بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

مبدأي العدل والمساواة في المنظور الإسلامي



بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمــة

لقد شرع الإسلام مبدأي العدل و المساواة، ونشر ظلالهما في ربوع المجتمع الإسلامي بأسلوب مثالي فريد، لم تستطع تحقيقه سائر الشرائع والمبادئ. فأفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً، بيضاً وسوداً، عرباً وعجماً، أشرافاً وسوقة، أغنياء وفقراء. كلهم في شرعة الإسلام سواسية كأسنان المشط، لا يتفاضلون إلا بالتقوى والعمل الصالح.« يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه اتقاكم» (الحجرات: 13). والقوانين الإسلامية والفرائض الشرعية نافذة عليهم جميعاً دون تمايز وتفريق بين الأجناس والطبقات. وما انفك النبي صلى اللّه عليه وآله عن تركيز مبدأ المساواة وتصعيده حتى استطاع تطويره والتسامي به إلى المؤاخاة الروحية بين المؤمنين. «إنما المؤمنون إخوة» (الحجرات: 10). حسبنا في ذلك أن الملوك كانوا يحسبون أنهم فوق مستوى البشر، ويترفعون عنهم في أبراج عاجية يطلون منها زهواً وكبراً على الناس. و يأمر القرآن الكريم سيد المرسلين أن يعلن واقعه للناس: «قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد».(الكهف:110)

لذلك كان هو صلى اللّه عليه وآله، وذريته المثل الأعلى في تطبيق مبدأي العدل و المساواة والدعوة إليهما قولاً وعملاً. و يأتي هذا البحث ليبين العدل والمساواة في الإسلام ... و أسأل المولى تبارك و تعالى أن يوفقني في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...

و بالله التوفيق ...


مبدأ العدل: 

العدل لغة: 

العدل: مصدر عَدَلَ يَعْدِل، ومعناه القصد في الأمر، وهو ضد الجور، والعدل في الحكم ما كان بالحق.

ويسمى الإنسان بالعدل، لقوله، وحكمه، والتزامه بالعدل، وبعده عن الهوى. 

وتسمى التسوية بين الأشياء عدلاً؛ لأن التسوية ضرب من ضروب العدل. 

 والعدل: اسم من أسماء الله تعالى(1). 

 العدل في الاصطلاح:

عند الرجوع إلى استعمالات العلماء لكلمة العدل، لا نجدهم، قد ابتعدوا كثيراً عن المعنى اللغوي، ومشكاة استعمالاتهم للعدل هو " التوسط بين الإفراط والتفريط ". 

ومن هذا المعنى العام للعدل، يمكن تصور كافة الاستعمالات الاصطلاحية.

فالعدل في الحكم: المساواة، أو هو الذي لا يميل به الهوى؛ فيجور في الحكم.

والعدل من الناس: من لا يخرج عن جادة الصواب في الأمر كله.

ومن ذلك العدل: من اجتنب الكبائر، ولم يصر على الصغائر، وترك خوارم المروءة(2)



العدل في الكتاب والسنة:

إن الشريعة الإسلامية جاءت لإحقاق الحق، وإقامة العدل، وإرساء قواعده، وإخراج الإنسان عن الظلم وداعية الهوى؛ فالعدل يمثل دعامة وطيدة وميزة حقيقية للشريعة الإسلامية، ويشهد لذلك ما جاء في كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه و سلم.

أولاً: القرآن الكريم:

1. قال الله سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيَّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً " سورة النساء: الآية (135).

وجه الدلالة: في هذه الآية أمر الله تعالى عباده أن يكونوا مبالغين في تحري العدل، ودعاهم أن يكونوا شهداء بالحق والعدل، دون التأثر بهوى النفس من قرابة أو مودة، فقط أن يقيموا الشهادة خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، والتزاماً لتعاليمه، حتى ولو على أنفسهم، أو أقرب الناس إليهم.

2.  قال الله عز وجل: } إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ " سورة النساء: من الآية (58).

وجه الدلالة: يخاطب الله تعالى ولاة أمور المسلمين أن أدوا ما ائتمنتكم عليه رعيتكم مـن فيئهم، وحقوقهم، وأموالهم، وصدقاتهم إليهم على ما أمركم الله تعالى بأداء كل شيء من ذلك إلى من هو له، وإذا حكمتم بين رعيتكم أن تحكموا بالعدل والإنصاف، ذلك حكم الله الذي أنزله في كتابه، وبينه على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم(1) .

ثانياً: السنة:

قال النبي صلى الله عليه و سلم: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ " أولهم " الإِِمَامُ العَادِلُ"(2)

وقال: " إِذَا حَكَمْتُمْ، فَاعْدِلُواْ، وَإِذَا قَتَلْتُمْ، فَأَحْسِنُواْ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مُحْسِنٌ، يُحِبُّ الإِحْسَانَ"(3)

وجه الدلالة: يدل الحديثان على أن الحاكم مأمور بالعدل في حكمه، واختصاصه بمنزلة عظيمة، حيث يكون من الذين يستظلون بظل الله يوم القيامة.

أهمية مبدأ العدل و سبب جعله من أصول الدين 

وقد اهتم الإسلام بالعدل اهتمامًا عظيمًا، وبيَّن أن إقامة العدل بين الناس ليست من الأمور التطوعية التي تترك لمزاج الحاكم وهواه، بل إن إقامة العدل بين الناس في الدين الإسلامي تعد من أقدس الواجبات ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)﴾ (النساء).

و هناك دلائل مختلفة قد سببت الاهتمام بمبدأ العدل: 

الدليل الأول : لو نظرنا إلى هذا العالم نظرة تأمل لرأينا صفات الله تعالى ظاهرة على كل موجود مهما كان صغيرا أو كبيرا فمن باب المثال صفة الرحمن و صفة الرحيم ظاهرتين على كل شيء لكن نرى في مقابلهما صفة المنتقم و الجبار أيضا من الصفات البارزة على وجه الكون و من هذا نستنتج أن للعالم توازنا غريبا و كما نعرف فإن معنى العدل هو الإتزان  و وضع كل شيء في مكانه الأنسب فلو كان الله فقط رحمانا أو فقط رحيما و لم يكن جبارا منتقما لرأينا الفساد يحل على الأرض و كذا لو كان الله فقط جبارا منتقما و لم يكن رحيما لرأينا الظلم سائدا على الأرض و على الكون لكنه سبحانه و تعالى منزه عن النقص و العدل من صفاته الذاتية فهو كله عدل و ذاته كلها عدل فهو لا يحتاج إلى شيء حتى يطبق عليه العدالة حتى يقال له عادل بل هو عادل كان له ما يطبق عدالته عليه أو لم يكن فليس الله بظلام للعبيد و هو يقول عزوجل [ و لا يظلمون فتيلا] و من هذا كله نستنتج أن الصفات الإلهية مهما تنوعت و تعددت فهي كلها ذاتية كانت أو فعلية ترجع بالنتيجة و المآل إلى صفة العدل فلو لم يكن الله عادلا لزاد في بعض الصفات أو نقص في بعضها الآخر و لرأينا الظلم و الفساد على الكون و لرأينا عدم النظام و التدبير جاريا عليه و حيث أن الأرض متوازنة في الصفات نقول أن صفة العدل تشبه الكلي الذي ترجع إليه الجزئيات الكثيرة و العدل ما بين الصفات الإلهية كلي ترجع إليه باقي صفات الله تعالى من الفعلية و الذاتية. 

الدليل الثاني :توقف التوحيد على العدل و العدل على التوحيد و توقف المعاد على العدل فلو لم يكن الله عادلا لما كان هناك معنى لوجود المعاد فلأنه عادل قال [و من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره] فهو قد وضع المعاد على أعمدة و موازين صفة العدل . 

الدليل الثالث: صفة العدل تقسم إلى قسمين: 

1-  العدالة الإلهية: العدالة الإلهية بنفسها تقسم إلى أقسام أ: العدالة في دار الدنيا ب: العدالة في عالم البرزخ .  ج: العدالة في يوم القيامة. 

2- عدالة الإنسان على وجه الأرض لكن بأسس و موازين إلهية لأن الإنسان قاصر عن درك جميع الأشياء فيأخذ موازين العدالة من الله لأن الله عالم بما كان و ما يكون .

مبدأ المساواة:

مفهوم المساواة:

المساواة في اللغة:

السَّوَاءُ: العدل، قال الله تعالى: "  فَاْنبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ             " (الأنفال : 58) يقال: سَاوى الشيءُ الشيءَ، إذا عادله؛ ويقال: فلان وفلان سَواء، أي متساويان؛ وقوم سَواء؛ لأنه مصدر لا يثنى ولا يجمع؛ وهما على سَوِيَّةٍ من هذا الأمر، أي على سواء؛ والسَّوِيَّةُ وَالسَّوَاءُ: العدل والنصفة؛ وسَوَاءُ الشَّيْءِ: وسطه، قال الله تعالى: " فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ "(الصافات : 55) ، يقال: مكان سواء، أي متوسط بين المكانين.

وسَوَاءُ الشيء: مثله، والجمع أسواء، ومنه: استوى الشيئان وتساويا: تماثلا.

وَسَوَاءُ الشيء: غيره، تقول: مررت برجل سُواك وسِواك وسَوائِك، أي غيرك، وقصد القوم سوى زيد، أي غيره(1)

المساواة في الاصطلاح:

يمكن تعريف المساواة بأنها: " تَمَاثُلٌ كَامِلٌ أَمَامَ القَانُونِ، وَتَكَافُؤٌ كَامِلٌ إِزَاءَ الفُرَصِ، وَتَوَازُنٌ بَيْنَ الَّذِينَ تَفَاوَتَتْ حُظُوظُهُمْ مِن الفُرَصِ المُتَاحَةِ لِلجَمِيعِ "(2)

فالمساواة خضوع لسلطان قانون الإسلام الذي لا يفرق بين واحد وآخر، وليس لأحد أن يدعي الرقي والتمتع بالحقوق، فلم يجعل منزلة أو ميزة حقاً لأفراد أسرة معينة لا يستمتع بها سواهم، فكل مناصب الدولة من إمارة المؤمنين إلى أصغر منصب فيها، حق مشاع بين أفراد الأمة .

المساواة في الكتاب والسنة:

المساواة سمة من سمات الإسلام، وأصل من أصوله، فالإسلام يقرر أن الناس سواسية، وفي ظله تذوب فوارق الجنس واللون، وتتحطم صفة الحسب والجاه والسلطان، فلا تفاضل بينهم في إنسانيتهم، وإنما التفاضل يرجع إلى أسس أخرى.

فالله تعالى خلق الناس بحسب فطرتهم متماثلين، وكذلك ولدتهم أمهاتهم أحراراً متكافئين، ولكن دخولهم في ملاحم الحياة الاجتماعية ينزع عنهم لباس التماثل والتساوي، ويرفع بعضهم فوق بعض درجات.

والأدلة في الشريعة الإسلامية تترى في تقرير هذا المبدأ:

أولاً: القرآن الكريم:

1. قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم "(الحجرات : 13).

وقال سبحانه: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً "( النساء :1).

وجه الدلالة: في هاتين الآيتين ينادي الله تعالى الناس قاطبةً، ويردهم إلى الأصل الذي انبثقوا منه، ليقرر أن هذه البشرية جنسها واحد، ونسبها يتصل في رحم واحد، ومن اجتمعت فيهم هذه الأصول، فلا مجال لأن يدعي أحدهم العلو بالفروق الطارئة على الإنسانية، فربهم واحد، وأبوهم واحد، وهم متساوون في جميع الحقوق.

2.  قال عز وجل: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً " ( سبأ :28).

وجه الدلالة: إن الله تعالى أرسل نبيه r للناس جميعاً، ولم يختص به فئة دون فئة، أو أمة دون أخرى، وكذلك أرسله رحمة للعالمين " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ "( الأنبياء : 107).

ثانياً: السنة:

1. أكد النبي صلى الله عليه و سلم على مبدأ المساواة الذي قرره القرآن الكريم في حجة الوداع فقال: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أَلا إِنَّ رَبَّكُم وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُم وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍ عَلَى أَعْجَمِي، وَلا لعْجَمِي عَلَى عَرَبِي، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى "( صحيح، الألباني: السلسلة الصحيحة (6/449 ح 2700 ).

وجه الدلالة: يفيد الحديث أن الناس كلهم سواء، وأن الفوارق الطارئة بين البشر ليس لها قيمة في ميزان الإسلام؛ بل القيمة والفضل فقط بالتقوى. 

2. قال صلى الله عليه و سلم  " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عَيْبَةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ "( مسند أبي هريرة 16/456 ح 10791).

وجه الدلالة: بين النبي صلى الله عليه و سلم   أن الإسلام قد ألغى الجاهلية وما فيها من عنصرية، ووضع معياراً واحداً فقط للتفاضل بين الناس، ألا وهو تقوى الله تعالى.

ثالثاً: في حياة الصحابة:

تجلى إرساء المساواة في حياة الصحابة y بالمواقف العظيمة التي وقفوها يوم أن تبوؤوا الخلافة والإمارة، فلم يستعلوا على الناس، ولكن نادوا بتواضع: أن لا فرق بين حاكم ومحكوم، فهذا أبو بكر الصديق حينما تولى الخلافة يقول: " أما بعد أيها الناس! فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن الصدق أمانة والكذب خيانة، الضعيف منكم قوي عندي، حتى أريح عليه حقـه إن

شاء الله، والقوي منكم الضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله "(1)

وهذا عمر بن الخطاب t يقول لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ـ لما ولاه إمارة الجيش ـ: " يا سعد "سعد بني وهيب"! لا يغرنك من الله أن قيل: خال رسول الله، وصاحب رسول الله، فإن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن، فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم، وهم عباده، يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عنده بالطاعة (2)"

والإسلام قرر الحماية القانونية، والمساواة أمام القضاء حتى لغير المسلمين، فها هو عمر يقول لعمرو بن العاص ـ يوم أن استكبر ابنه على شاب قبطي ـ: " متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهامتهم أحراراً؟! "

موقف غير المسلمين من مبدأي العدل والمساواة

م يَرُقْ للذين تربعت الدنيا بزخرفها على قلوبهم، وقد تشبثوا بالوسائط المادية، أن يذعنوا للإسلام، وهو ينادي بأن الناس سواسية كأسنان المشط، وأنهم كلهم متساوون في الحقوق السياسية وغيرها، ولا فرق بين غني وفقير، ولا وجيه وصعلوك، ولا حاكم ومحكوم، كيف وهم الأغنياء أصحاب الحسب والجاه والسلطان، يرون أنفسهم سادة فوق الناس، ويتفاخرون بآبائهم وأجدادهم؟! فقد جاء الإسلام ليحطم كل هذه النعرات، ويذيب الفوارق، فالله سبحانه وتعالى يضع الأنساب يوم القيامة، ولا يرفع إلا من انتسب إليه: " فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ "(  المؤمنون : 101).

والرسول r يبين أن التكبر والتفاخر بالأنساب يوصل صاحبه إلى النار، فقال: " أَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى: أَنَّ هَذَيْنِ المُنْتَسِبَيْنِ، أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا المُنْتَمِي، أَو المُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ، فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا المُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الجَنَّةِ، فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الجَنَّةِ "( مسند أبي بن كعب 5/128 ح 21216 ).

وها هو صلى الله عليه و سلم يحذر من أمور الجاهلية، فيقول: " أَرْبَع فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنجوم، وَالنِّيَاحَةُ "(  أخرجه مسلم: الصحيح (كتاب الجنائز، باب التشديد في النياحة 2/644 ح 934 ).

وقد ترجم النبي صلى الله عليه و سلم المساواة منذ إشراقة الدعوة الإسلامية، حيث كان يجمع في مجلسه الأغنياء، كأبي بـكر، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، والفقـراء،

كبلال، وصهيب رضي الله عنهما، فأبى مشركو قريش أن يجتمعوا والضعفاء في مجلس واحد، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم: نريد أن تجعل لنا منا مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن ترانا مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك، فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا، فاقعد معهم إن شئت، فنزل قوله تعالى: } وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" ( الانعام : 52)"

والأمم قبل الإسلام كانت تعرف معنى العدل والظلم، ولكنها ما كانت تعرف حدود كـل منهما، فكانت تلك الحدود متداخلة، شأنها في ذلك شأن أكثر المعاني المجردة إذ ذاك، فإذا نظرنا إلى الشعب اليوناني نراه قد فَرَّق بين من ينتسب إلى أصل يوناني، وبين من لم يَمُتَّ إليه بسبب، فجعل للأولين جميع الحقوق الوطنية، وخولهم حق السيادة على الآخرين؛ وجاراه في ذلك الشعب الروماني مضيفاً إلى ذلك شيئاً من الغلو، فلم يفرق بين من هو من أصل روماني وبين غيره فحسب، بل فرق بين الخاصة والعامة أيضاً، فجعل للأولين الزعامة والقيادة والحماية، وفرض على الآخرين الخضوع والانقياد والطاعة.

واليهود كانوا ولا يزالون يعتقدون أنهم شعب الله المختار، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وهم الذين قالوا عن طالوت القائد المختار من الله: " أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ " ( البقرة : 247)، يعني أنه ليس من نسل الملوك، إنما هو من سبط وضيع ليس أهلاً للقيادة.

والعرب في الجاهلية كانوا يتألفون من طبقتين: الطبقة العليا، وتضم الملوك والأشراف يتربعون على العرش، ويحكمون وفـق هواهم، والطبقة الدنيـا، وتضم العبيد والإماء والرعاة والخدم وغيرهم

والأمم الديمقراطية التي تدعي أن العالم الإنساني مدين لها بمبادئ العدل والمساواة، لا تزال تسير في سياستها بما يخالف هذا المبدأ، وإن طبقته وأرست معالمه في حياتها، إلا أن نظرتها تظل قاصرة تنبع من عقل دنيوي.

من خلال هذا، وتتبع موقف غير المسلمين من العدل والمساواة، ونظرة الإسلام إلى هذه القضية يشعر الإنسان بسمو مبادئ الإسلام، وهي تدعو إلى العدل والمساواة بين الناس قاطبة، في الوقت الذي يرى دعوة الطواغيت إلى الفرقة والاختلاف والتشرذم.

أبي الإسلام لا أب لي سواه             إن افتخروا بقيس أو تميم(1)


الخاتمة

الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...

فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع :" مبدأي العدل والمساواة في المنظور الإسلامي " و قد قمت بالتعريف بمفهوم العدل و المساواة لغة و اصطلاحا و بينت هذا الموضوع في ضوء الكتاب و السنة وفي حياة الصحابة و استعرضت موقف غير المسلمين من مبدأي العدل والمساواة اللذان قررهما الإسلام .  هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...وبالله التوفيق ...


المصادر و المراجع


1- القرآن الكريم.

2- كتب صحاح السنة.

3- ابن القيم الجوزية : مدارج السالكين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د . ت  

4- ابن كثير: البداية والنهاية ، مكتبة دار السلام ، الرياض ، 1414هـ 

5- محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح ، ط3 ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1993م .

6- محمد عمارة: الإسـلام والأمن الاجتماعي ، دار غريب ، القاهرة ، 2001م

7- ابن منظور، لسان العرب ، دار العلم للمايين ، بيروت ، 1429هـ

8- الفيومي، المصباح المنير ، دار الحديث، القاهرة ، 1421هـ.

9- الجرجاني: علي بن محمد بن علي السيد الزين أبا الحسن الحسيني، (الحنفي)، ت 816هـ، التعريفات، ط. 1357هـ- 1938م، مصطفى البابي الحلبي- القاهرة .

10- ابن عاشور: محمد الطاهر، التحرير والتنوير، ط. دار سحنون- تونس .

11- قلعة جي: محمد رواس وقنيبي: حامد صادق، معجم لغة الفقهاء، ط1. 1405هـ- 1985م، دار النفائس- بيروت 



 المملكة العربية السعودية

وزارة التعليم العالي

جامعة الملك سعود

كلية الحقوق والعلوم السياسية

بحث بعنوان :

مبدأي العدل والمساواة في المنظور الإسلامي

إعداد الطالب : محمد أحمد القحطاني 

إشراف الدكتور : أسامة العادلي 

العام الجامعي

1435-1436هـ


0 تعليق:

إرسال تعليق