بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الدفوع الشكلية في قانون الاجراءات المدنية و القضاء


الفصل الأول:نظرية الـدفوع الشكليـة و الآثار المترتبة على قبولها. 


تأخذ نظرية الدفوع الشكلية مكانة هامة في مؤلفات فقهاء القانون لما لها من أهمية عملية في مجال الخصومة القضائية ، و تعتبر هذه الدفوع مصطلحا إجرائيـا مضمونه يعني الأداة الأخرى من أدوات استعمال الحق في الدعوى ، يملك صاحبها سلطة استعمالها من عدمه و إن تعلقت بالنظام العام و تخضع الدفوع الشكلية لجملة من المبادئ و الأحكام التي تشكل مجتمعة النظام القانوني الذي يحدد كيفية استعمالها منذ وقت إبدائها إلى غاية الفصل فيها ، و يؤدي قبولها إلى ترتيب آثار هامة أبرزها هو بطلان العمل الإجرائي الذي يترتب نتيجة مخالفة الإجراء النموذجي القانوني أو عدم توفر أحد الشروط اللازمة لصحته ، بالإضافة لأثر الانعدام الذي لا زال محل خلاف فقهي و سوف نحاول من خلال هذا الفصل إبراز ماهية و أحكام الدفوع الشكلية و النظام القانوني لبطلان العمل الإجرائي كأثر لقبول هذه الدفوع بالإضافة للانعدام . 

المبحث الأول : النظام القانوني للدفوع الشكليـة 

إن استعمال الدفوع الشكلية يتوقف على إحترام المبادىء و الأحكام المقررة لها و التي تتمثل في ضرورة إبدائها في الوقت المحدد لها مع توفر شروط قبولها و التنظيم المحدد لكيفية التمسك بها و الفصل فيها و الآثار المترتبة على ذلك و هو ما سوف نوضحه لكن قبل ذلك لا بد من معرفة مصدرها التاريخي و تحديد مفهومها . 

المطلب الأول: ماهية الدفوع الشكليـة 

إن البحث عن ماهية الدفوع الشكلية يدفعنا للغوص في تعريفها القانوني لكن بالمقابل لا نجد في تشريعنا للإجراءات المدنية تعريفا ولا تدقيقا لها لكن ذلك لن يحول وبحثنا في ذلك لأن الفقه كان له الأثر البارز في محاولة تفسير هذه الدفوع وإعطائها تعريفا قانونيا وتمييزها عن غيرها من الدفوع وهو ما سنوضحه في العناصر الموالية لكن قبل ذلك لابد من الولوج في جذور وتاريخ هذه الدفوع . 

الفرع الأول: تاريخ الدفوع الشكليـة 

تضرب مسألة الدفوع بجذورها إلى تاريخ ظهور الشريعة الإسلامية كما لها أصول مستمدة من القانون الروماني. 

أولا: الدفع في الشريعة الإسلامية: تناولت الشريعة الإسلامية الدفع بصدد الحديث عن الدعوى حيث تنص المادة 1631 من مجلة الأحكام العدلية، على أن الدفع هو الإتيان بدعوى من قبل المدعى عليه لدفع دعوى المدعي([1]). 


حيث تتضمن نصوص هذه المجلة العديد من الدفوع إلى عرضها القانون فيما بعد وهي على الترتيب الدفع بالتصالح, الدفع بالإبراء, الدفع بالمقاصة والدفع بحوالة الدين ، والدفع بانقضاء الكفالة والدفع ببطلان الشهادة ومن هذا يتضح مدى العمق والثراء والريادة التي تتمتع بها مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء حيث اهتدى الفقه والقانون الوضعي المقارن لما تضمنته فقرر أن ما يجوز طلبه بطريق الدعوى يجوز نفيه بطريق الدفع وما يمتنع طلبه بالدعوى يمتنع نفيه بالدفع([2]). 

ثانيا: الدفع في القانون الروماني: كان الالتجاء إلى القضاء في عهد القانون الروماني لا يجوز إلا بالاستناد إلى دعوى من دعاوي هذا القانون الواردة فيه على سبيل الحصر ثم قام البريتور (الحاكم القضائي) بقبول دعاوي هي في الأصل غير مقبولة بمقتضى هذا القانون وذلك ليتماشى مع مبادئ العدالة وروح القانون الطبيعي وليعطي لكل صاحب حق حقه مثال ذلك دعوى الإكراه أو دعوى الغش التي أجازها البريتور لسد ثغرة في القانون المدني ولتمكين الخصم الذي وقع تحت تأثير الإكراه أو الغش من إبطال التصرف القانوني الذي صدر عنه مشوبا بأيهما, وكانت هذه الدعاوى تسمى بالدعاوي الواقعية. بالمقابل منح البريتور دفوعا مختلفة للمدعى عليهم لتفادي الحكم عليهم في دعاوي أقيمت عليهم ظلما وذلك تحقيقا للعدالة. 

وهكذا أنشأ البريتور وسيلة لحماية الحق إلى جانب الدعوى وهي الدفع إي دفع دعوى الخصم حيث كانت هناك دفوع شكلية عديدة تبدى في عهد القانون الروماني بغرض الطعن في الدعاوي والإجراءات عند مخالفتها لأتفه التفاصيل. بعد هذه المرحلة دخل القانون الروماني عهد حرية الالتجاء للقضاء بأي دعوى لكل مواطن وهي قاعدة تسري أيضا على الدفوع أي حرية إبداء أي دفع أي ما يجوز طلبه بطريق الدعوى يجوز نفيه بطريق الدفع وما يمنع طلبه بالدعوى يمنع نفيه بالدفع. 

الفرع الثاني: مفهوم الدفوع الشكلية 

اختلفت مصطلحات وعبارات الفقهاء في تعريفهم للدفع الشكلي لكنهم أجمعوا على نفس عناصر ومضمون مفهومه, فما هو تعريف الدفوع الشكلية؟ وماهي أهمية تميزها عن الدفوع الموضوعية؟. 

أولا: تعريف الدفوع الشكلية

 عرفها الدكتور أحمد أبوالوفاء بأنها الوسائل التي يستعين بها الخصم ويطعن بمقتضاها في صحة إجراءات الخصومة دون أن يتعرض لأصل الحق الذي بزعمه خصمه فيتفادى بها مؤقتا الحكم عليه بمطلوب خصمه([3]). ويعد الدفع الشكلي واحدة من الحقوق الإجرائية فإن تم مباشرة إجراءات الخصومة خلافا للشكل أو الترتيب أو الميعاد المقرر قانونا نتج بطلان العمل الإجرائي و تولد عنه دفع شكلي ([4]) . 

- أما المستشار معوض عبد التواب فقد عرف الدفع الشكلي بأنه هو الذي يوجه إلى إجراءات الخصومة بغرض استصدار حكم ينهي الخصومة دون الفصل في موضوعها أو يؤدي لتأخير الفصل فيها, فهو وسيلة دفاع يوجه إلى إجراءات الخصومة دون المساس بأصل الحق المدعى به([5]). 

- يقول الدكتور أحمد هندي أن الدفع الإجرائي (الشكلي) هو الوسيلة التي يطعن بها في صحة الخصومة أو في الإجراءات المكونة لها. وينقل المناقشة من الموضوع إلى مسألة الشكل, أي يثير نزاع عارض يتصل بشكل الإجراءات التي رفع بها النزاع الموضوعي أو بولاية المحكمة التي تنظره والدفوع الإجرائية غير حصرية([6]). 

- كما عرفها الأستاذ محمد العشماوي والدكتور عبد الوهاب العشماوي بأنها الوسائل التي يدفع بها المدعي عليه الخصومة بغير أن يواجه موضوعها أو يناقشه, وذلك لتجنب الفصل فيه إلى أجل معين أو لحين قيام المدعي باستيفاء إجراءات خاصة([7]). 

- ونجد كذلك الدكتور مفلح عواد القضاه يعرفها بأنها الدفوع التي توجه إلى الخصومة القضائية أو بعض إجراءاتها دون التصدي لذات الحق المدعى به, أو المنازعة فيه وتهدف إلى تفادي الحكم في الموضوع بصفة مؤقتة([8]). 

بالإضافة للتعريف الذي أورده المستشار عبد الحميد المنشاوي ومفاده أن الدفوع الشكلية يقصد بها كل دفع يتعلق بالإجراءات, فهي لا تواجه موضوع الخصومة أو الحق المدعىبه وإنما تستهدف الطعن في صحة الخصومة والإجراءات المكونة لها([9]). 

وكذلك المستشار أنور طلبة كان له ما يقوله في هذا الصدد حيث عرف الدفوع الشكلية بأنها تلك المتعلقة بالإجراءات التي اتخذها المدعي ضد المدعى عليه وتهدف إلى منع المحكمة من التصدي لموضوع الدعوى([10]). 

- الملاحظ على كل هذه التعريفات على اختلاف صيغها أنها تصب في نفس المعنى والذي يفيد بأن الدفع الشكلي هو الوسيلة التي يرمي من خلالها أحد طرفي الخصومة وغالبا يكون المدعى عليه إيقاف سير الدعوى بصورة مؤقتة دون المساس بالموضوع وذلك بتوجيه الدفع لإجراءات الخصومة دون موضوعها وكما سبق وقلنا فإن الدفع يقابل الدعوى, فهل يتطلب حق إبداء الدفوع شروطا لقبوله على غرار ما يشترط لقبول الدعوى؟ وإن كان كذلك ماهي هذه الشروط؟ 

ثانيا: شروط قبول الدفع 

يشترط لقبول الدفع مايشترط لقبول الدعوى طبقا لما يأتي بيانه: 

1-الصفة: لا يثور هذا الشرط بالنسبة للدفوع التي يثيرها القاضي من تلقاء نفسه لتعلقها بالنظام العام, إذ يجوز لأي خصم في هذه الحالة إبداؤها لتنبيه القاضي إليها, إنما يثور بالنسبة للدفوع الأخرى التي يلزم التمسك بها حتى تقضي بها المحكمة ولتوافر الصفة في الدفع الإجرائي لصاحب الحق الإجرائي الذي يتمسك به الخصم في الدفع([11]). 

2- المصلحة: وهي الفائدة العملية لقبول الدفع ويجب أن تتوفر فيها خصائص بأن تكون مصلحة قانونية, شخصية, مباشرة قائمة وحالة. 

أ- أن تكون مصلحة قانونية: أي المصلحة التي يقرها القانون أي يستند الدفع إلى حق أو مركز قانوني بحيث يكون الغرض منه حماية هذا الحق أو المركز القانوني أما إذا كان الدفع لا يستند على حق أو مركز يقره القانون فهنا تكون المصلحة اقتصادية لا تكفي لقبول الدفع. 

ب- أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة: أي يجب أن يتعلق الدفع بصاحب الحق فيه فلا يجوز أن يبدي الدفع شخص لصالح غيره مالم يكن ممثل قانوني له أوله الولاية عليه ويرى بعض الفقهاء أن هذا الشرط هو ذاته شرط الصفة. 

ج- يجب أن تكون المصلحة قائمة وحالة: أي غير محتملة 

- أما فيما يتعلق بشرط الأهلية فهو ليس شرط لقبول الدفع (كذلك الدعوى) إنما هي شرط لصحة الإجراءات بالتالي إذا أبدى الدفع ممن ليس أهل لإبدائه كان دفعه مقبولا لكن إجراءاته تكون باطلة وجاز للخصم المقابل الدفع ببطلان الإجراءات لعدم توفر شرط الأهلية([12]). 

ثالثا :أهمية التمييز بين الدفوع الشكلية والدفوع الموضوعية 

تشترك الدفوع الشكلية في صفات خاصة تتميز بها عن الدفوع الموضوعية وهذا ما سوف نحاول تبيانه: 

1-أنها تبدى قبل التكلم في موضوع الدعوى أي في بدء النزاع وإلا سقط الحق في الإدلاء بها على اعتبار أن صاحب الحق فيها قد تنازل عنها وهذا بالنسبة للدفوع التي لا تتعلق بالنظام العام, أما الدفوع المتعلقة به فيجوز إبدائها في أية حالة تكون عليها الدعوى.كالدفع بعدم الاختصاص النوعي, وكذلك حالة الدفوع الشكلية التي ينشأ سببها بعد التكلم في موضوع الدعوى كالدفع بسقوط الخصومة([13]), بينما 

الدفوع الموضوعية فللخصم إبدائها في أية حالة تكون عليها الدعوى طالما لم توضع القضية في المداولة. 

2-الحكم بقبول الدفع الشكلي لا يترتب عليه إنهاء النزاع على أصل الحق المدعىبه فيجوز للخصم رفع الدعوى من جديد بإجراءات صحيحة بخلاف قبول الدفع الموضوعي فيعتبر حكما في موضوع الدعوى منهيا للنزاع على أصل الحق ولا يجوز تجديد المطالبة به أمام القضاء مرة أخرى لسبق الفصل فيه([14]). 

3- الحكم الصادر في الدفع الموضوعي يعتبر حكما صادرا في موضوع الدعوى واستئناف هذا الحكم يؤدي إلى عرض الدعوى برمتها على الاستئناف أما استئناف الحكم الصادر في الدفع الشكلي فلا ينتقل لجهة الاستئناف من الخصومة إلا هذه المسألة, فإذا دفع بعدم الاختصاص مثلا وقضت المحكمة بعدم اختصاصها واستؤنف هذا الحكم فإن المجلس القضائي إذا رأى إلغاء هذا الحكم فإنه لا يملك إلا أن يعيد القضية إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل في موضوعها. 

* ولهذا التميز بين نوعي الدفوع ما يبرره, لأن قواعد العدالة تقضي بأن تتاح للخصم فرصة دحض مزاعم خصمه في أية مرحلة من مراحل الخصومة بذلك اجاز المشرع للخصم ان يتمسك بالدفوع الموضوعية في أي وقت ليثبت أن دعوى خصمه قائمة على غير أساس بخلاف الدفوع الشكلية فهي قاصرة على مسائل شكلية لا تؤثر في موضوع الحق ولا يقصد بها عدم وجوده والملاحظ عمليا إن الخصم لا يلجأ إلى الدفع الشكلي إلا إذا عازه الدليل وأراد المماطلة لذلك وجب ألا يمكن الخصم المماطل من هذه الوسيلة بعد أن تتقدم القضية في مراحل نظرها ويواجه الخصوم موضوعها وتوشك على الفصل فيها لذلك يجب افتراض أن الخصم بسكوته عن التمسك بهذه الدفوع الشكلية يكون قد تنازل عنها ضمنا باستثناء ما تعلق منها بالنظام العام([15]). 

المطلب الثاني: أحكام الدفوع الشكلية 

تقتضي دراسة النظام القانوني للدفوع الشكلية البحث في المبادئ التي تحكمها فضلا عما تتركه هذه الدفوع من آثار ناتجة عن إبدائها والحكم فيها. 

الفرع الأول: المبادئ التي تحكم الدفوع الشكلية 

تخضع الدفوع الشكلية لأحكام عامة تشترك أغلبها فيها منذ وقت إبدائها لغاية سقوطها. 

أولا :إثارة الدفوع الشكلية 

1 - وقت إبداء الدفع الشكلي: وهنا نميز بين حالتين: 

القاعدة: رأى المشرع أن منطق الأمور يقتضي أن يبدأ الخصم أولا وفي بدء النزاع بالتمسك بكل جزاء رتبه القانون على مخالفة الشكل ثم يتدرج بعد ذلك إلى الموضوع ، ولم يتطرق لما يتعلق بشكل الإجراءات من دفوع شف ذلك عن تنازله عن التمسك بالجزاء الذي رتبه القانون على مخالفة الشكل ثم أن العدالة تقتضي ألا يبقى المدعى مهددا بالدفوع الشكلية في جميع مراحل الخصومة فيتراخى خصمه في إبدائها ويكون نتيجة ذلك تعطيل الفصل في موضوع الدعوى, وتهديد الإجراءات المتخذة فيها لأنها تكون عرضة للإلغاء, إذ القاعدة أن بطلان الإجراء يؤدي إلى زواله وزوال كافة الإجراءات اللاحقة له متى كان هو أساس لها وترتبت هي عليه([16]). 

و على ذلك يجب على المدعى عليه أن يتمسك بالدفوع الشكلية قبل أي دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيها ، فإذا تمسك بدفع موضوعي أو بدفع بعدم القبول يترتب على ذلك سقوط حقه في الدفوع الشكلية([17]). وتجدر الإشارة إلى أنه لا يسقط حق الخصم في الدفع الشكلي إذا تضمنت عريضة افتتاح الدعوى دفعا إجرائيا و تناولت دفوع موضوعية أيضا. 

الاستثناء: يجوز إبداء الدفوع الشكلية ولو بعد التطرق للموضوع في حالة : 

ا-إذا نشأ الدفع الشكلي عن سبب ظهر بعد الكلام في الموضوع شرط عدم تناول الموضوع بمجرد قيام سبب الدفع الشكلي. 

ب- الدفع بالإحالة يجوز الإدلاء به في أية مرحلة كانت عليها الخصومة. 

ج- الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام كالدفع بعدم الاختصاص النوعي فهذه يجوز إبدائها في أية مرحلة ولو بعد الكلام في الموضوع([18]). 

د- الدفع بانعدام الإجراء يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى لأن المعدوم لا تلاحقه أية حصانة ولا يتصور أن تزول حالة الانعدام لأن المعدوم لا يرتب أي أثر قانوني 

2- الجمع بين الدفوع الشكلية:

 إن المشرع المصري عكس نظيره اللبناني اشترط أن تبدي جميع الدفوع الشكلية في بداية النزاع معا وإلا سقط الحق فيما لم يبد منها فهي تبدي بلا ترتيب معين ولكن كلها معا وذلك لتفادي تعطيل الفصل في القضية بسبب إبداء دفوع إجرائية متتالية في مناسبات متعددة كما أوجب المشرع المصري إبداء جميع الأوجه التي يقوم عليها كل دفع وإلا سقط الحق في التمسك بالوجه الذي لم يبد منها. وكل هذا طبعا باستثناء الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام فيجوز كما سبق بيانه إبدائها في أية مرحلة([19]). 

- في المقابل نجد المشرع الفرنسي في قانون الإجراءات المدنية الجديد اتبع نفس منهج المشرع المصري من حيث وجوب إبداء جميع الدفوع الشكلية معا وقبل التكلم في الموضوع لكنه شدد في موقفه فلم يستثني من ذلك حتى الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام بالتالي يجب أن تبدي هذه الأخيرة مع غيرها من الدفوع الشكلية في بداية النزاع وقبل التكلم في الموضوع وإلا سقط الحق في التمسك بها, لكن ذلك لا ينفي جواز إثارتها من طرف المحكمة من تلقاء نفسها في أية حالة تكون عليها الدعوى([20]). 

- أما بالنسبة للمشرع الجزائري وطالما أنه لم يعرف الدفوع الشكلية ولم يضع لها مبادئ عامة باستثناء ما جاءت به المادة 462 قانون الإجراءات المدنية. 

حيث قرر المشرع بأنه يجب إبداء الدفوع الشكلية قبل تناول الموضوع ولم يشترط أن تبدي كلها معا لذلك مثلا إذا تضمنت المذكرة الجوابية للمدعى عليه دفعا شكليا ولم يناقش الموضوع ورفضت المحكمة هذا الدفع فلا يوجد ما يمنعه من إبداء دفع شكلي آخر في مذكرة أخرى طالما أنه لم يتطرق للموضوع وأكيد ومن المنطقي أن أي دفع شكلي يجب أن يبنى على أوجه تدعمه فمن دفع بعدم الاختصاص وجب عليه تبرير ذلك. 

ثانيا: سقوط الدفوع الشكلية 

1- أوجب المشرع المصري والفرنسي كما سبق بيانه على المدعى عليه إبداء جميع الدفوع الشكلية وجميع الوجوه أو الأسباب التي تبنى عليها معا, وقبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى أو دفع بعدم القبول وإلا سقط الحق فيما لم يبد منها معناه يجب على المدعى عليه إبداء دفوعه الشكلية كلها مرة واحدة وفي جلسة واحدة([21]). 

حيث إذا أبدى بعضها في جلسة وأبدى البعض الآخر في جلسة تالية سقط الحق في الدفوع الأخيرة, كذلك الحال إذا أبدى الدفع دون بيان سببه وكما أسلفنا فإن المشرع الجزائري لم يتطرق لهذه المسألة لذلك لا يمكننا القول بسقوط الحق في إبداء دفع شكلي معين لأنه لا يبدي مع غيره من الدفوع الشكلية وذلك في غياب نص قانوني, وهذا فراغ قانوني لأن ترك المجال مفتوح لإبداء الدفوع الشكلية في جلسات متفرقة من شأنه إطالة أمد النزاع مما يضر بمصلحة الخصم الآخر من جهة ويعطل حسن سير مرفق القضاء من جهة أخرى لذلك على المشرع الالتفات لهذه النقطة وتدقيقها إقتداءا بالقانون المقارن المصري والفرنسي طالما أن في ذلك مصلحة عملية عامة. 

2- يسقط الحق في التمسك بالدفع الشكلي إذا طلب الخصم رفض طلبات خصمه المتعلقة بالموضوع أو ناقشها أو عرض دفع كل المطلوب منه أو بعضه أو طلب إدخال ضامن في الدعوى أو طلب التأجيل لتقديم المستندات التي تثبت براءة ذمته من الدين كله أو بعضه أو طلب التأجيل للإطلاع على مستند معين قدمه خصمه ،كذلك إذا دفع المدعى عليه بعدم الاختصاص المحلي ثم طلب التأجيل ليثبت بتقديم مستندات معينة تبرئة ذمته من الدين وقدمها فإنه يكون قد عدل عن حقه في التمسك بعدم الاختصاص, كذلك الحال إذا طلب المدعى عليه في أول جلسة محددة لنظر القضية تأجيلها لتحقيق الصلح وأجلت فلا يجوز له بعد ذلك التمسك بعدم إختصاص المحكمة. 

3- كما يسقط الحق في التمسك بالدفع الشكلي إذا طلب المدعى عليه ضم الدعوى 

إلى أخرى إذا كانتا مرفوعتين أمام نفس المحكمة لأن المدعى عليه بذلك يسلم ضمنا بصحة إجراءات الخصومة وبقيامها أمام محكمة مخصصة كما يسقط حق التمسك بالدفع الشكلي إذا تمسك المدعى عليه بوقف الدعوى حتى يفصل في مسائل أولية لا تدخل في اختصاص المحكمة النوعي فلا مجال للتمسك بعدم الاختصاص المحلي. 

4- يسقط أيضا حق الخصم في التمسك بالدفع الشكلي إذا تمسك بما من شأنه أن يؤدي إلى زوال الخصومة بغير حكم في موضوعها. كما لو تمسك بسقوطها أو انقضائها بالتقادم([22]). 

5- ويسقط أيضا حق إبداء الدفع الشكلي إذا أبدى المدعى عليه دفعا بعدم القبول, إذ يكون هنا قد تعرض للموضوع مما يستشف منه تنازله الضمني عن الدفوع الشكلية كالدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة أو لانتفاء المصلحة([23]). 

إن الفقه والقانون المقارن عدد حالات يسقط فيها حق إبداء الدفع الشكلي لكن المشرع الجزائري كان واضحا وصريحا من خلال نص المواد 462-92-93 قانون الإجراءات المدنية على أن الحالة الوحيدة التي يسقط فيها حق الخصم في إبداء الدفع الشكلي هي مناقشته للموضوع. عكس ما يأخذ به القانون المصري حيث لا يشترط في الإجراء أو التصرف الذي يؤدي إلى إسقاط الحق بالدفع الشكلي أن يمس موضوع الدعوى بل يكفي أن يتعلق بأية مسألة فرعية يتشف منها التنازل عن إبداء الدفع الشكلي من قبل ذات الخصم المتمسك به([24]). 

الفرع الثاني: آثار التمسك بالدفوع الشكلية 

إن عدم قبول المحكمة للدفع الشكلي يؤدي لاعتبار هذا الدفع كأن لم يكن فلا يكون له أي أثر على سير الخصومة لكن تثار مسألة الآثار عند قبول الدفع الشكلي فماذا يترتب عليه؟ 

أولا: كيفية الفصل في الدفوع الشكلية 

للمحكمة سلطة تقديرية للفصل فيها طبقا لإحدى الشكلين الآتيين: 

1- الفصل في الدفع الشكلي على استقلال:

 الأصل أن تقضي المحكمة في الدفع الشكلي أولا لأنه قد يغنيها عن التطرق للموضوع و من الناحية المنهجية فإنه يجب على المحكمة أن تتطرق إلى دراسة من الناحية الإجرائية فيجب عليها أن تتطرق إلى الدفوع الشكلية فإما أن تصرح بقبولها و هذا يغنيها عن التطرق للدفوع بعدم القبول و الدفوع الموضوعية . لأن الدفوع الشكلية تعتبر الحلقة الأولى من الحلقات التي تتكون منها الأعمال الإجرائية ، فيجب على الخصم أن يتجاوز هذه الحلقة و إلا يعثر فيها و تجدر الإشارة إلى أنه لا تتصدى المحكمة للدفوع إلا إذا كانت مختصة بنظر الموضوع ([25]) . 

2- ضم الدفع الشكلي للموضوع:

 قد يحدث أن تجد المحكمة نفسها مضطرة لكي تفصل في الدفع الشكلي أن تتناول موضوع الدعوى بالبحث والتحقيق والتمحيص حتى تحكم في الدفع بقبوله أو رفضه على ضوء ما يتضح لها من موضوع النزاع لذلك فيجوز لها لمواجهة مثل هذه الحالة أن يأمر بضم الدفع الشكلي للموضوع ليقضى فيهما معا([26]). لكن تتقيد سلطة المحكمة في هذا الضم بقيدين: 

1-يجب عليها تمكين الخصوم من تقديم دفاعهم الموضوعي فإذا لم يكن الخصوم قد أبدوا دفاعهم في الموضوع وجب عليها تنبيههم الى الضم لتجنب ان يمتنع الخصوم عن الدفع الموضوعي انتظارا للفصل في الدفوع الإجرائية ثم يفاجأوا بحكم المحكمة في الموضوع لذا يكون هذا الحكم باطلا لإخلاله بحق دستوري ألا وهو حق الدفاع. 

2-يجب أن تبين المحكمة إذا قضت في الموضوع ما حكمت به فلا يكفي أن تفصل المحكمة في موضوع الدعوى ويقال أنها قضت ضمنيا برفض الدفع الشكلي. وما تجدر الإشارة إليه أن ما يجري العمل به في الميدان هو ضم الدفع الشكلي للموضوع ونادرا ما يفصل فيه على استقلال وهذا له أثر سلبي كبير على حقوق الخصوم وعلى وتيرة سير العمل القضائي حيث أن الخصوم مضطرين حتى بعد تقديم دفوع شكلية إلى انتظار تبادل المذكرات في الموضوع ليفصل القاضي في النهاية في الدفع الشكلي وتنتهي الخصومة عند هذا الحد رغم أنه كان بإمكانه الفصل فيه في بادئ الأمر قبل تناول الموضوع وبذلك يختصر الوقت والجهد على الخصوم وعلى نفسه وعلى جهاز العدالة. 

ثانيا: الحكم الصادر في الدفع الشكلي: 

إن إبداء الدفوع الشكلية يستلزم الفصل فيها بحكم سواء قبلت أو رفضت ، فما هي طبيعة هذا الحكم وما هو أثره على الموضوع عند استئنافه؟ 

1-طبيعة الحكم الصادر في الدفع الشكلي:

 لا يعد الحكم في الدفع الإجرائي قضاءا موضوعيا وإنما هو حكم إجرائي لا يرتب حجية الأمر المقضي فيه ويجوز إذا أدى إلى زوال الخصومة رفع الدعوى من جديد للمطالبة بذات الحق بإجراءات جديدة, لكنه يعد حكم قطعي يستنفذ سلطة المحكمة بالنسبة للمسألة الإجرائية التي فصل فيها داخل الخصومة ذاتها([27]). 

2 ـ الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام : 

قبل الحديث عن الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام لابد لنا من تحديد فكرة النظام العام التي تسود النظام الإجرائي ، فقيل أنه إذا كانت القاعدة القانونية ترمي لتحقيق المصلحة العامة فهي تتعلق بالنظام العام و إذا رمت لتحقيق المصلحة الخاصة فهي لا تتعلق بالنظام العام ، فالقاعدة القانونية التي تهدف إلى حماية الحرية الفردية في كافة مظاهرها و إبطال جميع الإتفاقيات التي تشكل الإعتداء على السلامة الجسدية و المعنوية للأفراد فلا شك أنها تهدف لتحقيق مصلحة الجماعة ، كذلك القواعد التي تهدف لحماية النظم الأساسية في المجتمع كنظام الأسرة و حالة الأفراد المدنية و تلك التي تهدف لكفالة و حماية نظام القضاء و سلامة مرفق العدالة كتلك المتعلقة بالتنظيم القضائي و تحديد درجات التقاضي و طرق الطعن و قواعد الإختصاص النوعي . و تشكيل المحاكم و غيرها من القواعد كلها ترمي إلى تحقيق الصالح العام ، بالتالي لا علاقة لها بالمصالح الخاصة و من ثمة فهي تتعلق بالنظام العام و مخالفة تلك القواعد يتولد عنها دفع شكلي متعلق بالنظام العام و هذا ما أكدت عليه المادة 93 / 1 من قانون الإجراءات المدنية التي أكدت أن عدم إختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى يعتبر من النظام العام و تقضي به المحكمة ، و لو من تلقاء نفسها و في أية حالة كانت عليها الدعوى . و تجدر الإشارة أن التمسك بالدفع الشكلي المتعلق بالنظام العام يتم و لو لأول مرة أمام جهة الإستئناف ، بل يجوز التمسك به و لو لأول مرة أمام المحكمة العليا ما دام أساسه الواقعي مطروح أمام قضاة الموضوع . 

3 –لا تستنفذ المحكمة ولايتها في الدفع الشكلي : 

الحكم الصادر في الدفع الشكلي هو من الأحكام الصادرة في الموضوع ، فلا تستنفذ المحكمة ولايتها عندما تفصل فيه . و من ثمة يحق للخصم أن يعيد رفع الدعوى من جديد أمام نفس المحكمة التي صدر عنها الحكم دون أن يدفع عليه بسبق الفصل في الدعوى فإذا قضي ببطلان عريضة إفتتاح الدعوى ، لعدم تعيين موضوع أو سبب الطب القضائي فيحق للخصم أن يعيد من جديد رفع الدعوى بعدما يكون قد قام بإستيفاء المقتضى الذي أدى إلى البطلان و يقبل الحكم الصادر في الدفع الشكلي الطعن فيه بالإستئناف لأنه يعد من الأحكام القطعية و الأصل أن ينقل الطعن إلى جهة الإستئناف المسائل المتعلقة بهذا الدفع و التي كانت مطروحة أمام محكمة الدرجة الأولى و ذلك في الحدود التي رفع عنها الطعن فيجب على جهة الإستئناف أن تفصل في الطعن فإذا ما أيدت الحكم فلا إشكال يثور حينئذ أما إذا ألغت الحكم المستأنف ففي هذه الحالة فيجب عليها أن تعيد القضية إلى محكمة الدرجة الأولى لأنها لم تستنفذ ولايتها بعد ، إحتراما لمبدأ التقاضي على درجتين ([28]) . 


غير أنه يستثنى من هذه القاعدة حيث يجوز لجهة الإستئناف إذا ما طعن لديها في الحكم الصادر في الدفع الشكلي أن تتصدى لموضوع النزاع و ذلك بشرط أن تكون القضية مهيأة للفصل فيها و ذلك ما تقضي به المادة 109 من قانون الإجراءات المدنية . 

و مثال ذلك كما إذا ضمت المحكمة الدفع الشكلي للموضوع و سمحت للخصوم أن يتكلموا في الموضوع فأبدوا دفاعهم فيما يخص ذلك ، فإذا فصلت المحكمة في الدعوى و تبين لها أن الدفع الشكلي الذي تمسك به المدعى عليه مؤسس ، فإقتصرت حينئذ على الحكم في الدفع الشكلي . بالحكم بعدم الإختصاص النوعي أو المحلي أو بإبطال إجراءت رفع الدعوى ، فوقع الإستئناف في هذا الحكم فتبين لجهة الإستئناف أن المحكمة قد أخطأت عندما صرحت بعدم إختصاصها أو بإبطال إجراءات رفع الدعوى ، فإنتهت إلى إلغاء الحكم المعاد ، ففي هذه الحالة وإذا كانت القضية غير مهيأة للفصل فيها فيجب عليها أن تعيدها إلى محكمة الدرجة الأولى إحتراما لمبدأ التقاضي على درجتين . لأن هذه الأخيرة لم تفصل في موضوع الدعوى و بالتالي لم تستنفذ ولايتها . أما إذا أصبحت القضية مهيأة للفصل فيها بعد إبطال الحكم المعاد من الجهة الإستئنافية ففي هذه الحالة يحق لهذه الأخيرة إما أن تعيد القضية إلى محكمة الدرجة الأولى إحتراما لمبدأ التقاضي على درجتين . 

و إما أن تستعمل حقها في التصدي و تفصل في القضية و حق الجهة الإستئنافية في التصدي للقضية هي مسألة خاضعة لسلطتها التقديرية فلا معقب عليها من قبل المحكمة العليا ، فلها أن تستعمل هذه الرخصة أو لا تستعملها ([29]) . 

المبحث الثاني : بطلان العمل الإجرائي . 

إن استعمال الدعوى يخضع إلى اتباع إجراءات مختلفة وشكليات متنوعة هدفها توفير ضمانات لصالح المتقاضين وقيام القضاء على أسس مضبوطة حتى تتم حماية كل خصم من تعسف الخصـــم الآخر والقاضي, وتحديدا لمراكز الخصوم إزاء بعضهم في الخصـومة وعليته فإن احتــرام الإجـراءات والشكليات المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية أمر ضـروري وواجب الأخذ به من قبـل جميع الأطراف في الخصومة واحترامه من قبل المحكمة، لذلك أصبح من الطبيعي أن لا يقتصر عمل المشــرع علـى تدويـن تلك الشكليات والإجراءات بغير أن يضع جزاءا للإخلال بها لحمل الأفراد والمحاكم على اتباعها. 

وقد وضع المشرع هذا الجزاء بالنص في كثير من الأحيان على البطلان الذي قد يلحق بعض الوثائق كعرائض افتتاح الدعاوى كما قد يلحق الإجراءات . 

إن تناول بطلان الإجراءات يدفعنا للبحث أولا في ماهية البطلان وأنواعه وأسبابه و كيفية تصحيحه ثم أحكام الدفع به . 

المطلب الأول :نظـرية البطـلان 

تعتبر نظرية البطلان من أهم النظريات في المجال الإجرائي، فماهو مضمونها ،و ماهي المبادئ التي تحكمها؟. 

الفرع الأول: ماهيـة البطـلان:

 يقتضي منا هذا العنصر التطرق لما يلي: 

أولا: تعريف البطلان: 

لقد عرفه الأستاذ أحمد هندي بأنه: الأثر الذي يرتبه القانون على مخالفة الإجراء لنموذجه القانوني فينعدم أثره الذي كان يولده لو كان الإجراء صحيحا, فإذا لم يتوفر في الإجراء أحد الشـروط اللازمة لصحته فإن الإجراءات تكون باطلة([30]). 

أما الأستاذ الغوثي بن ملحة فقد عرفه بأنه جزاء عدم مراعاة الإجراءات والشكليات المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية الذي يعترض الخصومة ولربما يؤدي بها إلى القضاء عليـها وعــدم وجودها([31]). 

ثانيا: البطلان في القانون المقارن: 

1- قواعد البطلان في التشريع الروماني: كان التشريع الروماني يحتم استيفاء أشكال وصيغ وبيانات خاصة ويعتبرها واجبة المراعاة حتى في أتفه تفاصيلها.بحيث تسقط الدعوى إذا خلت أوراقها من كلمة واحدة من هذه العبارة الخاصة. 

2- قواعد البطلان في التشريع الفرنسي: كان يقوم على قاعدة لا بطـلان بغير إضرار بالخصم الذي تمسك به. 

3- قواعد البطلان في التشريع المصري: أخذ القانون المصري بقاعدة أنه لا بطلان إلا بنص، أما إذا لم ينص القانون عليه فلا يكون بطلانا واجبا إلا إذا كان العـيب الذي شاب الإجراء عيـبا جوهـريا ويشترط أن يكون من يتمسك بالبطلان قد أصابه ضرر من جراء ذلك.([32]). 

ثالثا- صور البطلان: تنص المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية على أنه:" لا يجوز الدفع بالبطلان أو بعدم صحة الإجراءات من خصم يكون قد أودع مذكرته في الموضوع, وإذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه ويرجع أثر هذا التصحيح إلى تاريخ الإجراء المطعون فيه بالبطلان أو بعدم الصحة"([33]). 

1- البطلان المقرر لمصلحة الخصوم: أي المتعلق بالمصلحة الخاصة وهو البطلان الناشئ عن مخالفة قاعدة قررها المشرع لحماية مصالح الخصوم وهو الغالب في إجراءات التقاضي([34]). 

كما يطلق عليه صفة البطلان النسبي الذي قرره المشرع لحماية الخصوم ولا يجـوز أن تحكـم بـه المحكمة من تلقاء نفسها ([35])، وهو ما أخذ به قرار المحكمة العليا المؤرخ في 19/03/1990 ملف رقم 63 569 المجلة القضائية لسنة 1993 العدد 3 صفحة 107 الذي جاء فيه أنه: 

من المبادئ المقررة قانونا أن القاضي لا يمكن له أن يثير تلقائيا إلا أوجه البطلان أو عـدم صـحة الإجراءات المخالفة للنظام العام, ومن ثم فإن القضاء بها يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون. 

ولما كان من الثابت في قضية الحال أن قضاة المجلس باعتمادهم لرفض الاستئناف شكـلا على أوجه البطلان وعدم صحة الإجراءات في محملها ليست من النظام العام لم يعطوا لقرارهم الأساس القانوني. ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه.([36]). 

2- البطلان المتعلق بالنظام العام: أي المقرر للمصلحة العامة وهذا النوع ينشأ عن مخالـفة قاعـدة تستهدف حماية المصلحة العامة كمخالفة قاعدة من قواعد الاختصاص النوعي أو الأهلية وحقيقة الأمر إن المشرع عندما يحمي المصلحة الخاصة يحمي في الوقت نفسه المصلحة العامة باعتبار أن ما يحقق خير الفرد يحقق خير المجموع كما أنه عندما يحمي المصلحة العامة يحمي في الوقت نفسه المصـالح الخاصة لكن ذلك لا يمنع من اصطدام مصلحة الفرد بمصلحة المجتمع ومن هنا تنشأ ضرورة تغليـب إحداهما على الأخرى. خاصة وأن المصلحة العامة فوق الجميع إلا أن الإشكال يقوم في تحديد مفهومها أو مفهوم النظام العام ذلك أن هذا الأخير يتغير عبر التاريخ وعبر المجتمعات ومن تم فإنه لا يمكن أن يوضع للنظام العام ضابطا محددا وإن أمكن تعريفه بصيغة عامة بأنه يرتبط بمصلحة عامـة تمس النظام الأعلى للمجتمع ونظرا لغموض فكرة النظام العام واختلاف وجهات النظر بشأنها توسـعا وتضييقا، فإن المشرع يعمل أحيانا على مساعدة القاضي بالنص على ما يعتبره متعلقا بالنظام العام([37])،مثلما هو الحال بالنسبة للاختصاص النوعي. وإجراء الأعذار في القانون التجاري وفـي هذا الإطار نجد قرار المحكمة العليا المؤرخ في 01/06/1985 ملف 113 32 المجلة القضائية لسنة 1990 العدد 2 صفحة 94 الذي جاء فيه أنه من المقرر قانونا أن إجراء الاعذار الذي فرضته أحكام المادة 117 من القانون التجاري هو إجراء يتعلق بالنظام العام وأن الجزاء المترتب على مخالفته هو البطلان المطلق تطبيقا لعبارة – تحت طائلة البطلان- ومن تم فإنه يجوز لقضاة الموضوع إثارة هذا البطلان تلقائيا في أية مرحلة كانت عليها الدعوى. ولما كان كذلك فإن النعي على القرار المطعون فيه بما يثيره الطاعن بمخالفة أحكام المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية في غير محله ويتعين رفضه ([38])، بالتالي فإن الملاحظة الواجب ذكرها فيما يخص فكرة النظام العام أن تطبيقه يتطلب حنكة ودقة القاضي في استقراء النصوص القانونية لاستنباط قصد المشرع من كل مادة وما إذا كان مضمونها يتعلق بالنظام العام أو لا لأننا نجد المشرع أحيانا يعبر صراحة عن تعلق قاعدة ما بالنظام العام مثلما جاء في نص المادة 93 من قانون الإجراءات المدنية بأن الاختصاص النوعي من النظام العام بينما يكتفي أحيانا بمجرد ذكر كلمات أو عبارات يصعب على القاضي أن يستشف منها تعلقها بالنظام العام من عدمه من خلال سلطته في تفسير النصوص القانونية مثلا من خلال عبارات النهي أو الوجوب أو عبارة: تحت طائلة البطلان. 

الفرع الثاني: تصحيـح البطـلان 

أولا - تعريف التصحيح: 

يقصد بتصحيح البطلان زواله وعدم قابلية العمل الإجرائي المعيب للإبطال حيث أن الغالب هو تعلق البطلان بالمصلحة الخاصة للأفراد وهذا يعني أن أكثر الأعمال الإجرائية المعيبة قابلة للتصحيح لأن هذا الأخير لا يجوز في البطلان المتعلق بالنظام العام لأنه يمس المصالح العليا للمجتمع . 

وقد جعل المشرع التصحيح وسيلة لاستمرار الخصومة وتحقيق غاياتها وإرجاع القدرة للعمل الإجرائي ليحقق الأثر القانوني الذي وجد من أجله ([39])، وقد ورد النص على تصحيح العمل الإجرائي في المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية فقرة 4 التي جاء فيها أنه إذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام, فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه ويرجع أثر هذا التصحيح إلى تاريخ الإجراءات المطعون فيها بالبطلان أو بعدم الصحة. 

تطبيقا لهذا النص نجد قرار المحكمة العليا المؤرخ في 30/04/1990 ملف رقم 728 59 مجلة قضائية لسنة 1992 عدد 4 صفحة 61 الذي جاء فيه أنه ليس من المقرر قانونا أنه إذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه ويرجع أثر هذا التصحيح إلى تاريخ الإجراء المطعون فيه بالبطلان أو عدم الصحة ومن تم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفة للقانون. ولما كان ثابتا في قضية الحال أن المجلس القضائي لما قضى بعدم قبول الاستئنافين الذين قدمهما الطاعن بحجة عدم توقيع عريضته الأولى وعدم إدخال الوالي في العريضة الثانية بالرغم من أن هذا الإجراء ليس من النظام العام بقضائه كما فعل خالف القانون. ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه.([40]). 

ثانيا - طرق تصحيح الإجراء المعيب: 

1- التصحيح بالتنازل عن التمسك بالبطلان: يزول البطلان إذا تنازل عنه صراحة أو ضمنا من شرع لمصلحته, فمن حق الخصم التمسك بالبطلان من عدمه لتعلقه بمصلحته الخاصة.أما إذا تعلق بالنظام العام فمع جواز تمسك الخصم به إلا أنه لا يملك حق التنازل عنه لأن الحكم به لا يتوقف على إرادته وإنما تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به الخصم أو تنازل عنه صراحة. 

أ- التنازل الصريح: يكون بإعلان الخصم إرادته عن التنازل عن حقه في التمسك بالبطلان ولا يشترط أن يبدي الخصم إرادته في شكل معين فقد يكون كتابة في مذكرة تبلغ للخصم الآخر أو تقدم للمحكمة وقد يكون شفاهة في الجلسة وبحضور الخصم الآخر. 

ب - التنازل الضمني: فهو سلوك إجرائي من الخصم يدل على إرادته في التنازل عن حق التمسك بالبطلان ويتجلى هذا النوع من التنازل مثلا بإيداع الخصم مذكرته في الموضوع فهذا إجراء يجعل الخصم متنازلا ضمنيا عن التمسك بالبطلان.([41]) 

2- التصحيح بتكملة العمل الإجرائي: ويتم هذا التصحيح بأن يضاف إلى العمل الإجرائي البيان أو الشكل أو العنصر الذي ينقصه بشرط أن يتم التصحيح في الميعاد المقرر قانونا لاتخاذ الإجراء وإلا أصبح التصحيح غير ممكن أما إذا لم يكن للإجراء ميعادا محددا في القانون فيحدد القاضي الميعاد الذي يراه مناسبا لإجراء التصحيح. 

3- التصحيح بالتحول: ويتم بتحويل العمل الإجرائي إلى عمل إجرائي آخر منصوص عليه قانونا دون الأخذ بنية القائم بالعمل الإجرائي إذا ما كانت قد اتجهت إلى الإجراء المحول إليه لأن آثار الإجراء الجديد تترتب بقوة القانون مثال ذلك مخالفة الإجراءات الشكلية في حلف اليمن يجعل إمكانية تحوله إلى إقرار قضائي صحيح. 

حيث يتم التحول إذا توافرت في الإجراء الباطل عناصر إجراء آخر فإن الإجراء يصح باعتباره الإجراء الآخر الذي توفرت عناصره ولقد نص المشرع المصري صراحة على التحول في المادة 24 فقرة 01 من قانون المرافعات, ولم ينص عليه المشرع اللبناني ولا الجزائري ولا يمنع ذلك من الأخذ بهذه الفكرة, إذ أنها تعد تطبيقا لفكرة تحول العقد في القانون المدني. 

4- التصحيح بالانتقاص: حيث يكون الإجراء باطلا في شق منه وصحيحا في شق آخر, فإنه يبطل في الشق الأول وحده ويصح في الشق الثاني. فإذا كان الحكم قد فصل في أكثر من موضوع, وكان باطلا بالنسبة لما قضي به في موضوع واحد فإنه يكون صحيحا بالنسبة لما قضي به في الموضوعات الأخرى ويكون ذلك تطبيقا لفكرة انتقاص العقد في القانون المدني([42]). 

تجدر الإشارة هنا أن المشرع الجزائري نص في المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية على التصحيح بتكملة العمل الإجرائي صراحة أما التصحيح عن طريق التنازل عن التمسك بالبطلان فيمكن أن نستشفه من نفس المادة في فقرتها الأولى عندما نص المشرع على أنه لا يجوز التمسك بالبطلان من خصم أودع مذكرته في الموضوع وبمفهوم المخالفة يعتبر الإجراء صحيحا إذا تناول الخصم الموضوع, أما بالنسبة للتصحيح بالتحول والانتقاص فلم يرد نص بهما في قانون الإجراءات المدنية لكن ونظرا لما لهما من فائدة تعود على حسن سير مرفق العدالة وتمكين الخصوم من حقوقهم فالأحرى أن يأخذ به في الميدان العملي. 

المطلب الثاني:أحكــام الدفع ببطلان الإجـراءات 

إن التمسك ببطلان الإجراءات عن طريق الدفع يدفعنا للبحث عن المقصود بالدفع بالبطلان وفي أي وقت يجب إبداؤه ومن له حق التمسك به وما هي كيفية الفصل فيه؟ 

كل هذه التساؤلات سوف نجيب عنها خلال العناصر الموالية. 

الفرع الأول :ماهيـة الدفـع بالبطـلان 

أولا: تعريفه: يقصد بهذا الدفع التمسك ببطلان إجراءات الخصومة لعدم مطابقتها للأوضاع التي إستلزمها القانون أو لنقص كل أو بعض البيانات الجوهرية الواجب ذكرها في أوراق الإجراءات ولا علاقة لهذا الدفع بالأحوال التي يتمسك فيها أحد طرفي الخصومة ببطلان عقد استند عليه الخصم في دعواه, إذ التمسك بالبطلان في هذه الحالة يعتبر دفعا موضوعيا والدفع بالبطلان قد يكون واردا على عريضة افتتاح الدعوى أو ورقة التكليف بالحضور أو يتعلق بأهلية الخصوم كما سبق بيانه, هذا عند بداية الدعوى أي في الحالات العادية([43]). 

ثانيا: من له حق التمسك بالبطلان: هنا نميز بين حالتين: 

1- بالنسبة للبطلان المتعلق بالمصلحة الخاصة: 

إذا كان البطلان نسبيا أي مقررا لمخالفة شرط تقرر لحماية مصلحة خاصة فإن هذا البطلان تحكمه قاعدتين أساسيتان بالنسبة للتمسك به: 

أ-القاعدة الأولى: أن الحق في التمسك بالبطلان يقتصر على من شرع لمصلحته إذ لصاحب هذه المصلحة وحده حق التمسك بالبطلان فإن لم يتمسك به فليس لغيره ذلك, كما أنه ليس للنيابة العامة التمسك به 

كما لا يكون للقاضي حق إثارته من تلقاء نفسه بالتالي فلا يجوز مثلا لمن صح إعلانهم من الخصوم التمسك ببطلان إعلان غيرهم في نفس الدعوى, ولمعرفة من الذي قرر القانون البطلان لمصلحته يجب الرجوع إلى إرادة المشرع. 

ب-القاعدة الثانية: تتمثل في انه ليس لمن كان سببا في بطلان العمل الإجرائي أن يتمسك ببطلانه سواء كان هو الذي تسبب فيه بنفسه أو كان الذي تسبب فيه شخص يعمل باسمه و أساس ذلك أنه لا يجوز للخصم أن يستفيد من خطأ ارتكبه أو مخالفة أسهم فيها 

2/بالنسبة للبطلان المتعلق بالنظام العام:إذا كان البطلان مقررا كجزاء لمخالفة قاعدة مقررة للمصلحة العامة أي يتعلق بالنظام العام فإن الحكم بالبطلان ورعاية المصلحة العامة تعلو على أي اعتبار أخر و يترتب على ذلك ما يلي: 

أ-للمحكمة أن تحكم بالبطلان من تلقاء نفسها:و ذلك صيانة للنظام العام الذي يعتبر مخالفة القاعدة المعنية انتهاكا لمبادئه.وقد ينص القانون صراحة على إعطاء المحكمة هذه السلطة،إلا أنه للمحكمة سلطة الحكم بالبطلان في كل مرة يتعلق فيها البطلان بالنظام العام دون حاجة لنص صريح. 

وفي هذا المجال تجدر الإشارة لصعوبة تحديد فكرة البطلان المتعلق بالنظام العام الذي يجيز للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها لكنه يمكن القول أن جميع القواعد المتعلقة بالتنظيم القضائي تتعلق بالنظام العام،كذلك جميع القواعد التي تتصل بوجود الخصوم و أهليتهم وكل الأشكال التي ترمي لضمان حسن سير القضاء كمرفق عام أو تتصل بالتنظيم العام للخصومة و إن كان المشرع ينص في بعض الحالات على تعلق القاعدة بالنظام العام إلا أنه حتى في حالة عدم النص يجب على القاضي أن يقدر المصلحة التي شرعت القاعدة لرعايتها. 

ب-للنيابة العامة التمسك بالبطلان: النيابة مكلفة بالدفاع عن المصالح العامة وعلى ذلك إذا تدخلت في الخصومة لإبداء الرأي كان لها التمسك بالبطلان المقرر جزاءا لقاعدة شرعت لحماية مصلحة عامة تتعلق بالنظام العام ، وإذا كانت طرفا منظما في الخصومة يكون لها ما للخصوم من سلطات قانونية فيجوز لها التمسك بالبطلان المتعلق بالنظام العام. 

ج-لكل ذي مصلحة التمسك بالبطلان المتعلق بالنظام العام: أي أن كل من يكون في مركز قانوني يتأثر ببطلان العمل الإجرائي يكون له حق التمسك بهذا البطلان و يكون له هذا سواء كان طرفا أصليا أو متدخلا سواء كان هو من قام بالإجراء أو الموجه إليه الإجراء،كما لا يجوز التنازل عن هذا البطلان إذ أنه يتعلق برعاية مصلحة عامة([44]). 

و من التطبيقات القضائية المتعلقة بالدفع بالبطلان المتعلق بالنظام العام نجد القرار المؤرخ في 19/03/1990 ملف رقم 56963 المجلة القضائية لسنة 1993 العدد الثالث صفحة 107 الذي جاء فيه أنه: من المبادئ المقررة قانونيا أن القاضي لا يمكن له أن يثير تلقائيا إلا أوجه البطلان أو عدم صحة الإجراءات المخالفة للنظام العام ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون.و لما كان من الثابت في-قضية الحال-أن قضاة المجلس باعتمادهم لرفض الاستئناف شكلا على أوجه بطلان و عدم صحة إجراءات في مجملها ليست من النظام العام لم يعطوا لقرارهم الأساس القانوني و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه. 

ثالثا:وقت إبداء الدفع بالبطلان: طبقا للمادة 462 فإنه يجب إبداء هذا الدفع قبل تناول الموضوع و هذه هي القاعدة ثم يضيف المشرع استثناءا مفاده أنه إذا طرأ البطلان بعد تقديم المذكرات في الموضوع فإنه لا يجوز إبداء الدفع بهذا البطلان إلا قبل أية مناقشة في موضوع الإجراء محل البطلان([45]). 

وهذا الموقف راعى فيه المشرع حالات خاصة يرد فيها البطلان الإجرائي بعد تناول الموضوع و ذلك حرصا منه لعدم ضياع حقوق الخصوم. 

الفرع الثاني:الحكـم في الدفع بالبطلان و آثاره:

الأصل أن تقضي المحكمة في الدفع بالبطلان بحكم مستقل ما لم تأمر بضمه إلى الموضوع وعندئذ يتعين عليها أن تبين ما حكمت به في كل منهما على حده و تجدر الإشارة إلى أن الحكم الصادر بقبول الدفع بالبطلان يجوز استئنافه على استقلال فور صدوره لأنه يعتبر منهيا للخصومة بخلاف الحكم الصادر برفض هذا الدفع فلا يجوز استئنافه إلا مع الحكم الصادر في الموضوع ([46]). 

ويترتب على الحكم بالبطلان زوال كل أثر للإجراء فإذا تعلق بعريضة افتتاح الدعوى اعتبرت الدعوى كأنها لم ترفع وزالت كل الآثار التي ترتبت على رفعها ووجب رفع دعوى جديدة إذا كان الحق لا زال قائما([47]). 

كما تزول جميع الإجراءات اللاحقة له إذا كانت مبنية عليه بمعنى أن يكون بين الإجرائين تلازم حيث يكون العمل السابق الذي بطل، شرطا لصحة العمل اللاحق،لكن بطلان الإجراء لا يؤثر على الإجراءات السابقة عليه. 

المبحث الثالث- الدفـع بالانعـدام 

إن عدم احترام الإجراءات التي فرضها القانون قد ينجر عنه الانعدام حيث يمر العمل الإجرائي بثلاث مراحل, مرحلة أولى يوجد فيها العمل بتوافر أركان قيامه ثم مرحلة الصحة حيث تتوافر أركان صحته ثم مرحلة ترتيب الآثار القانونية. 

ولكي يكون الإجراء صحيحا أو باطلا يجب أن يوجد أولا فإذا لم يوجد العمل الإجرائي فهو منعدم قانونا وبالتالي لا مجال للقول بصحته أو بطلانه ومن ثم يقصد بانعدام العمل الإجرائي عدم وجود الإجراء قانونا أي عدم ولادته. كذلك الحال بالنسبة للحكم أو القرار الذي بني على إجراءات باطلة فهو والعدم سواء بالتالي لا تكون له آثار قانونية. فما هي أحكام الانعدام؟ وكيفية التمسك به؟. 


المطلب الأول :حـالات الانعـدام:

 إن مسألة الإنعدام كأثر لمخالفة الإجراءات المقررة قانونا كانت و لا زالت محل جدل فقهي مما يدفعنا لمحاولة دراستها و بهذا الصدد ، سنتطرق للحالتين اللتين يتحقق فيهما الإنعدام . 


الفرع الأول: عـدم انعقاد الخصومـة: 

إن تفصيل هذا العنصر يتطلب منا البحث عن وسائل انعقادها وآثار تخلف هذه الوسائل. 

أولا- وسائل انعقاد الخصومة: تنشأ الخصومة أمام المحكمة بتقديم الطلب القضائي (أو المطالبة القضائية) هذا الأخير هو العمل الإجرائي الذي تبدأ به الخصومة وهو عمل موجه من المدعي إلى القضاء يؤكد فيه وجود حماية قانونية ويعلن عن رغبته في الحصول على هذه الحماية في مواجهة المدعى عليه أمام القضاء. 

وإذا كانت الخصومة تنشأ بتقديم المطالبة القضائية إلا أنه من الضروري تبليغ الخصم بالطلب الموجه إليه, فبمجرد رفع الطلب الأصلي إلى المحكمة تفتح الخصومة أي تبدأ سلسلة الإجراءات التي تنتهي بصدور حكم قضائي وترتب آثارها القانونية, لكن إذا لم يتم تبليغ الخصم بالمطالبة فإن الخصومة تنقضي وتزول هذه الآثار بأثر رجعي أي تعتبر الخصومة كأنها لم تكن ([48])، وهو ما يصطلح عليه بعدم انعقاد الخصومة، حيث أن هذه الأخيرة لا تنعقد إلا بوسيلتين هما التكليف بالحضور كما سبق بيانه أو بحضور المدعى عليه اختياريا أما الجهة القضائية طبقا لما تنص عليه المادة 28 من قانون الإجراءات المدنية. 

ثانيا- آثار تخلـف وسائل انعقاد الخصومـة: 

1- عـدم انعقاد الخصومة لتخلف التكليف بالحضور: 

إذا انعدم الاستدعاء انعدمت معه الخصومة, وهذه قاعدة تتعلق بالنظام العام. فالأصل في الخصومة أنها لا تنعقد إلا بوجود طرفين وانعدام احدهما يعتبر انعداما لركن من أركانها الذي ينتج عنه انعدام الخصومة ذاتها، والاجتهاد القضائي غني في مجال تقرير عدم انعقاد الخصومة لانعدام التكليف بالحضور فنجذ مثلا القرار رقم 46.757 المؤرخ في 07/02/1987 مجلة قضائية 1991 عدد 02 صفحة 525 جاء فيه: أنه لا يعتبر الشخص متغيبا عن الحكم ويحكم عليه بهذه الصفة إلا إذا توصل بالاستدعاءأو افترض علمه بالدعوى المرفوعة عليه بالمحكمة ويكون هذا بإتباع القواعد المنصوص عليها في المادة 22 من قانون الإجراءات المدنية وما بعدها في حقه. ففي هذه الحالة إذا لم يحضر يكون الحكم الذي صدر عليه غيابيا وبالرجوع إلى الحكم القاضي بالتطليق يتبين أن المدعى عليه لم يستلم الاستدعاء. 

ومن تم يعتبر غير عالم بالدعوى وتعتبر عملية الاستدعاء بالنسبة إليه منعدمة برمتها وإذا انعدم الاستدعاء انعدمت الخصومة وهذه قاعدة تتعلق بالنظام العام. 

2- عدم انعقاد الخصومة بسبب رفعها ضد شخص متوفي: 

حيث يفرض علينا القانون والمنطق أن يتم التعامل في أي مجال بين الأحياء وكتحصيل حاصل فإن الخصومة القضائية لا تنعقد إلا بين الأحياء وتبعا لذلك تعد المطالبة القضائية منعدمة إذا قدمت ضد شخص ثبت وفاته قبل رفع الدعوى, وفي هذا الإطار نجد حكما صادرا عن القسم العقاري لمحكمة تمالوس بتاريخ 29/08/1998 فهرس رقم 56/98 جاء فيه: لكن حيث أن الدعوى الراهنة رفعت منذ بدايتها ضد شخصين متوفين وأن الجزاء في هذه الحالة هو الانعدام الذي لا يقبل التصحيح. 

الفرع الثاني: انعدام الحكـم أو القـرار 

إن عدم إثارة عدم انعقاد الخصومة أثناء سريانها يؤدي لاستمرار سيرها وصدور حكم أو قرار يتضمن البت في النزاع المتعلق بها, لكن ذلك لا يعتبر أبدا نزولا عن حق الدفع بالانعدام حيث لا يلحق هذا الحكم أو القرار أية حصانة بالتالي فإن سبيل التمسك بانعدامه يبقى مفتوحا ولا يمكن منحه أي وصف لا غيابي ولا حضوري أي أن الانعدام هنا يكون وصفا للحكم أو القرار المبني على خصومة منعدمة أيضا وهذا ما يوضحه لنا القرار رقم 66.640 مؤرخ في 15/03/1989 مجلة قضائية 1993 عدد 04 صفحة 15 الذي جاء فيه: 

حيث أنه من جهة أخرى أنه من المبادئ الجوهرية والأساسية في القانون أن تجري الإجراءات في مواجهة الخصوم على قدم المساواة من حيث توصل الخصم وإطلاعه أو معرفته لكل ما يجري بينه وبين خصمه، لأن قصد المشرع من ذلك هو إتاحة الفرصة لكل متقاضي في أن يتمكن من الدفاع على قدم المساواة مع خصمه ،حتى لا يسبب تخلف هذا الإجراء في إلحاق ضرر بالخصم الآخر وهذا يعني أن قصد المشرع لم يتحقق في هذه القضية هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإنه مادام الخصم المطعون ضدها في قضية الحال لم تبلغ في موطنها المختار الذي خول إليها بمقتضى المادة 15 من قانون الإجراءات المدنية، فإن التبليغ لا يعتبر صحيحا وفقا للمفهوم المخالف للمادة 23 من قانون الإجراءات المدنية لأنه لم يقع في الموطن المختار مما يترتب عليه عدم نشوء الخصومة أصلا بين الطرفين أمام المحكمة العليا لأن الأصل في الخصومة ألا تنعقد إلا بوجود طرفين وانعدام أحدهما يعتبر انعداما لركن من أركانها، والقرار الذي يصدر بدون وجود الطرف الآخر، كما تبين في هذه القضية لا يعتبر قرارا باطلا فحسب بل يعد قرارا منعدما([49]). 

فقرار المجلس الصادر بتاريخ 07/10/1987 بين الطاعنة والمطعون ضدها لا يمكن أن يعتبر قرارا غيابيا لأن المادة 245 من قانون الإجراءات المدنية لا تسمح بذلك الأمر الذي يتضح معه أن الخصومة بين الطرفين فقدت ركنها الأساسي وهو ليس غياب الطرف الآخر فحسب وإنما انعدامه أصلا أمام المحكمة العليا مما يجعل القرار معدوما لما تخلف ركن من أركانه الأساسية و ينبني على ذلك أن القرار المعدوم لا ينتج عنه أي اثر قانوني لأن المبني على المعدوم عد معدوما في طبيعته ومحتواه, والقرار المعدوم لا يلحقه أية حصانة, وبالتالي فمجال التمسك بانعدامه يبقى مفتوحا والطعن فيه يبقى قائما([50]). 

المطلب الثاني- أحكـام الدفع بالانعـدام 

يثور التساؤل عند دراسة الإنعدام حول طبيعة الدفع به و الفرق بينه و بين البطلان و هو ما سنوضحه في العناصر الموالية . 

الفرع الأول: طبيعـة الدفـع بالانعـدام 

إن انعدام الخصومة أو انعدام الحكم أو القرار الصادر فيها مسألة تتعلق بالنظام العام حيث يتم التمسك به عن طريق دفع شكلي من طرف كل ذي مصلحة بل ويجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه. 

ويجوز التمسك به ولو بعد فوات ميعاد الطعن بل ويجوز رفع دعوى لطلب الحكم بانعدام الإجراء, فالإجراء المنعدم لا يتحصن بمرور الزمن أو بالحكم الصادر بناءا عليه. 

وعليه فتنطبق على الدفع بالانعدام جميع أحكام الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام حيث تجوز إثارته ولو بعد تناول الموضوع. 

وهنا تجدر الإشارة إلى أثر الإجراء المنعدم حيث رغم أنه لا وجود له قانونا, ولا أثر له إلا أننا نجد في الفقه حوار حول آثاره فالبعض يرى أن الإجراء المنعدم يرتب آثاره القانونية من الناحية العملية حتى يحكم بإلغائه ([51]). 

الفرع الثاني: الحكم الفاصل في الدفع بالإنعدام: 

أولا: في حالة الدفع بانعدام الخصومة : إن الحكم في هذه الحالة يكون بوقف الخصومة وقفا قضائيا بسبب عدم القيام بإجراء جوهري يتطلبه القانون و هو الموقف الذي تبناه الأستاذ عمر زودة بناءا على أهمية مبدأ المواجهة في الخصومة بين أطرافها و ذلك من أجل تمكين المدعى عليه من الدفاع لأنه يعتبر من الحقوق الطبيعية([52]) ، وهو ما يؤكده الحكم الصادر بتاريخ 26/06/2007 رقم الجدول 980/2007 عن محكمة البويرة و الذي جاء في حيثياته "من حيث الشكل: حيث أن المدعي تقدم بعريضة افتتاحية وفقا للشروط و الإجراءات القانونية المنصوص عليها في المادة 12 من قانون الإجراءات المدنية ،حيث أن المدعى عليه تخلف عن الحضور لعدم تكليفه بذلك طبقا للقانون ، حيث أن الخصومة تنشأ بإيداع العريضة لافتتاحية بكتابة ضبط المحكمة لكنها لا تنعقد إلا بالتكليف بالحضور الصحيح ، حيث أن الخصومة لا تنعقد في مواجهة المدعى عليه، حيث انه يمكن الحكم بوقف الخصومة لعدم القيام بإجراء جوهري يتطلبه القانون ،حيث أن الوقف في هذه الحالة هو وقف قضائي. 

لهذه السباب ومن أجلها :حكمت المحكمة حال نظرها في القضايا التجارية علنيا ابتدائيا بوقف الخصومة و المصاريف القضائية على المدعي. 

ثانيا: حالة الدفع بانعدام الحكم أو القرار: وفي هذه الحالة الأمر يختلف لأن الحكم قد صدر بناءا على خصومة منعدمة مما يجعله منعدما أيضا ، بالتالي يكون مضمون الحكم الفاصل في الدفع بانعدام الحكم أو القرار هو انعدام الحكم أو القرار محل الدفع . 

الفرع الثالث: التفرقـة بين البطـلان والإنعـدام 

إن البطلان وصف يلحق العمل القانوني لوجود عيب فيه ويمنع من ترتيب الآثار التي تترتب أصلا عن مثل هذا العمل أي أن البطلان تكييف قانوني لعمل مخالف لنموذجه القانوني يؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي وضعها القانون إذا كان كاملا. 

بينما فكرة الانعدام تقوم على أساس العمل القانوني لكي يتصف بالصحة أو بالبطلان يجب أن يوجد فإذا لم يوجد فإنه لا يمكن منطقيا أن يطلق أحد هذين التكييفين عليه ومن هنا يجب التمييز بين ما يلزم لوجود العمل وما يلزم لإنتاج آثاره القانونية أي لصحته. 

فإذا فقد الإجراء ركنا من أركان وجوده يصبح معدوما بينما إذا فقد شرطا من شروط صحته فإنه يكون باطلا وحالات الانعدام هي أعنف من حالات البطلان من حيث الخروج عن القانون. 

ولعل أهم ما يترتب على التفرقة المتقدمة أن الإجراء المعدوم لا تزول عنه حالة الانعدام بالرد عليه بما يفيد اعتباره صحيحا أو بالقيام بعمل أو إجراء باعتباره كذلك لأن المعدوم لا يخلق من جديد ([53]) فإذا كان يمكن تصحيح الإجراء الباطل ويصبح صحيحا إذا تكلم الخصم في الموضوع ، غير أن الإجراء المنعدم لا تلحقه أية حصانة و يمكن التمسك به في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ([54] ). 

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى الاختلاف في المجال العملي حيث يعتبر البعض أن عدم التكليف المدعى عليه بالحضور ينتج عنه بطلان الإجراءات بالتالي يكون الدفع ببطلان الإجراءات ، بينما الرأي الآخر يتجه لإعتبار نتيجة عدم التكليف بالحضور هو انعدام الخصومة مما يجعل الدفع الناتج عن ذلك يحمل نفس المضمون ويبقى للمحكمة العليا أو المشرع وضع حل لذلك. 


الفصـل الثانـي : أنواع الدفـوع الشكليـة . 

إن الإعتداء على حقوق الأفراد و مراكزهم القانونية يخول لهم وفقا للقانون حق إستعمال الدعوى لتقرير الحماية لهاته الحقوق و المراكز ، و يأخذون في ذلك صفة المدعى لكن المشرع لم يقف عند هذا الحـد و حرصا منه على إحداث توازن قانوني يضمن من خلاله حق كل مواطن في الدفاع ومنعا من التعسف في إستعمال الحق في الدعوى ، عمل على منح المدعى عليه حق الدفاع عن نفسه و مواجهة إدعاء المدعى . و شكل و إجراءات هذا الإدعاء ، بأن قرر له حق إبداء الدفوع الشكلية و هي كما سبق بيانه الوسيلة التي يطعن بها الخصم في صحة الخصومة ، أو في الإجراءات المكونة لها دون المساس بأصل الحق . و قد تضمن قانون الإجراءات المدنية الدفوع الشكلية في مواضع عدة منه و لم يعمل على حصرها في فصل أو باب خاص ، عكس المشرع المصري و الأردني اللذان خصصا لها فصلا كما أنه لم يذكرها على سبيل الحصر ، لذلك فإن تصنيفها يخضع للإجتهاد الباحث حيث يمكن أن نصنفها إلى دفوع شكلية متعلقة بعدم الإختصاص و أخرى متعلقة بالإحالة و دفوع متعلقة بإجراءات و عوارض الخصومة . و هو ما سنحاول تفصيله في المباحث الموالية . 

المبحث الأول : الدفوع بعدم الاختصاص 

إن الاختصاص لغة : هو التفضيل و الإنفراد . 

و اصطلاحا فهو السلطة التي خولها المشرع لهيئة من الهيئات الفضائية للفصل في المنازعات، فقواعد الاختصاص تبين المنازعات التي تدخل في سلطة كل محكمة، والاختصاص ينشأ بسبب توزيع العمل من طرف المشرع بين المحاكم و الجهات القضائية المختلفة و فكرة الاختصاص تفترض أساسا تعدد المحاكم داخل الدولة الواحدة، وبذلك يعتبر الاختصاص حد من ولاية المحكمة بسبب وجود محاكم أخرى تتبع نفس الجهة القضائية ([55]). 

و قد عرف الأستاذ المحامي السوري عبد الهادي عباس الاختصاص بأن: سلطة الحكم و فق ما قرره القانون في نزاع معين، مما يتعين معه القول أن فقدان هذه المكنة يِؤدي للقول بعدم الاختصاص([56]) . 

و هو نفس التعريف الذي تبناه الأستاذ الغوثي بن ملحة مضيفا أن المحكمة التي لها الاختصاص هي إلي يجوز لها الفصل في قضية معينة وحسب نص معين([57])، أما الأستاذ بوبشير محند أمقران فقد عرفه بأنه: صلاحية التحقيق و الحكم بمقتضى القانون في خصومة معينة([58]). 

الأمر رقم 66 /154 المؤرخ في 08 يونيو 1966, المتضمن قانون الإجراءات المدنية, ضمن الكتاب الأول منه تحت عنوان الاختصاص في بابين: الأول في الاختصاص النوعي ،والثاني في الاختصاص المحلي. 

تثير مسألة الاختصاص عمليا مشاكل جمة, تحتم على القاضي الفصل فيها قبل الخوض في موضوع النزاع. فقد يرفع النزاع أمام محكمة غير مختصة أو قد يرفع أمام محكمتين في نفس الدرجة وكل واحدة منهما تتمتع بالاختصاص, كل هذه الحالات قد ينجم عنها صدور أحكام من غير ذي اختصاص. 

وقد عمل المشرع الجزائري على إيجاد الحل لتفادي ذلك بأن منح للخصوم، والمحكمة سلطة إثارة الدفع بوجود عوارض الاختصاص الذي قد يؤدي إلى إخراج النزاع من ولاية المحكمة، لذلك سوف نحاول من خلال دراستنا للدفوع المتعلقة بعدم الاختصاص التطرق للدفوع بعدم الاختصاص النوعي مطلب الأول والدفوع بعدم الاختصاص المحلي مطلب الثاني. 

المطلب الأول: الدفع بعدم الاختصاص النوعـي 

لقد عرف الدكتور أحمد أبو الوفاء الدفع بعدم الاختصاص بأنه الدفع الذي يقصد به منع المحكمة من الفصل في الدعوى المعروضة أمامها لخروجها عن حدود ولايتها طبقا لقواعد الاختصاص ([59])وهو نفس التعريف الذي اعتمده الدكتور أحمد هندي الذي يضيف أنه إذا أثير دفع بعدم اختصاصها أمام إحدى المحاكم فيجب أن تقضي بعدم اختصاصها بهذه الدعوى وتحيلها إلى المحكمة المختصة([60]). 

فالدفع بعدم الاختصاص يرمي إلى الطلب من القاضي بأن يتخلى عن النظر في الدعوى المطروحة أمامه بسبب أنه غير مختص, ويكون القاضي الذي يحكم بعدم اختصاصه غير ملزم بتعيين الجهة القضائية المختصة, وعمليا فإن المحكمة بعد تصريحها بعدم الاختصاص تصرف المدعي أمام المحكمة المختصة دون بيانها. 

إن مناقشة موضوع الدفع بعدم الاختصاص النوعي تفترض أولا توضيح ماهية الاختصاص النوعي وأحكامه وهو ما سوف نتطرق له في العناصر الموالية: 

الفرع الأول: ماهية الاختصاص النوعي 

أولا: تعريف الاختصاص النوعي: يقصد بالاختصاص النوعي توزيع العمل بين المحاكم المختلفة في داخل الجهة القضائية الواحدة وبين المحاكم والمجالس بحسب نوع القضية أي هو نصيب كل مجلس وكل محكمة من محاكم الجهة القضائية الواحدة من ولاية النظر والفصل في المنازعات([61])، وقد حدد المشرع الجزائري أحكام الاختصاص النوعي في المواد من 1 إلى 7 مكرر من قانون الإجراءات المدنية في الباب الأول من الكتاب الأول. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال ماهي المعايير التي يحدد على أساسها الاختصاص النوعي؟ 

ثانيا: معايير تحديد الاختصاص النوعي: اعتمد المشرع الجزائري في تحديده للاختصاص النوعي على معيارين هما: 

1- معيار طبيعة الدعوى: أي يأخذ بنوعية المادة التي هي محل النزاع القائم بين الأطراف حيث أن الطبيعة القانونية لموضوع النزاع وتكييفه كثيرا ما يتعلق بمسألة الاختصاص النوعي وتعيين بالضبط الجهة القضائية التي يتعين رفع النزاع أمامها دون جهة قضائية أخرى. 

2-معيار قيمة النزاع: ويرتكز هذا المعيار على قيمة المصالح التي هي محل الخصومة . ([62]). 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري أخد بقيمة النزاع كمعيار من معايير تحديد الاختصاص النوعي عكس ما ذهب إليه المشرع المصري واللبناني والفرنسي الذين اعتبروا قيمة النزاع كأساس لاختصاص مستقل عن الاختصاص النوعي, أسموه بالاختصاص القيمي أي بالإضافة للاختصاص النوعي والمحلي يوجد الاختصاص القيمي([63]). 

الفرع الثاني: كيفية التمسك بعدم الاختصاص النوعي 

يتحقق عدم الاختصاص في هذه الحالة بفقدان اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنظر إلى نوعها ويتم التمسك بعدم الاختصاص هنا عن طريق دفع شكلي وذلك ما يبرزه نص المادة 93 من قانون الإجراءات المدنية, لكن هل يعتبر هذا الدفع الشكلي من النظام العام وما هي آثار ذلك؟ 

أولا :طبيعة الدفع بعدم الاختصاص النوعي:إن مخالفة قواعد الإختصاص النوعي يتولد عنها دفع شكلي متعلق بالنظام العام وهذا ما أكدت عليه المادة 93 /1 من قانون الإجراءات المدنية ، التي جاء فيها ما يلي : "عدم إختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى يعتبر من النظام العام و تقضي به المحكمة و لو من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوى"فلا يجوز للخصوم أن يتفقوا على رفع دعوى مدنية أمام القضاء الإداري أو العكس. ولا يجوز لهم رفع دعوى جزائية أمام القضاء المدني([64])، لذلك نجد قضاء المحكمة العليا ثري باجتهادات تؤكد مبدأ اعتبار الدفع بعدم الاختصاص النوعي من النظام العام نجد منها قرار مؤرخ في 03/04/1985 ملف رقم 28 335 المجلة القضائية لسنة 1989 العدد 04 صفحة 48 جاء فيه أنه " متى كان من المقرر قانونا أن عدم اختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى تعتبر من النظام العام وتقضي به المحكمة ولو من تلقاء نفسها وفي أية حالة كانت عليها الدعوى, فإن استئناف الأمر بإجراء خبرة باعتباره حكما تحضيريا يكون مقبولا رغم مقتضيات أحكام المادة 106 من قانون الإجراءات المدنية والمتعلقة بالأحكام التحضيرية وأن قضاة الاستئناف المخطرين بفعل الأثر الناقل للاستئناف مطالبون بالبت في الوجه المأخوذ من الدفع بعدم الاختصاص وهذا الدفع لا يعد طلبا جديدا طبقا للمادة 107 من قانون الإجراءات المدنية. 

إذا كان المجلس قد أخطأ في تطبيق المادتين 106-107 من قانون الإجراءات المدنية وخرق مقتضيات المادة 93 من قانون الإجراءات المدنية فإن ما قضى به من أحكام مخالفة يترتب عليه نقض وإبطال قراره لذلك يستوجب نقض القرار الذي صرح بعدم قبول استئناف حكم طبقا للمادة 106 من قانون الإجراءات المدنية.([65]) 

ثانيا: آثار اعتبار الدفع بعدم الاختصاص النوعي من النظام العام: 

1 - لعل أول أثر يكمن في كون الدفع بعدم الاختصاص يمكن إثارته من كل ذي مصلحة من الخصوم سواء كان مدعيا أو مدعى عليه, كما يجوز للنيابة العامة كطرف منضم التمسك بالدفع ولو لم يثره أحد من الخصوم ويكون ذلك في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام المحكمة العليا.([66]). 

وهو ما يؤكده قرار المحكمة العليا رقم 724 35 المؤرخ في 09/01/1985 مجلة قضائية 1989 عدد 3 صفحة 25 الذي جاء فيه: انه متى كان من المقرر قانونا أن الاختصاص النوعي من النظام العام فإن التمسك به لأول مرة أمام المحكمة العليا يكون مقبولا ولما كان الخطأ مصلحيا، وجب اعتبار الدولة مسؤولة ومن ثمة مسائلتها أمام الجهة القضائية الإدارية وليس المدنية. 

وعليه فإن المجلس القضائي الذي فصل في دعوى متعلقة بحادث تسبب فيه وراح ضحيته أحد رجال الدرك في مركز المصلحة, ومنح التعويض لذوي الحقوق يكون قد خرق قاعدة جوهرية حينما تمسك باختصاصه وعرض قراره للنقض. 

2- ثاني نتيجة هي تلك المنصوص عليها في المادة 93 فقرة 01 من قانون الإجراءات المدنية([67])والمتمثلة في كون عدم الاختصاص النوعي باعتباره من النظام العام تقضي به المحكمة ولو من تلقاء نفسها وحتى لو لم يثار الدفع به من طرف الخصوم أما إذا أثاروه فعلى المحكمة أن تستجيب له فورا ولا يعتبر ذلك خروجا عن مبدأ حياد القاضي ولا حكما بما لم يطلبه الخصوم بل يقع على عاتق المحكمة القضاء به باعتبار ذلك واجبا عليها ، وهذا ما نستشفه من قرار المحكمة العليا رقم 793-109 مؤرخ في 27/09/1993 مجلة قضائية 1994 عدد 01 صفحة 153 الذي جاء فيه أنه من المقرر قانونا أن عدم اختصاص المحكمة بسبب نوع الدعوى يعتبر من النظام العام وتقضي به المحكمة ولو من تلقاء نفسها وفي أية حالة كانت الدعوى, وكما ثبت أن الدعوى الحالية ترمي إلى إبطال عقد التنازل عن أملاك الدولة المبرم في إطار القانون رقم 81/01 المؤرخ في 07/02/1981 فإن هذا العقد يكتسي طابعا إداريا. ويعود الاختصاص في مراقبته للجهة المختصة بالفصل في القضايا الإدارية وبما أن الغرفة المدنية لمجلس قضاء وهران فصلت في النزاع مع أنها غير مختصة فإن قرارها خالف القانون ويتعين نقضه ([68]). 

3- لا يجوز اتفاق الخصوم على رفع النزاع إلى جهة قضاء غير مختصة به نوعيا([69]). 

المطلب الثاني: الدفع بعدم الاختصاص المحلي:

 بعدما تطرقنا للدفع بعدم الاختصاص النوعي وتناولنا خلاله قواعد الاختصاص النوعي, نصل الآن لمعالجة الدفع بعدم الاختصاص المحلي ونتناول خلاله أيضا قواعد الاختصاص المحلي. 

الفرع الأول: ماهية الاختصاص المحلي:

 يتطلب البحث في ماهية الاختصاص المحلي دراسة تعريفه وقواعد تحديده وقد تناوله المشرع الجزائري في الكتاب الأول الباب الثاني في المواد 8-9-10-11- 28من قانون الإجراءات المدنية. 

أولا: تعريف الاختصاص المحلي:

 عرفه الأستاذ أحمد هندي بالقول بأن الاختصاص المكاني يعني بتحديد المحكمة المختصة من الناحية المكانية من بين المحاكم التي هي من صنف ودرجة واحدة, والموزعة جغرافيا في أماكن مختلفة داخل الدولة. إذن قواعد الاختصاص المكاني هي التي تحدد المنازعات الداخلة في دائرة الاختصاص الإقليمي لكل محكمة أي تحدد دائرة اختصاصها.([70]). 

وتجدر الإشارة هنا أن الحديث عن الاختصاص المحلي يشمل المحاكم والمجالس القضائية دون المحكمة العليا ومجلس الدولة ومحكمة التنازل لأن هاته الأجهزة وحيدة على المستوى الوطني فيشمل اختصاصها كامل الإقليم الوطني الجزائري. وعليه فلا تكون جهة قضائية مختصة بنظر نزاع معين إلا وفقا للقواعد التي وضعها المشرع لتحديد الاختصاص المحلي لها, فما هي القواعد التي اعتمدها في ذلك؟ وما هي الاستثناءات عنها؟. 

ثانيا:معايير تحديد الاختصاص المحلي:

 نص المشرع الجزائري على قاعدة عامة في الاختصاص المحلي ثم تلاها باستثناءات. 

أ- القاعدة العامة في تحديد الاختصاص المحلي: طبقا للمادة 08 فقرة 01 من قانون الإجراءات المدنية أن القاعدة الأساسية في تحديد الاختصاص المحلي هي أن المدعي يسعى إلى المدعى عليه في أقرب الأماكن إلى موطنه حيث أن الأصل أن يعود الاختصاص للجهة القضائية التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه بالنسبة للدعاوى الخاصة بالأموال المنقولة ودعاوى الحقوق الشخصية العقارية وكذلك في جميع الدعاوى الخاصة التي لم ينص فيها على اختصاص محلي خاص فإن لم يكن للمدعى عليه موطن معروف يعود الاختصاص للجهة القضائية التي يقع في دائرتها محل إقامته وإن لم يكن له محل إقامة معروف فيكون الاختصاص للجهة القضائية الواقع بدائرتها آخر موطن له ([71]). 

وفي هذا المجال وتدعيما لقاعدة موطن المدعى عليه لتحديد الاختصاص المحلي نجد قرار المحكمة العليا رقم 793 171 مؤرخ في 08/12/1998 مجلة قضائية 1998 عدد 02 صفحة 120 جاء فيه أنه:" من المقرر قانونا أن يكون الاختصاص للجهة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه بالنسبة للدعاوى الخاصة بالأموال المنقولة ولما ثبت في قضية الحال أن قضاة المجلس لما أسندوا الاختصاص لمحكمة بني صاف لوجود الباخرة بمينائها متجاهلين أحكام المادة 56 من القانون البحري التي تصنف السفن ضمن الأموال المنقولة وبالتالي فكل نزاع يدور حولها يؤول الاختصاص للفصل فيه إلى محكمة موطن المدعى عليه أي محل إقامته. 

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد ساير كل من المشرع المصري واللبناني والأردني والسوري في تشريعه لقاعدة موطن المدعى عليه لتحديد الاختصاص المحلي. 

ب- الاستثناءات عن القاعدة العامة في تحديد الاختصاص المحلي: 

بعد تقرير القاعدة العامة في الاختصاص المحلي أورد المشرع استثنائين: 

الاستثناء الأول: يحدد محكمة معينة لتختص بالنزاع: وقد ورد هذا الاستثناء في المادة 08 من قانون الإجراءات المدنية حيث منح الاختصاص لنظر الدعوى لمحكمة تم تعيينها حسب موضوع النزاع مثلا الدعوى التي موضوعها النزاع حول عقار تختص لنظرها محكمة موقع العقار, ودعاوى الميراث أمام محكمة مكان افتتاح التركة وغيرها من الحالات المحددة في هذه المادة. 

الاستثناء الثاني:جواز اختيار المدعي بين أكثر محكمة: وهو ما نصت عليه المادة 09 من قانون الإجراءات المدنية حيث يمكن للمدعي هنا رفع دعواه أمام محكمة موطن المدعى عليه أو أمام محكمة أخرى تختص بنظر النزاع حسب موضوع الدعوى فمثلا إذا تعدد المدعى عليهم جاز للمدعى رفع دعواه أمام محكمة موطن أحدهم, وفي الدعاوى المختلطة يجوز له رفع دعواه أمام محكمة موطن المدعى عليه أو أمام المحكمة التي يقع بدائرتها مكان وجود الأموال وغيرها من الحالات المحددة .([72]) 

بموجب المادة 09 من قانون الإجراءات المدنية التي يجوز للمدعي فيها الاختيار بين أكثر من محكمة لرفع دعواه أمامها. 

هذا بالإضافة لما جاءت به المادتين 10-11 من قانون الإجراءات المدنية من استثناءات عن القاعدة العامة المتعلقة بموطن المدعى عليه لتحديد الاختصاص المحلي حيث كان أساس تحديده طبقا لهاتين المادتين هو الجنسية الجزائرية لأحد أطراف التصرف القانوني المتمثل في عقد مبرم مع أجنبي أو بلد إبرام هذا العقد وهو الجزائر ففي هذه الحالات لا تراعي قاعدة موطن المدعى عليه. ([73]) 


الفرع الثاني: كيفية التمسك بعدم الاختصاص المحلي:

 إن القواعد الخاصة بالدفع بعدم الاختصاص المحلي تختلف عن تلك التي تتعلق بالدفع بعدم الاختصاص النوعي لكنهما يشتركان في كونهما دفعان شكليان, لكن ما طبيعة الدفع الشكلي بعدم الاختصاص المحلي, وهل هناك استثناءات على هذه الطبيعة وما هي آثار ذلك؟. 

أولا - طبيعة الدفع بعدم الاختصاص المحلي: 

1 - القاعدة: إن المبدأ المستقر هو أن قواعد الاختصاص المحلي تهدف لتأمين مصلحة خاصة للمتقاضين, وليس لاعتبارات تتعلق بحسن سير العدالة بالتالي فهي لا تتعلق بالنظام العام بالتالي تترتب على مخالفته دفع بعدم الاختصاص لا يتعلق بالنظام العام لأن هذه القواعد تهدف لتيسير التقاضي وذلك بتقريب المحكمة من محل إقامة المتقاضين أو مكان نشوء النزاع أو وجود المال المتنازع عليه([74]). 

و نص المادة 93 فقرة 02 واضح وصريح في اعتبار الدفع بعدم الاختصاص المحلي ليس من النظام العام حيث أكد على أنه في جميع الحالات الأخرى يجب أن يبدي الدفع بعدم الاختصاص قبل أي دفع أو دفاع آخر بمعنى أنه يسقط لو تم إبداؤه بعد تناول الموضوع مما يؤكد عدم تعلقه بالنظام العام عكس الدفع بعدم الاختصاص النوعي. 

وكذلك نجد نص المادة 28 من قانون الإجراءات المدنية في فقرتها الأولى التي تجيز للخصوم الاتفاق على اختصاص محلي خلافا لقواعد الاختصاص المحلي لعدم تعلقها بالنظام العام الأمر الذي يجعل الدفع بها أيضا لا يتعلق بالنظام العام. وبهذا الصدد لدينا قرار المحكمة العليا رقم 45.651 المؤرخ في 27/03/1988 المجلة القضائية لسنة 1992 العدد الثاني صفحة 81 جاء فيه أنه من المقرر قانونا أنه يجوز لطرفي الخصومة دائما الحضور باختيارهما أمام القاضي ولو لم يكن مختصا محليا بنظر الدعوى على أن يوقعا إقرارا بقبولهما التقاضي أمامه من تم النعي عن القرار المطعون فيه بخرقه للإجراءات الجوهرية للتقاضي في غير محله([75]). 

2- الاستثناء: توجد حالات يكون الغرض من تقرير قواعد الاختصاص المحلي فيها هو تحقيق حسن سير العدالة فتكون متعلقة بالنظام العام وتتمثل في: 

أ- تقدم المعارضة والتماس إعادة النظر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم ولا يقبل الطعن بهذين الطريقين أمام محكمة أخرى حتى ولو كانت في نفس درجة المحكمة مصدرة الحكم. 

ب- يرفع الاستئناف إلى المجلس القضائي الذي يشمل اختصاصه المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.([76]). 

ج - دعاوى رد القضاة حيث عينت المادة 202 من قانون الإجراءات المدنية الجهات القضائية المختصة بالفصل فيه تحديدا حسب كل حالة لا يجوز مخالفته. 

د-تنازع الاختصاص بين القضاة فقد حددت المادتين 206-207 الجهات القضائية المختصة محليا بالبت فيه دون سواها. 

ه-تختص بتفسير الحكم وتصحيح الأخطاء المادية المرتكبة في منطوقه المحكمة مصدرة الحكم. 

إن اعتبار الاختصاص المحلي في هاته الحالات متعلقا بالنظام العام لمساهمته في حسن سير مرفق العدالة ، يترتب عليه اعتبار الدفع به متعلقا بالنظام العام. 

ثانيا- آثار اعتبار الدفع بعدم الاختصاص المحلي لا يتعلق بالنظام العام: 

يترتب على عدم تعلق الدفع بعدم الاختصاص المحلي بالنظام العام عدة نتائج أهمها: 

أ- أن قواعد الاختصاص المحلي لا تلزم الخصوم إذ يجوز لهم الاتفاق على اللجوء إلى محكمة أخرى لأي سبب طالما كان هذا السبب لا يخالف النظام العام ، وهو ما تؤكده المادة 28 من قانون الإجراءات المدنية وأخذ به اجتهاد المحكمة العليا حيث جاء في القرار رقم 140246 المؤرخ في 17/02/1988 مجلة قضائية 1998 عدد 01 صفحة 167 جاء فيه:من المقرر قانونا أن العقد شريعة المتعاقدين لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون-ولما تبث- في قضية الحال- أن طرفي العقد اتفقا على أن تكون محكمة الجزائر هي المختصة في حالة قيام النزاع حول تنفيذ العقد, وبما أن قضاة الاستئناف بإلغائهم الحكم المستأنف الصادر عن القسم التجاري لمحكمة وهران القاضي بعدم الاختصاص المحلي يكونوا قد تجاوزوا سلطتهم ولم يطبقوا القانون تطبيقا سليما([77]). 

ب- من المتفق عليه أن تحديد الاختصاص المحلي إنما شرع لمصلحة المدعى عليه وعليه فإن هذا الأخير وحده هو الذي يملك حق التمسك بهذا الدفع فلا يجوز للمدعي ولا المتدخل الاختصامي ولا النيابة العامة إذا كانت طرفا منضما أن يبدوه. 

ج- لا يجوز للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها 

د- لا يجوز التمسك بهذا الدفع إلا قبل أي دفع أو دفاع آخر أي قبل تناول الموضوع وإلا سقط الحق في الإدلاء به([78]). 

وهو ما يؤكده قضاء المحكمة العليا في قرارها رقم 38.331 المؤرخ في 04/11/1985 مجلة قضائية 1989 عدد 01 صفحة 102 الذي جاء فيه أنه فيما يخص عدم اختصاص محكمة الحراش فكان من المفروض على الطاعنة أن تبدي هذا الدفع قبل أي دفع أو دفاع آخر في الموضوع. ([79]) 


ثالثا- شكل الدفع بعدم الاختصاص المحلي والفصل فيه: 

يجب أن يبدى هذا الدفع بعبارات صريحة تدل على أنه لا يقبل اختصاص المحكمة وأنه ينازع فيه فلا يكفي أن يشكك المدعى عليه في اختصاص المحكمة محليا بنظر النزاع أو أن يكتفي بإثبات أن ثمة محكمة أخرى هي المختصة محليا بنظره. 

والأصل أنه يجب على المحكمة أن تفصل فيه على استقلال ما لم تأمر بضمه إلى الموضوع وفي هذه الحالة الأخيرة يجب عليها أن تبين ما حكمت به في كل منهما على حدة, كما يجوز للمدعى عليه هنا أن يبدي طلباته في الشكل والموضوع معا ولا يعتبر تعرضه للموضوع بعد ذلك مسقطا لحقه في الدفع الشكلي الذي سبق له وأن أبداه.([80]) 

المبحث الثاني: الدفوع المتعلقة بالإحالة 

قد تختص أكثر من محكمة بدعوى واحدة, كما إذا تعدد المدعى عليهم وكانت مواطنهم متعددة أو إذا اتفقوا على موطن مختار لتنفيذ عقد فيرفع المدعي دعواه أمام محكمة مختصة ثم يرفعها أمام محكمة أخرى مختصة قبل الفصل في الدعوى الأولى لعدم رضاه عن اتجاه المحكمة الأولى في تحقيق القضية المرفوعة أمامها. أو ترفع دعويين لقسمة عدة عقارات يقع في نطاق أكثر من محكمة والأمثلة كثيرة التي تجعل الخصوم يرفعون أكثر من دعوى أمام عدة محاكم مختصة، ([81]) هذه الحالة ينشأ عنها حق المدعى عليه في الدفع بالإحالة الذي يقصد به منع المحكمة من الفصل في الدعوى وإحالتها إلى محكمة غير تلك المطروح أمامها النزاع ويحصل التمسك به في حالتين: حالة ما إذا كان ذات النزاع مطروحا أمام محكمتين تابعتين لنظام قضائي واحد, وحالة ما إذا كان النزاع المطروح أمام محكمتين بينه وبين نزاع مطروح على محكمة أخرى ارتباط يجعل من المصلحة الجمع بينهما لتسهيل الفصل فيهما ومنع تعارض الأحكام, وإذا كان الدفع بالإحالة هو دفع شكلي له نفس هدف الدفع بعدم الاختصاص المحلي من منع المحكمة المعروض عليها النزاع من الفصل فيه, فإنه كذلك يجب إبداؤه قبل أي دفع أو دفاع آخر في الموضوع وإلا سقط الحق فيه([82]) 

وقد تناول المشرع الجزائري الدفوع بالإحالة في المادتين 90-92 من قانون الإجراءات المدنية اللتان تناولتا الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع والدفع بالإحالة للارتباط. فما هو مضمون هذين الدفعين؟ وما هي شروطهما؟ وما هو علاقة الدفع بالإحالة للارتباط بالضم؟ 

المطلب الأول:الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع: 

يقتضي حسن سير العدالة عدم جواز إقامة دعويين عن نفس الموضوع أمام محكمتين في درجة واحدة ومن نفس النوع , ولو كان الاختصاص منعقدا لكل منهما, لما في ذلك من مضيعة للوقت والجهد والنفقات, وتفاديا للتناقض المحتمل بين الإحكام في الموضوع الواحد فقد أجاز المشرع في مثل هذه الحالة أن يطلب الخصم إحالة الدعوى الثانية لتنظرها المحكمة الأولى لوحدة الخصوم والمحل والسبب([83])، لذلك نص المشرع الجزائري في المادة 90 من قانون الإجراءات المدنية على أنه إذا سبق تقديم طلب أمام محكمة أخرى في الموضوع جاز إحالة الدعوى بناءا على طلب الخصوم. وذلك في شكل دفع شكلي, حيث وبإبداء هذا الدفع تصبح المحكمة الثانية التي رفعت لها نفس الدعوى غير مختصة بموجب الطلب المقدم أمامها. لكن ما هي شروط هذا الدفع؟([84]) 

الفرع الأول: شروط الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع:

لكي يحق للخصم أن يدفع بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى تنظر أمامها دعوى سابقة عن نفس الموضوع يجب توافر أربعة شروط هي: 

أولا- وحدة الدعوى: أي يجب أن تشكل القضيتان دعوى واحدة بأن يكون لهما موضوع واحد, وسبب واحد.([85]) 

ثانيا- قيام دعويين أمام محكمتين مختلفتين وفي نفس الوقت. 

ثالثا- إتحاد الخصوم. 

رابعا- أن تكون المحكمتين تابعتين للقضاء العادي. 

خامسا- أن تكون المحكمتين مختصتين محليا ونوعيا بنظر النزاع 

بعد توفر هذه الشروط, والدفع بالإحالة أمام المحكمة لا يكون أمام القاضي سوى البت فيه على وجه السرعة. 

الفرع الثاني: النظام القانوني للدفع بالإحالة لوحدة الموضوع: يقتضي منا من خلال هذا العنصر دراسة طبيعة هذا الدفع وإجراءات الفصل فيه. 

أولا - طبيعة الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع:بناء على نص المادتين 90-92 من قانون الإجراءات المدنية اللتان نصتا على أن الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع يثار بناء على طلب الخصوم, ويجب إبداؤه قبل أي دفاع في الموضوع فإنه يمكننا القول أن هذا الدفع ليس متعلقا بالنظام العام بالتالي لا يجوز للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها بالتالي من المفروض أنه لا يصح لغير المدعى عليه أن يتمسك به, ولا يجوز للمدعي أن يتمسك به إذ في استطاعته أن يتخلص من هذا الموقف بترك إحدى الدعويين ([86]). 

لذلك كان على المشرع أن يحدد في نص المادة 90 من قانون الإجراءات المدنية أن التمسك بهذا الدفع هو حق للمدعى عليه وحده ولا يجوز للمدعي الدفع به لأن عبارة " بناء على طلب الخصوم" جاءت عامة تشمل المدعي والمدعى عليه. 

كما يترتب على اعتبار الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع ليس من النظام العام، أنه يجب إبداؤه قبل أي دفع أو دفاع آخر في الموضوع.([87]). 

ثانيا- إجراءات الفصل في الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع: يثار هذا الدفع من قبل المدعى عليه في الدعوى الثانية طالبا إحالة هذه الدعوى إلى المحكمة الأولى للفصل فيهما بحكم واحد لوحدة الدعويين. حيث يتم تحديد المحكمة صاحبة الحق في الفصل في الموضوع بالنظر للتاريخ الأسبق في قيد الدعويين فإن كان تاريخ قيدهما نفسه فنأخذ بتاريخ أول جلسة. 

وبديهي أنه طالما لم يدفع أمام المحكمة الثانية بهذا الدفع ولم يظهر من الوثائق ما يشير إليه, فإنه على المحكمة الثانية أن تفصل في القضية المطروحة أمامها بصفة عادية. 

أما إذا تم الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع فعلى المحكمة الثانية أن تفصل فيه فإن قبلته تقوم بإحالة القضية إلى المحكمة التي رفع أمامها النزاع أولا وفي حالة منازعة المدعي في القضية الثانية في الإحالة مدعيا أن المحكمة الثانية لا تفصل في مسألة الاختصاص بل تحيل الدعوى إلى المحكمة الأولى التي تفصل فيها وعلى هذه الأخيرة عند إحالة القضية عليها أن تلتزم بنظرها أي تتقيد بهذه الإحالة, وتجدر الإشارة إلى أنه يجب تنفيذ أمر الإحالة فورا دون انتظار إعلانه, ويؤدي صدوره إلى انقضاء الخصومة أمام المحكمة الثانية. 

أما إذا رفضت المحكمة الثانية الدفع الشكلي بالإحالة لوحدة الموضوع فيعتبر وكأنه لم يقدم ويتم نظر الدعوى أمامها طبقا للإجراءات العادية للفصل في الخصومة([88]). 

في الأخير تجدر الإشارة إلى أنه فيما يخص التطبيقات القضائية لهذا الدفع يمكن القول أن نص المادة 90 من قانون الإجراءات المدنية ولد ميتا لأنه عمليا لا يؤخذ به, لذلك لم نتمكن من الحصول على أي قرار ولا حكم يتعلق به, فالمتقاضين يجهلون هذا النص وحتى لو أثار أحدهم وجود نفس النزاع أمام محكمة أخرى فإنه يثيره في إطار المناقشات فقط دون أن يجسده في شكل دفع شكلي بالإحالة لوحدة الموضوع. وطبعا المشرع صريح عندما قصر هذا الحكم على الخصوم ولم يجز للمحكمة إثارته تلقائيا مما يجعل المجال العملي فقير في إعمال الدفع بالإحالة لوحدة الموضوع. 

المطلب الثاني: الدفع بالإحالة للإرتـباط: ما هو مضمونه، والنظام الذي يحكمه؟ 

الفرع الأول : تــعريف الإرتباط:

 يتحقق الارتباط عندما يكون بين الدعويين صلة تجعل الفصل في إحداهما مؤثرا على وجه الحكم في الأخرى, حيث أن ترك كل دعوى تسير في طريق مستقل عن الأخرى، قد يؤدي في النهاية إلى صدور أحكام متناقضة في الموضوع الواحد([89])،وقد نص المشرع الجزائري على الدفع بالإحالة للارتباط في المادتين 90 و92 من قانون الإجراءات المدنية, 

إن وجود الارتباط من عدمه, وتحديد مفهومه متروك للسلطة التقديرية للقاضي, ولاجتهاد الفقه, حيث قد عرف الدكتور عبد الحكيم فوده الارتباط بأنه: صلة وثيقة بين الدعويين تجعل من المنطق والعدالة جمعهما سويا أمام محكمة واحدة, حتى تحيط المحكمة بكافة الوقائع والمستندات اقتصادا للوقت والنفقات والجهد, ومنعا من تضارب الأحكام. 

كما عرفه الدكتور الأستاذ أحمد أبو الوفا بأنه: صلة وثيقة بين دعويين يجعل من المناسب ومن حسن سير العدالة جمعهما أمام محكمة واحدة لتحققهما وتحكم فيهما معا منعا من صدور أحكام لا توافق بينهما. 

الفرع الثاني: النظام القانوني للدفع بالإحالة للإرتباط:

 سوف نحاول من خلال هذا العنصر تناول شروط الدفع بالإحالة للارتباط وطبيعته القانونية. 

أولا- شروط الدفع بالإحالة للإرتباط: 

1- توافر الارتباط بين الدعويين: قد يقوم الارتباط بسبب وحدة الموضوع أو وحدة السبب بالتالي لا يشترط لقيامه, أن يكون السبب أو الموضوع واحدا في الدعويين . 

2-أن تكون المحكمتان المحيلة والمحال إليها مختصتان بنظر الدعوى ([90]). 

3- أن تكون الدعويين قائمتين بالفعل أمام المحكمتين ([91]). 

4 - أن تكون المحكمتان تابعتين لجهة القضاء العادي 

5- أن تكون المحكمتان من درجة واحدة 

ثانيا- الطبيعة القانونية للدفع بالإحالة للإرتباط:

 إن المادة 90 من قانون الإجراءات المدنية تتكلم عن الإحالة لوحدة الموضوع, والإحالة للارتباط, لذلك فإن الدفعين يخضعان لنفس القواعد([92])، وطبقا لذلك وباعتبار الدفع بالإحالة للارتباط من الدفوع الشكلية التي لا تتعلق بالنظام العام فإنه يتعين إثارته قبل تناول الموضوع وإلا سقط الحق في إبدائه بالتالي فحق التمسك به ممنوح للمدعي والمدعى عليه ولا يجوز للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها لعدم تعلقه بالنظام العام وهو ما تؤكده المادتين 90-92 من قانون الإجراءات المدنية([93])،عكس القانون اللبناني الذي أورد حكما خاصا بالدفع بالإحالة للارتباط من خلال نص المادة 57 من قانون أصول المحاكمات فمع أنه دفع شكلي إلا أنه يجوز الإدلاء به في أية حالة كانت عليها الدعوى وذلك ما لم يتضح أنه أدلى به في وقت متأخر بقصد الإطالة في أمد المحاكمة فتقرر المحكمة عندئذ رفضه([94]). 

ثالثا-المحكمة التي يقدم أمامها الدفع بالإحالة للإرتباط:

يقدم أمام أي محكمة من المحكمتين, حيث تختص المحكمة المقدم إليها الدفع بالفصل فيه, وهي ليست ملزمة بقبوله حتى ولو تبين لها وجود ارتباط بين الدعويين, بل لها حق رفضه إذا تبين أن المحكمة الأخرى غير مختصة بنظر الدعوى أو أن إجراءات القضية قد أشرفت على النهاية وأصبحت مهيأة للفصل فيها أو أن مصلحة العدالة أو مصلحة الخصوم تتعارض مع الإحالة ([95])، تجدر الإشارة في الأخير إلى القول أنه قد لا يكتشف أحد الخصوم هذا الارتباط إلا بعد تناول الموضوع عندئذ لا يمكن بداهة القول بأن تناول الموضوع يعتبر تنازلا عن الدفع بالإحالة للارتباط, وعليه فيجوز إبداء هذا الدفع رغم سبق التكلم في الموضوع طالما أن الحق في الدفع لم ينشأ إلا متأخرا ([96]). 

رابعا: تمييز الدفع بالإحالة للارتباط عن الدفع بالضم:

رغم كونهما يعتبران دفعان شكليان إلا أن ذلك لا يعني مطلقا أنهما نفس الدفع, إذ تناول المشرع الجزائري الدفع بالإحالة للارتباط في المادتين 90-92 من قانون الإجراءات المدنية وجعله دفعا لا يتعلق بالنظام العام ويقوم في حالة وجود ارتباط بين دعويين على مستوى محكمتين, على خلاف الدفع بالضم فقد تناوله المشرع الجزائري في المادة 91 من قانون الإجراءات المدنية في حالة وجود ارتباط بين قضايا مطروحة على نفس المحكمة حيث أجاز الدفع به من طرف الخصوم أو من قبل المحكمة تلقائيا . 

وقد أخلط البعض بين الدفع بالإحالة وبين الدفع بالضم رغم صراحة المواد التي تناولت هذين الدفعين لذلك نجد الأستاذ عمر زودة في تعليقه على قرار صادر عن المجلس الأعلى يؤكد على اختلاف الدفع بالإحالة للارتباط عن الدفع بالضم بقوله:إن قضاءنا لا يعرف الدفع بالإحالة إلا في حالتين:الحالة الأولى 

و هي قيام ذات النزاع أمام محكمتين،الحالة الثانية وتتمثل في وجود ارتباط بين عدة قضايا جارية أمام محكمتين مختلفتين ، فالنتيجة إذن هي أن الدفع بالضم دفع مستقل عن الدفع بالإحالة للارتباط وله أحكامه الخاصة. 

([97]). 

ومن تطبيقات المحكمة العليا بالنسبة للإحالة للارتباط نجد القرار رقم 103633مؤرخ في 19/01/1992 جاء فيه: 

عن الوجه الثالث المأخوذ من مخالفة قاعدة جوهرية في الإجراءات وانعدام الأساس القانوني وهذا كون أنه ونظرا للارتباط الموجود بين قضية الحال الهادفة إلى تسديد مبلغ مقابل أموال شائعة والقضية التي سبق للطاعن أن أقامها بقصد البحث عن وجود مشاركة وتقسيم الأرض وتصفية حسابات القاعدة التجارية والتي هي الآن مطروحة على المحكمة العليا عن طريق الطعن بالنقض([98]) 

وهو الارتباط المنصوص عليه في المادتين 91-92 من قانون الإجراءات المدنية كان ينبغي على مجلس قضاء باتنة أن يرفض الدعوى الراهنة أو يصرف المدعية أمام الجهة القضائية التي عرضت أمامها الدعوى الأولى أو يوقف الفصل ريثما يصدر حكم المحكمة العليا. لكن حيث أن الطاعن أثار لأول مرة أمام المحكمة العليا بمناسبة الطعن بالنقض الحالي الدفع بالارتباط المزعوم ولهذا لا يجوز للجهة القضائية العليا أن تناقش الدفع المذكور لأول مرة وبالتالي الوسيلة الثالثة غير منتجة (2) 

المبحث الثالث :الدفوع الشكلية المتعلقة بإجراءات وعوارض الخصومة 

إن القانون القضائي الجزائري يعتمد كثيرا على أعمال شكلية و إجرائية و يتعين على الخصوم إتباعها و مراعاتها و إلا كانت الإجراءات غير سليمة و يترتب على ذلك إبطال الدعوى،و الأعمال الشكلية تتمثل في الإجراءات التي يقوم عليها رفع الدعوى و سيرها و انتهائها(3). 

و الشكل الإجرائي قد يكون مظهرا للعمل الإجرائي ذاته، بمعنى يكون داخلا في تكوينه وشرطا لصحته، و قد يكون ظرفا أو وضعا للعمل الإجرائي يتعين توافره عند مباشرة الإجراء فلا يصح دونه. 

المطلب الأول : الدفع بالبطلان المتعلق بمخالفة إجراءا ت الخصومة 

يقصد بالشكل كمظهر للعمل الإجرائي أن يكون عنصرا فيه و جزءا متمما له كبيانات عريضة افتتاح الدعوى فالشكل يتخذ مع النشاط الإجرائي ويصبح جزءا منه فلا يصح الإجراء إلا إذا أفرغ في القالب الذي يطلبه المشرع و سوف نحاول إبراز الأعمال الإجرائية التي يكون البطلان هو أثر تخلفها (4). 

الفرع الأول:أهليــة الاختصـام 

إن توفر أهلية التقاضي أمر أساسي بالنسبة لكل خصم مدع كان أو مدعى عليه.حيث تؤكد المادة 459 قانون الإجراءات المدنية،أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن حائزا لأهلية التقاضي وتتوفر هذه الأخيرة ، في القانون الجزائري في كل شخص بلغ سن الرشد و كان متمتعا بقواه العقلية ولم يحجر عليه. 

إن أهلية التقاضي مسألة ذات أهمية يترتب على تخلفها بطلان إجراءات الدعوى لتعلقها بالنظام العام حيث يجوز للخصم الدفع بالبطلان لعدم توفرها كما أنه للمحكمة حق إثارة هذا الدفع من تلقاء نفسها و يتم هذا الدفع في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ولو بعد تناول الموضوع بل و يؤدي تغير الأهلية أثناء سريان الخصومة إلى انقطاعها وسوف نعالج هذه النقطة لاحقا (5) . 

و أمام أهمية شرط الأهلية لصحة إجراءات التقاضي نجد أن المحكمة العليا أعطت لهذه المسألة عناية نكتشفها من خلال قراراتها العديدة منها: 

قرار رقم274-149 مؤرخ في 09/12/1997 مجلة قضائية 1998 عدد 01 ص 139 جاء فيه: أنه من المقرر قانونا أنه لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء ما لم يكن جائزا لصفة و أهلية التقاضي و له مصلحة في ذلك. 

و من المقرر أيضا أنه يتمتع الشخص الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان ملازما لصفة الإنسان وذلك في الحدود التي يقررها القانون. 

و لما ثبت في قضية الحال أن قضاة الموضوع لما لم يحرصوا على توفر شرط الصفة و الأهلية للفرع النقابي و الذي يعد من النظام العام لرفع الدعوى يكونوا قد خرقوا القانون وعرضوا بذلك قرارهم للنقض ([99]). 

الفرع الثاني: الوثائـق الإجرائيــة 

أولا: تحرير و إيداع العريضة الافتتاحية للدعوى: 

تبدأ الخصومة القضائية بالمطالبة القضائية،هذه الأخيرة تعتبر أول عمل في الخصومة ، وهي عمل إجرائي موجه من المدعي أو ممثله إلى المحكمة.يقرر فيه وجود حق أو مركز قانوني معين اعتدي عليه و يعلن رغبته في حمايته بإحدى صور الحماية القضائية في مواجهة المدعي عليه.و يكون استعمال المدعي للمطالبة رفعا للدعوى أمام القضاء لنظرها, بهذا فالمطالبة القضائية تكون صحيحة إذا توافرت فيها باعتبارها عملا إجرائيا المقتضيات الموضوعية و الشكلية([100]). 

و يتم اتصال المدعي و لجوؤه للقضاء عن طريق إيداع عريضة افتتاح الدعوى لدى المحكمة طبقا لنص المادة 12 من قانون الإجراءات المدنية ([101])، فكل شخص يريد أن يدعي أمام القضاء عليه أن يودع عريضة لدى أمانة ضبط المحكمة متضمنة البيانات اللازمة التي ترفع الجهالة عن صفة المدعي عليه و المدعي، و هو موضوع الدعوى لذلك يجب عادة أن تشتمل العريضة الافتتاحية على البيانات التالية: بيان وقائع الدعوى و أسبابها والأدلة المؤيدة لها و مطالب المدعي، بيان المستندات المرفقة مع تحديد اسم المحكمة المرفوعة أمامها الدعوى و اسم المدعي و المدعى عليه أو من يمثله قانونا، لقبه و مهنته وعنوانه، مع بيان تاريخ تقديم العريضة مع توقيع المدعي أو من يمثله قانونا ([102])، لكن السؤال المطروح: ما طبيعة هذه البيانات؟ . 

إن إمكانية تصحيح العريضة الافتتاحية و تكملة النقص فيها الذي ساد العمل به في القضاء بسبب عدم تحديد البيانات اللازمة فيها، حيث اقتصر نص المادة 12 على مجرد ذكر اشتمال العريضة على التاريخ و توقيع المدعي دون أية عبارة إجبار و إلزام تفيد بطلان العريضة لتخلف أحد هذه البيانات هذا الفراغ فتح المجال أمام إمكانية تصحيح بيانات العريضة و ملأ النقص فيها لكن لا ينفي أبدا وجوب احتواء العريضة على بيانات جوهرية تعتبر مبادئ قانونية في الإجراءات المدنية كوجوب تحديد صفة المدعي و المدعي عليه يترتب على تخلفها البطلان و قضاء المحكمة العليا صريح في هذا المجال. 

1-بالنسبة لذكر أسماء و صفات الأطراف في العريضة الافتتاحية: ففي قرار مؤرخ في 04/03/1985 ملف رقم 34899 المجلة القضائية لسنة 1990 العدد الأول ص 38 جاء فيه: 

أنه من المقرر قانونا أن عريضة افتتاح الدعوى يجب أن تتضمن أسماء و صفات الأطراف و إلا تعرضت للبطلان و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للإجراءات الجوهرية في القانون و لما كان ثابتا في قضية الحال أن قضاة الموضوع أهملوا دفع الطاعن ببطلان الإجراءات لجهل أسماء الورثة واقتصروا على القول بأنه لا داعي لذكر جميع الأسماء ما دامت هناك محامية تمثل جميع الورثة فإنهم بقضائهم كما فعلوا خرقوا أحكام المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه . 

أما فيما يخص باقي البيانات فالقضاء غني فيما تضمنه من قرارات تحدد مدى أهميتها من عدمه و معظمها لا تؤدي إلى البطلان. 

ثانيا:التكليف بالحضور: إن لجوء المدعي إلى المحكمة بإيداعه للعريضة الافتتاحية يستلزم إتخاد إجراء مكمل يتمثل في وجوب تكليفه للمدعي عليه للحضور لجلسة المحاكمة بواسطة التكليف بالحضور مرفوق بنسخة من العريضة الافتتاحية ، هذا الإجراء له أهمية فيما يخص احترام حقوق الدفاع بالنسبة للخصم الأخر ، بالإضافة لتأثيره المباشر على انعقاد الخصومة من عدمه ، و نحن في هذا العنصر نتناول التكليف بالحضور من حيث البيانات الواجب توفرها فيه و مواعيد إعماله و أثر تخلفها على صحة الإجراءات ([103]). 

1-بيانات التكليف بالحضور: نصت المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية على أنه: 

كل تكليف إلى المحكمة يجب أن يتضمن: اسم مقدم العريضة و لقبه و مهنته و موطنه تاريخ تسليم التكليف بالحضور و رقم الموظف القائم بالتبليغ و توقيعه, اسم المرسل إليه و محل إقامته و ذكر الشخص الذي تركت له نسخة التكليف بالحضور مع ذكر المحكمة المختصة بالطلب و اليوم والساعة المحددين للمثول أمامها. ملخص الموضوع و مستندات الطلب، و إذا كانت الدعوى مقامة من شركة فيجب أن تشتمل العريضة أو التصريح على بيان عنوان الشركة التجاري و نوعها و مركزها الرئيسي دون المساس بأحكام المادتين 8-9 المتعلقتين باختصاص الجهة القضائية المؤهلة للنظر في القضية. إن عبارة(يجب)الواردة في مقدمة هذه المادة تفيد اللزوم،بالتالي تخلف أحد هذه البيانات المحددة يترتب عليه بطلان التكليف بالحضور لما لهذه البيانات من أهمية عملية من حيث تيسير عمل المحضر القضائي عند تسليم التكليف بالحضور ، أو من حيث اقتصاد الوقت و سرعة الفصل في القضايا حماية لحقوق الخصوم من جهة و ضمانا لحسن سير مرفق القضاء من جهة أخرى. 

2-المكلف و مواعيد التكليف بالحضور: 

أ-صفة المسلم له التكليف: حددت المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية الأشخاص الذين يسلم لهم ورقة التكليف و يكون ذلك تكليفا صحيحا حيث نصت على أنه: 

يصح تسليم التكليف بالحضور إما إلى الشخص المطلوب و إما إلى أحد أقاربه أو تابعيه أو البوابين و أي شخص أخر يقيم بالمنزل نفسه و في حالة عدم وجود موطن فإن التبليغ في محل الإقامة يعد بمثابة التبليغ في الموطن ،و يكون تبليغ الشخص المعنوي بمثابة التبليغ للشخص المطلوب تبليغه إذا تم إلى ممثله القانوني أو إلى مفوض عن هذا الأخير أو إلى أي شخص أخر مؤهل لهذا الغرض، إذا استحال تبليغ الشخص المطلوب تبليغه، فتسلم ورقة التبليغ إما في موطنه و إما في محل إقامته، إن لم يكن له موطن معروف في الجزائر . 

و تطبيقا لهذه المادة نجد القرار المؤرخ في 24/02/1990 ملف رقم 65.766 المجلة القضائية لسنة 1991 العدد الثاني ص 102 جاء فيه: أنه متى كان من المقرر قانونا أنه يصح تبليغ التكليف بالحضور لأي شخص يقيم بالمنزل أو إلى أحد التابعين ،فإن تبليغ التنبيه بالإخلاء إلى شخص أخر وجد بالمحل إجراء سليم ، و من ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون غير صحيح، لما كان ثابتا –في قضية الحال-أن قضاة الاستئناف لما أجابوا بأن التنبيه بالإخلاء بلغ إلى أحد عمال صاحب المحل واعتبروا وجود هذا الشخص في المحل قرينه على أن هناك علاقة بصاحب المحل ، بقضائهم كما فعلوا يكونوا قد طبقوا صحيح القانون واستوجب رفض الطعن ([104]). 

كل هذه المعطيات تؤكد سعي المشرع لتيسير استعمال الأشخاص لحقهم في اللجوء للقضاء حيث لم يحصر المشرع تسليم التكليف إلى المعني شخصيا بل وسع من دائرة من الأشخاص الذين يمكن تسلمهم إياه و يعتبر ذلك إجراء صحيح لا يشوبه البطلان. 

و عدم استلام أي من هؤلاء الأشخاص التكليف يجعل الحكم الصادر في القضية يخرق القانون و هو ما ذهب إليه قرار المحكمة العليا المؤرخ في 07/02/1987 ملف رقم 46.757 المجلة القضائية لسنة 1991 العدد 02 ص 50 الذي جاء فيه: من المقرر قانونا أن الشخص لا يعتبر متغيبا عن الحكم و يحكم عليه بهذه الصفة إلا إذا توصل بالاستدعاء أو افترض علمه بالدعوى المرفوعة عليه، إتباعا للقواعد المنصوص عليها في المادة 22 و ما بعدها من قانون الإجراءات المدنية ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقواعد الجوهرية للإجراءات، لما كان من الثابت في قضية الحال أن الحكم القاضي بالتطليق المؤيد لقرار المجلس لم يتبين منه استلام الطاعن للاستدعاء،ومن ثم يعتبر غير عالم بالدعوى مع غياب توفر الإجراءات القانونية المنصوص عليها بالمواد 22 و ما بعدها من قانون الإجراءات المدنية، خرقوا القواعد الجوهرية في الإجراءات واستوجب نقض القرار المطعون فيه. 

ب-مواعيد التكليف بالحضور:حددتها المادة 26 من قانون الإجراءات المدنية التي جعلت مهلة 10 أيام على الأقل من تاريخ تسليم التكليف بالحضور إلى اليوم المعين للحضور،و إذا لم يكن للشخص المبلغ بالحضور موطن أو محل إقامة في الجزائر فتكون المهلة المذكورة شهرا واحدا إذا كان يقيم بتونس أو المغرب،وشهرين إذا كان يقيم في بلاد أخرى([105]). 

المطلب الثاني: الدفع بالبطلان المتعلق بالعارضان المانعان من السيرفي الخصومـة: 

من النادر أن تنتهي القضية في أول جلسة تعرض فيها على المحكمة ويغلب مضي فترة طويلة أو قصيرة بين افتتاح الخصومة وانتهائها العادي بالفصل في موضوع النزاع, وفي هذه الفترة قد يقع من الحوادث مامن شأنه إنهاء الخصومة أو وقف سيرها ومن بين هذه الطوارئ ما يقع مستقلا عن إرادة الخصوم ومنها ما يقع بإرادتهم حيث يترتب عليه انحراف الخصومة عن طريقها العادي الذي كانت تسير فيه وانتهاؤها في بعض الأحيان بغير حكم يصدر في موضوعها. 

وقد عالج المشرع الجزائري هذه الطوارئ وحرص على أن يضع لها قواعد في قانون الإجراءات المدنية ويتعلق الأمر بالعارضان المانعان من السير في الخصومة وهوما سنتناوله في هذا المطلب والعارضان المهنيان للخصومة اللذان سوف نتطرق لهما في المطلب الموالي. 

الفرع الأول : الدفـع بالبطـلان المتعلـق بوقـف الخصومـة : قبل تناول هذا الدفع لا بد من تعريف الوقف وأسبابه. 

أولا: ماهية الوقف: إن البحث في ماهية الوقف يستلزم تعريفه ،و تفصيل أسبابه كما يلي: 

1- تعريفه: يقصد بوقف الخصومة وقف سيرها فترة من الزمن مع بقائها قائمة ومنتجة لآثارها ويحصل لأسباب لا علاقة لها بمركز الخصوم وصفاتهم بها والخصومة الموقوفة تدخل في حالة ركود يستبعد فيها أي نشاط حتى ينتهي الوقف وإن ظلت الخصومة قائمة ([106]). 

2- أسباب الوقف: لم يوردها المشرع أي قانون الإجراءات المدنية على سبيل الحصر إنما تناولها في نصوص متفرقة نبينها فيما يلي: 

أ - الوقف بحكم القانون: وفيه يتحقق الوقف بمجرد توافر سببه دون حاجة إلى قرار به من المحكمة وقد يحصل مثلا أنه إذا قام سبب من هذه الأسباب أن تقرر المحكمة وقف الخصومة . حيث لا يعدو عمل المحكمة هذا أن يكون تقريرا لأمر واقع بحكم القانون فليس للمحكمة أية سلطة في تقريره لذلك تعتبر الخصومة موقوفة لا من يوم حكم المحكمة بالوقف وإنما من يوم قيام السبب الموقف بقوة القانون فالحكم هنا مقر لوقف وليس منشئ له ومن ذلك ([107]): 

* نجد حالة وقف الخصومة أمام القاضي المدني لحين الفصل في الدعوى العمومية([108]). 

*كذلك نجد حالة تنازع الاختصاص بين القضاة، حالة مخاصمة القضاة ([109]). 

* حالة تقديم دفوع الاستمهال: وهي تلك التي يقدمها الخصم بهدف طلب مهلة لإجراء عمل معين على أن تتوقف الخصومة أثناء تلك المهلة من أمثلة هذه الدفوع: الدفع بتدخل الضامن، الدفع بتدخل الوارث أو الزوج المتبقي ([110]). 

ب- الوقف القضائي:( بحكم المحكمة): 

الوقف هنا يحصل بحكم المحكمة بمعنى أن حالة الوقف لا تنشأ إلا بحكم المحكمة وكل إجراء يتخذ في الدعوى قبل الحكم بالوقف يعتبر صحيحا وآثار الوقف لا تبدأ إلا منذ حكم المحكمة, فيكون لها أن تأمر بوقف الخصومة كلما رأت تعليق حكمها في موضوعها على الفصل في مسألة أخرى لذلك يشترط لتقرير الوقف القضائي مايلي: 

يكون الفصل في المسألة الأخرى ضروري للفصل في الخصومة ولا يكفي مجرد الارتباط وللمحكمة سلطة تقديرية في ذلك ويجب تثار كمسألة أولية في الخصومة.([111]) 

الأمثلة عن المسألة الأولية مسألة دستورية القانون المراد تطبيقه في الدعوى الأصلية فإذا رفعت أمام إحدى المحاكم وأثناء نظرها دفع بعدم دستورية هذا القانون فهنا يجب على المحكمة الناظرة في الدعوى الأصلية أن توقف نظرها حتى يتم الفصل في مدى دستورية هذا القانون, كذلك يشترط أن تكون هذه المسألة الأولية من اختصاص محكمة أخرى كأن تخرج عن ولاية القاضي العادي لتدخل في ولاية القضاء الإداري. 

وتجدر الإشارة في الأخير أن القانون الجزائري ساير القانون اللبناني في عدم تحديد مدة الوقف عكس المصري الذي حددها بمدة قصوى لا تتجاوز6 أشهر([112]). 

وللوقف القضائي مكان في قرارات المحكمة العليا منها القرار الصادر بتاريخ 02/07/1969 مجلة مجموعة الأحكام الجزء 02 صفحة 279 جاء فيه أنه: حين يقدم دفع يتعلق بقرار إداري أمام قضاة المحاكم العادية يجب وقف الفصل في الموضوع إلى حين تقدير الغرفة الإدارية لذلك الدفع ([113]). 

ثانيا :آثار الوقف: إذا تم وقف الخصومة فإنه ينجم عن ذلك أثرين هامين هما: 

1- بقاء الخصومة قائمة 

2- وقف المواعيد الإجرائية ([114]). 

ثالثا: مصير الخصومة الموقوفة: لا تبقى الخصومة موقوفة إلى ما لا نهاية وإنما مصيرها ينتهي إلى أحد الأمرين: 

1- إعادة السير فيها: فبعد زوال سبب الوقف يرجع للأطراف حق إعادة السير في الخصومة ضمن الأشكال المنصوص عليها بالمادة 88 من قانون الإجراءات المدنية التي تحيلنا بدورها إلى المادة 12 من نفس القانون أي إجراءات رفع الدعوى العادية حيث يطلب أحد الخصوم تحديد جلسة لنظر الخصومة ويبلغ خصمه بها، والمدعي غالبا هو الذي يقوم بذلك باعتباره الحريص على سير المحاكمة ولكن للمدعى عليه أيضا أن يقوم بالتعجيل . 

2- انقضاء الخصومة: إذا لم يبادر أي خصم في إعادة السير في الدعوى فإنها تنتهي دون الحكم في موضوعها. والملاحظ أن المشرع الجزائري لم يحدد ميعادا خاصا لإعادة السير, لذلك تخضع الخصومة في هذا المجال للقواعد العامة المتعلقة بسقوط الخصومة ([115]). 

رابعا: الدفع ببطلان الإجراءات المتخذة أثناء فترة الوقف وطبيعته: إن مسألة الوقف كعارض للخصومة تثير دفعا شكليا مقرر للمصلحة الخاصة للخصوم يتمثل في الدفع ببطلان الإجراءات حيث أن الوقف يؤدي لركود الخصومة, الأمر الذي يستلزم منع أي نشاط فيها فلا يجوز إتخاذ أي إجراء في الخصومة خلال فترة وقفها وأي إجراء يتخذ فيها قبل انقضاء مدة الوقف أو زوال سببه يكون باطلا حيث يجوز لأي طرف الدفع بهذا البطلان ونفس البطلان يمس كل حكم أو قرار صدر أثناء فترة الوقف ([116]). 

لكن لا يحول الدفع هنا دون اتخاذ الإجراءات التحفظية والعاجلة التي يخشى عليها من مرور الوقت ومن تم يجوز اتخاذ إجراء إثبات الحالة, والتصريح ببيع الأشياء التي يخشى عليها من التلف وسماع شاهد قد يتعذر سماع شهادته عند تعجيل الدعوى وهو الموقف الذي تدعمه نص المادة 210 فقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص: فيما عدا الإجراءات التحفظية وحدها يكون كل إجراء يتم خلافا لقرار الإيقاف مشوبا بالبطلان. 

الفرع الثاني: الدفـع بالبطـلان المتعلـق بانقـطاع الخصومـة: قبل الحديث عن هذا الدفع لا بد لنا أن نفصل بعض الشيء في مفهوم الانقطاع وأحكامه. 

أولا: ماهية الإنقطاع: 

1- تعريف انقطاع الخصومة:

 هو وقف السير فيها لقيام سبب من الأسباب التي نص عليها القانون ورتب على وقوعها انقطاع السير في الخصومة وهنا يختلف الانقطاع عن الوقف وإن كانت نتيجتهما واحدة هي وقف السير في الخصومة, إلا أن الوقف يحصل لأسباب لا علاقة لها بمركز الخصوم وصفاتهم أمام الانقطاع فيحصل عندما يكون بعض الخصوم في حالة يستحيل عليهم معها المضي في إجراءات الدعوى بسبب حادث غير من أهليتهم أو صفاتهم حتى تزول آثار ذلك الحادث وعند ذلك يحصل الرجوع للدعوى ([117]). 

ويهدف الانقطاع إلى كفالة حق الدفاع للخصوم إذ تؤدي وفاة الخصم أو زوال صلاحيته إلى عجزه عن مباشرة حق الدفاع, لذا ينقطع سير الخصومة حتى يحل محله فيها من يمكنه مباشرتها. 

والانقطاع يتم بقوة القانون متى توافرت شروطه والحكم الذي تصدره المحكمة بالانقطاع يكون مقررا لحالة الانقطاع لا منشأ لها. 

2- أسباب الانقطاع:

 حصرتها المادتين 85- 252 من قانون الإجراءات المدنية وهي: 

أ- وفاة أحد الخصوم: يؤدي إلى انقطاع الخصومة سواء كان الخصم مدعيا أو مدعى عليه, أصلي      أو متدخل أو مدخل وهذا طبقا للمادة 85 من قانون الإجراءات المدنية ([118])، حيث بالوفاة يصبح ورثة المتوفى أطرافا في الخصومة أي يخلفوه في مركزه كخصم لكنهم قد يجهلوا وجود الخصومة لذلك تنقطع إجراءاتها حتى يتم إعلامهم([119]). 

ب-تغير أهلية التقاضي لأحد الخصوم: حيث تنصرف أهلية التقاضي إلى صلاحية الشخص في مباشرة الإجراءات القضائية فإن فقدها أثناء سير الخصومة تنقطع هذه الأخيرة مثال ذلك الحجر على أحد الخصوم أو بلوغ القاصر سن الرشد بالنسبة للوصي أو حدوث عارض من عوارض الأهلية كالجنون أو العته أو السفه ([120]). 

ج- فطبقا للمادة 252 من قانون الإجراءات المدنية: تنقطع الخصومة في حالة وفاة أو تنحية أو إيقاف أو شطب اسم أو عزل المحامي وهذه الحالة خاصة فقط بالمحامي أمام المحكمة العليا بالإضافة لوفاة أحد الخصوم. 

- هذه هي الحالات التي وردت حصريا في قانون الإجراءات المدنية والتي تؤدي للانقطاع وهنا يجب الإشارة لنص المادة 84 من قانون الإجراءات المدنية التي تفيد أنه لا يحصل الانقطاع إذا كانت القضية مهيأة للفصل فيها وبمفهوم المخالفة وطبقا لنص المادة 85 من قانون الإجراءات المدنية فإنه يحصل الانقطاع إذا كانت القضية غير مهيأة للفصل فيها( [121]). 

ثانيا: آثار الانقطاع: يترتب على الانقطاع نفس آثار الوقف وهي: 

1- بقاء الخصومة قائمة: بالتالي تكون صحيحة كل الإجراءات السابقة على حصول سبب الانقطاع. 

2- بطلان كل إجراء أو حكم أو قرار اتخذ أثناء فترة الانقطاع. 

3- وقف جميع المواعيد الإجرائية: حيث إذا لم يبدأ الميعاد فلا يمكن بداية احتسابه خلال مدة الانقطاع وإن بدأ قبله فينقطع ويستأنف حساب الباقي منه عند إعادة السير في الخصومة. 

ثالثا- مصير الخصومة المنقطعة: إن مصير الخصومة المنقطعة عكس مثيله في الخصومة الموقوفة يأخذ منحى واحد وهو: 

*إعادة السير في الخصومة: 

1- أمام درجتي التقاضي: حيث أخضع المشرع الجزائري ذلك لقواعد خاصة حيث أسند مهمة إعادة السير في الدعوى للقاضي دون الأطراف فبمجرد إعلامه بوفاة أحد الخصوم أو تغير أهليته يكلف شفهيا أو بتبليغ يتم وفقا للأوضاع التي تسري على التكليف بالحضور كل ذي صفة لإعادة السير في الدعوى. إلا أن ذلك قد يتم أيضا بالحضور حيث تستأنف الدعوى سيرها إذا حضر الجلسة المعنية لنظرها من له صفة وهذا ما تقرره المادة 89 من قانون الإجراءات المدنية. 

2- أمام المحكمة العليا: أقر المشرع بصفة عامة نفس القواعد المطبقة أمام درجتي التقاضي مع تدقيقه لبعض القواعد كتحديد المهلة التي يجب فيها إعادة السير في الدعوى, وآثار تخلف الخصم المبلغ حيث تنص المادة 252 من قانون الإجراءات المدنية على انقطاع الخصومة بسبب وفاة أحد الخصوم أو وفاة المحامي أو تنحيه أو إيقافه أو شطب اسمه أو عزله. بالتالي يستمر إيقاف الإجراءات من اليوم الذي أحيط فيه العضو المقرر علما بإحدى الحالتين إلى اليوم الذي يرسل فيه إنذار إلى الخصم الذي له مصلحة مباشرة ليقوم بتعجيل نظر الطعن بإجراءات صحيحة وتعيين محام آخر وذلك خلال شهر وعلى المحامي الجديد أن يبلغ تعيينه أو يطلب إذا اقتضى الأمر مهلة يجري فيها اللازم.فإذا لم ينتج الإنذار الأول أثره جاز منح الخصم نفسه مهلة أخيرة لا تتجاوز 30 يوما لتصحيح شكل الدعوى فإن تخلف عن ذلك فإنه يتم الفصل في الطعن في أقرب جلسة ممكنة بقبوله أو باعتبار الحكم الصادر فيه حضوريا ([122]). 


رابعا- كيفية التمسك بالانقطاع: 

1- تتم إثارة مسألة الانقطاع عن طريق دفع شكلي: يتضمن بطلان الإجراءات أو الحكم أو القرار حيث لا يجوز اتخاذ أي إجراء في الخصومة أثناء فترة الإنقطاع باستثناء الإجراءات التحفظية وأي إجراء يتخذ خلالها يكون باطلا ولو لم يكن الخصم الذي اتخذه على علم بسبب الانقطاع. كما يبطل الحكم أو القرار الصادر خلال فترة الانقطاع ولو صدر دون علم بالانقطاع وذلك طالما أن الدعوى لم تكن مهيأة للفصل فيها عندما قام سبب الانقطاع. 

2- طبيعة الدفع بالبطلان المتعلق بالانقطاع: حيت يتم إثارة هذا البطلان عن طريق دفع شكلي يتم التمسك به فقط من طرف من شرع البطلان لمصلحته وهو الخصم الذي تعلق به سبب الانقطاع حيث يمكنه النزول عن هذا الدفع صراحة أو ضمنا بالتالي لا يجوز للطرف الآخر التمسك به وليس للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ([123])، وعلى غرار باقي الدفوع الشكلية فإن قرارات المحكمة العليا حاضرة في مجال انقطاع الخصومة فنجد قرارها رقم 73.514 مؤرخ في 12/06/1991 مجلة قضائية 1993 عدد 01 ص 39 جاء فيه: أنه من المقرر قانونا إذا لم تكن القضية مهيأة بعد وللفصل فيها فإن القاضي بمجرد إعلامه بوفاة أحد الخصوم أو تغيير أهليته يكلف شفويا أو بتبليغ يقع طبقا للأوضاع المنصوص عليها في المواد 22 إلى 27 من قانون الإجراءات المدنية كل ذي صفة لإعادة السير في الدعوى ومن ثم فإن القضاء بما يخالف ذلك يعد خرقا للقانون. 

ولما كان من الثابت في قضية الحال أن قضاة المجلس بامتناعهم عن القيام بالتدابير المنصوص عليها قانونا وإبطال الإجراءات المتبعة بعد وفاة أحد الخصوم وصرفهم لما يبدوا لهم يكونوا قد خرقوا القانون و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه. 

كذلك قرار رقم 45.573 مؤرخ في 04/05/1988 مجلة قضائية 1991 عدد 04 صفحة 51 جاء فيه أنه: من المقرر قانونا أن القضية إذا لم تكن مهيأة للفصل فيها وتوفي أحد الخصوم فإن المحكمة تكلف كل ذي صفة لإعادة السير في الدعوى, ولما كان الثابت في قضية الحال أن المحكمة لم تأمر بإدخال الورثة بعد وفاة المستأنف ضده (مورثهم) واستمرت الدعوى باسمه، فإن قضاة الموضوع كما فعلوا خرقوا القواعد الجوهرية في الإجراءات([124]). 

المطلب الثالث:الدفـع بالبطـلان المتعلـق بالعارضان المنهيـان للخصومـة 

يجب أن تتخذ الخصومة سيرها العادي لتصل إلى نهايتها وتضع حدا للنزاع ولا يجوز أن يباح للمدعى أن يطيل أمدها إلى غير حد. ومن الواجب على المشرع أن يضع نصوصا تكفل عدم بقاء الخصومات معلقة أكثر من الوقت اللازم للفصل في موضوعها, فالمدعي الذي يهمل دعواه ويوقف الإجراءات مدة طويلة يجب أن يوضع له جزاء يحرمه الاستفادة من إهماله. وذلك بالنص على تعريض خصومته للسقوط بعد انقضاء أجل معين. وقد تنقضي المحاكمة قبل البلوغ بها إلى غايتها بإرادة المدعي وهو الذي رفعها أو أنشأها ويسمى ذلك بترك الخصومة ([125])، ولقد منح المشرع الجزائري للمدعى عليه حق الدفع ببطلان الإجراءات المتخذة أثناء قيام هذين العارضين المنهيان للخصومة وسوف نحاول تفصيلهما على التوالي مع التركيز على كيفية التمسك بالدفع المذكور أعلاه. 

الفرع الأول- الدفع ببطـلان الإجراءات المتعلـق بسقوط الخصومـة:

 قبل تناول كيفية التمسك بسقوط الخصومة لا بد من التطرق الماهية السقوط وأحكامه. 

أولا: ماهية سقوط الخصومة 

1/ تعريفه: يعرف بأنه انقضاء وإلغاء جميع إجراءات الخصومة بناء على طلب المدعى عليه بسبب عدم السير فيها مدة عامين دون انقطاع وذلك بفعل المدعي([126]). 

حيث تنص المادة 220 فقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية على أنه: يجوز للمدعى عليه أن يطلب إسقاط الدعوى أو الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع إذا تسبب المدعي في عدم الاستمرار فيها أو عدم تنفيذ الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع وذلك طيلة مدة عامين ([127]). 

بالتالي فإن السقوط هو جزاء مقتضاه إلغاء جميع إجراءات الخصومة وزوال كافة آثارها إذا لم يقم المدعي بمتابعة إجراءاتها للمدة المذكورة من تاريخ آخر إجراء صحيح من إجراءات التقاضي سواء كان ذلك أمام محاكم أول درجة أو أمام جهة الاستئناف وفي مواجهة جميع الأشخاص الطبيعيين والمعنويين وحتى عديمي الأهلية أو ناقصيها حيث يبقى لهم حق الرجوع على ممثليهم القانونيين ولا يجوز للخصوم الاتفاق على استبعاد سقوط الخصومة مسبقا.والخصومة تسقط أيا كان سبب ركودها وقف انقطاع أو أي سبب آخر فالمشرع لم يربط نظام السقوط بحالات معنية بل جاء النص عاما. 

2-شروط سقوط الخصومة: 

من خلال استقراء نص المادة 220 من قانون الإجراءات المدنية أعلاه يمكننا أن نستخرج الشروط التالية: 

د- أن يتم التمسك بالسقوط من قبل المدعى عليه. 

ا-وجود خصومة منعقدة ([128]). 

ب- عدم السير في الخصومة بفعل المدعي . 

ج- عدم اتخاذ أي إجراء في الخصومة لمدة سنتين متتاليتين ([129]). 

ثانيا: الدفع المتعلق بسقوط الخصومة:

 طبقا للمادة 221 فقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية فإن التمسك بالسقوط يتم بطريقتين: 

1- طلب السقوط: نقدم إلى المحكمة القائمة أمامها الخصومة المطلوب سقوطها سواء كانت محكمة أول درجة أو جهة استئناف طبقا للقواعد المقررة لرفع الدعاوى، وتنظره المحكمة طبقا لأحكام نظر الدعاوى العادية وتتبع سيرها. 

2- الدفع بسقوط الخصومة: وهو ما يهمنا في موضوعنا حيث يحصل التمسك بالسقوط بدفع يبديه المدعى عليه عند تحريك المدعي الأصلي لإجراءات الخصومة بعد ما تسبب في عدم السير فيها لمدة عامين ([130]). 

أ- وقف إبداء الدفع بالسقوط:كما سبق بيانه فإن التمسك بالسقوط هو حق للمدعى عليه ومن في حكمه طبقا للفترة 01 المادة 220 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص:" يجوز للمدعى عليه طلب إسقاط الدعوى". 

ويتم التمسك بالدفع بالسقوط قبل أن يتعرض للموضوع باعتباره دفع شكلي تسري عليه نفس أحكام الدفوع الشكلية من وجوب إبداءه قبل أي دفع في الموضوع تحت طائلة سقوط حق التمسك به ([131]). 

ب-طبيعة الدفع بسقوط الخصومة: لا يتعلق هذا الدفع بالنظام العام، بل يجب التمسك به من الخصم ذي المصلحة (المدعى عليه)ولا يجوز للمدعى أن يتمسك به حتى لا يستفيد من إهماله ، ويسقط الحق فيه بالنزول عنه صراحة أو ضمنيا بعد انتهاء ميعاد السنتين المسقطتين للخصومة ([132])، ومن ثم لا يجوز للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها. 

بالتالي يجب على المدعى عليه إبداء هذا الدفع عند تحريك المدعي الأصلي لإجراءات الخصومة بعد عامين من تاريخ آخر إجراء اتخذ فيها وقبل التعرض للموضوع وإلا سقط حقه باعتبار أنه دفع شكلي لا يتعلق بالنظام العام ([133])، وهو ما تؤكده نص المادة 220 فقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية من خلال عبارة " يجوز للمدعى عليه طلب إسقاط الدعوى" 

فكلمة " يجوز" تفيد معنيين الأول يتعلق بمنح الحرية للمدعى عليه للدفع بسقوط الخصومة من عدمه والثاني يفيد عدم تعلق هذا الدفع بالنظام العام لأن هذا الأخير يتعلق بالمصلحة العامة للمجتمع بينما منح حق الدفع بالسقوط للمدعى عليه مسألة تتعلق بالمصلحة مما ينجر عنه حق المدعى عليه في التنازل عن هذا الدفع صراحة أو ضمنا بينما الدفع المتعلق بالنظام العام لا يجوز التنازل عنه. 

في الأخير يجدر بنا الإشارة لبعض التطبيقات القضائية الصادرة عن المحكمة العليا في مجال الدفع بسقوط الخصومة كدفع شكلي فلدينا القرار رقم 405 148 مؤرخ في 28/05/1997 مجلة قضائية 1997 عدد 2 صفحة 42 جاء فيه أنه من المقرر قانونا أنه لا يجوز للمستأنف الذي يكون مدعيا في الخصومة أن يطلب السقوط أمام جهة الاستئناف للمستأنف ضده باعتباره مدعى عليه في الاستئناف وذلك حتى ولو كان مدعيا أصليا في خصومة الدرجة الأولى من المقرر قانونا أنه يرفع طلب سقوط الخصومة طبقا للقواعد المقررة لدفع الدعاوى كما يمكن تقديمه في شكل دفع ولما تثبت في قضية الحال أن قضاة المجلس لما تمسكوا بأنه لا يمكن تقديم طلب سقوط على شكل دفع مصرحين بأن النص العربي ما هو إلا محور ترجمة للنص الفرنسي لوجود تناقض بين المادة 221 فقرة 2 والمادة 20 من قانون الإجراءات المدنية فإنهم أخطئوا في تطبيق القانون ذلك أن النص العربي هو النص الأصلي الرسمي ([134]). 

الفرع الثاني: الدفـع الشكلي المتعلـق بترك الخصومـة 

إن الحديث عن هذا الدفع من الصعوبة بما يكون طالما أن المشرع الجزائري تناول أحكام الترك دون إدراج الدفوع الناتجة عنه لذلك فلا ملاذ من اللجوء للفقه وموقفه من ذلك بعد ما نتطرق للنظام القانوني للترك كعارض من عوارض الخصومة. 

أولا: ماهية ترك الخصومة:

 تتناول في هذا العنصر تعريف الترك وإجراءاته. 

1:تعريف الترك: إن المدعي هو الذي أقام الخصومة وتحمل نفقاتها فهو صاحب المصلحة الأولى في بقائها والحكم في موضوعها لكن قد يطرأ بعد رفع الدعوى ما يجعل له مصلحة في النزول عنها, كما إذا تبين له بعد رفعها أنه رفعها قبل أن يعد لها أدلتها فيتنازل عنها ليجدد المطالبة بها بعد أن يستكمل أدلته فإن هذا خير له من السير فيها والحكم في موضوعها برفضها فيمتنع عليه تجديد المطالبة بحقه لذلك منحه المشرع رخصة ترك الخصومة توفيرا للوقت والإجراءات ([135])، لذلك فيمكن تعريف الترك بأنه: تنازل المدعي عن الخصومة وعن جميع الإجراءات التي تمت وحصلت فيها مع احتفاظه بالحق الموضوعي حيث يجوز له تجديد المطالبة به([136]). 

وقد تناول المشرع الجزائري مسألة ترك الخصومة في عدة مواد من قانون الإجراءات المدنية وهي المادة 97 على مستوى المحاكم والمادة 148 على مستوى مجالس القضاء والمواد 261 إلى 263 على مستوى المحكمة العليا. 




2- إجراءات ترك الخصومة: يجب علينا التمييز في هذا المجال بين حالتين: 

ا- بالنسبة للترك أمام المحاكم والمجالس القضائية: 

- أمام المحاكم: 

تنص المادة 97 من قانون الإجراءات المدنية على أن ترك الخصومة بغير قيد أو شرط يجوز طلبه كتابة أو إبداؤه في محضر يحرر لذلك, ويثبت ترك الخصومة بحكم ([137])، بمعنى أن المشرع حدد شكلا معينا يدرج طبقا له طلب الترك حيث أجاز ذلك في شكل كتابي وعادة يتم ذلك في مذكرة تقدم للقاضي في الجلسة أو يبدي شفويا في الجلسة حيث يحرر محضر بذلك. 

- أمام المجالس: 

كانت المادة 154 من قانون الإجراءات المدنية الملغاة تتضمن ترك الخصومة على مستوى الدرجة الثانية وبالتالي لم يكن هناك إشكال عند البحث عن أحكام الترك في هذه المرحلة لكن بإلغائها طرح التساؤل ما هي الأحكام التي تحكم الترك أمام المجلس القضائي؟ 

إن الحل القانوني لهذا الإشكال ورد في مواد قانون الإجراءات المدنية نفسه من خلال نص المادة 148 من قانون الإجراءات المدنية التي أكدت على أن الترك أمام المجالس يخضع لنفس أحكام الترك أمام المحاكم وبنفس الإجراءات بالتالي لم يعد يشترط قبول الخصم للترك أمام جهة الاستئناف الذي كانت تقضي به المادة 154 الملغاة. 

- أمام المحكمة العليا: 

بالنسبة للترك أمامها فخصه المشرع الجزائري بأحكام متميزة حيث فرق بين ما إذا كان ترك الخصومة قبل انعقادها. بتبليغ الطعن إلى المطعون ضده ففي هذه الحالة للطاعن أن يطلب من المحكمة العليا مجرد إثبات هذا الترك. وهذا ما قررته المادة 261 من قانون الإجراءات المدنية, وبين ما إذا حصل الترك بعد انعقاد الخصومة فيجب أن يكون إثبات هذا الترك مسببا وبعد موافقة المطعون ضده صراحة أو ضمنيا قبل انقضاء المهلة المحددة في هذا الخصوص. وفي كلتا الحالتين يكون الحكم بإثبات الترك بمثابة رفض للطعن فيترتب عليه في جميع الأحوال الحكم على الطاعن بالمصاريف والغرامة المالية والتعويضات المحتمل ترتبها والمنصوص عليها بالمادة 271 من قانون الإجراءات المدنية ([138]). 

3- آثار ترك الخصومة: يترتب على الترك إلغاء جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك عريضة افتتاح الدعوى أي أن الحكم المتضمن الإشهاد بترك الخصومة يمحو الخصومة ذاتها وإجراءات رفع الدعوى ويزيل بالتالي كل ما ترتب على ذلك من آثار فيعاد الخصوم إلى الحالة التي كانا عليها قبل رفع الدعوى وذلك طبعا دون المساس ببقاء الحق الموضوعي وحق استعمال الدعوى المتعلقة به قائمان حيث يجوز المطالبة به مرة أخرى لكن بدعوى وإجراءات جديدة، هذا بالنسبة للترك أمام محكمة أول درجة ([139])، أما الترك أمام جهة الاستئناف فتكون له نفس تلك الآثار المترتبة أمام محكمة الدرجة الأولى لكن بدءا من إجراء رفع الاستئناف بالتالي يبقى الحكم الصادر عن المحكمة صحيحا ومنتجا لكل آثاره وتزول فقط الإجراءات المقامة أمام جهة الاستئناف ونفس الشيء بالنسبة للترك أمام المحكمة العليا ([140]). 

ثانيا: الدفوع الشكلية المترتبة عن ترك الخصومة: 

على عكس السقوط لم يبين المشرع الجزائري ولم يتناول مسألة الدفوع الشكلية المتعلقة بترك الخصومة مما يدفعنا إلى الاعتماد على آثار الترك والقواعد العامة المتعلقة بصحة وبطلان الإجراءات لاستخراج هذه الدفوع لذلك يمكننا التمييز بين حالات ينتج عنها دفع شكلي بالبطلان: 

1- حالة رفع دعوى جديدة بعد ترك الخصومة: 

حيث قد يجدد التارك الخصومة برفع دعوى جديدة تتضمن نفس موضوع الدعوى ولتأسيس مطالبه يعتمد على الإجراءات التي قام بها أو إجراءات التحقيق التي قامت بها المحكمة في إطار سير الخصومة الأولى أو يستند إلى حكم تمهيدي صدر أثناء الخصومة المتروكة وغيرها من الإجراءات التي تضمنتها ضرورة دراسة الخصومة الزائلة فهنا من حق المدعى عليه أن يدفع ببطلان كل الإجراءات المتخذة سابقا في الخصومة الأولى واعتبارها كأن لم تكن. 

2- حالة ترك الخصومة مخالفة للإجراءات القانونية: 

فكما تعرضنا له سابقا فإن ترك الخصومة يخضع لإجراءات قانونية ينبغي استيفاؤها تحت طائلة البطلان طبقا لما يلي: 

نص المشرع وطبقا للمواد 97 -148 من قانون الإجراءات المدنية على أن الترك يتم طلبه كتابة        أو إبداؤه في محضر لذلك ويثبت بحكم بالتالي إذا أهمل المدعي الخصومة بعد انعقادها ولم يستمر في إجراءاتها وقدم وثيقة لخصمه بصفة ودية مضمونها تركه للخصومة، فقام المدعى عليه بتقديم مذكرات جوابية أمام المحكمة فيها دفوع وطلبات فدفع المدعي بأنه ترك الخصومة فيمكن للمدعى عليه هنا الدفع ببطلان إجراءات الترك لأن الترك هنا لم يتم طبقا للإجراءات القانونية ولم يثبت بحكم. 

3- حالة ترك المدعي دعواه تحت إكراه: 

حيث أن ترك الخصومة يعتبر تصرف إرادي يلحقه البطلان إذا شابه عيب من العيوب المفسدة للرضا كأن يكون قد تعرض لإكراه من المدعى عليه وقدم على ذلك أدلة تكشف عن مدى الرهبة التي بعتها المدعى عليه في نفسه دون حق.فجاز للمدعي تارك الدعوى هنا الدفع ببطلان الإجراءات لوجود عيب في الرضا الذي أدى لتركه للخصومة.([141]). 

4- طبيعة الدفع ببطلان الإجراءات المتعلق بترك الخصومة: 

وفي كل الحالات فإن بطلان الإجراءات وكما سبق بيانه هو دفع شكلي وهو هنا لا يتعلق بالنظام العام لأن البطلان هنا نسبي بمعنى أن التمسك به قاصر على من شرع لمصلحته ففي الحالتين الأولتين التمسك به حق للمدعى عليه الذي يكون له وحده سلطة الدفع ببطلان الإجراءات بينما في الحالة الثالثة فالبطلان قرر لمصلحة المدعى التارك لأنه صاحب المصلحة في ذلك.([142]) 

- وفي الأخير يمكننا الاستشهاد بالحكم الآتي بيانه والمتعلق بترك الخصومة والصادر عن محكمة تمالوس والمؤرخ في 25/02/1999 فهرس 99/27 الذي جاء فيه: حث أن المدعي يلتمس من المحكمة الإشهاد بتركه الخصومة التي أقامها بدون قيد أو شرط لوقوع الصلح بينه وبين المدعى عليه, حيث أن أسباب ترك الخصومة متوافرة – في قضية الحال- طبقا لنص المادة 97 من قانون الإجراءات المدنية مما يتعين على المحكمة الاستجابة لطلب المدعي بترك الخصومة مع إبقاء المصاريف على عاتقه.([143]) 

أما فيما يخص موقف القضاء من الدفوع المتعلقة بترك الخصومة فلم تتمكن من الحصول على أي حكم ولا قرار يتضمن هذه النقطة وربما السبب في ذلك يعود إلى كون معظم الحالات التي يتم فيها الترك يكون بناءا على صلح وقع بين الخصوم أي تسوية ودية مما يجعل إمكانية العودة لرفع نفس الدعوى ضئيلة أو أنه بمجرد ترك المدعي لدعواه يجعل المدعى عليه في غنى عن مناقشة صحة إجراءات الترك من عدمه إما لجهله لها أو لتجنبه إجراءات التقاضي. 




________________________________ 


(1)- ارجع د/ علي عوض حسن- الدفع بالسقوط و التقادم في المواد المدنية و التجارية-دار الفكر الجامعي-ص 08. 


(1)-ارجع د/علي عوض حسن-مرجع سابق-ص09 


(2)- ارجع د/أحمد أبو الوفا-نظرية الدفوع في قانون المرافعات- المعارف بالإسكندرية- ص 11-12-13. 


) ـ إرجع أ / عمر زودة ـ محاضرات في قانون الإجراءات المدنية الملقـاة على الطلبـة القضـاة بالمدرسة العليا للقضاء .[4] ) 


(1)- ارجع أ/معوض عبد التواب-الموسوعة النموذجية في الدفوع-الجزء 1- 1999-دار الفكر الجامعي- ص53. 


(2)-ارجع د/أحمد هندي-أصول المحاكمات المدنية و التجارية-طبعة 1989-الدار الجامعية للطبع- بيروت- ص217. 


(3)-ارجع أ/محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي-قواعد المرافعات في التشريع المصري و المقارن- مكتبة الأدب ومطبعتها- دار الفكر العربي- ص212. 


(4)- ارجع د/مفلح عواد القضاه- أصول المحاكمات المنية و التنظيم القضائي- الطبعة الأولى- 2004- دار الثقافة للنشر و لتوزيع-ص 272. 


(5)- ارجع أ/ عبد الحميدالمنشاوي-التعليق على قانون المرافعات طبقا للتعديلات الواردة في القانونين رقمي 6 لسنة 1991، 23 لسنة 1992-طبعة 1993-دار الفكر العربي- ص 155. 


(6)-ارجع أ/أنور طلبة- موسوعة المرافعات المدنية و التجارية-جزء 2- 1994-دار المطبوعات الجامعية-ص 136. 


(1)- ارجع أ/ معوض عبد التواب-مرجع سابق- ص15-16. 


(2)- ارجع د/أحمد مليجي-التعليق على قانون المرافعات بآراء الفقه و الصيغ القانونية و أحكام النقض-جزء 1- ص 70-71-93. 


(3)- ارجع د/ أحمد أبو الوفا-مرجع سابق- ص 15. 


(1)- ارجع د/ مفلح عواد القضاه-مرجع سابق- ص291. 


(2)- ارجع أ/ محمد العشماوي و د/عبد الوهاب العشماوي-مرجع سابق- ص218-219. 


(1)- إرجع د/ أحمد أبو الوفا- مرجع سابق- ص 170. 


(2)- إرجع أ / عمر زودة ـ مرجع سابق ـ . 


(3)- إرجع د/أحمد هندي- مرجع سابق- ص 218. 


(4)- إرجع د/أحمد أبو الوفا- مرجع سابق- ص172. 


(1)- ارجع د/أحمد أبوالوفا- مرجع سابق-ص 181-182. 


(2)- ارجع أ/أنور طلبة – مرج سابق- ص 139. 


(1)- ارجع د/ أحمد أبو الوفا –مرجع سابق- ص173-174. 


(2)- ارجع أ/ انور طلبة- مرجع سابق- ص 140. 


(3)- ارجع د/ أحمد أبوالوفا-مرجع سابق- 176. 


(1)- إرجع أ/ عمر زودة ـ مرجع سابق ـ . 


(2)- إرجع أ/ محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي- مرجع سابق- ص 224. 


(3)- إرجع أ/معوض عبد التواب- مرجع سابق- ص 57-58. 


إرجع أ / عمر زودة ـ مرجع سابق . ([28]) 


ـ إرجع أ / عمر زودة ـ مرجع السابق .([29]) 


(1)- ارجع أ/أحمد هندي-مرجع سابق- ص226. 


(2)- ارجع أ/ الغوثي بن ملحة – مرجع سابق- ص 134. 


(3)- ارجع أ/ محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي- مرجع سابق –ص 268 إلى 275. 


(4)- ارجع أ/عمر بن سعيد – مرجع سابق- ص244. 


(1)- ارجع د/ مفلح عواد القضاه- مرجع سابق- ص310. 


(2)- ارجع أ/منير محمد الجنبيهي أ/ ممدوح محمد الجنبيهي- الدفوع التجارية، الدفوع الإجرائية ، الدفوع الموضوعية- 2004 ـ دار الفكر الجامعي ـ ص137. 


(3)- ارجع أ/ عمر بن سعيد – مرجع سابق- ص345. 


(4)- ارجع د/مفلح عواد القضاه- مرجع سابق- ص 310- 311. 


(1)- ارجع أ/عمر بن سعيد – مرجع سابق- ص 344. 


(2)- ارجع د/ مفلح عواد القضاه- مرجع سابق- ص 312. 


(3)- ارجع أ/ عمر بن سعيد-مرجع سابق- ص 346. 


(1)- ارجع د/ مفلح عواد القضاه- مرج سابق- ص 312-313-314. 


(2)- ارجع د/ أحمد هندي- مرجع سابق-ص 329. 


(1)-ارجع أ/ حمدي باشا عمر- مرجع سابق-ص111. 


(1)- ارجع د/ أحمد مليجي- مرجع سابق-ص 304 ، 399 . 


(1)- ارجع أ/ عمربن سعيد- مرجع سابق- ص 341-345. 


(2)- ارجع أ/محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي- مرجع سابق- ص 294. 


(3)- ارجع د/ أحمد هندي- مرجع سابق- ص 330. 


(1)-ارجع د/أحمد هندي-مرجع سابق- ص 237. 


(1)- ارجع أ/حمدي باشا عمر- مرجع سابق- ص 53-54-56. 


(1)- ارجع أ/ حمدي باشا عمر- مرجع سابق- ص 55- 56. 


(2)- ارجع د/ عبد الحكيم فودة- مرجع سابق- ص 53. 


(3)- ارجع محاضرات الأستاذ عمر زودة الملقاة على الطلبة القضاة- 2006. 


) ـ إرجع د/ أحمد مليجي ـ مرجع سابق ـ ص 368 ، 369 .[53]) 


) ـ إرجع أ / عمر زودة ـ مرجع سابق. [54] ( 


(1)- ارجع د/ أحمد هندي- مرجع سابق- ص 69. 


(2)- ارجع أ/عبد الهادي عباس- الاختصاص القضائي و اشكالاته-الطبعة الأولى- 1983-أديب استنبولي للنشر- ص145. 


(3)- ارجع أ/الغوثي بن ملحة- القانون القضائي الجزائري -1995- ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر – ص 153. 


(4)- ارجع أ/ بوبشير محند أمقران- النظام القضائي الجزائري- الطبعة الثالثة- 2003-ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر –ص 267. 


(1)- ارجع د/أحمد أبو الوفا- مرجع سابق- ص 188. 


(2)- ارجع د/ أحمد هندي –مرجع سابق-ص 220. 


(3)-ارجع أ/عبد الهادي عباس-مرجع سابق-ص343. 


(1)- ارجع أ/عمر بن سعيد –مرجع سابق-ص 78. 


(2)- ارجع أ/عبد الهادي عباس- مرجع سابق-ص343. 


(3)- ارجع أ/عمر زودة ـ مرجع سابق ـ . 


(1)- ارجع أ/ الهادي عباس -مرجع سابق –ص247. 


(2)-ارجع أ/حمدي باشا عمر-مرجع سابق-ص 06. 


(3)- ارجع أ/ معوض عبد التواب-مرجع سابق-ص 77. 


(1)- ارجع أ/ حمدي باشا عمر-مرجع سابق-ص 07. 


(2)-ارجع أ/معوض عبد التواب-مرجع سابق-ص76. 


(3)-ارجع أ/ أحمد هندي-مرجع سابق- ص 113. 


(4)- ارجع أ/بوبشير محند أمقران_مرجع سابق- ص 286. 


(1)- ارجع أ/ حمدي باشا عمر-مرجع سابق-ص 08-09. 


(2)- ارجع أ/ الغوثي بن ملحة-مرجع سابق-ص 176-180 . 


(1)- ارجع أ / أحمد هندي- مرجع سابق-ص 131. 


(2)-ارجع أ / عمر بن سعيد- مرجع سابق-ص41. 


(3)-ارجع أ / بوبشير محند أمقران- مرجع سابق- ص 299. 


(1)- ارجع أ/ حمدي باشا عمر-مرجع سابق- ص13-14. 


(2)- أرجع د/ عبد الهادي عباس- مرجع سابق- ص532. 


(3)-ارجع أ/حمدي باشا عمر- مرجع سابق- ص13. 


(1)- ارجع أ/محمد العشماوي-د/عبد الوهاب العشماوي –مرجع سابق-ص 228-233. 


(2)- ارجع د/ معوض عبد التواب-مرجع سابق-ص 76- 209. 


(3)- ارجع أ/محمد العشماوي د/عبد الوهاب العشماوي –مرجع سابق-ص228. 


(1)- ارجع د/ عبد الحكيم فودة - مرجع سابق- ص 32. 


(2)- ارجع أ/محمد ابراهيمي - جزء 1- مرجع سابق- ص 65-66. 


(3)- ارجع د/عبد الحكيم فودة- مرجع سابق- ص 34- 35. 


(4)- ارجع أ/ محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي – مرجع سابق- ص252، 254.253. 


(1)-ارجع أ/محمد ابراهيمي-جزء 1-مرجع سابق-ص 65. 


(2)- ارجع د/عبد الحكيم فودة –مرجع سابق- ص39. 


(3)-ارجع أ/ محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي-مرجع سابق-ص 260. 


(1)- ارجع أ/ منير محمد الجنبيهي- أ/ممدوح محمد الجنبيهي- مرجع سابق - ص 78-79. 


(2)- ارجع أ/ محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي-مرجع سابق- ص 262. 


(3)- ارجع أ/محمد براهيمي – جزء1- مرجع سابق- ص 66. 


(4)-ارجع د/عبد الحكيم فودة-مرجع سابق- ص 45. 


(5)- ارجع د/ أحمد هندي – مرجع سابق- ص 226. 


(1)- ارجع أ/ محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي- مرجع سابق – ص264-265. 


(2)- ارجع د/ عبد الحكيم فودة- مرجع سابق- ص 46. 


(3)-ارجع – حميداني محمد – الدفوع الشكلية على ضوء الإجتهاد القضائي- رسالة ماجستر- 2004-2005- كلية الحقوق بن عكنون- جامعة الجزائر- ص 53-59. 


(1)- ارجع أ/عمر بن سعيد-مرجع سابق-ص 72. 

(2) ارجع أ/يوسف دلاندة- قانون الإجراءات المدنية-مدعم بالإجتهادات القضائية دار هومة للنشر 2000.ص82. 


(3)- ارجع أ/ الغوثي بن ملحة – مرجع سابق- ص- 261. 


(4)- ارجع د/ عبد الحكيم فودة- مرجع سابق- ص 65-66. 


(5) ـ ارجع أ / الغوثي بن ملحة ـ مرجع سابق ـ ص 250 . 


(1)- ارجع أ/ حمدي باشا عمر- مرجع سابق-ص 43. 


(2)- ارجع د/ مفلح عواد القضاه- مرجع سابق-ص 192. 


(3)- ارجع أ/ عمر بن سعيد- مرجع سابق- ص30. 


(4)- ارجع د/ أحمد هندي- مرجع سابق- ص 238. 


(1)- ارجع أ/ عمر بن سعيد- مرجع سابق- ص 30-31. 


(1)- ارجع أ/ عمر بن سعيد- مرجع سابق- ص 37- 38. 


(1)- ارجع أ/ عمر بن سعيد- مرجع سابق-ص 40-41. 


(2)- ارجع أ/ محمد العشماوي د/ عبد الوهاب العشماوي- مرجع سابق- ص 372-373. 


(1)- ارجع د/ أحمد هندي-مرجع سابق- ص 285. 


ارجع أ/ محمد إبراهيمي – الوجيز في الإجراءات المدنية –الجزء الثاني ،طبعة 2001 –ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ص 106 – ([108]) 


(3)-ارجع أ/ عمر بن سعيد-مرجع سابق- ص 204-204. 


(4)- ارجع أ/ محمد ابراهيمي- جزء 1- مرجع سابق- ص 67-68-69. 


(5)- ارجع أ/ عبد الحميد المنشاوي-مرج سابق_ص 195-196. 


(6)- ارجع د/أحمد هندي-مرجع سابق- ص 288. 


(1)- ارجع أ/ حمدي باشا عمر- مرجع سابق- ص 59. 


(2)- ارجع د/ أحمد هندي- مرجع سابق-ص 290. 


(3)- ارجع أ/ محمد ابراهيمي-جزء2-مرجع سابق- ص106. 


(4)- ارجع د/أحمد هندي- مرجع سابق-ص 29. 


(1)- ارجع أ/ محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي-مرجع سابق- ص 385. 


(2)- ارجع د/أحمد هندي-مرجع سابق- ص291 ، 292 . 


(3)- ارجع أ/ محمد ابراهيمي- جزء 2-مرجع سابق-ص 107. 


(4)- ارجع أ/ أنور طلبة- مرجع سابق-ص 497. 


(1)- ارجع أ/عمر بن سعيد –مرجع سابق-ص74-232. 


(2)- ارجع أ/ محمد ابراهيمي-جزء2-مرجع سابق-ص 108-109. 


(1)- ارجع د/أحمد هندي-مرجع سابق-ص295. 


(2)- ارجع أ/حمدي باشا عمر – مرجع سابق-ص 60. 


(1)- ارجع أ/ محمد العشماوي و د/ عبد الوهاب العشماوي –مرجع سابق- ص 395. 


(2)-ارجع أ/الغوثي بن ملحة-مرجع سابق- ص326. 


(3)-ارجع أ/ عمر بن سعيد-مرجع سابق- ص 205. 


(4)- ارجع أ/أنور طلبة-مرجع سابق- ص 560. 


(5)- ارجع د/محمد شتا أبو سعد-الدفوع المتعلقة بعوارض الخصومة- 2000- دار الجامعة الجديدة للنشر-ص 145. 


(1)- ارجع أ/ الغوثي بن ملحة- مرجع سابق- ص329. 


(2)- ارجع أ/ أنور طلبة-مرجع سابق- 559. 


(3)-ارجع أ/علي عوض حسن-مرجع سابق-ص 40. 


(4)- ارجع أ/الغوثي بن ملحة-مرجع سابق-ص 330. 


(1)- ارجع أ/حمدي باشا عمر-مرجع سابق-ص 63. 


(2)-ارجع د/أحمد هندي-مرجع سابق-ص 301. 


(3)-ارجع أ/ محمد ابراهيمي-جزء2-مرجع سابق- ص 114. 


(1)- ارجع أ/ الغوثي بن ملحة –مرجع سابق-ص330. 


(2)- ارجع أ/محمد ابراهيمي-جزء 2- مرجع سابق- ص 332. 


(1)- ارجع أ/محمد العشماوي و د/عبد الوهاب العشماوي-مرجع سابق- ص 447-448. 


(2)- ارجع أ/محمد ابراهيمي –جزء 2- مرجع سابق- ص 332. 


(3)-ارجع أ/نور طلبة-رجع سابق-ص 676. 


(1)-ارجع أ/محمد العشماوي- د/عبد الوهاب العشماوي- مرجع سابق- ص447. 


(2)-ارجع أ/حمدي باشا عمر- مرجع سابق – ص 63.

0 تعليق:

إرسال تعليق