بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

بحث مسؤولية الإدارة عن الأعمال المادية أمام ديوان المظالم

 بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين . أما بعد :

المسؤولية الإدارية هي تلك التقنية القانونية التي تتكون أساسا من تداخل إرادي ينقل بمقتضاه عبئ الضرر الذي وقع على شخص مباشر بفعل قوانين الطبيعة أو البيولوجيا أو السيكولوجيا أو القوانين الاجتماعية إلى شخص آخر ينظر إليه على أنه هو الشخص الذي يجب أن يتحمل العبئ و يختلف مفهوم المسؤولية، حسب مجالها أو إطارها فقد تكون :

أ) مسؤولية أدبية نتيجة مخالفة واجب أدبي لا يدخل نطاق القانـون.

ب) مسؤولية قانونية نتيجة مخالفة التزام قانوني.
و عليه فإن المسؤولية هي الالتزام الذي يقع نهائيا على عاتق شخص بتعويض ضرر أصاب شخص آخر
.

و لم تكن المسؤولية الإدارية معترف بها في جميع البلدان في كافة الأنظمة القانونية القديمة، فكانت المحاكم ترفض الاعتراف بمسؤولية الدولة عن الأضرار الناجمة عن نشاطها باعتبار أن الملك لا يخطئ حسب القاعدة القديمة : " الملك لا يسيء صنيعا "
و بالانتقال من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري لم يغير ذلك من عدم الاعتراف بالمسؤولية الإدارية حيث أن العصمة من الخطأ الملكي قد إنتقل إلى البرلمان الذي يجوز السيادة، و بذلك الشكل إذا تجسد ت فكرة لا مسؤولية الدولة و أضيف أيضا، بأن القواعد الموجودة التي تحكم المسؤولية الخاصة لا يمكن تطبيقها على الدولة. أما التصريح بمسؤولية المتبوع على أخطاء تابعيهم الذي يوجد سنده القانوني الوحيد في القانون المدني ، فلم يجد قبولا من الجميع و خاصة من طرف مجلس الدولة باعتبارات الدولة هي المتبوع و الأعوان الذين يعملون لحسابها هم التابعون. بذلك نستنتج مسؤولية الدولة عن أعمال الأعوان العموميون
و كانت النتيجة أن الدولة لا تصلح الأضرار الناجمة عن نشاطها.

و لكن الوضع بعد ذلك تغير و باتت الإدارة تتحمل مسؤولياتها عن الأعمال المادية , و هذا البحث يدور موضوعه حول مسؤولية الإدارة عن الأعمال المادية أمام ديوان المظالم "

و أسأل الله العلي القدير أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ..

و الله ولي التوفيق ...

المبحث الأول : مفهوم الأعمال المادية للإدارة

يعرف الفقه والاجتهاد القضائي في كل من فرنسا، ومصر و المملكة الأعمال المادية للإدارة بأنها  تلك الأعمال التي تقوم بها الإدارة دون قصد إحداث نتائج قانونية جديدة أو تعديل أوضاع قائمة وذلك تنفيذا للمقررات والأوامر الإدارية مثل إلقاء القبض على الأفراد، والاستيلاء على أملاكهم، وإقامة أعمدة  كهربائية أو هاتفية في أراضيهم، والقيام بهدم منازل آيلة للسقوط، الخ.

أو ارتكاب أعمال غير قانونية نتيجة خطا احد مستخدمي الإدارة  كحوادث السيارات التي هي في ملكية الإدارة حيث يصيب موظف الإدارة أو مستخدمها فردا أو عدة  أفراد بأضرار مادية أو جسدية، أو إصدار منشورات أو تعليمات من جانب الإدارة تتعلق بتنظيم داخلي للمرفق العام، أو القيام بأعمال غير مشروعة تنطوي على خطا جسيم أثناء التنفيذ وتمس بملكية خاصة أو حرية شخصية وهو ما يطلق عليه اسم " الاعتداء المادي "

وهذه الحالة الأخيرة من حالات الأعمال المادية للإدارة هي التي سنتناولها بالدرس والتحليل في هذا البحث نظرا لأهميتها .

و يعرف الفقه الفرنسي الاعتداء المادي بأنه كل عمل مادي تنفيذي غير مشروع ماس بالملكية الخاصة أو بالحريات العامة أو بحقوق الأفراد والجماعات صادر عن سلطة إدارية في غير حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية بحيث يصعب ربطه بسلطة الإدارة، وبالتالي يصبح مجردا من صفته الإدارية، وتفقد الإدارة بسببه كل الامتيازات المعترف لها بها كسلطة عامة فتنزل بذلك منزلة الأفراد العاديين، ويخرج عملها هذا عن رقابة القضاء الإداري.(1)  

أما الاجتهاد القضائي الفرنسي فيعرفه بالعمل المخالف للقانون مخالفة صارخة لا تسمح باعتباره مظهرا لممارسة اختصاص تملكه جهة الإدارة التي أصدرته بدرجة يتعذر معها القول بان يعتبر تطبيقا لقانون أو مرسوم تنظيمي فهو بذلك مقطوع الصلة بينهما لمساسه بالملكية الخاصة أو الحريات الفردية مراقبة الإدارة

شروط الاعتداء المادي:

والاعتداء المادي لا يتحقق إلا بتوافر شرطين :

 الشرط الأول يقتضي أن هناك مساسا خطيرا بالملكية الخاصة أو الحريات الأساسية والشرط  الثاني يستوجب أن يكون  تصرف الإدارة مجردا من صفة النشاط الإداري، ويصعب ربطه بتنفيذ نص قانوني أو تنظيمي.

الشرط الأول: وجود مساس خطيرا بالملكية الخاصة أو الحريات الأساسية

أ ـ وقوع مساس خطير بالملكية الخاصة:

ان الإدارة تلجأ أحيانا إلى احتلال  عقار أو وضع يدها على منقول مملوك لاحد الخواص دون اتباع الإجراءات القانونية والمسطرة اللازمة لذلك لتجنب طول الإجراءات والمساطر تحت عطاء حالة الاستعجال لتحقيق مصلحة عامة فتخرق بذلك القانون ويجرد عملها هذا من اية صفة ادارية وتنزل منزلة الأفراد العاديين، لكن هناك حالات يرفض فيها القضاء تكييف تصرف الادارة على انه يشكل اعتداءا ماديا بالرغم من تعددها وينتقي فيها عنصر المساس بحق الملكية الخاصة مثال ذلك : تشييد طريق من  طرف جماعة محلية لحماية المجال الغابوي من الحرائق على قطعة ارضية في ملكية الجماعة نفسها لكنها مسلمة إلى الغير على سبيل الكراء

المثال الثانيوجود اتفاق مبدئي بين الإدارة والمالك أو ترخيص من هذا الأخير للأولى للاستيلاء على ملكه والتصرف فيه بشتى أنواع التصرف حيث ينتفي عنصر المساس بحق الملكية وتعدم ظاهرة الاعتداء المادي بالرغم من تحققهما قانونيا.

لكن إذا استغلت الإدارة ترخيص المالك وأضافت منشات أو قامت بعمليات مهمة جدا غير الواردة في الاتفاق أو الترخيص ودون موافقة المالك مجددا، فإننا نكون بصدد اعتداء مادي حقيقي يرجع النظر فيه للمحاكم العادية.

المثال الثالث : العمل المادي غير المشروع الذي لا يرقى إلى درجة الاعتداء المادي بالمفهوم  السالف الذكر لارتكابه في ظل حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية  مع انه اعتداء مادي فعلا لو ارتكب في ظل الظروف العادية .

باستثناء هذه الحالات، فان المساس الخطير بحق الملكية ـ سواء تعلق بالمنقول أو العقار ـ يشكل اعتداء ماديا صرفا.

ب ـ وقوع مساس خطير بالحريات الأساسية:

إن مجال نظرية الاعتداء المادي أوسع من مجال نظرية الغصب فهي لا تقتصر على حماية الملكية الخاصة للعقارات وإنما تشمل المنقولات أيضا كما تمتد إلى حماية الحريات الأساسية من التصرفات الخطيرة  التي قد تصدر عن الإدارة ـ الا ان الاجتهاد القضائي الفرنسي يرفض مع ذلك وفي حالات محدودة تكييف تصرف الادارة على انه اعتداء على الحريات الفردية اما لعدم الاتسامة بالخطورة أو الجسامة أو لكون الحرية المعتدى عليها لا تعتبر من الحريات  الاساسية   .

ومن أمثلة الحريات الأساسية التي اعتبر الاجتهاد القضائي الفرنسي بان المساس بها يشكل اعتداء ماديا : حرية التنقل، حرية الرأي، حرية الصحافة، حرية العقيدة .

وقد استقر الاجتهاد القضائي الحديث على ان المساس ايضا بحق ممارسة نشاط مهني هو مساس بحرية  اساسية ويشكل في حد ذاته اعتداء ماديا .

الشرط الثاني : غياب السند المبرر لتصرف الإدارة

إن تكييف تصرف الإدارة بانه يشكل اعتداء ماديا يقتضي ان يكون هذا التصرف على قدر كبير من الخطورة والجسامة وان يبلغ خرق المشروعية فيه مستوى قياسيا غير معتاد، ومعنى ذلك ان تخرج الإدارة  عن حدود القانون وتتصرف بدون سند بمعزل عن القوانين والنصوص التنظيمية التي تحكم  ممارسة النشاط الاداري.

ويميز الأستاذ روني شابو في مؤلفه القانون الإداري بين ثلاثة أشكال  للاعتداء المادي :

1.    قرار متخذ دون أي سند قانوني،

2.    تنفيذ جبري خارج الحالات المسموح بها قانونا.

3.    غياب قرار مسبق.

وترى محكمة التنازع ان احتلال  الادارة لملك خاص دون سند قانوني أو ترخيص من المالك يشكل اعتداءا ماديا .

كما ان التطاول على اختصاص سلطة اخرى  قضائية أو تشريعية أو غيرهما يعتبر اعتداء ماديا  واضحا.

وترى كما ان استمرار الإدارة في تجاهل  قرار صادر عن القضاء قضى بأبطال سند كانت تعتقده صحيحا لتبرير تصرفها يعد من قبيل الاعتداء المادة .

المحكمة الإدارية لباريس من جهتها على ان حجز أشرطة تتضمن تسجيلا لمحاضرة بدعوى تهديدها للأمن العام يشكل اعتداء ماديا على الحريات الأساسية وتطاولا صارخا على اختصاص القضاء الجنائي الذي يرجع له النظر في مثل هذه النوازل.

وفي قرار لمحكمة النقض الفرنسية اعتبر ان صنع السند من طرف الإدارة نفسها لتبرير تصرفها يشكل اعتداء ماديا مادام هذا السند غير مرتكز على أساس قانوني .

الجهة القضائية المختصة بنظر الاعتداء المادي ان الاجتهاد القضائي الفرنسي والى غاية سنة 1966 كان يعتبر ان المحاكم العادية ( الا في حالات خاصة كحالة الضرورة، وحالة الظروف الاستثنائية) هي المختصة بنظر الدعاوي  الناتجة عن الاعتداء المادي مستندا في ذلك إلى التبريرات الآتية :

1. كون هذه المحاكم هي الحامية الطبيعية للملكية  الخاصة والحريات الأساسية.

2. كون القاضي العادي في هذه المحاكم يملك سلطة قوية واستثنائية لا يملكها القاضي الإداري للوقاية من الاعتداء  أو ايقافه، أو تعويض الأضرار الناتجة عنه، بل تمتد هذه السلطة إلى حد فحص شرعية القرارات الإدارية  أو الاعمال المادية التنفيذية المتعلقة بالاعتداء المادي وذلك استثناء وخروجا عن القاعدة العامة التي تمنح الاختصاص للقاضي الإداري كلما تعلق الامر بعمل أو نشاط اداري.

3. كون الاعتداء المادي وطبيعته والشكل الذي صدر عليه، أو الطريقة التي نفذ بها هو الذي انزل الإدارة منزلة الأفراد العاديين وافقدها ميزة التقاضي أمام القضاء الإداري واخضعها لمراقبة القضاء العادي الذي يحاكم تصرفها هذا وكأنه صادر من الخواص.

إلا ان الاجتهاد القضائي ما لبث ان قرر الاختصاص المشترك لجهتي القضاء العادي والقضاء الإداري سنة 1966 بمناسبة القرارين التاريخيين لكل من مجلس الدولة ومحكمة التنازع  في قضية جيجون " guigon"واستمرت محكمة التنازع وكذا مجلس الدولة على هذا النهج إلى تاريخه لكن في حالات معدودة ودقيقة ويبقى القضاء العادي في جل قضايا الاعتداء المادي هو المختص بالدرجة الأولى للبث فيها وقاية وذلك بمنع الادارة من القيام بعمله  أو تنفيذه  أو إيقافا وذلك بإيقاف الأشغال الجارية بدون سند في ملك احد الخواص أو ارجاعا للحالة الأولى  أو طردا من العقار المحتل تحت غرامة تهديدية  أو هدما  للبناء أو المنشات المقامة على ملك الغير بصفة غير شرعية.

الا ان الاجتهاد القضائي اشترط بالنسبة للهدم أو الايقاف الا تكون الاشغال الجارية قد اشرفت على نهايتها أو قطعت  اشواطا مهمة كلفت مصاريف حيث يكتفي في هاتين الحالتين بالحكم بالتعويض فقط.

الاعتداء المادي في الفقه  والاجتهاد القضائي المصري

1.    يعرفه الفقه المصري بانه ارتكاب الإدارة لخطأ جسيم اثناء قيامها بعمل مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حرية  فردية أو ملكية خاصة، ويكون مقطوع الصلة تماما بالمشروعية اما  لخروجه عن اختصاصها أو لكونه داخلا في اختصاصها ولكنها لم تتبع في اتخاذه الاوضاع، والإجراءات القانونية .

وهناك بعض من رجال الفقه من يطلق عليه  " أعمال الغصب والتعدي المادي " ويحتفظ له ببعض الخصائص التي يشترك فيها مع الاعتداء المادي  ويبرز المميزات  التي يتسم بها كل منهما ونقط الاختلاف والالتقاء بينهما والتي لا يتسع هذا البحث لتعدادها جميعها.

في حين يعرفه الاجتهاد القضائي المصري الذي اخذ بمعيار  اغتصاب السلطة وبمعيار المخالفة  الجسيمة ايضا بانه ارتكاب الإدارة لخطا جسيم وصارخ اثناء قيامها بعمل  مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حرية فردية أو على مال مملوك لاحد الافراد  أو يتعلق بعيب جسيم ينهض إلى حد اغتصاب السلطة، ويجعل العمل المادي عديم الاثر قانونا.(1)

الا ان ما يجدر ذكره هو ان القضاء الاداري المصري لا يشترط كالقضاء العادي  وجود اعمال  مادية تنفيذية للقول بتوافر حالة الاعتداء المادي بل يكفي ان يصدر قرارا معدوما يتضمن تنفيذه في طياته دون حاجة إلى تنفيذه فهو يستنفذ غايته بمجرد صدوره كالامر باغلاق مقر جريدة يومية أو منع عقد اجتماع حزبي أو نقابي بكيفية تعسفية وخارج حدود القانون واللوائح الجاري بهما العمل، وهذا ما أكدته محكمة القضاء الإداري  في حكمها الصادر بتاريخ 11 مايو 1950 وكذا في حكمها الصادر في 16 دجنبر1953 كما أكدته المحكمة الإدارية العليا في حكمها المؤرخ في 14 يناير1956 وحكمها أيضا في 23 نونبر1968 كما أكدته أيضا المحكمة الإدارية  بالقاهرة في حكمها الصادر بتاريخ 17 يونيه 1962.

الجهة المختصة بنظر دعاوى  الاعتداء المادي في مصر سبق ان اشرنا إلى هذه النقطة عند تعرضنا  للجهة القضائية المختصة بنظر دعاوى الاعتداء  المادي في فرنسا وقلنا بأنها جهة القضاء العادي باستثناء حالات معينة ومحدودة يختص بها القضاء الإداري خاصة المتعلقة  بحالات الضرورة والظروف الاستثنائية كإعلان حالة الحصار، والحرب، وإعلان حالة الاستثناء، الخ وان القضاء العادي يختص في الأصل بنظر دعاوى الاعتداء نزاعا اي رفع الاعتداء وإيقافه ومنعه وتعويضا. أي جبر جميع الأضرار الناتجة عن الاعتداء المذكور.

أما في مصر فقد كانت المحاكم المختلفة والمحاكم الأهلية، والمحاكم القضائية عموما هي المختصة أساسا بنظر دعاوى الاعتداء المادي إلى أن صدر القانون رقم 112 لسنة 1946 المتضمن إنشاء مجلس الدولة المصري وإعلان إتباع مصر منذ ذلك التاريخ لنظام القضاء المزدوج حيث أصبحت دعاوى الاعتداء المادي من اختصاصه كما اعترف للمحاكم الإدارية  ومحاكم القضاء الإداري بهذا الاختصاص وكرسته ايضا المحكمة الإدارية العليا فيما بعد ، على ان محكمة النقض والمحاكم العادية استمرت في الإعلان عن اختصاصها بنظر تلك أسوة بالاجتهاد القضائي الفرنسي .

وبالرغم من صدور قانون مجلس الدولة الجديد رقم47 لسنة 1972 والذي جعل هذا المجلس صاحب الاختصاص العام في مجال المنازعات الإدارية بما فيها  تلك المتعلقة بدعاوى الاعتداء المادي فان المحاكم الإدارية ومحاكم القضاء الإداري ومحكمة النقص لم تتوازن في الإعلان عن اختصاصها بنظر تلك الدعاوي استنادا إلى انها أعمال مادية صرفة ولا علاقة  لها بالقرارات الإدارية متاثرة في ذلك بالاجتهاد القضائي الفرنسي كما أسلف القول .

ونشير إلى ان طلبات التعويض المرتبطة بدعاوى الاعتداء المادي تطبق بشانها قواعد القانون المدني إذا رفعت إلى  القضاء العادي وقواعد المسؤولية الإدارية إذا رفعت إلى القضاء الاداري كما نشير إلى ان القضاء المصري بنوعيه يحمل الادارة التعويض الكامل إذا كان خطا مرفقيا كما يحمل الموظف المخطئ خطا جسيما كامل التعويض إذا ثبت خطاه الشخصي في حين يوزع المسؤولية بينهما بقدر إسهام كل واحد منهما في الخطأ المرتكب عندما يكون هذا الخطا مشتركا، أي مرفقيا وشخصيا، وفي جميع الحالات فان الادارة  تؤدي عن الموظف ما نابه على ان ترجع عليه فيما بعد باسترداد ما دفعته لفائدته (1)

 

 

 

 

المبحث الثاني : الرقابة القضائية على أعمال الإدارة

 

 القضاء والرقابة على إعمال الإدارة

حتى تكتمل عناصر الدولة القانونية لابد من وجود تنظيم للرقابة القضائية على مختلف السلطات فيها . وتعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأجدى صور الرقابة وأكثرها ضمانا لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد

 ففي ظل القضاء العادل تحترم الحريات وتصان الحقوق وبغياب القضاء العادل المستقل النزيه تهدر الحقوق وتنتهك الحرمات . ومن مقتضيات العدل ان تخضع الدولة بهيئاتها وأفرادها جميعهم لأحكام القانون ولا تخرج عن حدوده .

المطلب الأول : صور الرقابة القضائية على أعمال الإدارة:

    استقر التنظيم القضائي في اغلب الدول على وجود نوعين من  الرقابة القضائية على اعمال الادارة لايميز النوع الأول بين الافراد والإدارة في  مراقبة تصرفاتهم ويخضعهم الى نظام قضائي واحد هو القضاء العادي، ويسمى نظام القضاء الموحد .اما الثاني فيسمى نظام القضاء المزدوج . ويتم فية التمييزبين منازعات الافراد ويختص بها القضاء العادي والمنازعات الإدارية وتخضع لقضاء متخصص هو القضاء الاداري.

 

 

أولا : نظام القضاء الموحد :

يسود هذا النظام في انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى , ومقتضاه ان تختص جهة قضائية واحده بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الادارة  أو بين الهيئات الادارية ذاتها  .وهذا النظام يتميز بأنه أكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية اذ يخضع الأفراد والإدارة إلى قانون واحد مما لا يسمح بمنح الإدارة أي امتيازات في مواجهة الأفراد . بالإضافة الى اليسر في إجراءات التقاضي اذا ما قورنت باسلوب توزيع الاختصاصات القضائية بين القضاء العادي والإداري في نظام القضاء المزدوج

ومع ذالك فقد وجه النقد الى هذا النظام من حيث انه يقضي على الاستقلال الواجب توفره للادارة بتوجية الاوامر اليها مما يعيق أدائها لاعمالها , مما يدفع الإدارة الى استصدار التشريعات التي تمنع الطعن في قراراتها ,ولايخفى مالهذا من اضرار بحقوق الأفراد وحرياتهم .

ومن جانب اخر فأن نظام القضاء الموحد يؤدي الى تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية للموظفين مما يدفع الى الخشية من اداء عملهم بالوجه المطلوب خوفاً من المساءله, واذا ماقرر القضاء تضمين الموظفين بناء على هذا المبدا فانه يحرم المضرورين من اقتضاء التعويض المناسب لضعف إمكانية الموظف المالية غالباً(1) .

ثانياً : نظام القضاء المزدوج .

     يقوم هذا النظام على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين , جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة عندما تتصرف كشخص من أشخاص القانون الخاص , ويطبق القضاء على هذا النزاع احكام القانون الخاص .

وجهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشئ بين الأفراد والإدارة عندما تظهر الأخيرة بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الأفراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام .

وتعد فرنسا مهد القضاء الإداري ومنها انتشر هذا النظام في الكثير من الدول كاليونان ومصر والعراق , لما يتمتع به من خصائص مهمة , فالقضاء الإداري قضاء إنشائي يسهم في خلق قواعد القانون العام المتميزة عن القواعد العادية في ظل القانون الخاص والتي يمكن من خلالها تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم .

 

المطلب الثاني : أهمية وجود القضاء الإداري 

          من المهم تقرير خضوع قرارات الإدارة وتصرفاتها كافة لرقابة القضاء ضماناً لاحترام حريات الأفراد بصرف النظر عن كون هذا القضاء عاديا ام إداريا , لكن القضاء الإداري يتمتع بخصوصية تجعله أكثر كفاية في هذا المجال .

أولا : ظهور القضاء الإداري :

     تعد فرنسا مهد القضاء الإداري ومنها انتشر الى الدول الأخرى وكان ظهور هذا النظام نتيجة للأفكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 التي تقوم على اساس مبدأ الفصل بين السلطات ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الادارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية .

وتأكيداً لهذا الاتجاه اصدر رجال الثورة الفرنسية قانون 16-24 آب عام 1790 نص على إلغاء المحاكم القضائية التي كانت تسمى بالبرلمانات وانشأ ما يسمى بالإدارة القاضية او الوزير القاضي كمرحلة اولى قبل انشاء مجلس الدولة الفرنسي . وفي هذه المرحلة كان على الافراد اللجوء الى الادارة نفسها للتظلم اليها وتقديم الشكوى , فكانت الادارة هي الخصم والحكم في الوقت ذاته , وكان هذا الامر مقبولاً الى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء (( البرلمانات )) التعسفية .

وبنشوء مجلس الدولة في 12 / 12 / 1799 في عهد نابليون وضعت اللبنة الاولى للقضاء الاداري الفرنسي وكان اختصاصه استشارياً اول الامر , وبتاريخ 24 / 5 / 1872 منح المجلس اختصاصاً قضائياً باتاً .

ومنذ ذلك الوقت تمتع القضاء الاداري بالكثير من الاستقلال والخصوصية تناسب وظيفته في الفصل بالمنازعات الادارية وانشاء قواعد القانون الاداري المتميزة اصلاً عن قواعد القانون الخاص . ومن فرنسا انتشر النظام القضائي المزدوج في كثير من الدول ومنها مصر في عام 1946 والعراق عام 1989 .

 

ثانياً : خصوصية القضاء الاداري

    ان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على اعمال الادارة يمثل ضمانة حقيقية لحقوق وحريات الافراد في مواجهة تعسف الادارة ويؤدي بالإدارة الى التأني والحذر في تصرفاتها لتتأكد من مطابقتها للقانون , وقد حمل القضاء الاداري على كاهله هذه المهمة , وتتجلى اهمية وجود قضاء اداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية من نواح متعددة نظرية وعملية .

1- من النواحي النظرية :

    أ- ان رقابة القضاء الاداري على اعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكيد لمبدأ الشرعية , والضمانة الفعالة لسلامة وتطبيقه و التزام حدود احكامه , وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة .

    ب- تحقق رقابة القضاء على اعمال الادارة ثباتاً واستقراراً في النظام القانوني للدولة والاوضاع الادارية(1) .

  فهذا القضاء يتمتع بالخبرة والفاعلية في فض المنازعات التي تنشأ بين الادارة والافراد , وهو مجال لا يجوز تركه للقضاء المدني (2)

    فاذا كان القضاء العادي يمارس شكل من اشكال الرقابة في الحدود التي يفرضها القانون وله الولاية في الفصل في المنازعات بين الادارة والافراد في بعض الدول وخاصة الانكلوسكونية منها فان رقابة القضاء الاداري على اعمال الادارة تحقق التوازن بين المصلحة العامة والخاصة وهي مهمة تتطلب الالمام بالقانون الاداري وطبيعة المنازعة الادارية والقدرة على التمييز بين علاقات القانون الخاص وعلاقات القانون العام . وهو ما جعل للقانون العام النمو المتزايد يوماً بعد يوم حتى اصبحت معظم موضوعاته مستقلة تمام الاستقلال عن القانون الخاص.(3)

    ج- تتميز احكام القضاء العادي بانها ذات حجة نسبية تقتصر على اطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيرياً على النقيض من احكام القضاء الاداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .  

 

2- من النواحي العملية

يمثل القضاء الإداري الجانب العملي والتطبيقي للقانون الإداري الذي تعد دراسته مجالاً خصباً وميداناً فسيحاً للصراع المتطور بين السلطة والحرية , والمعركة الخالدة بين المصلحة العامة وحقوق الفرد وتبعا لذلك تزداد الاهمية العملية لوجود القضاة المتخصصين في المنازعات الادارية خاصة بعد ازدياد تدخل الدول في كل الميادين التقليدية للنشاط الفردي ومضاعفة واتساع المرافق العامة , وتشعب وتنوع وظائفها وتعقد روابط السلطة العامة بالجمهور , فتضاعفت كنتيجة حتمية لكل ذلك فرص الاحتكاك بين الإدارة والأفراد .(1)

    ب- اختلاف مراكز الخصوم في الدعوى الادارية عنها في الدعوى المدنية , الامر الذي يتطلب من القاضي في الاولى ان يكون اداة دقيقة لاعادة ميزان العدل في حكم علاقة الافراد بالدولة , فيسد عن كل طرف عجزه ويكمل وجهة النقص فيه(2)

فالقاضي الإداري له وضع خاص ومتميز في مواجهة القانون والإدارة والأفراد , وهو ما يتطلب او يستلزم تخصصه في الفصل في الدعاوى الإدارية واستقلاله عن جهة القضاء العادي , وإعداده الإعداد القانوني الجيد حتى يقوم بالدور المهم الذي يوكل إليه(1) .

ثالثاً : ولاية القضاء الاداري على اعمال الادارة

     كلما تعددت حاجات الناس وتشعبت كلما زاد تدخل الادارة او الدولة في تنظيم امور المجتمع , وعندما يزداد تدخلها يتضخم جهازها وادارتها , بل ويصبح اكثر اتصالاً بامور الناس , وابعد تأثيراً في حياتهم العامة والخاصة(2) .وكل ذلك يستدعي وجود قضاء اداري يتمتع بولاية الفصل في المنازعات الادارية .

وقد درج المشرع في مختلف الدول على منح القضاء الاداري ولاية النظر في الطلبات التي يقدمها الافراد او الهيئات بالغاء القرارات الادارية النهائية والتعويض عنها , بالاضافة الى نظر المنازعات الخاصة بالعقود الادارية والجنسية وغيرها من المنازعات ذات الطبيعة الادارية .

وقد اتبع العراق اسلوباً متميزاً في تنظيمه للرقابة على اعمال الادارة بانشاء مجلس الانظباط العام ومحكمة القضاء الاداري .

       يختص مجلس الانظباط العام بنوعين من المنازعات الادارية الاول هو النظر في الطعون المقدمة ضد العقوبات التأديبية وفقاً لقانون انظباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم 14 لسنة 1991 اما الاختصاص الثاني فيتعلق بالنظر في دعاوى الموظفين الناشئة عن حقوق الخدمة المدنية والتي يحكمها قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل والانظمة الصادرة بمقتضاه .

     اما الهيئة القضائية الاخرى وهي محكمة القضاء الاداري والتي تم انشائها بصدور القانون رقم 106 لسنة 1989 قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 فتختص بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية التي تصدر عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي التي لم يعين مرجع للطعن فيها والتعويض عنها اذا ما رفع طلب التعويض تبعاً لطلب الالغاء (1).

وقد ورد في المادة السابعة / ثانياً من القانون اعلاه  : " هـ. يعتبر من اسباب الطعن بوجه خاص ما يأتي :  

1. ان يتضمن الامر او القرار خرقاً او مخالفة للقانون او الانظمة او التعليمات .

2. ان يكون الامر او القرار قد صدر خلافاً لقواعد الاختصاص او معيباً في شكله .

3. ان يتضمن الامر او القرار خطأ في تطبيق القوانين او الانظمة او التعلمات او في تفسيرها او فيه اساءة او تعسف في استعمال السلطة ويعتبر في حكم القرارات او الاوامر التي يجوز الطعن فيها رفض او امتناع الموظف او الهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي عن اتخاذ قرار او امر كان من الواجب عليها اتخاذه قانوناً " .

  ما يخرج عن ولاية القضاء الإداري :

     اخرج المشرع من اختصاصات محكمة القضاء الاداري الطعون في القرارات الاتية :

1. اعمال السيادة واعتبر من اعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية .

2. القرارات الإدارية التي تتخذ تنفيذاً لتوجيهات الحاكم وفقاً لصلاحياته الدستورية .

3. القرارات الادارية التي رسم القانون طريقاً للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها .

وفي ضوء ذلك يتبين ان اختصاصات المحكمة محدودة جداً فهي علاوة على حصر اختصاصها بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الإدارية دون النظر في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية , ومن المعروف ان منازعات العقود الإدارية من صميم اختصاص القضاء الإداري في كثير من الدول التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج , نجد ان المشرع قد استثنى العديد من القرارات الادارية من قبيل المراسيم والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية والتي اعتبرها من أعمال السيادة . وهو امر يتنافى مع مبدأ المشروعية وضرورة خضوع الادارة للقانون ويفتح المجال أمام تعسفها وانتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم . كما ان المتتبع لطبيعة النظام القانوني العراقي يجد انه زاخر بالنصوص التي ترسم طريقاً للتظلم من القرارات الصادرة من بعض الجهات الإدارية أمام الإدارة نفسها أو أمام لجان إدارية او شبه قضائية وان استثناء المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة هذا النوع من القرارات من ولاية محكمة القضاء الإداري يقضي على ضمانة مهمة من ضمانات التقاضي ويحرم الأفراد من الاستفادة من قضاء مستقل متخصص بالمنازعات الإدارية


 

 

المبحث الثالث : مسؤولية الإدارة عن الأعمال المادية أمام ديوان المظالم

يؤكد ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية على  وجوب التزام الإدارات العامة في  المملكة و تحملها المسؤولية بشأن  عدم الإضرار بأي شخص، طبيعي أو اعتباري، في  معرض ممارستها لنشاطها في تسيير المرافق العامة، أو في تنفيذها لعقودها.

ففي صدد تأصيل التعويض في الأنظمة الإدارية المعمول بها في المملكة العربية السعودية، فإن إن أحكام الفقرة (ج) والفقرة (د) من البند الأول من المادة الثامنة من نظام ديوان المظالم  أوجبت التعويض للمتضرر من أعمال الإدارة العامة، أو من إخلالها بالتزاماتها التعاقدية معه. ومن البديهي أن هذا الحكم يفترض، بدلالة الاقتضاء، وجوب التزام الإدارات العامة في  المملكة بعدم الإضرار بأي شخص، طبيعي أو اعتباري، في  معرض ممارستها لنشاطها في تسيير المرافق العامة، أو في تنفيذها لعقودها.

      ـ أن ديوان المظالم  كان يعتمد أساس الخطأ للحكم على الدولة بالتعويض، وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم ( 818 ) وتاريخ 17/5/1396هـ، المحدد لاختصاصات الديوان، حيث نص هذا القرار صراحة على قصر النظر في طلبات التعويض المقدمة من المقاولين المتعاقدين مع جهات حكومية، على تلك التي يستند فيها هؤلاء إلى خطأ أو تقصير. واستمر الأمر على ذلك حتى صدر نظام ديوان المظالم  الحالي بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 17/7/1402هـ، حيث نصت الفقرة (ج) من المادة الثامنة منه صراحة على نظر كافة دعاوى التعويض المرفوعة من ذوي الشأن، في مواجهة الجهات الحكومية أو الأشخاص المعنوية العامة، بسبب أعمالها. وهذا نص صريح في أن القضاء الإداري بالمملكة أخذ أخيراً بمباديء وقواعد المسؤولية على أساس الخطر .

و فيم يلي نص المادة (8) :

1- يختص ديوان المظالم بالفصل فيما يأتي :

(أ) الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية والتقاعد لموظفي ومستخدمي الحكومة والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة المستقلة أو ورثتهم والمستحقين عنهم.
(ب) الدعاوى المقدمة من ذوي الشأن بالطعن في القرارات الإدارية متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة النظم واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة. ويعتبر في حكم القرار الإداري رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقاً للأنظمة واللوائح.

(ج) دعاوى التعويض الموجهة من ذوي الشأن إلى الحكومة والأشخاص ذوي الشخصية العامة المستقلة بسبب أعمالها.

(د) الدعاوى المقدمة من ذوي الشأن في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون الحكومة أو أحد الأشخاص المعنوية طرفاً فيها.
(هـ) الدعاوى التأديبية التي ترفع من هيئة الرقابة والتحقيق.

(و) الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب جرائم التزوير المنصوص عليها نظاماً، والجرائم المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة ، والجرائم المنصوص عليها في المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 29/11/1377هـ والجرائم المنصوص

عليها في نظام مباشرة الأموال العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم 77 وتاريخ 23/10/1395هـ.

وكذلك الدعاوى الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب الجرائم والمخالفات المنصوص عليها في الأنظمة إذا صدر أمر من رئيس مجلس الوزراء إلى الديوان بنظرها.

(ز) طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية.

(ح) الدعاوى التي من اختصاص الديوان بموجب نصوص نظامية خاصة.

(ط) طلب المحاكم الأجنبية إيقاع الحجز التحفظي على ممتلكات أو أموال داخل المملكة.

2- مع مراعاة قواعد الاختصاص المقررة نظاماً يجوز لمجلس الوزراء إحالة ما يراه من مواضيع وقضايا إلى ديوان المظالم لنظرها(1).

ـ أن الدوائر الإدارية في ديوان المظالم  استمرت بتطبيق قرار مجلس الوزراء السالف الذكر، حتى بعد صدور نظام ديوان المظالم  الحالي؛ وهكذا كان النص في جهة، والتطبيق القضائي في جهة أخرى. وقد اعتذرت معظم هذه الدوائر بأن نظام ديوان المظالم  لم ينص على إلغاء قرار مجلس الوزراء محل البحث. ولكن بعض الدوائر الأخرى كانت تثير هذا الأمر بين الحين والآخر، فأحال رئيس ديوان المظالم  الأمر إلى رئاسة مجلس الوزراء. وبعد دراسة الأمر من قبل لجنة من الخبراء، عقد مجلس الوزراء جلسة للنظر في هذا الأمر بتاريخ 19/1/1421هـ، وانتهى إلى أن قراره رقم (818) وتاريخ 17/5/1396هـ يعتبر ملغىً من الناحية النظامية بصدور نظام ديوان المظالم  بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 17/7/1402هـ، وبناءً عليه وجه سمو ولي العهد، خطابه رقم (3/207/م) وتاريخ 25/2/1421هـ، إلى ديوان المظالم  لإبلاغه بما انتهى إليه مجلس الوزراء في هذا الأمر. وبذلك انحسم جدل استمرّ عدة سنوات في الديوان، واستقر الاعتماد على مسؤولية الدولة على أساس المخاطر .(1)

الولاية التأديبية لديوان المظالم :

الولاية التأديبية لديوان المظالم لها ثلاث صور :

1- الاختصاص العقابي:

محكمة تأديبية للفصل في الدعاوى التي ترفع من هيئة الرقابة والتحقيق ضد موظفي الدولة سواء كانوا على رأس العمل أم لا لمحاسبتهم عن المخالفات التأديبية سواء     (مالية – إدارية) تستند في حكمها على مرتبة الموظف أو محل وقوع المخالفة للحكم بالعقوبة المنصوص عليها في نظام تأديب الموظفين من الإنذار إلى الفصل والعقوبات المقررة لمن تركوا الخدمة.

2- الاختصاص الرقابي:

القرارات الصادرة بتوقيع الجزاءات من السلطة الإدارية تخضع للرقابة القضائية لديوان المظالم من ناحيتين المشروعية مطابقة للأنظمة واللوائح والملائمة تتناسب مع العقوبة

تمارس هذه الرقابة عن طريق دعوى الإلغاء التي يرفعها ذوي الشأن بطلب إلغاء الحكم لعدم المشروعية أو الملائمة.

3- المسائل المتفرعة عن التأديب:

تطبيقاً لقاعدة "قاضي الأصل هو قاضي الفرع " تختص الدوائر التأديبية للديوان بالنظر في المسائل المتفرعة عن التأديب [مثل دعوى التعويض عن الضرر الناشئ عن القرار الإداري ] المقضي بإلغائه استنادا إلى مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية، طلبات التحميل تحميل الموظف بمبالغ مالية نتيجة إتلافه الأشياء بإهماله، طلبات صرف موظف نصف راتب في كف يد الموظف عن العمل.

إجراءات المساءلة التأديبية :

1- التحقيق والإحالة إلى المحكمة. . .

تبدأ إجراءات المساءلة التأديبية بصدور قرار السلطة المختصة بإحالة الموظف المتهم إلى التحقيق الإداري بنفسها أو بطلب من الإدارة تباشره بنفسها أو من هيئة الرقابة.

إذا أسفر التحقيق ثبوت المخالفة تقوم الهيئة بإعداد قرار الاتهام وإحالة الموظف المتهم إلى المحاكمة ويتولى رئيس ديوان المظالم أو رئيس الفرع إحالة الدعوى إلى الدائرة المختصة التي يتعين على رئيسها تحديد موعد لنظرها وإبلاغ هيئة الرقابة وتسليم الموظف نسخة من قرار الاتهام ويجب ألا تقل الفترة بين الإبلاغ وتاريخ الجلسة 30يوم

2- الادعاء ونظر الدعوى:

عضو الهيئة يتولى الادعاء تتكون الدائرة من 3 أعضاء والجلسة تكون علنية إلا إذا اقتضت الحاجة والحكم ينطق في جلسة علنية وحضور المتهم بنفسه أو توكيل محام يعتبر الحكم حضورياً لو حضر جلسة واحده وإذا لم يحضر تستمر الدائرة بنظر الدعوى ويحق له الإطلاع على ملف الدعوى كما يحق له رد العضو إذا توفر السبب ويحق طلب شاهد لسماع أقواله.

3- الفصل في الدعوى..

يصدر الحكم بأغلبية أعضاء الدائرة يجب أن يشمل إعلان الحكم [أسبابه – تاريخه – مكانه – أسم رئيس الدائرة والأعضاء وممثل الادعاء والمتهم ويجب توقيع نسخة الإعلان الأصلية من رئيس الدائرة والأعضاء وأمين السر وتلم المتهم نسخه منه مفتوحة بختم الدائرة وله حق الاعتراض خلال 30 يوم من إعلامه بالحكم ونسخه الإعلان. 

4- الاعتراض على الحكم..

 

 

 

الخاتمة

الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات , و أصلي و أسلم على نبينا محمد بن عبد الله , أما بعد ...

فعلى الصفحات السابقة من هذا البحث فقد تناولت موضوع مسؤولية الإدارة عن الأعمال المادية أمام ديوان المظالم السعودي , حيث بدأت البحث أولا بمقدمة تمهيدية حول طبيعة مسؤولية الإدارة عن الأعمال الإدارية .و في المبحث الأول تم التعريف بطبيعة و مفهوم الأعمال المادية , و تطرقت في المبحث الثاني لموضوع الرقابة على أعمال الإدارة , و في المبحث الثلث تناولت محور مسؤولية الإدارة عن الأعمال المادية أمام ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية .

هذا و أدعو المولى تبارك و تعالى أن أكون قد وفقت في دراسة هذا الموضوع على نحو حسن ...و الله من وراء القصد ...

 

قائمة المراجع

1- صبيح بشير مسكوني : القضاء الإداري ,  منشورات جامعة بنغازي , ليبيا,  1974 م.

2- عادل سيد فهيم : القوة التنفيذية للقرار الإداري , الدار القومية للطباعة والنشر ,  د . ت.

3- عبد الغني بسيوني عبد الله : ولاية القضاء الإداري على أعمال الإدارة , منشأة المعارف , الإسكندرية , 1983م .

4- عبد المنعم محفوظ : علاقة الفرد بسلطة الحريات العامة وضمانات ممارستها , المجلد الاول والثاني ط2 , دار الهناء للطباعة ,  القاهرة , د ت .

5- لعشب محفوظ : المسؤولية في القانون الإداري , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر , 1994م .

6- مازن ليلو راضي : الوجيز في القضاء الاداري الليبي , دار المطبوعات الجامعية , ليبيا , 2003 م.

7- محمد علي سليمان : القضاء اليمني من عموم الولاية إلى التخصص في الرقابة على أعمال الإدارة , بحث منشور في أعمال المؤتمر السنوي الثامن لجامعة المنصورة , د ت  .

8- محمود حلمي : القضاء الإداري , ط2 , دار المعارف , القاهرة , 1977م .

9- محمود محمد حافظ : القضاء الإداري في القانون المصري والمقارن , دار النهضة العربية ط1 1993 م .

10-               قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1989 , القاهرة.

11-               نظام ديوان المظالم : الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/51 وتاريخ 17/7/1402هـ المنشور بالجريدة الرسمية (أم القرى) بالعدد 2918 وتاريخ 28/7/1402هـ.

 

 



(1)  لعشب محفوظ : المسؤولية في القانون الاداري , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر , 1994م , ص :22-24.

(1)   عبد الغني بسيوني عبد الله : ولاية القضاء الإداري على أعمال الإدارة , منشأة المعارف , الإسكندرية , 1983م , ص 16-17.

(1)  محمود حلمي : القضاء الإداري , ط2 , دار المعارف , القاهرة , 1977م , ص 237-242.

(1)  صبيح بشير مسكوني : القضاء الإداري ,  منشورات جامعة بنغازي , ليبيا,  1974 ص 81.

(1) محمود محمد حافظ : القضاء الإداري في القانون المصري والمقارن , دار النهضة العربية ط1 1993 , ص 14 .

(2) مازن ليلو راضي : الوجيز في القضاء الاداري الليبي , دار المطبوعات الجامعية , ليبيا , 2003 ص 7

(3) عادل سيد فهيم : القوة التنفيذية للقرار الإداري , الدار القومية للطباعة والنشر ,  د . ت ,  ص 103 .

 

(1)  محمود محمد حافظ , المصدر السابق , ص 14 .

(2) عبد المنعم محفوظ : علاقة الفرد بسلطة الحريات العامة وضمانات ممارستها , المجلد الاول والثاني ط2 , دار الهناء للطباعة ,  القاهرة , ص 16 .

 

(1) محمد علي سليمان : القضاء اليمني من عموم الولاية إلى التخصص في الرقابة على أعمال الإدارة , بحث منشور في أعمال المؤتمر السنوي الثامن لجامعة المنصورة ص 15 .

(2) عبد المنعم محفوظ : علاقة الفرد بالسلطة ,المصدر السابق ,ص16 .

 

(1) المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1989 , القاهرة .

(1)  المادة الثامنة من نظام ديوان المظالم : الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/51 وتاريخ 17/7/1402هـ المنشور بالجريدة الرسمية (أم القرى) بالعدد 2918 وتاريخ 28/7/1402هـ.

 

(1)  نظام ديوان المظالم : الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/51 وتاريخ 17/7/1402هـ المنشور بالجريدة الرسمية (أم القرى) بالعدد 2918 وتاريخ 28/7/1402هـ.

 

0 تعليق:

إرسال تعليق