المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد...
فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول موضوع : طرق استعمال الحق.
تثور لدى التطبيق النصي للأنظمة و القوانين الكثير من المعضلات؛ ترتبط بطرق استعمال الحق ومنها عجز الدولة عن الانتصار للمظلوم في الهين من الحقوق، أو على أحسن افتراض بطء الإجراءات حيال قيمة الحق المختصم عليه؛ كأن ينتزع أحد المتجبرين مالًا منقولًا لأحد الضعفاء، فيعجز عن استيفائه من ناحية، ويستهين بقيمته من حيث اللجوء إلى القضاء ، وهنا تجد للشريعة الإسلامية نظرية مؤصلة تقدم حلًّا معتبرًا شرعًا للقضاء على سلبيات محدودية قدرة الدولة في التصدي لمثل هذه الوقائع البسيطة، وهي إلى ذلك تتفق والنظرية العامة للتشريع الإسلامي الذي يحفظ كليات خمس، ويبني فوقها كل مواد التشريع تحليلًا وتحريمًا.
و في هذا البحث سأتحدث عن طرق استعمال الحق مع بيان أكثر تفصيلا لجزئية استيفاء الحق.
و سيتم في جمع معلومات هذا الموضوع على عدة مصادر ومراجع و ذلك في ضوء ما تيسر لي من معلومات... على الرغم من ندرتها نسبيا
وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ..
التعريف بالحق
الحق لغة: دلت كلمة الحق في اللغة على عدة معاني منها: الثبوت والوجوب والنصيب وغيرها. و هو خلاف الباطل ( الفيومي ، 1421هـ، ص89 )
- أمّا عند فقهاء المسلمين القدامى فلم يهتموا بتعريف كلمة الحق، على الرغم من كثرة استخدامهم لها في كتاباتهم، وكل تعريفاتهم له كانت تدور حول معنى الحق من الناحية اللغوية فقط، وكأنّهم رأوه واضحا فاستغنوا عن تعريفه.
القدرة على استيفاء الحق (الظفر بالحق ) هو استيفاء الحقوق بغير دعوى، أو هو أخذ المدعي لحقه الثابت بيده خفية أو قسرًا
- أمّا في الاصطلاح القانوني: فقد تعددت المذاهب القانونية في تعريف الحق كأساس ونظرية قانونية:
1- نظرية الإرادة (المذهب الشخصي( ويعدّ أقدم المذاهب القانونية، ومن أبرز أنصاره الألماني سافيني Savigny، ويرى أنّ الحق هو سلطة أو قدرة إرادية يعترف بها القانون لشخص.
ويعاب على هذه النظرية أنّها ركّزت أساسا على صاحب الحق دون غيره من العناصر الأخرى، لذلك جاء تعريفها للحق قاصرا من وجهين:
الوجه الأول: أنّه علّق وجود الحق على على وجود الإرادة، ومقتضى ذلك أنه لا حق لمن لا إرادة له كالمجنون والصبي غير المميز، بينما الإرادة لا تلزم لثبوت الحق، كحق من ذكرنا من الأشخاص في الإرث وانسب والجنسية وغيرها.
الوجه الثاني:أنّ الإرادة ليست جوهر الحق، إذ لا يحتاج إليها إلاّ عند مباشرة الحق، فانعدام الإرادة لاستعمال الحق لا تنفي وجوده، لذلك جعل القانون للمجنون والصبي غير المميز أولياء وأوصياء يقومون مقامهم لممارسة حقوقهم.
2- نظرية المصلحة(المذهب الموضوعي( ذهب البعض الآخر ومنهم الألماني اهرنج Ihering وكابيتان Capitant والسنهوري أنّ الحق هو مصلحة مادية أو أدبية يعترف بها القانون ويحميها.
وانتقد هذا التعريف أيضا بأنّه عرّف الحق بغايته وهي المصلحة، وهذا خطأ، لأنّ الحق ليس هو المصلحة وإنّما هو وسيلة إلى المصلحة
3- المذهب المختلط: وهو مذهب يجمع بين المذهبين السابقين( القدرة الإرادية والمصلحة)، ويعرّف الحق بأنّه قدرة وسلطة إرادية تثبت لشخص تحقيقا لمصلحة يحميها القانون.
ويعاب على هذا التعريف ما عيب على تعريف المذهبين السابقين.
4- وذهب البعض إلى تعريف الحق بأنه علاقة تربط بين شخصين . ويؤخذ على هذا التعريف أنّ الحق ليس هو العلاقة، ولكن العلاقة هي الأمر الذي ينظمه القانون عن طريق تقرير الحق، والقانون ينشئ الحق لينظم العلاقة.
5- النظرية الحديثة: تشكل المذاهب السابقة مجتمعة النظرية القديمة، أمّا النظرية الحديثة وعلى رأسها البلجيكي دابان Dabin فتعرف الحق بأنّه: استئثار شخص بقيمة معينة طبقا للقانون، وهذه القيمة إمّا أن تكون مالية أو أدبية (معنوية)، ولا يكون هذا الاستئثار حقا إلاّ إذا تمتع بالحماية القانونية. ( سليم ، 2007م ، ص : 25 ).
- فالحق في نظر هذه النظرية يتكون من أربعة عناصر:
- عنصران داخليان هما : الانتماء و التسلط.
- عنصران خارجيان هما:- ثبوت الحق في مواجهة الغير والحماية القانونية.
تعريفات أخرى للحق:
- عرّفه البعض بأنّه اختصاص يقر به الشرع (القانون) سلطة على شيء أو اقتضاء أداء من آخر تحقيقا لمصلحة معينة. وهذا التعريف هو أفضل التعريفات فيما يظهر، لأنه تلافى (تجنب) عيوب التعاريف السابقة وتميز بمزايا أهمها:
- يميّز بين الحق وغايته، فالحق ليس هو المصلحة، بل هو وسيلة إليها.
- يشمل حقوق الله تعالى وحقوق الأشخاص الطبيعية والاعتبارية بنوعيها الشخصية والعينية.
- يبيّن مدى استعمال الحق بما ألقي عليه من قيد " تحقيقا لمصلحة معينة". فكل حق في الشرع أو القانون ممنوح لتحقيق غاية معينة.
- استبعد المصلحة من تعريف الحق، كما استبعد الإرادة، لأنّ الأولى غاية الحق، والثانية شرط لمباشرته واستعماله، وبيّن جوهر الحق، وأنّه علاقة شرعية اختصاصية.
- شمل التعريف حقوق الأسرة وحقوق المجتمع، وغيرها من الحقوق التي لا ترجع فيها المصلحة إلى صاحب الحق، ولا إلى مباشرته بل إلى الغير.
- لم يجعل الحماية الشرعية والقانونية للحق عنصرا فيه، بل الحماية من مستلزمات وجود الحق، وكذلك الدعوى ليست من مقومات الحق، بل وسيلة تلك الحماية.
أنواع الحقوق
هناك تقسيمات مختلفة للحقوق، و هي :
تقسيم الحقوق إلى حقوق سياسية وغير سياسية :
الحقوق السياسية هي حق الشخص باعتباره عضوا في جماعة سياسية في الإسهام في حكم هذه الجماعة وإدارتها، كحق تقلد الوظائف العامة وحق الترشيح، وحق الإنتخاب. وتسمى أيضا بالحقوق الدستورية لأنها تقرر في الدساتير عادة، ومحل دراستها هو القانون الدستوري، وهي تثبت للمواطن دون الأجنبي. وهذا النوع من الحقوق ليس لازما لحياة الفرد، إذ قد يعيش الإنسان بدونها، إلاّ أنها قررت لمصلحته ولمصلحة الجماعة معا(منصور ، 2001م، 211)
والحقوق المدنية هي ما يثبت للشخص باعتباره عضوا في الجماعة، وهي تثبت للجميع على السواء دون تفرقة في السن أو الجنس أو الجنسية، لذلك تسمّى بالحقوق غير السياسية، وهي لازمة لحياة الفرد المدنية.
تقسيم الحقوق المدنية إلى حقوق عامة وحقوق خاصة
الحقوق العامة: هي الحقوق التي تثبت للإنسان بصفته آدميا، وتلازمه وتظل معه حتى موته، فلا غنى له عنها، وتثبت له دون تفرقة في السن أو الجنس أو الدين أو الجنسية، وتسمى أيضا بالحريات العامة Libertes Publiques ، وحقوق الإنسان، أو الحقوق الطبيعية، أو الحقوق اللصيقة بالشخصية، أو حقوق الشخصية.
وتشمل هذه الحقوق: حق الإنسان في الحياة وسلامة جسمه وشرفه، وحقه في العمل والزواج والتنقل والإقامة وحرية الرأي والعقيدة والإجتماع، وحرمة المال وحرمة السكن، والحق في عدم انتهاك أسراره الشخصية، وحقه في التقاضي.
وهذه الحقوق أساسية لا يمكن أن يعيش الإنسان بدونها، ولا يجوز التنازل عنها، ويتوجب على القانون أن يحميها.
والحقوق الخاصة: وهي الحقوق التي لا تثبت للأشخاص على قدم المساواة كالحقوق العامة، وإنما تثبت للأشخاص بقدر أحوالهم العائلية أو حالتهم المدنية، وتنقسم هذه الحقوق أحيانا على أسس عائلية، وأحيانا على أسس مالية، ومحل دراستها هو القوانين الخاصة.
تقسيم الحقوق الخاصة إلى حقوق عائلية وحقوق مالية
الحقوق العائلية أو حقوق الأسرة: هي الحقوق التي تثبت للشخص بصفته عضوا في أسرة، فمعيار التمييز فيها هو معيار العائلة أو الأسرة، وتنظمها قوانين الأسرة، وتسمى هذه الحقوق أيضا بالحقوق غير المالية، كحق الزوج في الطاعة، وتأديب الزوجة والأولاد، وحق الزوجة على زوجها في النفقة، والعشرة بالمعروف، وهذه الحقوق مقررة لصالح أسرة ولصالح الشخص معا لذلك كانت حقا وواجبا.
تقسيم الحقوق المالية إلى حقوق عينية وحقوق شخصية وحقوق معنوية:
تقسم الحقوق المالية إلى ثلاثة أنواع، وهي الحقوق العينية، والحقوق الشخصية، والحقوق المعنوية. وسنبحث كل نوع منها فرع مستقل.
طرق استعمال الحق :
إن تقصي نشأة الحقوق في المجتمعات البشرية القديمة وتطورها تكشف لنا عن رغبة إنسانية مبكرة في الابتعاد عن تحصيل الحق بالذات والاستناد إلى مرجعية عامة في ذلك حيث سعى البشر منذ البدء في رحب الجماعة البدائية المتعاونة كالأسرة أو القبيلة وقبل نشوء الدولة إلى إيجاد مرجعية اجتماعية تكون المصدر في تحديد حقوقهم وإنقاذها.
فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يستطيع العيش منفرداً وإنما في إطار جماعة تتعاون على تأمين مقومات البقاء لسائر أفرادها وكان ضمان الأمن الجماعي من أولى هذه المقومات سواء ضد القوى التي تهدد من الخارج أم ضد عوامل التخريب و الإثارة في الداخل وبالتالي كان طبيعياً أن تظهر داخل الجماعة (سلطة عامة) تمثل في فئة أو في فرد نجحت في بسط نفوذها على غيرها من الأفراد فصارت هي الفئة (الحاكمة)وأصبح الباقون خاضعين لها و(محكومين)بها وتبلور نشاط هذه السلطة في بداية نشأتها في ثلاث وظائف رئيسة هي: حماية الجماعة ضد الاعتداء الخارجي وتوفير الأمن الداخلي للجماعة وحل الخلافات التي تنشأ بين أفرادها وفي الوظيفة الثالثة الأخيرة كان الحد الفاصل بين أن يذهب الفرد إلى استرداد واستيفاء حقه بالذات وبين أن يذهب إلى "السلطة" ذات الصلاحية بذلك.
وإذا كان من حق الدولة وحدها في المدنيات الحديثة أن تقوم بحل الخلافات التي تنشأ بين الأفراد والجماعات وأن تتولى حماية حقوقهم عندما تكون تلك الحقوق عرضة للنزاع فإن الأمر لم يكن كذلك في العهد الفطري حيث كان يسود المجتمع نظام عرف بنظام العدالة الخاصة يقوم بظله كل فرد بحماية مصالحه بنفسه أو بواسطة الجماعة التي ينتمي إليها وبالحصول على حقوقه دون اللجوء إلى المحاكم.(سعد ، 2010م، 154 )
وعلى الرغم من أن تقنين هذه الحالة في القوانين الحديثة وهذا طبيعي بحسبان أن الاقتصاص و الثأر وكل ردود الفعل التي من جنس الفعل الجزائي إنما تندرج في إطار الحق العام الذي يملكه المجتمع ومؤسسة النيابة العامة حصراً إلا أن تلمس جذور حالة استيفاء الحق بالذات في التاريخ وقبل أن تنفصل الحقوق الجزائية عن المدنية وتتصل في مواضع دقيقة يكشف لنا أن أسطع مظهر من مظاهر استيفاء الحق بالذات تجلى قديماً بحق الثأر الذي عرفته البشرية زمناً طويلاً ولم تزل آثاره حاضرة حتى يومنا هذا وكان هذا الحق مصاناً بقوة بالمجتمعات البدائية إلى أن راح تطور الحقوق يتجاوزها وراحت المؤسسات الأولية في بابل قبل 2000 ق.م تفتح ثغرة في جدار هذا الحق فاسحة المجال للمصالحة العينية أو النقدية محسوبة بموجب تعرفة محددة في القانون.
ويمكن القول أن مؤسسة أنصاف الأحرار في روما تكاد أن تشكل تقنيناً منظماً لحالة استيفاء الحق بالذات فهؤلاء عبارة عن مدينين عجزوا عن وفاء ديونهم فاستهدفوا لدعوى القبض باليد ووقعوا تحت سلطان الدائن الذي وضع يده عليهم وسجنهم في سجنه الخاص حتى يتقرر مصيرهم ويبيعهم في ما وراء نهر التيبر.
ولقد كان منهم أيضاً المقترضون الذين يلتزمون برد المبلغ المقترض وذلك في أجل محدود ويقبلون سلفاً في بتسليم أنفسهم للمقرض إذا لم يردوا المبلغ المقترض في موعده المحدد ويحتفظون بحريتهم حتى حلول الأجل فإذا لم يردوا المبلغ في الموعد المحدد للوفاء يجري تقييدهم بالسلاسل ويقعون في نوع من العبودية إلا أن الثورات المتعددة لطبقات العوام أدت إلى صدور قوانين حررت هؤلاء المقيدين وحظرت مزاولة مثل هذه الطريقة في التعهد بالنسبة للمستقبل.
إن تأمل هذه المؤسسات الحقوقية البدائية والمفاهيم الجزائية البسيطة لدى المجتمعات القديمة الملائمة لبساطة العلاقات السائدة آنذاك تكشف الميل المبكر إلى حماية الفرد والمحافظة على حقوقه ومن هنا كان العقاب في العصور القديمة موكلا ًإلى المجني عليه بتأييد و مؤازرة الجماعة التي يعيش فيها ولكن ما لبث هذا الحق حتى انتقل إلى رئيس القبيلة أو العشيرة الذي جمع في يده سلطة إجراء المحاكمة و إصدار الحكم وتنفيذ العقوبة واستمر الأمر على هذه الحال حتى ظهرت الدولة فتولت سلطة العقاب في الجرائم التي تمس بكيانها ثم توسعت في سلطاتها فاحتكرت لنفسها سلطة العقاب كاملة و أصبحت وحدها تكفل بواسطة المحاكم حل المنازعات من أي نوع كانت التي تحصل بين الأفراد و الجماعات، فتقول الحق وتحدد مدى تطبيق القواعد القانونية وشمولها وتلزم الناس على احترامها ومنح المتضرر التعويض الذي يستحقه .
على أننا لو استعرضنا القوانين النافذة لدينا لوجدنا أن نظام العدالة الخاصة سالف الذكر مازال يطبق في بعض الأمور بالنسبة لبعض المنازعات فقد أجاز المشرع للأفراد في حالات معينة أن يقوموا بالإجراءات المقتضية تجاه خصومهم بغية تأمين مصالحهم والوصول إلى حقوقهم دونما حاجة لمراجعة المحاكم على أن القانون أقر للمحاكم حتى في هذه الحالات حق الإشراف على ما يقوم به الفرد من إجراءات ومن الأمثلة في تشريعنا على هذه الحالات:الحق في حبس الشيء والامتناع عن التنفيذ الالتزام في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين تجاه الآخر بتنفيذ ما التزم به الخ..
القانون والحق
القانون والحق مفهومان متلازمان مترابطان بحيث لا يذكر أحدهما إلا ويتبادر إلى الذهن الآخر فلحق كما سنرى هو ثمرة القانون كما أن مهمة القانون الأساسية هي تحديد الحقوق وبيان مداها وكيفية اكتسابها وانقضائها.
ويقصد بالقانون مجموعة القواعد التي تطبق على الأشخاص في علاقاتهم الاجتماعية ويفرض عليهم احترامها ومراعاتها في سلوكهم بغية تحقيق النظام في المجتمع أما الحق فيقصد به السلطة أو الإمكانية أو الامتياز التي يمنحها القانون للشخص تمكيناً له من تحقيق مصلحة مشروعة يعترف له بها ويحميها.
والحق أو الحقوق بهذا المعنى لا تتمثل إذن بالقواعد القانونية نفسها وإنما ما تقره هذه القواعد للأشخاص وما تمنحهم إياه من سلطات ومكنات وميزات فالقواعد القانونية التي تمنح الحق للمستأجر مثلا في سكنى العقار المأجور وللبائع في استيفاء ثمن المبيع من المشتري وللعامل في الحصول على تعويض تسريح من رب العمل وللأب في تربية أبنائه تدخل كلها في نطاق القانون أما ما ينشأ عن هذه القواعد من سلطات وإمكانيات وميزات يتمتع بها المستأجر أو العامل أو البائع أو الأب فإنما تعتبر حقوقاً يعترف بها القانون لهؤلاء الأشخاص ويمنحهم إياها وعلى هذا حين يتحدث المستأجر مثلاً عن حقه في سكنى العقار المأجور أو البائع عن حقه في استيفاء ثمن البيت والعامل عن حقه في تعويض التسريح والأب عن حقه في تربية أبنائه فإنهم لا يرمون من وراء ذلك التحدث عن قواعد قانونية معينة بل عن السلطات والميزات والإمكانيات التي يتمتعون بها بمقتضى هذه القواعد أو بمعنى آخر عن حقوقهم التي يمنحهم إياها القانون.
وبين القانون والحياة داخل المجتمع صلة وثيقة العرى وارتباطا ًعلى جانب كبير من الأهمية و القوة فالقانون لا يمكن أن ينشأ إلا حيث يكون هناك مجتمع يتولى تنظيمه وتحديد القواعد التي يجب أن تقوم عليها علاقات الأفراد فيه كما أنه لا يمكن أن يقوم مجتمع بالمعنى الصحيح بدون نظام صالح يبنى عليه ويتولى القانون أمر تحديده وفرضه.
وإذا كانت الحياة الاجتماعية واقعاً لا ريب فيه فإن وجود القانون بالتالي عبارة عن ضرورة ملحة تقتضيها طبيعة الحياة الاجتماعية نفسها التي يعود إلى هذا القانون أمر تنظيمها وإقامة أسس صالحة لها فالقانون قديم قدم لمجتمع نفسه وإن كان في نشأته الأولى قد اصطبغ بطابع بدائي يتناسب مع طابع المجتمع الذي وجد لتنظيمه .
ويقر القانون بداهة بأن لكل فرد بالمجتمع مصالح مختلفة يسعى إلى تحقيقها لتحقيق وجوده وبلوغ أهدافه ومآربه وقد تتعارض مصالحه مع مصالح غيره من الأفراد الآخرين وتتصادم مما ينتج معه الخلل والفوضى في الحياة الاجتماعية لذا وجد القانون سبيلا ًإلى تحقيق التوازن الاجتماعي بتحديده الظروف والشروط التي تكون فيها مصلحة الفرد أولى بالرعاية من المصالح غيره من الأفراد الآخرين ولمنحه بالتالي السلطة أو القدرة التي تمكنه من تحقيق مصلحته المشروعة وتحول دون الآخرين عليها.
الحق الشخصي ، والمركز القانوني ، ورقابة القضاء:
الحق القانوني للشخص أو مركزه هو في الواقع حقه على شيء أو في مواجهة شخص أو عدة أشخاص أو جهة من الجهات . والقانون يكتفي برسم الإطار العام للعلاقات التي تقوم بين الأفراد ويترك للأفراد حرية إنشاء العلاقات ضمن هذا الإطار العام وسواء أكان المركز القانوني للشخص قد نشأ نتيجة تصرف قانوني أو نتيجة واقعة قانونية تعاقدية أو غير تعاقدية فإنه يبقى مركزاً قانونياً نظامياً وهذا الطابع النظامي للمركز القانوني للشخص يغيب عنه في كل مرة تؤدي ممارسته إلى المساس بالمراكز القانونية الأخرى أو المساس بمصالح لمجتمع.
والحقوق التي يتمتع بها الأفراد كثيرة ومتنوعة : فهي إما أن تتصل بحق الفرد بالمشاركة في العمل السياسي وإما أن تتصل بشخصية الفرد بحيث تعتبر ضرورية لحمايته في ذاته لأنها من مقومات وجوده كتلك الحقوق التي تمكنه من العيش بكرامة كحق الحياة وحق الحرية وهي إما أن تتصل بنشاطه الاقتصادي أو المالي المسموح به قانوناً وهذه الحقوق ذات المضمون المالي هي أكثر أنواع الحقوق تعقيداً وهي قد تختلف فيما بينها بين مضمونة الوفاء لتعلقها بمجرد ذمم المدينين بها.
وإذا كان الحق يعطي صاحبه سلطة أو امتيازات يخوله استعمال الحق بالشكل الذي يحلو له من أجل تحقيق مصلحته المحمية بالقانون ودون الاكتراث من الناحية المبدئية بما إذا كان استعمال الحق يؤدي إلى الأضرار بالغير أم لا إذ من غير المعقول مبدئياً أن يسأل صاحب الحق عن الضرر الذي يلحق بغيره من جراء استعماله لحقه طالما أن القانون قد شرع له هذا الحق وأجاز له استعماله وفقاً للقواعد القانونية بحسبان أن الجواز الشرعي ينفي الضمان إلا أنه لابد من السليم بحقيقة التعارض بين حقوق الأفراد حيث أن استعمال بعضها يؤدي إلى الأضرار بالبعض الآخر :فصاحب الأرض الذي يقيم بناء عليها يحدث ضررا بأصحاب الأبنية الأخرى المجاورة والدائن الذي يطالب بإجراء الحجز التنفيذي على مال من أموال المدين من أجل استيفاء الدين ربما يستعمل حقه بطريقة تؤدي إلى الأضرار بالمدين وأسرته وبالدائنين الآخرين والتاجر الذي يمارس تجارته في مكان ما يقوم بالمنافسة مع التجار الآخرين في هذا المكان الخ ..وللحقوق حدود معينة من حيث الممارسة ة و الاستعمال وفيما يتعلق بكيفية اللجوء إلى القضاء عند النزاع وهذه الحدود ترسمها القوانين وتحدد المراكز القانونية لأصحابها فهناك منطقة حدود الحق التي إذا تجاوزها صاحبه فإنه يدخل في منطقة ممنوعة .
ومن نافل القول أن القوانين هي نظام الحياة والعلاقات في المجتمع ولولا وجود المجتمع لما قامت الحاجة إلى القوانين وعلى ذلك فإن للجماعة الإنسانية المنظمة الدور الأول في القوانين فهي التي تحدد مناطق وحدود الحقوق لأفراد منها وهي كذلك تهذب طرق وأشكال استعمال هذه الحقوق وذلك كله طبقاً لمبادئها الراسخة وخطوطها السياسية والاقتصادية والثقافية الجديرة بالاعتبار .
وللحقوق كيفية تستعمل بها داخل الجماعة يحددها القانون : فبالنسبة لحق الملكية مثلاً يخول المالك صلاحية استعمال الشيء المملوك واستغلاله والتصرف فيه وذلك من حيث حدود هذا الحق القانونية وحق الدائن على المدين مثلاً يخوله وفق حدوده ومنطقته القانونية صلاحية اقتضاء دينه منه وحق المستأجر يخوله وفق حدوده القانونية صلاحية مطالبة المؤجر بتسليم العين المؤجرة صالحة للانتفاع بها وفق ما خصصت له وما يقتضي به عقد الإيجار ويخول المستأجر بدفع الأجرة طبقاً لما تقضي به بنود العقد ..
وإن التأكيد والتشديد على ممارسة الحق في النطاق الذي يجيزه القانون في سبيل تحقيق مصلحة الفرد ضمن إطار الصالح المشترك للجماعة يجعل ممارسة الحق واستيفائه يخضع للرقابة الاجتماعية القانونية وهو بصدد استعماله : فالدائن يخضع لأصول وإجراءات أثناء المطالبة باقتضاء دينه من المدينين وتنفيذ العقود يجب أن تتم بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية واللجوء إلى العقود يجب أن يتم وفق المبادئ القانونية الاجتماعية الأساسية ووفق الشروط المرتبطة بالمصالح العامة ويجب أن تقع العقود والتصرفات على الأشياء التي قبلت الجماعة أن تكون محلاً للتعامل .
وبالتالي فإن إقرار القانون بالحق لشخص ما وإحرازه لمركز قانوني واضح وصريح لا يعفيه من إتباع الأصول القانونية الواجبة في صيانته وتداوله وتحصيله .
إن من وظائف الدولة الرئيسية ومن أخص خصائصها أن تقوم بتوزيع العدل بين أفرادها وذلك بإقامة صرح القضاء ليكون أداة لإقرار الحقوق في نصابها ورد الاعتداء والفصل في المنازعات بما يضمن طمأنينة الأفراد على أرواحهم وأموالهم وحرياتهم .
ومن أجل تحقيق هذا الغرض الأسمى أنشأت الدولة المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وسنت الأنظمة و القوانين ترتب بها هذه المحاكم وتبين وظائفها وتحدد سلطانها وتحدد سير العمل وسنت قوانين أخرى تبين الطرق التي تتبع في الركون إلى المحاكم والقواعد التي تلتزمها هذه المحاكم عند قيامها بوظيفتها من تناول الخصومة وتحضيرها وسماعها والفصل فيها وتنفيذ ما يصدر فيها من أحكام .
ومن هنا كانت الأهمية الخاصة لقوانين الأصول والمرافعات في الحياة القضائية بوصفها الناظم لسير الدعوى أمام القضاء حتى تأيد بالإثبات وتصبح عنوان الحقيقة وتأخذ سبيلها إلى النفاذ.
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...
فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع :" طرق استعمال الحق"
و قد قمت بالتعريف بالحق لغة و قانونا و كذلك قمت بالتعريف بأنواع الحق و تقسيماته ثم انتهيت إلى موضوع بطرق استعمال الحق ...
النتائج :
1- دلت كلمة الحق في اللغة على عدة معاني منها: الثبوت والوجوب والنصيب وغيرها. و هو خلاف الباطل
2- النظرية الحديثة تعرف الحق بأنّه: استئثار شخص بقيمة معينة طبقا للقانون، وهذه القيمة إمّا أن تكون مالية أو أدبية (معنوية)، ولا يكون هذا الاستئثار حقا إلاّ إذا تمتع بالحماية القانونية.
3- القانون والحق مفهومان متلازمان مترابطان بحيث لا يذكر أحدهما إلا ويتبادر إلى الذهن الآخر فالحق هو ثمرة القانون كما أن مهمة القانون الأساسية هي تحديد الحقوق وبيان مداها وكيفية اكتسابها وانقضائها.
4- للحقوق كيفية تستعمل بها داخل الجماعة يحددها القانون و النظام.
5- إن التأكيد والتشديد على ممارسة الحق في النطاق الذي يجيزه القانون في سبيل تحقيق مصلحة الفرد ضمن إطار الصالح المشترك للجماعة يجعل ممارسة الحق واستيفائه يخضع للرقابة الاجتماعية القانونية وهو بصدد استعماله
6- إن من وظائف الدولة الرئيسية ومن أخص خصائصها أن تقوم بتوزيع العدل بين أفرادها وذلك بإقامة صرح القضاء ليكون أداة لإقرار الحقوق في نصابها ورد الاعتداء والفصل في المنازعات بما يضمن طمأنينة الأفراد على أرواحهم وأموالهم وحرياتهم.
التوصيات :
1- أوصى بوجوب اتباع النظام و القانون في استعمال الحق .
2- أهمية اللجوء إلى القضاء لاستيفاء الحقوق .
3- أوصي القيام بدراسة شاملة معاصرة عن طرق استعمال من واقع القضايا المعاصرة.
4- هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...و بالله التوفيق ...
المراجع
1- أحمد الفيومي : المصباح المنير ، دار الحديث ، القاهرة ، 1421هـ.
2- إسماعيل أحمد : استيفاء الحقوق بغير دعوى في الشريعة الإسلامية
http://www.shareah.com/index.php?/records/view/action/view/id/2410/
3- أيمن زعرب: استغلال الوظيفة في الاعتداء علي المال العام في الفقه الإسلامي ، الجامعة الإسلامية ، غزة ، 1428هـ
4- عصام أنور سليم : نظرية الحق ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2007م .
5- محمد حسين منصور : نظرية القانون " مفهوم وفلسفة القانون طبيعة وخصائص القاعدة القانونية- مصادر القانون وتطبيقه ، دار الجامعة الجديدة للنشر، القاهرة ، 2001م .
6- نبيل إبراهيم سعد : المدخل إلى القانون - نظرية الحق ، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2010هـ .
المملكة العربية السعودية
جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
كلية الدراسات العليا
بحث عن :
طرق استعمال الحق
إعداد الطالب :
عبد الله مرزوق الفهادي
إشراف الدكتور :
عبد الفتاح ولد بـاباه
العام الجامعي
1433 / 1434هـ