بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الأحكام العامة المتعلقة بقرار الإحالة.


الدكتور براء منذر كمال

كلية القانون –جامعة تكريت

braa_munther@yahoo.com

قرار الاحالة




أولاً ـ أهمية البحث

من كينونات الإنسان ـ أياً كان ـ الخطأ والنسيان ، فسبحان من لا يخطأ . والقضاة بشر شأنهم في ذلك شأن الغير طالما أن الخطأ خِلَّة من خلال البشر ، غير أن خطأ القضاة في تطبيقهم لقانون العقوبات أو في مقدار العقوبة هو أقل من الخطأ في الإجراءات الجنائية عندما يترتب على الخطأ في تطبيقها عقاب البريء أو براءة المذنب . ثم إن المرء إذا استطاع أن ينأى بنفسه عن كل فعل أو امتناع مخالف للقانون فأنه لا يستطيع أن يضمن لنفسه عدم التعرض للاتهام الباطل وكثيراً ما يحصل ذلك في الحياة العملية ، لذلك قيل أن  ( قانون العقوبات سـلاح يهدد الأشرار ، وأصول المحاكمات حرزٌ لذوي الشرف )،من هنا تبدو أهمية البحث في موضوعات قانون أصول المحاكمات الجزائية عموماً .

من جانب آخر نجد أن البعض من قضاة التحقيق قد دأب إلى عَدْ قرار الإحالة مُجرد نموذج شكلي يتضمن معلومات أولية تخص الدعوى ، فتركوا مهمة ملئه بالمعلومات إلى المحقق العدلي أو المعاون القضائي ، بل هناك من ترك هذهِ المهمة إلى الكَتَبة من الموظفين أو منتسبي الشرطة المنسبين للعمل في محاكم التحقيق . هذا الاعتماد أدى إلى إرباك العمل القضائي بسبب نقض الكم الهائل من قرارات الإحالة ، سواء تمَّ النقض من محاكم الجنايات أو محاكم الأحداث أو المحاكم الجنائية المركزية بصفتها التمييزية أو من محكمة التمييز الاتحادية . وبلا شك فان لهذا الاعتماد مردوداته السلبية على مجمل العملية القضائية ، من ذلك التأخير في حسم الدعاوي ، ومن شأن هذا التأخير بقاء الكثير من المتهمين موقوفين لفترة طويلة رغم أن الأدلة ضدهم ضعيفة واحتمالات الإفراج عنهم أكثر بكثير من احتمالات الإدانة،وهو أمر من شأنه الإضرار بسير العدالة يتحمل وزره قاضي التحقيق بالدرجة الأساس.ومنها إضاعة الجهد والوقت على القضاء في إصدار قرارات بالنقض رغم أن هذهِ القرارات التي تخص قرار الإحالة أصبحت كثيرة،مما يتعين على قضاة التحقيق الإلمام بها لكونها من بديهيات التحقيق . لذلك أيضاً آثرنا اختيار هذا الموضوع عنواناً للبحث للإلمام بأساسياته وجزئياته إلماماً يُعين قاضي التحقيق على أداء مهامه بيسر . 

ومن جانب ثان ، فأن مكافحة الجريمة تكون عن طريق الإسراع في إجراءات التحقيق ـ ومن ثُمَّ في إجراءات المحاكمة ـ غير أن الإسراع الذي نعنيه لا يعني التسرع غير المبرر،فالأمر المهم دائماً هو تحقيق العدل والتيقن من توقيع العقاب على مستحقيه فعلاً . وبما أن قرار الإحالة هو قرار فاصل في الدعوى بموجبه يتم نقل الدعوى من مرحلة التحقيق إلى مرحلة المحاكمة، لذا ينبغي الإسراع بلا تسرع في اتخاذ هذا القرار ، فباتخاذه ترفع يد قاضي التحقيق عن اتخاذ أي إجراء وإن كان ضرورياً لمتطلبات العدالة ... من هنا أيضاً يبدو لنا واضحاً أهمية قرار الإحالة وضرورة دراسته دراسة تحليلية متأنية للنصوص ، ومن خلال معاينة التطبيقات القضائية ذات الصلة ، للتوصل من خلالها إلى آراء قانونية من شأنها تحقيق المصلحة العليا للمجتمع ألا وهي إشاعة العدالة في ربوعه . 

ومن جانب آخر ، وعندما ينتهي التحقيق بانتهاء إجراءاته المطلوبة من استجواب للمتهم إلى سماع الشهود وانتداب للخبراء وضبط للأشياء والأسلحة . . . الخ ، فأن قاضي التحقيق يقرر إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة عبر الإدعاء العام على أمل أن يقوم الأخير بدراسة وتدقيق إضبارة الدعوى للوقوف على مواقع القصور إن وجدت في تلك الإجراءات،لذلك نرى ومن خلال كثرة قرارات النقض لقرارات الإحالة أن القصور يتحمله ركنا العدالة الأساسيين وهما قضاة التحقيق والإدعاء العام ، ومن هنا تبدو كذلك أهمية دراسة موضوع قرار الإحالة نظرياً وتطبيقياً من أجل تقديم ما يمكن تقديمه من مقترحات وآراء بهذا الصدد،ولهذا السبب أخترنا أسلوب التعليق على القرار ، وأخترنا قراراً تمييزياً هو القرار 4343/ الهيئة الجزائية / 2006 الصادر من محكمة التمييز الاتحادية بتأريخ 31/7/2006 ، من أجل إضفاء الطابع العملي على الدراسة .







ثانياً ـ تقسيم البحث

وبما أن التعليق على القرار التمييزي لا يجدي نفعاً إن لم نقف على الأحكام العامة المتعلقة بقرار الإحالة ، مع عرض سريع لمضمون القرار التمييزي ، ومن أجل الإحاطة التامة بمفردات الموضوع وفرعياته فقد ارتأينا تقسيم البحث إلى مبحثين وكالآتي:

المبحث الأول-الأحكام العامة المتعلقة بقرار الإحالة.

المطلب الأول-قواعد الإحالة

    المطلب الثاني- بيانات قرار الإحالة

المبحث الثاني-مباديء ومضمون قرار الإحالة

المطلب الأول-عرض مضمون القرار التمييزي

    المطلب الثاني- التعليق على القرار التمييزي

أما الخاتمة فستتضمن أهم الآراء والمقترحات ، والله الموفق منه أستمد العون ، وله الحمد أولاً وآخراً







الباحث

المبحث الأول

الأحكام العامة المتعلقة بقرار الإحالة 




إذا تبين من مجمل إجراءات التحقيق أن الجريمة قد وقعت فعلاً ، وأنها قائمة قانوناً ، وأن الأدلة على ارتكاب المتهم لها أو الظن بارتكابها بأدلة وإن كانت ضعيفة لكنها متوفرة وكافية للإحالة ، فيجب على قاضي التحقيق أن يتخذ قرار بإحالة المتهم على المحكمة الجزائية المختصة والقرار بالإحالة يخضع لقواعد قانونية محددة، كما أن نموذج قرار الإحالة يتضمن بيانات محددة، وللإحاطة بتلك القواعد والبيانات أرتأينا دراستها في مطلبين على التوالي:




المطلب الأول

قواعــد الإحــالة


القرار بإحالة المتهم يختلف باختلاف طبيعة الجريمة كونها مخالفة أو جنحة أو جناية، كما يختلف باختلاف نوع الجريمة حيثُ خص المشرع بعض المحاكم للنظر في جرائم محددة .يضاف إلى ما تقدم فإن لقرار الإحالة في حالة تعدد الجرائم قواعده الخاصة.وكذلك يختلف بحسب عمر المتهم وما إذا كان بالغاً سن الرشد أم حدث.وسنتولى دراسة قواعد الإحالة بحسب طبيعة الجريمة ونوعها وعمر المتهم وتعدد الجرائم في فقرات أربع على التوالي. 

أولاً ـ قواعد الإحالة بحسب طبيعة الجريمة 


1 ـ الإحالة في جرائم المخالفات .


الجرائم بحسب طبيعتها تتدرج في الجسامة وهي المخالفات والجنح والجنايات . فإذا تبين أن الجريمة مخالفة فيجب التفريق بين حالتين :

الحالة الأولى ـ إذا كانت المخالفة لم يقع فيها طلباً بالتعويض أو بطلب رد المال ، وفي هذهِ الحالة يجب على قاضي التحقيق أن يفصل فوراً فيها ، فلا داعي إذاً لصدور قرار بالإحالة،ولهذا النظام مزاياه فبموجبه نتفادى البطء في الإجراءات وبلا مسوغ ،() غير أنه لا يجوز له أن يأمر بتنفيذ الحكم الصادر بالحبس إلا بعد اكتسابه درجة البتات وذلك استناداً لنص الفقرة (د) من المادة (134) من الأصول الجزائية . وبتقديرنا فأن لهذا الاتجاه ما يسوغه قانوناً فضئآلة خطورة الجريمة لا تستدعي أبداً الإسراع في تنفيذ حكم بسيط بالحبس ما لم يكتسب القرار الصادر به الدرجة القطعية . 

الحالة الثانية ـ إذا كانت المخالفة قد وقع بشأنها طلباً بالتعويض أو برد المـال ،

وعلى هذهِ الحالة تنص المادة (134) بفقرتيها (ب) و (ج) من الأصول الجزائية على ما يأتي : (( ب ـ يُحال المتهم في مخالفة على محكمة الجنح بقرار من القاضي أو أمر من المحقق بدعوى موجزة . ج ـ يجب تدوين إفادة المتهم قبل صدور القرار بالإحالة بمقتضى الفقرة (ب) ، كما يجب إجراء التحقيق في المخالفة إذا قرر القاضي ذلك )) . ويعني هذا النص أن التحقيق في المخالفات من الممكن أن يقتصر على تدوين إفادة المتهم ، لكن وبقرار من قاضي التحقيق من الممكن اتخاذ الإجراءات التحقيقية كافة ، والذي عليه العمل في الغالب هو أن قاضي التحقيق لا يكتفي بإحالة المتهم على المحكمة المختصة بعد تدوين إفادة المتهم فقط ، إنما يطلب من المحقق إجراء التحقيق معه قبل الإحالة ، وسبب ذلك أن الأدلة قد لا تكون واضحة ، وأن ظروف المخالفة قد تكون غامضة ، لذلك فالقاعدة أن الإحالة في جرائم المخالفات تتم بدون تحقيق كامل إذ قد يكتفى بتدويين أقوال المتهم ، إلا أنه يجوز إجراء التحقيق فيها استثناء .()

غير أن ما نأخذه على نص الفقرة (ب) من المادة (134) آنفة الذكر هو إعطاء صلاحية إحالة المخالفة للمحقق بأمرٍ منه . فبعد أن ازدادت محاكم التحقيق وتوزعت في المناطق كافة ، في الوقت الذي ازداد فيه من يمارس عمل المحقق رغم عدم توافر المؤهلات المطلوبة للتحقيق فيهم ـ وبخاصة من ضباط الشرطة ممن هم من غير خريجي كلية الشرطة ـ لهذه الأسباب نرى ضرورة تعديل النص،بحذف عبارة ( أو أمر من المحقق ) من الفقرة المذكورة،وبهذا التعديل نضمن عدم صدور أمر بالإحالة من المحقق والاقتصار باتخاذه على قضاة التحقيق . 

2 ـ
الإحالة في جرائم الجنح

إذا تبيَّنَ لقاضي التحقيق أن الفعل المرتكب يُكَيَّف على أنه جنحة ، فيصدر قراره بإحالة المتهم على محكمة الجنح طبقاً لنص المادة (134/أ) من الأصول الجزائية ونصها : (( . . . ويُحال المتهم في جُنحة على محكمة الجنح ، بدعوى غير موجزة إن كان مُعاقباً عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات ، وبدعوى موجزة أو غير موجزة في الأحوال الأخرى )) . ويتضح من النص أن قرار الإحالة يختلف باختلاف العقوبة المقررة لجريمة الجنحة ، فأن كانت العقوبة هي الحبس مُدة تزيدُ على ثلاث سنوات فيجب إحالتها بدعوى غير موجزة ، أما إذا كانت عقوبتها الحبس مدة ثلاث سنوات فأقل فيجوز إحالتها بدعوى موجزة أو غير موجزة ، وأمر تقدير إحالتها بصورة موجزة أو غير موجزة متروك لقاضي التحقيق وذلك بحسب تقديره لخطورة الجنحة المرتكبة .() غير أننا لا نرى ما يسوغ هذهِ التفرقة ، ونقترح أن يُصار إلى إحالة المتهمين في المخالفات بدعوى موجزة ، وإحالة المتهمين في الجنح عموماً بدعوى غير موجزة وذلك لسببين : 

الأول ـ لأن محكمة الجنح غير مُلزمة بالتكييف القانوني الذي أسبغه قاضي التحقيق على الواقعة ، فقد تذهب محكمة الجنح إلى تكييفها وفقاً لنص آخر يُعاقب بالحبس مدة أكثر من ثلاث سنوات . 

الثاني ـ ولأن الإحالة بدعوى غير موجزة تلزم قاضي التحقيق باتخاذ الإجراءات التحقيقية كاملة وفي ذلك ضمان أكبر للمتهم ولمتطلبات العدالة معاً.ولِهذهِ الأسباب نقترح تعديل نص الفقرة(أ)من المادة (134)آنفة الذكر وجعـلها بالشكل الآتي: ((يُحال المتهم في جناية على محكمة الجنايات ، ويُحال المتهم في جنحة على محكمة الجنح ، بدعوى غير موجزة )) . 

3 ـ الإحالة في جرائم الجنايات

إذا تبين لقاضي التحقيق أن الجريمة جناية ، ففي مثل هذه الحالة يتوجب عليه أن يقرر إحالة المتهم بدعوى غير موجزة على محكمة الجنايات التي من اختصاصها النظر في مثل هذهِ الجرائم ، وذلك بعد أن ينتهي من اتخاذ كافة الإجراءات التي يتطلبها التحقيق في الجناية المرتكبة وذلك استناداً لنص المادة (134/أ) من الأصول الجزائية ونصها : (( أ-يُحال المتهم على محكمة الجنايات بدعوى غير موجزة ..... )) . 

وجدير بالذكر أن التكييف القانوني للواقعة يخضع لسلطة قاضي التحقيق خلال مرحلة التحقيق ولحين إصدار قراره بالإحالة ، فله أن يُقرِر التكييف الذي يراه مُنسجماً مع الوقائع والأدلة المتحصلة وفق التكـييف الأنسب بحسب رأيه في نهاية التحقيق ،() وعلى سبيل المثال له أن يَعْدِل عن تكييفه للواقعة من سرقة إلى خيانة الأمانة أو العكس ، أو عن تكييف الواقعة من قتل خطأ وفق المادة 411 عقوبات إلى المادة 405 منه وهكذا . كذلك فأن التكييف الذي أسبغه على الواقعة-في قرار الإحالة غير مُلزِم لمحكمة الموضوع ، فلمحـكمة الموضوع أن تُسبِغ على الواقعة التكييف الذي تراه مُناسباً . 

غير أن ما يجدر التنويه إليه أن الخطأ في التكييف القانوني الذي يقرره قاضي التحقيق ويضعه في قرار الإحالة قد يتسبب في إحالة الدعوى إلى محكمة غير مختصة ، كأن تُحال دعوى الجنحة إلى محكمة الجنايات،أو أن تُحال دعوى الجنايات إلى محكمة الجنح ، هذهِ المسألة تـمت معالجتها في المادة (139) من قانون أصـول المحاكمات الجزائية بقـولها : (( أ ـ إذا تراءى لمحكمة الجنح بعد إجراءها التحقيق القضائي أو المحاكمة في الدعاوي المحالة بصورة غير موجزة أو قبل ذلك بناءً على تدقيقها الأوراق أن الفصل في الدعوى الجزائية يخرج من اختصاصها ويدخل في اختصاص محكمة الجنايات فتقرر إحالة المتهم عليها،وإذا وجدت محكمة الجنايات أن الفصل في الدعوى داخل في اختصاص محكمة الجنح فلها أن تفصل فيها أو تعيدها إلى محكمة الجنح . 

ب ـ إذا وجدت محكمة الجنايات أن الفـصل في الدعوى المحالة علـيها من

قاضي التحقيق داخل في اختصاص محكمة الجنح ، فلـها أن تفصل فيها أو تحيل المتهم على محكمة الجنح . 

ج ـ يكون قرار محكمة الجنايات بالإحالة أو الإعادة واجب الإتباع )) . 

وواضح من مضمون النص أنه يقرر قاعدة مستقرة هو أن من يملك الأكثر يملك الأقل وليس العكس ، لذلك فمحكمة الجنايات بإمكانها النظر في دعاوي الجنح إذا ما رأت أن الدعوى المحالة عليها بصفة جناية من الممكن تكييفها قانوناً وعدلاً كجنحة .




ثانياً ـ قواعد الإحالة بحسب نوع الجريمة 


تتميز أنواع من الجرائم بخطورة خاصة ، لذلك خصَّها المشرع بمحاكم تختص بنظر تلك الجرائم فقط،فهي إذاً محاكم مختصة بذاك النوع من الجرائم . من جانب آخر فأن هذهِ المحاكم المختصة تخضع كافة قراراتها وأحكامها للطعن التمييزي ، شأنها في ذلك شأن القرارات والأحكام الصادرة من محاكم الجنايات ، لذلك فهي ليست محاكم خاصة كالتي كانت موجودة إبان النظام السابق بل هي محاكم مختصة بأنواع معينة من الجرائم.من ذلك القضايا الخاصة بجرائم الإرهاب والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005 ()،حيثُ تختصُ بنظرها المحاكم الجنائية المركزية التي استحدثت ابتداءً بالأمر رقم (13) لسنة 2004 . () وبناءً عليه يُلزَمْ قُضاة التحقيق بإحالة هذهِ القضايا إلى المحاكم وحسب ولايتها المكانية حصراً . فإذا ما خالف قاضي التحقيق ذلك كان قراره معيباً وموجباً للنقض ، وعلى هذا المنوال تتجه محاكم الجنايات بصفتها التمييزية في قراراتها . من ذلك قرار لمحكمة جنايات صلاح الدين بصفتها التمييزية جاء فيه : (( لدى التدقيق والمداولة وجد ما يستوجب التدخل التمييزي المباشر بقرار الإحالة ونقضه ، وذلك لأن جريمة الخطف مشمولة بالقانون رقم 13 لسنة 2005 المادة الثانية الفقرة الثامنة والنافذ بتأريخ 9/11 / 2005 . وبذلك تكون هذهِ المحكمة غير مختصة بنظر هذهِ الدعوى ، ولذا قرر التدخل التمييزي المباشر بقرار الإحالة أعلاه ونقضه ، وإعادة الإضبارة إلى محكمتها بغية إحالتها إلى المحكمة المختصة . وصدر القرار بالاتفاق استناداً للمادة 265الأصولية في 4/9/2006 ))().

غير أن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب لا تختلف عن بقية الجرائم الخطرة والتي قرر لها المشرع عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت في قانون العقوبات ، حيثُ تختص بنظر الجرائم الأخيرة محاكم الجنايات . وبما أن جرائم الإرهاب ـ شأنها في ذلك شأن الجرائم الأخرى ـ تخضع القرارات والأحكام الصادرة بشأنها إلى الطعن التمييزي ، وحيثُ أن الدعاوي ـ من خلال العمل ـ المحالة على هذهِ المحاكم في مراكز المحافظات ليست من الكثرة لكي تستوجب تشكيل محاكم مختصة بها ، وبما أن القضاة الذين ينظرون هذهِ القضايا هم في الغالب ذات القضاة الذين ينظرون القضايا المحالة على محاكم الجنايات ، وحيثُ أن تنسيب الهيئة القضائية وكادرها إلى المحاكم الجنائية المركزية وتحت هذا العنوان قد يعرضهم للخطر بسبب الظروف الأمنية الراهنة ، لذلك كله نقترح إعادة النظر في تشكيل هذه المحاكم في مراكز المحافظات وإعطاء صلاحية النظر في هذهِ الدعاوي إلى محاكم الجنايات في المحافظات ، وقصرها على العاصمة بغداد بسبب وجود ثلاث محاكم جنايات مركزية فيها مما يعني كثرة الدعاوى المحالة عليها . وبهذا المقترح نضمن تحقيق أمرين : الأول ـ اطمئنان القضاة في عملهم ومهما كان نوع الجريمة وسواء نص عليها في قانون العقوبات أم في قانون مكافحة الإرهاب . والثاني ـ عدم وقوع قضاة التحقيق في الخطأ عند اتخاذهم قراراً بالإحالة ، حيثُ ستنحصر قراراتهم بالإحالة على محاكم الجنايات فقط وبذلك نضمن سرعة حسم الدعاوي . 

من جانب آخر ، فقد خص المشرع جريمتي الاختلاس و خيانة الأمانة بمعاملة خاصة وذلك بمقتضى المادة ( 189/أ ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، فعدَّها جريمة واحدة وإن تكرر ارتكابها خلال سنة واحدة ، وأوجب بسبب ذلك إحالتها بقرار إحالة واحد ، إذ نصت هذه المادة على أنه : (( أ ـ إذا كانت الجريمة المسندة إلى المتهم خيانة الأمانة أو اختلاس الأموال العامة ، فيكفي أن يذكر في التهمة جملة المبالغ التي وقعت عليها الجريمة دون ذكر تفاصيلها أو تواريخ الاستيلاء عليها . ب ـ تعتبر الأفعال المذكورة الواقعة خلال سنة واحدة جريمة واحدة . )) . 

وجديرٌ بالذكر أن خص هذهِ الجرائم بمعاملة متميزة في نظام إحالتها واعتبارها جريمة واحدة وإن تعددت،طالما أنها ارتكبت خلال سنة واحدة ، ليس له بنظرنا ما يبرره ، وإن قيل أن هذا الاتجاه التشريعي تُسَوِّغه الرغبة في كفالة السرعة بحسم هذهِ الدعاوي وتحقيق وظيفة الردع العام().غير أننا نرى أن وظيفة الردع العام لا تتحقق بهذا الاتجاه بل العكس ، حيثُ سيتمادى من يرتكب الجريمة الأولى بارتكاب جرائم أخرى طالما أنه لن يُحاسب إلا عن جريمة واحدة خلال السنة الواحدة ، هذا من جهة . ومن جهة ثانية فأن الجمع بين جريمة الاختلاس حيثُ تمس الجريمة المال العام ، مع جريمة خيانة الأمانة حيثُ تمس الجريمة المال الخاص ، هو غاية في الغموض ، فليس هناك رابط بين النوعين من الجرائم.كما أن الغرابة تكمن أكثر في تقرير معاملة خاصة تتميز بالرأفة لمن يحترف الإجرام بنوع معين ، ومثال ذلك أن من يرتكب جرائم متعددة من جنايات الاختلاس ولسنة كاملة سوف يعاقب وكأنه مرتكب لجريمة واحدة ، وسوف يتساوى في النهاية مع من تورط فأرتكب جريمة الاختلاس لأول مرة ولمرة واحدة فقط . وهكذا الأمر بالنسبة لمن احترف جريمة خيانة الأمانة ، فمن يبقى يتصيد هذا وذاك من الضحايا فيستولي على أموالهم ، سوف يُحاسب ومن ثم يُعاقب وكأنه مرتكب لجريمة واحدة مهما تعددت جرائمه خلال السنة ، وسوف يتساوى في النهاية مع من تورط بارتكاب جريمة واحدة من جرائم خيانة الأمانة . لذلك نرى أن لا مبرر للإبقاء على هذا النص وبخاصة ما يتعلق منه بجريمة الاختلاس ، ونرى ضرورة إلغائه أو تعديله بجعل ارتكاب الجريمة لمرات متعددة خلال سنة واحدة ظرفاً مشدداً للعقوبة ، وبذلك نكفل ضمان الردع العام للعقاب المقرر لهذهِ الجرائم . 




ثالثاً ـ قواعد الإحالة بمقتضى قانون رعاية الأحداث 


وضع قانون رعاية الأحداث في أحكامه قواعد خاصة تتعلق بإحالة المتهمين الأحداث ، وهي تتميز عن تلك المقررة للبالغين من ناحيتين : 

الأولى ـ من حيث الاختصاص ، وفيهـا ينبغي التميـيز بين حالتين أيضاً ، فإذا 

كانت الواقعة جنحة ، أو إذا كانت من حالات التشرد والانحراف فالقرار بالإحالة يكون على محكمة الأحداث،غير أن قاضي الأحداث ( وحده ) هو المختص بنظرها عملاً بنص المادة ( 56 ) من قانون رعاية الأحداث ونصها : (( ينظر قاضي محكمة الأحداث في الجنح وقضايا المشردين ومنحرفي السلوك و القضايا الأخرى التي نص عليها هذا القانون )) . أما الحالة الثانية فـهي التي نصت عليها المادة ( 57 ) بالقـول : (( ينظر قاضي الجنح في الوحدة الإدارية التي لا توجد فيها محكمة أحداث في المخالفات والجنح المعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات ، ويطبق بشأنها أحكام هذا القانون )) . وهذا يعني أن جرائم المخالفات وكذلك جرائم الجنح التي لا تزيد عقوبتها عن ثلاث سنوات تُحال على محاكم الجنح في الوحدات الإدارية التي لا توجد فيها محاكم أحداث . وبما أن محاكم الأحداث موجودة في مراكز المحافظات فقط ، فهذا يعني أن محاكم الجنح الموجودة في الأقضية وبعض النواحي هي المختصة بنظر تلك الجرائم وعلى قاضي التحقيق أن يقرر إحالتها عليها كلما رأى أن العقوبة المقررة قانوناً للجريمة لا تزيد على ثلاث سنوات . أما جرائم الجنايات فهي حصراً من اختصاص محكمة الأحداث بهيئتها المشكلة من الرئيس والأعضاء ، حيثُ تنظر في الجنايات ، وتفصل بصفة تمييزية بقرارات قاضي التحقيق ومنها القرار بالإحالة . 

الثانية ـ من حيث تعدد الجرائم ، حيـثُ نصت المادة ( 67 ) من قانون رعاية

الأحداث على أنه : (( إذا اتهم حدث بارتكاب أكثر من جريمة يضمها باب واحد من قانون العقوبات جازت محاكمته بدعوى واحدة والحكم عليه بالتدبير المقرر لكل جريمة والأمر بتنفيذ التدبير الأشد دون سواه )) .وتطبيقاً لهذا النص فقد أستقر قضاء محاكم الأحداث بصفتها التمييزية على نقض قرار الإحالة كلما وجد أن المتهم المحال عليها مرتكباً لأكثر من جريمة يضمها باب واحد من قانون العقوبات من أجل إحالة جميع القضـايا بقـرار إحالة واحد ، وكـأن القانون أوجب ذلك رغم أن صياغة النص تقول ( جازت محاكمته بدعوى واحدة ) ، من ذلك قرار لمحكمة أحداث صلاح الدين بصفتها التمييزية جاء فيه : ((.... وجد أن هذهِ القضية مفرقة عن قضايا أخرى تخص نفس المتهمين ويضمها جميعاً باب واحد من قانون العقوبات خلافاً لأحكام المادة (67) من قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 ، والتي أجازت محاكمة الحدث بدعوى واحدة إذا أتهم بارتكاب أكثر من جريمة يضمها باب واحد من قانون العقوبات،مما يقتضي توحيد كافة القضايا الخاصة بها وإحالتها بدعوى واحدة . . . وحيثُ أن النواقص المذكورة قد أخلَّت بصحة القرار المميز قُرِر نقضه . . . ))().ومع أن هذا الاتجاه له ما يبرره إذ من شأنه المساهمة في معالجة الحدث بأسلوب من التسامح والرأفة ، حيثُ تتجه العديد من تشريعات الأحداث إلى إحالة الأحداث المتورطين بارتكاب جرائم متعددة إلى محكمة الأحداث وبدعوى واحدة ،() إلا أن النص لا يخلو برأينا من نقد ، من ذلك أنه يشترط لأعماله أن تكون الجرائم المرتكبة من قبل الحدث جرائم متقاربة من حيث النوع ، أي ( يضمها باب واحد من قانون العقوبات ) ، فأن لم تكن كذلك وجب أحالة كل قضية على إنفراد بدعوى مستقلة وهو أمر يتعارض مع هدف القانون المنصوص عليه في المادة (1) منه الرامي إلى معالجة الحدث وتكييفه اجتماعياً . لذلك نرى أن التقيد بهذا النص من شأنه الإكثار من عدد الدعوي التي يحال بها الحدث وبالتالي أن تفرض عليه تدابير متعددة . 

وتعزيزاً لرأينا آنف الذكر ، نشير إلى نص المادة ( 16) من قانون الأحداث المصري رقم 31 لسنة 974 ونصها : (( إذا أرتكب الحدث الذي لا تزيد سنه على خمسة عشرة سنة جريمتين أو أكثر ، وجب الحكم عليه بتدبير واحد مناسب )) . والنص المصري واضح الدلالة في إحالة الحدث في الجرائم المتعددة وإن تباينت من حيث النوع ، حيثُ لم يشترط أن يضم تلك الجرائم باب واحد من أبواب قانون العقوبات ، والحكم عليه بتدبير واحد مناسب فقط ، وهذا ما نؤيده وندعو المشرع العراقي إلى تعديل نص المادة ( 67 ) من قانون رعاية الأحداث وجعلها بالشكل الآتي : (( إذ أتهم حدث بارتكاب أكثر من جريمة جازت محاكمته بدعوى واحدة والحكم عليه بالتدبير الأشد وحده المقرر قانوناً لتلك الجرائم )) . 

رابعاً ـ الإحالة في حالة تعدد الجرائم 


الأصل العام أن لكل جريمة دعوى مستقلة ، غير أن المشرع قد خرج عن هذهِ القاعدة في حالتين : 

الأولى ـ بمقتضى المادة ( 132 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، حيثُ نصت على أنه : (( أ ـ إذا نسب إلى متهم ارتكاب جرائم متعددة ، فتتخذ الإجراءات ضده بدعوى واحدة في الأحوال التالية : 

1 ـ إذا كانت الجرائم ناتجة عن فعل واحد . 

2 ـ إذا كانت الجرائم ناتجة عن أفعال مرتبطة ببعضها ويجمع بينها غرض واحد. 

3 ـ إذا كانت الجرائم من نوع واحد ، ووقعت من المتهم نفسه على المجني عليه

نفسه ولو في أزمان مختلفة . 

4 ـ إذا كانت الجرائم من نوع واحد ، ووقعت خلال سنـة واحدة على مجني 

عليهم متعددين بشرط أن لا يزيد عددها على ثلاث في كل دعوى .

ب ـ تعتبر الجرائم من نوع واحد إذا كانت معاقباً عليها بنوع واحد من العقاب بمقتضى مادة واحدة من قانون واحد . )) . 

وعلى هذا النهج تسير محكمة التمييز في قراراتها من ذلك قرار جاء فيه : (( . . . ولدى عطف النظر على أوراق الدعوى والقرارات الصادرة فيها يتبين بأنها غير صحيحة ومخالفة للقانون من الناحية الشكلية ، حيثُ لا يجوز محاكمة المتهم عن أربع جرائم في دعوى واحدة استناداً لأحكام المادة ( 132 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية،فكان على محكمة التحقيق إحالة المتهم بدعوتين بموجب قراري إحالة،الأول لمحاكمته عن ثلاث جرائم،والثاني عن الجريمة الرابعة.إضافة إلى أن قرار الإحالة جاء خالياً من إسم المصابين (ر) و (هـ) خلافاً لأحكام المادة (131) من الأصول الجزائية عليه قرر نقض كافة القرارات الصادرة في الدعوى والتدخل بقرار الإحالة ونقضه بغية إعادة القضية التحقيقية إلى محكمة التحقيق لتنظيم قراري إحالة جديدين وفق ما تقدم ))() .

ونص الفقرة (ب) أعلاه لا يخلو بنظرنا من نقد ، فاعتبار الجرائم من نوع واحد بالشروط التي أتى عليها النص وهي وحدة المادة القانونية ووحدة القانون قد يعيق من سرعة حسم الدعاوي ، في وقت تكون فيها السرعة في الحسم من مستلزمات تحقيق العدل لأطراف الدعوى وأكثر إرضاء للجمهور الذي يتـطلع إلى أن يـرى الجـاني قد صدر بحقه الحكم العادل وبسرعة . ونرى أن الجـرائم تعتبر من نوع واحد كلما كانت معاقباً عليها بنوع واحد من العقاب ، فعلى سبيل المثال كلما كانت الجرائم وإن اختلفت في النوع معاقب عليها بالإعدام ، أو كانت معاقب عليها بالسجن المؤبد أو المؤقت ، أو كانت معاقب عليه بالحبـس كانت من نوع واحـد، فجسـامة الجـريمة برأينا هي المعيار الأنسب للتماثل ، والأخذ بهذا الرأي يتطلب تعديل نص الفقرة (ب) من المادة ( 132 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وذلك بحذف العبارة التالية من عجزها :(( بمقتضى مادة واحدة من قانون واحد )) . 

وجـديرٌ بالذكر أن التحقيق إذا شمل أكثر من جريمة واحـدة من اختصاص محاكم من درجة واحدة وكانت مرتبـطة ببعضها ويجمعها غرض واحد فتحال جميعها بقرار إحالة واحد على المحكمة المختصة ، أما إذا كانت من اختصاص محاكم من درجات مختلفة فتحال على المحـكمة الأعلى درجـة
().فقـد تكون الجرائم المرتبطة ويجمع بينها وحدة الغرض بعضها من الجنايات والأخرى من الجنح حيثُ تحال جميعاً على محكمة الجنايات. 

الثانية ـ حالة تعدد المتهمين ، حيثُ نصت المادة (133) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على انه : (( تتخذ الإجراءات بمقتضى المادة 132 في دعوى واحدة ولو تعدد المتهمون سواء كانوا فاعلين أم شركاء )) . وهذا يعني أن المتهمون ـ مهما كان عددهم ـ تتخذ بحقهم نفس الإجراءات التي تتخذ بحق المتهم الذي نسبت إليه ارتكاب جرائم متعددة كما أشرنا سابقاً ، وسواء كانوا فاعلين أصليين أم شركاء ، ويعني ذلك أن قرار إحالة واحد يصدر بحق الجميع . 

غير أن ما تجدر الإشارة إليه ونحن بصدد تعدد المتهمين ، كثيراً ما يحصل أن يشترك بارتكاب الجريمة حدثاً ورشيد مما يتعين تفريق دعواهما وإحالة الحدث إلى المحكمة المختصة بالأحداث ، وإحالة البالغ إلى المحكمة المختصة بالبالغين ، حيثُ نصت المادة ( 235 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه : (( أ ـ إذا أتهم حدث ورشيد بارتكاب جريمة فعلى قاضي التحقيق تفريق الدعوى وإحالة كل منهما على المحكمة المختصة )) . كما عالجت الموضوع ذاته المادة ( 53 ) من قانون رعاية الأحداث ونصها : (( إذا أتهم حدث مع أحد بالغ سن الرشد بارتكاب جريمة فعلى قاضي التحقيق تفريق الدعوى وإحالة كل منهما على المحكمة المختصة )) . 




المطلب الثاني 

بيانات قرار الإحالة 


نصت المادة (131 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على تلك البيانات بقولها : (( يبين في قرار الإحالة اسم المتهم وعمره وصناعته ومحل إقامته والجريمة المسندة إليه ومكان وزمان وقوعها ومادة القانون المنطبقة عليها واسم المجني عليه والأدلة المتحصلة مع تأريخ القرار وإمضاء القاضي وختم المحكمة )).ويبدو أن هذا السرد القصد منه إعطاء صورة كاملة لهوية المتهم وهوية المجني عليه ومعلومات كاملة عن الجريمة إضافة إلى معلومات تخص المحكمة وإجراءات التحقيق وكالآتي : 

أولاً ـ ما يتعلق بهوية المتهم 

بعد أن يتأكد قاضي التحقيق من دقة الأدلة وكفايتها للإحالة ومن استكمال كافة الإجراءات التي يتطلبها التحقيق في القضية ، عليه أن يقرر إحالة المتهم على المحكمة المختصة ، ونموذج قرار الإحالة يتضمن حقولاً لكافة البيانات التي أشارت إليها المادة (131 ) أعلاه ، من أهمها بيان إسم المتهم وعمره وصناعته ومحل إقامته . ففيما يتعلق بإسم المتهم ، ينبغي أن يتضمن قرار الإحالة الأسم الثلاثي مع اللقب ، بل أحياناً ولتشابه الأسماء يلجأ الكثير من قضاة التحقيق إلى ذكر الاسم الرباعي ـ وإن لم يشترط القانون ذلك ـ حِرصاً منهم على الدقة في بيان هوية المتهم وضمان عدم محاكمة شخص آخر غيره .() فالخطأ في إسم المتهـم يؤدي كما تقول محكمة التـمييز في احد قراراتها : (( . . . إضافة لِما يسببه من مشاكل في تشابه الأسماء فأنه يصعب تنفيذه ويجعل من قرار الحكم عرضة للطعن القانوني ، لِذا قُرِرَ نقض كافة القرارات الصادرة من محكمة جنايات صلاح الدين بعدد 224/ج/2004 وتأريخ 25/10/2004 وإعادة الإضبارة إلى محكمتها للتثبت من اسم المتهم الصحيح بسند رسمي يربط مع الأوراق ))()

كذلك يجب بيان عمر المتهم ، ذلك أن لتحديد العمر أهمية من ناحيتين : الأولى معرفة المحكمة المختصة بالمحاكمة بحسب ما إذا كان المتهم بالغاً أم حدث ، والثانية معرفة ما إذا كان مسؤولاً جزائياً أم لا ، ذلك أنه من لم يبلغ التاسعة من عمره لا يسأل جزائياً . ومما يتعلق بهوية المتهم بيان مهنته ، أو كما جاء في النص ( وصناعته ) ، غير أننا نرى أن كلمة ( صناعته ) لا تُغَطي الأعمال جميعاً ، فهبي كلمة تُشير إلى الرجل ( ألصنائعي ) أي من ذوي المهن الصناعية ، وربما يكون استعمال كلمة ( عمله ) أو ( مهنته ) أَوْفَى بالمراد من استعمال المشرع لكلمة ( صناعته ) وهو ما ندعو إلى تعديل النص من هذهِ الجهة . 

من جانب آخر إن من بين البيانات المهمة لقرار الإحالة ذكر محل إقامة المتهم ، فبواسطته يمكن إجراء التبليغات أو تنفيذ أوامر القبض أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق كالتفتيش مثلاً .()

وإذا كانت المعلومات الآنفة الذكر تكفي لبيان شخصية المتهم ، إلا أنها لا توضح مركزه القانوني وهل أنه موقوف أو مكفل أو مرجأ تقرير المصير أو غائب . ومع ذلك فأن نموذج قرار الإحالة يتضمن حقلاً خاصاً بذلك وإن سهى عن بيانها نص المادة (131) من الأصول الجزائية ، وكان حرياً بالمشرع عِند إصداره القانون أن يُشير إلى هذهِ المسألة المهمة في نص المادة ( 131 ) وهو ما ندعو أيضاً إلى تعديله وتوضيح ذلك في النص صراحة . كما أن هذهِ المسألة على غاية من الأهمية من جهة أخرى ، فكون المتهم غائب يوجب على قاضي التحقيق طبقاً لنص المادة ( 135 ) من الأصول الجزائية استنفاذ طرق الإجبار على الحضور وأهمها إصدار أمر القبض والتيقن من عدم إمكانية تنفيذه من خلال إشعار المبلغ المختص بالتبليغ أو الجهة الرسمية التي لها علاقة بالمتهم الهارب ، وكذلك الحجز على أمواله . غير أن نص المادة ( 135 ) لا يُشير إلى منع سفره وإن كان العمل جارٍ على ذلك وهناك نموذجاً رسمياً بهذا الخصوص ، لكننا نرى في هذهِ المسألة أهمية متميزة توجب معالجتها تشريعياً بإضافة فقرة جديدة إلى المادة ( 135 ) تكون الفقرة الثانية لها ومضمونها : (( يصدر قاضي التحقيق قراراً بمنع سفر المتهم الغائب قبل صدور القرار بإحالته على المحكمة المختصة )) . 

ثانياً ـ ما يتعلق بهوية المجني عليه 

لبيان إسم المجني عليه أثراً كبيراً ، فهو يُحدد شخصية من وقعت عليه الجريمة ،فأن لم يذكر إسمه ، أو ذكر اسم البعض ولم يذكر أسماء الآخرين وجرت المحاكمة عن الجريمة بوقائعها كافة بما في ذلك ما يتعلق بالمجني عليهم الذين لم تذكر أسمائهم في قرار الإحالة ، فمعنى ذلك أنها أجرت المحاكمة عن جريمة لم يتقرر إحالتها عليها ، وعلى هذا المنوال تسير محكمة التميـيز الاتحادية في قراراتها ، من ذلك قـرار جاء فيه : (( . . . ولدى ملاحظة قرار الإحالة المذكور وجد أنه لم يذكر إسم المصاب (ص) ضمن أسماء المجني عليهم بالرغم من وجود محضر مؤرخ في 2/8/2004 يقضي بتوحيد قضية المصاب مع قضية المجني عليهما ، فكان على قاضي التحقيق والحالة هذه أن يدرج اسم المصاب مع اسمي المجني عليهما في حقل اسم المجني عليه ، وعلى هذا فأن المحكمة حاكمت المتهم عن جريمة لم يحل عليها ، وكان على محكمة الجنايات أن تلاحظ ذلك ، وحيثُ أنها سهت عنه قُرِرَ نقض كافة القرارات الصادرة بالعدد 180/ج/ 2004 وتأريخ 18 / 10 / 2004 من محكمة جنايات الثورة،والتدخل تمييزاً بقرار الإحالة المذكور ونقضه وإعادة إضبارة الدعوى إليها لتنظيم قرار إحالة جديد يتضمن أسماء المجني عليهم)) (). 

كما أن لبيان أسم المجني عليه في قرار الإحالة أهمية أخرى من حيث تحديد إلتزام محكمة التحقيق بنص المادة ( 132 / آ ـ 4 ) ، والتي تنص على أنه : (( 4 ـ إذا كانت الجرائم من نوع واحد ووقعت خلال سنة واحدة على مجني عليهم متعددين بشرط أن لا يزيد عددها على ثلاث في كل دعوى )) . 

ثالثاً ـ ما يتعلق بالجريمة المرتكبة 

وأهم ما يتعلق بالجريمة المرتكبة بيان نوعها والمادة القانونية المنطبقة عليها ، فبواسطة هذهِ البيانات يتحدد الاختصاص الوظيفي ، حيثُ تحال دعاوي الجنح إلى محاكم الجنح ودعاوي الجنايات إلى محاكم الجنايات . وبواسطتها أيضاً يتحدد الاختصاص النوعي ، فهناك جرائم محددة تختص بنظرها محاكم مختصة كالمحكمة الجنائية المركزية ، والتي تختص بقضايا الإرهاب ، والمحكمة الجنائية العراقية العليا() والتي تختص بجرائم مُحددة ورد النص عليها في قانون تشكيلها ، مما يتوجب على قضاة التحقيق المنسبين للعمل بها إحالة تلك القضايا على المحكمة المذكورة . 

وجديرٌ بالذكر أن الخطأ في التكييف القانوني الصادر من قاضي التحقيق على قرار الإحالة لا يترتب عليه البطلان ، إنما يجوز لمحكمة الموضوع أن تعدل الوصف القانوني وفق ما تراه منطبقاً تماماً ، لذلك تذهب محكمة التمييز في قراراتها إلى تصديق القرارات الصادرة مع التنويه بضرورة ذكر الفقرة الحكمية من المادة القانونية في قرار الإحالة ، من ذلك قرار لها جاء فيه : (( لدى التدقيق والمداولة وجد أن القرار الصادر بتأريخ 9 / 11 / 2004 في الدعوى المرقمة 249 / ج/ 2004 من قبل محكمة جنايات كركوك القاضي بإلغاء التهمة والإفراج عن المتهم ( ع ) للأسباب التي اعتمدتها المحكمة صحيح وموافق للقانون لذلك قرر تصديقه استناداً للمادة ( 259 / أ / 2 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية . مع ملاحظة أن قرار الإحالة جاء خالياً من ذكر الفقرة الخاصة من مادة الإحالة (406) والتي تحتوي على عدة فقرات كل منها جريمة مستقلة بأركانها وشروطها ، وكان على المحكمة المذكورة ممارسة رقابتها على قرارات قاضي التحقيق وفقاً للمادة (265) الأصولية لملاحظة ذلك مستقبلاً ))().وفي قرار آخر قررت فيه نقض كافة القرارات والتدخل التمييزي بقرار الإحالة ونقضه (( لتنظيم قرار إحالة جديد يتضمن أسماء المجني عليهم ويذكر المادة القانونية والفقرة الخاصة منها التي تحكم الحالة ))().

وفيما يتعلق من البيانات التي تخص الجريمة المرتكبة بيان مكان وزمان وقوعها ، ولهذهِ البيانات أهمية قانونية ، فبالنسبة للمكان يتحدد الاختصاص المكاني للمحكمة التي ستحال عليها الدعوى الجزائية . وبالنسبة للزمان فعلى ضوئه تتمكن المحكمة من معرفة شمول الدعوى بالتقادم مثلاً وذلك فيما يتعلق بالقوانين التي تأخذ بنظام التقادم كالجرائم المنصوص عليها في المادة( 3 ) من الأصول الجزائية ، وكذلك جرائم الأحداث حيثُ يأخذ قانون رعاية الأحداث بنظام التقادم لجميع الجرائم . كما أن تحديد زمان ارتكاب الجريمة يفيد أحياناً في تحديد مدى شمول المتهم بقوانين العفو التي تصدر لشمول جرائم مرتكبة خلال فترة محددة . 

كما أن سرد الأدلة بصورة موجزة في قرار الإحالة هو بمثابة تلخيص دقيق وواضح للأدلة كما أسفر عنها التحقيق ، وأهمية سرد الأدلة في قرار الإحالة تكمن في أنه من القرارات القابلة للطعن سواء للخطأ في تطبيق القانون أم للبطلان في الإجراءت() . 

رابعاً ـ ما يتعلق بمحكمة التحقيق 

كان من بين البيـانات التي نصت عليها المادة (131) من الأصول الجزائية (( . . . تأريخ القرار وإمضاء القاضي وخـتم المحكمة )) . فللتأريخ أهميته،فبواسطته يمكن للخصوم الطعن به خلال المدة القانونية للطعن . كما أن بواسـطته تستطيع محكمة الموضوع من استعمال سلـطتها الرقابـية فيما يتعلق بالتزام محكمة التحقيق بالسقوف الزمنية للتحقيق في الجرائم .

أما إمضاء القاضي وختم المحكمة فله أهمية خاصة ، فهو يعبر عن مسؤولية من وقعه ، كما أن القرار إذا خلا من التوقيع كان ورقة عادية لا يُعتد به() . غير أننا نلاحظ أن النص لم يذكر وجوب بيان اسم القاضي وإن جرى العمل على بيانه في نموذج قرار الإحالة،وهو هو ما نرى ضرورة ذكره في صلب المادة ( 131)آنفة الذكر ، ومن جهـة أخرى فأن ( الإمضاء ) غير ( التوقيع ) ، فمصطلح الإمضاء يُشير في الغالب إلى (طبعة الأصبع)، ولهذهِ الأسباب نرتأي تعديـل النص من هذهِ الجهة بإحلال عبارة (( واسـم القاضي وتوقيعه )) بدلاً من عبارة ((وإمضاء القاضي )) . 

وإذا كان لكل بيان من تلك البيانات أهميته الخاصة ، فيكون لقرار الإحالة وفق النموذج المعد وبما تضمنه من بيانات أهمية متميزة ، لذلك يكون عدم ربط نسخة من قرار الإحالة سبباً موجباً للنقض،وفي ذلك تقول محكمة التمييز : (( . . . وعند تدقيق الإضبارتين وجد أنه لم يتم ربط نسخة من قرار الإحالة مع الإضبارة المرفقة،كما أن الإضبارتين أعطيتا رقم واحد دون تفريق بينهما . . . كما لوحظ أنه في ورقة التهمة دوِّن أمام اسمه إنه هارب ، بينما في قرار الحكم لم يُحسب هارباً بدليل أنه في العقوبة الأولى نظمت بحقه مذكرة تنفيذ العقوبة وهي تنظم بحق المتهم الحاضر ، وللتناقض أعلاه الحاصل في المحاكمتين قرر نقض قراري المحكمة المؤرخين 27/10/2004 و 3/5/2004 الصادرين بالعدد 26/ج/2004 وإعادة الأضبارتين إلى محكمتها لمحاكمة المتهمين مجدداً بعد ملاحظة ما تقدم ))() . 




المبحث الثاني

مباديء ومضمون القرار التمييزي


القرارات التمييزية سوابق قضائية تمثل في ما تتضمنه من مباديء توجيهات المحكمة العليا وتوجيهاتها إلى المحاكم لتدارك الخطأ مستقبلاً، وللعمل بمقتضاها في القضايا المتماثلة()،لذلك يكون تقديم عرض لمضمون القرار التمييزي ومن ثم استنباط أهم المباديء التي يتضمنها أهمية عملية وعلمية، كما أن استنباط المباديء التي يتضمنها القرار ييسر على الباحث مهمة التعليق عليه ، ولذلك ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين :نقدم في الأول عرضاً لمضمون القرار التمييزي، ونخلص في الثاني إلى التعليق على القرار التمييزي.




المطلب الأول

عرض مضمون القرار التمييزي 


سبق لمحكمة جنايات بابل أن قررت وفي الدعوى المرقمة 158/ج/2006 بتأريخ 13/6/2006تجريم المتهم (ع) وفقاً لأحكام المادة( 456/1/أ عقوبات ، وحكمت عليه بالحبس البسيط لمدة سنة واحدة مع احتساب موقوفيته عن شكوى المشتكي (م . ع) . كما قررت المحكمة تجريم المتهم (ع) وفقاً لأحكام المادة( 456/1/أ )عقوبات وحكمت عليه بالحبس البسيط لمدة سنة واحدة عن شكوى المشتكي (ع ت )،وكذلك قررت تجريم المتهم ذاته وفقاً لأحكام المادة (456/1أ) من قانون العقوبات وحكمت عليه بالحبس البسيط لمدة سنة واحدة عن شكوى المشتكي (م ح) ، على أن تنفذ العقوبات أعلاه بحق المحكوم بالتعاقب استناداً لأحكام المادة (143/أ) عقوبات ، والاحتفاظ للمشتكية بحق المطالبة بالتعويض أمام المحاكم المدنية بعد اكتساب القرار الدرجة القطعية استناداً لأحكام المادة (182) من قانون أصول المحاكمات الجزائية . هذا القرار كان محلاً للتدقيقات التمييزية بعد الطعن به تمييزاً من وكيل المميز (ع) وطلب نقضه للأسباب الواردة بلائحته المؤرخة 3/7/2006 ، فأصدرت محكمة التمييز الاتحادية القرار المرقم 4343/الهيئة الجزائية /2006 في 31/7/2006 ،وهو التالي :

(( لدى التدقيق و المداولة وجد أن كافة القرارات الصادرة بتأريخ 13/6/2006 في الدعوى المرقمة 158/ج/2006 من قبل محكمة جنايات بابل والقاضية بتجريم المتهم (ع) عن ثلاث جرائم وفق المادة(456/1/أ )عقوبات عن شكوى كل من (م . ع ) و (ع.ت) و (م.ح)،والحكم عليه عن كل جريمة لمدة سنة واحدة،وتنفيذ العقوبات الثلاث بالتعاقب قد جانب الصواب وبني على خطأ في تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً.حيثُ تبين من خلال وقائع الدعوى بأنه قد تم تدوين أقوال المجني عليه كمشتكين وشهود بعضهم لبعض بنفس الدعوى ، رغم عدم جواز ذلك ، وإن الأمر كان يقتضي تفريق أوراق كل مشتكي لوحدها وإحالة المتهم بثلاث دعاوي مستقلة . وعليه ولكل ما تقدم قرر نقض قرار محكمة الجنايات بالعدد والتأريخ المذكورين أعلاه استناداً للمادة (259/أ) الأصولية ، والتدخل بقرار الإحالة المرقم 14/إحالة/2006 الصادر من محكمة تحقيق الكفل بتأريخ 19/12/2006 ونقضه أيضاً استناداً للمادة (264/أ ) الأصولية ، وإعادة أوراق الدعوى إلى محكمتها لإيداع القضية إلى قاضي التحقيق لتنفيذ ما ورد في المنوال المذكور أعلاه . وصدر القرار بالاتفاق في 6/رجب /1427هـ الموافق 31/7/2006 ))().

ما تقدم أعلاه في مضمون القرار التمييزي يُشير إلى مسائل جوهرية ثلاث ارتأينا ضرورة التعليق عليها يمثل اعتمادها مباديء القرار التمييزي،الأولى تتعلق بضرورة التمييز بين إفادتي المشتكي والشاهد وهو أمر هام يتعين على قضاة التحقيق أخذها بنظر الاعتبار في إجراءاتهم ()،والثانية تتعلق بمسألة تعدد الجرائم وفقاً لنص المادة (132/أ-4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية حيث يوجب النص إحالة الجرائم الثلاث بدعوى واحدة وكيفية التوفيق بين هذا النص والقرار التمييزي محل التعليق والذي يوجب على المحكمة تفريق الدعوى إلى ثلاث وإحالتها بثلاث دعاوى مستقلة.أما الثالثة فتتعلق بالتدخل بقرار لإحالة وضرورة أخذ هذا القرار على محمل الجد من حيث تدقيق إضبارة الدعوى للوقوف على سلامة إجراءات التحقيق من جهة وإكمال الإجراءات من جهة أخرى ، غير أن التعليق على القرار من أجل أن يكون مجدياً سوف يتم إرجائه بعد البحث في الأحكام العامة المتعلقة بقرار الإحالة. 

المطلب الثاني 

التعليق على القرار التمييزي 

بعد الإطلاع على ديباجة القرار التمييزي المتضمن أن محكمة جنايات بابل كانت قد قررت تجريم المتهم (ع) عن ثلاث جرائم وفق المادة (456/1ـ أ ) عقوبات وحكمت عليه بالحبس لمدة سنة واحدة عن كل شكوى وتنفيذ العقوبات الثلاث بحقه بالتعاقب ، كان هذا القرار محلاً للتدقيقات التمييزية من قبل محكمة التمييز الاتحادية فأصدرت قرارها بالعدد 4343/الهيئة الجزائية / 2006 في 31/7/2006 ، وأسباب النقض هو تدوين أقوال المجني عليهم كمشتكين وشهود بعضهم لبعض بنفس الدعوى . ثُم أن القرار أشارَ إلى وجوب تفريق أوراق كل مشتكي لوحدها وإحالة المتهم بثلاث دعاوى مستقلة وفق المادة (456) عقوبات ، ولتحقيق ذلك قررت التدخل بقرار الإحالة الصادر من محكمة التحقيق ونقضه لتنفيذ ما ورد أعلاه . ويمكننا استخلاص المبادئ الأساسية الثلاث الآتية من مضمون القرار وهي :

أولاً-ضرورة التمييز بين إفادتي المشتكي والشاهد . وثانياً-ملاحظة موضوع تعدد الجرائم في جريمة خيانة الأمانة ومدى انطباق نص المادة (132/أ ـ 4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. أما المبدأ الثالث فهو التدخل التمييزي بقرار الإحالة رغم ما يسببه التدخل من تأخير في حسم الدعاوى تأخيراً من شأنه الإضرار بسير العدالة ، وهو ما يجرنا إلى البحث في دور قاضي التحقيق والادعاء العام ومحكمة الجنايات في حصوله للتوصل إلى أسلوب أمثل لضمان سير العملية القضائية وفقاً للقانون بِلا خلل وبلا تأخير . 

ففيما يتعلق بالمبدأ الأول وهو ضرورة التمييز بين إفادتي المشتكي والشاهد ، هذا التمايز وإن كان من بديهيات القانون ، وإذا كان المشتكي يقف على ذات المنَصَّة التي يقف عليها الشاهد ، وكلاهما يؤدي اليمين القانونية()،إلا أن بين الاثنين تمايزاً لابد أن يؤخذ في الحسبان عند تدوين الأقوال ، فالمشتكي يريد ـ في الغالب ـ أن يثبت حقه ، ويسعى المتهم لإثبات براءته،فالقضية كما يقول البعض ما هي إلا (( ضرب من الصراع أو النضال بين متقاضيين ))().في حين لا مصلحة للشاهد ـ في الغالب ـ من أداء الشهادة ، فليس هناك قراراً سيصدر لصالحه أو ضده ، إذ يفترض فيه أن حضوره للإدلاء بما شاهد وسمع بحياد ونزاهة ، وإن كنا لا نستبعد حصول التحيز لهذا الطرف أو ذاك،لذلك ينبغي أن لا تخدع الأكاذيب القضاة وهم يستمعون إلى الشهادة ، ولا ينبغي الأخذ بالشهادة على اعتبار أنها حقيقة كاملة لأسباب عِدة منها : أن بعض الشهود يكذبون أحياناً ، وقد تخون البعض ذاكرتهم في بعض الأحيان ، وقد يستولي على البعض نوع من الفزع أو الخوف يجعلهم يختلقون أشياء لم تحدث ، أو يجعلون على بعض الوقائع ألواناً مخالفة للواقع . 

من جانب آخر فأن المشتكي لا يفكر في الغالب إلا في النفع الذي سيعود عليه ، فهو إذاً المكلف بإثبات زعمه بشهادات وأدلة أخرى ، في حين أن الشاهد يعرض نفسه للمسائلة إذا أدلى بشهادة كاذبة ، أو تستر على أي مخالفة للقانون ، أو سرد معلومات ملفقة ، لذلك قيل أن(( القضاء فن وهذا الفن المتأصل في نفوس القضاة لا يبدو ذا رونق وروعة إلا بأنصاف المتقاضين )() .

وفيما يتعلق بوجوب تفريق أوراق الدعوى إلى ثلاث لكل مشتكي دعوى مستقلة وفقاً للمادة (456) من قانون العقوبات . حيثُ أوجب هذا القرار التدخل التمييزي بقرار الإحالة ونقضه ، ينبغي هُنا التوقف عِندَ أمرين : الأول إن المادة ( 132/أ ـ 4 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص على أنه : (( إذا كانت الجرائم من نوع واحد ووقعت خلال سنة واحدة على مجني عليهم متعددين بشرط أن لا يزيد عددها على ثلاث في كل دعوى )). ومفاد هذا النص أن المتهم فيما يتعلق بالقرار التمييزي(موضوع التعليق ) قد ارتكب ثلاث جرائم ، والمجني عليهم متعددين ، والجرائم الثلاث من نوع واحد هو خيانة الأمانة . فإذا ما نظرنا إلى النص مع وقائع القضايا الثلاث وجدنا أن نص المادة ( 132/أ ـ 4 ) منطبق تماماً .

و ذلك يعني وجوب إحالتها بقرار إحالة واحد وهو النص الذي يحقق مصلحة المتهم . . . وأمام هذا التضارب في الأحكام القانونية بين تطبيق نص المادة (132/أ-4) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ،أو الالتزام بمضمون القرار التمييزي،فأن تقدير أيهما ينطبق على الوقائع الثلاث المرتكبة من قبل المتهم ، يحددها ـ بتقديرنا المتواضع ـ مصلحة المتهم طالما أن المادة المتقدمة تشترط ارتكاب الجرائم الثلاث( المتماثلة في النوع ) خلال سنة واحدة . وبالتالي نرى أن جرائم خيانة الأمانة الثلاث ـ وبحسب تواريخ ارتكابها على ضوء الأدلة المثبتة في الدعوى ـ ينبغي أن تحال بقرار إحالة واحد ، ولا حاجة بالتالي إلى التفريق ، كما لا حاجة إلى تدوين أقوال المشتكين شهوداً بعضهم لبعض ، فإفادات المشتكين هي بذاتها أدلة يعزز بعضها بعضاً . 

وفيما يتعلق بالمبدأ الثالث الخاص بوجوب التدخل التمييزي بقرار الإحالة ، فهنا ينبغي التوقف قليلاً والقول بصراحة ، أن هناك تقصيراً متسلسلاً في العملية القضائية ، ابتداءً من قاضي التحقيق وعضو الادعاء العام المنسب للعمل في محكمة التحقيق ، كما أن هناك قصوراً من هيئة المحكمة والمدعي العام المنسب أمامها . فمحكمة الجنايات هي المختصة بالإشراف على أعمال قضاة التحقيق وتدقيق قراراتهم . وكقاعدة عامة فأن القاضي كلما تدرج من منصب إلى آخر أرفع منه ،أتسع عالمه وأفقه ، وأزداد قدرة على معرفة ما كان يجهله من قبل ، وارتفعت درجة ثقافته ، ويظل على هذا المنوال إلى أن يبلغ الهدف الحقيقي ، وهو الإتقان في العمل ، ولا يتحقق ذلك إلا بازدياد الميل إلى الدراسة والبحث . لذلك لا ينبغي أن تكون السرعة في حسم الدعاوي بتسرع ، إذ أن النتيجة ستكون عكسية تماماً،وهي التسبب في تأخير حسم الدعاوى بعد نقض كافة القرارات بما فيها التدخل بقرار الإحالة ونقضه من قبل محكمة التمييز الاتحادية . 

من جانب آخر لا بد من التأكيد على دور الادعاء العام ، فبعد أن أقر مجلس القضاء الأعلى الموقر مبدأ المساواة بين جناحي العدالة القضاة والادعاء العام ، واعتبار رجال الادعاء العام قضاة متساوون في الحقوق والواجبات مع من يمارس القضاء فعلاً ، حيث توُّج ذلك بقانون التعديل لقانون الادعاء العام()، عليهم أن يهتموا أكثر وأكثر بدراسة ما يرد إليهم من أضابير في طريقها للإحالة إلى محكمة الموضوع على أن تكون الدراسة مستفيضة ، فكلما كانت دراستهم لاضبارة الدعوى كذلك كلما ساعد ذلك على تجاوز الأخطاء وإكمال الإجراءات التحقيقية دون تأخير()،وهو ما يؤمن سير العدالة وحسم الدعاوى ضمن السقوف الزمنية،فلا يطال المشتكي حيفاً بسبب سرعة حسم الدعوى ، ولا يطال المتهم ظلماً بسبب إهمال القائمين على التحقيق ـ قضاة وادعاء عام ـ بواجباتهم على أكمل وجه ، وبذلك نكفل لأطراف الدعوى الحق للجميع وبسرعة بلا تسرع ، ويأخذ العدل مجراه بالعدل والقسطاس . 

وما نقول به يتطلب ـ وبتقديرنا المتواضع ـ التخصص في العمل القضائي ، وينبغي أن يستند التخصص إلى الرغبة للعمل في المجال القضائي المنسب إليه ، كما يعزز أن يقرر مبدأ التخصص بتطوير الثقافة القانونية المتخصصة للقضاة وأعضاء الادعاء العام من خلال الدورات المتخصصة والمشاهدات داخل العراق وخارجه . 

الخــــــاتمة 

بعد أن درسنا أهم القواعد التي تنظم قرار الإحالة والبيانات التي يتضمنها، قمنا بعرض سريع لقرار محكمة التمييز الاتحادية المرقم 4343 /الهيئة الجزائية/2006 في 31/7/2006 ، ثم اتبعنا ذلك بالتعليق على القرار المذكور .ومن خلال هذه الدراسة توصلنا إلى مجموعة من الآراء والمقترحات لعلَّ من أهمها ما يأتي :

أولاً-الدعوة لتعديل نص الفقرة (أ) من المادة (134) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إذ لم نرى ما يسوغ التفرقة في قرار الإحالة بالنسبة للجنح بدعوى موجزة أو غير موجزة، وقلنا بضرورة إحالة دعاوى الجنح دائماً بدعوى غير موجزة،لأسباب أوضحناها آنفاً. 

ثانياً-وبصدد الإحالة بحسب نوع الجريمة حيث تحال قضايا مكافحة الإرهاب على محاكم الجنايات المركزية ، فقد سَبَّبنْا المطالبة بإلغاء هذه المحاكم كونها لا تختلف عن محاكم الجنايات في شيء ،من القواعد.

ثالثاً-تناولنا بالبحث أحكام المادة (189/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، وقلنا بأن إحالة مرتكب الجريمة الاختلاس أو جريمة خيانة الأمانة بدعوى واحدة واعتبارها جريمة واحدة وإن تكررت أفعاله خلال السنة الواحدة لا يحقق المصلحة العامة،فهذا النص من شأنه تحفيز الجاني على التمادي بارتكاب هذه الأنواع من الجرائم، لذا طالبنا بإلغاء النص أو تعديله واعتبار ارتكاب عدة أفعال خلال سنة واحدة ظرفاً مشدداً للعقاب.

رابعاً- وعند تناولنا لقواعد الإحالة بالنسبة للأحداث ، اقترحنا تعديل نص المادة (67) من قانون رعاية الأحداث ، كونها تشترط لإحالة الحدث في دعوى واحدة عند تعدد الجرائم أن ( يضمها باب واحد في قانون العقوبات) ، وذلك بحذف الشرط المذكور لمبررات أوضحناها في حينه.

خامساً- كذلك تطرقنا إلى قاعدة الإحالة عند تعدد الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (ب) من المادة (132) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فوجدنا إنها تشترط لاعتبار الجرائم أن تكون معاقب عليها بنوع واحد من العقاب (بمقتضى مادة واحدة من قانون واحد)وبرأينا فإن جسامة الجريمة هي المعيار الأنسب للتماثل فلاداعي لوحدة المادة القانونية والقانون الواحد، لذلك اقترحنا تعديل الفقرة المذكورة لضمان سرعة حسم الدعاوي ، وهو ما يحقق المصلحة العامة.

سادساً-وعند تطرقنا لبيان الإحالة، وجدنا أن نص المادة (131) من قانون أصول المحاكمات الجزائية يشترط بيان عمل المتهم بقوله (وصناعته) .وبما أن هذه الكلمة لا تغطي كافة الأعمال فهي بمعناها اللغوي الدقيق تعني (الرجل الصنائعي )،لذا اقترحنا تعديل الكلمة من النص بكلمة (عمله) أو (مهنته).

سابعاً- كذلك وفيما يتعلق ببيان الإحالة ، نجد أن نص المادة (131) من الأصول الجزائية  لم يتطرق إلى ذكر المركز القانوني للمتهم المحال ، وهل أنه مُكَفَّل أو موقوف أو مرجأ تقرير المصير أو غائب، في حين نجد لهذه المسألة حقل خاص بنموذج قرار الإحالة .لذا اقترحنا معالجة الحالة بتعديل النص المذكور والنص عليها صراحةً فيه. 

ثامناً-وحيث أن الإحالة في قضايا الهاربين على غاية الأهمية بسبب تزايد عدد المتهمين الهاربين عن وجه العدالة، وحيث أن نص المادة (135) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لم ينص على منع السفر كإجراء لضمان القبض على الهاربين ، أرتأينا تعديل النص بإضافة فقرة جديدة إليه بهذا المعنى.

تاسعاً- كما لاحظنا قصوراً في المادة (131) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، حيث أوجب النص أن يتضمن قرار الإحالة (إمضاء القاضي...)،وبما أن النص لم يوجب ذكر إسم القاضي،وحيث أن (الإمضاء ) غير (التوقيع) ، لذا اقترحنا تعديل النص من هذه الجهة بإحلال عبارة (وإسم القاضي وتوقيعه) بدلاً من عبارة (إمضاء القاضي).

عاشراً-وفي معرض التعليق على القرار التمييزي اقترحنا العمل بنظام التخصص للقضاة والادعاء العام، فالتخصص من شأنه تطوير القدرات ورفع الكفاءة القانونية، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال اختيار القضاة للعمل بحسب الرغبة أولاً ، مع العمل على تطوير الثقافة القانونية التخصصية من خلال الدورات والمشاهدات داخل العراق وخارجه.

وفي الختام ، فإن ما تناولته من سرد لأهم المقترحات ، ما هي إلا آراء أرجو أن أكون قد وفقت فيها ، فإن أصبت فلله الحمد أشكره وأُثني عليه ، وإن أخطأت فما أنا إلا بشر أُخطِيء وأُصيب ، غير أن ثقتي بنفسي واتكالي على المولى كانت المعين الأول لإنجاز البحث ومحاولة إبداء الرأي لتطوير وتعديل القوانين النافذة بما يخدم مسيرة العدالة.

والله الموفق وله الحمد أولاً وآخراً




المراجع و المصادر

أولاً-المؤلفات

) القاضي برنارد بوتين ـ محكمة ـ ترجمة أحمد مصطفى ـ مكتبة النهضة المصرية ـ 1954. 

2)جلال ثروت-أصول المحاكمات الجزائية(سير الدعوى العمومية)-الدار الجامعية –بيروت-1986.

3) جمال محمد مصطفى -شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية -مطـبعة الزمان-بغداد – 2005. 

4) جمـعة سعدون الربيعي ـ الدعوى الجزائية وتطبـيقاتها القضائية ـ مطبـعة الجاحظ ـ بغداد ـ 1990 . 

5)رمسيس بهنام ـ الإجراءات الجنائية تأصيلاً وتحليلاً ( الأسقضاء والمحاكمة ) ـ منشأة المعارف ـ الإسكندرية ـ 1978 .

6) رؤوف عبيد ـ مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري ـ مطـبعة جامـعة عين شمس ـ 1978 . 

7) سامي النصراوي ـ دراسة في أصول المحاكمات الجزائية ـ ج2ـ مطبعة دار السلام ـ بغداد ـ 1976. 

8)صالح عبد الزهرة الحسون ـ أحكام التفتيش وآثاره في القانون العراقي ( دراسة مقارنة ) ـ مطبعة الأديب البغدادية ـ بغداد ـ 1979 . 

9)صالح عبد الزهرة الحسون ـ الموسوعة القضائية-دار الرائد العربي-بيروت بلا سنة طبع . 

0)عبد الأمير العكيلي ـ أصول الإجراءات الجنائية في قانون أصول المحاكمات الجزائية ـ ج2 ـ مطبعة المعارف ـ بغداد ـ 1973 . 

1) محمد ظاهر معروف ـ المبادئ الأولية في أصول الإجراءات الجنائية ـ ج1 ـ دار الطبع والنشر الأهلية.

12)مخايل لحود-شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية-مكتبة صادر -بيروت-1994.




ثانياً-التشريعات والقرارات التمييزية

قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 111 لسنة 1971 المعدل
قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل.
قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم 10 لسنة 2005 .
قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 .
قرارات تمييزية (غير منشورة)



المحتويات

الموضوع

الصفحة

المقــــدمة

1 ـ 3

المبحث الأول / الأحكام العامة المتعلقة بقرار الإحالة

4ـ 21

المطلب الأول / قواعد الإحالة

4ـ 15

المطلب الثاني / بيانات قرار الإحالة

16 ـ 21

المبحث الثاني / مباديء للقرار التمييزي

22ـ 28

المطلب الأول / عرض مضمون القرار التمييزي

22 ـ 24

المطلب الثاني / التعليق على القرار التمييزي

25 ـ 28

الخاتمـــــة

29 ـ 30

المراجع و المصــادر

31











0 تعليق:

إرسال تعليق