بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الطبيعة القانونية لمسؤولية الصيادلة في القطاع الخاص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مبحـــث تمهيـــدي

مبحــــث تمهيــدي
ندرج في هذا المبحث التمهيدي تعريفا بمهنة الصيدلة ، الصيدلي و الدواء ، كتقديم لدراسة الطبيعة القانونية لمسؤولية الصيادلة في القطاع الخاص ؛ و سوف نعالج ما ذكر في ثلاث مطالب ؛ الأول نخصصه للتعريف بمهنة الصيدلة ؛ و الثاني للتعريف بالصيدلي أما الثالث نتطرق فيه لتعريف الدواء .

المطلـب الأول : تعريــف مهنــة الصيدلــة

مهنة الصيدلة عرفها الفقه أنها مهنة علمية ، فنية ، و تجارية ؛ فهي علمية لأنها تحتاج إلى دراسة جامعية تكون أساسا للمعلومات العلمية التي يكتسبها الصيدلي? لأجل مزاولته هذه المهنة و الذي يجب أن تتوافر لديه كذلك المهارة الفنية التي يحوزها بالتمرين و الممارسة لتحضير أو تجهيز الأدوية بغرض استعمالها في العلاج أو الوقاية من الأمراض ؛ بالإضافة لتعرف على خصائص الأدوية و صفاتها لتحديد الوسائل التي تكفل الحفاظ عليها أو وضع طرق لكيفية تعاطيها وفق أشكال و هيئات تسهل تناولها‚ ، و الصيدلة فضلا عما ذكر عمل تجاري تتطلب رأس مال ، خبرة في المحاسبة واطـلاع بأساليب البيع و الشراء ƒ.
و بالنسبة للتشريعات المنظمة لمهنة الصيدلة في الجزائر لم يرد فيها تعريف صريح لهذه المهنة ؛ ماعدا الإشارة لها في نص المادة 115 من مدونة أخلاقيات الطب „ التي جاء فيها : " تتمثل الممارسة المهنية للصيدلة بالنسبة للصيدلي في تحضير الأدوية أو صنعها و مراقبتها و تسييرها و تجهيز المواد الصيدلانية بنفسه ، و إجراء التحاليل الطبية .
و يتعين عليه أن يراقب مراقبة دقيقة ما لا يقوم به هو من أعمال صيدلانية " .
مع أنـه تجـدر الإشارة أنـه قد ورد في كتاب الأستاذ حنوز مراد تحت عنـوان " عناصر القانون الصيدلاني " تعريف لمهنة الصيدلة باعتباره أن الصيدلية هي المحل المخصص لتنفيذ الوصفات الطبية و تركيب و تحضير الأدوية المسجلة في مدونة الأدوية و بيع بالتجزئة للمواد الصيدلانية .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? الدكتور صاحب عبيد الفتلاوي .التشريعات الصحية . دراسة مقارنة. الطبعة الأولى . مكتبـة دار الثقافة للنشـر و التوزيـع . عمـان . 1997 . الصفحة 84 .
‚ عباس علي محمد الحسيني . مسئولية الصيدلي المدنية عن أخطاءه المهنية . دراسة مقارنة. مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيـع.عمـان . 1999 . الصفحة 17.
ƒ د. صاحب عبيد الفتلاوي . المرجع السابق . الصفحة 84 .
„ المادة 115 من مرسوم تنفيذي رقم 92 – 276 المؤرخ في 5 محرم عام 1413 الموافق ل 6 يوليو 1992 المتضمـن مدونة أخلاقيات الطب . الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية رقم 52 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مبحـــث تمهيـــدي

أما بالنسبة للقوانين المقارنة المنظمة لمهنة الصيدلة سواء العربية أو الغربية، فهناك من ورد فيها تعريفات لمهنة الصيدلة كقانون مزاولة مهنة الصيدلة العراقي ، السوري ، المصري و الفرنسي ، و هناك تشريعات لم تعرف مهنة الصيدلة ، و قد عرفت المادة 1 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة المصري رقم 127 لسنة 1955 مهنة الصيدلة بأنها : " تجهيز أو تركيب أو تجزئة أي دواء أو عقار ، أو نبات طبي هو مادة صيدلانية تستعمل من الباطن أو الظاهر أو بطريق الحقن لوقاية الإنسان أو الحيوان من الأمراض أو علاجه منها أو توصف بأن لها هذه المزايا " ? ، و قد ذكرنا هذا التعريف دون غيره كونه يقترب إلى ما تضمنته نص المادة 115 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري كما سبق توضيحه أعلاه .






















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسني. المرجع السابق. الصفحة 18.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مبحـــث تمهيـــدي

المطلـب الثاني : تعريـــف الصيدلـــي

عرف الصيدلي فقها على أنه الشخص الذي يقوم بتركيب و صرف الأدوية أو المستحضرات المتعلقة بها وفقا لوصفة الطبيب أو القواعد الطبية المعروفة ، أو يتولى مهمة الإشراف على إعداد الأدوية ? ،و قد عرفه المشرع الجزائري في نص المادة 115 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جاء فيها : " تتمثل الممارسة المهنية للصيدلة بالنسبة للصيدلي في تحضير الأدوية أو صنعها و مراقبتها و تسييرها و تجهيز المواد الصيدلانية بنفسه ، و إجراء التحاليل الطبية .
و يتعين عليه أن يراقب مراقبة دقيقة ما لا يقوم به هو من أعمال صيدلانية " ، و قد نصت المواد 197 و ما يليها من قانون 85 – 05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها ‚ الشروط الواجب توافرها في الصيدلي حتى يتمكن من ممارسة مهنة الصيدلة في القطاع الخاص تتمثل فيما يلي :
1 . أن يكون حائز لشهادة جامعية جزائرية في اختصاص الصيدلة (دكتور في الصيدلة ) أو شهادة أجنبية معترف بمعادلتها.
2 . أن لا يكون مصاب بإعاقة أو علة مرضية لا تتوافق مع ممارسة المهنة .
3 . أن لا يكون قد تعرض لعقوبة مخلة بالشرف.
4 . أن يكون من جنسية جزائرية ، و يمكن استثناءا الإعفاء من هذا الشرط بناءا على قرار من وزير الصحة أو على أساس الاتفاقيات الدولية المبرمة من طرف الجزائر.
5 . أن يكون مسجلا في المجلس المحلي لمنظمة الصيادلة المختص إقليميا .
6 . الحصول على ترخيص من وزارة الصحة .
إن الصيدلي يمارس نشاطه المهني في محل مخصص لذلك يدعى الصيدلية ؛ هذا ما نصت عليه الفقرة الأولى للمادة 208 من قانون حماية الصحة و ترقيتها التي جاء فيها : " تؤدى أعمال الصحة التي تمارس في القطاع الخاص في … و الصيدليات" ، هذه الأخيرة لابد أن تتوافر فيها مواصفات مطابقة لما جاء في مضمون القرار الصادر عن وزارة الصحة المتعلق بتحديد كيفيات إنشاء أو فتح الصيدليات ƒ ؛ الذي حدد عدد الصيدليات بصيدلية لكل 6000 نسمة ؛ إلا أنه إذا تطلبت مصلحة الصحة العمومية غير ذلك فبإمكان الوالي منح ترخيص لفتح صيدلية على مستوى البلدية حتى و إن كان عدد السكان أقل من العدد المذكور ؛ و هنا لابد أن تكون المسافة بين الصيدليتين 200 م على الأقل ، كما يجب أن تكون مساحة الصيدلية الضرورية 50 م2 و لها قاعة بيع مستقلة ، مكتب ، إضافة إلى قاعة فيها حنفية ماء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 19 و الصفحة 20 .
‚ قانون 85 – 05 مؤرخ في 26 جمادى الأولى عام 1405 الموافق 16 فبراير سنة 1985 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها المعدل و
المتمم . الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية رقم 08 .
ƒ قرار وزارة الصحة 51 . المؤرخ في 20 – 12 – 1995 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مبحـــث تمهيـــدي

المطلـب الثالث : تعريـــف الـــدواء

ارتأيـنا أن نـدرج فـي هـذا المطلـب تعريـف الـدواء باعتبـاره محـل العلاقـة التـي تجمـع الصيدلـي بالمريـض .
إن المشرع حدد في نص المادة 169 من القانون 85-05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها المقصود بالمواد الصيدلية التي تشمل : الأدوية ، الكواشف البيولوجية، المواد الكيمائية الخاصة بالصيدليات ، أشياء التضميد ، و جميع المواد الأخرى الضرورية للطب البشري و البيطري .
أما الدواء فقد عرفته المادة 170 من القانون 85-05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها كمايلي :" تعني كلمة "الدواء" كل مادة أو تركيب يعرض لكونه يحتوي على خاصيات علاجية أو وقائية من الأمراض البشرية ، أو الحيوانية ، ولكل المواد التي يمكن تقديمها للإنسان أو الحيوان ، قصد القيام بالتشخيص الطبي أو استعادة وظائفها العضوية أو تصحيحها أو تعديلها "، و هو نفس التعريف الذي ورد في المادة 1-1115 من تقنين الصحة العامة الفرنسي .
كما نصت المادة 171 و المادة 172 من القانون السالف الذكر أنـه يدخل فـي حكـم الأدوية مايلي :
1. مواد النظافة و منتجات التجميل التي تشمل على مواد سامة بمقادير و كثافة تفوق ما يحدد بقرار من وزير الصحة.
2 . المواد الغذائية الحيوية أو المخصصة لتغذية الحيوان التي تحتوي على مواد غير غذائية تمنحها خاصيات مفيدة لصحة البشرية .
3 . كل دواء يحضر مسبقا ، و يقدم حسب توضيب خاص و يميز بتسمية خاصة يوصف بأن له اختصاص صيدلاني .
و طبقا للمادة 174 من القانون 85-05 فإنه توجد مدونة وطنية للمواد الصيدلية هي عبارة على قائمة معدة من لجنة المدونة الوطنية – التابعة لوزارة الصحة – تحتوي على كافة المواد الصيدلية التي يمكن لأطباء وصفها .
بالتالي نستنتج أن المشرع الجزائري اعتمد تعريفا واسعا لدواء ، لأنه وسع في نطاق المنتجات الصيدلية التي توصف بالدواء ، وهذا ما اعتمده المشرع الفرنسي كذلك في قانون الصحة العام الفرنسي .
هذا بالنسبـة للتشريـع ، أما الفقـه فقد قـدم عـدة تقسيمـات للـدواء نـدرج بعضـها كالتالـي :
ü التقسيم الأول ï الدواء بحسب التقديم ، و الدواء بحسب التركيب
أ. الدواء بحسب التقديم ، الذي يشمل كافة المنتجات التي تقدم على أن لها أثر علاجي أو وقائي من مرض إنساني أو حيواني .
ب. الدواء بحسب التركيب ، و هو المنتج الذي لا يقدم لأغراض العلاج أو الوقاية من الأمراض لكنه يوصف بأنه دواء كونه يحتوي على مواد لها أثر علاجي ، أو مواد سامة ، أو مواد كيمائية ، أو مواد بيولوجية لا تعتبر في ذاتها غذاء ؛ كمنتجات التخسيس و منتجات التجميل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مبحـــث تمهيـــدي

ü التقسيم الثاني ï المنتجات الصيدلية و الدواء
أ. المنتجات الصيدلية ، و هي أكثر اتساعا من الدواء إذ تشمل الأدوية وغيرها من الأدوات و المهمات الطبية و العلاجية ، و جميع المستحضرات التي يكمن بشكل ضيق إلحاقها بمهنة الصيدلة ? .
ب. الدواء ، كل منتج يعرض على أنه يحتوي على خاصيات علاجية أو وقائية من الأمراض البشرية ، أو الحيوانية .
ü التقسيم الثالث ï المستحضرات الصيدلية الخاصة ، و المستحضرات الصيدلية الدستورية
أ. المستحضرات الصيدلية الخاصة ، هي المتحصلات و التراكيب التي تحتوي أو توصف بأنها تحتوي على مادة أو أكثر ذات خواص طبيعية في شفاء الإنسان أو الحيوان من الأمراض أو الوقاية منها أو تستعمل لأي غرض طبي آخر ولو لم يعلن ذلك صراحة ‚ ، و يقتصر دور الصيدلي بشأنها ببيعها للجمهور بشرط أن تكون مذكورة في قائمة الأدوية الصادرة عن وزارة الصحة .
ب. المستحضرات الصيدلية الدستورية ، هي كل المتحصلات و التراكيب المذكورة في مدونة الأدوية التي تصدر عن وزارة الصحة .
ü التقسيم الرابع ï التقسيم العلمي للأدوية
تقسم الأدوية علميا إلى اللقحات ، الأمصال ، و أدوية تقليدية التي تنقسم بدورها إلى أدوية خاصة بالإنسان و أدوية خاصة بالحيوان .













ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? الدكتور أحمد السعيد الزرقد . الروشتة " التذكرة " الطبية بين المفهوم القانوني و المسئولية المدنيـة للصيدلـي . دار الجامعـة الجديـدة . الإسكندرية . 2007 . الصفحة 52 .
‚ د. أحمد السعيد الزرقد . المرجع السابق . الصفحة 53 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

المبحــث الأول : المسؤوليـة المدنيـة للصيدلـي ومجـال تطبيقهـا

الصيدلي من خلال الممارسة اليومية لعمله قد يخل بالالتزام القانوني (عدم الإضرار بالغير) أو العقدي الملقى على عاتقه فيتسبب بضرر للغير يستوجب معه قيام مسؤوليته المدنية ، هذا ما سوف نتعرض له بالشرح من خلال هذا المبحث المقسم إلى مطلبين ، الأول مخصص لتحديد الشروط - الأركان - القانونية المطلوبة لقيام المسؤولية المدنية للصيدلي و طبيعتها القانونية ، أما الثاني نتطرق فيه لمجال تطبيق المسؤولية المدنية للصيدلي في القطاع الخاص .

المطلــب الأول : شروط قيام المسؤولية المدنية للصيدلي و طبيعتها القانونية

إن قيام المسؤولية المدنية للصيدلي يستوجب توافر مجموعة من الشروط (الأركان) خصصنا لها الفرع الأول لشرحها ، أما الفرع الثاني نتعرض فيه لتحديد الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية للصيدلي .

الفـرع الأول : شـروط قيـام المسؤوليـة المدنيـة للصيدلـي

طبقا للقواعد العامة فإنه لقيام المسؤولية المدنية للصيدلي سواء كانت عقدية أو تقصيرية لابد من توافر ثلاث شروط أساسية مجتمعة تتمثل في : الخطأ ، الضرر ، و العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر .
إن توافر عنصر الخطأ الذي يمكن أن يمهد لإمكانية مساءلة الصيدلي مدنيا ؛ يكتسي طابعا خاصا فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية للصيدلي كون هذا الأخير من فئة رجال المهن و ليس شخص عادي ؛ هذا يتطلب التوسع في شرح هذا العنصر بالمقارنة مع العناصر الأخرى دون إهمالها .
أولا : شــرط الخطــأ
طبقا لنظرية التقليدية في المسؤولية المدنية التي تبناها المشرع الجزائري في التقنين المدني ، يعد شرط الخطأ عنصرا جوهريا لابد من توافره لقيام المسؤولية المدنية سواء العقدية أو التقصيرية .
لم يـرد تعريف للخطأ في التقنين المدني الجزائري كما هو عليه الحال بالنسبة كافة التشريعات الأخرى ، بل ترك أمر تعريف الخطأ للفقه ؛ هذا الأخير قدم عديد التعاريف من بينها أن الخطأ ينقسم إلى عنصران ؛ الأول مادي يتمثل في سلوك الشخص سلوكا ايجابيا أو سلبيا ما كان ينبغي عليه سلوكه بالمقارنة مع سلوك الرجل العادي ؛ و الثاني معنوي يتمثل في تمتع الشخص بالتمييز ، و هناك تعريف يعتبر فيه الخطأ هو الإخلال بواجب قانوني سابق ؛ فإما أن يكون واجبا عاما فإذا نتج عن عدم الالتزام به ضررا للغير تقوم معه المسؤولية التقصيرية أو أن يكون واجبا خاصا ناتج عن علاقة تعاقدية فإذا سبب عدم الالتزام به ضررا للغير تترتب عليه المسؤولية العقدية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

ومهما كان التعريف الذي أعطي لتحديد معنى الخطأ فإنه لا يمكن أن يكون جامعا و مانعا ، لذلك ذهب جانب من الفقه إلى الاعتماد على فكرة تقسيم الالتزام إلى التزام بتحقيق نتيجة و التزام ببذل عناية لتحديد ما إذا كان الشخص مخطأ أم لا ؛ فكلما لم تتحقق النتيجة في الالتزام بتحقيق نتيجة يعد المدين مخطأ ، و كلما ثبت عدم بذل العناية اللازمة في الالتزام ببذل عناية يعد المدين مخطأ ، وفي اعتقادنا أن الاعتماد على هذه الفكرة لتحديد مدى قيام ركن الخطأ من عدمه يخدم رجال القانون من قضاة ، محاميـن ، مستشارين قانونيين ... الخ في القضايا العملية التي تطرح عليهم فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية .
و طبقـا لمـا تقدم ، فإن الصيدلي يعتبر مخطئا عند عدم قيامه بالالتزامات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته? ، و خطأ الصيدلي قد يكون خطأ عقديا يقوم عند الإخلال بأحد الالتزامات الناشئة عند العقد الذي قد يجمعه بالمريض ، أو يكون خطأ تقصيريا إذا أخل بالواجب القانوني العام الذي يقتضي اليقظة و الحذر لعدم الإضرار بالغير .
تجدر الإشارة في هذا الصدد ، أن هناك جانب من الفقه يرى بما أن عمل الصيدلي الأساسي هو تجهيز الأدوية ؛ إما بتسليمها أو بتركيبها لذلك فيقع عليه التزام بتقديم أدوية سليمة أي يلتزم بضمان سلامة الأدوية و هو التزام بتحقيق نتيجة ، لأنه بالنسبة للأدوية التي يبيعها بناءا على الوصفات الطبية المقدمة من المرضى يجب عليه دائما التأكد من سلامتها بتفقد تاريخ صلاحيتها و حفظها في الأماكن المخصصة لها ، أما بالنسبة للأدوية المحضرة من قبله فيجب عليه استعمال مواد سليمة بالمقادير الصحيحة طبقا للمعايير العلمية ، و في كل الأحوال فإن الصيدلي ليس ملزم بضمان فعالية الأدوية لشفاء المرضى.
كما أن هناك من الفقهاء من يفرق في مجال الأخطاء التي تنسب لرجال المهن ما بين الخطأ المادي و الخطأ المهني أو الفني؛ فالخطأ المادي هو الإخلال بقواعد الحيطة و الحذر العامة التي يلتزم بها الناس كافة و منهم رجال الفن في مهنهم باعتبارهم يلتزمون بهذه الواجبات العامة قبل أن يلتزموا بالقواعد العلمية أو الفنية ، أما الخطأ المهني فهو انحراف شخص ينتمي إلى مهنة معينة عن الأصول التي تحكم هذه المهنة و تقيد أهلها عند ممارستهم لها فهو إخلال بواجب خاص مفروض على فئة محدودة من الناس ينتسبون لمهنة معينة ‚ ؛ و هذا الخطأ ينقسم حسب البعض لخطأ يسير و خطأ جسيم ، أما الخطأ المهني فيما يتعلق بمهنة الصيدلي أثناء مزاولته لها يتجسد في خروج الصيدلي بحكم مهنته و اختصاصه الفني الذي يفرض عليه مراعاة أصول عمله للحيلولة دون حصول الضررƒ .




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 42 .
‚ منير رياض حنا. المسئولية الجنائية للأطباء و الصيادلة . دار المطبوعات الجامعية . دون سنة طبع . الصفحة 41 و الصفحة 44 .
ƒ عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 45 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

لكن استقر أغلب الفقه و سايره القضاء في شأن المسؤولية المدنية للصيادلة أنها قائمة على أساس القواعد العامة في المسؤولية ، و بالتالي مهما كان نوع الخطأ و درجته ( خطأ مادي ، خطأ فني يسير أو جسيم ) متى كان محققا و ثابتا يكون كاف لقيام المسؤولية المدنية للصيدلي .
و من الأمثلة القضائية عن الخطأ المادي للصيدلي ، اعتراف الصيدلي بغيابه عن الصيدلية دون أن يترك فيها صيدلي مناوب ، أما فيما يخص الخطأ المهني يتمثل في ممارسة الصيدلي للطب مع أن التزاماته المهنية تمنع عليه القيام بذلك .
إن خطأ الصيدلي قد يحصل إثر سلكه لسلوك ايجابي أو سلبي الذي قد يتخذ الصور التالية :
الصورة الأولى : عدم تنفيذ الصيدلي لالتزامه ، قد يحصل ذلك عند رفض الصيدلي مثلا بيع الدواء لمريض و لو بناءا على وصفة طبية دون سبب قانوني، لأنه من حق الصيدلي في بعض الحالات الامتناع عن بيع الدواء إذا توافر سبب قانوني كعدم تضمن الوصفة الطبية للبيانات المطلوبة قانونا ، و قد نصت المادة 176 من القانون المدني الجزائري على هذه الصورة إذ جاء فيها :" إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم التنفيذ ..." ?.
الصورة الثانية : تنفيذ الصيدلي لالتزامه بصفة معيبة ، كأن يقوم الصيدلي بتركيب دواء ما في صيدليته بمواد غير صحية أو بمقادير غير صحيحة .
الصورة الثالثة : تنفيذ الصيدلي لالتزامه بصفة جزئية ، كأن يسلم الصيدلي الدواء للمريض دون أن يعلمه بالإرشادات الخاصة باستعمال الدواء كما تضمنتها الوصفة الطبية .
الصورة الرابعة : تأخر الصيدلي في تنفيذ التزامه ، قد يحصل حين يتأخر الصيدلي في تركيب دواء ما بناءا على وصفة طبية ؛ فيؤدي ذلك إلى تفاقم حالة المريض الصحية نتيجة ذلك التأخير ، و قد نصت المادة 176 من القانون المدني الجزائري على هذه الصورة إذ جاء فيها :" إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم التنفيذ ... ويكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه" .
ما تجدر إليه الملاحظة ، أنه عند تقدير خطأ الصيدلي لابد من الاعتماد على معيار موضوعي يتمثل في " معيار الصيدلي العادي " الذي كان في نفس ظروف الصيدلي الذي ارتكب خطأ يوجب مسؤوليته ، و بما أن التزام الصيدلي هو تحقيق نتيجة كما سبق ذكره أعلاه ؛ فعدم تحقق النتيجة يعني أنه مخطأ تجب مسؤوليته ، هذا الخطأ مفترض قابل لإثبات العكس ؛ غير أن الشخص المتضرر ( عادة المريض ) لا يكلف بإثبات أي إهمال من جانب الصيدلي ‚ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? المادة 176 من الأمر 75-58 المؤرخ في 20 رمضان 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975 المتضمن القانون المدني المعدل و المتمم .
‚ عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 60 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

ثانيـا : شــرط الضــرر
لا يكفي أن يرتكب الصيدلي خطأ أثناء ممارسته لعمله اليومي بالمفهوم السابق شرحه أعلاه حتى تقوم مسؤوليته المدنية ، بل لابد من توافر الشرط الثاني لهذه المسؤولية المتمثل في الضرر الذي دونه لا يمكن للمضرور رفع دعوى للمطالبة بالتعويض حتى و إن ارتكب الصيدلي خطأ خلال ممارسته لمهنته .
إن الضرر هو الأذى الذي يصيب المضرور ، و الضرر نوعان : الأول ضرر مادي يقوم إذا تم المساس بحق من الحقوق المحمية قانونا للمضرور سواء في الجسم أو في المال أو مجرد مصلحة مادية مشروعة ؛ كأن يسلم الصيدلي أحد المرضى دواء غير الذي تضمنته الوصفة الطبية نتيجة سوء قراءته لها فيترتب عن تناول المريض ذاك الدواء إصابته بعاهة مستديمة و يتكبد مصاريف علاج كثيرة و باهظـة ، و الثاني ضرر معنوي يقوم إذا تم المساس بمشاعر أو عواطف أو شرف المضرور ؛ كوفاة شخص عزيز عليه نتيجة تناوله لدواء فاسد منح له من قبل صيدلي لم يتأكد من تاريخ صلاحية الدواء أو خزنه بطريقة غير مناسبة ؛ ومن التطبيقات القضائية في هذا الصدد قضية عرضت على محكمة السين الفرنسية تتلخص وقائعها في أن التذكرة الطبية ( الوصفة الطبية ) الخاصة بطفل لا يتعدى عمره أربع سنوات لم يكن مسجلا بها ما يدل على سن هذا الأخير و بتقديمها للصيدلي قام دون أن يستعلم عن سن المريض بصرف الدواء المسجل بها ، و لكن من النوع المخصص للبالغين مما أدى إلى إصابة الطفل بالعجز الدائم ، فقضت محكمة السين بتاريخ 19 كانون الثاني 1971 بمسؤوليـة الصيدلـي عما أصاب الطفل من أضرار مستندة في ذلك أن خلـو التذكرة الطبية ( الوصفة الطبية ) من أي بيان عن سن المريض لا يعفي الصيدلي من واجب الاستعلام عما إذا كان الدواء المسجل يخص طفلا رضيع أو غير رضيع أم شخصا بالغا ، فإن هو أهمل قامت مسؤوليته و التزم بالتعويض الضرر الناشئ عن الإهمال ? .
إن أي شخص أصيب بضرر جراء خطأ الصيدلي يحق له في المطالبة بالتعويض طبقا للقواعد العامة ، لكن تجدر الإشارة أنه ليس كل ضرر يترتب عنه تعويض ؛ لأنه يشترط أن تتوافر في الضرر مميزات معينة حتى تكون المطالبة بالتعويض عنه جائزة ؛ وهذه المميزات قد تكون تارة واحدة بالنسبة للمسؤولية التقصرية و العقدية ، و تارة أخرى تختلف حسب نوع المسؤولية الملقاة على عاتق الصيدلي تقصيرية أو عقدية ؛ هذا ما سنوضحه فيما يلي :
ü لابد أن يكون الضـرر مباشـرا طبقا للفقرة الأولـى من المادة 182 تقنين مدني جزائري التي جاء فيها :" إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد ، أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره ، و يشمل التعويض ما لحق من خسارة و ما فات من كسب ، بشرط أن يكون نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به .
و يعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول " ، و هذا النص ينطبق على المسؤولية التقصيرية و العقدية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 65 و الصفحة 66 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

ü يمكن التعويض في المسؤولية التقصيرية عن الضرر المتوقع و الضرر غير المتوقع ، لكن في المسؤولية العقدية يتم التعويض عن الضرر المتوقع فقط ؛ إلا إذا ارتكب المدين غشا أو خطأ جسيم فيمكن حينئذ التعويض عن الضرر غير المتوقع هذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 182 تقنين مدني جزائري التي جاء فيها : " غير أنه إذا كان الالتزام مصدره العقد فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطأ جسيم إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد " .
ü لابد أن يكون الضرر حالا و محقق الوقوع ؛ أي ثبت حصوله فعلا إثر فعل ضار، أما إذا كان الضرر مستقبليا فلا يعوض إلا إذا كان محقق الوقوع في المستقبل ليس احتمالي ، و هذا ينطبق على المسؤولية التقصيرية و العقدية .
تجدر الملاحظة أنه طبقا للقواعد العامة يقع عبء إثبات الضرر على المضرور الذي يحق له المطالبة بجبر الضرر المادي أو المعنوي الذي أصابه شخصيا نتيجة خطأ الصيدلي ، أما إذا توفي يمكن لورثته القيام بذلك بدلا عن مورثهـم هذا ما يسمى الضرر الموروث ؛ كما يحق للخلف المطالبـة بالتعويض عن الضرر ( المادي و المعنوي ) الذي أصابهم نتيجة فقدانهم لسلفهم هذا ما يسمى الضرر المرتد .



















ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

ثالثـا : شــرط العلاقــة السببيــة بين الخطـأ و الضـرر
حتى تقوم المسؤولية المدنية طبقا للقواعد العامة لابـد أن يتوافـر بين الفعل الضار والضرر علاقة سببية ، أي أن يكون الضرر نتيجة طبيعية للخطأ .
بالتالي لقيام المسؤولية المدنية للصيدلي لا يكفي أن يرتكب خطأ ؛ و يصاب المريض بضرر ؛ بل يجب أن يكون ذاك الضرر نتيجة خطأ الصيدلي ؛ أي يجب أن تكون هناك علاقة سببية بين خطأ الصيدلي و الضرر الذي حدث ? .
نظرا لكون الناس مختلفون من الناحية الصحية ، قوة التحمل ، و الحساسية التي قد يصابون بها جراء استعمال الأدوية ؛ هذا يجعل إثبات العلاقة السببية بين الخطأ الذي يرتكب من قبل الصيدلي و الضرر الذي يصاب به المريض مسألة صعبة كونها تتعلق مباشرة بالجسم البشري المليئ بالخبايا و التعقيدات لا تزال صعبة التفسير من الناحية العلمية في بعض الحالات المستعصية على رجال العلم ، هذا من جهة .
من جهة أخرى ، فإنه قد تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى إحداث الضرر للمريض ؛ بحيث لا ينفرد خطأ الصيدلي بإنتاج الضرر للمريض الذي استعمل الدواء ، في هذا الصدد أقر الفقه بعدد من النظريات لتمكين رجال القانون من تحديد السبب الذي أدى لإحداث الضرر حتى يتمكنوا من إقامة المسؤولية المدنية و نسبها لشخص المخطأ فعلا ، هذه النظريات هي :
ü نظرية تكافؤ الأسباب التي يعتبر فيها كل سبب مساو لأسباب الأخرى في إحداث الضرر ، بحيث يؤخذ في الاعتبار كل فعل ساهم في إحداث الضرر ، أي كل سبب مهما كان بعيدا ، لأنه لولا وجوده ما تم حدوث الضرر ، لذلك يعتبر متكافئا مع غيره في حدوث الضرر‚ .
ü نظرية السبب القريب أو المباشر و السبب البعيد أو غير المباشر مضمونها أنه لا يؤخذ في الاعتبار بصدد العلاقة السببية إلا بالسبب القريب المباشر ، أما السبب البعيد ، أي غيـر المباشر فلا يؤخذ في الاعتبارƒ .
ü نظرية السبب المنتج أو الفعال مضمونها أنه لا يؤخذ في الاعتبار إلا السبب الفعال الذي لعب دورا أساسيا في إحداث الضرر؛ السبب الذي يجعل حدوث الضرر محتملا لسير الأمور سيرا عاديا „ .
و هـذه النظريـة الأخيـرة هـي التـي تبناهـا المشـرع الجزائـري سـواء بالنسبـة للمسؤوليـة التقصيريـة أو المسؤوليـة العقديـة .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 67 و الصفحة 68 .
‚ النظرية العامة للالتزام . مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري . علي علي سليمان . ديوان المطبوعات الجامعية . 1998 . الصفحة 192 .
ƒ علي علي سليمان . المرجع السابق . الصفحة 194 .
„ علي علي سليمان . المرجع السابق . الصفحة 193 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

و من التطبيقات القضائية في مجال تعدد الأسباب – الأخطاء – التي نتج عنها الضرر للمريض إلى جانب خطأ الصيدلي ، قضية تتلخص وقائعها في أن طبيبا حرر وصفة طبية تضمنت من بين الأمور الأخرى أحد الأدوية السامة و قرر الطبيب بأن يعطي الدواء في حقنة بمقدار 25 نقطة "Goutte" في زجاجة إلا أنه لم يكتب كلمة نقطة بشكـل واضـح بل كتب منها حرفيـن فاختلطـت لدى مساعـد الصيـدلـي مـع كلمـة غـرام "Gramme" فقام هذا الأخير بتركيب الدواء على أساس وضع 25 غرام و نتيجة لذلك توفيت المريضة ، فخطأ الطبيب تمثل في عدم كتابته لكلمة نقطة بشكل واضح و إنما عمد إلى كتابتها بأسلوب مختزل في مساحة ضيقة من هامش التذكرة ( الوصفة ) ، و الصيدلي أخطأ لأنه ترك أمر تركيب دواء سام لمساعده ، و من المفروض أن يقوم هو بتركيب الأدوية السامة بنفسه أو تحت إشرافه المباشر ، أما مساعد الصيدلي فقد أخطأ هو الأخر لأنه لم يرجع إلى الصيدلي لتحقق من صحة التذكرة الطبية ( الوصفة الطبية ) كما أنه ارتكب خطأ فني من حيث أن القواعد الفنية لا تسمح بوضع 25 غرام من هذه المادة السامة في الدواء? .
طبقا للقواعد العامة يقع عبء إثبات العلاقة السببية على المضرور ؛ و هو عادة المريض الذي يمكنه الاكتفاء في هذا المجال بمجرد وجود قرائن تدل على قيامها ، و إذا تم إثبات العلاقة السببية بين الضرر الذي أصاب المريض و خطأ الصيدلي تقوم المسؤولية المدنية للصيدلي ، لكن بإمكان هذا الأخير أن ينفي قيام العلاقة السببية حتى يعفى من المسؤولية إذا أثبت توافر السبب الأجنبي طبقا لما نصت عليه المادة 127 من التقنين المدني الجزائري التي جاء فيها : " إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب لا يد له فيه كحادث مفاجئ ، أو قوة قاهرة ، أو خطأ صدر من المضرور أو خطأ من الغيـر كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ، ما لم يوجد نص قانوني أو اتفاق يخالف ذلك " ؛ أي أن صور السبب الأجنبي التي يمكن أن تنفى بها العلاقة السببية تتفرع إلى التالي :
1 . القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ : تعتبر القوة القاهرة و الحدث المفاجئ اسمان لمسمى واحد ؛ و هذا ما جرى عليه الفقه و القضاء بحيث اعتبرا شيء واحد من حيث أثرهما المعفي من المسؤولية و من حيث الشروط التي يجب أن تتوافر في كل منهما لكي يؤدي للإعفاء من المسؤولية ‚ ، إذ لابد أن يتوافر في كل منهما شرط عدم إمكانية الدفع ؛ و شرط عدم إمكانية التوقع ، و قد قضت محكمة باريس بعدم مسؤولية الصيدلي على الضرر الذي أصاب مريضا كون هذا الأخير كان مصابا بحساسية مفرطة إذ لم يكن بإمكان الصيدلي ضمان عدم حصول الضرر .
تجدر الإشارة إذا اشترك خطأ الصيدلي مع القوة القاهرة و تم الإقرار بمسؤولية الصيدلي على الضرر الذي أصاب المريض يحكم على الصيدلي بتعويض جزئي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? حكـم محكمـة أنجيـه الفرنسيـة المـؤرخ فـي 11 – 04 – 1946 ذكـر فـي كتـاب عبـاس محمـد علـي الحسينـي ،
المرجـع السابـق ، الصفحـة 68 و الصفحـة 69 .
‚ علي علي سليمان . المرجع السابق . الصفحة 195 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

2 . خطأ المضرور : يعتبر خطأ المضرور الصورة الثانية لسبب الأجنبي ، فإذا أثبت الصيدلي أن الضرر كان نتيجة لخطأ من المضرور وحده يمكن أن ينفي قيام العلاقة السببية و يعفى من المسؤولية كليا ؛ و مثالنا على ذلك قيام المريض بشرب زجاجة دواء كلها دون الالتزام بالجرعة المحددة ، أو قيامه بتناوله كم كبير من الأقراص دون التقيد بتعليمات الطبيب التي تم شرحها من قبل الصيدلي عند اقتناء المريض للدواء ، كما قد يقوم المريض بتناول دواء مخزن في صيدليته المنزلية دون أن يتأكد من تاريخ الصلاحية أو يتناول دواء فاسد نتيجة سوء حفظه في المنزل ، كما قد يعفى الصيدلي من المسؤولية جزئيا إذا اشترك خطأه مع خطأ المضرور ، فإذا تساو الخطأين في الدرجة قسم التعويض بينهما مناصفة ؛ أما إذا كان خطأ المضرور أشد جسامة من خطأ المسؤول فإن القاضي يعفي الصيدلي من كل التعويض ذلك طبقا لنص المادة 177 من التقنين المدني الجزائري التي جاء فيها : " يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أو لا يحكم بالتعويض إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر " .
مع الملاحظة أنه لا مسؤولية على الصيدلي في حالة تناول شخص لدواء بهدف الانتحار إذا لم يكن الصيدلي على علم بما سوف يقدم عليه الشخص الذي اشترى الدواء ؛ لأنه في حالة علم الصيدلي بغرض المريض فيقع على عاتقه التزام بعدم بيع الدواء و لا يمكنه دفع مسؤوليته بحجة أنه باع الدواء المضر بناءا على طلب المريض ، رغم ذلك فإن رضا المضرور قد يكون له أثره على القاضي عند تقديره للتعويض في المسؤولية التقصيرية ؛ أما في المسؤولية العقدية فإن رضا المضرور يعد بمثابة تنازل عن المسؤولية و هو جائـز? .
3 . خطأ الغير : يعد فعل الغير أحد صور السبب الأجنبي المنصوص عليها في المادة 127 من التقنين المدني الجزائري ، فإذا كان الضرر الذي أصاب المريض نتيجة خطأ الغير دون وقوع أي خطأ من جانب الصيدلي فلا تقوم مسؤولية هذا الأخير كليا ؛ خاصة إذا نبه المريض بكافة الإرشادات المطلوبة قبل تناول الدواء ، أما إذا اشترك خطأ الغير مع خطأ الصيدلي ؛ كأن يكتشف الصيدلي أن الطبيب قد وصف دواء للمريض دون احترام الجرعات المطلوبة ؛ مع ذلك لا يتصل بالطبيب للاستفسار عن الأمر فينتج عن ذلك ضرر للمريض .
ومن أهم التطبيقات القضائية في هذا الصدد ، قضية تتلخص وقائعها في أن طفل رضيع لا يتعدى عمره 5 أسابيع كان يعاني من نقص غير طبيعي في الوزن ، و يقرر الطبيب عند عرض الطفل عليه أن العلاج المناسب لحالته هو دواء (Indocile) غير أن الطبيب ارتكب خطأ مادي عند تحريره الوصفة الطبية فكتب (Indocide) و هو دواء مخصص لحالات الالتهابات الروماتزية حدد جرعة على أساس كبسولة صباحا و مساءا في زجاجة الرضاعة و عند تقديم الوصفة الطبية إلى الصيدلي قام بصرف ما هو مسجل بها من دواء دون أن يتفطن للخطأ الحاصل فيها ، و كان نتيجة ذلك أن أدى الحادث إلى وفاة الطفل فقضت المحكمة بإلقاء المسؤولية على الصيدلي و الطبيب ‚ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? علي علي سليمان . المرجع السابق . الصفحة 197 .
‚ عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 67 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

الفرع الثانــي : الطبيعـة القانونيـة للمسؤوليـة الصيدلـي المدنيـة

هذا الفرع خصصناه لنشرح التكييف القانوني الذي منحه الفقه و القضاء للمسؤولية الصيدلي المدنية ، بحيث هناك اتجاهان في خصوص هذه المسألة ، الاتجاه الأول يرى أن مسؤولية الصيدلي المدنية مسؤولية تقصيرية ؛ أما الاتجاه الثاني يرى أن مسؤولية الصيدلي المدنية مسؤولية عقدية .
تجدر الإشارة في هذا الصدد ، أن مسألة تكييف القانوني لمسؤولية الصيدلي المدنية عن أخطائه المهنية لا تخص المرحلة قبل قيام الصيدلي بصرف الأدوية و المنتجات الأخرى المعروضة في الصيدلية للبيع ؛ لأنه يعد هنا مسؤولا عنها كحارس للأشياء ، بل تخص مرحلة ما بعد صرف الأدوية أو المنتجات الأخرى المعروضة للبيع ؛ و تخص كذلك مسألة تركيب الدواء و قيام الصيدلي بإفشاء السر المهني .
لكن في كل الأحوال فإن تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية الصيدلي المدنية يتطلب البحث حول ما إذا وجد عقد صحيح بين الصيدلي و المريض ؛ فإذا وجد العقد ننتقل لتحديد طبيعة الالتزام الذي لم يتم تنفيذه من قبل الصيدلي فأدى لإحداث الضرر المطلوب تعويضه ؛ ذلك أن الالتزام الناشئ عن العقد يختلف عن الالتزام القانوني العام الذي يقضي بعدم الإضرار بالغير إضرار غير مشروع ، و هذا يؤدي إلى تنوع المسؤولية الملقاة على عاتق الصيدلي .
الاتجاه الأول : مسؤولية الصيدلي المدنية مسؤولية عقدية .
باعتبار أن أصحاب المهن كالأطباء ، المحامين ، و الصيادلة يقدمون خدماتهم الفنية لزبائنهم بواسطة عقود ، ذهب جانب من الفقه للقول بأن مسؤولية الصيدلي المدنية مسؤولية عقدية ، و العقود التي قد يبرمها الصيدلي مع الأشخاص الذين يتعامل معهم (المرضى) متنوعة ؛ فقد تكون عقد بيع أدوية أو منتجات أخرى مقابل أثمان محددة لها وهنا تطبق أحكام التقنين المدني الجزائري المتعلقة بعقد البيع التي تتضمنها المواد من 351 إلى 412 ، كما قد يكون عقد مقاولة في حالة تقدم زبون ( المريض عادة ) الذي يطلب من الصيدلي أن يركب له دواء بناءا على وصفة طبية ؛ فالصيدلي في هذا العقد يتعهد بأن يصنع الدواء مقابل أجر يتعهد به المريض أو من ينوبه فتطبق في هذا الصدد المواد من 594 إلى 570 من التقنين المدني الجزائري المتعلقة بعقد المقاولة ؛ و الصيدلي في هذا العقد يكون مسؤولا على جودة الدواء الذي يقوم بتركيبه ، و قد يربط الصيدلي بالمريض عقد هبة يكون عندما يمنح الصيدلي مريضا الدواء على سبيل التبرع ، هذه بعض العقود التي قد يبرمها الصيدلي مع المريض أو من ينوبه و هي على سبيل المثال لا الحصر .






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

طبقا لما ذكر أعلاه فإن مسؤولية الصيدلي المدنية لا يمكن إلا أن تكون إلا عقدية متى توافرت فيها الشروط المطلوبة قانونا في هذا النوع من المسؤولية المتمثلة في الآتي :
الشرط الأول : أن يربط الصيدلي بالمريض عقد صحيح
حتى تقوم المسؤولية المدنية العقدية للصيدلي لابد من وجود عقد صحيح يربط ما بينه و المريض أو من ينوبه دون الغير ؛ ذلك أن أثار العقد تخص المتعاقدين و لا يلتزم غيرهما بالالتزامات الناشئة عن العقد .
إن المقصود بالعقد الصحيح ؛ العقد المكتمل الأركان المطلوبة قانونا لقيامه ، لأنه عندما يكون العقد باطل بطلان مطلق أو محكوم بفسخه يعد في حكم العدم و المسؤولية التي تترتب عليه تقصيرية ؛ كالصيدلي الذي يقوم أثناء تركيب دواء طلبه أحد المرضى بإجراء تجربة طبية خطيرة لغرض التأكد من مفعول الدواء الذي قام بتركيبه شخصيا ، أما إذا كان العقد قابلا للإبطال فطالما لم يحكم بإبطاله فهو قائم صحيح ، و إذا أخل أحد المتعاقدين فيه بتنفيذ التزامه كان مسؤولا مسؤولية عقدية و لكن متى قضي بإبطاله ينهار بأثر رجعي و يعتبر كأن لم يكن و المسؤولية التي تنشأ عنه تكون بالضرورة تقصيرية ? .
مع أنه تجدر الملاحظة أن هناك بعض الحالات يقوم فيها الصيدلي بأعمال معينة ثار نقاش فقهي حول تحديد طبيعتها القانونية ما إذا كانت تدخل في إطار العقود أم لا ؛ منها مايلي :
ü الخدمات المجانية التي يقدمها الصيدلي :
نصت المادة 144 من مدونة أخلاقيات الطب على مايلي :" يجب على الصيدلي أن يحلل الوصفة الطبية نوعيا و كميا لتدارك كل خطأ محتمل في مقادير الأدوية أو دواعي عدم جواز استعمالها أو التدخلات العلاجية التي يتفطن إليها و أن يشعر عند الضرورة واصفها ليعـدل وصفته ، و إذا لم تعدل هذه الوصفة أمكنه عدم الوفاء بها إلا إذا أكدها واصفها كتابيا .
وفي حالة ما إذا وقع خلاف يجب عليه إذا رأى ضرورة ذلك أن يرفض تسليم الأدوية وأن يخطر الفرع النظامي الجهوي بذلك " .
فمن خلال نص هذه المادة نستنتج أن التزام الصيدلي بمراجعة الوصفة الطبية و التأكد من كافة البيانات الواردة فيها يعد من جهة التزام مهني تفرضه عليه مهنته ؛ من جهة أخرى فهو يقوم بذلك في كل مرة يقوم فيها ببيع الدواء بناءا على وصفة طبية دون أن يتقاضى أي ثمن على ذلك ، و لكن بالرغم من أن هذا الالتزام ليس له علاقة مباشرة مع عقد بيع الدواء فقد اعتبر من مستلزمات هذا العقد ، بالتالي فإن مخالفته أو عدم تنفيذه من قبل الصيدلي متى أدى إلى ضرر للمريض ينتج عنه قيام المسؤولية العقدية للصيدلي و ليس المسؤولية التقصيرية.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? علي علي سليمان . المرجع السابق . الصفحة 122 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

ü حالة قيام الصيدلي بالإسعافات الأولية في الحوادث الطارئة :
قد يصادف الصيدلي في الطرق العامة أحد الأشخاص محتاج للتدخل كون حالته الصحية في خطر كأن يكون فاقدا للوعي أو جريحا ، فيقوم الصيدلي بإسعافه إما من تلقاء نفسه أو بطلب من الجمهور ، وقد نصت المادة 107 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري على وجوب تقديم الصيدلي يد المساعدة في الحالة الطارئة إذ جاء فيها : " يجب على الصيدلي مهما تكن وظيفته و اختصاصه أن لا يبخل في حدود معلوماته و باستثناء الحالات القاهرة بإسعاف مريض يواجه خطرا مباشرا إذا تعذر عليه تقديم العلاج الطبي لهذا المريض " ، و علاقة المريض في هذه الحالة تكون أقرب إلى الفضالة لأنه لا يوجد عقد لا بين الصيدلي و المريض في حالة التدخل التلقائي ، كما لا يوجد عقد بين الصيدلي و الجمهور في حالة طلب هذا الأخير تدخله ،و على هذا الأساس فمسؤولية الصيدلي تكون في هذه الحالة مسؤولية تقصيرية لا عقدية ذلك لانتفاء توافر شروط هذه الأخيرة خاصة شرط وجود عقد صحيح ما بين الصيدلي و المريض .
الشرط الثاني : يجب أن يكون الضرر الذي أصاب المريض نتيجة إخلال الصيدلي بتنفيذ العقد
حتى تقوم المسؤولية العقدية للصيدلي لابد من أن يكون الضرر الذي يدعيه المريض ناتج عن عدم تنفيذ الصيدلي لالتزام عقدي ؛ بغض النظر عما إذا كان ذلك الالتزام العقدي جوهري بحيث لا يمكن تصور قيام العقد دونه كالتزام الصيدلي في عقد بيع الدواء بتسليم الدواء للمريض أو نائبه ، أو كالتزام الصيدلي بالتأكد من أن الوصفة الطبية صدرت من طبيب مرخص له بممارسة مهنة الطب ، أو أن يكون ذاك الالتزام العقدي ثانويا كالتزام الصيدلي بالتحقق من عدم وجود تعارض بين الأدوية .
تجدر الملاحظة في هذا الإطار أن الخطأ العقدي قد تنتج عنه أضرار تتخذ عدة صور من بينها : عدم تنفيذ الالتزام ، التنفيذ المعيب للالتزام ، التنفيذ الجزئي للالتزام ، التأخر في تنفيذ الالتزام ، لأنه في المسؤولية التقصيرية يكفي لقيامها وجود أي صورة من صور الخطأ .
الشرط الثالث : يجب أن يكون المضرور ( المريض ) صاحب الحق في الاستناد إلى العقد
يجب أن يكون الشخص الذي تعاقد مع الصيدلي أو خلفه العام هو الذي أصابه الضرر ، فإذا كان غريبا عن العقد و حدث ضرر من الإخلال بالالتزام العقدي فالمسؤولية تقصيرية ? ، وفي هذا الإطار لابد من التفرقة ما بين الحالات ( الوضعيات ) التالية :
فإذا كان المضرور الذي تعاقد شخصيا أو بواسطة نائبه مع الصيدلي وكان هو من رفع دعوى المسؤولية على هذا الأخير هنا نبقى في إطار المسؤولية العقدية .
أما إذا توفي الشخص المضرور ( المريض ) هنا نكون في إطار مسؤولية عقدية إذا رفع ورثة المتوفى دعوى المسؤولية ضد الصيدلي لأن الورثة هم من الخلف العام للمتوفي ، أما إذا رفعت دعوى المسؤولية من الغير فإن مسؤولية الصيدلي في هذه الحالة تكون تقصيرية لأن رافعي الدعوى لا تسري عليهم أثار العقد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? علي علي سليمان . المرجع السابق . الصفحة 122 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

و تجدر الملاحظة في الأخير، أن هناك اتجاه فقهي يدعو إلى التضييق من مجال تطبيق المسؤولية العقدية للصيدلي محاولا إيجاد ثغرة في مجال العقود لتطبيق المسؤولية التقصيرية ذلك بالتفريق بين التزامات الصيدلي و الأضرار الناجمة عن الإخلال بالالتزامات بحيث أن هذه التفرقة هي الكفيلة بإيجاد الحلول المنطقية لمشكل الطبيعة القانونية لمسؤولية الصيدلي المدنية ? ، بحيث أن الإخلال بالالتزامات المهنية للصيدلي حتى و إن كان في إطار عقدي يوجب مسؤوليته التقصيرية لا المسؤولية العقدية ؛ كقيام الصيدلي ببيع دواء غير ذاك المسجل في الوصفة الطبية أو غير الصالح للاستعمال، أو تقديم دواء محضر من قبل الصيدلي ليس مطابق للنسب المطلوبة في تحضيره ، فكل هذه الأخطاء المرتكبة من قبل الصيدلي هي مخالفة لالتزاماته المهنية أصلا المنصوص عليها في مدونة أخلاقيات الطب و نجدها في إطار عقود مختلفة أبرمها مع المتعاملين معه .
لكن هذا الاتجاه الفقهي لا يمكن الأخذ به خاصة مع وجود ما نصت عليه المادة 107 من التقنين المدني في فقرتيها الأولى و الثانية التي جاء فيها : " يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه و بحسن نية .
و لا يقتصر العقد على التزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب ، بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون ، و العرف ، و العدالة ، بحسب طبيعة الالتزام " .
و بالتالي بالرغم أن بعض التزامات الصيدلي تعد أصلا التزامات مهنية تفرضها مهنة الصيدلة مادام أنها وجدت في إطار عقد من العقود التي يبرمها مع المرضى فإنها تعد من مستلزمات العقد و الإخلال بها أو عدم تنفيذها هو عدم تنفيذ لالتزام عقدي يوجب المسؤولية العقدية في حالة التسبب في ضرر للمتعاقد مع الصيدلي .











ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 89 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

الاتجاه الثانـي : مسؤولية الصيدلي المدنية مسؤولية تقصيرية .
ذهب اتجاه فقهي ثان ؛ و هو يمثل الأغلبية في فرنسا ؛ للقول بأن المسؤولية المدنية للصيدلي مسؤولية تقصيرية و ليست عقدية بالرغم ما قد يربط الصيدلي و عملائه من عقود مختلفة ، ذلك على أساس أن ذوي المهن و من بينهم الصيدلي مطالبون ببذل عناية لا تقل عن عناية الرجل العادي في ممارسة مهنهم ? .
و تكون مسؤولية الصيدلي المدنية تقصيرية كلما كانت الأخطاء التي ارتكبت من قبل الصيدلي واقعة خارج نطاق العلاقة العقدية بحيث لم تكن للإرادة دور في وضع التزامات معينة بين الصيدلي و الشخص المضرور ، أو تكون كذلك متى أخل الصيدلي بالواجب القانوني العام المتمثل في عدم الإضرار بالغير أو عدم احترامه للالتزامات التي تفرضها مهنة الصيدلة .
و قد دعم أصحاب هذا الاتجاه رأيهم بمجموعة من الحجج سوف ندرجها تباعا مع ذكر الانتقادات التي وجهت إليها حسب التالي :
üالحجة الأولى : أن علاقة أرباب المهن الحرة ـ من بينهم الصيادلة في القطاع الخاص ـ مع عملائهم لها طبيعة خاصة بحيث لا يمكن أن تكون محل علاقة عقدية ؛ كون التزامات ذوي المهن الحرة عادة ما تكون لها علاقة بالنظام العام ؛ و لا دور للإرادة الأطراف في إنشائها أو إنهائها و يظهر ذلك بالنسبة للصيدلي عندما يؤدي خطأه إلى المساس بحياة إنسان أو سلامة جسمه أو عند قيامه بإفشاء سر مهني معين رغم انتهاء العقد الرابط بينه و بين عميله .
üالحجة الثانيـة : أن المسؤولية العقدية في حالة ما إذا كان الإخلال بالتزام تعاقدي من قبل الصيدلي أدى لقيام جريمة جنائية تمس حياة الإنسان أو سلامة جسمه تكون تقصيرية و ليس عقدية لأن الصيدلي ارتكب خطأ جسيما حدث نتيجة إخلاله بالتزام قانوني يفرض عليه عدم الإضرار بالغير ؛ كأن يقوم الصيدلي بمنح مريض دواء غير ذلك المدون في الوصفة الطبية ويؤدي تناوله من قبل المريض إلى وفاته أو تسببه في عاهة مستديمة في أعضاء جسمه فتكون المسؤولية المدنية هنا تقصيرية لا عقدية .
üالحجة الثالثـة : أن الإخلال بالالتزامات التعاقدية يدخل دائما في نطاق المسؤولية التقصيرية حتى و إن وجد عقد بين الصيدلي و المريض ، فالخطأ المهني يطغى على الخطأ العقدي و هذا يجعل كل من الصيدلي و المريض يعدان من الغير بالنسبة لبعضهما فيما يتعلق بالقواعد و العادات التي تحكم مهنة الصيدلة بحيث أن إرادة الأطراف ليس لها أي دور في إنشاء تلك القواعد المهنية .
üالحجة الرابعـة : أن قواعد المسؤولية التقصيرية أكثر حماية للمضرور من قواعد المسؤولية العقدية لأنه في هذه الأخيرة التعويض يقتصر على الضرر المباشر المتوقع دون الضرر غير المتوقع ، بالإضافة إلى أن تضامن المسئولين في حالة تعددهم غير مفترض في المسؤولية العقدية إذ لابد من اتفاق حول ذلك ضمن العقد ؛ كما أن الاتفاق على إعفاء المدين من الخطأ اليسير أو حصر المسؤولية العقدية في مبلغ معين جائز.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? علي علي سليمان. المرجع السابق. الصفحة 128 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

لكن في المسؤولية التقصيرية التعويض يكون على الضرر المتوقع و الضرر غير المتوقع ؛ بالإضافة إلى أن التضامن مفترض في شأن المسئولين إذا تعددوا طبقا لنص المادة 126 من التقنين المدني الجزائري ، كما لا يجوز الاتفاق على الإعفاء من هذه المسؤولية أو تحديدها كونها متعلقة بالنظام العام .
üالحجة الخامسـة : أن المشرع الفرنسي بموجب المادة 545 من قانون الصحة العام سمح للصيادلة بإنشاء شركات ذات مسؤولية محدودة مع تحميل مدراء هذه الشركات المسؤولية التقصيرية في حالة حدوث أخطاء تنتج أضرار ، و هذا يعد سندا قانونيا قويا لاعتبار مسؤولية الصيدلي المدنية مسؤولية تقصيرية .
لكن بالرغم من تقديم أصحاب هذا الاتجاه لهذه الحجج لدعم رأيهم بأن مسؤولية الصيدلي المدنية مسؤولية تقصيرية لكنهم لم يسلموا من الانتقادات لهذه الحجج المتمثلة في الآتي :
üالانتقاد الأول:أن تعلق التزامات المهنية للصيدلي في إطار عقد معين بالنظام العام لا يشكل مانعا لبقاء مسؤوليته عقدية في حالة قيام شروطها ؛ لأن إبرام العقود لابد أن يكون غير مخالف للنظام العام ، أما القول بأنه عند إفشاء الصيدلي للسر المهني بعد انتهاء العقد يجعل مسؤوليته تقصيرية هو قول لا يستقيم مع نص المادة 107 من التقنين المدني الجزائري بحيث يبقى الصيدلي ملزم حتى بعد انتهاء العقد بعدم إفشاء السر المهني ؛ و في حالة مخالفته لذلك الالتزام تقوم مسؤوليته العقدية .
üالانتقاد الثاني :إن التسليم باستبعاد المسؤولية العقدية و قيام المسؤولية التقصيرية بدلها في الحالة التي يكون فيها الإخلال بالتزام عقدي جريمة جنائية يؤدي إلى نتائج مختلفة مع الحالة أين لا يكون فيها الإخلال بالتزام العقدي جريمة جنائية بحيث تبقى مسؤولية الصيدلي عقدية ؛ وهذا الأمر لا يتقبله المنطق القانوني لأنه مادام أن العلاقة التي تربط الصيدلي بالمريض هي العقد ؛ فإن هذه العلاقة هي الوحيدة التي تؤسس عليها طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتق الصيدلي بحيث تبقى المسؤولية عقدية مهما كانت نتيجة الخطأ العقدي الذي ارتكبه الصيدلي .
üالانتقاد الثالث : إن القول بأن المسؤولية العقدية لا توفر الحماية الكافية للمضرور كون أن الضرر غير المتوقع لا يكون محل تعويض قول لا يستقيم مع ما تنص عليه الفقرة الرابعة من المادة 182 من التقنين المدني الجزائري التي جاء فيها أنه يمكن التعويض عن الضرر غير المتوقع في المسؤولية العقدية متى ارتكب الصيدلي غشا أو خطأ جسيم .
üالانتقاد الرابع : إن نص المادة 575 من قانون الصحة العام الفرنسي تنص على المسؤولية التقصيرية لمدراء شركات ذات المسؤولية المحدودة للصيدلية عندما ترفع عليهم دعوى المسؤولية بصفة شخصية ذلك على أساس انعدام العقد ما بينهم و بين الشخص المضرور ، لكن تبقى المسؤولية عقدية في حالة ما إذا رفع المضرور دعوى مسؤولية ضد مدير الشركة باعتباره ممثل لها .




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها
من خلال ما تقدم أعلاه نجد أن الفقه قد انقسم إلى اتجاهين لتكييف المسؤولية المدنية للصيدلي ، فهناك من رأى أنها عقدية ؛ و هناك من رأى أنها مسؤولية تقصيرية ؛ و في الحقيقة أن هذا ناتج كون المسؤولية المدنية في حد ذاتها تعرف تقسيم ثنائي .
لكن رغم ذلك لابد من البحث في هذا الإطار عن التكييف القانوني الأفضل لمسؤولية الصيدلي المدنية ، فإذا نظرنا من جانب الخطورة التي يكتسيها طبيعة عمل الصيدلي كونه يتعلق بالدرجة الأولى بحياة الإنسان و سلامته الجسدية من جهة .
من جهة أخرى إذا نظرنا من جانب حماية الشخص المضرور جراء خطأ الصيدلي ؛ نجد أن هذا لا يتماشى مع الاتجاه الذي يرى أن مسؤولية أصحاب المهن عقدية لأنهم يرتبطون بعملائهم حين تقديمهم لخدماتهم الفنية بعقود ، بل إن الأمر يستوجب اعتماد المسؤولية التقصيرية كتنظيم موحد لمسؤولية الصيدلي المدنية ؛ فمثلا الصيدلي عند تركيب الدواء ملزم بأخذ كافة الاحتياطات اللازمة المتعلقة بهذه العملية ؛ أو عند بيعه للدواء يكون ملزم بإعلام المريض بطريقة استعمال ذاك الدواء ؛ و هذه الالتزامات ليست ناتجة عن العقود التي يبرمها الصيدلي مع عملائه بل هي متعلقة بالتزام سابق على إبرام العقود يلتزم به الصيدلي يتمثل في عدم الإضرار بالغير الذي ينتج على مخالفته قيام المسؤولية التقصيرية .
و ما يؤكد وجهة نظرنا بأن المسؤولية التقصيرية تشكل التكييف الأحسن للمسؤولية الصيدلي المدنية هو موقف القضاء الفرنسي الذي أضفى عليها هذه الصفة بالرغم من وجود عقود ما بين الصيدلي و عملائه ، و مسلك القضاء هذا له دلالة واضحة على أن مهنة الصيدلة تتطلب مزيدا من اليقظة و الحيطة و التبصر من القائم بها ? ، بالإضافة إلى أن المشرع الفرنسي من خلال المرسوم الخاص بالبيوع التي يكون أحد أطرافها بائع مهني و الطرف الأخر شخص عادي ( مستهلك ) الصادر عام 1978 أعطى الشخص المضرور حماية كبيرة حين نص على بطلان الشروط الخاصة بإنقاص الحق في التعويض المتعلق بالمستهلك عند إخلال البائع المهني بأي من التزاماته .
كما أن عبء إثبات الخطأ في المسؤولية التقصيرية و إن كان ملقى على عاتق الشخص المضرور إلا أنه لا يشكل أية صعوبة في مجال مسؤولية الصيدلي لأن هذا الأخير حسب ما رأيناه سابقا يلتزم بتقديم أدوية سليمة للمرضى و هو التزام بتحقيق نتيجة ؛ فإذا لم تتحقق هذه النتيجة قام خطأ الصيدلي ؛ و ما يدعم هذا القول موقف القضاء الفرنسي الذي سهل مسألة عبء الإثبات بحيث اعتبر أن العيب في السلعة المعروضة من قبل البائع المهني يعد خطأ لأنه يفترض فيه أن يكون عالما بأسرارها.
في الأخير نقول أن الطبيعة القانونية للمسؤولية الصيدلي المدنية لا تزال محل خلاف فقهي ، وبما أن عمل الصيدلي يكتسي نوع من الخطورة كونه متعلق بحياة الإنسان و سلامته الجسدية يجب دائما الأخذ بعين الاعتبار الجانب الخاص بتكييف المسؤولية المدنية للصيدلي لحماية الطرف الضعيف وهو المريض كون الصيدلي مهنيا يفترض فيه العلم بأصول المهنة و أخذ التدابير اللازمة لتفادي الإضرار بالغير .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 99 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

المطلب الثانـي : نطــاق تطبيــق مسؤوليــة الصيدلــي المدنيــة

إن الصيدلي عند ممارسته لعمله اليومي قد يرتكب أخطاء تصدر منه شخصيا تسبب أضرار للمريض ؛ فإذا تحققت العلاقة السببية بين هذا الخطأ الشخصي و الضرر تقوم مسؤولية الصيدلي عن أخطائه المهنية الشخصية طبقا لنص المادة 124 من التقنين المدني الجزائري ، و هذا ما سوف نتطرق له بالشرح في الفرع الأول من هذا المطلب .
و قد يكون للصيدلي مساعد أو مساعدين يعينونه في القيام بالأعمال اليومية على مستوى الصيدلية ؛ فإذا ما ارتكب هؤلاء أخطاء تسبب ضررا للمرضى و قامت العلاقة السببية بين الضرر و خطأ المساعد أو المساعدين تقوم مسؤولية الصيدلي عن الأخطاء المهنية لمساعديه ، هذا ما سوف نتطرق إليه في الفرع الثاني من هذا المطلب .
الفـرع الأول : مسؤوليـة الصيدلـي المدنيـة عـن أخطائـه المهنيـة الشخصيـة
إن مهنة الصيدلة تفرض على الصيادلة مجموعة من الالتزامات المهنية لابد عليهم أن يحترمونها عند ممارستهم لعملهم اليومي ؛ و هذا ما تضمنه الفصل الثالث من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري الذي جاء تحت عنوان قواعد أخلاقيات الصيدلة ؛ فأي إخلال بهذه الالتزامات المهنية من قبل الصيدلي يؤدي إلى قيام خطأ شخصي في حقه ، هذا من جهة .
من جهة أخرى، أن هذه الالتزامات لابد أن يحترمها الصيدلي لأنه يتعامل مباشرة مع المستهلكين للدواء ؛ و لهذه الالتزامات خصوصية في مجال الدواء كونه لا يعد منتج عادي ؛ بل منتج له خطورة على حياة و سلامة جسم الإنسان ، و لعل أبرز حالات مسؤولية الصيدلي في هذا المجال تظهر من خلال بيع الدواء ، تركيب الدواء ، إفشاء الأسرار المهنية ، و التزام الصيدلي بعدم الممارسة غير المشروعة للطب ، هذا ما سوف نتطرق له تباعا كالتالي :
أولا : بيــع الأدويــة
الأصل أن بيع الأدوية هو من اختصاص الصيادلة ، لكن أجاز القانون للأطباء في حالة عدم وجود صيدلية أو ندرة صنف معين من الأدوية القيام ببيعها على مستوى عياداتهم ذلك بعد تحصلهم على ترخيص طبقا لما نص عليه القانون هذا ما تضمنته نص المادة 28 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جاء فيهـا :" يمنع على الأطباء توزيع أدوية أو أجهزة فحوصية لأغراض مربحة إلا تحت ترخيص يمنح حسب الشروط المنصوص عليها في القانون ، و يمنع عليهم في كل الأحوال تسليم أدوية معروف أضرارها " ، و الطبيب في هذه الحالة يلتزم بتقديم أدوية سليمة و هو التزام بتحقيق نتيجة .




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول: المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

إن الصيدلي تفرض عليه مجموعة من الالتزامات في مجال بيع الأدوية مخالفتها قد ترتب قيام مسؤوليته المدنية الشخصية ، تتمثل هذه الالتزامات في التالي :
1 . مراقبة شكل و مضمون الوصفة الطبية : تعرف الوصفة الطبية على أنها ورقة يدون فيها الطبيب المختص دواء أو أكثر للمريض بغرض العلاج أو الوقاية من مرض ما ? ، أو أنها وصف مكتـوب ، مؤرخ ، موقع من قبل الطبيب أو الشخص المؤهل بكتابة الأدوية الموافقة لمرض الزبون ، و هذا ما نصت عليه المادة 56 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جاء فيها : " ينبغي أن تكون الوصفة أو الشهادة أو الإفادة التي يقدمها الطبيب أو جراح الأسنان واضحة الكتابة تسمح بتحديد هوية موقعها و تحمل التاريخ و توقيع الطبيب أو جراح الأسنان " ، أي أنه ليست كل ورقة يدون عليها الطبيب دواء أو أكثر تضفى عليها صفة الوصفة الطبية ؛ بل لابد أن تتضمن شروط فنية بأن يكون محرر الوصفة الطبية طبيبا مرخص له مزاولة هذه المهنة ؛ و الحكمة من احتكار الأطباء دون غيرهم تحرير الروشتة الطبية ( الوصفة الطبية ) هي المحافظة على الصحة العامة ، و صونها من عبث الدخلاء على مهنة الطب ، و خطورة ما تتضمنه الروشتة ( الوصفة ) من منتوج و هو الدواء ‚ ، بالإضافة إلى ذلك لابد أن تحتوي الوصفة الطبية بيانات محددة تخص تاريخ تحريرها ، اسم و عنوان الطبيب الذي حررها ، توقيعه ، اسم المريض و سنه ...إلخ ، كما يجب أن تتضمن شروط موضوعية تتعلق بمضمون الوصفة الطبية و هو الدواء ؛ إذ يجب مراعاة مايلي :
ü أن تكون الوصفة الطبية تتضمن أدوية تتوافق و القواعد الفنية في وصف الدواء طبقا للأصول العلمية و تقدير هذه القواعد الفنية يكون بالنظر إلى الصيدلي متوسط الحرص و الحذر .
ü أن لا تحتوي الوصفة الطبية على أدوية بينها تعارض أو تناقض .
ü أن يكون الدواء المدون في الوصفة الطبية متعلق بالمريض .
ويقع على عاتق الصيدلي التزام بمراقبة الوصفة الطبية المقدمة له من الجانب الفني الشكلي ، و من الجانب الموضوعي بحيث عليه التأكد من صحة المعلومات التي تتضمنها الوصفة الطبية و إلا كان مسؤولا في مواجهة المريض ، ذلك أن الصيدلي بوصفه مهني متخصص فضلا على إلمامه بعلوم الكيمياء و الدواء يستطيع أو من المفترض أن يستطيع القيام بالفحص الكامل للوصفة الطبية و مراجعـة البيانات التي تتضمنهـا ƒ ، بحيث لا يكفي لإعفائه من المسؤولية عند إخلاله بهذا الالتزام التمسك بأنه قد تأكد من صفة من حررها كونه المؤهل للممارسة مهنة الطب بل لابد أن يشمل فحص الوصفة الطبية كافة ما جاء فيها من بيانات تطلبها القانون .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? د.أحمد السعيد الزرقد . المرجع السابق . الصفحة 15 .
‚ د.أحمد السعيد الزرقد . المرجع السابق . الصفحة 25 .
ƒ د.أحمد السعيد الزرقد . المرجع السابق . الصفحة 26 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول: المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

و تجدر الإشارة أنه لا يحق لصيدلي الخروج عن الألفاظ التي استعملها الطبيب الذي حرر الوصفة الطبية بل يلتزم بتنفيذ هذه الأخيرة تنفيذا وافيا ؛ كما لا يجوز له القيام باستبدال الدواء الذي منحه الطبيب للمريض أو التغيير في مقاديره إلا بعد استشارة هذا الأخير هذا ما نصت عليه المادة 144 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري ، كما يلتزم بإعلام المريض بذاك التغيير .
2 . الالتزام بعدم بيع الدواء بأكثر من السعر المحدد : تنص المادة 132 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري أنه : " يجب على الصيدلي أن يبيع الأدوية و التجهيزات الصيدلانية بالأسعار القانونية " ؛ و منه يقع على الصيدلي التزام ببيع الدواء وفقا للأسعار القانونية المحددة من قبل الجهات المختصة وهي عادة وزارة الصحة ؛ و من الأمثلة على قيام الصيدلي بتغيير السعر المحدد قانونا لدواء معين عندما يكون الدواء قابلا لتجزئة و وضعت له السلطات المختصة سعرا كوحدة واحدة فيقوم الصيدلي بتجزئته و يحدد لكل جزء سعرا بحسب ما إذا كان وحدة واحدة ، أو يكون الدواء الذي طلبه المريض من الصيدلي من الأدوية التي تحضر على مستوى الصيدلية فيغش في ثمنه بتضخيم سعر المواد المستعملة في تركيبه فيكون السعر النهائي سعرا يفوق السعر المحدد قانونا .
إلا أنه لا يعد بيعا بأكثر من السعر المحدد إضافة نسبة معينة مقابل الخدمات التي تقدم ? ، كما يعد بيع المنتجات الصيدلانية دون احترام الأسعار المقررة قانونا جريمة نص عليها قانون العقوبات الجزائري في المادة 173 ؛ و منه تقوم مسؤولية الصيدلي عند مخالفة هذا الالتزام مسؤولية مدنية و جزائية .
3 . الالتزام بعدم الامتناع عن بيع الدواء : الأصل يقع على عاتق الصيدلي التزام بعدم الامتناع عن بيع الدواء و صرف الوصفة الطبية متى كانت تحتوي على كافة الشروط المطلوبة قانونا ؛ خاصة أن هذا الالتزام يعد أخلاقي ، مهني و قانوني في نفس الوقت .
لكن في بعض الحالات قد يمتنع الصيدلي عن بيع الدواء سواء بوصفة طبية أو دونها بالرغم أن هذا نادر الوقوع ؛ هنا لابد أن نرى المبرر الذي يقدمه الصيدلي حول امتناعه عن بيع الدواء ؛ فإذا كان رفضه مؤسسا على كون الوصفة الطبية لا تحمل مثلا اسم أو عنوان أو توقيع الطبيب الصادرة عنه أو أن خط الطبيب غير واضح أو أن اسم المريض غير مدون هنا يحق للصيدلي الامتناع عن بيع الدواء ، كما لا يتحقق الامتناع متى ما تبين أن هناك عيب في الدواء بأن يكون فاسدا أو غير صالح للاستعمال فلصيدلي كل الصلاحية للامتناع عن بيعه ، بالإضافة إذا كان طلب مقتني الدواء غير اعتيادي من حيث كمية أو نوعية الدواء المطلوبة فيمكن لصيدلي الامتناع عن بيع الدواء .
لكن في حقيقة الأمر أن مسألة الامتناع عن بيع الدواء لا تطرح في المدن الكبرى التي تكون فيها الصيدليات متوفرة ، بل الأمر يطرح على الأخص في المدن الصغيرة و النائية التي تكون فيها سوى صيدلية أو صيدليتين فقط ؛ فإذا امتنع الصيدلي عن بيع الدواء دون سبب مشروع قد يؤدي ذلك إلى الإضرار بالشخص الذي أراد اقتناء الدواء فتقوم مسؤوليته، كما يطرح الأمر عندما تكون البلاد في ظروف استثنائية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 109 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول: المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

تجدر الملاحظة أنه في الأصل لابد على الصيدلي أن يبيع الدواء بناءا على وصفة طبية ؛ فإذا لم يقدم الزبون الوصفة الطبية ؛ للصيدلي الحق في الامتناع عن بيع الدواء ، لكن هناك استثناء على هذا المبدأ إذ هناك قائمة من الأدوية صادرة عن وزارة الصحة يسمح للصيادلة ببيعها دون وصفة طبية ، هذا ما تضمنته المادة 181 من القانون 85-05 التي جاء فيها:"لا يسلم أي دواء إلا بتقديم وصفة طبية ماعدا بعض المواد الصيدلانية التي تضبط قائمتها عن طريق التنظيم" .
4 . الالتزام بتسليم دواء صالح للاستعمال : إن الصيدلي يلتزم في مواجهة المريض بتسليم دواء صالح للاستعمال و هو التزام بتحقيق نتيجة ? أي لابد أن لا يكون الدواء الذي قدمه الصيدلي فاسدا أو ضارا بحيث لا يؤدي إلى تحقيق الهدف المقصود منه ، و عدم صلاحية الدواء للاستعمال قد تعود لعدة أسباب كانتهاء مدة الصلاحية أو عدم مراعاة القواعد العلمية في حفظه و تخزينه و صيانته أو أن العلب المستعملة لوضع الدواء غير متناسبة و طبيعة المواد الكيميائية المصنوع بها الدواء .
إن التزام الصيدلي بتقديم دواء صالح للاستعمال يشمل كافة أنواع الأدوية التي يقوم ببيعها سواء تلك التي سلمت إليه من الشركات المتخصصة في إنتاج الأدوية أو تلك التي يقوم بإعدادها و تحضيرها في الصيدلية .
و تقوم مسؤولية الصيدلي في الحالات التي يقتصر فيها دوره في بيع الأدوية الواردة إليه من المصانع لأنه من الناحية العلمية قادر على التحقق من سلامة الدواء الذي سلمه للجمهور بأنه لا يشكل خطورة على حياتهم كون الصيدلي لا يعد مجرد بائع عادي أو بقال بل يمتلك دورا مؤثرا في الرقابة و فحص و مراجعة الأدوية ... و يمكن للصيدلي القيام بالرقابة و فحص الأدوية المعدة سلفا بإجراء تجارب خاصة عليها ‚ .
إن الصيدلي يكون مسؤولا مسؤولية مدنية و جزائية إذا قام ببيع دواء منتهي الصلاحية أو فاسد إذا لم يتبع في هذا الخصوص ما تمليه الأصول الفنية و العلمية كونه يعد شخص مهني ؛ كأن يقوم بتعريض دواء معين لأشعة الشمس رغم أن ذلك الدواء تتطلب طريقة تخزينه وضعه في مكان بارد .
إن الصيدلي بالرغم من التزامه بتسليم دواء صالح للاستعمال عند بيعه إلا أنه لا يكون ملتزما بفعالية الدواء و تحقق الشفاء للمريض ؛ بحيث لا يضمن رد فعل جسم المريض أو الآثار الجانبية التي قد تحصل ، مع ذلك يقع على الصيدلي عبء إعلام المريض بالأعراض الجانبية للدواء المبيع خاصة إذا كانت هذه الأعراض تشكل خطورة على الوظائف الحيوية للجسم كزيادة السموم في الجسم و تأثير الدواء علـى البصرƒ ، فهذه الأعراض ينبغي أن يعلم بها المريض مسبقا ليتخذ قراره في أخذ العلاج أم لا .
إن الأساس القانوني الذي تقوم عليه مسؤولية الصيدلي بتقديم دواء صالح للاستعمال كانت محل خلاف فقهي ما بين اتجاهين ، الأول يرى أن تسليم الصيدلي للمريض دواء غير صالح للاستعمال يعد عيب خفـي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? د.أحمد السعيد الزرقد . المرجع السابق . الصفحة 124 .
‚ د.أحمد السعيد الزرقد . المرجع السابق . الصفحة 125 .
ƒ د.أحمد السعيد الزرقد . المرجع السابق . الصفحة 127 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول: المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

في الدواء لذا تطبق عليه أحكام ضمان العيوب الخفية في عقد البيع ؛ أما الاتجاه الثاني يرى أن تسليم الدواء غير الصالح يعتبر إخلال بالتزام الصيدلي بصفته بائع بتسليم الدواء المبيع .
و قبل ذكر مضمون الرأيين ؛ تجدر الإشارة أن نتائج هذا الخلاف الفقهي تكمن في أن دعوى التعويض إذا رفعها المريض المتضرر على أساس أن الصيدلي أخل بالتزامه بتسليم الدواء فيكون تقادمها طبقا للقواعد العامة،أما إذا رفعها على أساس وجود عيب خفي في الدواء فيكون تقادمها طبقا لما نصت عليه المادة 383 من التقنين المدني الجزائري التي جاء فيها:" تسقط بالتقادم دعوى الضمان بعد انقضاء سنة من يوم تسليم المبيع حتى و لو لم يكتشف المشتري العيب إلا بعد انقضاء هذا الأجل ما لم يلتزم البائع بالضمان لمدة أطـول .
غير أنه لا يجوز للبائع أن يتمسك بسنة التقادم متى تبين أنه أخفى العيب غشا منه " .
الاتجاه الأول : أساس مسؤولية الصيدلي المدنية على الأدوية غير الصالحة للاستعمال أحكام ضمان العيوب الخفية في عقد البيع
إن البائع يلتزم في عقد البيع بضمان العيب الخفي في الشيء المبيع ؛ و هذا ما نصت عليه المواد من 379 إلى 368 من التقنين المدني الجزائري ، و العيب الخفي هو الصفة الطارئة التي لا توجد في المبيع عادة وتؤدي إلى الإنقاص من قيمته ? ، أي أنه يقع على عاتق البائع في مواجهة المشتري التزام بأن يمكنه من التملك النافع و المفيد للشيء المبيع بحيث يتمتع بكافة الخدمات التي كانت إرادته قد اتجهت لتحقيقها عند إبرام عقد البيع ، لذلك يرى أصحاب هذا الاتجاه أن قيام الصيدلي بتسليم دواء غير صالح للاستعمال يعد تسليما لمبيع به عيب خفي ؛ كون ذاك الدواء لن يتمكن المريض من الانتفاع به ؛ هذا بغض النظر عن الأسباب التي ترجع لها عدم صلاحية الدواء ؛ بحيث كانت نتيجة عدم مراعاة الصيدلي للأصول العلمية و الفنية في تخزين الدواء و حفظه أو تعود لانتهاء مدة الصلاحية المحددة للاستعمال الدواء.
و لكي تتحقق مسؤولية الصيدلي عن ضمان العيوب الخفية في الدواء المبيع يجب أن تتوافر في العيب مجموعة من الشروط حتى يوصف أنه عيب خفي تتمثل في التالي :
1 . يجب أن يكون العيب جسيما بأن ينقص من منفعة المبيع بحيث لو كان المشتري يعلم به لأحجم عن شراءه .
2 . يجب أن يكون العيب قديما أي يكون موجودا في المبيع قبل تسليمه للمشتري .
3 . يجب أن لا يكون العيب معلوما للمشتري علما يقينا و ليس مجرد تخمين أو ضن على وجود العيب .
4 . يجب أن يكون العيب خفيا .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? الدكتورة محمدي فريدة .دروس في عقد البيع . كلية الحقوق . جامعة الجزائر . طبعة للعام الدراسي 2002 / 2003 . الصفحة 104.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

يجدر القول هنا أن القضاء الفرنسي يميل إلى معاملة البائع المهني ـ كالصيدلي ـ بشيء من القسوة من خلال تشبيهه بالبائع السيئ النية انطلاقا من أن البائع المهني لا يمكن أن يجهل العيوب في الشيء المبيع و بالتبعية يرتكب خطأ جسيم إذا لم يعرف أو يكشف عن العيوب التي يجب الكشف عنها بحكم اختصاصه ، فقد جاء في حكم لمحكمة النقض الفرنسية عام 1967 أن البائع المهني يجب تشبيهه بالبائع الذي يعلم عيوب الشيء المبيع لأنه يلتزم بحسب مهنته بالعلم بها ? .
الاتجاه الثانـي : أساس مسؤولية الصيدلي المدنية على الأدوية غير الصالحة للاستعمال إخلاله بالتزام تسليم الدواء في عقد البيع
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الصيدلي عند بيعه لدواء غير صالح للاستعمال يعد بمثابة إخلاله بالتزام تسليم مبيع مطابق لما جاء في العقد المبرم مع المريض ، أي أن الصيدلي سلم المريض دواء غير ذلك المدون في الوصفة الطبية أو مختلف عن الدواء الذي طلبه المريض في حالة اقتناء دواء دون وصفة طبية ؛ فالشيء المبيع في هذه الحالة يختلف عن محل العقد المتفق عليه في مادته ذاتها بحيث أن فساد الدواء يجعل المواد التي يتكون منها تختلف عن تلك التي كانت في اعتقاد الطبيب كمادة مناسبة للعلاج أو الوقاية من مرض ما ، و منه عند تسليم الصيدلي للمريض دواء منتهي الصلاحية فيكون قد سلمه شيء آخر غير ما ابرم من أجله عقد بيع الدواء بحيث تنتفي عنه صفة الدواء .
و نخلص إلى القول حول هذا الاختلاف الفقهي في تحديد أساس مسؤولية الصيدلي المدنية في حالة بيعه دواء غير صالح للاستعمال ؛ أن الاتجاه الأول الذي يرى بأن أساس المسؤولية في هذه الحالة هو ضمان العيب الخفي هو الأحسن بالنسبة للمريض لأن دعوى التعويض في هذه الحالة تكون مبنية على قواعد شمولية و مستقلة عن القواعد العامة ؛ خاصة أن الإخلال بالتزام تسليم الدواء يعد من أحد الشروط المطلوبة لقيام العيب الخفي .
5 . الالتزام بإعطاء النصح ، التوجيه و الإرشاد للمريض : إلى جانب الالتزامات المذكورة أعلاه يلزم الصيدلي كذلك عند بيع الدواء بإعطاء المريض جميع المعلومات اللازمة الخاصة بطريقة استعمال الدواء ، الأخطار و الآثار الجانبية المزعجة التي قد تنتج جراء تناوله أو استعماله .
إن التزام الصيدلي بنصح ، توجيه و إرشاد المريض الذي اشترى الدواء يدخل في إطار ما يسمى بالتزام بإعطاء المعلومات ؛ و هو التزام من صنع القضاء الفرنسي يلقى على عاتق الصانع أو البائع المهني في مواجهة العملاء عن كافة المنتجات المبيعة ‚ ، أساسه ما نصت عليه المادة 107 من التقنين المدني الجزائري في الفقرة الأولى و الثانية التي جاء فيها : " يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمـل عليه و بحسن نية
و لا يقتصر العقد على التزام المتعاقد بما ورد فيه فحسب ، بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته وفقا للقانون ، و العرف ، و العدالة ، بحسب طبيعة الالتزام " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 113.
‚ د. أحمد السعيد الزرقد . المرجع السابق . الصفحة 132 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها
و ما دام أن الصيدلي يعد بائع مهني فيقع عليه الالتزام بالإدلاء بالمعلومات المتعلقة بالدواء لأنه في حالة امتناعه عن ذلك يعد إخلال بمبدأ الثقة الواجبة في العقود ؛ خاصة أن الدواء يعد منتج خطير يمكن أن يؤدي سوء استعماله إلى المساس بحياة الإنسان و سلامة جسمه ؛ لأن البائع المهني سواء كان الصيدلي أو غيره يعد الخبير المتخصص العارف بكل مكونات المبيع و المخاطر التي قد تحصل عنه ؛ لذلك تشدد القضاء في مواجهة المهنيين معتبرا الإخلال بهذا الالتزام من قبيل مخالفة الضمير المهني .
فالصيدلي ملزم بأن يوضح للمريض بصفة دقيقة طريقة استعمال الدواء بكتابة ذلك بالتفصيل على غلاف علبة الدواء كأن يحدد استعمال الدواء بثلاث مرات بمقدار ملعقة كبيرة أو صغيرة قبل أو بعد الأكل يوميا ؛ و لا يكتفي بالتأشير على علبة دون الكتابة ، أي أن الصيدلي يحدد للمريض عدد الجرعات ، كمية الجرعة ، مواعيد تناول الدواء ؛ هذا يعد الجزء الأول من الالتزام بالإدلاء بالمعلومات المتعلق بالتزام بالنصح و الإرشاد ، أما الجزء الثاني من الالتزام هو التنبيه و التحذير بكل ما يتعلق بالمخاطر التي قد تحصل عن استعمال الدواء كقيام الصيدلي بتحذير مرضى الحساسية من خطورة تناول البنسلين و تحذير مرضى القلب من تناول بعض الأدوية ، و التنبيه بخطورة ترك دواء معين في متناول الأطفال ، و يقع على عاتق الصيدلي هذا الالتزام حتى في الحالات التي يقوم فيها ببيع آلة أو أداة صيدلية تستخدم في أمراض معينة كجهاز قياس نسبة الضغط أو السكر في الدم فلابد على الصيدلي تقديم المساعدة الفنية للمريض .
ثانيــا : تركيـب الأدويـة
إن الأدوية الموجهة للاستهلاك ليست كلها منتجة في المصانع ؛ بل هناك عدد من الأدوية يقوم الصيدلي بتركيبها طبقا لنسب معينة في صيدليته بطلب من المريض بوصفة طبية أو دونها ؛ و تقع على الصيدلي مجموعة من الالتزامات عند تركيبه للأدوية إذا أخل بها قد تقوم مسؤوليته المدنية و الجزائية ، تتمثل هذه الالتزامات في التالي :
1 . لابد أن تكون الصيدلية مجهزة بكافة المواد المطلوبة لتحضير الأدوية ، التي يجب أن تكون محفوظة بطريقة تتماشى و الأصول الفنية و العلمية .
2 .يمنع على الصيدلي القيام بتركيب الأدوية مسبقا ثم يقوم ببيعها عند الطلب ؛ بل لابد أن يقوم بتجهيز الأدوية بحسب الحاجة طبقا لوصفة طبية .
3 . يجب على الصيدلي أن يتقيد بالنسب المحددة من قبل الطبيب في الوصفة الطبية عندما يقوم بتركيب الدواء ، و قد حدث أن وصف طبيب دواء لأحد الأطفال يستلزم تحضيره من قبل الصيدلي و عند تناول المريض لهذا الدواء ظهرت عليه أعراض حروق و تقيح مما أدى إلى وفاته ، و قد تبين عند إجراء التحاليل اللازمة على الدواء أن الصيدلي قد أضاف مادة أكثر من التي حددها الطبيب أدت إلى وفاة الطفل ? ، كما صدر حكم عن القضاء المصري قضى بمسؤولية الصيدلي مدنيا و جزائيا نظرا لكونه أخطأ بتحضير محلول " النتوكايين " كمخذر موضعي بنسبة 1 % و هي تزيد عن النسبة المسموح بها طبيا ‚ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 118 .
‚ الدكتور محمد حسين منصور .المسئولية الطبية . دار الفكر العربي الجامعي . الإسكندرية. 2006 . الصفحة 213 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

4 . يجب على الصيدلي بعد تركيب الدواء أن يعبئه في الوعاء الذي يتناسب و طبيعته ، فإذا كان الدواء سائلا مثلا يوضع في قنان لم تستعمل من قبل تكون سهلة الفتح و الغلق ، كما يجب على الصيدلي تجنب وضع الدواء في عبوات تؤدي إلى تفاعله و المادة المصنوعة منها العبوة فينتج عنه فساد الدواء مما يجعل استعماله خطرا .
5 . يجب على الصيدلي توضيح الأخطار الموجودة في الدواء عن طريق وضع بطاقة تلصق على كل مستحضر يذكر فيها اسم الصيدلية و عنوانها و اسم الشخص الذي قام بتحضير الدواء و طريقة استعماله طبقا لما هو مذكور في الوصفة الطبية و ما إذا كان الدواء قد أعد للاستعمال من الباطن أو الظاهر ? ؛ و يجب أن يكون لون البطاقة دالا على نوع الدواء ؛ فإذا كان لونها بيضاء يعني أن الدواء مخصص للاستعمال الداخلي ؛ أما إذا كان لونها حمراء معناه أن الدواء مخصص لاستعمال الخارجي ؛ ولابد أن تدون كلمة "سم" على البطاقة إذا كان الدواء ساما ؛ و يجب تثبيت البطاقة بشكل لا يسهل معه نزعها .
6 . يجب على الصيدلي أن يسلم للمريض دواء مركب صالح للاستعمال ؛ كما يجب عليه أن يوضح له طريقة استعماله على النحو السابق ذكره فيما يخص التزامات الصيدلي عند بيع الدواء .
ثالثـا: إفشـاء الأسـرار المهنيـة
إن أصحاب المهن من بينهم الصيادلة يصل إلى علمهم من خلال عملهم اليومي معلومات خاصة بزبائنهم تعد بمثابة أسرار مهنية يلزمون بالمحافظة عليها .
و الالتزام بالمحافظة على السر المهني يعد التزاما أخلاقيا و مهنيا في نفس الوقت ؛ و قد نصت عليه المادة 113 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جاء فيها :" يلزم كل صيدلي بالحفاظ على السر المهني إلا في الحالات المخالفة المنصوص عليها في القانون " ؛ و كذا المادة 206 من القانون المتعلق بالصحة و ترقيتها التي جاء فيها :" يجب على الأطباء و جراحي الأسنان و الصيادلة أن يلتزموا بالسر المهني ، إلا إذا حررتهم من ذلك صراحة الأحكام القانونية "، و أساس التزام الصيدلي بعدم إفشاء الأسرار يكمن في العلاقة القائمة بينه و بين المريض و المؤسسة على الثقة و الاحترام المتبادل ، فالمريض ينتظر من الصيدلي أن يقدم له خبرته الفنية و أن يمنحه حرصه باحترام ما يصل إليه من أسرار ، فثقـة المريـض بالصيادلـة تعـد ...عاملا مهما في العلاج ، فإذا ما اهتزت هذه الثقة بتصرف خاطئ من الصيدلي فإنه سيفقد الصورة المهنية التي كونها في المجتمع ، لهذا عند مخالفة الصيدلي لهذا الالتزام فإنه قد تقوم مسؤوليته المدنية و الجزائية في نفس الوقت .







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

إن مسؤولية الصيدلي المدنية عن إفشاء السر المهني سوف نتطرق إليها من خلال ثلاث جوانب ؛ بداية بتعريف السر المهني، بعدها نحدد صفة المؤتمن على السر و أخيرا نوضح كيف يتحقق فعل الافشاء كتالي : ü تعريف السر المهني ، لم يعرف المشرع الجزائري السر المهني كسائر المشرعين ؛ و قد تولى الفقه و القضاء تحديده ، و قد عرفه جانب من الفقه الفرنسي على أنه واقعة مقصور معرفتها على البعض و لا يمكن إذاعتها للعامة بحيث أن إفشاءها يؤدي إلى إلحاق الضرر بسمعة المريض أو كرامته ?؛بحيث أن كافة المعلومات التي تصل إلى علم الصيدلي تصلح لأن تكون سرا مهنيا سواء كانت وقائع مشينة أو غير مشينة، كما عرفه جانب من الفقه المصري بأنه كل أمر سري في عرف الناس أو اعتبار قائله ؛ أما سر المهنة الطبية فقد عرف على أنه كل ما يعرفه الطبيب أو الصيدلي أو القابلة بمناسبة ممارسة المهنة أو بسببها متى كان إفشاءه يحدث ضررا لشخص أو لعائلته ما لطبيعته أو لطبيعة الوقائع و الظروف التي أحاطت بالموضوع .
تجدر الإشارة أن هناك من يرى أنه حتى تعد الواقعة سرا لابد أن يعهد بها المريض للصيدلي أثناء معاملته معه ، لكن هذا غير صحيح لأن المستقر عليه عمليا أن كل ما يصل إلى علم المهنيين بما فيهم الصيادلة أثناء ممارستهم لمهنتهم أو بسببها يعد سرا مهنيا بحيث لا يقتصر الأمر على ما يعهد به المريض بل يتعداه إلى كافة ما يصل إلى علم الصيدلي من خلال عمله اليومي و تعامله مع الزبائن ، و في هذا الإطار جاء في أحكام القضاء الفرنسي أن هناك أسرار مودعة ضمنا لأن الواقعة بطبيعتها تعد سرا فليس ثمة داع لأن يعهد بها .
و قد جاء في أحكام القضاء المصري أنه لتحديد معنى السر لابد من الرجوع إلى الظروف المحيطة بكل واقعة على انفراد مع الأخذ بعين الاعتبار أعراف و عادات الناس فيما يخص عدم إفشاء معلومات تخص بعض الأمراض .
ü صفة من أوتمن على السر ، إن الصيدلي تصل إليه المعلومات الخاصة بالمريض و نوع المرض الذي يعاني منه عن طريق الوصفة الطبية ؛ و منه يعد أمين للسر ؛ و قد عرف هذا الأخير بأنه كل من يتصل عمله بالمهن الطبية بحكم الضرورة فيشمل الأطباء ، الجراحون ، الصيادلة و القابلات ‚ .
لقد اعتبر المشرع الجزائري الصيدلي أمين للسر ذلك بحكم المادة 206 من القانون المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها التي جاء فيها : " يجب على الأطباء و جراحي الأسنان و الصيادلة أن يلتزموا بالسر المهني ، إلا إذا حررتهم من ذلك صراحة الأحكام القانونية " ؛ و المادة 113 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جاء فيها :" يلزم كل صيدلي بالحفاظ على السر المهني إلا في الحالات المخالفة المنصوص عليها في القانون " ؛ بالإضافة للمادة 114 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جاء فيها :" يتعين على الصيدلي ضمانا لإحترام السر المهني أن يمتنع عن التطرق للمسائل المتعلقة بأمراض زبونه أمام الآخرين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 125 و126 .
‚ الدكتور عبد الحميد الشواربي. مسئولية الأطباء و الصيادلة و المستشفيات المدنية و الجنائية و التأديبية . منشأة المعارف . الإسكندرية. 2000 . الصفحة 132 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

و لا سيما في صيدليته و يجب عليه فضلا على ذلك أن يسهر على ضرورة احترام سرية العمل الصيدلي و أن يتجنب أي إشارة ضمن منشوراته قد تلحق الضرر بسر المهنة " .
و باعتبار الصيدلي أمين على السر المهني فإنه ملزم بعدم إفشائه إلا في الأحوال التي يسمح له القانون بذلك أي عند توافر سبب من أسباب الإباحة لسر المهني المتمثلة في التالي:
1 . أسباب إباحة مقررة للمصلحة الأشخاص ؛ كقيام الصيدلي بإفشاء سر مهني متعلق بمريضة أمام القضاء لدفاع عن نفسه كونه أتهم أنه قام بمساعدتها على الإجهاض .
2 . أسباب إباحة متعلقة بالصحة العامة ؛ كقيام الصيدلي بإبلاغ الجهات الصحية عن مرض معد أو إبلاغ المؤسسة التي يعمل بها المريض حتى لا ينتشر ذاك المرض في أوساط المجتمع هذا لا يعد إفشاء للسر المهني.
3 . أسباب إباحة تقتضيها حسن سير العدالة ؛ فالصيدلي الذي يدلي بشهادة أمام القضاء أو يقوم بالتبليغ عن جرائم معينة لا يعد مفشيا للسر المهني .
ü تحقق الإفشاء يكون بسماح الصيدلي للغير بالإطلاع على المعلومات التي تلقاها بحكم وظيفته ؛ بحيث تصبح تلك المعلومات علنية بعدما كانت خفية لا يعلمها إلا الصيدلي و المريض،و لا تهم الطريقة التي تم إطلاع الغير بها على السر سواء كانت بالكتابة كالنشر في الصحف و المجلات العلمية؛أو شفاهة أو بالإشارة،و لا يشترط أن يتم الإدلاء بالسر كاملا فقد يكون جزئيا ، كما لا يشترط أن يتم إفشاء السر لعدد معين من الأشخاص بل يكفي أن يعلم بالسر شخص واحد كأن يخبر الصيدلي زوجته بالسر حتى و إن حذرها بعدم كشفه لأي شخص، ولا تهم صفة متلقي السر إذ يستوي أن يكون من عامة الناس أو مهني مثله.
تجدر الملاحظة في الأخير أنه لا يشترط لقيام المسؤولية المدنية للصيدلي عن إفشاء السر المهني نية الإضرار كما هو الحال بالنسبة للمسؤولية الجزائية .
رابعــا : التزام الصيدلي بعدم ممارسة غير الشرعية لمهنة الطب
لا يجوز للصيدلي أن يمارس مهنة الطب بالموازاة مع مهنة الصيدلة ، فيمنع عليه تقديم تشخيص للأمراض إذا طلب منه ذلك هذا ما نصت عليه المادة 146 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جاء فيها : " يجب على الصيدلي أن يرد بحذر على ما يطلبه المرضى و مأمورهم لمعرفة طبيعة المرض المعالج و قيمة الوسائل الاستشفائية الموضوعة أو المطبقة " ؛ كما نصت المادة 147 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري على أنه : " يجب على الصيدلي أن يمتنع عن تقديم تشخيص أو تنبؤ بشأن المرض المدعو للمساعدة على علاجه ، و يجب أن يتفادى على الخصوص كل تعليق طبي على نتائج التحاليل التي يطلبها المرضى أو مأمورهم " ؛ بحيث يلزم الصيدلي في هذه الحالة بتوجيه الشخص الذي طلب منه تشخيص للطبيب من أجل المعالجة هذا ما نصت عليه المادة 143 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جـاء فيها : " يجب على الصيدلي أن يحث زبائنه على استشارة الطبيب إذا اقتضت الضرورة ذلك " .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

و يمنع على الصيدلي كذلك القيام بتعديل الوصفة الطبية إلا بعد استشارة الطبيب المعالج ؛ كما لا يجوز له إعطاء تعليق حول تحاليل طبية .
بالتالي يحظر على الصيدلي القيام بأي عمل طبي لأن مهنة الصيدلة تقتصر طبقا لنص المادة 115 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري على تحضير و تجهيز الأدوية ؛ لأنه حتى في الحالات التي سمح القانون للصيدلي ببيع الدواء دون وصفة طبية لا يجوز له القيام بدور الطبيب بتقديم علاج جراحي أو غير جراحي للمريض ؛ فقد حكمت محكمة السين الفرنسية بإدانة الصيدلي الذي قام بإجراء شق في أصبع سيدة ثم أعطاها محلول حامضي؛و منحها تعليمات عن كيفية تضميد إصبعها فنتج لها عن ذلك التهاب على مستوى ساعدها.
تجدر الإشارة أنه لا يعد من قبيل الممارسة غير الشرعية للطب قيام الصيدلي بإسعاف شخص في حالة الخطر ؛ بل يعد واجبا أخلاقي و مهني في نفس الوقت هذا ما نصت عليه المادة 107 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي جاء فيها : " يجب على الصيدلي مهما تكن وظيفته و اختصاصه أن لا يبخل في حدود معلوماته و باستثناء الحالات القاهرة بإسعاف مريض يواجه خطرا مباشرا إذا تعذر عليه تقديم العلاج الطبي لهذا المريض " .



















ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

الفـرع الثانــي : مسؤوليـة الصيدلـي المدنيـة عن الأخطـاء المهنيـة لمساعديـه

إن الصيدلي قد يستعين بمساعد أو مساعدين يعنونه في القيام بالأعمال اليومية في الصيدلية ؛ و هؤلاء المساعدين يعملون تحت إشراف الصيدلي و لابد أن يكونوا مؤهلين علميا للقيام بمهمة مساعد صيدلي أي مهنيين فقد نصت المادة 154 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري أنه : " يجب على الصيادلة أن يحرصوا على أن يكون الأشخاص الذين يساعدونهم في العمل من المتعلمين ، كما يجب أن يشترطوا عليهم سلوك يتماشى و قواعد المهنة و مع أحكام أخلاقيات المهنة " .
إن المساعدين عند قيامهم بعملهم الذي عهد إليهم من قبل الصيدلي سواء عند بيع الدواء إلى الجمهور أو تركيب الأدوية قد يرتكبون أخطاء تِِؤدي للإضرار بالمرضى ؛ فيكون الصيدلي المشرف على الصيدلية مسؤولا عن هذه الأخطاء ذلك في إطار المسؤولية عن فعل الغير التي بموجبها يكون الشخص ملزم بتعويض الشخص المضرور جراء خطأ لم يرتكبه شخصيا بل ارتكب من قبل شخص آخر هو مسؤول عنه .
و المسؤولية المدنية عن فعل الغير نوعان مسؤولية عقدية ؛ و مسؤولية تقصيرية ، وهذا ما سوف نتطرق إليه بالشرح من خلال العنصران التاليين :
أولا : مسؤوليـة الصيدلـي العقديـة عن الأخطـاء المهنيـة لمساعديـه
تعني المسؤولية العقدية عن فعل الغير؛مسؤولية المتعاقد عن فعل المساعدين الذين أوكل لهم مهمة تنفيذ العقد الذي أبرمه رغم أن هذا المتعاقد لم يبدر منه أي خطأ شخصي،فالصيدلي الذي يستعين بمساعد لتنفيذ التزامه العقدي يكون مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه مساعده للمريض جراء إخلاله بتنفيذ ذاك الالتزام ؛ إما بعدم تنفيذ الالتزام العقدي أو التأخر في تنفيذه أو بالتنفيذ الجزئي أو المعيب ؛ فيكون الصيدلي في هذه الحالة مجبر بدفع التعويض للمريض جبرا للضرر الذي أصابه رغم أنه لم يرتكب أي خطأ شخصي ؛ ذلك على أساس أن الصيدلي هو الذي يتولى الإدارة والإشراف على الصيدلية بحيث يكون مسؤولا على كل ما يحدث بها إذ لا يعفيه مساعدة أشخاص له في الصيدلية ، و يجب أن لا يكون الشخص الذي أخل بالتزام التعاقدي أجنبيا عن الصيدلي ؛ و إلا اعتبر إخلاله بالتزام من قبيل فعل الغير الذي يعد سببا من أسباب الإعفاء من المسؤولية .
يجدر بنا القول أن المسؤولية العقدية عن فعل الغير لم تنص عليها بعض التشريعات؛و هناك من نصت عليها صراحة،أما المشرع الجزائري لم يوردها في التقنين المدني الجزائري صراحة إلا أن هناك من الفقهاء يرى أن هناك مبدأ عام للمسؤولية عن فعل الغير العقدية نص عليه التقنين المدني الجزائري ذلك من خلال أخذ المادة 178 الفقرة الثانية بمفهوم المخالفة التي نصت:"...وكذلك يجوز الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب على عدم تنفيذ التزامه التعاقدي،إلا ما ينشأ عن غشه،أو عن خطأه الجسيم غير أنه يجوز للمدين أن يشترط إعفائه من المسؤولية الناجمة عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه"؛فهذه المادة تجيز للمدين أن يشترط عدم مسؤوليته عن الغش و الخطأ الجسيم الذي يقع من الأشخاص الذين يستخدمهم في تنفيذ التزامه و هذا دليل أن المدين يسأل تعاقديا عن أفعال مستخدميه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقها

و حتى تقوم مسؤولية الصيدلي العقدية عن أخطاء مساعديه لابد من توافر الشروط التالية :
ü الشرط الأول : وجود عقد صحيح بين الصيدلي و المريض ، فعندما لا يربط المريض بالصيدلي عقد تكون المسؤولية تقصيرية ، و إذا كان العقد الرابط بين الصيدلي و المريض باطل تكون المسؤولية تقصيريـة ؛ أي أنه لقيام مسؤولية الصيدلي العقدية عن خطأ مساعديه في تنفيذ التزامه التعاقدي لابد أن يكون العقد صحيح ؛ و يجب أن تتوافر العلاقة السببية بين خطأ المساعد و الضرر الذي أصاب المريض .
ü الشرط الثاني : أن يعهد الصيدلي إلى أحد مساعديه القيام ببعض الأعمال كتركيب الأدوية و صرف الوصفات الطبية ? ؛ أي يجب أن يكون الصيدلي قد عهد إلى مساعده القيام بتنفيذ الالتزام التعاقدي فإذا قام المساعد بذلك دون أن يستدعيه الصيدلي فإنه يمكن أن يعفى هذا الأخير من المسؤولية على أساس أن تدخل المساعد كان تلقائي بتالي يعد سببا أجنبيا و هو فعل الغير ، لكن يمكن مسائلة الصيدلي شخصيا إذا ثبت أنه كان بإمكان الصيدلي أن يمنع تدخل الغير من تنفيذ الالتزام التعاقدي كونه المشرف الأول على سير الصيدلية خاصة إذا كان هذا التدخل متوقع .
ü الشرط الثالث : ارتكاب أحد مساعدي الصيدلي الخطأ العقدي الموجب للمسؤولية ‚،إن كافة ما ذكرناه حول خطأ الصيدلي في المسؤولية المدنية العقدية للصيدلي ينطبق على مساعدي الصيدلي فالتزام هؤلاء هو تحقيق نتيجة لأن من واجبهم كذلك تقديم أدوية صالحة للاستعمال عند القيام بالمهام الموكولة إليهم مـن قبل الصيدلي ، و يشترط أن يرتكب مساعد الصيدلي الخطأ العقدي أثناء تنفيذ العقد أو بسبب تنفيذه لأنه في غير هذه الأحوال لا يكون الصيدلي مسؤولا بل يكون مساعد الصيدلي هو المسؤول .
و عند توافر كافة هذه الشروط تقوم مسؤولية الصيدلي العقدية عن أخطاء مساعديه ، فقد أقام القضاء الفرنسي مسؤولية الصيدلي عن أخطاء المساعدين في واقعة تمثلت بقيام أحد مساعدي الصيدلي بتركيب دواء حصل فيه خطأ بنسب العناصر الداخلة فيه فقضى بإلزام الصيدلي بالتعويض عن هذا الضرر بناءا على العقد الذي يربط بينه و بين المريض ƒ .
في الأخير نقول أنه يمكن للصيدلي أن يدفع المسؤولية عن نفسه متى أثبت انقطاع علاقة السببية ما بين خطأ مساعده و الضرر الذي أصاب المريض هذا عن طريق إثبات توافر السبب الأجنبي طبقا لما نصت عليه المادة 127 من التقنين المدني الجزائري .





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 144 .
‚ عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 145 .
ƒ عباس علي محمد الحسيني . المرجع السابق . الصفحة 141 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الأول : المسؤولية المدنية للصيدلي و مجال تطبيقه

ثانيـا : مسؤوليـة الصيدلـي التقصيريـة عن أخطـاء مساعديـه
في بعض الحالات لا يكون الصيدلي مرتبط بعقد مع المريض ، و يحصل أن يرتكب مساعده خطأ ينتج عنه ضرر للمريض ، فيكون الصيدلي مسؤولا مسؤولية تقصيرية عن أخطاء مساعديه ؛ بحيث يكون ملزم بتعويض الضرر الذي حصل للمريض ؛ هذا ما جاء في التقنين المدني الجزائري تحت تسمية مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه المنصوص عليها في المادة 136 التي جاء فيها : " يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بفعله الضار متى كان واقعا منه في حالة تأدية وظيفته أو بسببها أو بمناسبتها .
و تتحقق علاقة التبعية و لو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه متى كان هذا الأخير يعمل لحساب المتبوع "،و لقيام مسؤولية الصيدلي كمتبوع عن أعمال تابعيه ـ مساعديه ـ لابد من توافر الشروط التالية :
ü الشرط الأول : لابد من قيام علاقة التبعية مابين الصيدلي و المساعد ؛ التي تتحقق متى كان للصيدلي سلطة الرقابة و التوجيه على مساعديه بحيث يكون هؤلاء خاضعين لأوامر الصيدلي التي تتعلق بالعمل في الصيدلية الذي يجب أن يكون متوافقا مع قوانين المهنة و أصولها
وعلاقة التبعية تقوم بوجود عقد عمل ما بين الصيدلي و مساعده ؛ كما تقوم في حالة عدم وجود العقد أو بطلانه كقيام الصيدلي باستخدام مساعد غير مرخص له بمزاولة مهنة الصيدلة أو قبل تحصله على الشهادة المطلوبة قانونا ، سواء كان مأجور أو غير مأجور ؛ فالمهم وجود السلطة الفعلية .
إن علاقة التبعية لابد أن تكون قائمة وقت حصول الضرر ؛ لأنه في حالة انعدامها بعد وقوع الضرر تنفي قيام المسؤولية .
ü الشرط الثاني : لابد أن يصيب مساعد الصيدلي الغير بضرر ؛ أي أن يرتكب التابع ( مساعد الصيدلي ) فعل ضار يكون مسؤولا عنه شخصيا حتى تقوم مسؤولية المتبوع ( الصيدلي ) ؛ لأن مسؤولية هذا الأخير مسؤولية تبعية و المسؤول الأصلي هو التابع ؛ لذلك يجب أن تتوافر أركان المسؤولية الشخصية من خطأ ، ضرر و العلاقة السببية في مسؤولية التابع كأن يخطأ مساعد الصيدلي في تركيب دواء معين أو صرف وصفة طبية فيؤدي ذلك لوفاة مريض بسبب استعماله ذاك الدواء .
ü الشرط الثالث : لابد أن يرتكب مساعد الصيدلي الفعل الضار حال تأديته وظيفته أو بسببها أو بمناسبتها ،
فالفعل الضار الذي يرتكبه مساعد الصيدلي أثناء تأديته لوظيفته يحصل أثناء قيامه بعمل من أعمال وظيفته اليومية ؛ و يستوي الأمر أن يكون ذلك بناء على أوامر الصيدلي أو دونها ؛ كما لا يهم إن كان بعلم الصيدلي أو دونه كأن يسلم مساعد الصيدلي للمريض دواء مخالف لما هو مدون في الوصفة الطبية أو يحضر دواء سام دون وصفة طبية أو يسلم مادة مخدرة و يسجلها بالسجل الخاص بها دون معارضة من الصيدلي ، أما الخطأ الذي يرتكبه بسبب الوظيفة أو بمناسبتها يتمثل في كل خطأ لا يقع أثناء قيامه بعمله إنما في الحالات التي لولا عمله بالصيدلية لما قام بذلك الخطأ .
تجدر الإشارة أن الخطأ الذي يرتكبه مساعد الصيدلي و ليس له علاقة بوظيفته بحيث لا يرتبط بها ارتباطا مباشرا لا تقوم معه مسؤولية الصيدلي بل تقوم مسؤولية المساعد بصفة شخصية لأن الخطأ وقع خارج زمان ، مكان و نطاق عمله بالصيدلية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

المبحــث الثانـي : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

إن الأخطاء التي يرتكبها الصيدلي أثناء مزاولته لمهنته قد ترتب إلى جانب قيام مسؤوليته المدنية مسؤوليته الجنائية، هذه الأخيرة قد تتعلق بالجرائم التي يرتكبها الصيدلي شخصيا أو المرتكبة من طرف مساعديه ، و لتحقق أي منهما لابد من توافر شروط قانونية سوف نتطرق لها في المطلب الأول من هذا المبحث ، بعدها نتناول في مطلب ثاني بعض الجرائم التي ترتكب من قبل الصيدلي أثناء ممارسته لمهنته .

المطلــب الأول : شروط قيام المسؤولية الجنائية للصيدلي

إن القانون الجنائي يوجب في القواعد العامة توافر شروط لقيام مسؤولية الصيدلي الجنائية عن أخطائه الشخصية هذا ما سوف نتطرق إليه في الفرع الأول من هذا المطلب ، أما الفرع الثاني فقد خصصناه لشرح الشروط المطلوبة لقيام مسؤولية الصيدلي الجنائية عن أخطاء مساعديه.

الفـرع الأول : شروط قيام المسؤولية الجنائية للصيدلي عن أخطائه الشخصية

يتطلب القانون الجنائي لقيام المسؤولية الجزائية للصيدلي أن يكون الفعل الذي ارتكبه الصيدلي يعد جريمة ، و أن تتوافر أركان المسؤولية الجزائية في الصيدلي ، هذا ما خصصنا له العنصران التاليان :
أولا : قيام الجريمة
لم يعرف المشرع الجزائري الجريمة في قانون العقوبات وتولى الفقه تعريفها ، أنها كل عمل أو امتناع يعاقب عليه القانون بعقوبة جزائية ? ، و قيامها يتطلب توافـر ثلاث أركان هي :
1 . الركـن الشرعـي :
الأصل في الأفعال الإباحة؛ حيث يكون الأشخاص أحرار في تصرفاتهم شرط عدم الإضرار بالغير ، إلا أن المشرع يتدخل في بعض الحالات بنصوص قانونية قصد تجريم بعض الأفعال تحت طائلة الجزاء ، و النص التجريمي هو الذي يصطلح عليه بالركن الشرعي في الجريمة الذي دونه لا يكون لها وجود طبقا لمبدأ الشرعية المكرس في الدستور الجزائري بموجب المادة 47،وكذا بموجب المادة 01 من قانون العقوبات الجزائري التي تنص أنه:" لا جريمة و لا عقوبة أو تدبير أمن بغير قانون "‚،والنصوص القانونية التجريمية لا تقتصر على النصوص التشريعية بل تشمل إلى جانب ذلك النصوص التنظيمية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? الدكتور أحسن بوسقيعة .الوجيز في القانون الجزائي العام .الطبعة الرابعة. دار هومه . 2006 . الصفحة 21 .
‚ المادة01 من الأمر 66 - 156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق ل 8 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي
2 . الركـن المـادي :
إن قانون العقوبات لا يقيم الجزاء على ما يختلج في نفس الإنسان من أفكار و نوايا سيئة ، بل يعاقب على الأفعال المجرمة التي تأخذ مظهر خارجي حتى عند عدم تتحقق النتيجة الإجرامية ؛ هذا ما يصطلح عليه بالركن المادي للجريمة الذي لابد أن توافر فيه ثلاث عناصر هي على التوالي :
ü السلوك الإجرامي : هو كل سلوك خارجي واع و موجه يقوم به الإنسان بغرض إحداث تغيير في العالم الخارجي ... مكونا ماديات الجريمة ? ، التي يجرمها و يعاقب عليها القانون ، و هذا السلوك يجب أن يؤدي إما بالمساس بالحقوق و المصالح المحمية قانونا ؛ أو تعريضها للخطر سواء بقصد أو دونه ؛ سواء كان السلوك ايجابي أو سلبي .
ü النتيجة الإجرامية :هي الأثر السلبي أو الإيجابي الذي ينتج على السلوك الإجرامي،و للنتيجة الإجرامية مفهومين ؛ الأول مادي يتمثل في الأثر المادي للجريمة في العالم الخارجي،الثاني قانوني يتمثل في المساس بالحقوق و المصالح المحمية قانونا أو تعريضها للخطر، هذا ما أدى إلى ظهور جرائم الخطر و جرائم الضرر.
ü العلاقة السببية : هي الرابطة مابين الفعل الإجرامي و النتيجة الإجرامية ، و انتفاء هذه العلاقة يؤدي إلى عدم قيام الجريمة لأنها مناط الركن المادي ، و قد يحصل أن تتداخل عدة أسباب لإحداث النتيجـة الإجراميـة؛ هنا لابد من تحديد السبب الذي أنتجها حتى ينسب الفعل للجاني الذي ارتكب الجريمة ؛ لذا ظهرت عدة نظريات تضمنت الحديث عن ذلك منها نظرية تعادل الأسباب، نظرية السبب الفعال أو الأقوى ، نظرية السبب الملائم ، و قد تبنى المشرع الجزائري في قانون العقوبات نظرية السبب المنتج .
3 . الركـن المعنـوي :
حتى يكتمل قيام الجريمة يجب أن يرتكب الجاني الفعل المادي بإرادة أي يجب أن تتوافر لديه نية داخلية لارتكاب الجريمة هذا ما يصطلح عليه بالركن المعنوي في الجريمة الذي يتفرع إلى صورتين الخطأ العمد أو القصد الجنائي ، و الخطأ غير العمدي أي الإهمال و عدم الاحتياط .
ü القصد الجنائي : هو الركن المعنوي للجرائم العمدية ؛ الجنايات و أغلب الجنح و بعض المخالفات ، المشرع لم يعرفه ؛ بل تولى الفقه ذلك حيث عرفه البعض على أنه علم الجاني بتوافر عناصر الجريمة و اتجاه إرادته لارتكابها و إرادة النتيجة التي يعاقب عليها القانون ‚ ، و لقيام القصد الجنائي لابد إذا من اجتماع عنصر العلم أي علم الجاني أن الفعل الذي يقدم عليه مجرم قانونا بجميع وقائعه و ظروفه ؛ لأن عدم علم الجاني بالقانون لا يعد نافيا للعلم فلا عذر بجهل القانون ، مع عنصر الإرادة أي اتجاه رغبة الجاني لارتكاب الجرم و إحداث نتيجته ، و القصد الجنائي يتنوع إلى قصد جنائي عام و خاص ، محدد و غير محدد ، بسيط و مشدد ، مباشر و غير مباشر .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? الدكتور عبد الله أوهايبية. شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام . مطبعة الكاهنة . 2003 . الصفحة 174 .
‚ د.عبد الله أوهايبية . المرجع السابق . الصفحة 263 و الصفحة 264 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

ü الخطأ غير العمدي : هو الركن المعنوي في الجرائم الغير العمدية ، لم يعرفه المشرع بل تولى الفقه ذلك حيث عرفه البعض على أنه كل فعل أو ترك إرادي تترتب عليه نتائج لم يردها الفاعل مباشرة و لا بطريق غير مباشر و لكنه كان في وسعه تجنبها ، كما عرف أنه ذلك المسلك الذي كان ليسلكه الرجل العادي لو كان في مكان الفاعل ? ، فعندما يكون الخطأ غير عمدي فإن الجاني يكون قد ارتكب الفعل المادي للجريمة دون أن يكون قاصدا إحداث النتيجة الإجرامية ، و لقيامه يجب أن يجتمع عنصر الإخلال بواجب الحيطة و الحذر هذا الواجب الذي يجد مصدره في كافة القوانين ؛ مع عنصر العلاقة النفسية ما بين إرادة الجاني و النتيجة الإجرامية لأنه لا يعاقب على الفعل في حد ذاته إلا إذا أدى إلى نتيجة إجرامية بحيث أن تحقق الخطأ غير العمدي يتوقف على تجريم نتيجة معينة أدى إليها الفعل الإرادي للجاني .
إن المعيار المعتمد لتقدير مدى توافر الخطأ هو سلوك رب الأسرة المعني بشؤونه الذي يقارن به سلوك الجاني عندما يكون في نفس الظروف ، فالصيدلي الذي يرتكب خطأ يقارن بسلوك الصيدلي من فئته المتوسط القدرة أو الحذر الذي تكون له نفس الظروف المكانية والزمانية .
لقد ميز الفقه بين نوعين من الخطأ ،الأول خطأ عدم الاحتياط المتمثلة صوره في الرعونة ، عدم الاحتياط ، عدم الانتباه ، الإهمال و عدم مراعاة الأنظمة ، هذه الصور نص عليها المشرع الجزائري في قانون العقوبات ، الثاني خطأ المخالفة الذي يتحقق بمجرد مخالفة موجب تضمنه القانون أو التنظيم .
ـ مسألة التفرقة بين الخطأ المادي و الخطأ الفني بالنسبة للصيدلي :
الخطأ المادي هو الإخلال بقواعد الحيطة و الحذر التي يلتزم بها الناس كافة و منهم رجال الفن في مهنهم ـ كالصيدلي ـ باعتبارهم يلتزمون بهذه الواجبات العامة قبل أن يلتزموا بالقواعد العلمية أو الفنية ‚ ،
أما الخطأ المهني فهو انحراف من ينتمي إلى مهنة معينة عن الأصول التي تحكم هذه المهنة و تقيد أهلها عند ممارستهم لها فهو إخلال بواجب خاص مفروض على فئة محدودة ينتسبون إلى مهنة معينة ƒ كالصيادلة .
لقد رأى جانب من الفقه أنه لا يجوز مسائلة أرباب المهن و من بينهم الصيادلة على أخطائهم الفنية ؛ مبررين وجهة نظرهم بأن مسائلتهم سوف تعرقلهم عن القيام بمهنهم التي تكتسي أعمالها طابع فني و علمي يحتاج للبحث الدائم هذا من جهة ، من جهة أخرى أن الشهادات الدراسية التي يحملونها تعد الضمانة على كون عملهم يتميز بالصحة ، إلا أن غالبية الفقه لم يذهب في هذا الاتجاه بل يرى أنه لابد من مسائلة أرباب المهن بما فيهم الصيادلة عن أخطائهم المادية و الفنية دون تفرقة ؛ لأن تحقيق الحماية للمجتمع من الأخطاء التي يرتكبها رجال المهن أسمى من كل تبرير آخر ؛ خاصة أن مهنة الصيدلة الخطأ فيها قد يمس بحياة أو سلامة جسم الأفراد .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? منير رياض حنا. المرجع السابق . الصفحة 24 .
‚ منير رياض حنا. المرجع السابق . الصفحة 41 .
ƒ منير رياض حنا. المرجع السابق . الصفحة 44 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

ثانيـا : تحقق أركان المسؤولية الجزائية
لا يكفي أن يوصف الفعل الذي يرتكب من قبل الصيدلي على أنه جريمة معاقب عليها قانونا حتى تتم مساءلته جزائيا ، بل لابد أن يتم إثبات توافر أركان المسؤولية الجزائية بالنسبة له من قبل القاضي ؛ أي على هذا الأخير إثبات أن الصيدلي يستطيع تحمل نتائج سلوكه الإجرامي ، ذلك بتوافر ركنين و هما :
ü الخطأ أي إذناب الصيدلي بارتكابه للجرم الذي هو محل مسائلة بقصد أو دونه كما سبق شرحه أعلاه في الركن المعنوي للجريمة .
ü الإرادة التي يمكن عن طريقها إسناد الفعل المجرم للصيدلي ،و مناط الإرادة هي الأهلية الجزائية بحيث أن أي شخص لا يكون مسؤولا جزائيا ما لم يتمتع بالإدراك و الفهم لتصرفاته و النتائج المترتبة عنها ، فيجب أن لا يكون الجاني صغير السن أو مجنونا لأن هاذين الأخيرين ينتفي لديهما التمييز و الإدراك ، أي لابد أن يكون الجاني متمتعا بالأهلية الجنائية ببلوغه سن الرشد الجزائي طبقا لما نصت عليه المادة 442 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري التـي جاء فيها : " يكون بلوغ سن الرشد الجزائي في تمام الثامنة عشر " ? ؛ دون أن يشوب الأهلية أي عارض من عوارضها ، بالإضافة إلى ذلك لابد أن يكون الجاني حرا مختارا عند إقدامه على ارتكاب السلوك المجرم أي ارتكب الجريمة دون إكراه مادي أو معنوي .
لكن يجدر القول أنه إذا توافر مانع من موانع المسؤولية الجزائية كالجنون أو الإكراه أو صغر السن فإن ذلك يؤثر على إرادة الجاني فتصبح دون أي قيمة قانونية فينتج عنها انتفاء المسؤولية الجزائية .

الفرع الثانــي : شروط قيام المسؤولية الجنائية للصيدلي عن أخطاء مساعديه

الأصل أن المسؤولية الجنائية تكون شخصية تلقى على مرتكب الجريمة أو شريكه فقط ، لكن ظهر اتجاه حديث للمسؤولية الجزائية تبنته بعض التشريعات و كرسه القضاء خاصة الفرنسي أقر بإمكانية قيام المسؤولية الجزائية عن فعل الغير ؛ التي تعد استثناءا عن الأصل المذكور .
إن المجال الحقيقي لهذه المسؤولية هو القطاع الصناعي بحيث تكون هذه المسؤولية في بعض الحالات غير مباشرة ؛ و في بعض الحالات تكون مسؤولية حقيقية إما بنص القانون الصريح أو من خلال توسع القضاء عند الأخذ بهذه المسؤولية .
لقد اختلف الفقه حول الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية ؛ فهناك اتجاه أول أسسها على الخطر المسلم به ؛ اتجاه ثان أقامها على الخطأ الشخصي لرئيس المؤسسة ، و اتجاه أخير يرى أن أساسها هو صفة رئيس المؤسسة كفاعل معنوي .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? المادة 442 من الأمر 66 – 155 المؤرخ في 18 صفر 1386 الموافق ل 8 يونيو سنة 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

تجدر الإشارة أن مسؤولية الصيدلي الجنائية عن أخطاء مساعديه تعد من قبيل المسؤولية الجزائية عن فعل الغير ، و هي غير منصوص عليها في القانون صراحة بل كرسها التطبيق القضائي الفرنسي ؛ فقد تابع و أدان القضاء الفرنسي صيدلي من أجل مخالفة التشريع الصيدلاني ارتكبها القائم بتحضير الدواء ? ، كما قضي كذلك في فرنسا بمسؤولية أحد الصيادلة جنائيا عن بيع دواء سام قام أحد عمال الصيدلية بتحضيره دون أن يقدم عنه المشتري تذكرة طبية (وصفة طبية) وذلك تأسيسا على أنه يجب على الصيادلة أن يباشروا بأنفسهم أداء مهنتهم ‚، و حتى تقوم مسؤولية الصيدلي الجنائية عن أخطاء مساعديه يجب توافر الشروط التالية :
1 . ارتكاب جريمة من قبل مساعد الصيدلي : يجب أن يرتكب مساعد الصيدلي جريمة حتى تقوم مسؤولية الصيدلي الجنائية عن هذه الجريمة ، و القضاء الفرنسي لا يأخذ بهذه المسؤولية إلا بالنسبة للمهن المنظمة كالصيدلة ؛ ثم إنه لا يقتصر فيها على الجرائم العمدية بل يقيمها حتى على الجرائم غير العمدية .
مع الإشارة إلى أن مسائلة الصيدلي لا تعني عدم متابعة مساعد الصيدلي ، بل يمكن مسائلتهما جزائيا في نفس الوقت ، لكن في بعض الحالات فإن مساعد الصيدلي لا يسأل جزائيا بل يقتصر الأمر على الصيدلي فقط .
2 . ارتكاب الصيدلي خطأ : لقيام مسؤولية الصيدلي الجنائية عن أخطاء مساعديه يجب أن يرتكب خطأ شخصي يتمثل في الإهمال يستشف من خلال مخالفة مساعده للأنظمة القانونية أو التنظيمية ، و يعد هذا الخطأ مفترض بحيث لا تكون النيابة العامة ملزمة بتقديم الدليل على ارتكاب الصيدلي لهذا الخطأ ، بل ذهبت محكمة النقض الفرنسية في بعض الحالات إلى القول بأن الأمر يتعلق بقرينة مطلقة لا تزول أمام إقامة الدليل على انعدام خطأ الحراسة و الرقابة و لا أمام إقامة الدليل على الإكراه و القوة القاهرةƒ ، فالصيدلي يسأل متى كان نشاط مساعده يحتاج إلى إشرافه؛ لأن الخطأ الذي يقع من مساعده نتيجة إهماله في توجيهه و رقابته„.
3 . عدم تفويض الصيدلي لصلاحياته : حتى تقوم المسؤولية الجنائية للصيدلي على أخطاء مساعديه لابد أن يكون هو القائم شخصيا بالإشراف و المراقبة للصيدلية ؛ و لا يفوض هذه الصلاحيات لأحد مستخدميه ليقوم بتسيير الصيدلية .





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? حكم أشار إليه د. أحسن بوسقيعة . المرجع السابق . الصفحة 195 .
‚ الدكتور طالب نور الشرع . مسئولية الصيدلاني الجنائية. الطبعة الأولى . دار وائل للنشر . 2008 . الصفحة 75 .
ƒ د.أحسن بوسقيعة . المرجع السابق . الصفحة 198 .
„ طالب نور الشرع. المرجع السابق.الصفحة 75 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

المطلب الثانـي : الجرائـم التـي ترتكـب مـن الصيدلـي أثنـاء مزاولتـه لمهنتـه

إن الصيدلي أثناء مزاولته لمهنته قد يرتكب جرائم ترتب مسؤوليته الجزائية ، البعض من هذه الجرائم أشار إليها قانون حماية الصحة و ترقيتها ؛ و تضمن قانون العقوبات الجزائري تحديد أركان قيامها و العقوبة المقررة نتعرض لها في الفرع الأول من هذا المطلب ، ثم إن بعض الجرائم الأخرى تم النص عليها في قوانين خاصة هذا ما خصصنا له الفرع الثاني من هذا المطلب .

الفـرع الأول : الجرائـم المنصـوص عليهـا فـي قانـون العقوبـات الجزائـري

هناك بعض الجرائم نص عليها قانون العقوبات الجزائري لها علاقة مباشرة بممارسة مهنة الصيدلة ، إذ يغلب ارتكابها من قبل الصيادلة أثناء ممارستهم لأعمال الصيدلة و هي : جريمة القتل و الجرح الخطأ ، جريمة الإجهاض ، و جريمة إفشاء السر المهني التي سوف نشرحها على التوالي .

أولا : جريمة القتل و الجرح الخطأ
قد يرتكب الصيدلي خطأ يؤدي للوفاة أو المساس بالسلامة الجسدية للمريض ، هناك نكون في إطار أعمال العنف غير العمد المتمثلة في جريمة القتل أو الجرح الخطأ التي سوف نتطرق إليها عبر العناصر التالية :
1 . النصوص القانونية المجرمة :
ü المادة 288 من قانون العقوبات الجزائري نصت : " كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاة الأنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج "
ü المادة 289 من قانون العقوبات الجزائري نصت : " إذا نتج عن الرعونة أو عن عدم الاحتياط إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تجاوز ثلاثة أشهر فيعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين " .
ü المادة 442 من قانون العقوبات الجزائري نصت في فقرتها الثانية : " يعاقب بالحبس من عشرة أيام على الأقل إلى شهرين على الأكثر و بغرامة من 8.000 إلى 16.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط :
كل من تسبب بغير قصد في إحداث جروح أو إصابة أو مرض لا يترتب عليه عجز كلي عن العمل يجاوز ثلاثة ( 3 ) أشهر وكان ذلك ناشئا عن رعونة أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاة النظم " .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

تجدر الإشارة أن المادة 239 من قانون حماية الصحة و ترقيتها ? نصت على أن الصيدلي يتابع طبقا لأحكام المادتين 288 و 289 من قانون العقوبات عن كل خطأ مهني خلال ممارسته مهامه أو بمناسبتها يؤدي إلى المساس بحياة أو السلامة الجسدية لأحد الأشخاص .
2 . الركن المادي : يتمثل في القتل أو الإيذاء ،فالقتل هو كل نشاط يقوم به الجاني يسلب به حياة غيره ، أما الإيذاء قد يكون إصابة أو مرض أو جرح هذا الأخيـر يتمثل في كل قطع أو تمزيق في الجسم أو في أنسجته ? بحيث يترك أثرا في الجسم تكون رضوض ، قطوع ، تمزق ، عض ، كسر ، أو حروق مهما كانت الوسيلة المستعملة ، سواء كانت الجروح باطنية أو ظاهرية .
3 . الركن المعنوي : يتمثـل فـي الخطـأ الـذي لـم يعرفـه المشـرع لكن اكتفى بذكر صوره و هي :
ü الرعونة : تكون باتخاذ الجاني سلوك ايجابي عند إقدامه على الفعل غير المشروع ، و عرفت على أنها سوء التقدير و انعدام المهارة الناتج عن عدم الحيطة ‚ .
ü عدم الاحتياط : يتخذ فيه الجاني سلوك ايجابي ، و يقصد به تجاهل قواعد الحيطة و التبصر أو عدم تدبر العواقب ƒ .
ü الإهمال : يتخذ الجاني في هذه الحالة موقفا سلبيا ، بحيث يمتنع عن القيام بما هو من واجبه ، و عدم أخذ الاحتياطات الضرورية التي تمنع وقوع الجريمة ، و عرف الإهمال على أنه الحالة التي ينتج فيها الخطأ عن ترك أو امتناع إذ يغفل الفاعل عن اتخاذ احتياط يوجبه الحذر و لو اتخذه لما وقعت النتيجة الضارة„ .
ü عدم الانتباه : هنا كذلك يتخذ الجاني موقف سلبي ؛ بحيث يطبع الجاني عند قيامه بأعماله بالخفة و عدم التركيز .
ü عدم مراعاة الأنظمة : تتحقق هذه الصورة عند عدم مراعاة الجاني في سلوكه لكل القوانين ، المراسيم ، القرارات ، اللوائح ، التعليمات و حتى قواعد المهنة كمهنة الصيدلة المنصوص عليها في مدونة أخلاقيات الطب الجزائري ، و كذا في قانون الصحة و ترقيتها .






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? الدكتور أحسن بوسقيعة . الوجيز في القانون الجزائي الخاص (الجرائم ضد الأشخاص و الجرائم ضد الأموال ) . الطبعة السادسة. دار هومه ، الجزائر . 2007 . الصفحة 51 .
‚ د.أحسن بوسقيعة . الوجيز في القانون الجزائي الخاص . المرجع السابق . الصفحة 75 .
ƒ د.أحسن بوسقيعة . الوجيز في القانون الجزائي الخاص . المرجع السابق . الصفحة 75 .
„ د.أحسن بوسقيعة . الوجيز في القانون الجزائي الخاص . المرجع السابق . الصفحة 76 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

4 . العلاقة السببية بين الخطأ و القتل أو الإيذاء : لابد أن يكون القتل أو الإيذاء قد نتج عن خطأ الجاني حتى تقوم الجريمة ؛وهذا حتى في حالة مساهمة الضحية بخطئها في إحداث النتيجة ، أما في حالة عدم توافر رابطة السببية فلا تقوم المسؤولية الجزائية .
5 . الجزاء المقرر للجريمة : تطبق على هذه الجريمة العقوبات الأصلية التالية :
ü يكون الفعل مخالفة إذا نتج عن الفعل إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى عجز كلى عن العمل لمدة لا تتجاوز 3 أشهر و تكون العقوبة الحبس من عشرة أيام على الأقل إلى شهرين على الأكثر و بغرامة من 8.000 إلى 16.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين طبقا لنص المادة 422 من قانون العقوبات الجزائري .
ü يكون الفعل جنحة إذا نتج عن الفعل إصابة أو جرح أو مرض أدى إلى عجز كلى عن العمل لمدة تتجاوز 3 أشهر و تكون العقوبة الحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين طبقا لنص المادة 289 من قانون العقوبات الجزائري .
ü يكون الفعل جنحة إذا نتج عن الفعل وفاة و تكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج طبقا لنص المادة 288 من ق ع ج .
6 . بعـض التطبيقـات القضائيـة لجريمــة القتــل و الجــرح الخطــأ بالنسبــة للصيدلـي :
فمن التطبيقات القضائية المصرية قرار صادر عن محكمة النقض المصرية متعلق بجريمة القتل الخطأ في صورة الإهمال جاءت حيثياته كالآتي :" إذا كان الحكم الصادر بإدانة المتهم الأول ( الصيدلي ) فيما قاله أنه حضر محلول " البونتوكايين " كمخدر موضعي بنسبة 1 % و هي تزيد عن النسبة المسموح بها طبيا و هـي 1/800 و من أنه طلب إليه تحضير " نوفوكايين " بنسبة 1 % فكان يجب عليه أن يحضر" البونتوكايين " بما يوازي هذه النسبة و هي 1/1000 أو 1/800 و لا يعفيه قوله أن رئيسه طلب منه تحضيره بنسبة 1 % طالما أنه ثبت من مناقشة هذا الرئيس في التلفون أنه لا يدري شيئا عن كنة هذا المخدر و مدى سميته ، هذا إلى جانب أنه موظف مختص بتحضير الأدوية و منها المخدر ، و مسئول عن كل خطأ يصدر منه ، و من أنه لجأ في الاستفسار عن نسبة تحضير هذا المخدر إلى زميل له قد يخطئ أو يصيب ، و كان لازم عليه أن يتصل بذوي الشأن في المصلحة التي يتبعها أو الاستعانة في ذلك بالرجوع إلى الكتب الفنية الموثـوق بـها " كالفارماكوبيا" و من إقراره صراحة بأنه ما كان يعرف شيئا عن المخدر قبل تحضيره فكان حسن يقتضيه أن يتأكد من النسب الصحيحة التي يحضر بها ، فلا ينساق وراء نصيحة زميل له ، ومن أنه لم ينبه المتهم الثاني و غيره من الأطباء ممن قد يستعملون هذا المحلول بأنه استعاض عن " النوفوكايين " – فإن ما أثبته الحكم من أخطاء وقع فيها المتهم يكفي لحمل مسؤوليته جنائيا و مدنيا " . ( نقض 27 – 01 – 1959 ) ? .
و هناك قرار آخر صادر عن القضاء المصري يخص الجروح الخطأ المرتكب من قبل الصيدلي تتمثل حيثياته في الآتي : " متى كانت جريمتا إحداث الجرح البسيط و مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص قد وقعتـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? ورد هذا الحكم في كتاب إبراهيم سيد أحمد . الوجيز في مسئولية الطبيب و الصيدلي فقها و قضاءا. الطبعة الأولى . المكتب الجامعي الحديث . 2003 . الصفحة 48 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

بفعل واحد – و هو إجراء عملية الحقن – و إن تعددت أوصافه القانونية – فإن ذلك يقتضي اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد و الحكم بعقوبتها طبقا للفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات و هي عقوبة إحداث الجرح " . ( طعن مؤرخ في 25 – 06 – 1957 ) ? .
و من التطبيقات القضائية الفرنسية أنه حكم بمسؤولية الصيدلي عن القتل الخطأ لأنه أعطى شخصا من قبيل الغلط سائلا كاويا و حارقا فلما تعاطاه أصيب بالتهاب و ورم سريع و خطير في فمه امتد إلى القصبة الهوائية فاقتضى أن يجري على الفور عملية جراحية لفتح القصبة و قد أدت هذه العملية إلى تقيح صديدي في الأنسجة الداخلية لرقبة أفضى إلى الوفاة ‚ .
ثانيا : جريمة الإجهاض
إن الصيدلي بحكم أنه من المهنيين في المجال الطبي ؛ فإنه قد يلجأ إليه من أجل إجهاض امرأة حامل ؛ فيقدم على ذلك الفعل المعاقب عليه قانونا ؛ و سوف ندرس جريمة الإجهاض من خلال العناصر التالية :
1 . النصوص القانونية المجرمة :
ü المادة 304 من قانون العقوبات الجزائري تنص : " كل من أجهض امرأة حاملا أو مفترض حملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أم لم توافق أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج .
و إذا أفضى الإجهاض إلى الموت فتكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة
و في جميع الحالات يجوز الحكم علاوة على ذلك بالمنع من الإقامة " .
ü المادة 306 من قانون العقوبات الجزائري تنص : " الأطباء أو القابلات أو جراحو الأسنان أو الصيادلة و كذلك طلبة الطب أو طب الأسنان و طلبة الصيدلة و مستخدمو الصيدليات و محضرو العقاقير و صانعوا الأربطة الطبية و تجار الأدوات الجراحية و الممرضون و الممرضات و المدلكون و المدلكات الذين يرشدون عن طرق إحداث الإجهاض أو يسهلونه أو يقومون به تطبق عليهم العقوبات المنصوص عليها في المادتين 304 و 305 على حسب الأحوال .
و يجوز الحكم على الجناة بالحرمان من ممارسة المهنة المنصوص عليها في المادة 23 فضلا عن جواز الحكم عليهم بالمنع من الإقامة " .
ü المادة 305 من قانون العقوبات الجزائري تنص : " إذا ثبت أن الجاني يمارس عادة الأفعال المشار إليها في المادة 304 فتضاعف عقوبة الحبس في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى و ترفع عقوبة السجن المؤقت إلى الحد الأقصى ".


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? إبراهيم سيد أحمد . المرجع السابق . الصفحة 85 .
‚ منير رياض حنا . المرجع السابق . الصفحة 65 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

2 . الركن المادي لجريمة الإجهاض في صورة إجهاض المرأة من قبل الغير ( الصيدلي ) : يتحقق الركن المادي بتوافر عنصرين ، فالعنصر الأول هو النتيجة المتمثلة في موت الجنين أو خروجه من الرحم قبل الموعد الطبيعي للولادة سواء في بداية الحمل أو في نهايته ، إذ تقوم الجريمة حتى و إن خرج الطفل حيا أو قابلا للحياة ، كما يتوسع نطاق الجريمة ليشمل المرأة الحامل أو المفترض حملها ، و الحمل هو اندماج الخليتين المذكرة و المؤنثة لتكوين جنين لغاية الولادة الطبيعية ، و إذا لم تتحقق النتيجة يعد الفعل شروعا و هو معاقب عليه ، أما العنصر الثاني فهو الوسيلة المستعملة ففعل الإسقاط قد يحصل من قبل الجاني عن طريق إعطاءه للمرأة الحامل أو المفترض حملها مأكولات ،أو مشروبات ،أو بتناولها أو حقنها بأدوية ، كما قد يكون باستعمال آلة ميكانيكية أو أية وسيلة أخرى ؛ فلا أهمية لنوع الوسيلة فالأهم أن ينتج عن هذه الأخيرة إسقاط الحمل ؛ لأنه عندما تكون الوسيلة غير ناجعة أو غير كافية لإسقاط الحمل فإن الفعل يعد شروعا لأن مرد عدم صلاحية الوسيلة يعود لظروف خارجة عن إرادة الجاني .
يجدر بنا القول أن المشرع في شأن الصيادلة ،طلبة الصيدلة و مستخدمو الصيدليات قد تشدد، لأنه بالإضافة إلى ذكره في المادة 306 من قانون العقوبات لممارسة هؤلاء للإجهاض اعتبر أن مجرد تسهيلهم أو إرشادهم لكيفية الإسقاط كاف لقيام الجرم ؛ هذا كونهم لا يعدون أناس عاديون بل باعتبارهم مهنيون طبيون عارفين بخبايا الطب في مجال الإجهاض .
مع الملاحظة أنه يجب أن تتوافر العلاقة السببية ما بين النتيجة و الوسيلة المستعملة للإجهاض لأنه في حالة انتفاءها لا تقوم الجريمة .
3 . الركن المعنوي : إن جريمة الإجهاض من الجرائم العمدية يتطلب قيامها توافر القصد الجنائي بعنصريـه ؛ علم الجاني بأن المرأة التي أقدم على إجهاضها حامل أو مفترض حملها ؛ و قيامه بالفعل بإرادة حرة مختارة ، كما يجب أن يكون الجاني قاصدا إحداث الإجهاض ؛ لأنه إذا لم يكن يقصد ذلك لا تقوم جريمة الإجهاض .
4 . الجزاء المقرر للجريمة : لقد خصص المشرع لهذه الجريمة عقوبات أصلية جاءت في المادة 304 من قانون العقوبات الجزائري إذ يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج كل من أجهض امرأة أو شرع في ذلك ، كما نصت المادة 305 من قانون العقوبات الجزائري على تشديد هذه العقوبة فيما يخص الحبس في حالة الاعتياد على ممارسة الإجهاض أو المساعدة عليه بحيث تكون العقوبة الحبس من سنتين إلى عشر سنوات ، و إذا أدى الإجهاض إلى الوفاة فإنه طبقا لفقرة الثانية من المادة 304 من قانون العقوبات الجزائري تكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة ؛ كما نصت المادة 305 من قانون العقوبات على تشديد هذه العقوبة الأخيرة في حالة الاعتياد على ممارسة الإجهاض أو المساعدة عليه حيث ترفع عقوبة السجن المؤقت إلى حدها الأقصى عشرين سنة .
و قد نصت المادة 306 من قانون العقوبات الجزائري أن العقوبات المنصوص عليها في المواد 304 و 305 من قانون العقوبات الجزائري تطبق على الصيادلة ، طلبة الصيدلة و مستخدمي الصيدليات حال ارتكابهم جريمة الإجهاض .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

أما العقوبات التكميلية التي يمكن أن تطبق على المحكوم عليه في جريمة الإجهاض تتمثل في التالـي :
ü المنع من الإقامة المنصوص عليها في المادة 304 من قانون العقوبات الجزائري ؛ و هي جوازية تطبق وفقا لما تضمنته المادة 12 من قانون العقوبات الجزائري .
ü المنع من ممارسة أي مهنة أو أداء أي عمل في مؤسسات التوليد أو أمراض النساء المنصوص عليها في المادة 311 من قانون العقوبات الجزائري ؛ و هي إلزامية تطبق وفق الكيفيات المحددة في نص المادة 16 مكرر من قانون العقوبات .
بالإضافة إلى هاتين العقوبتين التكميليتين نصت الفقرة الثانية من المادة 306 من قانون العقوبات الجزائري أنه بشأن الصيادلة ، طلبة الصيدلة و مستخدمي الصيدليات يمكن أن تطبق عليهم عقوبة الحرمان من ممارسة المهنة المنصوص عليها في المادة 23 من قانون العقوبات الجزائري التي تعد من تدابير الأمن الملغاة بموجب القانون 06 – 23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 المعدل و المتمم لقانون العقوبات ؛ و رغم هذا التعديل إلا أن المادة 306 في فقرتها الثانية ظلت تنص على هذه العقوبة التي ألغيت .
و تجدر الإشارة أن المادة 313 من قانون العقوبات الجزائري نصت على أنه في حالة مخالفة حكم القاضي المتعلق بالمنع المنصوص عليه في المادة 311 من قانون العقوبات الجزائري يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين و بغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين ، و قد نصت على هذا الحكم كذلك المادة 262 من القانون 85 – 05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها .
ثالثـا : جريمـة إفشـاء السـر المهنـي
قد يقوم الصيدلي بإفشاء سر مهني يتعلق بأحد المرضى الذين يتعامل معهم ؛ فيكون بذلك مرتكبا لجريمة إفشاء السر المهني التي سوف ندرسها حسب العناصر التالية :
1 . النص القانوني المجرم :
ü المادة 301 من قانون العقوبات الجزائري التي جاء فيها :" يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر و بغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج الأطباء و الجراحون و الصيادلة و القابلات و جميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أدلي بها أو أفشوها في غير الحالات التي يوجب عليهم فيها القانون إفشاءها و يصرح لهم بذلك .
ومع ذلك فلا يعاقب الأشخاص المبينون أعلاه ، رغم عدم التزامهم بالإبلاغ عن حالات الإجهاض التي تصل إلى علمهم بمناسبة ممارستهم مهنتهم بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذ هم بلغوا بها ، فإذا دعوا للمثول أمام القضاء في قضيـة إجهاض يجب عليهم الإدلاء بشهادتهم دون التقيد بالسر المهنـي ".
2 . الركن المادي : يتحقق الركن المادي بتوافر عنصرين ، فالعنصر الأول هو صفة المؤتمن على السر بحيث أن هذه الجريمة لابد أن ترتكب من قبل الأشخاص الذين لهم صفة المؤتمن على السر ؛ و هم الأمناء بحكم الضرورة أو من تقضي وظيفته أو مهنتـه تلقـي أسرار الغيـر ? و قد ذكـر المشـرع الجزائـري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? د.أحسن بوسقيعة . الوجيز في القانون الجزائي الخاص . المرجع السابق . الصفحة 246 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

في المادة 301 من قانون العقوبات أمثلة عن الأشخاص المؤتمنين على السر المهني؛ من بينهم الصيادلة،أما العنصر الثاني فهو إفشاء السر ؛ و الإفشاء هو إطلاع المؤتمن على السر المهني الغير على السر و الشخص الذي يتعلق به ، فمحل الإفشاء هو السر المهني ؛ هذا الأخير لم يعرفه المشرع الجزائري في قانون العقوبات و قد تباينت التعريفات الفقهية حول ذلك من بينها أن السر المهني هو ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة وظيفته أو مهنته و كان في الإفشاء حرج لغيره ، و يستوي أن يكون المريض قد عهد بالسر إلى الصيدلي أو لم يعهد به ، بحيث تكون كافة الوقائع التي تصل إلى علم الصيدلي على سبيل الصدفة ، الحـدس ، و الخبرة الفنية من قبيل الأسرار ، كما لا أهمية للطريقة التي أخبر بها الجاني الغير بالسر فتستوي الكتابة ، و الإشارة ، و النقل الشفهي ، كما لا يشترط أن يكون الإدلاء بالسر كاملا أو علانيا ، لأنه حتى الوقائع المعروفة حسب القضاء الفرنسي حين لا تكون مؤكدة تصلح لأن تكون سرا .
تجدر الملاحظة أنه جرى العرف على اعتبار البرص و الجذام و الزهري و غيرها من الأمراض المعدية المشابهة من قبيل الأمراض التي لا يجوز إفشاء سرها لأنها بطبيعتها تدعو إلى النفور من المصاب بها مما يمس طمأنينة صاحبها و يجرح مشاعره ? .
3 . الركن المعنوي : جريمة إفشاء السر المهني من الجرائم العمدية يتطلب قيامها توافر القصد الجنائي بعنصريه العلم و الإرادة .
ـ مسألة إباحة الإفشاء : هناك حالات نص فيها القانون على إباحة إفشاء السر المهني ، تتمثل هذه الحالات في الآتي :
ü التصريحات الإدارية .
ü أعمال الخبرة .
ü الإدلاء بالشهادة أمام القضاء، و قد نصت المادة 301 من قانون العقوبات الجزائري أن الصيادلة لا يكونون معاقبين في حالة إفشاء سر مهني يخص جريمة إجهاض إذا تم استدعائهم لشهادة في هذا الخصوص.
ü التبليغ عن الجرائم ، و قد نصت المادة 301 من قانون العقوبات الجزائري أن الصيادلة لا يكونون معاقبين على إفشاء السر المهني في حالة إبلاغهم عن جريمة إجهاض .
ü تفتيش المنازل و المكاتب .
ü رضا صاحب السر بإفشائه .
4 . الجزاء المقرر للجريمة : وضع المشرع الجزائري لجريمة إفشاء السر المهني عقوبة أصلية تتمثل في الحبس من شهرين إلى ستة أشهر و بغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج طبقا لنص المادة 301 من قانون العقوبات ، و كذا عقوبات تكميلية إختيارية المنصوص عليها في المادة 9 من قانون العقوبات و هي : المنع من ممارسة مهنة أو نشاط ، إغلاق المؤسسة ، الإقصاء من الصفقات العمومية ، الحظر من إصـدار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? منير رياض حنا . المرجع السابق . الصفحة 164 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

الشيكات و / أو استعمال بطاقات الدفع ، سحب أو توقيف رخصة السياقة أو إلغاؤها مع المنع من استصدار رخصة جديدة ، سحب جواز السفر .
و تجدر الإشارة أن المادة 235 من القانون 85 – 05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها تنص على تطبيق العقوبات المنصوص عليها في المادة 301 من قانون العقوبات على من لا يراعي إلزامية السر المهني ، المنصوص عليها في المادة 206 و 226 من قانون حماية الصحة و ترقيتها .

الفرع الثانــي : الجرائـم الـواردة عليهـا فـي نصـوص خاصـة

إن الصيدلي أثناء ممارسته لمهنته قد يتجاوزها حيث يقوم بأعمال تخص مهنة الطب ؛ هذا الفعل مجرم بموجب القانون 85 – 05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها هذا ما خصصنا له العنصر الأول من هذا الفرع ، ثم إن القانون 04 – 18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها? تضمن مجموعة من الجرائم يمكن ارتكابها من طرف الصيدلي ؛ باعتبار أنه من بين الأدوية المباعة في الصيدليات أدوية تعد بمثابة مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية هذا ما خصصنا له العنصر الثاني لهذا الفرع.
أولا : جريمـة الممارسـة غيـر الشرعيـة للطـب
سوف نتطـرق بالشرح لجريمـة الممارسة غيـر الشرعية للطب من خلال العناصـر الآتي ذكرها :
1 . النص القانوني المجرم :
ü المادة 234 من القانون 85 – 05 المؤرخ في 16 – 02 – 1985 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها نصت على أنه : " تطبق العقوبات المنصوص عليها في المادة 243 من قانون العقوبات على الممارسة غير الشرعية للطب ... كما هي محددة في المادتين 214 و 219 من هذا القانون " .
ü المادة 243 من قانون العقوبات الجزائري نصت على أنه : " كل من استعمل لقبا متصلا بمهنة منظمة قانونا أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العمومية شروط منحها أو ادعى لنفسه شيئا من ذلك بغير أن يستوفي الشروط المفروضة لحملها يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين و بغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين "
2 . الركن المادي : لقد حددت المادة 197 من قانون حماية الصحة و ترقيتها الشروط المطلوبة للممارسة مهنة الطب ، و لعل أهم شرط هو حصول المعني بالأمر الحائز على شهادة دكتور في الطب على رخصة من وزير الصحة مع مراعاة باقي الأحكام المنصوص عليها في المادتين 198 و 199 من قانون حماية الصحة و ترقيتها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? القانون 04- 18 مؤرخ في 13 ذي القعدة عام 1425 الموافق 25 ديسمبر سنة 2004 يتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

بناءا على ما ذكر أعلاه نصت المادة 214 من قانون حماية الصحة و ترقيتها على أنه تعد ممارسة غير شرعية للطب قيام الشخص ( صيدلي ) الذي لا تتوافر فيه الشروط المطلوبة للممارسة هذه المهنة بتنفيذ عمل من الأعمال المتعلقة بالمهنة الطبية سواء بأجر أو دونه ؛و تتمثل هذه الأعمال في إعداد تشخيص للأمراض ، معالجة الأمراض أو الإصابات الجراحية ، إبداء المشورة الطبية ، إجراء عملية جراحية ، مباشرة الولادة ، و وصف الأدوية ... إلخ ؛ ذلك عن طريق أعمال شخصية أو كتابية أو بأية وسيلة أخرى .
و قد قضت محكمة النقض الفرنسية أنه يعتبر مكونا لجريمة مزاولة الطب دون ترخيص محض الاشتغال بوصف نظام غذائي معين يسير عليه المريض ? .
و من التطبيقات القضائية في هذا الإطار ما قضت به محكمـة النقض المصريـة أن معالجة المتهـم ( الصيدلي ) للمجني عليه بوضع مساحيق و المراهم المختلفة على مواضع الحروق و هو غير مرخص له بمزاولة مهنة الطب تعد جريمة تنطبق عليها المادة الأولى من القانون رقم 142 لسنة 1948 بشأن مزاولة الطب ( نقض 15 – 10 – 1975 ) ‚.
في هذا الإطار ثار خلاف فقهي حول أحقية الصيدلي في إعطاء الحقن للمرضى ، فهناك جانب اعتبره من قبيل الأعمال الطبية فلا يجوز للصيدلي القيام به ؛ و متى أقدم على ذلك يعد مرتكب لجريمة مزاولة الطب بصفة غير شرعية .
لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن الصيدلي الذي يعطي الإنسان حقنة يرتكب جريمتي الجرح العمد و مزاولة الطب دون ترخيص ، و أيدت المحكمة في هذا الحكم ما ذهبت إليه المحكمة الاستئنافية في إدانتهم الصيدلي بقولها أنه لا يبرر فعلته كون الكثير من الصيادلة يقومون بإعطاء الحقن و اعتادوا على ذلك فليس في مخالفة الصيادلة للقانون و عدم وقوعهم تحت طائلة ما يسوغ للمتهم أن يرتكب هذه المخالفة ƒ .
لكن هناك رأي مخالف مفاده أنه ليس من المضرة قيام الصيدلي بإعطاء الحقن كون ذلك يحقق مصلحة المجتمع ما لم تكن الحقنة وريدية أو من النوع الذي يتطلب اتخاذ احتياطات معينة فتكون في هذه الحالة من اختصاص الطبيب دون سواه .
3 . الركن المعنوي : إن جريمة مزاولة مهنة الطب بصفة غير شرعية من الجرائم العمدية التي تتطلب علم الجاني بأنه يمارس أعمال طبية بالرغم من عدم استيفاءه لشروط ممارسة هذه المهنة ، كما تتطلب إرادته الحرة المختارة في القيام بهذا العمل أي لابد من توافر القصد الجنائي .
4 . العقوبة المقررة للجريمة : نصت المادة 243 من قانون العقوبات الجزائري أن العقوبة الأصلية المقررة لجريمة ممارسة مهنة الطب بصفة غير شرعية هي الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين و بغرامة من 20.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? منير رياض حنا . المرجع السابق . الصفحة 171 .
‚ إبراهيم سيد أحمد . المرجع السابق . الصفحة 48 .
ƒ منير رياض حنا . المرجع السابق . الصفحة 172 و 173 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

ثانيـا : الجرائم المنصوص عليها في القانون 04 – 18المؤرخ في 25-12-2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها
لقد نص القانون 04 – 18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية و قمع الاستعمال و الاتجار غير المشروعين بها على مجموعة من الجرائم يكمن لصيدلي ارتكابها ؛ لأنه من بين الأدوية المباعة و المخزنة في الصيدليات تلك المصنفة قانونا من بين مواد المخدرة أو المؤثرات عقلية هذا ما سوف نتطرق إليه على التوالي :
1 . جريمة التسهيل للغير استعمال المخدرات و المؤثرات العقلية :
أ. النص التجريمي : المادة 16 من القانون 04 – 18 السالف الذكر نصت في فقرتها الثانية : " يعاقب بالحبس من خمس سنوات إلى خمسة عشر سنة و بغرامة من 500.000 دج إلى 1000.000 دج كل من :
سلم مؤثرات عقلية بدون وصفة طبية أو كان على علم بالطابع الصوري أو المحاباة للوصفات الطبية " .
ب. الركن المادي : تقوم هذه الجريمة إذا قام الصيدلي بالتسهيل للغير استعمال المخدرات و المؤثرات العقلية بتسليمها دون وصفة طبية ، أو بوصفة صورية ، أو بوصفة قدمت للشخص الذي يريد الحصول على المخدرات أو المؤثرات العقلية عن طريق المحاباة .
ج. الركن المعنوي : إن جريمة التسهيل للغير استعمال المخدرات و المؤثرات العقلية جريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجنائي بعنصريه وهما علم الصيدلي أن الوصفة الطبية المقدمة إليه صورية أو قدمت بطريق المحاباة ، أو أن الشخص الذي طلب المخدرات أو المؤثرات العقلية لا يملك وصفة ، مع ذلك يستجيب لطلبه بإرادته الحرة المختارة .
د. العقوبة المقررة للجريمة : تطبق على هذه الجريمة عقوبة أصلية و عقوبات تكميلية
ü العقوبة الأصلية نصت عليها المادة 16 من القانون 04 – 18 السالف الذكر ؛ و هي الحبس من خمس سنوات إلى خمسة عشر سنة و بغرامة من 500.000 دج إلى 1000.000 دج .
ü العقوبات التكميلية منها الجوازية المنصوص عليها في المادة 29 من القانون 04 – 18 السالف الذكر وهي : الحرمان من الحقوق السياسية و المدنية و العائلية من 5 إلى 10 سنوات ، المنع من ممارسة المهنة التي ارتكبت بمناسبتها الجريمة لمدة لا تقل عن 5 سنوات ، المنع من الإقامة وفق الأحكام المنصوص عليها في قانون العقوبات ، سحب جواز السفر و كذا رخصة السياقة لمدة لا تقل عن 5 سنوات ، المنع من حيازة أو حمل سلاح خاضع لترخيص لمدة لا تقل عن 5 سنوات ، الغلق لمدة لا تزيد عن 10 سنوات بالنسبة للفنادق و المنازل المفروشة و مراكز الإيواء ...إلخ حيث ارتكب المستغل أو شارك في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في المادتين 15 و 16 من القانون 04 – 18 ، مصادرة الأشياء التي استعملت أو كانت موجهة لارتكاب الجريمة أو الأشياء الناجمة عنها ، و هناك عقوبات تكميلية إلزامية نصت عليها المواد 32 ، 33 ، 34 من القانون 04 – 18 و هي : مصادرة النباتات و المواد المحجوزة ، مصادرة المنشآت و التجهيزات و الأملاك المنقولة و العقارية ، مصادرة الأموال النقدية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

2 . جريمة إنتاج أو صنع أو حيازة المخدرات و المؤثرات العقلية للأغراض المنصوص عليها في المادة 17 من القانون 04 – 18 :
أ. النص التجريمي : المادة 17 من القانون 04-18 السالف الذكر نصت :" يعاقب بالحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنة و بغرامة من 5.000.000 دج إلى 50.000.000 دج كل من قام بطريقة غير شرعية بإنتاج أو صنع أو حيازة أو عرض أو بيع أو وضع للبيع أو حصول أو شراء قصد البيع أو التخزين أو استخراج أو تحضير أو توزيع أو تسليم بأي صفة كانت ، أو سمسرة أو شحن أو نقل عن طريق العبور المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية .
و يعاقب على الشروع في هذه الجرائم بالعقوبات ذاتها المقررة للجريمة المرتكبة .
و يعاقب على الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الأولى بالسجن المؤبد عندما ترتكبها جماعة إجرامية منظمة " .
ب. الركن المادي : تقوم هذه الجريمة بقيام الصيدلي بإنتاج المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو صنعها أو حيازتها أو عرضها أو وضعها للبيع أو الحصول عليها أو شراؤها قصد بيعها أو تخزينها أو استخراجها أو تحضيرها أو توزيعها أو تسليمها أو نقلها بطريقة غير شرعية ؛ أي دون مراعاة مقتضيات نص المادة 04 من القانون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية التي تتطلب أن تكون كافة العمليات التي قد يقدم عليها الصيدلي ـ السالفة الذكرـ مقيدة بحصوله على ترخيص من الوزير المكلف بالصحة هذا ضمانا لأن تكون تلك المواد موجهة لأهداف علمية أو طبية لا غير ؛ ثم إن هذا الترخيص لا يمنح إلا بناءا على تحقيق اجتماعي حول السلوك الأخلاقي و المهني للصيدلي الذي طلب الرخصة ؛ لأنه إذا كان مسبوق الحكم عليه بإحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية لا يمنح له الترخيص .
ج. الركن المعنوي : هذه الجريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجنائي بعنصريه العلم و الإرادة .
د. العقوبة المقررة للجريمة : تطبق على هذه الجريمة عقوبة أصلية تتمثل في الحبس من عشر سنوات إلى عشرين سنـة و بغرامـة من 5.000.000 دج إلى 50.000.000 دج طبـقا لنص المـادة 17 مـن القانون 04-18 ، كما تطبق عليها كافة العقوبات التكميلية الجوازية و الإلزامية المنصوص عليها في المادة 29 ، المادة 32 ، المادة 33 و المادة 34 من القانـون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية المذكورة أعلاه عند شرحنا للعقوبة المقررة للجريمة التسهيل للغير استعمال المخدرات و المؤثرات العقلية .
و تجدر الإشارة أنه يعاقب على الشروع في هذه الجريمة ، و إذا ما ارتكبت من قبل جماعة إجرامية منظمة تكون العقوبة السجن المؤبد .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

3 . جريمة تصدير أو استيراد المخدرات أو المؤثرات العقلية بطريقة غير مشروعة :
أ. النص التجريمي : المادة 19 من القانون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقليـة نصت :" يعاقب بالسجن المؤبد كل من قام بطريقة غير مشروعة بتصدير أو استيراد مخدرات أو مؤثرات عقلية ".
ب. الركن المادي : لقد عرفت المادة 02 من القانـون 04-18 المقصـود بالتصديـر و الاستيـراد إذ نصت :" يقصد في مفهوم هذا القانون بما يأتي :
ـ التصدير و الاستيراد : النقل المادي للمخدرات و/أو المؤثرات العقلية من دولة إلى دولة أخرى " ، و منه تتحقق هذه الجريمة إذا قام الصيدلي باستيراد أو تصدير النباتات و المواد و المستحضرات المخدرة بصفة غير شرعية أي دون حيازته لترخيص من وزير الصحة طبقا لأحكام المادة 04 من القانون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية .
ج. الركن المعنوي : هذه الجريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجنائي بعنصريه العلم و الإرادة .
د. العقوبة المقررة للجريمة : تطبق على هذه الجريمة عقوبة أصلية تتمثل في السجن المؤبد طبقا لنص المادة 19 من القانون04-18 ، كما تطبق عليها كافة العقوبات التكميلية الجوازية و الإلزامية المنصوص عليها في المادة 29 ، المادة 32 ، المادة 33 و المادة 34 من القانـون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية المذكورة أعلاه عند شرحنا للعقوبة المقررة للجريمة التسهيل للغير استعمال المخدرات و المؤثرات العقلية .
4 . جريمة الزرع غير المشروع لخشخاش الأفيون ، شجرة الكوكا ، أو نبات القنب :
أ. النص التجريمي : المادة 20 من القانـون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية نصت :" يعاقب بالسجن المؤبد كل من زرع بطريقة غير مشروعة خشخاش الأفيون أو شجيرة الكوكا أو نبات القنب ".
ب. الركن المادي : تحقق هذه الجريمة بقيام الصيدلي بزرع خشخاش الأفيون أو شجيرة الكوكا أو نبات القنب بطريقة غير مشروعة ؛ أي دون الحصول على ترخيص من الوزير المكلف بالصحة المنصوص عليه في المادة 04 من القانون 04-18 الذي يثبت أن استعمال تلك النباتات المذكورة مخصص لأغراض علمية أو طبية .
ج. الركن المعنوي : هذه الجريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجنائي بعنصريه العلم و الإرادة .
د. العقوبة المقررة للجريمة : تطبق على هذه الجريمة عقوبة أصلية تتمثل السجن المؤبد طبقا لنص المادة 20 من القانون04-18 ، كما تطبق عليها كافة العقوبات التكميلية الجوازية و الإلزامية المنصوص عليها في المادة 29 ، المادة 32 ، المادة 33 و المادة 34 من القانـون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني : المسؤوليـــة الجنائيـــة للصيدلـــي

تجدر الملاحظة في الأخير ، أن كافة هذه الجرائم المنصوص عليها في القانون 04-18 المتعلق بالوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية تشترك في عنصر واحد هو محل الجريمة المتمثل في المواد المخدرة و المؤثرات العقلية ؛ هذه الأخيرة عرفتها المادة 02 من القانون 04-18 كالتالي :
ü المخدر: يقصد به كل مادة طبيعية كانت أم اصطناعية من المواد الواردة في الجدولين الأول و الثاني من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات المصادق عليها من طرف الجزائر بموجب المرسوم المؤرخ في 11 سبتمبر 1963 المعدلة بموجب البرتوكول المؤرخ في 25 جانفي 1972 المصادق عليه من قبل الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 05 فبراير 2002 .
ü المؤثرات العقلية : هي كل مادة طبيعية كانت أم اصطناعية ، أو كل منتوج طبيعي مدرج في الجدول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع من اتفاقية المؤثرات العقلية المؤرخة في 21 فبراير 1971 المصادق عليها من قبل الجزائر بموجب المرسوم المؤرخ في 07 ديسمبر 1977 .





















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث : المسؤوليـــة التأديبيـــة للصيدلـــي

المبحــث الثالـث : المسؤوليــة التأديبيــة للصيدلــي

إن الصيدلي أثناء قيامه بمهنته قد يرتكب أخطاء تعد بمثابة مخالفة للقواعد و الأحكام التي تنظم مهنة الصيدلة ؛ و خرق الصيدلي لهذه الأخيرة يتطلب مسائلته في بعض الأحيان تأديبيا ؛ لأن النظام التأديبي يعد الضمانة القانونية التي وضعها المشرع ليكفل احترام أصحاب المهن لواجباتهم المهنية .
و حتى تقوم المسؤولية التأديبية للصيدلي يشترط أن يرتكب هذا الأخير خطأ تأديبي أو ما يصطلح عليه بالجريمة التأديبية ؛ هذه الأخيرة تحققها يتطلب توافر مجموعة من الأركان نتطرق إليها في المطلب الأول من هذا المبحث ، ثم إن المتابعة التأديبية للصيدلي تتم من قبل جهاز خول له القانون هذا الاختصاص وفق إجراءات قانونية هذا ما سوف نتعرض له في المطلب الثاني ، أما المطلب الأخير خصصناه لذكر العقوبات التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها الصيدلي و طرق الطعن في القرار التأديبي .

المطلــب الأول : أركــان الجريمــة التأديبيــة

إن الخطأ الذي يستوجب مسائلة الصيدلي تأديبيا أطلق عليه الفقه عدة تسميات إلى جانب الخطأ التأديبي اصطلح عليه المخالفة التأديبية ، الذنب التأديبي ، و الجريمة التأديبية هذه الأخيرة لم يعرفها المشرع الجزائري بل اكتفى بالنص في المادة الأولى من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري ? على أن أخلاقيات الطب هي مجموع المبادئ و القواعد و الأعراف التي يتعين على كل طبيب أو جراح أسنان أو صيدلي أن يستلهمها في ممارسة مهنته ، كما جاء في المادة 03 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري أنه تخضع مخالفات القواعد و الأحكام الواردة في مدونة أخلاقيات الطب لاختصاص الجهات التأديبية التابعة لمجالس أخلاقيات الطب ، بالإضافة إلى ذكره في الفصل الثالث من نفس المدونة للواجبات المهنية المفروض احترامها من قبل الصيادلة ، أما الفقه فقد عرف الجريمة التأديبية على أنها كل تصرف يصدر من العامل أثناء تأديته لوظيفته يخالف الواجبات المهنية ذلك بإرادة آثمة .
و لتحقق الجريمة التأديبية ( الخطأ التأديبي) لابد من توافر الركن الشرعي الذي سوف نتعرض له في الفرع الأول من هذا المطلب ، و كذا ركن مادي خصصنا له الفرع الثاني ، أما الفرع الأخير نشرح فيه الركن المعنوي


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? مرسوم تنفيذي رقم 92 – 276 المؤرخ في 5 محرم عام 1413 الموافق ل 6 يوليو 1992 المتضمن أخلاقيات الطب . الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية رقم 52 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث : المسؤوليـــة التأديبيـــة للصيدلـــي

الفـرع الأول : الركـن الشرعـي

معروف أن القوانين التي تنظم مهنة معينة لا يتم فيها تحديد الأخطاء التأديبية – الجرائم التأديبية – على سبيل الحصر كما هو الحال بالنسبة للجرائم في قانون العقوبات و القوانين المكملة له ، لذلك يرى بعض الفقه أن الجريمة التأديبية لا يتطلب قيامها توافر الركن الشرعي لأنه حسبهم لا يدخل في تكوينها ، إلا أن أغلبية الفقه يرى أن الركن الشرعي ضروري لقيام الجريمة التأديبية ؛ حتى و إن كان مدلول هذا الركن في هذه الأخيرة ليس له نفس المعنى بالنسبة للجرائم الجنائية ، بحيث أنه يكفي قيام العامل بفعل أو امتناع عن فعل يخالف الواجبات القانونية أو الأعراف المهنية للطائفة المهنية التي ينتمي إليها ، بحيث أن مجموع تلك القواعد و الأعراف المهنية تشكل الركن الشرعي .

الفرع الثانــي : الركـن المـادي

يتمثل الركن المادي في الجريمة التأديبية في السلوك الإيجابي أو السلبي الذي يأتيه الصيدلي مخالفة للواجبات المهنية المفروض احترامها ، و لابد على السلوك المادي في الجريمة التأديبية أن يتخذ مظهرا خارجيا نستطيع من خلاله أن نستنتج قيام المخالفة التأديبية ، لأن القانون لا يعاقب على النوايا السيئة بل على السلوك الخارجي و الملموس كقيام الصيدلي ببيع دواء دون وصفة رغم أن هذا الدواء لا يدخل ضمن قائمة الأدوية المحددة من قبل وزارة الصحة التي تسمح ببيعها دون وصفة طبية ، أو بيعه لدواء بغير الأسعار المقررة قانونا ، أو بامتناعه عن إسعاف شخص في حالة الخطر .


الفرع الثالــث : الركـن المعنـوي

لا يكفي لتحقق الجريمة التأديبية قيام الصيدلي بارتكاب فعل ينافي واجباته المهنية ، بل لابد أن يقدم على ذلك بإرادة آثمة أي يجب توافر الركن المعنوي ؛ الذي يكون قصدا متى اتجهت إرادته إلى ارتكاب ذاك الفعل المادي ، كما يكون خطأ غير عمدي متى اتجهت إرادة الصيدلي لارتكاب الفعل المادي للجريمة التأديبية دون قصد إحداث النتيجة .
تجدر الإشارة أنه إذا وجد مانع من موانع المسؤولية كالجنون أو الإكراه ؛ فلا تقوم المسؤولية التأديبية، بالإضافة إلى أنه لا يعد من شروط قيام هذه الأخيرة الضرر الذي يلحق بالغير بل يؤخذ بعين الاعتبار من قبل جهة التأديب عند تقديرها للجزاء .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث : المسؤوليـــة التأديبيـــة للصيدلـــي

المطلــب الثانـي : الجهة المختصة بمتابعة الصيادلة تأديبيا و إجراءات المتابعة

لقد نصت المادة 03 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري على أن مخالفة القواعد التي نصت عليها هذه المدونة يخضع لاختصاص الجهات التأديبية التابعة لمجالس أخلاقيات الطب ؛ من بينها الجهة التأديبية المشرفة على متابعة الصيادلة هذا ما خصصنا له الفرع الأول لهذا المطلب ، أما الفرع الثاني نتطرق فيه للإجراءات القانونية المطلوبة لمتابعة الصيدلي تأديبيا .

الفـرع الأول :الجهـة المختصـة بمتابعـة الصيادلـة تأديبيـا

طبقا لنص المادة 03 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري فإن مخالفة مقتضيات هذه المدونة من قبل الصيادلة يعود اختصاص النظر فيه للجهات التأديبية التابعة لمجالس أخلاقيات الطب ؛ هذه الأخيرة تتجسد في المجلس الوطني لأخلاقيات الطب الكائن مقره في مدينة الجزائر ، بالإضافة إلى 12 مجلس جهويا موزعين عبر القطر الوطني طبقا لما نصت عليه المادتين 163 و 168 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائـري ، و بناءا على المادة 166 الفقرة الأولى و المادة 169 الفقرة الأخيرة من نفس المدونة فإن هذه المجالس تمارس السلطة التأديبية من خلال ما يسمى بالفروع النظامية ؛ هذه الأخيرة لـها تقسيـم ثلاثـي حسب المهن الطبية - الطب ، جراحة الأسنان ، و الصيدلة – و هي تنقسم بدورها إلى نوعين :
ü الفروع النظامية الوطنية ، التي من بين صلاحياتها ضمان احترام قواعد أخلاقيات الطب ، كما تختص بمراقبة سير الفروع النظامية الجهوية.
ü الفروع النظامية الجهوية ، من بينها الفرع النظامي الجهوي الخاص بالصيادلة الذي يجمع كافة الصيادلة المسجلين في القائمة ضمن فئات المتمثلة في : صيادلة الصيدليات ، الصيادلة من الموزعين و المسيرين و المساعدين و المستخلفين ، صيادلة الصناعة ، صيادلة المستشفيات ، الصيادلة البيولوجيون ، صيادلة المستشفيات الجامعية ، و يتم تحديد عدد الأعضاء الرسميين في الفرع النظامي حسب الأعداد المنصوص عليها في المادة 188 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري التي تختلف حسب المنطقة ؛ فعلى سبيل المثال الفرع النظامي لمنطقة الجزائر يتكون من 36 عضو منتخب بواقع 6 أعضاء لكل فئة من الفئات المذكورة .
و للفرع النظامي الجهوي عدة صلاحيات من بينها أن له سلطة توفيقية للفصل في النزاعات التي قد تحدث مابين الصيادلة و الإدارة ؛ و كذا مابين المرضى و الصيادلة ، كما يمارس السلطات التأديبية في الدرجة الأولى طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 177 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائـري التـي جـاء فيـها :" ...وفي المجال التأديبي يمارس الفرع السلطات التأديبية في الدرجة الأولى " ، كما يسهر على تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الوطني لأخلاقيات الطب الجزائري ، المجالس الجهوية للطب ، و الفرع النظامي الجهوي المناسب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث : المسؤوليـــة التأديبيـــة للصيدلـــي

بالتالي فالفروع النظامية الجهوية الخاصة بالصيادلة الموزعة عبر التراب الوطني تعد الجهة المشرفة على متابعة الصيادلة من الناحية التأديبية عن طريق لجان التأديب ؛ خاصة و أن المادة 211 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري قد نصت أنه يمكن إحالة أي صيدلي أمام الفرع النظامي الجهوي المختص عند ارتكابه أخطاء خلال ممارسته لمهامه .

الفرع الثانــي : الإجـراءات القانونيـة الخاصـة بمتابعـة الصيادلـة تأديبيـا

لابد على الفرع النظامي الجهوي المختص عند متابعته للصيدلي الذي ارتكب خطأ تأديبي أثناء قيامه بعمله أن يتبع إجراءات معينة نصت عليها مدونة أخلاقيات الطب الجزائري في المواد من 210 إلى 216 .
فعند تلقي رئيس الفرع النظامي الجهوي للصيادلة المختص شكوى ضد صيدلي يقوم بتسجيلها ، ثم إبلاغها للصيدلي الذي سوف يتابع تأديبيا خلال ميعاد 15 يوما ، بعدها يعين مقررا من بين أعضاء اللجنة التأديبية لدراسة الملف ، و عند إنهاء المقرر لهذه المهمة ؛ يودع الملف كاملا بالإضافة إلى تقريره حول القضية لدى الرئيس لأن هذه الدراسة تعد الأساس الذي تنطلق منه اللجنة التأديبية لنظر الشكوى كونها تعد بمثابة عرض كامل لوقائع القضية .
مع الملاحظة أن اللجنة التأديبية لا يمكن أن تصدر أي قرار تأديبي دون الاستماع للصيدلي المتابع أو استدعاءه للمثول أمامها خلال مهلة لا تتجاوز 15 يوما ؛ لأن الصيدلي المتابع ملزم بالحضور شخصيا في اليوم و الساعة المحددين للجلسة التأديبية ما لم يكن لديه سبب قاهر ؛ لأنه في حالة عدم رد الصيدلي المستدعى على الاستدعاء الثاني تفصل اللجنة التأديبية في الشكوى غيابيا .
إن المشرع ضمن حق الدفاع للصيدلي المتابع ؛ إذ نصت المادة 215 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري على إمكانية استعانته بمدافع يكون إما زميل له أو محام معتمد لدى نقابة المحامين فقط ، و لا يجوز للصيدلي اختيار الفروع النظامية الجهوية و/أو الوطنية لدفاع عليه .
و للصيدلي حق رد أحد أعضاء اللجنة التأديبية متى كانت لديه أسباب مشروعة ؛ و يفصل الفرع النظامي الجهوي في طلبه .
لقد حدد المشرع في المادة 216 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري مدة فصل الفرع النظامي الجهوي في الشكوى المرفوعة ضد الصيدلي تأديبيا بأربعة أشهر تسري من تاريخ إيداع الشكوى .






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث : المسؤوليـــة التأديبيـــة للصيدلـــي

المطلــب الثالـث :العقوبات التأديبية و طرق الطعن في القرار التأديبي

لقد حدد المشرع الجزائري في مدونة أخلاقيات الطب الجزائري العقوبات التأديبية التي يمكن توقيعها من طرف لجنة التأديب على الصيدلي الذي ثبتت مسؤوليته التأديبية هذا ما سوف نتطرق إليه في الفرع الأول من هذا المطلب ، ثم إن القرار التأديبي المتضمن معاقبة الصيدلي قابل لطعن فيه بطرق قانونية خصصنا لها الفرع الثاني لشرحها.

الفـرع الأول : العقوبــات التأديبيــة

لقد تولى المشرع بيان العقوبات التأديبية التي يمكن توقيعها على الصيدلي الذي تثبت مسؤوليته التأديبية في نص المادة 217 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري ، و يجب على اللجنة التأديبية أن تختار إحداها كعقوبة إذا ما قررت معاقبة الصيدلي بسلطتها التقديرية ، و العقوبات التأديبية تم ذكرها على سبيل الحصر لأنه يحكمها مبدأ " لا عقوبة إلا بنص " ؛ بعكس الأخطاء التأديبية التي لم يحددها المشرع ، و العقوبات التأديبية تقوم على أربعة مبادئ أساسية هي :
ü شرعية العقوبة : فلابد أن تكون العقوبة التي تختارها اللجنة التأديبية من بين العقوبات التي نص عليها القانون على سبيل الحصر .
ü عدم تعداد العقوبة : فلا يجوز معاقبة الشخص على خطأ واحد مرتين .
ü عدم رجعية العقوبة : أي أنها تسري من تاريخ توقيعها لا من تاريخ ارتكاب الخطأ ما لم يتم توقيف الشخص المتابع عن ممارسة المهنة فتسري من تاريخ الوقف عن العمل .
ü تناسب العقوبة مع المخالفة : أي أن تكون العقوبة متناسبة و الخطأ المرتكب .
و العقوبات التأديبية التي نصت عليها المادة 217 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري هي :
1 . الإنذار الذي يترتب عليه حرمان الصيدلي من حق الانتخاب لمدة ثلاث سنوات طبقا لنص المادة 218 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري .
2 . التوبيخ الذي يترتب عليه حرمان الصيدلي من حق الانتخاب لمدة ثلاث سنوات طبقا لنص المادة 218 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري .
3 . المنع من ممارسة المهنة أو الغلق الذي تقترحه السلطة التأديبية على السلطات الإدارية المختصة طبقا لنص المادة 17 من القانون 85-05 المتعلق بحماية الصحة و ترقيتها التي جاء فيها :" يخضع إنشاء أي هيكل صحي أو ذي طابع صحي و توسيعه و تغيير تخصيصه و إغلاقه المؤقت أو النهائي لرخصة قبلية من الوزير المكلف بالصحة .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث : المسؤوليـــة التأديبيـــة للصيدلـــي

غير أن الإغلاق المؤقت للهياكل المذكورة أعلاه لمدة لا تتجاوز ثلاث أشهر يخضع للرقابة القبلية من الوالي"، و ينتج عن تطبيق هذه العقوبة فقدان حق الانتخاب لمدة 5 سنوات .
و تجدر الإشارة أنه طبقا لنص المادة 221 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري أنه لا يشكل العمل التأديبي عائقا بالنسبة لدعوى القضائية المدنية أو الجنائية ، لأن المتابعة التأديبية مستقلة عن المتابعة الجنائية و الدعوى المدنية ، لأنه حتى بالنسبة للنظام التأديبي والجنائي ؛ و إن يتبادر إلى الذهن أنهما متشابهان إلا أنهما مستقلان عن بعضهما ، لأن العقاب الجنائي لا يتعلق بأفراد معينين أو طائفة مهنية معينة بل يسري على كافة أفراد المجتمع بما فيهم الصيادلة ، أما العقاب التأديبي فيخص فئة معينة من المهنيين كالصيادلة ، و هذا لا يمنع أن الخطأ التأديبي قد يشكل في نفس الوقت جريمة ، لكن في بعض الأحيان الأخرى لا تتحقق هذه الوحدة ، و أوجه الاختلاف ما بين النظامين الجنائي و التأديبي تظهر من خلال الوصف ، الإجراءات و الجزاءات .
إن السلطة التأديبية ليست مقيدة و مجبرة بانتظار ما ينتهي إليه الحكم الجزائي في حالة ما إذا كان الشخص المتاع تأديبيا يحاكم جزائيا في نفس الوقت حتى تفصل في الدعوى التأديبية ، لكن هذا لا يمنعها من إرجاء الفصل في الدعوى التأديبية لغاية صدور الحكم الجزائي إذ تملك السلطة التقديرية في هذا الشأن ، و هنا تطرح مسألة حجية الحكم الجزائي أمام جهة التأديب ؛ فالأصل أن حجية الحكم الجزائي تقتصر على العلاقة القائمة مابين الدعوى العمومية و الدعوى المدنية التبعية ، أما بالنسبة لجهة التأديب فإن الأحكام الصادرة سواء ببراءة أو إدانة الشخص المتابع تأديبيا لا تمنع من مسائلته تأديبيا .

الفرع الثانــي : طـرق الطعـن فـي القـرار التأديبـي

إن القرار التأديبي الذي يصدر عن الفروع النظامية الجهوية للصيادلة المختصة بممارسة سلطة التأديب يعد بمثابة قرار إداري يخضع للقواعد التي تخضع لها سائر القرارات الإدارية ، و يجوز للصيدلي الذي صدرت في حقه عقوبة تأديبية أن يطعن في ذاك القرار ؛ و هنا لابد من التفرقة ما بين حالتين :
ü الحالة الأولى : القرار التأديبي الغيابي
طبقا لنص المادة 219 من مدونة أخلاقيات الطب الجزائري ؛ فإنه إذا صدر قرار تأديبي ضد صيدلي قبل الاستماع إليه من قبل اللجنة التأديبية فإنه يمكن للمعني الطعن فيه عن طريق الاعتراض أمام المجلس الوطني المختص في ميعاد 10 أيام تسري من تاريخ تبليغه بواسطة رسالة مضمنة الوصول مع إشعار بالاستلام .
و عند تلقي رئيس المجلس الوطني هذا الطعن يقدم في أجل 8 أيام طلب لرئيس الفرع النظامي الجهوي بإرسال ملف الطاعن خلال مهلة 8 أيام من تاريخ استلام الطلب .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث : المسؤوليـــة التأديبيـــة للصيدلـــي

ü الحالة الثانية : القرار التأديبي الحضوري
طبقا لنص المادة 9 ، المادة 10 و المادة 11 من القانون العضوي 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة و تنظيمه و عمله ، فإنه يمكن للصيدلي رفع دعوى إلغاء ضد القرار التأديبي الصادر عن الفرع النظامي الجهوي الخاص بالصيادلة أمام مجلس الدولة الذي ينظر فيها كقاضي أول و آخر درجة .

0 تعليق:

إرسال تعليق