المقدمة:
تعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها.
يسلط هذا الفصل الضوء على مفهوم الفساد، مظاهره،آلياته, أسبابه والآثار والانعكاسات المؤثرة ثم سيتم عرض الجهود الدولية لمكافحة الفساد ومن ثم سيتم عرض صورة مبسطة عن واقع الفساد في الجمهورية العربية السورية.
ومن ثمّ توضيح دور للمراجعة في مكافحة الفساد, وذلك من خلال عدة نقاط, المراجعة من منظور عام, المسؤولية الاجتماعية للمراجعة, وضع المهنة في سورية.
مشكلة البحث:
"لم يعد الفساد مسألة محلية وإنما ظاهرة تتخطّى الحدود القومية وتؤثر على جميع المجتمعات والاقتصاديات، جاعلة التعاون الدولي لمنعها والسيطرة عليها أمراً لازماً." ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
"لقد حددنا الفساد كأكبر حاجز فردي يواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية." البنك الدولي.
من خلال ما سبق تبدو مشكلة البحث في بيان دور مهنة المراجعة في الحد من ظاهرة الفساد ومكافحته, وفي سبيل ذلك سيتم الإجابة عن التساؤلات التالية:
• ما هو الفساد وكيف يمكن الحد منه.........؟؟؟
• هل يمكن أن يكون هناك دور لمهنة المراجعة في الحد من هذه الظاهرة وكيف يمكن ذلك......... ؟؟؟؟
هدف البحث:
يتمثل الهدف الأساسي للبحث في إيجاد مقاربة يمكن من خلالها توضيح دور مهنة مراجعة الحسابات في الحد من انتشار ظاهرة الفساد من خلال مسؤوليتها الاجتماعية, مسؤوليتها عن اكتشاف الغش, ميثاق أخلاقيات وسلوك المهنة, والقوانين والأحكام النافذة والتي تتعلق بالمهنة.
أهمية البحث:
يعرف رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية السابق الفساد بأنه" الشر المستطير الذي يسري في عالمنا وأن المرء ليوشك أن يعتقد أن محاربة الفساد ما هو إلا محاربه لطواحين الهواء فنحن بشر وليس ملائكة ففي الأحوال العادية يستغل المرء سلطته عن وعي وقصد لكي يتوصل إلى مزية فرديه وهذه هي حاله تقليديه من حالات الفساد"
ولما للفساد من خطورة على رفاه المجتمع واستقراره وأمنه كان لا بد من محاربة الفساد والتصدي له والتصدي للفساد كما جاء على لسان بيتر ايغن في كتابه شبكات الفساد والإفساد العالمي "لا يعني فقط التلويح بالهراوات الأخلاقية في وجهه بل يقتضي وقف الاستغلال الأناني للسلطة "ومحاربة الفساد ليس اتهاما لا حدود له ولكنه وقاية للمجتمعات وبالأخص النامية لتحقيق تنميه مستدامة كما جاء على لسان حسام بدراوي عضو منظمة برلمانيون عرب ضد الفساد. مما سبق يبدو واضحاً أن موضوع الفساد يحظى باهتمام عالمي واضح ومن هنا تنبع أهمية هذا البحث والتي تكمن في السعي نحو حل بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع السوري والتي تتمثل نواحي الفساد التي سيتم توضيحها لاحقاً.
فرضيات البحث:
الفرضية الأساسية للبحث:
هناك دور تقوم به المراجعة في مجال مكافحة الفساد.
أما الفرضيات الفرعية المشتقة من الفرضية الأساسية هي:
• تساهم المراجعة من خلال مسؤوليتها الاجتماعية في مكافحة الفساد.
• تساهم المراجعة من خلال مسؤوليتها عن اكتشاف الغش في مكافحة الفساد.
• تساهم المراجعة من خلال قواعد السلوك المهني في مكافحة الفساد.
• تساهم المراجعة كما تحددها القوانين النافذة في مكافحة الفساد.
مجتمع وعينة الدراسة:
إن البيانات التي تم استخدامها في هذا البحث تمثل عينة من قضايا محكمة الأمن الاقتصادي والتي جرت عليها الدراسة التطبيقية.
وقد تم إجراء بعض المقابلات الشخصية مع عدد من الأكاديميين بهدف تعزيز البحث بوجهات نظرهم.
الدراسات السابقة:
أولاً: باللغة العربية:
صيام, وليد., أبواحميد, محمد فؤاد., 2006, " مدى التزام مراجعي الحسابات في الأردن بقواعد السلوك المهني-دراسة ميدانية", (مجلد20, العدد2, مجلة جامعة الملك عبد العزيز) ص ص 199- 248.
هدفت هذه الدراسة إلى التعرف على مدى التزام م راجعي الحسابات في الأردن بقواعد السلوك المهني، والتي تم تصنيفها إلى قواعد عامة، وقواعد تتعلق بعلاقة الم راجع مع عملائه، وقواعد تتعلق بعلاقة المراجع مع زملائه، وقواعد تتعلق بتدعيم استقلالية الم راجع، وقواعد تتعلق بمحافظة المراجع على أدائه المهني.
وقد أظهرت نتائج الدراسة أن هناك التزام من قبل مراجعي الحسابات بقواعد السلوك المهني، ويمكن ترتيب مدى الالتزام بهذه القواعد تنازلي على النحو التالي : قواعد السلوك المهني المتعلقة بالمحافظة على الأداء المهني للم راجع، و قواعد السلوك المهني المتعلقة بتعزيز استقلالية المراجع، و قواعد السلوك المهني المتعلقة بعلاقة المراجع مع عملائه، والقواعد العامة للسلوك المهني، وقواعد السلوك المهني المتعلقة بعلاقة المراجع مع زملائه.
الشنواني, غياث, 2004, "دور مراجعة الحسابات في الحد من الاختلاس والتلاعب مع تطبيق على قضايا محكمة الأمن الاقتصادي بدمشق" رسالة ماجستير في المحاسبة, جامعة دمشق.
تناولت هذه الدراسة في جانبها النظري مسؤولية مراجع الحسابات عن اكتشاف الاختلاس والتلاعب في القوائم المالية في ظل تسعة معايير صادرة من المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين AICPA أطلق عليها معايير فجوة التوقع. وهي المعايير ذات التسلسل من 53 إلى 61 وقد ركزت على المسؤولية القانونية لمراجع الحسابات في القطاع العام والتي يقوم بها كل من الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش. أما الجانب العملي فقد كرس لتحليل 11 واقعة اختلاس وتزوير حدثت في عدد من الوحدات الحكومية خلال المدة 1978 إلى 1991.
وقد توصلت الدراسة إلى عدة استنتاجات:
تنعقد مسؤولية المراجع في القطاع العام عندما يكون عدم اكتشاف الغش والخطأ نتيجة لعدم إتباع معايير المراجعة والأنظمة والواجبات النافذة.
يتعارض ربط الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالسلطة التنفيذية مع معيار الاستقلال الذي يعد حجر الأساس في المراجعة.
كأن مراجع الحسابات مسؤولاً عن اكتشاف الاختلاس في 3 حالات من 11 حالة تناولتها الدراسة في جانبها العملي.
وقد خلصت الدراسة إلى عدة توصيات:
إطلاع المفتشين في أجهزة الرقابة الحكومية على كافة ما يصدر عن الجمعيات المهنية من معايير المراجعة وتعريفهم بمسؤولياتهم عن اكتشاف الاختلاس والتلاعب لتجنيبهم المساءلة القانونية.
ضرورة دمج الجهاز المركزي للرقابة المالية والجهاز المركزي للرقابة والتفتيش في مؤسسة واحدة بالسلطة التشريعية.
وجوب مساءلة المفتش قانونا وإحالته إلى القضاء في حال ثبوت عدم مراعاته لأحكام ونصوص القوانين والأنظمة.
دراسة دحدوح, حسين, 2006, "مسؤولية مراجع الحسابات عن اكتشاف التضليل في التقارير المالية للشركات الصناعية والعوامل المؤثرة في اكتشافه", (المجلد 22, العدد1, مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية) ص ص 173-212.
وهي دراسة جرت في الأردن وقد تمثل هدفها فيما يلي:
تحليل مسؤولية مراجع الحسابات الخارجي عن اكتشاف التضليل في التقارير المالية في ضوء الإصدارات المهنية ذات الصلة.
حصر العوامل المؤثرة في اكتشاف التضليل وترتيبها حسب أهميتها كخطوة نحو تقديم توصيات تسهم في تحسين قدرة مراجعي الحسابات على اكتشاف التضليل.
وقد تمثل جانبها العملي في تصميم استبيان تضمن العوامل المؤثرة في اكتشاف التضليل في التقارير المالية, وقد وزعت على عينة من مراجعي الحسابات في الأردن وعينة من المديرين الماليين في الشركات المساهمة الصناعية الأردنية.
وقد توصلت الدراسة إلى أن عملية اكتشاف التضليل تتأثر بالعديد من العوامل المرتبطة بالمراجع وبالمنشأة وإدارتها, وكذلك بالإصدارات المهنية, وقد خلصت إلى عدم وجود تأثير للعوامل الدينية والاجتماعية في عملية اكتشاف التضليل في التقارير المالية وختمت الدراسة بمجموعة من النتائج والتوصيات أبرزها فيما يتعلق بالمنظمات المهنية حيث أوصى الباحث المنظمات المهنية بما يلي:
تحديد مسؤوليات المراجع بشكل دقيق مع وضع الضوابط المتعلقة باكتشاف التضليل في التقارير المالية وذلك لتعزيز ثقة مستخدمي التقارير المالية.
القيام بدراسة متعمقة لقضايا التضليل بهدف التعرف على الطرق والأساليب المستخدمة ومن ثم وضع المعايير والإجراءات التي يجب على المراجع إتباعها في معالجة هذه القضايا والتي على أساسها تتحدد المسؤولية.
الاستمرار في تحديث وتطوير المعايير والقواعد المهنية وتنقيحها حتى يمكن أن تتوافق مع المتطلبات المتغيرة للمراجعة.
ثانيا: باللغة الانكليزية:
دراسة (European Commission,1999) بعنوان "دراسة نظم المسؤولية المدنية للمراجعين في سياق سوق موحدة لخدمات المراجعة في الاتحاد الأوروبي"
هدفت الدراسة إلى تحديد ما إذا كانت الاختلافات في نظم المسؤولية المدنية للمراجعين في دول الاتحاد الأوروبي يمكن أن تشكل عقبة تحول دون تطوير سوق موحدة في مجال خدمات مراجعة الحسابات في الاتحاد الأوروبي, وتحقيقاً لذلك الهدف تناولت الدراسة المسؤولية المدنية للمراجعين في ظل القوانين المحلية لخمسة عشرة دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتحديد الاختلافات فيما بينها, وفيما يلي أبرز ما توصلت إليه الدراسة:
1. تستند المسؤولية في معظم دول الاتحاد الأوروبي على العقد المبرم بين المراجع والوحدة الاقتصادية الخاضعة للمراجعة باستثناء فرنسا التي يؤكد قانونها على المصلحة العامة التي تحدد بموجب القوانين والتعليمات وليس العقد.
2. إن المراجعين في معظم دول الاتحاد مطالبين بالحصول على تأمين يغطي مسؤولياتهم المهنية.
3. اعترفت أغلب دول الاتحاد الأوروبي بمسؤولية المراجع تجاه الطرف الثالث إلا أن بعضها يشترط على الطرف الثالث للحصول على تعويض عن الأضرار أن يثبت عناصر المسؤولية (وجود خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما), في حين بعضها يتطلب إثبات إخلال المراجع بواجب بذل العناية المهنية اللازمة.
4. توجد خمسة دول تسمح لحملة الأسهم والدائنين بمقاضاة المراجع نيابة عن الشركة التي تمت مراجعتها.
5. يسمح للمراجعين في كل دول الاتحاد الأوروبي باستثناء ايرلندا بأن يكون الشكل القانوني لشركة المراجعة شركة ذات مسؤولية محدودة وذلك لحماية الشركاء الذين لم يشتركوا بعملية المراجعة.
وقد أوصت الدراسة بإعادة النظر في القوانين النافذة بما يكفل تحسين التشريع الأوروبي.
دراسة (Narayanan, 1994) بعنوان " تحليل قواعد مسؤولية مراجع الحسابات"
وهي دراسة جرت في الولايات المتحدة حيث تناولت مسؤولية المراجع وعلاقتها بالعناية المهنية وأوضحت أن هناك ثلاث مستويات للإهمال:
1. يعبر عن المسؤولية المتشددة التي من خلالها يكون المراجع مسؤولاً عن الضرر الذي يحدث للآخرين بصرف النظر عن مستوى العناية المهنية التي بذلها.
2. يعبر عن الإهمال الذي يكون المراجع من خلاله مسؤولاً فقط إذا فشل في بذل المستوى المطلوب من العناية المهنية.
3. يعبر عن الإهمال الغامض وفي ظل هذا المستوى فإن مستوى العناية المهنية لا يكون له معنى واضح وذلك لارتفاع درجة عدم التأكد عند تحديد ما إذا كان مراجع الحسابات قد التزم بمعايير بذل العناية المهنية.
وتوصلت هذه الدراسة إلى أن التحول من المسؤوليات المتشددة إلى المسؤوليات النسبية سوف يحسن من جودة المراجعة وعلى الرغم من ذلك سيزيد تكاليف المراجعة إلا أنه سيخفض من التكاليف المصاحبة للقضايا القانونية المتحملة بشكل يغطي الزيادة في تكاليف المراجعة.
دراسة (Transparency International, 2008, working paper) بعنوان " الفساد والثقافة".
خلصت الدراسة إلى أنه في البلدان المختلفة كان سبب الفساد هو الفاقة وما زالت الحكومات تعالج الفساد والفقر بشكل منفصل وليس تكاملي مع أن إستراتيجية المعالجة لكليهما لها نفس المكونات, هذه العقبات قيضت التطوير.
دراسة (Transparency International, 2007, working paper) بعنوان "الفساد والجنس"
هدفت الدراسة إلى دراسة أثر وتأثر النساء بالفساد, وخلصت إلى أن يجب على سياسات مكافحة الفساد أن تخاطب هذا الجنس إذا كانت تسعى إلى نتائج أو تطورات ناجحة.
الفصل الأول:
الفساد من المنظور العام
تعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها.
يسلط هذا الفصل الضوء على مفهوم الفساد، مظاهره،آلياته, أسبابه والآثار والانعكاسات المؤثرة ثم سيتم عرض الجهود الدولية لمكافحة الفساد ومن ثم سيتم عرض صورة مبسطة عن واقع الفساد في الجمهورية العربية السورية.
المبحث الأول:
ظاهــــــرة الفســــــاد
"لم يعد الفساد مسألة محلية وإنما ظاهرة تتخطّى الحدود القومية وتؤثر على جميع المجتمعات والاقتصاديات، جاعلة التعاون الدولي لمنعها والسيطرة عليها أمراً لازماً." ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
"لقد حددنا الفساد كأكبر حاجز فردي يواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية." البنك الدولي
"يوقع الفساد ملايين الناس في فخ الفقر." منظمة الشفافية الدولية
"قوضت ثقافة الفساد لزمن طويل التنمية الاقتصادية والحكم الجيّد، وولّدت الإجرام وانعدام الثقة حول العالم." الرئيس جورج دبليو بوش
سيتناول هذا المبحث عدة موضوعات تتمثل فيما يلي:
• مفهوم الفساد.
• مظاهر الفساد.
• أشكال الفساد وآلياته.
• إمكانية الانتشار.
• أسباب الفساد.
• آثار الفساد ومنعكساته.
المبحث الأول:
ظاهـــــرة الفســــــاد
أولاً:مفهوم الفساد :
وفقاً للبنك الدولي، من الممكن بوجه عام وصف الفساد على أنه إساءة استخدام السلطة العامة لأجل الفائدة الشخصية. تشمل أنواع الفساد، الفساد الواسع النطاق الذي ينتشر على أعلى مستويات الحكومات القومية، والفساد البسيط، أي تبادل مبالغ صغيرة جداً من المال أو منح أفضليات محدودة من جانب أصحاب المراكز الثانوية. فبصرف النظر عن نطاق الفساد، فأن جميع هذه الممارسات تقوّض تطور المجتمع المدني وتزيد من تفاقم الفقر، على الأخص عندما يُسيء المسؤولون إدارة أو استخدام الموارد العامة التي كانت سوف تُستخدم لتمويل طموحات الناس لحياة أفضل.
بدأ خلال السنوات الأخيرة، عبر سلسلة من الاتفاقيات الدولية، نشوء إطار عمل عالمي لمكافحة الفساد، وأصبح بإمكان الدول منفردة الآن جعل جهودها الخاصة لمقاومة الفساد أكثر فعالية عن طريق التطبيق المتشدد لإجراءات مكافحة الفساد، معتمدة بذلك على التعاون الدولي لمساندتها.
وجاء في موسوعة العلوم الاجتماعية تعريف الفساد: هو استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح أو منافع خاصة ويشتمل ذلك بوضوح على جميع أنواع رشاوى المسؤولين المحليين أو الوطنيين أو السياسيين ولكنه يستبعد الرشاوى التي تحدث في ما بينهم في القطاع الخاص.
وهناك اتفاق دولي على تعريف الفساد كما حددته "منظمة الشفافية الدولية" بأنه " كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته".
وصندوق النقد الدولي (IMF) له مفهومه الخاص للفساد، حيث يراه بأنه (علاقة الأيدي الطويلة المتعمدة التي تهدف لاستنتاج الفوائد من هذا السلوك لشخص واحد أو لمجموعة ذات علاقة بالآخرين) .
وقد اختارت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للعام 2003 ألا تعرف الفساد تعريفاً فلسفياً أو وصفياً، بل انصرفت إلى تعريفه من خلال الإشارة إلى الحالات التي يترجم فيها الفساد إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع ومن ثم القيام بتجريم هذه الممارسات وهي الرشوة بجميع وجوهها وفي القطاعين العام والخاص والاختلاس بجميع وجوهه والمتاجرة بالنقود وإساءة استغلال الوظيفة وتبييض الأموال والثراء غير المشروع وغيرها من أوجه الفساد الأخرى .
إن الفساد يحدث عندما يقوم موظف بقبول رشوة أو ابتزاز لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة، كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافس وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية، كما قد يحدث الفساد بأوجه أخرى كاللجوء في تعيين الأقارب إلى المحسوبية وكذلك سرقة أموال الدولة بطرق متعددة .
ثانيا: مظاهر الفساد:
والفساد من حيث مظهره يشمل أنواع عدة منها:
1. الفساد السياسي: ويتعلق بمجمل الانحرافات المالية ومخالفات القواعد والأحكام التي تنظم عمل النسق السياسي (المؤسسات السياسية) في الدولة. ومع أن هناك فارق جوهري بين المجتمعات التي تنتهج أنظمتها السياسية أساليب الديمقراطية وتوسيع المشاركة، وبين الدول التي يكون فيها الحكم شمولياً ودكتاتورياً، لكن العوامل المشتركة لانتشار الفساد في كلا النوعين من الأنظمة تتمثل في نسق الحكم الفاسد (غير الممثل لعموم الأفراد في المجتمع وغير الخاضع للمساءلة الفعالة من قبلهم) وتتمثل مظاهر الفساد السياسي في: الحكم الشمولي الفاسد، وفقدان الديمقراطية، وفقدان المشاركة، وفساد الحكام وسيطرة نظام حكم الدولة على الاقتصاد وتفشي المحسوبية.
2. الفساد المالي: ويتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية كالجهاز المركزي للرقابة المالية المختص بفحص ومراقبة حسابات وأموال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة والشركات، ويمكن ملاحظة مظاهر الفساد المالي في: الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي وتخصيص الأراضي والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية.
3. الفساد الإداري: ويتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام إثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية التي لا ترقى للإصلاح وسد الفراغ لتطوير التشريعات والقوانين التي تغتنم الفرصة للاستفادة من الثغرات بدل الضغط على صناع القرار والمشرعين لمراجعتها وتحديثها باستمرار. وهنا تتمثل مظاهر الفساد الإداري في: عدم احترام أوقات ومواعيد العمل في الحضور والانصراف أو تمضية الوقت في قراءة الصحف واستقبال الزوار، والامتناع عن أداء العمل أو التراخي والتكاسل وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار الوظيفة والخروج عن العمل الجماعي.
والواقع أن مظاهر الفساد الإداري متعددة ومتداخلة وغالباً ما يكون انتشار احدها سبباً مساعداً على انتشار بعض المظاهر الأخرى.
4. الفساد الأخلاقي: والمتمثل بمجمل الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الموظف الشخصي وتصرفاته. كالقيام بإعمال مخلة بالحياء في أماكن العمل أو أن يجمع بين الوظيفة وأعمال أخرى خارجية دون أذن أدارته، أو أن يستغل السلطة لتحقيق مآرب شخصية له على حساب المصلحة العامة أو أن يمارس المحسوبية بشكلها الاجتماعي الذي يسمى (المحاباة الشخصية) دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة .
ثالثاً:أشكال الفساد وآلياته :
الشكل النموذجي والصارخ للفساد، يتم عادة باختلاس الموارد العامة أما بشكل مباشر أو بطرق التفافية، ويتوقف تأثيره على حجم عمليات الاختلاس ومقدارها وتكرارها، ويعتبر هذا الشكل الأكثر خطورة خاصة إذا أنتشر في السلم الأعلى من الهرم العام ، لأن الحديث هنا يتم عن أشخاص تنفيذيون ، يتطلعون إلى مبالغ كبيرة ولديهم الوسائل على إخفاء عمليات الاختلاس ، ومما يزيد الخطورة ، أن انتشار الفساد ضمن ذلك المستوى يجعل الاختراق العمودي للمستويات الأدنى أمرا ممكنا نتيجة ضعف عنصر الردع وسيادة مظاهر التقليد ، خاصة وأن هذا النوع ينتشر ضمن المستوى الذي يفترض به أن يكون القدوة والذي يوفر كذلك الحماية عن طريق التشريع وإنفاذ القانون ، وخطورة تفشي الوباء ضمن هذا المستوى ، تماثل خطورة إصابة قشرة الثمرة التي يفترض أن توفر الحماية لما في داخلها .
غير أن الفساد لا يقتصر على هذا الشكل فقط على الرغم من خطورته ، وهناك أشكال عديدة أخرى منها الفساد بشكله البسيط والمباشر والمتمثل بالرشوة ، ويتم عادة بالحصول على منافع مادية مباشرة أو غير مباشرة نتيجة لاستغلال الوظيفة ، وخطورة هذا الشكل من الفساد لا تقتصر على النواحي الاقتصادية فقط بل أن ضررها الاجتماعي ربما هو الأكثر خطورة ، لأن تفشي ظاهرة الرشوة ، يعني إصابة معظم مستويات الإدارة ليس العليا فقط بل إمكانية الامتداد لكل موقع ، الأمر الذي يسمح في تفشي ما يطلق عليه ثقافة الفساد ، وهي التي تعني تعود المجتمع على هذه الحالة والتصرف على أساس أن ممارستها هي أمر عادي ومقبول بل وأكثر من ذلك ، تعني عجز القانون على التصدي للحالة بسبب شموليتها .
إضافة لهذه المظهرين الخطرين فأن ثمة خمسة أشكال أخرى تصنف ضمن حالات الفساد وتشمل :
المحاباة والتمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الصداقة أو القرابة ، ومن الواضح أن هذا الشكل يعتبر اقل خطورة ، لأنه لا يستهدف الجشع الذاتي بقدر ما يمكن تفسيره لدى القائم به على أنه "خدمة " لقطاع أو مجموعة معينة ، غير أن خطورة هذا الشكل تكمن إضافةً إلى الإجحاف الاقتصادي بحق مجموعات أخرى من السكان ، إلى تحويل المجتمع إلى مجموعات من ذوي المصالح التي تتصارع فيما بينها للحصول على أكبر نصيب من الغنيمة .
سوء الإدارة والفوضى والإهمال ، ويمكن اعتبار هذا الشكل بأنه فسادا غير مقصود لا تتوفر به سوء النية ، أو قصد الفساد ، وإنما يصنف ضمن أشكال الفساد ، باعتبار أن نتائجه لا تختلف كثيرا عن نتائج الفساد من حيث إلحاق الضرر الاقتصادي والاجتماعي بالمواطنين .
التأثير على القضاء وأجهزة الرقابة ومن ضمن ذلك التلاعب في الإجراءات القضائية والقانونية ، وخطورة هذا النوع من الفساد تكمن في التأثير المعنوي له والناتج عن تحويل جهاز يستهدف ضمن ما يستهدفه مكافحة الفساد إلى وسيلة لحماية وإخفاء والتستر على من يقوم به .
التأثير على الرأي العام بالصحافة ووسائل الإعلام لصالح جماعات ذات نفوذ ، وإدراج هذه الحالة ضمن أشكال الفساد لا يعتبر مطلقا ، والبعض لا يميل إلى اعتبار هذه الحالات فسادا ، بقدر ما هي إحدى الوسائل التي تلجا إليها جماعات معنية لتحسين مواقعها ، وتندرج جماعات الضغط عادة ضمن هذا المفهوم ، أما الميل إلى إدراج الحالة ضمن أشكال الفساد ، فيعود إلى إمكانية تغليب مصالح فئات معينة على مصالح فئات أخرى الأمر الذي يتناقض مع مفهوم المساواة والذي هو الأصل في مبادئ حقوق الإنسان ، وعلى العموم من الصعب توجيه تهمة لفرد معين ضمن هذه الحالة ، لأنه في الغالب لا يقوم بما يقوم به لمنفعة شخصية ، اللهم إلا إذا استخدمت وسائل الإعلام مقابل اجر لترويج أفكار غير صحيحة ومضللة .
إجهاض الديمقراطية داخل المجتمع عن طريق تزييف الانتخابات ، ويعتبر هذا الشكل مظهر نموذجيا للفساد السياسي بمفهومه الواسع ، وينتشر هذا الشكل في العديد من الدول النامية وفي الديمقراطيات المشوهة أو غير المكتملة ، والتي يتم التصارع خلالها بين الفئات السياسية من خلال التلاعب في العملية الديمقراطية غير المحكمة.
ثالثاً:- أسباب الفساد وانعكاساته:
للفساد أسباب وانعكاسات عديدة يمكن ملاحظتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على أن هذا لا يعني أن الفساد مقتصر على وجود هذه العوامل الثلاث ولكن لأغراض البحث العلمي ولأهمية هذه العوامل في بنية وتكوين المجتمع يمكن رصد هذه الأسباب.
ففيما يتعلق بالجوانب والأسباب السياسية الملازمة لظاهرة الفساد، يمكن القول أن عوامل مختلفة تقف وراء شيوع هذه الظاهرة تتناغم في شدتها ودرجتها طردياً مع تنامي ظاهرة الفساد منها عدم وجود نظام سياسي فعّال يستند إلى مبدأ فصل السلطات وتوزيعها بشكل أنسب أي غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية وعند هذا المستوى تظهر حالة غياب الحافز الذاتي لمحاربة الفساد في ظل غياب دولة المؤسسات وسلطة القانون والتشريعات تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي. وهناك عامل آخر يتعلق بمدى ضعف الممارسة الديمقراطية وحرية المشاركة الذي يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي ذلك أن شيوع حالة الاستبداد السياسي والدكتاتورية في العديد من البلدان يسهم بشكل مباشر في تنامي هذه الظاهرة وعندها يفتقد النظام السياسي أو المؤسسة السياسية شرعيتها في السلطة وتصبح قراراتها متسلطة بعيدة عن الشفافية، فضلاً عن حرية نشاط مؤسسات المجتمع المدني.
كما يمكن لظاهرة الفساد أن تأخذ مداها وتبلغ مستوياتها في ظل عدم استقلالية القضاء وهو أمر مرتبط أيضاً بمبدأ الفصل بين السلطات إذ يلاحظ في معظم البلدان المتقدمة والديمقراطية استقلالية القضاء عن عمل وأداء النظام السياسي وهو ما يعطي أبعاداً أوسع فعالية للحكومة أو النظام السياسي تتمثل بالحكم الصالح والرشيد، فاستقلالية القضاء مبدأ ضروري وهام يستمد أهميته من وجود سلطة قضائية مستقلة نزيهة تمارس عملها بشكل عادل وتمتلك سلطة رادعة تمارسها على عموم المجتمع دون تمييز. وهنا فأن السلطة الرادعة هذه تعتبر من أهم مقومات عمل السلطة القضائية لتأخذ دورها في إشاعة العدل والمساواة بين أفراد المجتمع.
هناك عامل آخر يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد متمثل بقلة الوعي (الوعي السياسي) وعدم معرفة الآليات والنظم الإدارية التي تتم من خلالها ممارسة السلطة. وهو أمر يتعلق بعامل الخبرة والكفاءة لإدارة شؤون الدولة.
يضاف إلى تلك العوامل والأسباب السياسية المتعلقة بظاهرة الفساد عوامل أخرى اقتصادية منها: غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة ذلك أن اغلب العمليات الاقتصادية هي عبارة عن صفقات تجارية مشبوهة أو ناتجة عن عمليات سمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزاً واسعاً، وهو ما سينعكس بصورة أو بأخرى على مستوى وبنية الاقتصاد الوطني، إذ ستؤثر هذه العمليات على مدى سير عملية تنفيذ المشاريع وبالتالي على عملية الإنتاج. من جهة أخرى، أن مستوى الجهل والتخلف والبطالة يشكل عامل حاسم في تفشي ظاهرة الفساد ذلك أن قلة الوعي الحضاري ظلت ملازمة أو ملتزمة بالرشوة. كما أن ضعف الأجور والرواتب تتناسب طردياً مع ازدياد ظاهرة الفساد.
ومن خلال هذه العوامل والأسباب الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لظاهرة الفساد، يمكن رصد بعض الآثار الاقتصادية المتعلقة بتلك الظاهرة عموماً منها:
1. يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وأضعاف مستوى الجودة في البنية التحية العامة وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من كلفتها.
2. للفساد أثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي، ففي الوقت الذي تسعى فيه البلدان النامية إلى استقطاب موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنولوجيا، فقد أثبتت الدراسات أن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها مما يمكن أن يسهم في تدني إنتاجية الضرائب وبالتالي تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصةً فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة.
3. يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على تجميع الأصول بصفة مستمرة مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع.
كما يمكن لظاهرة الفساد أن تنمو وتتزايد بفعل عوامل اجتماعية ضاربة في بنية وتكوين المجتمعات البشرية ونسق القيم السائدة، إذ تلعب العادات والتقاليد الاجتماعية وسريانها دوراً في نمو هذه الظاهرة أو اقتلاعها من جذورها وهذه العادات والتقاليد مرتبطة أيضاً بالعلاقات القبلية السائدة في المجتمع كما أن التنظيم الإداري والمؤسسي له دور بارز في تقويم ظاهرة الفساد من خلال العمل على تفعيل النظام الإداري ووضع ضوابط مناسبة لعمل هذا النظام وتقوية الإطار المؤسسي المرتبط بخلق تعاون وتفاعل ايجابي بين الفرد والمجتمع والفرد والدولة استناداً إلى علاقة جدلية تربط بينهما على أساس ايجابي بناء يسهم في تنمية وخدمة المجتمع.
وهناك عامل آخر لا يقل أهمية عن العوامل السابقة يتمثل في غياب الثقة في تطبيق المثل الإنسانية .
إمكانيات الانتشار:
سبق القول أن الفساد هو ظاهرة كونية تنتشر في جميع أقطار العالم ، غير أن هذا الانتشار ومستوياته تتفاوت . وعلى العموم ، فأن الانتشار ، يمكن تصنيفه بنوعين رئيسين يشملان الانتشار الوبائي والانتشار النسبي . ويتميز الانتشار الوبائي بأن المجتمع بشكل عام يتقبل ظاهرة الفساد بأشكالها المختلفة أو بأشكال محددة ، وتمارس هذه الأشكال على نطاق واسع دون أن يتطلب ذلك إجراءات قانونية للتعامل مع الظواهر . وينتشر هذا الشكل عموما في الدول النامية والاقتصاديات الضعيفة وأنظمة الديمقراطية غير المكتملة . ومن أمثلة ذلك، اعتبار الرشوة البسيطة بمثابة ظاهرة عادية في بعض البلدان ، أو دفع رشوة مقابل الحصول على خدمات اعتيادية بسيطة مثل استصدار شهادات الولادة مثلا ، أما الانتشار النسبي ، فيتواجد عادة في المجتمعات المحصنة ديمقراطيا وقانونيا، بمعنى أن الفساد كظاهرة بشرية ، يمكن أن تطال أفراداً أو مجموعات ، لكن المهم في الأمر أن تقاليد المجتمع وأنظمته وتشريعاته ، تمتلك الإمكانية لكشف ومحاصرة هذه الحالات ومن ثم إيقاع العقاب على من تثبت إدانته .
ويعاب على هذا النوع من الفساد ، أنه وبالنظر إلى متانة النظام الرقابي فأنه قد يسمح بممارسته بشكل شبه رسمي وفي نطاقات محددة وموجهة ، خاصة إذا تعلق الأمر بالمصالح الاقتصادية للدولة ذات العلاقة وخاصة إذا ما استهدف الفساد الحصول على امتيازات أو صفقات اقتصادية في دول أخرى .
أسباب الانتشار:
قبل مناقشة أسباب الانتشار لا بد من شرح أو تعريف طريقة ممارسة الفساد ، وهو بالمحصلة "اتفاق غير قانوني بين طرفين" وهذا الاتفاق أما أن يكون طوعيا يمكن أن يطلق عليه تعبير "المتاجرة بالغش " أو اتفاقا قسرياً أو إجبارياً يقوم الطرف الذي يمثل موقع المسؤولية بابتزاز طرف آخر هو طالب أو محتاج الخدمة ، بحيث يقف المسؤول حاجزا أو مانعا ضد سريان حالة الاستجابة للخدمة بشكل انسيابي وطبيعي ، وعدم إحداث أو أنفاذ هذه الخدمة إلا بمقابل غير منصوص عليه في القانون . وينتشر هذا "الاتفاق" عادة في الدول النامية والمتأخرة والبوليسية ، ويكاد ينعدم في الدول المتقدمة والديمقراطية نتيجة سيادة مفاهيم المساواة وانعدام الخوف وسيادة القانون.
أما أسباب الانتشار فتعود إلى مجموعة من العوامل تشمل:
1. انتشار ثقافة الفساد:
نتيجة لضآلة مجموعة الموروثات والقيم مضافا إليها تدني الوضع الاقتصادي للبلد.
2. ضعف الدخول والرواتب:
خاصة لدى طبقة صغار الموظفين أو مستويات الإدارة الوسطى ، حيث أن هناك علاقة عكسية ما بين مستويات الرواتب والدخول وما بين انتشار حالات الفساد .
3. تشوه القيم المجتمعية:
نتيجة بروز عناصر المباهاة والثراء الفاحش والتسارع في الوصول إلى مستويات معيشة مرتفعة ، كل هذه الأمور تسهم في إيجاد قيم وميكانيكيات مستجدة لا تتفق ومبادئ النزاهة والتقيد بالمتطلبات والإجراءات القانونية.
4. تردي مستوى الحكم:
ويرتبط ذلك بطبيعة نظام الحكم ومدى التزامه أصلا بمبادئ سيادة سياسة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية وفق أسس متكافئة قائمة على إتاحة الفرص المتساوية ، ويشمل ذلك ضعف نظام الحكم والذي لا يستطيع نتيجة حالات الضعف من أحكام السيطرة على مجريات الأمور ، الأمر الذي يؤدي إلى التسيب والذي يتم من خلاله ممارسة المخالفات القانونية ومن ضمن ذلك أشكال الفساد المختلفة .
وعلى العموم فإن طبيعة نظام الحكم تسهم إلى حد كبير في زيادة حالات الفساد وتفشيه خاصة إذا توفرت حالة أو أكثر من الحالات التالية:
• ضعف إرادة القيادة السياسية في مقاومة الفساد أو عدم إعطاء هذه القيادة الأولوية لمقاومة الفساد عند الشعور بوجوده وخطره.
• ضعف السلطة القضائية وغياب سلطة القانون.
• عدم استكمال وضعف قوانين وأنظمة الرقابة العامة
• ضعف الدور الرقابي المجلس التشريعي.
• محدودية دور الإعلام وعزوفه عن المشاركة في التصدي وكشف حالات الفساد .
• عدم انخراط مؤسسات المجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد .
ومن الواضح ، أنه في الحالة الفلسطينية فأن الظروف قد تكون مواتية لزيادة مظاهر وحالات الفساد نتيجة لوجود تأثير للحالات السابق ذكرها ، وهذا يؤكد ضرورة الإسراع في معالجة الأوضاع وتصحيحها خاصة في مجال السلطة القضائية واستكمال المنظومة القانونية وتفعيل مجالات الرقابة المختلفة التشريعية والرسمية والإعلامية والأهلية.
جوانب الإدارة العامة الأكثر تأثرا بالفساد:
لا حدود لممارسة الفساد إذا توفرت الظروف لذلك، وإذا انعدمت أو ضعفت الضوابط العامة والذاتية ، غير أن هناك جوانب محددة تتوافر بها الشروط لممارسة الفساد أكثر من غيرها في كل ما يرتبط بالإدارة العامة يشمل ذلك:
1. بالأموال ، ومن خلال استغلال الفجوات القانونية وعدم وجود الضوابط الإجرائية والقانونية الملائمة فأن الأفراد التنفيذيين والذين لا تتوفر لديهم الضوابط الذاتية والقيمية ، غالبا ما يجدون الفرص الملائمة للكسب غير القانوني بواسطة صفقات الشراء والعقود والمناقصات العامة وبدون وجود نظام دقيق يعالج كيفية تنفيذ كل واحدة من هذه الحالات الهامة ، فأن المجال يكون متاحا لمن يرغب في استغلال الوضع لمصلحته الذاتية.
2. جباية الضرائب والجمارك وغيرها من الموارد السيادية، أيضا في هذه الحالة فأن الأموال هي مجال العمل ، ومن خلال استغلال المركز فأن تخفيضات ومزايا يتم منحها بشكل غير قانوني مقابل رشوا وعطايا خاصة ، وخطورة هذا المجال أنه يسمح بشكل كبير في تدمير وإضعاف أصول موارد الدولة.
3. منح الموافقات والرخص والتصاريح، وعادة ما يشكل المسؤول العام الممارس للفساد ، دور المانع أو الحاجب لمنح الموافقات المذكورة إلا بعد ابتزاز صاحب الطلب.
4. إسناد الوظائف وتحديد المسؤوليات، وفي هذه الحالة ، فأن النقد ربما لا يكون متداولا ، بينما يكون تأثير الفساد باتجاه إلغاء مبدأ المساواة وإتاحة الفرص مقابل المحاباة للأقرباء والأصدقاء ، وإضافة لذلك ، فأن من شأن هذه الممارسة التأثير السلبي على مبدأ "الشخص المناسب في المكان المناسب " طالما أن القريب أو الصديق يتم تعيينه في مركز معين بغض النظر أن كأن مناسبا أو مؤهلا له.
نتائج وآثار الفساد على المجتمع:
على الرغم من أن النتائج الأكثر بروزا وتأثيرا للفساد تكمن في الآثار الاقتصادية فأن هناك نتائج اجتماعية وإقليمية ومعنوية لا تقل تأثيرا ، غير أنه درجت العادة على تحديد النتائج ذات الطابع الاقتصادي باعتبارها الترجمة المباشرة لمفهوم الفساد في الموقع العام، وتحدد آثار الفساد ونتائجه ضمن هذا المفهوم على النحو التالي :
1. هدر الموارد :
ويتمثل ذلك بتحويل مصادر الإيرادات العامة من الوصول إلى خزينة الدولة لاستعمالها للمصالح العامة إلى جيوب أفراد ، الأمر الذي ينعكس على تدني مستوى الخدمات التي من المفترض أن تقدمها الدولة للصالح العام.
2. الحد من النمو الاقتصادي :
نتيجة تحكم قلة من الأفراد أو المجموعات بأحجام كبيرة من مصادر الأموال العامة ، فأن فرصة استخدام هذه الأموال في المشاريع والبنية الاقتصادية تتأثر حيث يتغير نظام استخدام الأموال من مساره الطبيعي القائم على العرض والطلب ، إلى مسارات أخرى طارئة ومنها تحويل الأموال إلى خارج البلاد مثلا.
3. ضعف مستوى المعيشة:
من الطبيعي أن يؤدي تسرب مبالغ مالية عامة إلى جيوب بعض الأفراد إلى خفض المصادر المتاحة لتنمية الاقتصاد ، وبمقابل الإثراء الكبير لبعض الأفراد فأن انخفاضا واسعا لمستوى المعيشة يبدأ بالحدوث ثم الانتشار.
4. الإخلال بمصداقية الدولة :
تعتمد الدول وخاصة الدول النامية على مساعدات الدول الأخرى من اجل تنمية اقتصادياتها ، وفي حالة شيوع ظاهرة الفساد ، وخاصة إذا أنتشر في أوساط المسؤولين التنفيذيين، فإن مصداقية الدولة تبدأ بالتأثر وتبدأ المؤسسات الدولية بالشك في قدرات هذه الدولة على تنشيط الاقتصاد وبالتساؤل عن مصير أموال المساعدات الأمر الذي سوف يعمل على تأخير فرص التنمية.
5. ضعف فعالية الأداء العام :
وكنتيجة حتمية ، فأن من شأن تفشي الفساد أن يؤدي إلى إضعاف الهيكل والتنظيم الإداري للدولة ويحرف مجموعة المسؤولين عن أداء المهام التي وجدوا من أجلها ، واللهو إما بمحاولات البحث عن فرصة للإثراء ، أو بالبحث عن هؤلاء الذين يحاولون الإثراء غير المشروع ، وبهذا فأن أولويات التنمية والخدمة العامة تتراجع لتمثل مرتبة متأخرة في الاهتمام على حساب أمور سلبية .
المبحث الثاني:
مكافحة الفساد من منظور دولي
سيتم إفراد هذا المبحث للحديث عن الجهود التي قامت على مستوى المنظمات العالمية وعلى مستوى العالم لمكافحة الفساد.
المبحث الثاني:
مكافحة الفساد من منظور دولي
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد:
إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ تقلقها خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها، مما يقوّض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرّض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر،وإذ تقلقها أيضا الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، وخصوصا الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية، بما فيها غسل الأموال،وإذ تقلقها كذلك حالات الفساد التي تتعلق بمقادير هائلة من الموجودات، يمكن أن تمثل نسبة كبيرة من موارد الدول، والتي تهدّد الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة لتلك الدول، واقتناعا منها بأن الفساد لم يعد شأنا محليا بل هو ظاهرة عبر وطنية تمس كل المجتمعات والاقتصاديات، مما يجعل التعاون الدولي على منعه ومكافحته أمرا ضروريا،واقتناعا منها أيضا بأن إتباع نهج شامل ومتعدد الجوانب هو أمر لازم لمنع الفساد ومكافحته بصورة فعالة،واقتناعا منها كذلك بأن توافر المساعدة التقنية يمكن أن يؤدي دورا هاما، بما في ذلك عن طريق تدعيم الطاقات وبناء المؤسسات، في تعزيز قدرة الدول على منع الفساد ومكافحته بصورة فعالة،واقتناعا منها بأن اكتساب الثروة الشخصية بصورة غير مشروعة يمكن أن يلحق ضررا بالغا بالمؤسسات الديمقراطية والاقتصاديات الوطنية وسيادة القانون، وإذ عقدت العزم على أن تمنع وتكشف وتردع، على نحو أنجع، الإحالات الدولية للموجودات المكتسبة بصورة غير مشروعة، وأن تعزز التعاون الدولي في مجال استرداد الموجودات، وإذ تسلمّ بالمبادئ الأساسية لمراعاة الأصول القانونية في الاجراءات الجنائية وفي الاجراءات المدنية أو الإدارية للفصل في حقوق الملكية، وإذ تضع في اعتبارها أن منع الفساد والقضاء عليه هو مسؤولية تقع على عاتق جميع الدول، وأنه يجب عليها أن تتعاون معا بدعم ومشاركة أفراد وجماعات خارج نطاق القطاع العام، كالمجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، إذا كأن يراد لجهودها في هذا المجال أن تكون فعالة، وإذ تضع في اعتبارها أيضا مبادئ الإدارة السليمة للشؤون والممتلكات العمومية، والأنصاف والمسؤولية والتساوي أمام القانون وضرورة صون النـزاهة وتعزيز ثقافة تنبذ الفساد، وإذ تثني على ما تقوم به لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من أعمال في ميدان منع الفساد ومكافحته، وإذ تستذكر الأعمال التي اضطلعت بها المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى في هذا الميدان، بما في ذلك أنشطة مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الدول الأمريكية ومجلس التعاون الجمركي (المعروف أيضا باسم المنظمة العالمية للجمارك) وجامعة الدول العربية، وإذ تحيط علما مع التقدير بالصكوك المتعددة الأطراف لمنع الفساد ومكافحته، بما فيها اتفاقية البلدان الأمريكية لمكافحة الفساد، التي اعتمدتها منظمة الدول الأمريكية في 29 آذار/مارس 1996، واتفاقية مكافحة الفساد بين موظفي الجماعات الأوروبية أو موظفي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبـي، التي اعتمدها مجلس الاتحاد الأوروبـي في 26 أيار/مايـو 1997، واتفاقية مكافحة رشو الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية، التي اعتمدتها منظمــة التعــاون والتنميـــة في الميدان الاقتصـــادي في 21 تشرين الثاني/نوفمــبر 1997، واتفاقية القانون الجنائي بشأن الفساد، التي اعتمدتها اللجنة الوزارية لمجلس أوروبا في 27 كانون الثاني/يناير 1999، واتفاقية القانون المدني بشأن الفساد، التي اعتمدتـها اللجنـــة الوزارية لمجلس أوروبـــا في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1999، واتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومحاربته، التي اعتمدها رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في 12تموز/يوليه2003، وإذ ترحب بدخول اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية حيّز النفاذ في 29أيلول/سبتمبر2003.
.2 وثيقة الإسكندرية آذار٢٠٠٤ :
بلورت وثيقة الإسكندرية رؤية عـربية أصيـلة حول قضـايا الإصلاح وأولوياتها وتضـمنـت عدة محـاور للإصلاح وهي: الإصلاح السياسي، الإصلاح الاجتماعـي، الإصلاح الثقافي ، آليات المتابعة مع المجتمع المدني ، الإصلاح الاقتصادي.
.3 إعلان باريس:
نحن موقعو هذا النداء، قادمون من الشمال ومن الجنوب ومن الشرق ومن الغرب، نندد بالمفاعيل الكاسحة للفساد الكبير .....
.4 مبادرة الشرق الأوسط الكبير:
ورقة عمل أمريكية مقدمة لمؤتمر دول مجموعة الثماني. شباط/فبراير 13، 2004
.5 إعلان تونس:
القمة العربية، تونس. 22-23 أيار/مايو، 2004
.6 وثيقة مسيرة التطوير والتحديث والإصلاح:
القمة العربية، تونس. 22-23 أيار/مايو، 2004.
منظمة الشفافية العالمية:
أن منظمة الشفافية العالمية منظمة مدنية تقود المعركة ضد الفساد.
"الاتحاد العالمي ضد الفساد" هذا هو شعار "منظمة الشفافية الدولية" التي أنشأت عام 1995م -ومقرها برلين- لتساعد الدول والأفراد الراغبين في أن يحيوا في "جزر النزاهة"، بعد انتشار الفساد المالي والإداري سواءً على المستوى الرسمي أو غير الرسمي، وعجز المؤسسات القطرية المعنية بمحاربته عن مواجهته، بعد أن تحول إلى غول يلتهم ليس فقط جهود التنمية المحلية، بل الجهود الدولية المتمثلة في المنح والمعونات والقروض .ومنظمة الشفافية هي منظَّمة غير حكومية مهمتها أن تزيد من فرص ونسب مساءلة الحكومات، وتقييد الفساد المحلي والدولي، وهي تمثّل حركة دولية لمحاربة الفساد. وطريق المنظمة في العمل لتحقيق أهدافها ينبع من إيمانها بأنه من الممكن محاربة الفساد بشكل مستمرّ، في حالة مشاركة كل المعنيّين سواء من الحكومة أو المجتمع المدني، أو القطاع الخاص. ووسيلتها في ذلك أن تجمع في فروعها المحلية الأفراد ذوي الذمم والمعروفين بالنزاهة في المجتمع المدني، وفي عالم التجارة والأعمال، وفي الحكومات؛ للعمل في تحالف من أجل إصلاح النظام، ومبدأ المنظمة في ذلك عدم تسمية أسماء أو مهاجمة أفراد بعينهم، وإنما تركّز على بناء نظم تحارب الفساد، كما أن المنظمة تلعب دورًا هامًا في زيادة الوعي العام بمخاطر الفساد في الكثير من البلاد. وتؤمن المنظمة كذلك أن هناك طرقًا عملية يستطيع من خلالها كل رجل أو امرأة –على اختلاف أعمارهم– القيام بدور فعال في هذه المؤسسة العالمية الفريدة.
تعتمد المنظمة في تمويل أنشطتها على التبرعات والإعانات التي يقدمها عدد لا بأس به من الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، والمؤسسات الاقتصادية كالبنك الدولي والأمم المتحدة، وشركات بوينج، وجنرال موتورز، وكوداك، ولاشك أن هذه المؤسسات ترى أن هذا التمويل يحقق عوائد متعددة الأبعاد، فمن ناحية يظهر اهتمامها بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية كنوع من الدعاية لها، ومن ناحية أخرى فأن محاربة الفساد يمكن أن يحقق لها عوائد اقتصادية، تتمثل في توفير تكلفة العمولات والرشاوى التي تضطر لتقديمها لبعض المسئولين؛ لتمرير بعض الصفقات، وفوق كل هذا وذاك المساهمة في تدويل وسيطرة النموذج الغربي، وخلق مجموعة من التشابكات تؤدي إلى اضطرار كافة الدول للخضوع له كآلية من آليات النظام العالمي الجديد، فضلاً عن استخدام مثل هذه المنظمات وتقاريرها عن الفساد، كورقة ضغط على بعض الدول لتمرير قوانين تخدم مصالح الشركات متعددة الجنسيات أو المؤسسات الدولية.
أهداف المنظمة ومبادئها الإرشادية:
هدف المنظمة كما جاء في أوراقها هو الحدُّ من الفساد عن طريق تفعيل اتحاد عالمي لتحسين وتقوية نظم النزاهة المحلية والعالمية.
وتعتمد المنظمة على مبادئ إرشادية تتلخص في:
-اعتبار الحركة ضدَّ الفساد حركة عالمية تتجاوز النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية داخل كل دولة.
-الاهتمام بمبادئ؛ مثل: المشاركة، اللامركزية، التنوع، المساءلة والشفافية على المستوى المحلي.
-عدم التحزّب.
-إدراك أن هناك أسبابًا عملية قوية وأخرى أخلاقية لوجود الفساد.
تتبنى منظمة الشفافية إستراتيجية مكونة من عدة عناصر لتحقيق أهدافها تتمثل في الآتي:
- بناء تحالفات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي تضمّ: الحكومات، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص من أجل محاربة الفساد الداخلي والخارجي.
- تنظيم ودعم الفروع المحلية للمنظمة لتحقيق مهمتها.
- المساعدة في تصميم وتنفيذ نظم النزاهة الفعالة.
- تجميع وتحليل ونشر المعلومات وزيادة الوعي العام بالأضرار المهلكة للفساد )خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض) على الإنسان والتنمية الاقتصادية.
أهم انجازات المنظمة:
طبقًا لتصريحات المسئولين للمنظمة؛ فقد تحقق عدد من الانجازات خلال السنوات الخمس الماضية من عمر المنظمة، تتمثل في الآتي:
- تحريك موقف البنك الدولي من وضع رافض لتقبل فكرة محاربة الفساد إلى وضع جعل رئيسه "جيمس ولفن سون" معروفًا بأنه زعيم الحركة العالمية لاحتواء الفساد.
- تقديم الدعم لمنظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية في إصدار "اتفاقية مقاومة رشوة الموظفين الأجانب الذين يعملون في المعاملات التجارية العالمية" التي قالت عنها جريدتا: "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" أنها تُعد نصرًا لمنظمة الشفافية.
- الضغط على دول منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية(48 دولة) من أجل إنهاء تخفيض الضرائب على الرشاوى، وتم ذلك في كل الدول تقريبًا فيما عدا هولندا.
- كسر حاجز الحذر المفروض في مناقشة أمور الفساد المتعلق بالتجمعات الدولية.
- أنشاء تحالفات من المنظمات والأفراد لاختيار حكومات صادقة وأمينة على مستوى العالم، وتنمية ممارسات تجارية أكثر تحملاً للمسئولية الاجتماعية.
- زيادة فروع المنظمة باستمرار حتى شملت أكثر من 60 دولة على مستوى العالم، وهذا يوضح مدى الأهمية التي اكتسبتها قضية الفساد، حتى أن ورش عمل "النزاهة" بهذه الفروع دفعت رؤساء الدول إلى الإفصاح عن ممتلكاتهم الخاصة؛ وذلك في تنزانيا وموريتانيا.
- اكتساب المنظمة شهرة عالمية كمشارك مهم في معركة الفساد، خاصة إصدارها السنوي الذي تنشره المنظمة عن الفساد، وترتب فيه الدول حسب مستويات الفساد بها.
كما قامت منظمة الشفافية العالمية بتطوير مفهوم نظام السلامة الوطني (NIS) وهو يشمل المؤسسات الرئيسية والقوانين والممارسات التي تساهم في المساءلة والشفافية في المجتمع.
وتقوم منظمة الشفافية العالمية باحتساب مؤشرات الفساد للدول وفق آلية معينة وذلك بالتعاون مع كبار الخبراء في العالم وذلك للوقوف على حقيقة وضع الدول ومساعدتها في مكافحة الفساد .
المجموعة الدولية للتنسيق ضد الفساد :
تسعى المجموعة الدولية للتنسيق ضد الفساد (IGAC) لتعزيز التنسيق والتعاون الدولي ضد الفساد الدولي, وهي مدعومة من قبل هولندا والنرويج.
مؤتمر بالي لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد :
أنعقد مؤتمر بالي لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في بالي، اندونيسيا، في الفترة من 28 كانون الثاني/يناير إلى 1 شباط/فبراير 2008 وقد ضم المؤتمر أكثر من مسؤولون كبار من أكثر من 100 دولة من الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (الاتفاقية). و برلمانيون، وقادة في مجال الأعمال، وعاملون في مجال مكافحة الجريمة من أجهزة مكافحة الفساد، وممثلون للمنظمات الدولية والمصارف الإنمائية والمجتمع المدني ووسائط الإعلام.
وكأن من أهم ما دعا إليه المؤتمر ما يلي:
إحلال جو من النـزاهة محل ثقافة الفساد:
قال السيد أنطونيو ماريا كوستا، المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (المكتب المعني بالمخدرات والجريمة)، "أنني أحثّ الدول الأعضاء على أن تُثبت في بالي أنها تفي بالتزامها بمكافحة الفساد، وعلى أن تتبين ما هو المزيد الذي ينبغي القيام به".
وقال السيد كوستا، الذي يضطلع مكتبه بوظيفة وديع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، "هذا المؤتمر أكثر من مجرد مؤتمر دولي حكومي، فهو فرصة لإحلال جو من النـزاهة محل ثقافة الفساد. وبما أن الفساد يؤذينا جميعا، فعلينا مسؤولية مشتركة لوقفه".
صك عالمي لمكافحة الفساد
اتفاقيه الأمم المتحدة لمكافحة الفساد هي الصك العالمي الأول والوحيد الملزم قانونا لمكافحة الفساد. وقد اعتمدت الجمعية العامة الاتفاقية في تشرين الأول/أكتوبر 2003، ودخلت حيّز النفاذ في 14 كانون الأول/ديسمبر 2005. وحتى الآن، وقّعت عليها 140 دولة وصادقت عليها 107 دول، لتصبح دولا أطراف بصفة كاملة.
وتُلزم اتفاقية مكافحة الفساد الدول بما يلي:
● منع الفساد (من خلال أنشاء هيئات مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية، وتعزيز النـزاهة في الخدمة العامة، وتعزيز الشفافية والمساءلة في المالية العمومية والاشتراء العمومي والقضاء)؛
● جعل الفساد جريمة جنائية - وليس فقط الرشوة واختلاس الأموال العمومية بل أيضا المتاجرة بالنفوذ وإخفاء عائدات الفساد وغسلها. وتشمل الاتفاقية أيضا الفساد في القطاع الخاص؛
● التعاون على مكافحة الفساد. البلدان ملزمة بموجب الاتفاقية بتقديم أشكال محددة من المساعدة القانونية المتبادلة، وتيسير تسليم المطلوبين، ودعم تعقّب وتجميد وضبط ومصادرة عائدات الفساد؛
● إعادة الموجودات المسروقة. استرداد الموجودات (الأصول) مبدأ أساسي من مبادئ الاتفاقية. وتتضمن الاتفاقية تدابير مبتكرة تُلزم البلدان بإعادة الموجودات المسروقة إلى أصحابها الشرعيين. وينبغي أن لا تعود قوانين السرية المصرفية عائقا أمام العدالة. وتستطيع المساعدة القانونية المتبادلة أن تخترق البيروقراطية لتجمع الأدلة اللازمة للإمساك بالمذنبين واستعادة الموجودات المسروقة.
ولتحقيق الأهداف المنصوص عليها في الاتفاقية وتشجيع تنفيذها واستعراضه، أنشئ مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية.
ضغوط الأنداد
كان من البنود الرئيسية على جدول الأعمال في بالي أنشاء آلية لاستعراض تنفيذ الاتفاقية. وقد قال السيد كوستا "أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تنص على معايير لسدّ الثغرات في التشريعات المحلية وتعزيز القدرات الوطنية على مكافحة الفساد. وستكفل آلية استعراض فعّالة أن تحقّق هذه اللبنة القوية من لبنات القانون الدولي النتائج التي يمكنها تحقيقها".
تحذير إلى أفراد الطبقات الحاكمة السارقين
ركّز مؤتمر بالي أيضا على استرداد الموجودات. وقد استهل البنك الدولي والمكتب في أيلول/سبتمبر مبادرة استعادة الأصول والأموال المسروقة ( STAR ) لمساعدة الدول على الاستفادة مما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد من تدابير لاسترداد الموجودات تشكل نقطة تحول. وقد قال رئيس المكتب المعني بالمخدرات والجريمة "ينبغي أن تثني هذه المبادرة أفراد الطبقات الحاكمة السارقين عن سرقة شعوبهم، وستساعد البلدان التي نهبها القادة الفاسدون على استرداد أموالها". وسيعقد في بالي اجتماع مائدة مستديرة وزاري حول استرداد الموجودات.
الاحتكام إلى مسؤولية الشركات
تم أيضا التركيز على دور القطاع الخاص في مكافحة الفساد. وقد قال السيد كوستا "أن مكافحة الفساد وبناء النـزاهة هما جزء من الحكم الرشيد، وكذلك من السياسات الجيدة للأعمال التجارية". وتتضمّن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تدابير بشأن القطاع الخاص. وقد قال السيد كوستا "أن التحدي يتمثّل في جعل الشركات تنفذّها، بالبرهان على أنها سياسات حصيفة للأعمال التجارية". ولذلك سيقترح السيد كوستا شعارا أزرق للاعتراف بالشركات التي توائم قواعدها ولوائحها للمبادئ العالمية للاتفاقية. وسيلتقي عدد من قادة الأعمال في بالي لمناقشة ماهية الخطوات الأخرى التي يمكن للقطاع الخاص أن يتخذها لمكافحة الفساد بجميع أشكاله.
لا تنسوا البيروقراطيين
حثّ رئيس المكتب المعني بالمخدرات والجريمة المنظمات الدولية أيضا على أن تكون مثالا يحتذى به. وقال السيد كوستا "لكي نعمل بما ندعو إليه، ينبغي للمنظمات الدولية أن توائم قواعدها الخاصة بالنـزاهة مع مبادئ الاتفاقية". وقد اقترح مبادرة النـزاهة المؤسسية التي سيناقشها عدد من وكالات الأمم المتحدة في اجتماع بالي.
المبحث الثالث:
واقع الفساد في سورية
سيتم إفراد هذا البحث لتوضيح ظاهرة الفساد كما تبدو في الجمهورية العربية السورية من خلال استطلاع ما نشرته الأمم المتحدة من مؤشرات حول هذا الموضوع ثم سيتم بيان ملخص للوضع العام للفساد في سورية من وجهة نظر سورية وستتم الإشارة إلى دور القطاع العام والخاص في ذلك.
المبحث الثالث:
واقع الفساد في سورية
بناء على ما تقوم به الأمم المتحدة في مجال مكافحة الفساد ولإدارة الحكم في الدول العربية يورد البحث هذه المؤشرات حول سورية من خلال عدة نواح ٍ وهي :
• اتفاقيات الأمم المتحدة والاتفاقيات الأخرى:
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد:وقعت في 9 كانون الأول/ديسمبر 2003، ولم تصدق.
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية: وقعت في 13 كانون الأول/ديسمبر 2000، ولم تصدق.
سوريا عضو مؤسس في "فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا" التي أنشئت في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 كرابطة إقليمية طوعية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
لا يوجد اتصال بين سوريا ومنظمة الشفافية العالمية.
• المؤسسات والمبادرات الحكومية:
تدير الحكومة السورية حملات مكافحة الفساد بنفسها ومن دون مساعدة أي هيئة حكومية متخصصة أو أي منظمة غير حكومية رغم أن المؤتمر العاشر لحزب البعث الحاكم قد أوصى في حزيران/يونيو 2005 بوضع آليات لمكافحة الفساد. وأشارت مصادر برلمانية عن تلقيها "توجيهات لإنشاء آليات دائمة لمنع الفساد ومكافحته من خلال تفعيل اللجان المختصة وتأسيس هيئة برلمانية دائمة لا تتعارض مع السلطة التنفيذية". وتم اعتبارا من العام 2000 رئيس وزراء سابق ونائب رئيس وزراء سابق. وذكرت وكالات الأنباء السورية أن الفساد كأن في تلك الفترة يكلف الدولة 000ر50 دولار يوميا. وأدت حملة لمكافحة الفساد نفذت أواخر عام 2003 إلى فصل عشرات الموظفين الحكوميين المدنيين والعسكريين مبادرات المجتمع المدني
كأن بعض المسؤولين السابقين وبعض الناشطين، ومن ضمنهم وزراء سابقون يحضرون لتأسيس جمعية مستقلة لمكافحة الفساد تتحول في نهاية المطاف إلى فرع محلي لمنظمة الشفافية العالمية. واعتقلت السلطات السورية رئيس محكمة التمييز ونائبه بتهم الفساد في 21 تموز/يوليو 2005. واعتبرت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان"، مقرها بيروت، الاعتقال غير قانوني لأنه تم من قبل الأجهزة الأمنية وليس من قبل السلطات القضائية تنظيم حملات خاصة ضد الفساد عندما فصل الرئيس بشار الأسد عددا صغيرا نسبيا من كبار المسؤولين يضمون.
• المشتريات العامة
ينظم المرسومان رقم 195 لعام 1974 ورقم 349 لعام 1980 العقود والمناقصات بالنسبة للمؤسسات والشركات والمنشآت العامة. ويفترض استدراج المزايدات بشكل شفاف من خلال "النشرة اليومية للمناقصات الحكومية"، لكن تحديد المواعيد النهائية لتقديم العروض بفترات تقل عن 45 يوما مسألة شبه ـ اعتيادية مما يدل على نقص في الشفافية وعلى عطاءات مقررة سلفا.
• مكافحة غسل الأموال
في أعقاب قدوم بعثة صندوق النقد الدولي إلى سوريا في شباط/فبراير وآذار/مارس 2005، عدلت الحكومة قانون مكافحة غسل الأموال الصادر عام 2004 بالمرسوم رقم 33 الصادر في أيار/مايو 2005. والتزمت سوريا في 3 آذار/مارس 2005 "باتفاقية نيويورك" لعام 1999 (12 أيلول/سبتمبر) بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، لكن وزارة الخزانة الأميركية منعت المؤسسات المالية الأميركية في 9 آذار/مارس 2006 من التعامل التجاري مع المصرف السوري الرئيسي المملوك للدولة مدعية تورطه في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
• مؤشر مدركات الفساد
سجلت سوريا 2.4 نقاط في عام 2007 على مؤشر مدركات الفساد الخاص بمنظمة الشفافية العالمية. وتتدرج درجات المقياس من صفر (فساد مرتفع/مستشري) إلى 10 (غياب الفساد). وحلت سوريا في المرتبة 138 من بين 180 دولة متخلفة عن إيران وليبيا واليمن. وسجلت سوريا 2.9 نقاط في عام 2006 واحتلت سوريا المرتبة 93 من بين 163 دولة من دول العالم.
أعلنت منظمة "الشفافية الدولية أن \مؤشر مدركات الفساد 2007 بيّن أن "سوريا من الدول البطيئة في مكافحة الفساد حيث احتلت المرتبة ال 138 من ضمن 180 شملها المؤشر".
وأما عن الوضع العام وفق ما يراه البعض فقد نشرت جريدة النور السورية مقالة حول هذا الموضوع جاء فيها:
"ربما يثير هذا السؤال امتعاض الكثيرين ويستفزهم، وربما يثير الشكوك بمن حولنا، فجميعنا مارسنا الفساد بأشكاله وصوره المختلفة..
ومع ذلك لا نملك الشجاعة لقول هذه الحقيقة. بل والأغرب من ذلك، أن هنالك أشخاصاً متورطين في صفقات فاسدة، ويوفرون المناخ والبيئة التي تساعد على نمو الفساد وانتشاره، يزعمون أنهم عملوا ما في وسعهم لمحاصرته ومكافحته.
سؤال يثير العديد من إشارات الاستفهام والحيرة، لم يجد حتى الأن إجابةً شافيةً، فهناك من يدعي بأن هناك من يتجنى على هذا البلد ويقوم بتضخيم الأمور وكيل الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة، ملمحين إلى ما تنشره بعض التقارير الدولية وما تتناقله بعض وسائل الإعلام المختلفة، ويذكرون في سياق حديثهم أن الفساد في سورية هو في أدنى درجاته مقارنةً بما حولها من الدول العربية وغيرها، وفي المقابل هناك من يتحدث عن شبكات فساد هرمية منظمة أشبه ما تكون بالمافيات منتشرة في القطاع العام ترتبط بعلاقات مصلحية مع رجال المال والأعمال في القطاع الخاص.
و مبعث هذه الحيرة أيها السادة أن الحكومة تقول أنها تفعل ما بوسعها وأنها أحالت عدداً كبيراً من الملفات إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والقضاء، وسرحت المئات من الخدمة، إلا أنها لا تزال تقف عاجزةً عن إيجاد حلول ناجعة للحد من تنامي هذه الظاهرة / الآفة . وبالطبع هذا الكلام يستثنى منه بعض الأشخاص ممن لهم ارتباطات وعلاقات بأشخاص في مواقع المسؤولية، فمثل هؤلاء بعد أن تُثبت الهيئة بعد جهد جهيد إدانتهم وتورطهم بصفقات فاسدة ضارة بالاقتصاد الوطني والمجتمع المحلي، تُرد القضية إما لإعادة التحقيق من الجهة نفسها أي الهيئة، أو يطلب من جهة ثانية إعادة التحقيق، أو تُحفظ، وهكذا يفلت عدد كبير من قادة الفساد ورموزه في هذا البلد من الملاحقة والعقاب.
نعلم، كما يعلم الجميع، أن هنالك أشخاصاً في مواقع حكومية مختلفة يشكلون فيما بينهم شبكة مترابطة معقدة يصعب النفاذ إليها أو تفكيكها، ويرتبط أفراد هذه الشبكة فيما بينهم بمصالح مشتركة داخل المؤسسات الحكومية وخارجها، أي أن هنالك ارتباطات فيما بين المستخدمين الحكوميين في مواقع مختلفة، بعضهم رفيع المستوى وبعضهم الآخر في درجات مختلفة من السلم الوظيفي، وبأشخاص من خارج المؤسسات الحكومية ( تجار - صناعيين - رجال أعمال - وكلاء شركات - موردين - مقاولي أعمال ). وفي الغالب تتسم هذه العلاقات أنها تواطئية، تهدف إلى تحقيق مكاسب مالية بصورة غير مشروعة، تأخذ شكل توريد مواد أو مشتريات حكومية أو تنفيذ مشاريع بأسعار خيالية تفوق سعرها الحقيقي بنسبة 100 % و200 % وأحيانا 300 %، كذلك صفقات وهمية لا أساس لها إلا على الورق.
ترتبط هذه الشبكات بمنظومة علاقات يصعب اختراقها كما ذكرنا، فالولاء فيها للرأس، والرأس هاهنا هو المسؤول الحكومي: وزير أو بمرتبة وزير ( صلاحيات وزير ) أو مدير عام أو مدير فرعي، يقومون بالإعلان عن حاجتهم لكذا وكذا لتنفيذه في موقع كذا وكذا . في السابق كانت الصفقات والتعهدات أو التوريدات تتم من خلال عقود بالتراضي، وهذا كأن يسهل عمليات الابتزاز والمحاصة، أما اليوم فيتم الأمر عن طريق مزايدات أو مناقصات علنية تُسرب بعض المعلومات إلى شخص محدد دون غيره، وإذا لم ينجح هذا المسعى يضيّق على الشخص الذي استطاع بطريقة نزيهة الاستحواذ على العقد ليتسنى لأولي الأمر في المؤسسة أو الوزارة الفلانية ( إنتاجية - خدمية - إنشائية ) ابتزازه بطرق مختلفة كعدم مطابقة الأعمال لدفتر الشروط الفنية، أو تأخير الدفعات عن الأعمال المنجزة. المشكلة الحقيقية أننا جميعاً نعلم بما يجري بالتفاصيل الجزئية والكلية، وكل فرد منا لديه قائمة بأسماء من أثروا وحققوا ثروات على حساب المجتمع ونهضته سواء كانت هذه الثروات صغيرة أو كبيرة، ولكن من يجرؤ على الكلام؟ فدائماً هناك من يحمي هؤلاء من خلف ستارة وهو في الغالب شريك يوفر الحماية مقابل نسبة عن كل عملية أو مبلغ مقتطع كإتاوة سنوية يضمن فيها المسؤول الفاسد البقاء في منصبه، وفي الوقت نفسه ظهراً يحميه ولسانا يمتدحه ويداً تدفع به إلى مواقع ومناصب أكثر حساسية وأهمية. وهؤلاء يتوالدون ويتكاثرون بالآلاف كأنهم فئران أو جِراء، أصبحت لديهم مناعة بحيث لم يعد ينفع معهم لقاح أو رشهم بمبيد يقتلعهم من مناصبهم . وبالمحصلة فأن تحسين الوضع المعيشي لهؤلاء لن يساعد على اجتثاث الفساد، وسجنهم لن يردع الآخرين بل ولن يردعهم أنفسهم، وربما يكون من المفيد في ظل هذه الظروف الحرجة مساواة عقوبة المرتشين والمختلسين والذين يحققون ثروات ومكاسب مالية عن طريق استغلال مناصبهم ومواقعهم في القطاع العام بعقوبة الخونة والجواسيس، فكلاهما يتسبب بأضرار اقتصادية واجتماعية وسياسية لهذا البلد، ويتسبب في تعميق واستمرار تخلفه وانحطاطه. ودون مساواة كهذه لا أمل لنا في القضاء على هذه الآفة . وأنا لست مع أولئك الذين يعملون أدمغتهم ويجتهدون في تعديل صيغ قانونية وتشريعات أو إيجاد اجتهادات جديدة يعتقدون أنها قد تساهم أو تساعد في الحد من تنامي ظاهرة الفساد في سورية . أن عقوبة قاسية لسين أو عين من أصحاب المواقع والمناصب من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة لن يفقدنا عبقرية أو كفاءة نادرة، بل على العكس تماماً قد يوصل إلى هذا الموقع أو ذاك كفاءة حقيقية نزيهة - ليس بالضرورة من حملة الألقاب العلمية - تمتلك حساً وطنياً وخوفاً حقيقياً على مصالح هذا البلد المنهك المتعب ويساهم، إلى جانب الرئيس بشار الأسد، في خلق واقع جديد يترجم طموحات أبناء هذا الوطن بالنهضة والازدهار والاستقرار من خلال نمو مستدام ومتوازن."
وقد قامت في سورية جمعية لمكافحة الفساد تحت اسم "الجمعية الشعبية لمكافحة الفساد" والتي تأسست في 2005, والتي من أهم أهدافها :
فضح مواقع وآليات مختلف أنواع الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي في المجتمع السوري.
المساهمة في تنشيط حركة مجتمعية لمكافحة الفساد الذي يضر الدولة والمجتمع.
التعاون مع المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات ومختلف الجهات المهتمة بالشأن العام في هذا الموضوع الهام .
تقديم اقتراحات للمؤسسات الدستورية لمكافحة الفساد .
التعاون الوثيق مع سلطة القضاء لتأخذ دورها الصارم في الحد من استشراء الفساد .
التعاون مع جميع وسائل الإعلام الوطنية لخدمة هذا الهدف .
نشر ثقافة بديلة بين المواطنين لتعرية مفهوم الفساد و فضح ضرره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأخلاقي .
إعادة الاعتبار للمثل والقيم الاجتماعية الأصيلة والتي تعتبر الفساد أمراً مشيناً لذات الإنسان وكرامته .
دراسة مواطن الخلل في القوانين والأنظمة الإدارية والإجراءات التي تفضي إلى انتشار الفساد وصياغة اقتراحات لتعديلها.
دراسة الواقع المعيشي الاجتماعي للمواطنين وتأثيره على الفساد .
إعداد وفتح ملفات الفساد لنشرها وتفعيلها لدى الجهات المعنية المختلفة .
إصدار نشرات، صحف ومجلات تعرّف بنشاط وعمل الجمعية، وتشجيع الكتّاب والأدباء والفنانين لنشر ثقافة تعمّق الأخلاق النبيلة .
قد تكون هذه المبادرة خطوة جيدة على الصعيد المبادرات المدنية التي شجعت عليها معظم الفعاليات الرسمية وغير الرسمية التي تعمل لمكافحة الفساد, كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال, حيث ورد في مجلة "E-JOURNAL USA" التابعة لمكتب الخارجية الأمريكية عن نانسي بوزويل أن :
"تعزيز العمل على الأرض
مع الموافقة شبه الإجماعية على الأضرار التي يُسببها الفساد، اتخذت الحكومات تشكيلة من المبادرات لتحسين الحكم. لكنها كانت بطيئة في إدراك الدور الحيوي للمجتمع المدني ودعمه للتأكد من تحقيق هذه المبادرات لأهدافها.
مثلاً، وافقت الحكومات في الأميركيتين على ميثاق إقليمي ضد الفساد سنة 1996، لكن مضت بعد ذلك عدة سنوات قبل أن توافق الفرق المشاركون في ميثاق المجموعة الأميركية (أنتر أميركن) لمكافحة الفساد، وبِحَضّ من منظمات المجتمع المدني بقيادة منظمة الشفافية العالمية، على آلية متابعة لتعزيز التطبيق. منذ أنشاء الآلية، حثّ المجتمع المدني الفرق لأجل الحصول على فرص أوسع فأوسع لعرض وجهات نظره وللمشاركة مع الحكومات في تعزيز التطبيق. واستطاع بفضل هذه الفرص تأمين رؤية أساسية غير حكومية وتقديم الزخم للإصلاح. لعب المجتمع المدني دوراً مماثلاً في مراجعة فرض التطبيق الذي قام به ميثاق منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول رشوة الرسميين الحكوميين الأجانب، ومواثيق المجلس الأوروبي لمكافحة الفساد، ومجموعة دوله المضادة للفساد.
من الواضح من خلال هذه وغيرها من مواثيق مكافحة الفساد، أن المجتمع المدني يلعب دوراً أساسياً في تعزيز العمل الميداني. ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، الذي صادقت عليه 80 بلداً لغاية هذا التاريخ، يمتلك طاقة كامنة هائلة لخلق إطار عمل عالمي وقومي للإصلاح. غير أن التجارب مع المواثيق الأخرى تُظهر بوضوح أن ميثاق الأمم المتحدة سوف يحتاج إلى عملية متابعة فعلية لتعزيز التطبيق. فكما أشارت إلى ذلك منظمة الشفافية العالمية في توصياتها إلى مؤتمر فرق الدول، أن المكوّن الأساسي لمثل هذه العملية سوف يكون الشفافية والفرص الواسعة والموثوقة لمشاركة المجتمع المدني.
تأمين مساءلة الحكومة
طور البنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى، خلال السنوات الأخيرة، استراتيجيات لمكافحة الفساد، وهي في طريقها إلى إدراك أهمية المجتمع المدني في مطالبته بالمساءلة الحكومية وتأمينها. لكن كون هذه المؤسسات مصارف تشترك معها الحكومات كمساهمين، لا زالت تكافح لإيجاد السبل للانخراط بنشاط أكبر مع المجتمع المدني، ولتعزيز مثل هذا الانخراط من جانب الحكومات نفسها. فوفقاً لإستراتيجية البنك نفسها، "فأن إحدى الأولويات الأساسية تكمن في مساعدة الدول لكي تصبح أكثر شفافية عن طريق تسهيل المشاركة والإشراف الواسع النطاق من جانب المنظمات المدنية ووسائل الإعلام. فالمواطنون ووسائل الإعلام المتاح لها الوصول الواسع إلى المعلومات حول عمليات مؤسسات الدول، يشكلان عنصران أساسيان لمساءلة تلك الدول."
وفي حين أن هذا المبدأ صريح، ولا يدع مجالاً للجدل، فأن الشفافية وفرص المشاركة لا تزال صعبة المنال في العديد من البلدان. أضف إلى ذلك أن قدرات المؤسسات المتعددة الأطراف محدودة بالإرادة السياسة لأعضاء هذه المؤسسات. مثلاً، قواعد صندوق النقد الدولي حول الممارسات الجيدة والشفافية المالية أو "القواعد" تعلن بصورة ملائمة أن نشر المعلومات المالية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالموازنات والمشتريات، هي واجب حكومي وأنه يجب أن يتم في الوقت المناسب مع تسهيل الوصول إليها. لكن، لا تلتزم كل الحكومات هذه الممارسة، وتحتفظ جميعها بحق رفض نشر التقارير عن امتثالها لهذه "القواعد" على الرغم من الجهود التي تدعوها إلى عكس ذلك.
من الجدير بالذكر أن "القواعد" تدرك بأن توجيه اهتمام خاص للشفافية أمر أساسي في مجال الموارد الطبيعية والصناعات الاستخراجية لأن هذه القطاعات مُعرضة بنوع خاص للفساد. لا تحتاج الدول الغنية بالموارد إلى الاعتماد على عامة الناس لتأمين وارداتها. كما أنه تبين تاريخياً، أن تلك الدول التي كانت الأقل تقبّلاً لمفاهيم الشفافية والمساءلة كانت بين الدول الأكثر فقراً على الرغم من ثرواتها الطبيعية. تدعو "القواعد" إلى "ترتيبات تعاقدية واضحة وشفافة" وتشدد على الحاجة إلى الرقابة العامة للعمل الحكومي، ومنح الامتيازات، والوسائل الأخرى لاستثمار الأصول العامة.
هذا المبدأ يُشكِّل الأساس لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية التي تسعى إلى زيادة شفافية المدفوعات والإيرادات من النفط والغاز والتعدين. فوفقاً للمملكة المتحدة التي أطلقت المبادرة سنة 2002، "فأن زيادة الشفافية ومعرفة العائدات سوف تقويان المواطنين والمؤسسات في مساءلة الحكومات. أن سوء إدارة أو تحويل الأموال عن التنمية المستدامة سوف يصبحان أكثر صعوبة".
والذي يؤكد ذلك، والتشكيلة المتنامية من مبادرات الشفافية ومكافحة الفساد، هو إدراك المملكة المتحدة بأن "دور المجتمع المدني سوف يكون حيوياً بأهميته من حيث استخدام المعطيات التي تكشفها الحكومات لمساءلتها عن إنفاقاتها".
الإيفاء بالوعد
لكن، ورغم كون الشفافية وفرص المشاركة والرقابة للمجتمع المدني ضروريين، إلا أن هناك افتراضاً بأنه، متى حقق المجتمع المدني ذلك، سوف يملك القدرة على القيام بوظائفه الحيوية. وعلى الرغم من الجهود الرامية إلى تعزيز القدرة الفنية والمالية الحكومية، فأن الجهود المماثلة لدعم المجتمع المدني، بالمعنى الأوسع، لا تزال بعيدة عن حجم النطاق المطلوب. فثمة مزيد من العمل الضروري في الميادين التالية:
• الشفافية في الوظائف الحكومية، وصنع القرارات، والنفقات؛ الوصول إلى المعلومات، بما في ذلك الوصول غير المُقيّد إلى الانترنت؛ وفرص المشاركة والتعليق يجب أن تصبح مؤسساتية ومُزوّدة بصورة روتينية.
• التدريب اللازم لكي يتمكن المجتمع المدني، ومن ضمنه المنظمات المدنية، والجمعيات المهنية، ووسائل الإعلام، من استخدام المعلومات بصورة فعالة.
• التدريب هام أيضاً لتعزيز الحكم الصالح والشفافية والمساءلة داخل المنظمات المدنية.
• الموارد المالية، بدون قيود سياسية، ضرورية لتمكين المجتمع المدني من القيام بوظائفه: جمع المعلومات، وتثقيف الناس، وبناء التحالفات، والاستفادة من مستوى الخبرات المطلوبة لتحليل المعلومات مثل عائدات الصناعات الاستخراجية، والموازنات القومية، والمشتريات العامة.
• منظمات المجتمع المدني المسؤولة يجب أن تكون حرة في التنظيم والخطاب العام، دون حظر قانوني يقيد قدرتها في العمل أو في تأمين التمويل من مصادر قانونية.
• نشطاء المجتمع المدني المنخرطون في الإشراف، ومن ضمنهم وسائل الإعلام، يجب حمايتهم من دعاوى القدح والذم، ومن تهديدات العنف، والتوقيف.
سوف يساعد الاهتمام بهذه القضايا في التأكد من أن المجتمع المدني يَفي بوعده. حتى أن هذا الأمر هام أكثر في البلدان حيث أن المصالح المكتسبة المتحصنة بعمق، أي مصالح الفاسدين، والذين يفسدونهم، والذين يسهلون الفساد، تجعل جهود المجتمع المدني أكثر ضرورة وأكثر صعوبة. مع الإشارات الكثيرة عن المقاومة الحكومية، بل وحتى العداء المكشوف للحقوق الديمقراطية الأساسية في عدد متنامٍ من البلدان، حان الوقت لكي يقدم جميع أصحاب المصلحة في المجتمع الدولي، الدعم للمجتمع المدني. وسوف يساعد ذلك في تأمين الحافز المحلي اللازم للإصلاح الفعال والمستدام."
وليس القطاع العام لوحده يعاني من آفة الفساد, فقد كأن للقطاع الخاص حصته من ذلك. " والأمثلة هنا عن دور القطاع الخاص لا حصر لها نذكر منها على سبيل المثال استغلال المصارف العامة من خلال استجرار القروض الوهمية وما أكثرها,...., تستجر أساساً لمشاريع وهمية أو بكلف تزيد عن الواقع من خلال شراء ضمائر العاملين في تلك المصارف والخبراء الذين تستعين بهم, ومن حالات الفساد أيضاً التصدير الوهمي من أجل الحصول على مزايا دولار التصدير والمتاجرة فيه بالسوق السوداء, واستيراد المواد التي يعاد تصنيعها وتصديرها للدول الأخرى بهدف تشغيل المعامل وعدم بيعها في الأسواق السورية كونها معفاة من الضرائب والرسوم ومع ذلك يتم بيعها تهريباً بالتواطؤ مع رجال الجمارك والاقتصاد كما في فضيحة الخيوط القطنية التي كأن وراءها مدير عام الجمارك الأسبق بالتعاون مع تجار حلب ومن الحالات أيضاً الاستيراد تهريبا كما كأن يحصل في استيراد القمح العراقي للدول المجاورة عبر الأراضي السورية فيتم إفراغ الحمولات في سورية للاستفادة من فرق السعر بالتواطؤ مع رجال الجمارك وهذه الحالة تم كشفها وإبطالها.
ويضاف إلى ذلك استيراد المواد الفاسدة أو فاقدة الصلاحية سواءً المواد الغذائية أو مواد البناء,......, وهنا يبرز دور القطاع الخاص في إفساد الموظفين وبخاصة العاملين في المخابر والجهات الرقابية.
بالإضافة إلى تهرب التجار من دفع الضرائب التي تستحق عليهم من خلال إفساد رجال المالية والضريبة وكذلك تشغيل أموالها وتهريبها" .
الفصل الثاني:
المراجعة (نظرة عامة) وإمكانيات المهنة
من خلال ما ورد في الفصل السابق تبين لنا واقع الفساد سواء عالمياً أو محلياً وتبرز إذن أهمية السعي لمكافحته والحد من انتشاره.
يسعى البحث من خلال هذا الفصل لتوضيح دور للمراجعة في مكافحة الفساد, وذلك من خلال عدة مباحث:
المبحث الأول: المراجعة من منظور عام.
المبحث الثاني: المسؤولية الاجتماعية للمراجعة.
المبحث الثالث: وضع المهنة في سورية.
المبحث الأول:
المراجعة من منظور عام
أهمية المراجعة للمجتمع:
يلعب المراجعة دوراً مهماً في الأوساط المالية، والأوساط الحكومية الاقتصادية.
المعلومات المالية التي تعتمد عليها وتثق بها ضرورية لأي مجتمع ولأي مستثمر يتخذ قرارات الشراء والبيع لاستثماراته، وللبنوك حتى تتخذ قرارات إعطاء القروض، وأيضاً للسلطات الضريبية حتى تقوم باحتساب الدخل الخاضع لضريبة الدخل ومبلغ الضريبة، وكذلك يتم الاعتماد عليها عند دخول وخروج شريك في شركات التضامن ومعرفة مبلغ التركات وضريبة الإرث في حالة الوفاة، كل هذه الأمور وغيرها تعتمد على معلومات جُهّزت أو حُضّرت من قبل الآخرين، هذه الجهات ربما تتضارب مصالحها مع مصالح الجهات المستفيدة من هذه المعلومات، ولهذا نشأت الحاجة إلى خدمة المراجع المستقل والمحايد هذا الشخص المستقل والمحايد، سيقوم بإعلام الأطراف الأخرى إن كانت هذه البيانات والمعلومات المالية تمثل باعتدال أو بوضوح ومن جميع جوانبها المادية المركز المالي كما هو بتاريخ معين والنشاط للسنة أو الفترة المنتهية بذلك التاريخ، فمثلاً في حالة نية بنك من البنوك إعطاء قرض لشركة أو مؤسسة معينة، فإن هذا البنك يطلب معلومات محضرة من قبل إدارة الشركة أو المؤسسة المستفيدة، وكان هناك تضارب مصالح بين هذه الجهة المستفيدة من القرض والجهة المانحة وهي البنك، ولأجل أن يعتمد ويثق البنك بهذه المعلومات فإن المصادقة على عدالتها وأنها خالية من أية انحرافات مادية من قبل المراجع، يعطي هذه المعلومات قيمة وقبولاً من جميع الجهات1.
هناك عدة أسباب تدعم وجود هذه المهنة منها2:
1. البعد: وهو الفاصل بين معد المعلومات والمستفيد منها، هذا الفاصل يجعل مراجعة الحسابات ضروري
2. تحيز معد المعلومات: وهو ناتج عن تعارض مصالح معد المعلومات مع مصلحة المساهمين أو المستفيدين من هذه المعلومات.
3. ضخامة حجم العمليات المالية وتعقدها
4. مساهمة منشآت المراجعة بتحمل الخطر
تعريف ومفهوم مراجعة الحسابات:
عرفت جمعية المحاسبة الأمريكية المراجعة كما يلي:
المراجعة: هو عملية نظامية ومنهجية لجمع وتقييم الأدلة والقرائن بشكل موضوعي، والتي تتعلق بنتائج الأنشطة والأحداث الاقتصادية، وذلك لتحديد مدى التوافق والتطابق بين هذه النتائج والمعايير المقررة وتبليغ الأطراف المعنية بنتائج المراجعة.
ويعرف المراجعة أيضاً أنه: جمع وتقييم الأدلة عن المعلومات، لتحديد مدى التوافق مع المعايير المقررة سلفاً، والتقرير عن ذلك،ويجب أداء المراجعة بواسطة شخص كفءومستقل2.
يتضمن التعريف السابق بعض المصطلحات والعبارات الهامة، سيتم توضيحها:
1ً- المعلومات والمعايير المقررة سلفاً: يجب لإجراء المراجعة أن تتوفر معلومات في شكل يمكن التحقق منه، كما يجب توافر بعض المعايير التي يمكن للمراجع بواسطتها تقييم المعلومات، وتوجد صور مختلفة للمعلومات، لكن عادة ما يقوم المراجع بمراجعة معلومات يمكن قياسها كمياً، مثل القوائم المالية للشركات وصافي الدخل الخاضع للضريبة، كما يقوم المراجع بمراجعة معلومات وصفية أكثر مثل مدى فعالية نظم الحاسب الإلكتروني، ومدى كفاءة العمليات الإنتاجية.
وتتنوع معايير تقييم المعلومات بتنوع المعلومات التي يتم مراجعتها، وعلى سبيل المثال، عند مراجعة القوائم المالية التاريخية بواسطة منشأة للمراجعة، ستتمثل المعايير التي يتم استخدامها في مبادئ المحاسبة المتعارف عليها، وللتوضيح، عند مراجعة القوائم المالية لشركة جنرال موتورز، تقوم منشأة المراجعة بتحديد ما إذا كانت القوائم المالية لشركة جنرال موتورز قد تم إعدادها وفقاً لمبادئ المحاسبة المتعارف عليها. أما بالنسبة لصافي الدخل الخاضع للضريبة، فتتمثل المعايير في نصوص قانون الضرائب. وعندما يقوم الفاحص الضريبي بفحص صافي الدخل الضريبي لشركة جنرال موتورز فإنه يستخدم قانون الضرائب وليس مبادئ المحاسبة المتعارف عليها.
ومن الصعب إن توجد معايير للمعلومات الوصفية، مثل مدى فعالية نظم الحاسب الإلكتروني. ومن الضروري في هذه الحالة أن يتفق كل من المراجع والشركة محل المراجعة على المعايير التي يجب استخدامها على نحو محدد قبل البدء في إجراء المراجعة، وفيما يتعلق بتطبيقات الحاسب الإلكتروني، قد تتمثل المعايير في عدم وجود أخطاء في المدخلات أو المخرجات.
جمع وتقييم الأدلة: تعرف الأدلة على أنها أية معلومات يستخدمها المراجع لتحديد ما إذا كانت المعلومات التي تم مراجعتها قد عرضت طبقاً للمعايير، وتأخذ الأدلة أشكالاً عديدة، مثل الشهادة الشفوية للعميل، المصادقات من الأطراف الخارجية، وملاحظات المراجع، ومن الضروري أن يحصل المراجع على حجم من الأدلة الجيدة كافي لإتمام المراجعة على النحو الملائم، وتقييم مدى اتفاقها مع المعايير المحور الأساسي في كل عملية مراجعة .
العديد من المحاسبين القانونيين العاملين كمراجعين خارجيين, يعملوا في النهاية كمراجعين داخليين, تظهر هذه الفرصة لأن المراجعين الخارجيين في موقف فريد ومميز يمكنهم من فهم المنظمة, بشكلٍ عميق وواسع.
أنواع مراجعة الحسابات:
المراجعة من حيث طبيعة المؤسسة:
يتضمن المراجعة نوعين:
1ـ مراجعة المؤسسات العمومية:
ينصب على المنشأة ذات الصفة الحكومية أو غير الحكومية في حد ذاتها والتي تخضع لقواعد الحكومة الموضوعة، أما الأموال المستغلة في هذه المنشأة لها صفة عمومية وتمتلكها الدولة ولها صفة رقابة مباشرة عليها، كما تقيد المصالح الحكومية حساباتها بطريقة خاصة تختلف عن تلك المتبعة في المنشآت التجارية أو الصناعية، إلا أن طريقة المراجعة واحدة في كلتا الحالتين.
2- مراجعة الشركات الخاصة:
هي مراجعة المنشآت التي تكون ملكيتها للأفراد سواء شركات الأموال أو شركات الأشخاص أو منشآت فردية أو جمعيات ونوادي.
a) من زاوية نطاق عملية المراجعة:
نتطرق إلى نوعين من عملية المراجعة:
1- المراجعة الكامل:
كان المراجعة قديما وحتى عهد قريب يتم بفحص جميع العمليات المقيدة بالدفاتر والسجلات وما تتضمنه من بيانات أو حسابات خالية من الأخطاء والتلاعب والغش أي مراجعة كامل تفصيلي، إذ كانت المشاريع صغيرة وعملياتها قليلة وكنتيجة لتطور ميادين الصناعة والتجارة وما صاحبها من تعدد المشاريع وكبر حجمها أصبح المراجعة مستحيلا ومكلفا وغير عملي لما يتطلبه من جهد كبير ووقت طويل، مما أدى إلى تحول هذا المراجعة إلى مراجعة كامل اختياري وقد ساعد هذا الاتجاه على زيادة اهتمام المشاريع بأنظمة الرقابة الداخلية وأدواتها وتحقيق نظام دقيق متين لها ،حيث أصبحت كمية الاختيارات وحجم العينة تتوقف على مدى مكانة ودقة أنظمة الرقابة الداخلية، فالفرق بين الكامل التفصيلي والكامل الاختياري يقتصر على نظام المراجعة فقط وليس بالأصول والمبادئ المحاسبية.
2- المراجعة الجزئي :
هي العمليات التي يقوم بها المراجع وتكون محدودة الهدف أو موجهة لغرض معين كفحص العمليات النقدية خلال فترة معينة أو فحص حسابات المخازن و التأكد من جرد المخزون ، ويهدف هذا النوع إلى الحصول على التقرير المتضمن خطوات التي اتبعت والنتائج التي توصل إليها الفحص ولا يهدف إلى الحصول على رأي فني محايد على مدى عدالة القوائم المالية ومدى دلالتها للمراكز المالية ونتيجة الأعمال كما هو في المراجعة الكامل، ويجب على المراجع في المراجعة الجزئي الحصول على عقد كتابي يوضح المهمة المطلوب قيامه بها ليحمي نفسه ولا ينسب إليه تقصيره في الأداء.
b) من حيث حتمية القيام بالمراجعة:
نجد فيها نوعين:
1- المراجعة الإلزامي:
يتميز المراجعة الإلزامي بوجود عنصر الجبر والإلزام، من ثم يمكن الجزاء على المخالفين لأحكامه، وكذلك يجب أن يتم المراجعة وفقاً للقواعد والإجراءات المنصوص عليها، وعلى المراجع أن يتحقق من أن عملية تعيينه لم تتم بمخالفة الأحكام القانونية.
وفي ضوء هذا المراجعة فإن المراجع يؤدي عمله بالطريقة التي يراها مناسبة وضرورية كما أنه لا يجب أن توضع أية قيود أو حدود على المراجع أثناء تأديته لواجباته حتى ولو كانت هذه القيود واردة في القوانين التنظيمية للمؤسسة، وفي صورة قرارات صادرة عن الجمعية العامة للمساهمين تعتبر مثل هذه القيود كأنها لم تكن في مواجهة المراجع الذي يعتبر مسؤول إذا ما رضخ لهذه القيود.
2- المراجعة الاختياري:
إن تقرير القيام به يرجع إلى أصحاب المؤسسة أنفسهم وإلى غيرهم من أصحاب المسألة والمصلحة فيه، وبناء ذلك فإن عملية تعيين مراجع الحسابات في المشروعات الفردية أو شركات الأشخاص يرجع إلى أصحاب المؤسسة وفي بعض أنواع الشركات مثلا شركة الأموال فإن أمر تعيين مراجع الحسابات إلزامي بناء على النصوص والتشريعات الصادرة عن الدولة. ويرجع ذلك إلى الدور الذي تلعبه المؤسسات في الاقتصاد القومي، وبناء على ذلك فإنه يتعين إسناد عملية مراجعة الحسابات لمراجع مستقل لشركات الأموال سواء كانت تابعة للقطاع العام أو الخاص.
c) من حيث وقت عملية المراجعة:
تتضمن نوعين:
1- المراجعة النهائي:
يقصد به بداية المراجعة في نهاية الفترة المالية للمنشأة، بعد أن تكون الدفاتر قد أقفلت وقيود التسوية قد أجريت والقوائم المالية قد أعدت، ويمتاز هذا النوع بضمان عدم حدوث أي تعديل في البيانات المثبتة في الدفاتر والتغير في أرصدة الحسابات بعد مراجعتها حيث تبدأ عملية المراجعة بعد ترصيد الحسابات وإقفال الدفاتر.
2- المراجعة المستمر:
يقصد به قيام عملية المراجعة والفحص بصفة مستمرة إذ يقوم المراجع أو مندوبه بزيارة المنشأة بفترات متعددة خلال السنة المالية لمراجعة وفحص البيانات المثبتة بالدفاتر والسجلات، بالإضافة إلى المراجعة النهائي للقوائم المالية في نهاية السنة المالية بعد ترصيد الحسابات وإقفال الدفاتر، يتم هذا النوع ويسير وفق برنامج مرسوم يعده ويجهزه المراجع على ضوء دراسته وتقييمه لأنظمة الرقابة الداخلية.
d) المراجعة حسب الهدف:
ينقسم هذا المراجعة إلى أربعة أقسام:
1- المراجعة المالي:
يتعلق هذا النوع من المراجعة بفحص أنظمة الرقابة الداخلية وسجلات المستندات المحاسبية بقصد إعطاء رأي مستقل عن مدى دلالة الميزانية على المركز المالي الحقيقي للمشروع وعن مدى إظهار الحسابات الختامية للنتائج الفعلية لهذا المشروع.
2- المراجعة الإداري:
من أجل مراجعة الكفاءة الإنتاجية للإدارة،على المراجع أن يتأكد من أن أموال المشروع يتصرف فيها بشكل اقتصادي. بحيث يحصل على أحسن أو أفضل منفعة لأقل تكلفة ممكنة ويتضمن هذا النوع من المراجعة التأكد من صحة الإجراءات الإدارية ومن الرقابة المالية على التكلفة.
3- مراجعة الأهداف:
يهدف هذا النوع إلى التعرف فيما إذا كان المشروع قد حقق الأهداف التي تأسس من أجلها وتعني المراجعة القانوني وهو تأكد المراجع من أن المنشأة طبقت نصوص الأنظمة التي تصدرها الدولة، بالإضافة إلى ذلك فإنه على المراجع التأكد من تقيد الشركة بنظامها الداخلي وعقد تأسيسها.
4- المراجعة الاجتماعي:
التأكد من أن المنشأة قد حققت أهدافها الخاصة والأهداف العامة تجاه البلد الذي تعمل به. فشركة المساهمة مثلا تسعى إلى تحقيق الأرباح وفي نفس الوقت عليها مراعاة تحقيق الأهداف الاجتماعية والصحيحة للمجتمع الذي تعمل لخدمته.
e) المراجعة من حيث استقلاليته وحياده:
يتضمن هذا النوع من المراجعة نوعين منها:
1- المراجعة الداخلي:
تعرف المراجعة الداخلي بأنها الفحص المنظم للمشروع ودفاتره وسجلاته بواسطة جهة داخلية أو مراجعين تابعين كموظفين للمشروع، ولعل السبب في نشأة هذا النوع من المراجعة يرجع أساساً إلى كبر حجم المشروعات وتعدد وتنوع عملياتها المالية وكذا الابتعاد التدريجي للإدارة العليا للمشروع عن تفاصيل تنفيذ السياسات والخطط الموضوعة، الأمر الذي استلزم وجود إدارة وقائية ورقابية تضمن التحقق من عمليات المشروع وجديتها فور إتمامها أو حدوثها.
ويهدف هذا النوع من المراجعة إلى تحقيق أكبر كفاية إدارية وإنتاجية ممكنة للمشروع عن طريق محو الإسراف واكتشاف أخطاء التلاعب في الحسابات، والتأكد من صحة البيانات التي تقدم للإدارة لتسترشد بها في رسم خططها واتخاذ قراراتها ومراقبة تنفيذها، إلا أن وجود قسم إدارة داخلية للمراجعة بالمؤسسة لا يغني عن تكليف المراجع الخارجي بفحص ومراجعة الحسابات، فالطريقة التي ينفد بها المراجعة الخارجي عمله تختلف عن الطريقة التي يتبعها المراجع الداخلي.
2- المراجعة الخارجي:
تقوم بها جهة مستقلة من خارج المؤسسة وقد تكون مكتب من مكاتب المحاسبة والمراجعة بالنسبة لمؤسسات القطاع الخاص والجهاز المركزي بالنسبة للقطاع العام.حيث أن الوظيفة الأساسية للمراجع الخارجي هي فحص مستندي لدفاتر وسجلات المؤسسة فحصا فنيا دقيقا ومحايدا للتحقق من أنها قد تمت فعلا في إطار إجراءات سليمة وصحيحة تثبت جديتها.
إن عمل المراجع الخارجي لا يقتصر على تحقيق الهدف السابق فحسب بل يتعداه ليشمل إبداء الرأي في نظام الرقابة الداخلية أو بيان مدى تنفيذ السياسات الموضوعة للمؤسسة أو فحص لغرض خاص مثل شراء المؤسسة أو إدماج المؤسسة، والمراجعة الخارجي يقع عادة في نهاية المدة المالية كما أنها شاملة وكاملة حيث أن المراجع يعمل دون قيد ويتطلع على ما يريد متى ما شاء وهي إلزامية تفرضها القوانين إلا أنها اختيارية أي تتم عن طريق عينة من كل نوع من أنواع العمليات المالية ومراجعتها دون القيام بدقيق العمليات كلها. وختاما فإن تقرير المراجع الخارجي يرد نتيجة المراجع وعادة ما يكون موضع ثقة وتقدير لما يتمتع به من استقلال وحياد وعلم وخبرة ودراية وهو بالطبع مسؤول عما يتضمنه التقرير من بيانات وحقائق مالية وآراء مسؤولة على ذلك تحددها القوانين السائدة والمعمول بها .
المبحث الثاني:
مسؤوليات المراجعة
دور المراجع وأهميته في الاقتصاد المعاصر:
يشهد الاقتصاد المعاصر على المستويات المحلية والدولية تطورات عظيمة فنجد أن الكثير من اقتصاديات الدول النامية التي ظلت فترة زمنية تتبنى النمط الاشتراكي في عمليات التنمية وما ترتب على ذلك من سيادة الملكية العامة وما تبعه من نتائج سلبية بسبب عدم توافق الظروف الاقتصادية والاجتماعية لبعض هذه الدول مع هذا النمط.
فقد وجدنا الانفتاح الاقتصادي والتوجه إلى الخصخصة التدريجية لجانب كبير من المشروعات كخطوة ضرورية من خطوات الإصلاح الاقتصادي فضلاً عن التوجه نحو الإنتاج الكبير وإنشاء الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات.
وظهرت في هذه المرحلة الأهمية الضرورية لدور مراقب الحسابات (المراجع) في التقارير التي يقوم بصياغتها عن وضع الوحدات الاقتصادية التي تخضع لعملية الخصخصة. وتطلب الأمر أن تكون هذه التقارير موضوعية-مهنية-حيادية-واضحة-مكتوبة وفي الوقت المحدد والمناسب حتى يتمكن المستفيدون من البيانات المالية من اتخاذ قراراتهم بطريقة رشيدة وهذا ما يسمى (بالإفصاح الواجب في القوائم المالية) كمعيار محاسبي دولي من معايير المحاسبة لما له من آثار إيجابية وعظيمة على القرارات التي يتخذها المستثمرون وغيرهم من المستفيدين والمستخدمين للبيانات المالية .
- دور مراجعة الحسابات الاجتماعي والاقتصادي:
تناول العديد من الكتاب والمنظمات المهنية دور مراجعة الحسابات من خلال تعريفها بأنها "هي جمع وتقويم أدلة الإثبات، والتقرير (إبداء الرأي) عن مدى مطابقة أو انسجام المعلومات المقدمة لمعيار محدد، وذلك من قبل مراجع حسابات مستقل ومؤهل" .
و تعريفها بأن" التدقيق وبصورة رئيسية فحص المعلومات أو البيانات المالية من قبل شخص مستقل ومحايد لأي مؤسسة بغض النظر عن هدفها وحجمها أو شكلها القانوني" .
وقد عرفت لجنة المفاهيم الأساسية للمراجعة في مجمع المحاسبين الأمريكيين (AAA: American Accounting Association) التدقيق بأنه ( إجراءات منظمة ومنهجية لأجل الحصول على الأدلة المتعلقة بالإقرارات (الأرصدة) الاقتصادية والأحداث وتقييمها بصورة موضوعية، لتحديد درجة العلاقة بين هذه الإقرارات ومقياس معين وإيصال النتائج إلى المستفيدين)" .
وقد طرح Flint عدداً من الأسئلة والاستفسارات التي تتعلق بدور المراجعة في المجتمع، وحاجات المجتمع التي يمكن أن تفي بها المراجعة، وتوقعات المجتمع من المراجعين، بالإضافة إلى الالتزامات المتبادلة بين المجتمع والمراجعين. وعند تناوله لهذه الأسئلة والاستفسارات أشار إلى أن تقييد وظيفة المراجع بإبداء الرأي على القوائم المالية، قد ينكر على المراجعة قيمتها الإستراتيجية الأمر الذي يتطلب ضرورة توضيح إدراك المجتمع لأهمية ما يقوم به المراجعون، وأيضاً لما تضيفه المراجعة لثروة المجتمع أو رفاهيته طالما يعهد المجتمع بموارده إلى الأفراد والمؤسسات المختلفة كي تقوم بتوظيفها واستغلالها بكفاءة.
ويتطلب استجلاء القيمة الإستراتيجية للمراجعة تحديد الدور الاجتماعي والدور الاقتصادي لوظيفة المراجعة. وينبغي أن يستند تحديد هذا الدور إلى مفهوم واسع لوظيفة المراجعة في المجتمع يتعدى مجرد إبداء الرأي في القوائم المالية، إلى تطوير دور إيجابي لوظيفة المراجعة في خدمة المجتمع .
"وقد تطورت مسؤولية مراجع الحسابات في الآونة الأخيرة تطوراً سريعاً متلاحقاً، ويرى بعض الباحثين أنها لابد أن تشمل:
- مسؤوليته تجاه الإدارة من خلال دوره الاستشاري وقيامه بوظيفة المراجعة الإدارية.
- مسؤوليته أمام المجتمع من خلال تقريره النهائي عن قياس التكلفة والعائد الاجتماعي.
- مسؤوليته تجاه الغير إذا ثبت أنه لم يلتزم بالمعايير والمستويات المقبولة للمهنة، وما يترتب على ذلك من انحرافات أو أخطاء أصابت الغير من مستخدمي القوائم المالية التي أبدى رأيه العلمي والفني عنها- على أن يثبت المتضرر من ذلك علاقة السببية بين الضرر الذي أصابه وبين خطأ المدقق أو إهماله أو تدليسه" .
المسؤوليّة الاجتماعية :
تضمن بيان إجراءات المراجعة رقم (30) ما يلي:
"إذا كان الفحص الموضوعي الذي يقوم به المراجع المستقل لاكتشاف كل الغش, فإن عليه أن يوسع عمله إلى مرحلةٍ تصبح فيها تكلفته باهظة. ومع ذلك فلا يمكنه توفير تأكيد بأنه تم اكتشاف كل أنواع الغش أو أن المخالفات الغير موجودة ظاهرياً قد لا يتم اكتشافها بالضرورة مثل المعاملات الغير مسجلة أو المزيّفة أو الاحتيالات التآمريّة. من المتعارف عليه أن نظام الرقابة الداخلية الجيد ووثائق الضمان تؤمن الحماية بشكلٍ أكثر فعاليّة واقتصاديّة".
يوجد هنا معنىً ضمنياً متطرفاً إما لكل شيء أو لا شيء. إما أن يقوم المراجع بتوسيع عمله ليبحث عن كل المخالفات المحتملة أو أنه سيبحث عن لا شيء. وإذا أراد البحث عن كل المخالفات فسيصبح عمله مكلفٌ جداً. ولكن يبدو أن هناك حلٌ آخر, بإمكانه أن يوسع اختباراته للقيام ببحثٍ موضوعيٍ عن المخالفات الهامّة نسبياً, وبذلك يقدم لعميله خدمة جيدة بدون أن يقوم بتوسيع عمله لمرحلةٍ تصبح فيها تكلفته باهظة. في واقع الأمر, هذا ما يقوم به معظم المراجعين المستقلين حيث يستطيع أحدهم أن يقرر من خلال النقاشات التي لا تقبل النشر. تتحمل تكلفة الاختبارات الأولية المفاوضات التمهيدية, مراجعة الرقابة الداخلية, وتكلفة إعداد التقرير, ويكون المبلغ الإضافي من أجل القيام ببحث كامل عن كافة المخالفات. هناك فرق كبير بين البحث المعقول عن المخالفات الرئيسية والبحث الكامل عن كافة المخالفات المحتملة. لسوء الحظ أثناء مناقشة هذا الموضوع العام يميل المراجعون لذكر المخالفات الخفية, وغير المحتملة, وغير العادية كإيضاحات. هناك عدد كبير من المخالفات التي لا يتم اكتشافها حتى من خلال البحث الكامل المتقن, وهناك عدد كبير من المخالفات التي يتم اكتشافها خلال البحث الموضوعي.
يجب إعادة النظر في قول "أن الرقابة الداخلية وسندات الضمان تؤمن الحماية بشكلٍ أقل تكلفة". لا يمكننا الاختلاف على الرغبة في رقابة داخلية جيدة, وأن تؤمن هذه الرقابة الحماية ضد المخالفات أكثر مما يقوم به المراجع المستقل خلال الفحص الشامل, ولكن هل يمكن أن ينطبق الشيء نفسه على سندات الضمان؟؟ قد تؤثر معرفة أن الشركة تتبع أسلوب ضمان الموظفين والتحقق من شركة الضمان عن ذلك الأمر على الثقة بهؤلاء الموظفين, أما أن يكون لها تأثيرٌ هامٌ في تخفيض الخسائر فهذا كلامٌ غير دقيق. تتكبد شركات الضمان بالتأكيد خسائر كبيرة في كل عام.
هناك وجهتي نظر فيما يتعلق بالتكلفة النسبيّة للضمان مقابل عملية المراجعة المستقلة كوسيلة لتخفيض خسائر الاختلاسات والمخالفات المشابهة. في الواقع وفي أية حالة محدّدة قد يكون التأمين على الخسائر ومن ثم التحصيل من الضامن في حال وقوع الخسارة أقل تكلفةٍ من الدفع مقابل عملية مراجعة أكثر شمولاً. ومن ناحيةٍ أخرى يجب أن يكون هناك شخصٌ يتكبد دفع هذا الاختلاس أو العجز. مما يعني أنه قد يخفض الضمان الخسائر بالنسبة للشركة, أما بالنسبة للمجتمع الاقتصادي فإنه ليس إلا نشرٌ للخسارة على قاعدةٍ أكبر. باستثناء ما يملكه الضمان من قيمةٍ لمنع المخالفات وإزالة بعض المخاطر, يجب أن تتساوى علاوات الضمان مع الخسائر مضافاً إليها تكلفة إدارة خطة التأمين. إذن لا يمنع الضمان (التأمين) الخسائر وإنما ينشرها على قاعدةٍ أكبر.
"في عالمٍ من الحروب, الفوضى, الشر, والمعاناة, تدرك مهنة المحاسبة حقيقة أن الاختلاسات والمخالفات الأخرى قد شهدت تطوراً كبيراً سواءً بالكم أو بالعدد خلال السنوات الحالية. تقدر الخسائر الأمريكية الناتجة عن أعمال الغش بحوالي 1 3 مليار $ سنوياً. قارن ذلك مع ما ورد في تقارير الشرطة الأمريكية ومكتب التحقيقات الفدرالي (F.B.I) بأنه يقدر المبلغ الإجمالي للممتلكات المسروقة عام 1957 من جراء قطع الطريق, السرقات العامة, السطو على المنازل, وسرقة السيارات بما يعادل 272 مليون $. تأمل أيضاً, تتراوح مبالغ الاختلاسات العادية ما بين عدة آلاف وقد تصل في بعض الحالات إلى ملايين الدولارات في حين أن المعدل الوسطي لخسائر الناتجة عن السطو على المنازل وقطع الطريق تقدر بحوالي فقط 200$ عام 1957".
لا يستطيع المرء سوى أن يطبع في ذهنه فكرة أنه من 1 3 مليار $ سنوياً سيدفع مقابل عمل هائل من عمليات المراجعة الإضافية, نظراً لأنه تم تكبد التكاليف الأساسية للمراجعة في ذلك الحين لكثيرٍ من الحالات.
أمامنا هنا تكلفةٌ اجتماعية حقيقية. هل يمكن للمهنة أن تقوم بشيءٍ حيال ذلك؟؟ هل يمكن للزيادة المعقولة في عمل المراجع أن تخفض خسائر الاختلاسات بمقدارٍ يساوي تكلفة عملية المراجعة الإضافية. هذه هي المسألة وإمكانيات تبريرها!!!
هناك اعتبار آخر, قد لا يكون التأمين (الضمان) في كثيرٍ من الحالات كافياً لتوفير الحماية التي يفترض توفيرها. في كثيرٍ من الحالات يكون حجم الخسائر كبيراً جداً لدرجة أنه لا يمكن لشركة الضمان تحمّلها عن طريق دفع مبلغ التأمين. وصلت الإحصائيات المتوفرة من قبل جمعية الضمان الأمريكية إلى أن الكثير من الحالات التي تعتمد على الضمان (التأمين) برهنت على عدم الرضا بسبب تجاوز الخسائر للتوقعات إلى حدٍ كبير.
لا نسعى لقول أن المراجعة, بدون زيادةٍ مفرطة في أتعاب المراجعة, تملك تأثيراً هاماً في تخفيض الخسائر الناتجة عن المخالفات, من خلال منع مرتكبي المخالفة أو اكتشافها قبل حدوثها. يبدو هنا أن هناك خدمةً اجتماعيةً هامةً تقدمها المهنة للمجتمع الاقتصادي. وبالطبع هناك حادثةٌ تاريخيةٌ واقعيةٌ لهذه الخدمة. لم تمضي مدة طويلة من الزمن على قيام الكتّاب البارزين بتسجيل اكتشاف المخالفات على أنها جزء مهمٌّ من عملية المراجعة. لماذا يجب على المراجعين المستقلين كمجموعة مهنية التنازل عن هذه الفرصة وهذه المسؤوليّة؟؟ إننا ندعو إلى تحميل المهنة قانونياً بمسؤولية هذه الخدمة. حتى يكون المراجع المستقل رجل مهنة حقيقي يجب أن لا يقبل بالعمل لمجرد أنه سيكسب, بل إنه سيؤدي مسؤولياته اتجاه عميله ومن يعتمد على تقريره. يبدو من المعقول تحميل المهنة بمسؤولية اتجاه المجتمع الاقتصادي, ولا يمكن تحقيق ذلك من خلال أنشطةٍ أخرى أو مهنٍ أخرى, تشجيع الموظفين الموثوقين واكتشاف من لا يوثق بهم. يظن كثيرون بأن المراجعة ستفقد ثقة الآخرين فيما لو رفضت هذه الخدمة.
المسؤولية والمقام المهني (المنزلة المهنية) :
عندما تتزايد الدعاوي القضائية يكون مهمّاً بالنسبة للمهنيين تقليص المسؤولية, وهذه اعتبارات إضافية تستحق الاهتمام. حتى الآن هناك تقبل حقيقي لفكرة أن اكتشاف الغش والمخالفات الأخرى هو أحد الأغراض الأساسية للمراجعة الخارجية, حاليا ً نجد تشديدا ً كبيرا ً على التخلص من هذه المسؤولية أوتقليصها على الأقل من خلال اتفاقيات مع عملاء المراجعة, وأدبيات المهنة. لسنا مؤهلين لنقرر ما إذا كانت هذه الأدبيات والاتفاقيات توفر أي حماية حقيقية. حتى عندما تتقلص مسؤولية المراجعين فيما يتعلق بهذه الخدمة بشكلٍ خاص, يتوجب تبرير ذلك. تكون المصلحة في التخلي الفوري عن المسؤولية الثقيلة القابلة للبرهان على أنها مرهقة, ولكن ضرر ذلك سيكون أكبر:
1. يبدو أن المراجع سيتخلى عن حق في نطـــاق قدرته ويمكنـــه القيـــــام به.
2. يرفض المراجعون في الواقع كمجموعة مهنية تقديم خدمة فعالة للمجتمع المالي.
3. يؤكد المراجعون لعملائهم وللعالم عموماً أنهم يرفضون تقديم خدمةٍ فعالةٍ وصعبةٍ بنفس الوقت, وعدم رغبتهم في مكافحة قوى الشر التي تضر الأعمال بشكلٍ كبير.
لا يمكن لهذا الموقف سوى التقليل من شأن المهنة, وخاصةً أن الخدمة والمسؤولية التي يرفضونها يطالب بها بشدة.
ما نحتاجه هو بيان صريح وواضح للمسؤولية التي يمكن ويجب للمراجع قبولها. يجب تعريف هذه المسؤولية بشكلٍ حاسم وعند ذلك ستخدم كافة المهتمين باعتبارها دليلٌ نافع. لا يوفر البيان الفردي الأمن اتجاه المقاضاة؛ لا يمكنه فعل شيء سوى أنه يقدم إرشاداً يحسم المقاضاة بطريقةٍ معقولة. الحصول على المكافآت بالنسبة امن يلتزم المهنة غير ممكن مقارنةً مع من يعمل بالتجارة, لكي يحصل على هذه المكافآت يجب أن يعد نفسه بشكلٍ ملائم, وأن يقدم الخدمة بكفاءة ويتحمل مخاطر محددة, أحد هذه المخاطر تلك التي تنشأ عن المقاضاة الناتجة عن أولئك الذين يعتقدون لسببٍ من الأسباب أن المراجع لم يفي بمسؤوليته المهنية. وحتى يتمسك المراجع بموقفه كرجل مهنة يجب عليه أن يتحمل عبء الدفاع عن نفسه اتجاه هذه المقاضاة, وذلك جزءٌ من الثمن الذي يتحمله. لا يمكن للمراجع تجنب ذلك لأنه جزءٌ من طبيعة عمله, ويبقى بالنتيجة رجل مهنة.
المبحث الثالث:
واقع المهنة في سوريا
إن المهنة غير متطورة في سوريا لأسباب عديدة ومنها2:
• ليس لدينا العدد الكبير من الشركات المساهمة وإنما يتركز النشاط بالشركات العائلية، ويتركز عمل المراجع القانوني في خدمة هذه الشركات.
• هناك صراع خفي بين شركات المحاسبة الأجنبية والمكاتب المحلية حول حصص السوق.
• عمل المحاسبين المحليين يتسم بالفردية.
• لا يوجد تنظيم مهني خاص بهذه المهنة، فهي المهنة الوحيدة في سوريا التي لا يوجد لها تنظيم مهني.
• المراجعين ليسوا على المستوى المطلوب من الكفاءة والخبرة بهذه المهنة.
شروط الارتقاء بالمهنة:
• إن مهنة المراجعة في سورية تحتاج إلى إصدار قوانين جديدة تتماشى مع متطلبات سوق الأوراق المالية، وقانون الشركات الجديد.
• كما تحتاج لرفع السوية العلمية للمراجعين القائمين حالياً، حيث أننا نحتاج لدورات تدريبية لهم.
• إعادة النظر في النظام الداخلي لجمعية المحاسبين القانونيين، فيجب بأن يتم التمييز في التسجيل في الجمعية بين مراجع حسابات متفرغ مزاول للمهنة، ومراجع حسابات غير متفرغ، إذ لا يحق له ممارسة المهنة حتى يتفرغ لها، ومن الضروري إعداد جداول تتضمن أسماء المراجعين حسب مستويات الكفاءة والتدريب، وهم مراجعو حسابات تحت التمرين، ومراجعو حسابات قانونيون لشركات الأشخاص(غايات ضريبية)، ومراجعو حسابات للشركات المساهمة بما يتوافق مع الشروط المعتمدة من هيئة سوق المال.
• ويشترط تطبيق معايير المحاسبة الدولية وهذا ما فرضته ظروف تطور العمل المالي في العالم، وأن يتم الاحتكام إليها عندما يحصل نزاع مالي.
• وهناك أيضاً المعايير الأخلاقية، والتي تتعلق بأخلاقية المهنة وصولاً إلى مبدأ (الحوكمة).
• ونحتاج أيضاً إلى دعم من الإعلام لتثقيف المساهمين والمستثمرين
• ومن الضروري أن تتحول مكاتب المراجعة الفردية الموجودة حالياً إلى شركات كمرحلة أولى, ضمن شروط واضحة لممارسة المهنة وللشركة من ناحية حجمها والأعمال التي تقوم بها.
• وأيضاً ضرورة تحويل جمعية المحاسبين القانونيين إلى نقابة، وتغيير هيكلها بما يتلاءم مع التطور العالمي, وفي حال بقيت جمعية يجب تغيير دورها وإعطاؤها الطابع المهني، ورفدها بالمختصين, كما يجب عقد الندوات والملتقيات بين المراجعين, وهذا لا يتم حالياً بالشكل المطلوب إلا في أوقات الانتخابات في الجمعية لتصبح المرجع الحقيقي والفعال لمهنة المحاسبة في سورية.
• الحد من تدخل الشركات الأجنبية بشكل غير مباشر في قانون تنظيم المهنة, فبرغم من أن دخول الشركات الأجنبية ضرورة، لكن يجب أن يكون للمحاسب القانوني السوري الحصة الأكبر أسوة بما هو معمول به في جميع الدول( تتقاضى شركات المراجعة الأجنبية 20000$ بينما يتقاضى المراجع السوري 50000 ل.س).
الفصل الثالث:
الدراسة التطبيقية للحالات العملية
سيتعرض في هذا الفصل لتحليل البيانات التي تم الحصول عليها من خلال أرشيف القضايا الاقتصادية وهي عبارة عن ثلاثة قضايا تعود لفترات زمنية مختلفة يحاول البحث من خلالها إثبات الفرض الأساسي للبحث وهو تقوم مهنة مراجعة الحسابات بالعمل على مكافحة الفساد.
لقد قام البحث على تحليل ثلاث وقائع من القضايا المسجلة في محكمة الأمن الاقتصادي والتي تم البت فيها وسيتم ذكر النتائج الإجمالية في نهاية البحث مع مجمل الآراء التي تم توليدها خلال هذا البحث.
الواقعة الأولى:
1. الجهة التي وقع عليها الضرر: الشركة العامة لإنشاءات الري (ساريكو) بحماة.
2. مبلغ الضرر: /263783$/ + /4535£/ + /1652985ل.س/
3. وظيفة مرتكب المخالفة: المدير العام للشركة ومدير مكتبه.
4. آلية حدوث الضرر: تم حصر عمليات الشراء الخارجي بالمدير العام ومدير مكتبه وإلغاء دور المدير المالي وإلغاء دور اللجنة القانونية والفنية في الشراء عن طريق اعتماد على عرض وحيد كان يرد لمكتب المدير العام دون أن يتم تسجيله في ديوان الشركة.
5. مدة استمرار الواقعة: 1982- 1986.
6. كيفية الاكتشاف: من قبل مفتشي الجهاز أثناء تدقيقهم لأعمال الشركة لعام 1987 ونتيجة تدقيقهم عينة من الاعتمادات المستندية.
7. نتيجة الواقعة: تم تحويل المدير العام للشركة ومدير مكتبه إلى محكمة الأمن الاقتصادي لمعاقبتها وفق أحكام المادة 14 من قانون العقوبات الاقتصادي نتيجة الإهمال وإلحاق الضرر بالأموال العامة وبتهمة التقصير في تحقيق الشروط المناسبة للشراء وعقد النفقات خلافاً للقوانين والأنظمة النافذة.
8. رأي البحث: لقد تم اكتشاف الواقعة في السنة الرابعة من بدايتها والسؤال الذي يطرح نفسه هنا أين كان مراجعو الحسابات خلال الأعوام الأربعة السابقة وخاصة وأن تقرير المراجع لم يتضمن أي ملاحظة عن سير العمل الإداري والمالي في الشركة.... إذا يعتبر البحث جميع مفتشي الجهاز المركزي للرقابة والتفتيش مسؤولين عن عدم اكتشافهم لتلك الاختلاسات وبالتالي فهم لم يقوموا بواجبهم على الوجه المطلوب ولم يبذلوا العناية المهنية اللازمة لمنع الغش الذي وقع وبالتالي كان دورهم سلبياً في مكافحة الفساد التي تتمثل في هذه الحالة باختلاس الأموال العامة واستغلال المنصب وإساءة الأمانة..... ربما لو كان أداء المراجعين جيداً لتعاظم دورهم الاجتماعي وقاموا بدور إيجابي من خلال منع حدوث المخالفة وبالتالي الإسهام في مكافحة الفساد.
الواقعة الثانية:
1. الجهة التي وقع عليها الضرر: المصرف التعاوني الزراعي في القطيفة.
2. مبلغ الضرر: نتيجة طول المدة تعذر إحصاء المبلغ إلا أنه يعبر عن مبالغ كبيرة جيداً.
3. وظيفة مرتكب المخالفة: رئيس قسم الحسابات الجارية في المصرف.
4. آلية حدوث الضرر: من خلال تزوير شيكات وهمية وصرفها من حسابات عملاء المصرف دون أن يتم ترحيل قيمة هذه الشيكات إلى حسابات المجاميع وبالتاي تكون حسابات المجاميع تعكس فقط قيم الشيكات الحقيقية إلا أن اليوميات تظهر قيمة الشيكات الوهمية وبالتالي يوجد عدم تطابق واضح في الدفاتر.
5. مدة استمرار الواقعة: 1978- 1992.
6. كيفية الاكتشاف: عن طريق الإخبار من أحد عملاء المصرف والذين أبدوا عدم مطابقة بين أرصدة دفاترهم وأرصدتهم لدى المصرف.
7. نتيجة الواقعة: أحيل رئيس قسم الحسابات الجارية إلى القضاء لمحاكمته وفق أحكام المادة 14 من قانون العقوبات الاقتصادي.
8. رأي البحث: لم يتم اكتشاف الواقعة إلا عن طريق الإخبار وذلك يعكس غياب الدور الكامل لمراجعين الذين بدا من خلال الواقعة غياب دورهم الفعال بالكامل إذ أنه طوال مدة 14 عاماً كان تقرير المراجعة نظيفاً ولا يعكس أي تحفظ وهذا ما يشير إلى أحد أمرين: أولهما تواطؤ مفتشي الحسابات مع مرتكب المخالفة, أو عدم كفاءة في أداء العمل. وهذا ما يدل على عدم بذل العناية المهنية اللازمة, والسؤال الذي يطرحه البحث هنا ماذا أدى المراجعون في هذه الحالة من مسؤوليتهم الاجتماعية أو المهنية.... لا تعكس هذه الحالة سوى الغياب الكامل للمهنة ولدورها الاجتماعي ولم تقدم أي مساهمة تمنع الفساد الحاصل المتمثل بإساءة الأمانة واختلاس الأموال العامة وبالتالي يطرح البحث هنا قضية ألم يكن لزاماً أن تتم مقاضاة مفتشي الحسابات الذين عملوا طوال الأعوام السابقة والذين قد يعدون بمقتضى البحث قد خالفوا أحكام المرسوم 93 المادة 3 منه الفقرات (آ, ز, ج, ح). وأنه يجب تطبيق أحكام قانون العقوبات الاقتصادية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 37 لعام 1966 المادة 26 منه عليهم .
الواقعة الثالثة:
1. الجهة التي وقع عليها الضرر: فرع الشركة العامة لتجارة التجزئة بحماة.
2. مبلغ الضرر: /237983ل.س/
3. وظيفة مرتكب المخالفة: مياوم لدى الشركة يعمل في منافذ البيع والصالات.
4. آلية حدوث الضرر: نتيجة بيع المواد التموينية في منافذ وصالات الشركة وعدم إيداع المبالغ في الصندوق من جهة, وإهماله من ناحية مغادرته وتركه للصندوق مفتوحاً مما قد يؤدي إلى سرقة مبالغ من الصندوق أو سرقة بعض المواد.
5. كيفية الاكتشاف: نتيجة الجرد المفاجئ.
6. نتيجة الواقعة: إحالة المتهم إلى القضاء لمحاكمته وفق أحكام قانون العقوبات الاقتصادية.
7. رأي البحث: لدى مراجعة تفصيلات القضية تبين أن المدعى عليه قام بتسديد المبالغ المترتبة بذمته بعد سنتين مما آثار الشكوك حوله وحفز للقيام بجرد مفاجئ مما أدى إلى اكتشاف الحادثة..... مما يثير عدة مسائل: هل المراجعة مغيبة أم أنها مجرد شكليات فقط..؟ ربما لو كانت المراجعة تقوم بعملها دون أي تحيز أو تحفظ لتم اكتشاف هذه المخالفات في وقتها ولمنع مرتكب المخالفة من ارتكابها لأنه سيعرف ضمناً أنه سيكتشف...!! أين هي الأخلاقيات من وجهة نظر المراجعين, أين تكمن المسؤولية الاجتماعية لهم, كيف لهم أن يقوموا بدورهم لاكتشاف المخالفات وبالتالي يساهمون مساهمة فعالة في مكافحة الفساد...!!! يرى البحث من خلال هذه الواقعة الغياب الكامل للمهنة في القطاع العام.
نتائج البحث:
من خلال ما تقدم سواء في القسم النظري من البحث أو من الوقائع التي تم سردها يرى البحث ما يلي:
1. هناك اتجاه عالمي للقضاء على الفساد بكافة أوجهه وسعي عالمي لتعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة.
2. إن الواقع في سورية يعكس فساداً على كافة المستويات, وبرغم ذلك هناك سعي من قبل بعض المسؤولين لمكافحته والحد منه كما أن هناك سعي على مستوى الأفراد لمكافحته والحد من هذه الظاهرة.
3. هناك دور كبير لمهنة المراجعة في موضوع مكافحة الفساد من خلال المسؤوليات المنوطة بها, بشكل خاص المسؤولية الاجتماعية تجاه الأطراف المتعددة والمسؤولية عن اكتشاف التضليل. كما يبدو هذا الدور من خلال ميثاق قواعد السلوك المهني والتي يلزم المراجع بالتحلي بها.
4. ليس هناك قوانين خاصة بتنظيم المهنة وتحديد مسؤوليتها في سورية إلا من خلال جمعية المحاسبين القانونيين السورية والتي لا تقوم بالدور المتوقع من المهنة كتنظيم له مكانة اجتماعية مرموقة.
توصيات البحث:
يوصي البحث بما يلي:
1. حث المعنيين على تنظيم قانون خاص بمهنة المراجعة أسوةً بباقي الدول يحدد المسؤوليات المطلوبة من المراجع ويوضحها, وأن يكون هذا القانون منسجم مع المعايير الدولية وتعديلاتها.
2. العمل على تفعيل دور جمعية المحاسبين القانونيين باعتبار أن المهنة ذات مكانة اجتماعية مرموقة وتفعيل دورها في المجتمع.
3. العمل على رفع سوية مراجعي القطاع العام وتطوير كفاءتهم ليتمكنوا من أداء واجباتهم على الوجه المطلوب.
4. حتى تستطيع مهنة مراجعة أن تقوم بواجبها فيما يتعلق بمكافحة الفساد يجب أن تتحول التوصيات السابقة إلى واقع وعندها تؤدي المهنة خدمة اجتماعية كبيرة لكافة الأطراف.
5. حث المعنيين إلى إنشاء منظمة شفافية وطنية تكون جمعية المحاسبين طرفاً فيها وتكون هذه المنظمة على اتصال بمنظمة الشفافية العالمية وذلك في سبيل تحسين مؤشر مدركات الفساد ي سورية عن طريق السعي للحد من هذه الظاهرة على كافة الأصعدة.
المراجع:
الكتب العربية:
1. عماد صلاح، الفساد والإصلاح، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق،
2. مار ديني, أحمد, الفساد: اغتصاب السلطة العامة من أجل المصلحة الخاصة. 2004, غير معرف الناشر, دمشق
3. التميمي، هادي، "مدخل إلى المراجعة"، (عمان، دار وائل للنشر، 2004، الطبعة الثالثة)،.
4. القاضي، حسين وآخرون، "أصول المراجعة"، (دمشق، منشورات جامعة دمشق، 2007)،
5. القاضي، حسين يوسف، و دحدوح، حسين أحمد، و قريط، عصام نعمة، 2006-2007،أصول المراجعة (1)، (منشورات جامعة دمشق، كلية الاقتصاد).
6. التميمي، هادي، 2006، مدخل إلى التدقيق، (الطبعة الثالثة؛ عمان، الأردن، دار وائل للنشر)،
7. السراج, عبود, شرح قانون العقوبات, منشورات جامعة دمشق,
8. مهايني، خالد، محاضرات التحليل المالي 2007-2008، ماجستير مراجعة الحسابات ، المبحث الأول
المجلات والدوريات:
1. عادل عبد اللطيف، الفساد كظاهرة عربية وآليات ضبطها: إطار لفهم الفساد في الوطن العربي ومعالجته، مجلة المستقبل العربي، السنة 27، العدد 309، بيروت، 2004م،.
2. محمود عبد الفضيل، مفهوم الفساد ومعاييره، مجلة المستقبل العربي، السنة 27، العدد 309، بيروت، 2004م.
3. عربية, زياد, من يحمي الفساد في سورية, جريدة النور, العدد268, 2008.
4. مقالة الكترونية, جريدة قاسيون, العدد 362, 2008.
الكتب المترجمة:
أرينز، ألفين، ولوبك، جيمس، "المراجعة مدخل متكامل"، ترجمة: الديسطى، محمد، وحجاج، أحمد، (دار المريخ، الرياض، الطبعة السابعة، 2000).
المراجع الأجنبية:
1. Glover, Steven. &others, "Auditing & Assurance Services", (4th, ed, McGraw-Hill, Irwin, 2007).
2. Flint, D., 1988, “Philosophy and Principles of Auditing: An Introduction”, (London, Macmillan).
3. A statement of Basic Auditing Concepts, (AAA, 1973). 4. Matuz, R.K, SHaraf, Hussein, "The philosophy Of Auditing", (AAA, 1961)..
مواقع الانترنت:
http:\\www.annabaa.org
http:\\www.multaqa.org
http:\\www.iraqism.com
http:\\www.transperancy.org
http:\\www.igac.net
Http:\\www.unodc.org
http:\\www.pogar.org
http://www.acc4arab.com
http://www.ksau.info
http:\\www.usinfo.state.gov
admin@thawra.com
جامعة دمشق
كلية الاقتصاد
ماجستير مراجعة الحسابات
دور مهنة المراجعة في مكافحة الفساد (دراسة تطبيقية)
إشراف: .د.علي يوسف
إعداد: يسران محمد سامي شاميّة
2007-2008