بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الاثبات في مدونة الشغل

    لازالت الطبقة العاملة في العصر الحاضر كما في العصر القديم تلعب دورا بارزا وأساسيا في النهوض بالحياة الاقتصادية للمجتمع وتنمية موارده الطبيعية وتطويرها وخلق رواج اقتصادي وتبادل تجاري على الصعيدين الداخلي والخارجي وذلك داخل مجتمع يخيم عليه الاستقرار السياسي ضمن إطار ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية المتوازنة التي تراعي جميع حقوق الأطراف وحتى تؤدي هذه الطبقة دورها المنوط بها كاملا، لابد من أن يتوفر مناخ العمل وأن تطمئن على مستقبل أبناءها المادي والمعنوي وهذا لن يتأتى إلا بوجود قواعد قانونية جيدة وآمرة وأنظمة عادلة تضمن المصالح المشتركة للعامل والمشغل

وفي هذا الإطار خرجت مدونة الشغل إلى حيز الوجود بمقتضى الظهير الشريف رقم جاءت نتيجة العديد من التحولات الاقتصادية 2003شتنبر 11 في تاريخ 194-03-01 والاجتماعية التي عرفها عالمنا اليوم والهدف منها هو جمع شتات النصوص القانونية المنظمة للشغل بالإضافة على إقامة علاقة جديدة بين الأجير والمؤاجر تنبني على العدل والمساواة وصيانة حقوق كلا الطرفين من أجل استقرار الشغل وديمومته وخلق توازن بين مصلحة المؤسسة والأجير انطلاقا من قوله تعالى" ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ” لفسدت الأرض" وذلك كله من أجل الدفع بعجلة المجتمع للرقي الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي والسلم الاجتماعي في إطار عقد شغل مبني على أسس صحيحة ومتينة سواء ابرم لمدة من الزمن أو ابرم دون تعيين مدة محددة بحيث يقوم الأجير بما عليه ويخضع لتوجيه مشغله مقابل أن يؤدي هذا الأخير أجرة هذا العمل وإيمانا من المشرع المغربي أن عقد الشغل عقد زمني ورضائي وأهميته البالغة في ضمان الاستقرار والاستمرار في العلاقة الشغلية بين طرفيه، فقد آبى إلا أن يحيط مرحلة إنهاءه بمجموعة من التقييدات والإجراءات يجب فيها الموازنة بين حق الإنهاء ومصلحة الطرف الآخر وإلا كان الأمر أمام إنهاء تعسفي يحرك دعوى التعويض أو الرجوع إلى العمل أو الإثبات أو مسائل أخرى

      الإثبات لغة هو تأكيد الحق بالبينة وفي الاصطلاح القانوني هو إقامة الدليل أمام القضاء وبالطريقة التي يحددها القانون لتأكيد حق متنازع عليه، له أثر قانوني لذلك فالإثبات في جوهره إقناع المحكمة بادعاء أو بآخر من جانب هذا الخصم أو ذاك.

إذن فهو الوسيلة العملية الذي يعتمدها الأفراد لصيانة حقوقهم وهو الوسيلة التي يعتمد عليها القاضي في التحقق من الوقائع القانونية، وحسب مقتضيات المادة 399 من قانون الإلتزامات والعقود فإن البينة تقع على المدعي أما الفصل 400 من نفس القانون إذا أثبت المدعي وجود الالتزام كان على من يدع انقضائه وعدم نفاذه اتجاهه أن يثبت ادعائه

وانطلاقا من ذلك يبين أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، تعد القاعدة العامة. التي تتعلق بجميع أنواع الإلتزامات لكن الحقيقة أن القواعد هاته المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود لن تساعد في تحديد من أخذ من طرفي العقد المبادرة في إنهاءه خصوصا حينما يطالب الأجير بإثبات عدم تغيبه أو عدم سرقته مثلا... لكل هذه الاعتبارات وغيرها استقر الاجتهاد القضائي على تحميل عبء الإثبات المشروعية، لإنهاء المؤاجر(1).

     وينص الفصل754من قانون الالتزامات والعقود في فقرته الخامسة أنه يسوغ للمحكمة في سبيل تقديرها ما إذا كان يوجد فسخ أن تجري تحقيقا في ظروف إنهاء العقد، ويلزم في جميع الأحوال، أن يتضمن الحكم صراحة ذكر المبرر الذي يدعيه الطرف الذي أنهى العقد وعلى الأجير إذا تنازل عن الأسباب التي يتمسك بها كسبب للإعفاء من الخدمة فإن هذا الأجير يجد نفسه ملزما بإثبات الوقائع التي يتمسك بها كسبب للإعفاء للخدمة، فإذا أثبت هذه الوقائع كان للمحكمة السلطة في تكييفها وتعتبر ما إذا كان مبرر الإعفاء من الخدمة، سواء تعلق الأمر بخطأ جسيم من طرف الأجير أو بغيره وإذا ادعى الأجير أن الأسباب المتمسك بها ليست هي الأسباب الحقيقية فعليه يقع عبء إثبات ادعائه (2). 

     وفي هذا الصدد نستحضر المادة63 من مدونة الشغل التي جاء فيها في فقرتها الثانية يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل كما يقع عليه عبء الإثبات عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله(3).

_____________


عبد اللطيف خالفي، مرجع سابق، ص40.   493 [1] –

68 لحسن بلخنفر، الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي، ص[2] –

.1986نوفمبر 26 بتاريخ 507قرار الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى رقم [3] –


المبحث الاول :  الإثبات في مدونة الشغل 


المطلب الأول : إثبات مغادرة العمل

مسألة مغادرة الشغل من طرف الأجير من تلقاء نفسه تحرر المشغل من مجموعة من الإلتزامات يفرضها عليه قانون الشغل الذي يسعى المشرع من خلاله إلى حماية الأجير بإعتباره الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية و المغادرة التلقائية للعمل كشكل من أشكال إنهاء عقد الشغل من طرف الأجير لا تطرح أي اشكال إذا كان التعامل بحسن نية و معبر عنها بإرادة حرة و واضحة إذ توصف بالإستقالة التي يعبر من خلالها الأجير عن ارادته في إنهاء العقد من طرفه و التحلل من هذا العقد.

إلا أن الإشكال يبقى مطروحا عندما يدعي المشغل بأن الأجير غادر العمل من تلقاء نفسه في حين قد يدعي الأجير خلاف ذلك و بأنه كان عرضة لفصل تعسفي و هذا الإشكال يقودنا إلى التساؤل عن الطرف الذي يقع عليه عبء إثبات هذه المغادرة ؟ هل على عاتق الأجير أم على المشغل ؟[1]

-           على من يقع عبء الإثبات؟

هنا تطبق القاعدة العامة بأن من ادعى شيئا عليه الإثبات ،وهكذا  فإن إثبات العلاقة الشغلية تقع على عاتق الأجير لأنه يتمسك بغير الأصل الذي هو عدم وجود علاقة شغلية بين الطرفين ، وإثبات سبب الفسخ يبقى على عاتق المشغل بخلاف الظاهر ، و الأصل هو ألإستمرار في العمل وإذا ادعى المؤاجر أن العلاقة الشغلية قد انتهت فعليه الإثبات .

أما بالنسبة لمدونة الشغل فإن المادة 63 سارت على نفس الإتجاه حيث نصت في فقرتها الثانية أنه يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل كما يقع عليه عبء الإثبات عندما يدعي المغادرة التلقائية للأجير .

و لقد فرض الواقع المعاش أنه على القضاء إخراج النبت من أرضية القانون المدني بطريقة أصبح يألفها أطراف العلاقة الشغلية مع مرور الزمن ، و فضل الفقه إعطاء سلطة واسعة للقاضي الإجتماعي لإعتبار تفسير العقد بناء على حسن النية و عدم إهمال الآثار المتولدة عن الفصل 213 من قانون الإلتزامات و العقود .

فإخضاع المادة الإجتماعية في الإثبات للقواعد العامة يعتبر من العوائق التي تحول دون بلورة قانون مستقل للشغل بقواعده و مبادئه الخاصة به على إعتبار الأخد بقواعد آمرة تحمي الطبقة العاملة وفق مجال أوسع للأجير لإثبات حقوقه بكافة الوسائل .

-          الإثبات في ميدان الشغل يقع على المشغل و على الأجير

قد ينقلب عبء الإثبات من الأجير إلى المشغل ومن المشغل إلى الأجير

·       إذا ادعى الأجير أنه يشتغل عند فلان : عليه الإثبات

·      إذا أثبت الأجير العلاقة الشغلية : على المشغل إثبات انقضائها

·      إذا دفع المشغل بالوقتية : على الأجير إثبات الإستمرارية

·      إذا دفع المشغل بإرتكاب خطأ جسيم للأجير : عليه الإثبات

·      إذا دفع المشغل بالمغادرة التلقائية :عليه الإثبات

·      إذا دفع الأجير أنه لم يتوصل برسالة الرجوع : على المشغل الإثبات

·      إذا أثبت المشغل توصل الأجير برسالة الرجوع :على الأجير أن يثبت أنه رجع للعمل و منع من الدخول إلى الشغل

·      إذا أنكر الأجير توصله برسالة الفصل: على المشغل إثبات أن الأجير توصل برسالة الفصل 

·      إذا ادعى الأجير عدم توصله بالأجر :على المشغل إثبات أنه سلم الأجر للأجير وكذلك العطلة

·      إذا ادعى المشغل غياب الأجير :   عليه الإثبات

·      إذا دفع المشغل أنه لم يتوصل بالشهادة الطبية : على الأجير إثبات أنه سلمها للمشغل

·      إذا دفع المشغل أن الأجير لم يلتحق بعد الرخصة المرضية : على الأجير أن يثبت أنه رجع للعمل 

·      إذا ادعى الأجير أن المشغل لم يحترم الفصل 62 من المدونة و رفض الإستماع إليه : على الأجير إثبات أنه توجه لمفتش الشغل لاخباره بذلك

·       إذا أثبت  الأجير أن المشغل رفض الإستماع إليه : على المشغل إثبات أنه سلك المسطرة القانونية للفصل

·      إذا دفع المشغل  أن الأجير غير عنوانه : عليه الإثبات

·       إذا أثبت  الأجير أنه لا يسكن بالعنوان المدلى به : على الأجير إثبات أنه أخبر مشغله بالعنوان الجديد

·      إذا ادعى الأجير أنه يتقاضى أقل من الحد الأدنى : على المشغل إثبات عكس ذلك


المطلب الثاني: إثبات  الخطأ الجسيم

طبيعة رسالة الطرد

      يمكن  تبليغ الأجير المرتكب لخطإ جسيم قرار مؤاجره بطرده من العمل عن طريق رسالة مضمونة ، وتسليم نسخة منها لمفتشي الشغل ، مع تضمينها الأسباب الداعية إلى صدور ذلك القرار ،

جاء قرار المجلس الأعلى بتاريخ 1/4/1971 أن المؤاجر غير ملزم باحترام إجراءات الفصل المنصوص عليها قانونا وهو ماشكل مراوغة وابتعادا عن النصوص القانونية الحمائية التي رمى من خلالها المشرع إلى عدم مفاجأة الأجير بقرار طرده دون ان يكون قد اتخذ الاحتياطات اللازمة، وبحث عن شغل اخر.

        وقد كرس القضاء نفس الأحكام في عدة قضايا مماثلة، حيث لم يرتب عن إغفال هذا الاجراء كجزاء البطلان لعلة أن مسطرة الانذار الكتابي مجرد وسيلة إثبات لاغير ، وبذلك تكون محكمة النقض الفرنسية قد قلصت من مدى هذا الالتزام القانوني كما في حكمها المؤرخ في 4 يوليوز 1978.

         وقد استغل المؤاجرون بلا شك هاته الاحكام ،ليطلقوا ايديهم في ميدان الاثبات ولو عن طريق الشهود ، وفعلا نجد المجلس الأعلى أقر شهادة هؤلاء لإثبات الأخطاء التي يرتكبها الأجراء ولو صدرت عن أشخاص لازالو يعملون تحت إمرة المشغل كما في حالة إثبات حالة السكر ، والتي اعتبرها المجلس مجرد واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الوسائل ، وسمح لقضاة الموضوع إعمل سلطتهم التقديرية لترجيح أي من شهادة الطرفين ، بل والأخذ بقاعدة أن الإثبات مقدم على النفي ، دلك لأنه لاوجود لأي نص يمنع الأخذ بالشهادة المذكورة لفائدة هذا الطرف أو ذاك.

         وتجدر الاشارة إلى أن قبول القضاء بخرق الاجراءات الشكلية ، لايحرم الأجير من الحق في التعويض المناسب جزاء عدم احترام مسطرة الإعلان عن الفصل كتابة ، وقد أيد جانب من الفقه أحقية الاجير في التعويض المذكور ، كالأستاذ محمد فهيم الذي رأى أنه " يجوز للمحكمة أن تقضي بعدم الاخنصاص بالفسخ وتلزم صاحب العمل بأن يدفع أجر العامل وذلك إلى تاريخ تظلمه…" غير أنه لامجال للحكم للأجير بأي تعويض يذكر متى ثبت أنه ظل يزاول عمله بعد رسالة الطرد ، أذ يعد ذلك قرينة قاطعة على تراجع المشغل عن قراره السابق ، وذلك لحين تقديم هذا الأخير لاستقالته.

 الرأي القضائي في كيفية إثبات مبررات الطرد

          القاضي المغربي وفي إطار الدور الأجابي المنوط به في نزاعات الشغل، يعمد وهوبصدد البحث عن السبب المبرر للطرد إلى التدخل للإستقصاء والوقوف عن كثب على الدوافع الحقيقية الذاتية منها والموضوعية ، مستعينا في ذلك بردود الأطراف ، وبكل إجراءات التحقيق الممكنة، خاصة عندما يعجز الأجير عن تقديم الدليل على حقيقة البواعث الكامنة وراء إجراء الطرد ، نتيجة الموقف السلبي للمؤاجر ، أو عندما يعمد إلى طرق تدليسية ، لإخفاء عناصر الواقع أوتزييفها، خاصة إذا تبين أن الأجير له انتماءات سياسية، أو نقابية.

      ولعل المشرع المغربي يقتفي أثر نظيره الفرنسي الذي لم يحمل اي طرف على إثبات الطابع الحقيقي والجدي للطرد أو العكس، وترك ذلك لتقدير المحكمة التي لها كامل الصلاحية للتبين من الحقيقة ولو عن طريق اعتبار عدم جواب المِاجر على طلب أجيره بخصوص أسباب طرده ، قرينة على انتفاء السبب الحقيقي والجدي للطرد ، وهي قرينة بسيطة يمكن للمؤاجر دحضها بالدليل العكسي.



المبحث الثاني :  وسائل الإثبات


     بالنظر إلى الفصل 754 من قانون الالتزامات و العقود عندما أشار إلى إمكانية إجراء تحقيق للنظر في ظروف إنهاء العقد فإنه لم يحدد أي وسيلة معنية للإثبات وهو بذلك يترك للمشغل مجالا واسعا في إثبات الخطأ المنسوب للأجير بكافة وسائل الإثبات، وللأجير أن يثبت حقوقه هو الآخر بكل وسائل الإثبات، و لنرى ما هي  وسائل الإثبات ذات الطابع المدني و وسائل الإثبات ذات الطابع الإجتماعي.


المطلب الأول :الإثبات في الميدان المدني

يمكن إثبات عقد الشغل أو انقضائه بكل وسائل الإثبات الواردة قانون الالتزامات و العقود وهي[2]:

- الإقرار

- الكتابة

- شهادة الشهود

- القرائن

- اليمين

كما هي مفصلة في الفصل 404 من قانون الالتزامات و العقود.[3]

الإقرار القضائي أو غير قضائي:

     الإقرار القضائي هو الاعتراف الذي يقدم به أمام المحكمة أو نائبه المأذون له في ذلك إذنا خاصا؛

     الإقرار الحاصل أمام قاضي غير مختص أو الصادر في دعوى أخرى يكون له نفس أثر الإقرار القضائي[4] هو أقوى وسيلة في الإثبات و كما يقال إن الإقرار هو سيد الأدلة فإذا أقر المشغل بوجود عقد الشغل فعليه إثبات انقضائه.

     وقد أكد المجلس الأعلى في قراره عدد 1032/2004 أن الإقرار أمام القضاء بواقعة معينة يشكل وسيلة من وسائل الإثبات. واعتبر الأجير الذي أقر أنه غادر العمل في محضر البحث و لم تلتفت المحكمة لإقراره تكون المغادرة ثابتة في حقه ويكون القرار خارقا للقانون لعدم الأخذ بإقرار الأجير.  

     كما أن العمل القضائي سار على أنه من أدلى بحجة فهو قائل بها و بالتالي يعد بمثابة إقرار منه عند الإدلاء بها، وهو ما كرسه المجلس الأعلى في قراره عدد 754.

الحجة الكتابية:

     للمشغل الحق في تقديم دليل كتابي عند مغادرة الأجير للعمل أو أنه ارتكب خطأ جسيما، أي بواسطة أدلة ووثائق يمكن أن يتوفر عليها كالرسائل و الإنذارات ورسالة الطرد و توصل الأجير بها أو رسالة الرجوع إلى العمل، وجميع السجلات الممسوكة لدى إدارة المقاولة.

     عندما يدلي المشغل بورقة الأداء تحمل صفة مؤقت فهذا يغني عن الاستماع إلى الشهود وبالتالي تكون العلاقة الشغلية بين الطرفين مؤقتة للحجة التي أدلى بها المؤاجر وهي ورقة الأداء كما جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 752/2005.

     كما لو أدلى الأجير ببطاقة الأداء يحمل صفة مؤقت واعتبرته المحكمة عاملا رسميا بعلة انه عمل مدة تزيد عن سنة[5]، يكون قرارها خارقا للقانون لأن الحجة الكتابية هي وسيلة إثبات والتي أثبتت طبيعة عمل الأجير.

شهادة الشهود:

     تلجأ المحكمة على سبيل يكوين قناعتها للبث في جوهر القضية إلى إجراء بحث كلما رأت فائدة في ذلك، غير أن طلب الاستماع إلى شهادة الشهود و الاستجابة له هو أمر موكول تقديره لقضاة الموضوع و إذا رفض طلب إجراء البحث إذا توفرت لديه العناصر الكافية فعليه تعليل ذلك تعليلا واضحا.

     المشغل له حق إثبات مغادرة الأجير للعمل بواسطة الشهود لكونها واقعة مادية يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات.

"إن المحكمة بما لها من سلطة تقديرية في تقييم شهادة الشهود والحجج لا رقابة عليها في ذلك من طرف المجلس الأعلى إلا من حيث التعليل ثبت لها بأن المشغلة وبعد إنهاء الأجير عطلته السنوية لم يلتحق بالعمل وجهت له رسالتين إنذاريتن الأولى مؤرخة في 10/10/1997 و الثنية 15/10/1997 و توصل بهما و لم يثبت أنه رجع للعمل بعد العطلة السنوية و منع من الدخول، كما أن شهادة الشاهدين المستمع إليهما أكدا و بعد أداء اليمين القانونية وهما عمر محسن و السيدة الزوهرة بطال بأن الأجير كان في عطلة سنوية خلال شهر غشت إلا أنه خلال شهر شتنبر1997 عاد جميع الأجراء لاستئناف عملهم إلا البعض و من بينهم الأجير فقامت المشغلة بتوجيه رسالة إليه بقصد الرجوع للعمل و لم يلتحق، فالقرار لما خلص إلى هذا جاء معللات تعليلا صحيحا و كافيا فتبقى الوسيلتان على غير أساس".[6]

القرائن:

     القرائن حسب الفصل 449 من قانون الالتزاملت و العقود هي دلائل يستخلص منها القانون و القاضي وجود وقائع مجهولة.

     بالمقارنة مع وسائل الإثبات الأخرى تعتبر وسيلة إثبات غير مباشرة لأن القاضي يعتمد على واقعة أخرى تكون معلومة تربطها بالواقعة التي يبحث عنها علاقة تلازم استنادا إلى معيار المألوف من وقائع الحياة و مجرياتها.

     و لذلك يجب على القاضي عند قيامه بالبحث  عن هذه العلاقة أن يكون حذرا أو مراعيا مبدأ الأصل، و القرائن إما موضوعية أو قضائية أو قانونية.

     بالنسبة للقرينة الموضوعية أو القضائية وهي التي تعتمد على الوقائع ومقارنتها لاستخراج الحقيقة منها سوف تتطلب من القاضي كثيرا من الحذر والتبصر في الأخذ بنتائجها نظرا للطابع الاحتمالي الذي يكتنفها خاصة، و أن من خلالها يمكن ترجيح تصريحات أحد الطرفين، فالامتناع عن تسليم الإنتاج في الأجل المحدود قرينة عن عدم أدائه العمل المنطو به وإقرار الأجير بتعرضه للاعتقال الاحتياطي لمدة تتجاوز ثمانية أيام قرينة على تغيب الأجير بدون مبرر و غيرها من الأمثلة و هذه القرائن يمكن أن تفيد وجود الخطأ من عدمه.

     أما بالنسبة للقرينة القانونية فيمكن للمشغل أن يستند عليها في إثبات طرد الأجير وهي وقائع معلومة يحددها القانون لتكون حجة على وقائع أخرى مجهولة مثال ذلك صدور أحكام نهائية بالإدانة في حق الأجير عن الفعل المنسوب إليه والناتجة عن الشغل.

اليمين:

     ينص الفصل 85 من قانون المسطرة المدنية أنه إذا وجه أحد الأطراف اليمين إلى خصمه لإثبات ادعاء أو ردها هذا الأخير لحسم النزاع نهائيا، فإن الخصم يؤدي اليمين في الجلسة بحضور الطرف الآخر أو بعد استدعائه بصفة قانونية و يؤدي الطرف اليمين بالعبارة الآتية: "أقسم باللّه العظيم" و تسجل المحكمة تأدية يمينه.

     بمقتضى النص 404 من قانون الالتزامات و العقود فإن اليمين تعتبر وسيلة من وسائل الإتبات، وأنه طبقا للفصل 35 من قانون المسطرة المدنية فإن أحد الأطراف إذا وجه اليمين إلى خصمه لحسم النزاع تعين على هذا الخصم أداء اليمين في الجلسة بحضور الطرف الاخر أو بعد استدعائه بصفة قانونية والمفهوم من خلال كل ذلك أن حق توجيه اليمين الحاسمة هو وسيلة من وسائل الإتبات أعطاها المشرع للخصم الذي يعوزه الدليل لإثبات دعواه ولا يقر له خصمه بصحة ما يدعيه، وما على القاضي إلا الاستجابة له متى تأكد له أن هذا الطلب قدم وفق الشروط الشكلية المطلوبة.


المطلب الثاني: وسائل الإثبات في المادة الاجتماعية

     إن عقد الشغل على اعتبار أنه عقد مدني في أساسه، إلا أنه يخضع لقواعد خاصة ينفرد بها وينطبق عليه القانون الإجتماعي.

     فالقواعد المنظمة للإثبات في قانون الشغل تنطلق من وسائل الإثبات التي تختلف تبعا لكل نازلة على حدة. ويمكن إثبات جميع الحقوق بجميع وسائل الإثبات الممكنة  ونذكر[7] منها:

- بطاقة الشغل

- بطاقة الأداء

- شهادة العمل

- وصل صافي الحساب

- مقرر الفصل

- بعض المراسلات المتبادلة بين المشغل والأجير

- المستندات الالكترونية والتوقيع الإلكتروني

بطاقة الشغل:

     لقد نصت مدونة الشغل في المادة 23 وبصيغة الوجوب أنه من حق الأجير أن من يتسلم من مشغله بطاقة الشغل وقد حددها المشرع بواسطة نص تنظيمي مرسوم عدد 422-4-2[8] والتي يجب أن تتضمن:

§         الاسم الاجتماعي للمؤسسة أو الاسم الكامل للمشغل؛

§         رقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛

§         المقر الاجتماعي للمقاولة أو عنوان المشغل؛

§         الاسم الشخصي والعائلي للأجير وتاريخ ازدياده وتاريخ دخوله إلا العمل ووظيفته؛ و مبلغ أجرته ورقم تسجيله بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛

§         إسم شركة التأمين.

     وقد  رتب المشرع بمقتضى المادة 25 من المدونة جزاءات عند عدم احترام البيانات اللازمة ببطاقة الشغل و نص على غرامة مالية من 300 درهم إلى 500 درهم.

بطاقة الأداء:

     لبطاقة الأداء أهمية كبرى في إثبات العلاقة الشغلية وإثبات الأجر وإثبات عدم التوصل بعلاوة الأقدمية أو أنها تدخل ضمن الأجر، وإثبات استمرارية العمل أو عدمها، بالنظر إلا تواريخ العمل ومدة العمل التي قضاها. إلا أنه إذا كانت بطاقة الأداء تتضمن كلمة أنه مؤقت أو لمدة محددة فيبقى طابع الوقتية يشوب ورقة الأداء بالرغم من اشتغاله أكثر من المدة المطلوبة قانونا.

شهادة العمل:

     نصت المادة 72 من مدونة الشغل أنه على المشغل أن يسلم الأجير شهادة العمل في أجل محدد لا يتعدى 8 أيام وتحت شروط معينة حتى يتأتى للقاضي ضبط ظروف الأجير ويتوفر على معلومات كافية للبت في النازلة إذا كانت معروضة عليه ويتعلق بنزاع حول مدة العمل أو طبيعته وحتى المؤهلات المهنية إذا اتفق الطرفان على ذلك.

     كما أنا شهادة العمل حجة تسلم للأجير عند طلبها من المشغل، و إذا طلبها الأجير وتقاعس المشغل عن تسليمها له، يستحق تعويضا تقدره المحكمة لم لها من سلطة تقديرية للتماطل، و التماطل يمكن أن يثبت بجميع وسائل الإثبات بما في ذلك رسالة الإنذار مع الإشعار بالتوصل.

وصل صافي الحساب:

     تطرقت إليه مدونة الشغل في المادة 73 على أن التوصيل الذي يسلمه الأجير للمشغل عند إنهاء العقد لأي سبب كان وذلك قصد تصفية كل حساب اتجاهه وتعتبر هي الأخرى حجة ووسيلة إثبات يمكن أن يتسلح بها الطرفين في إثبات نقطة معينة ثار الخلاف حولها.


مقرر الفصل:

      و يقصد به الرسالة الموجهة للأجير من طرف المشغل يخبره بفصله عن العمل، و تتجلى أهمية هذه الرسالة إضافة إلى إثبات العلاقة الشغلية، مدى احترام المشغل للمسطرة المنصوص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل ومدة استفادة الأجير من فرصة الدفاع عن نفسه عن طريق إرفاق المقرر بمحضر الاستماع ثم حصر الأخطاء المنسوبة للأجير في مقرر الفصل ولا يمكن للمحكمة أن تنظر في الأخطاء الواردة بمقرر الفصل.

بعض المراسلات المتبادلة بين المشغل و الأجير:

للمحكمة السلطة التقديرية في تقييم الحجج و لا رقابة عليها إلا من حيث التعليل.

المستندات الالكترونية والتوقيع الإلكتروني:

     أمام غياب المستند الورقي والدليل الكتابي في العمليات التي تتسم بواسطة الوسائل الجديدة تطرح وبحدة المشكل المتعلق بالقيمة الاثباتية للمستندات المعلوماتية، إضافة إلى الاشكاليات القانونية التي يطرحها انعدام التوقيع على هذه المستندات، و الذي تم تعويضه بالتوقيع الإلكتروني أو ما يعرف بالرمز أو الشفرة السرية.

     التوقيع الإلكتروني هو ما يوضع على محرر إلكتروني و يتخذ شكل حروف، أو أرقام، أو رموز، أو إشارات، أو غيرها، و يكون له طابع متميز و منفرد يسمح بتحديد شخص الموقع و يميزه عن غيره. 

     و أخيرا يمكن القول أن مدونة الشغل قد جعلت عدة حلول لمشاكل الإثبات عن طريق تمكين الأجير من الوثائق الضرورية سبقت الإشارة إليها لتفادي إنكار العلاقة الشغلية، ولتفادي تكييف طبيعة عمل الأجير بإعتباره مؤقتا أو رسميا و مبلغ الأجر و  الأداءات التي يمكن عن يدعيها أحد الطرفين بوجودها أو عدم وجودها.



التصميم


المبحث الاول :  الإثبات في مدونة الشغل

   المطلب الأول: إثبات مغادرة العمل

   المطلب الثاني: إثبات  الخطأ الجسيم

المبحث الثاني :  وسائل الإثبات

   المطلب الأول :الإثبات في الميدان المدني

   المطلب الثاني: وسائل الإثبات في المادة الاجتماعية




المراجع



-         الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة، أحكام عقد الشغل 2004.

-          بشرى العلوي، مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق، الإثبات في مدونة الشغل،2007.

-         محمد سعيد بناني، قانون الشغل في المغرب، في ضوء مدونة الشغل علاقة الشغل الفردية، 2007.

-         عقود العمل و المنازعات الإجتماعية من خلال قرارات المجلس الأعلى ، مقر محكمة الإستئناف بحي رياض السلام ، أكادير ، يوليوز 2007





[1] . عقود العمل و المنازعات الإجتماعية من خلال قرارات المجلس الأعلى ، مقر محكمة الإستئناف بحي رياض السلام ، أكادير ، يوليوز 2007.


[2] . بشرى العلوي، مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق، الإثبات في مدونة الشغل،2007، صفحة 80.

[3] . الحاج الكوري، مدونة الشغل الجديدة، أحكام عقد الشغل 2004،ص:85

[4] . المادة 405 من قانون الاتزامات و العقود، ظهير 11/8/1995.

[5] . (حسب ظهير 23/10/1948 والذي تم نسخه وحل محله قانون 65-99).

[6] . بشرى العلوي، مدونة الشغل بعد سنتين من التطبيق، الإثبات في مدونة الشغل،2007، صفحة 87.

[7] . محمد سعيد بناني، قانون الشغل في المغرب، في ضوء مدونة الشغل علاقة الشغل الفردية، 2007, ص 101.


[8] . الجريدة الرسمية عدد 5279 بتاريخ 03/01/2005 ، تتضمن المراسيم التنظيمية المتعلقة بمدونة الشغل

http://anibrass.blogspot.com/2013/12/2003-11-194-03-01.html


0 تعليق:

إرسال تعليق