي تؤثر على إنجازها.

- تميز الأخطار (Identify Risks): و ذلك بالإجابة على السؤالين: ماذا يمكن أن يحدث؟ و كيف يمكن أن يحدث؟ فالأحداث الداخلية و الخارجية تؤثر على إنجاز أهداف المؤسسة، و يجب أَن تميز الإدارة بين الأخطار و الفرص.

- تحليل الأخطار (Analyses Risks): يتم هذا التحليل بأخذ إمكانية حدوث الخطر و درجة تأثيره على أهداف المؤسسة بعين الاعتبار، حتى يتم تحديد قاعدة واضحة للكيفية التي يجب أن تدار بها الأخطار المقيمة. 

- تقييم الأخطار (Evaluate Risks): تقدر الإدارة المخاطر المحتملة الحدوث و تختار ردود فعل للخطر: تجنب، قبول، أو تخفيض الآثار المترتبة، و تطور الإدارة بعد ذلك مجموعة نشاطات لترتيب المخاطر حسب أولويتها.

- مناقشة الأخطار (Treat Risks): في هذه المرحلة يتم تحديد البدائل الاستراتيجية الممكنة للسيطرة على الخطر، ثم اختيار البديل الاستراتيجي الأمثل منها، و الذي على ضوءه تطور خطط لمعالجة الخطر تتضمن الوسائل اللازمة لذلك.

           و تجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوات الخمسة ترافقها عملية مستمرة من الرقابة تقوم بها إدارة المخاطرة، و ذلك بالمراقبة و إجراء التعديلات حسب الضرورة، فهذه النشاطات الرقابية قد تكون منفصلة لكل خطوة من الخطوات الخمسة السابقة، أَو قد تكون مجتمعة.

المطلب الثاني: المفاتيح الاستراتيجية لإدارة المخاطر الفعالة:Strategic keys to effective risk management

     تُعرَّف الفعالية بأنها   قدرة المؤسسة على تحقيق الأهداف المسطَّرة سلفا، و يمكن أن يعبَّر عنها بالعلاقة التالية:                           الفعالية  = النتيجة المحقَّقة / النتيجة المسطَّرة

و كلما اقتربت هذه النسبة من الواحد الصحيح نقول أن المؤسسة استطاعت تحقيق الفعالية. 

و يمكن لاستراتيجية إدارة المخاطر أن تحقق الفعالية إذا ما راعت إدارة المؤسسة المفاتيح التالية   :

- بيان الرسالة و القيم الجوهرية: يمثل وضوح رسالة المؤسسة أولى خطوات النجاح لاستراتيجية إدارة المخاطر، وحتى تكون ناجحة، فإن على إدارة المؤسسة أن تدرك أهمية وجود قيم تنظيمية و أن تلتزم بعملية تطوير هذه القيم، فالأفراد يحتاجون لمعرفة ما هو عمل و هدف المؤسسة؟ و كيفية قيادة قيم المؤسسة لأعمالها؟ و بدون هذا الفهم فلن يطور العاملون التزاما و ولاء للمؤسسة.

- الأفراد المتحمسون و الواثقون من أنفسهم: كل فرد في المؤسسة أياً كان موقعه له دور في إدارة المخاطر، فالإدارة العليا تحدد المخاطر و ترتبها حسب الأولوية، و تصمم و تعدل السياسات و النظم اللازمة للحد من المخاطر، و تعطي التعليمات الواضحة لتنفيذ السياسات .أما العاملون التنفيذيون، فعليهم إطاعة السياسات وإبلاغ الإدارة بالنقاط التي تحمل في طياتها مخاطر، واقتراح كل ما من شأنه أن يجعل السياسات أكثر ملاءمة. و تزداد أهمية الأفراد في درأ الخطر، إذا علمنا أن   الإنسان مسئول بنسبة تتراوح بين 80 إلى 90 % عن الحوادث التي تقع في المؤسسة، أما نسبة 10 إلى 20 % الباقية فترجع إلى الظروف البيئية.

- البيئة /المحيط المشجع: مهما كان نوع الخطر أو مداه، فأهم شيء هو سرعة التصرف، فعلى كل مؤسسة أن يكون لديها خطة جاهزة للاستجابة السريعة لجميع حالات الخطر و الخسائر المرتبطة بها. لأن تصرف المؤسسة بسرعة و بصرامة، سوف يؤكد على وجود بيئة تلتزم بقيمها الجوهرية. 

- المنهجية السليمة: يجب ألاَّ تكتفي إدارة المخاطر بكشف المخاطر في عملية الرقـابة الاستراتيجية، بل يجب أن تتخذ الإجراءات التصحيحية التي تؤدي للحصول على النتائج المرغوبة، و لا يمكن للإدارة أن تتخذ الإجراءات التصحيحية بنجاح إلا إذا راعت الشروط التالية: تحديد أسباب الانحرافات المسجلة، و اختيار أنسب الإجراءات التصحيحية، و التأكد من التنفيذ الناجح للإجراء التصحيحي. 

- أمانة و قدرة الأفراد: إن أفضل السياسات و الإجراءات لن تكون ذات فعالية مالم يتم يطبقها الأفراد بصورة سليمة، و يساعد على ذلك التفويض الواضح للسلطات بأن ينص الهيكل التنظيمي و الوصف الوظيفي على خطوط التقارير و السلطة داخل المؤسسة، بالإضافة إلى فصل الواجبات، بمعنى عدم تداخل الواجبات بين الوظائف المختلفة.

- التكلفة و الأداء: لضمان الكفاءة و الفعالية لاستراتيجية إدارة المخاطر، على الإدارة أن تأخذ بعين الاعتبار الإجراءات التي أصبحت تمثل عبئاً أو تكلفة زائدة مع تطور عمل المؤسسة، خاصة و أن النمو في حد ذاته قد يؤدى إلى أثار عكسية على الحالة النفسية للعاملين ( الأداء ) أو على ثقافة و قيم المؤسسة .

- نظم إدارة معلومات يعتمد عليها: تعتبر نظم إدارة المعلومات ذات حيوية خاصة لعملية إدارة المخاطر، حيث لا يمكن السيطرة على شيء غير معروف، أو لا توجد معلومات كافية عنه، فالمعلومات الدقيقة ضرورية لمتابعة المخاطر و الحد منها، و تتعدى المحاسبة إلى كافة أوجه العمليات. و عليه، فإن المؤسسة بحاجة إلى نظام يدير و يسيطر على محتوى و تدفق المعلومات.

الخاتمة:

   و في الأخير و بناء على ما تم عرضه يمكن القول أن إدارة المخاطر المالية يترتب عليها تخفيض مستوى المخاطر المالية التي يحتمل أن تحدث، و يأتي في مقدمة هذه المخاطر مخاطر تغير سعر الفائدة، و مخاطر تغير سعر الصرف، و مخاطر تغير سعر السلع.

   و عندما تتمكن إدارة المخاطر المالية من وضع آليات للتعامل مع تلك المخاطر، سوف تجد الوقت الكافي للتعامل مع المخاطر التي ترتبط بعملياتها، و ما لم يتحقق لها ذل فإن تاثير المخاطر المالية قد يأخذ المنشأة إلى طريق الإفلاس. 

   و هناك سبل عديدة للتعامل مع هاته المخاطر  من بينها التامي  وإدارة التوازن بين أصول المنشأة و خصومها، و كلا السبيلين لا يلائم تغطية مخاطر الأسعار، لتأتي التغطية بعقود المشتقات لكي تعتلي القمة في هذا الشأن، فالتغطية بتلك العقود تكون في مواجهة مخاطر عن مركز أخذه أو سيأخذه المستثمر في السوق الحاضر.

   و لكي تحقق التغطية الهدف منها لا بد أن يكون كل مركز (مركز سوق العقود و مركز السوق الحاضر) مرآة عاكسة للآخر، بحيث ان الخسائر في اي مركز منهما تعوضه المكاسب من المركز الآخر. 

   و إن كانت التغطية تضمن تدفقات نقدية مؤكدة في مواجهة التغير المحتمل في الأسعار، فإن من شأنها أن تقف عائقا أمام استفادة المنشأة من فرص تغير الأسعار في صالحها. 

     وعليه، و مما تقدم ذكره نجد أن المؤسسة يجدر بها لإدارة المخاطرة المالية أن تقوم بما يلي: 

- استحداث قسم ادارة المخاطرة في الهيكل التنظيمي للمؤسسة. 

- بناء استراتيجية لإدارة المخاطر، و وضع خطة تنبثق منها تحدد مجموعة الطرق التي ستستعمل لمعالجة كل خطر.

- العمل على التطبيق الناجح للخطة الاستراتيجية، و اتباع كل الطرائق المخططة لتقليل تأثير الأخطار.

- مراجعة و تقييم الخطة الاستراتيجية تعتبر عملية مستمرة، و يمكن أن تبدأ في أي مرحلة من مراحل هذه الخطة، و يمكن أن يستمر تحليل و إدارة المخاطر إلى أن تصبح تكاليف استخدامها أكثر من فائدتها المحتملة للمؤسسة. 

- ضرورة إرساء نظام اتصال فعَّال بين إدارة المخاطر و الإدارات الوظيفية المختلفة في المؤسسة، يضمن تبادل المعلومات، و إيصال مقترحات و انشغالات الموارد البشرية المتعلقة بأي خطر في كلِّ مستويات المؤسسة.

     

قائمة المراجع:

أولا- الكتب:

1- جورج ريجدا، تعريب ومراجعة محمد توفيق البلقيني وإبراهيم محمد مهدي، مبادئ إدارة الخطر والتأمين، دار المريخ، السعودية، سنة 2006.

2- خالد وهيب الراوي، إدارة المخاطر المالية، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2009.

3- عبد السلام أبو قحف، أساسيات التنظيم والإدارة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية-مصر، سنة 2002 م.

4- عبد الغفار حنفي، السلوك التنظيمي و إدارة الموارد البشرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية-مصر، سنة 2002.

5- طارق عبد العال حماد، المشتقات المالية (المفاهيم-إدارة المخاطر-المحاسبة)، الدار الجامعية، الاسكندرية، مصر، سنة 2001.

6- طارق عبد العال حماد، إدارة المخاطر (أفراد-إدارات-شركات-بنوك)، الدار الجامعية، الاسكندرية، مصر، سنة 2004.

7- منير إبراهيم هندي، الفكر الحديث في إدارة المخاطر، منشأة المعارف، الاسكندرية، مصر، سنة 2003.

ثانيا-المذكرات و الرسائل:

1- محمد علي محمد علي، إدارة المخاطر المالية في شركات المساهمة المصرية، رسالة دكتوراه في إدارة الأعمال، كلية التجارة، جامعة القاهرة، مصر، سنة 2005.

ثالثا- المواقع الإلكترونية:

1- http:// www.elgari.com  

2- www.microfinancegateway.org/audit/index.htm/file_3.pdf, le 7 août 2008, 15:08:29 GMT.

3- http://www.ksu.edu.sa/sites/Colleges/Arabic%20Colleges/AdministrativeSciences/DocLib11, le 9 septembre 2008, 12:28:39 GMT.

4- www.microfinancegateway.org/audit/index.htm/file_3.pdf, le 7 août 2008, 15:08:29 GMT.

ابحث عن موضوع