الشكاية والاستماع Complain and listen


مقدمــة:


يجب أولا أن نميز بين الدعوى التي يسجلها أمام ض.ش.ق من تضرر من جريمة ما، وبين الوشاية التي يتقدم بها أحد المواطنين للإبلاغ عن وقوع جريمة سواء كان ذلك بصفة مباشرة كالقدوم على المفوضية، أو الإخبار بها بواسطة الهاتف، أو برسالة مجهولة كما هو الشأن في كثير من الحالات، كما يجب كذلك التمييز بين الشكاية والوشاية والاستماع.


1) الشكايـة:

إنها الإجراء الذي يقوم به ض.ش.ق لتسجيل أقوال شخص يقدم شكاية من أجل جريمة معينة، ويطلب منه فتح بحث في الموضوع. لذلك وجب أن نميز المشتكي هذا عن الشخص الذي يبلغ عن وقوع جريمة أو المخبر وكلاهما لم يتضرر من الجريمة بصفة مباشرة وإنما أقدم على عمله لسبب من الأسباب إما الانتقام أو من باب تغيير المنكر...إلخ.


وتكون الشكاية أحد المصادر الهامة لرفع القضية أمام ض.ش.ق، ويمكن أن تصدر عن الشخص المتضرر مباشرة كالضحية أو عن نائبه. ويلزم أن تسجل في محضر خاص بها ومستقل عن المحاضر الأخرى التي سوف تنجز تبعا لها.


وعند تسجيل هذه الشكاية يتعين على ض.ش.ق أن يشير في بداية محضره إلى ما يفيد أن ما ورد في المحضر يكون أول إجراء في المسطرة المزمع إنشاؤها. كما يتعين أن تشاهد فيه هوية المشتكي ونوع الجريمة التي يشتكي من أجلها. ولذلك ترى ض.ش.ق يجهد نفسه في إظهار عناصرها الخاصة سواء كان ذلك بصفة تلقائية من قبل المشتكي أو بواسطة الأسئلة المتعددة التي يلقيها عليه سعيا وراء تسليط مزيد من الأضواء على النازلة التي تعرض عليه.


ولكي تسهل علينا هذه العملية يجب أن نستعين دوما بفصول القانون الجنائي لتدقيق هذه الأمور، فإن وردت الشكاية مثلا في شأن سرقة وجب على ض.ش.ق أن يستحضر عناصر السرقة المنصوص عليها في الفصل 505 من ق.ج، وأن يذكر بالأسلوب الذي تقدم به المشتكي أن شيئا منقولا في ملكه قد وقع الاستلاء عليه. وإن جاءت الشكاية من أجل الضرب وجب ذكر نوع العنف الواقع على الضحية، أو وصف عملية إدخال ذكر رجل في فرج امرأة بدون رضاها إذا تعلق الأمر بجناية الاغتصاب.


كما يجب تفصيل الظروف التي وقع فيها الاعتداء ومحاولة فهم ما ورد في الشكاية بطريقة منطقية لا تدع المجال لأي إبهام كي يسهل على باحث آخر كلف بمتابعة البحث في أن يساير الأمر دون الرجوع من جديد إلى المشتكي.


وإذا كان أمر الشكاية يرتبط بفاعل مجهول أو بمجرد شك وجب توجيه المشتكي إلى إبراز كل العناصر المفيدة سواء للتعرف على المجهول وخصوصا إذا كانت الضحية قد رأته حيث تعطي أوصافه وأوصاف ملابسه... إلخ. أو إن كان مجرد شك وجب إعطاء أسباب الشك دون ترك المشتكي يتورط في اتهام غيره دون الارتكاز على حجج كافية حيث ينصحه ض.ش.ق بعدم توجيه الاتهام بصريح العبارة والاكتفاء بذكر أسباب الشك لا غير.


كما أن ذكر الشهود من قبل المشتكي شيء لا بد منه وخصوصا في الوقت الذي تتقدم فيه الضحية مباشرة بعد وقوع الاعتداء حيث تكون منهمكة في ما حل بها، ولا تجد الوقت الكافي لتتذكر الشهود أو للبحث عن شهود محتملين ربما سوف يغيرون مجرى البحث.


وللمزيد من الإيضاح نذكر أن معظم المشتكين لا يتوفرون على المستوى الثقافي المطلوب لذكر عناصر الشكاية ولكن ض.ش.ق بحكم عمله يساعدهم على ذلك بكل الطرق الممكنة ولكنه لا يأخذ من كلام المشتكي إلا ما هو متعلق بها دون تسجيل الأشياء الأخرى الواردة في كلامهم والتي لا علاقة لها بالأفعال الإجرامية.


غير أنه من المنطق أن ترد في المحضر العبارات اللازمة لفهم أن الشخص اتجهت إرادته إلى تسجيل الشكاية بعبارات واضحة كـ:" ولذلك أسجل شكاية ضده من أجل ..." أو "أسجل شكاية من أجل...ضد مجهول"...إلخ. وزيادة على ذلك فإن بعض الجرائم تتطلب حتما أن يكون الملف مرتكزا على شكاية مسبقة كالخيانة الزوجية.


هذا إذا تعلق الأمر بالشخص المتضرر من الجريمة بصفة مباشرة، أما إذا كان الأمر يهم الغير ولكن المشتكي يقوم بها نيابة عن غيره أو عن من له سلطة عليهم أو المحامي الذي يقدم شكاية نيابة عن موكله، فهل يحق لضابط الشرطة أن يرفض القيام بما هو مطلوب منه؟


الواقع أن رفض تسجيل هذه الشكاية يعتبر خطأ بالغا يرتكبه ض.ش.ق يمكن أن يعرضه لعقوبات إدارية فضلا عن المتابعة الجنائية (طبقا للفصل 240 ق.ج):"كل قاض أو موظف عمومي...امتنع...) من أجل إنكار العدالة.


ثم إن رفضه هذا يمكن أن تنجم عنه عواقب وخيمة ربما لن يمكن إصلاحها ويكون عدم التدخل أو التدخل المتأخر حال دون منع وقوع الاعتداء أو تخفيفه.

لذلك نرى أن تسجيل هذه الشكاية لا يورط ض.ش.ق في شيء، حيث أن الشخص الذي يتقدم أمامه بمحض إرادته يتحمل أعباء ما يصرح به وبالتالي يكون مسؤولا عن ذلك سواء في الميدان الجنائي أو المدني.


وقد تحدث عن هذا الأمر الأستاذ الدكتور :(كي دوني) في كتابه " البحث التمهيدي" والأستاذ (لوي لمبير) في كتابه "الوجيز في الشرطة القضائية" TRAITE DE POLICE JUDICIAIRE  وأكد على إلزام تسجيل هذه الشكاية.


وأخيرا فإن الشكاية يمكن أن تتعلق بقضية في حالة التلبس، ويمكن أن تكون حتى في البحث التمهيدي، غير أنها مقرونة في حالة الإنابة القضائية بضرورة إخبار المطالب بالحق المدني بأن القانون يمنع ض.ش.ق من الاستماع إليه إلا بطلب منه.


2) الوشايــة:

الوشاية هي أن يقوم شخص بإخبار إحدى الهيئات المختصة عن جريمة تم ارتكابها أو تَحَاول إما بصفته عالما بذلك فقط، أو بصفته مشاركا أو مساهما فيها دون أن يكون قد تضرر منها. ويكون تبليغه هذا نقطة الانطلاق لبداية البحث.


فالشخص يكون إما حضر بصفة مباشرة ارتكاب الفعل الجنائي وتقدم للإخبار به تلبية لواجب ديني أو وطني أو اجتماعي. وإما أن يكون مشاركا أو مساعدا فيها ويبلغ عنها إما ندما منه وتخليصا لضميره أو إدراكا منه للخطر الذي يتهدده  إن ظل ساكتا عن ما قام به مع الغير وخصوصا إذا كان القانون يعطيه الفرصة للإعفاء من العقوبة أو تخفيضها/ كما هو الشأن في جرائم أمن الدولة كمن من الجناة الذي يخبر قبل غيره السلطات العمومية بجناية أو جنحة ضد أمن الدولة وذلك قبل أي تنفيذ أو شروع في التنفيذ (الفصل 211 ق.ج).أو التبليغ الذي يكون بعد تمام تنفيذ الجناية أو الجنحة قبل بدء المتابعة (ف 212 ق.ج) أو الإعفاء من العقوبة في حالة تزوير العملة المنصوص عليه في الفصل 336 ق.ج. لذلك وجب توجيه العناية على إظهار عناصر هذا التبليغ بطريقة ينفذ بها ض.ش.ق إلى القصد الذي جاء به الشخص عن طواعية واختيار رغبة منه في أن يتمتع بعذر، قصد المشرع منه إعطاء الفرصة للشخص للإفلات من العقوبة أو من جزء منها جزاء له على ندمه أو مساعدته للسلطة على جعل حد للجريمة أو مسك مرتكبيها.


ولذلك يجب استخراج العناصر الضرورية لهذا التبليغ أو هذه الوشاية وإعطاء العناية لكل ما يحيط بالنازلة مع الالتزام بالرجوع إلى النص القانوني المتعلق بالفعل الإجرامي والإعفاء أو التخفيض الذي يسعى إلى التمتع به في آن واحد وذكر تلك العناصر بالأسلوب الذي يعبر به الشخص.



أنـواع الوشايـات: 

يمكن أن تكون الوشاية ـ كما تقدم ـ بصفة مباشرة حيث يحضر الواشي أمام ض.ش.ق ويدلي بتصريحه. ولكن يمكن أن تكون عن طريق رسالة مجهولة أو عن طريق الهاتف المجهول، أو عن طريق شخص يلح على التكتم أو عن خبر شائع ولذلك وجب التطرق إلى كل حالة من هذه الحالات:


أ‌- الرسائل المجهولة أو الهاتف:

إن هذا النوع من التبليغ يعتبر و لا شك مذموما من قبل الجميع، حيث أن فاعله يتصف بالاحتقار والجبن والدناءة والغدر. لكن الباحث كما سبق أن ذكرنا يجب أن يتجرد من العواطف وأن يقوم بعمله دون مبالاة بما يمكن أن يخالجه من شعور. فمن يدري لعل هذه الرسالة أو المكالمة المجهولة تحمل بين طياتها عناصر مهمة تقود إلى الوصول إلى ما لم يصل غليه الباحث بعد عناء طويل. وقد تحمل في كثير من الأحيان اتهامات خاطئة أو مغرضة ضد شخص أو أشخاص لا غبار على براءتهم وإنما أريد النيل منهم عن طريق وشاية من هذا النوع.


لذلك يجب التريث في مثل هذه الأحوال وبدلا من استدعاء الأشخاص المبلغ عنهم يجب البحث عن وجود الجريمة والإمعان في علاقة هؤلاء الأشخاص بها وجمع كل المعلومات عنهم حتى يكون عمل ض.ش.ق جادا وهادفا في نفس الوقت، وعندما يتبين له أن الشخص أو لأشخاص لهم نصيب في ارتكاب الفعل المبلغ عنه فيمكن حينذاك استدعاؤهم واستفسارهم في الموضوع.


وكيفما كان الحال فإن هذه الرسائل لا يتعين حفظها لمجرد أنها مجهولة المصدر فذلك خطأ كبير لأن كثيرا من القضايا ظلت بدون حل ولم تجد طريقها إلا بفضل شخص بلغ عنها بدافع من الانتقام أو الغيرة أو إرضاء لضميره.


ويمكن أثناء دراسة الرسالة أن نعرف لأول وهلة الهدف الذي يسعى المبلغ إلى تحقيقه من وراء ذلك، حيث تكون رسالته ممتلئة بعبارات الحقد والانتقام أو على العكس من ذلك تكون خالية من كل ما من شأنه أن يشير إلى عواطف كاتبها. والتقدير يرجع هنا إلى عدة أشخاص بدلا من شخص واحد، حيث تؤخذ وجهة نظر كل أفراد الفرقة أو الدائرة أو المصلحة، فقد يوجد من بين العناصر العاملة في المصلحة من يهتدي على الحل دون غيره، وكما يقال "يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر".


ب‌- المبلغ الذي يلح على التكتم:

في هذه الحالة لا يمكن أن نقول إن هذا الشخص حقير أو جبان أو دنيء أو غدار لأنه تحمل كل المخاطر وأقدم على إبلاغ الشرطة بوقوع جريمة أو وشك وقوعها، ولكنه يخشى أن يعود عمله عليه بالانتقام أو السخط من قبل الجيران أو الأصحاب فتراه يلح على أن لا يذكر اسمه في الملف حفاظا على سلامته أو سمعته. ولهذا يمكن أن نلبي له هذه الرغبة في حدود الإمكان ذلك أنه ما دام قد تقدم أمام ض.ش.ق فإن من هذا الأخير أن يحتفظ به إلى غاية التأكد من مزاعمه، فإذا كان ذلك صحيحا يكون الباحث قد حصل على جميع المعلومات من مشاهدة لوقوع الجريمة أو حصول على شهادات في شأنها أو جمع للأدلة عليها، أو إلقاء القبض على مرتكبيها في حالة تلبس سواء كان ذلك أثناء قيامهم بها أو في المحاولة.


وأكثر الحالات رواجا في مصالح الشرطة، المبلغ في قضايا المخدرات أو تهريب السلع أو العملة أو تزوير العملة أو توزيع المناشير، وفي كل هذه الحالات يمكن أن يتمتع المبلغ بالتكتم مادام ض.ش.ق قد حصل على المجرمين وعلى وسائل الإثبات، بحيث يكون  دور المبلغ أساسيا في بداية البحث لأنه أعطى نقطة الانطلاق، ولكنه يصبح ثانويا عند ضبط المجرم ومعه الأدلة الكافية.


وفي هذا الصدد نذكر على سبيل المثال الكيفية التي يمكن أن يكتب بها المحضر حيث يرد فيه:...نحن... وبينما نحن بمكتبنا نتوصل بتبليغ من قبل شخص يلح على التكتم ما يلي:...


غير أن المحاكم يمكن أن تطالب ض.ش.ق بأن يدلها على هذا المبلغ ولذلك يلزم أن يسجل هويته في مذكرة كي يستطيع عند الحاجة أن ينفذ أوامر المحكمة. ولكن التجربة التي مرت  بها بلادنا والحمد لله تفيد أن التنسيق الموجود بين الشرطة والعدل لا يدع مجالا للشك في أن القاضي أو القضاة لن يلحوا على رفع السر المهني على ضابط الشرطة إذا هو شرح للمحكمة ظروف المبلغ واستطاع إقناعها بذلك. وللوصول إلى هذا الهدف يجب أن يستعمل الباحث كل لباقته وأن يطلب مقابلة القاضي في مكتبه لا أثناء الجلسة حيث يتذاكر معه بكل حرية في محاولة إقناعه بضرورة عدم استدعاء المبلغ تشجيعا للمبلغين من جهة، وحفاظا على التزام ض.ش.ق المعنوي مع المبلغ من جهة أخرى.


ج- الخبر الشائع:

إن ارتكاب جريمة أو عدة جرائم يمكن أن يصل خبره إلى علم ض.ش.ق عن طريق الشائعات العمومية وذلك بواسطة الأخبار التي تروج في الوسط المحيط بضابط الشرطة. فقد يصل إلى علمه أن عجوزا تتعاطى الإجهاض مثلا، أو أن امرأة تتعاطى الوساطة في البغاء أو ا، شخصا يمتهن مهنة طبيب بدون رخصة أو أن تاجرا يبيع الخمر بدون رخصة أو أن فلانا معتاد على إخفاء المسروق أو المجرمين... إلخ.


لذلك وجب التأكد من صحة الخبر بواسطة المراقبة من بعيد إما عن طريق المفتشين الذين يسخرون لهذا الغرض أو بواسطة أشخاص تكون واثقا في أمانتهم وصدقهم.


ولا يحق الإقدام على إيقاف الأظناء إلا بعد الحصول على الدلائل الكافية، إما بالمشاهدة الضرورية للأفعال الإجرامية وإما بواسطة الحجج الكفيلة بانهيار الظنين أمام عرضها عليه عند إلقاء القبض عليه واستنطاقه.


3) الاستماع:

يقصد بهذا اللفظ الإجراء الذي يقوم به ض.ش.ق عندما يسجل في محضر رسمي التصريح الذي يدلي به له شخص في شأن قضية معينة. ويمكن أن يكون هذا الشخص هو المدعى ويمكن أن يكون شاهدا كما يمكن أن يكون هو المدعى عليه أو الظنين.


والقاعدة العامة في إنشاء هذا الاستماع هو أن الباحث يترك الشخص يتكلم ولا يتدخل بالسؤال إلا عندما يتوقف المصرح، أو أن يكون ما يدلي به ناقصا من حيث سرد القضية أو الواقعة. ولذلك يكون ملزما بالتدخل بواسطة الأسئلة التي عادة ما لا تكتب في المحاضر بل يكتفي ض.ش.ق بالإشارة إليها بواسطة التعبير التالي: "عن سؤال: ع.س" ويتلقى الإجابة عن ذلك مباشرة.


وهناك حالات يكون فيها الاستماع مستندا على الفصل 21 من ق.م ج، وأخرى على ما وصل إليه البحث، فيكتفي ض.ش.ق بذكر عبارة: "وبناء على ما سبق" في أول المحضر ثم يأخذ في تسجيل التصريح.


إلا أنه يتعين أحيانا أن يستدعي إلى المفوضية شخصا كي يتم الاستماع إليه، ولكن الترجمة المتداولة عن هذا الإجراء نقلا عن اللغة الفرنسية تحدث نوعا من الانزعاج تقتضي الإصلاح. ذلك أن كاتب المحضر يبين في مقدمة محضره أنه يستدعي ويستمع إلى السيد كذا وكذا ثم يأتي بالتصريح. لكنه عند الإمعان في الأمر يثبت أن تعبير "نستدعي ونستمع" هو ترجمة (DEMANDONS ET ENTENDONS) التي تفيد أن الشخص قد تم استدعاؤه وبعد ذلك الاستماع إليه. وعند إعراب اللفظ الفرنسي نجد أن الفعلين متعديان في اللغة الفرنسية، أما في اللغة العربية فإن الأول وهو الاستدعاء متعدي إلى مفعول به في حين نجد الثاني على خلاف ذلك الاستماع إلى فلان أو إلى كلام فلان فيكون الفعل لازما ويكون من الخطأ عطف فعل متعدي بفعل لازم بقولنا نستدعي ونستمع.


والأفضل في نظرنا ما دام الهدف هو الاستدعاء من أجل الاستماع أن نقول نستدعي قصد الاستماع السيد فلان... الذي يصرح لنا ما يلي:  


وعندما نكون بصدد الاستماع إلى الشخص يتعين أن نستخرج من كلامه كل ما من شأنه أن يظهر عناصر الأفعال الإجرامية، فإن أبان البحث عن حسن نية المصرح نكون قد عملنا الواجب ولكنه يحدث أحيانا أن يكون الشخص قد أخفى عنا بعض الحقائق ولم يظهر إلا جانبا واحدا أو جزءا من الحقيقة لذلك يعتقد البعض أن الكذب على ضابط الشرطة يعتبر إهانة في حقه ولذلك وجب الإمعان في إصدار هذا التكييف الخاطئ، ذلك أن الفصل 263 من القانون الجنائي لا يؤاخذ على الإهانة إلا إذا توفرت فيها الشروط الآتية: أقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو كتابات أو رسوم بقصد المساس بالشرف أو بالشعور أو بالاحترام الواجب لرجال القضاء أو السلطة. ويضيف الفصل 264 من ق ج أن بعض الأعمال تعتبر إهانة كذلك وهي: تبليغ السلطات العامة عن وقوع جريمة يعلم الشخص بعدم حدوثها أو تقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية أو التصريح لدى السلطة القضائية بارتكاب الشخص لجريمة لم يرتكبها ولم يساهم في ارتكابها.


وإلى جانب كل هذه الأحوال هناك مطالب يتقدم بها المصرح يمكن تلبيتها وأخرى لا يمكن فيها ذلك. فالمصرح يطالبنا أحيانا أن نسلمه نسخة من تصريحه أو شهادة بذلك وأحيانا يطالبنا محاميه بنفس الشيء، فما العمل أمام هذه الحالة.


الواقع أن الفصل 23 من ق م ج لا يسمح بتوجيه المحاضر إلا لوكيل الملك أو للقاضي المكلف بالتحقيق في حالة الإنابة الفصل 169 من ق م ج.


ولذلك لا يسمح لضباط الشرطة القضائية بتسليم نسخ من المحاضر لا للمشتكين ولا لغيرهم من المحامين أو الإدارات العمومية.


غير أن الشرطة اعتادت أن تسلم رقم الملف وتاريخ إرساله إلى السلطة المختصة كما تسلم شهادة صحيحة في الشكل والجوهر يشهد فيها ض.ش.ق بأن الشخص تقدم إلى مصلحته وسجل فيها شكاية من أجل كذا وكذا. ولكن هذه الشهادة لا تسلم إلا بعد أن تكون المصلحة قد سجلت هذه الشكاية بواسطة محضر وأن تنتظم فيها مسطرة تأخذ طريقها نحو السلطة القضائية سواء كان البحث إيجابيا أو سلبيا.


والغريب من جهة أخرى أننا نرى حاليا أن ضباط الشرطة القضائية هروبا من القيام بواجبهم يسلمون شهادات واهية يقوم بتحريرها الشخص الذي يرغب في الحصول عليها ويكتفي ض.ش بالمصادقة عليها بعبارة "تصريح نظر وسجل تحت عدد..." ولا يبقى في المصلحة أي أثر لذلك التصريح إلا الرقم ما عدا في حالات فقدان الجوازات أو ورقة التعريف الوطنية اللذين وردت في شأنهما تعليمات مدققة.


والأدهى من ذلك هو أن مختلف مصالح الشرطة أحدثت طوابع خاصة تضعها فوق الشهادة الواهية تعبر فيها على أن هذه الشهادة لا تصلح إلا لكذا وكذا كأن تحديد صلاحيتها من اختصاص الشرطة الشيء الذي لا يمكن قبوله بحال من الأحوال لأن فيه اعتداء على حقوق المواطنين من جهة واستبدادا في استعمال السلطة.


كما أنه في حالات أخرى يوجد عرف آخر يقضي في حالة بعض السرقات أن لا تسلم الشهادة إلا من قبل مصلحة الشرطة القضائية بعد مضي شهر على الشكاية وذلك ضمانا لحقوق شركات التأمين بحيث تحفظ نسخة من الشهادة في ملف القضية وعند العثور على الشيء المسروق المختفي يصبح من حق شركة التأمين بدلا من المشتكي وخصوصا إذا قامت الشركة بتعويض زبونها وهذا الحل يمكن اعتباره حلا ملائما لأنه محايد ويضمن حقوق جميع الأطراف.

وأخيرا فإن الفصل 713 من قانون المسطرة الجنائية ينص على أنه في حالة ضياع أو سرقة وثائق تثبت هوية الشخص يجب على وكيل الدولة أن يوجه المحضر المتعلق بذلك إلى كاتب الضبط بمحكمة مكان الازدياد أو إلى القاضي المكلف بالسجل العدلي المركزي ولا تسلم نسخة من السجل العدلي إلا بعد التحقيق من هوية الشخص.


ومعنى هذا فإن ضياع أوراق التعريف لا يصح أن نكتفي في شأنه بشهادة ضياع بل يجب أن تكون موضوع محضر مفصل يوجه عند ختمه إلى النيابة العامة ليتم تطبيق مقتضيات الفصل 713 المشار إليه أعلاه.




ابحث عن موضوع