تلخيص من طرف الطالبة فدوى
يعد موضع التغير الاجتماعي أحد أهم الموضوعات في حياة المجتمعات التي تعيش جميعها ظاهرة التغير المتأصلة في حياتها . وقد تنبهت المجتمعات إلى حقيقة التغير فأولتها أهمية كبيرة ، وقامت الدراسات المختصة من أجل فهم التغير ، وتوجيهه وجهة إيجابية من أجل تنمية المجتمع ورفاهيته .
ومجتمعنا العربي من المحيط الى الخليج يمر بمرحلة تحول وتغير ، تعمل فيها أبناؤه جاهدين على الانتقال من وضع متخلف الى وضع متقدم ، من أجل اللحاق بركب الحضارة السريع . ولابد له لإتمام هذا الانتقال السريع أن يعتمد على فهم عملية التغير الاجتماعي أولاً ، ثم العمل على إحداث التغير ثانياً .
ولاشك أن عملية التغير الاجتماعي معقدة التركيب ، متداخلة العوامل مختلفة باختلاف الثقافة والأوضاع الاجتماعية التي تعيشها المجتمعات ، الأمر الذي يتطلب التصدي لها من خلال الفهم والإدراك العميق لكل التغيرات الاجتماعية .
التغير الاجتماعي: المدخل النظري
تعد ظاهرة التغير في العصر الماثل من أهم المسائل التي تشغل الفكر الاجتماعي الحديث, وخاصة بعد الحربين العالميتين, فقد أخذت الجهود تتجه نحو التغيير المخطط من أجل تنمية حقيقة هادفة.
التغير الاجتماعي:
التغير الذي يحدث داخل المجتمع, أو التحول أو التبدل الذي يطرأ على جوانب المجتمع. وبمعنى آخر هو التحول الذي يطرأ على البناء الاجتماعي خلال فترة من الزمن.
صفات التغير الاجتماعي عند جي روشي:
1- التغير الاجتماعي ظاهرة عامة, توجد عند أفراد عديدين, وتؤثر في أسلوب حياتهم وأفكارهم.
2- التغير الاجتماعي يصيب البناء الاجتماعي, أي يؤثر في هيكل النظام الاجتماعي في الكل أو الجزء, فالتغير الاجتماعي هو التغير الذي يحدث أثرا عميقا في المجتمع, وهو الذي يطرأ على المؤسسات الاجتماعية كالتغير الذي يطرأ على بناء الأسرة, أو على النظام الاقتصادي أو السياسي وما إلى ذلك, هذا التغير هو الذي يمكن تسميته بالتغير الاجتماعي.
3- يكون التغير محددا بالزمن, أي يكون ابتداءا من فترة زمنية ومنتهيا بفترة زمنية معينة, من أجل مقارنة الحالة الماضية بالحالة الراهنة, ومن أجل الوقوف على مدى التغير, ولا يتأتى ذلك إلا بالوقوف على الحالة السابقة, أي أن قياس التغير يكون انطلاقا من نقطة مرجعية في الماضي.
4- أن يتصف التغير الاجتماعي بالديمومة والاستمرارية, وذلك من أجل إدراك التغير والوقوف على أبعاده, أما التغير الذي ينتهي بسرعة, فلا يمكن فهمه, ولذلك فالتغير الاجتماعي يكون واضحا من خلال ديمومته.
مصادر التغير الاجتماعي:
1- المصدر الداخلي: أي ان يكون قائما في داخل النسق الاجتماعي, وإطاره المجتمع نفسه, أي نتيجة لتفاعلات تتم داخل المجتمع ( مثال: عند إقامة جامعة داخل قرية ).
2- المصدر الخارجي: الذي يأتي من خارج المجتمع نتيجة اتصال المجتمع بغيره من المجتمعات الأخرى ( مثال: الاحتكاك بالثقافات الأخرى كالاستعمار والبعثات ).
آليات التغير الاجتماعي:
1- الاختراع والاكتشاف: يبدو في ابتكار أشياء جديدة لم تكن موجودة من قبل, مثال ذلك: اختراع الكهرباء والسيارة, أو إعادة تحسين كفاءة مخترعات قديمة, كتحسين صناعة القطارات والطائرات, كل ذلك يؤدي إلى تغيرات ثقافية قد تتراكم وتؤدي إلى تغيرات اجتماعية. كذلك الاكتشافات التي تعني معرفة أشياء كانت موجودة أصلا, كاكتشاف القارة الأمريكية, أو اكتشاف عناصر جديدة في الطبيعة, أو اكتشاف القوانين المختلفة, وهذه بدورها تؤدي في النهاية إلى تغيرات اجتماعية, وبطبيعة الحال؛ فإن الحاجات هي التي تدعو إلى الاكتشاف والاختراع, تلك الحاجات التي هي اجتماعية في المقام الأول.
2- الذكاء والبيئة الثقافية: بلا شك أنه ليس بمقدور أي فرد الاختراع أو الاكتشاف, إنما يتطلب ذلك مستوى مرتفع من الذكاء, ويرى علماء النفس أن الذكاء يكون موروثا ومكتسبا, ولهذا لن يكتب النجاح للفرد الذكي ما لم تتوافر لديه البيئة الثقافية لتساعده على الاكتشاف أو الاختراع.
3- الانتشار: إن المخترعات لن يكتب لها النجاح ما لم تنتشر عند أفراد كثيرين في المجتمع حتى تعم, وتؤدي إلى عملية التغير.
يعتبر مصطلح التغير الاجتماعي مصطلحا حديثا نسبيا بوصفه دراسة علمية, ولكنه قديم من حيث الاهتمام به وملاحظته, وقد كان يعني معاني عدة, مختلطا مع مصطلحات أخرى: مثل التقدم, والتطور والنمو, وسأقوم بتوضيح لتلك المصطلحات المشابهة لمصطلح التغير الاجتماعي.
التقدم الاجتماعي :
حركة تسير نحو الأهداف المنشودة والمقبولة, أو الأهداف الموضوعية التي تنشد خيرا أو تنتهي إلى نفع.
( ويختلف التقدم الاجتماعي عن التغير الاجتماعي, أن التقدم يحمل معنى التحسن المستمر نحو الأمام, أي أنه يسير في خط صاعد, في حين أن التغير قد يكون تقدما أو تخلفا, وبالتالي يكون مصطلح التغير أكثر عملية؛ لأنه يتوافق و واقع المجتمعات " واقع التقدم و واقع التخلف ", فالمجتمعات ليست دائما في تقدم مستمر , وإنما يعتريها التخلف أيضا ).
التطور الاجتماعي:
النمو البطيء المتدرج الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة, تمر بمراحل مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة.
( التطور الاجتماعي ايجابي ينمو لمرحلة أفضل, والتغير الاجتماعي قد يكون تراجعي انتكاسي قد يحمل مفهوم التطور أو التأخر, فيكون مصطلح التغير الاجتماعي هو الأكثر عملية و واقعية لحالة المجتمعات الإنسانية, التطور لا يحمل معنى الطفرة بينما التغير يحمله )
النمو الاجتماعي:
عملية النضج التدريجي والمستمر للكائن وزيادة حجمه الكلي أو أجزاءه في سلسلة من المراحل الطبيعية, ويتضمن النمو تغيرا كميا وكيفيا, والغاية من النمو هو النمو ذاته.
( يختلف مصطلح النمو الاجتماعي عن مصطلح التغير الاجتماعي في عدة نقاط هي: 1- يشير النمو إلى الزيادة الثابتة نسبيا, والمستمرة في جانب واحد من جوانب الحياة. أما التغير فيشير إلى التحول في البناء الاجتماعي والنظام والأدوار والقيم وقواعد الضبط الاجتماعي, وقد يكون هذا التحول إيجابيا أو سلبيا ولا يتصف ذلك بالثبات إطلاقا. 2- يكون النمو بطيئا وتدريجيا. أما التغير الاجتماعي فيكون على عكس ذلك, قد يكون سريعا ويتضمن قفزات إلى الأمام أو إلى الخلف. 3- يغلب على النمو التغير الكمي. اما التغير فيغلب عليه التغير الكيفي, ذلك لأن النمو يتعلق في الغالب بالجانب المادي من المجتمع. أما التغير فيتعلق بالجانب المعنوي. 4- يسير النمو في خط مستقيم, بحيث يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه. أما التغير فلا يكون سيره مستقيما باستمرار, وقد تعددت النظرة الاجتماعية نحو اتجاهه. وكما سبق الإشارة, في أن التغير قد يكون إلى الأمام فيؤدي إلى التقدم, كما قد يكون إلى الوراء فيؤدي إلى التخلف ).
التنمية الاجتماعية:
الجهود التي تبذل لإحداث سلسلة من التغيرات الوظيفية, والهيكلية اللازمة لنمو المجتمع, وذلك بزيادة قدرة أفراده على استغلال الطاقة المتاحة إلى أقصى حد ممكن, لتحقيق أكبر قدر من الحرية والرفاهية لهؤلاء الأفراد بأسرع من معدل النمو الطبيعي.
( مفهوم التنمية الاجتماعية هو أقرب المفاهيم للتغير الاجتماعي مقارنة بمفاهيم التقدم والنمو والتطور, وأن المفهوم الحديث للتغير الاجتماعي يتطابق ومفهوم التنمية الاجتماعية بالرجوع إلى مضمون المفهومين. لكن المفهوم المطلق للتغير الاجتماعي, يعني التحول أو التبدل الذي يطرأ على البناء الاجتماعي متضمنا تبدل النظام الاجتماعي والأدوار والقيم وقواعد الضبط الاجتماعي " إيجابا أو سلبا ", في هذه الحالة فقط يختلف عن التنمية التي هي في المحصلة النهائية ذات بعد إيجابي باستمرار, أي لا تتضمن البعد السلبي, أي أن التنمية الاجتماعية " إيجابية " دائما, في حين أن التغير الاجتماعي قد يكون أيضا نكوصا ).
الدراسة السوسيولوجية للتغير الاجتماعي.
صعوبة دراسة التغير الاجتماعي:
تأتي الصعوبة في دراسة التغير الاجتماعي, من كون المجتمعات الإنسانية لا تسير على وتيرة واحدة في تغيرها, ولا بطريقة متشابهة مع بعضها, فلكل مجتمع ظروفه الخاصة التي تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى, تلك الظروف المتعلقة بنظامه الاجتماعي, وثقافته بوجه عام.
هناك جملة من العوامل تؤثر في درجة وتوجيه هذا التغير منها: العامل الديموغرافي, والأيكولوجي, والتكنولوجي, والاقتصادي وغير ذلك.
وتأتي صعوبة دراسة التغير الاجتماعي من مظهرين:
1- طبيعة الظاهرة الاجتماعية المدروسة.
2- موقف الباحث – الدارس- من الظاهرة المتغيرة.
وتأتي صعوبة دراسة الظاهرة الاجتماعية للأسباب التالية:
1- طبيعة تعقد الظاهرة الاجتماعية, نظرا لتأثيرها وتأثرها بظواهر طبيعية واجتماعية على حد تعبير ابن خلدون ودور كايم, فدراسة ظاهرة الصراع, أو التعاون في المجتمع تستدعي دراسة ظواهر اقتصادية وسياسية وغيرها, بالإضافة إلى كون الظاهرة الاجتماعية مترابطة مع غيرها, الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة فصلها, ودراستها بشكل منعزل عن غيرها, مما يقودنا إلى صعوبات.
2- صعوبة إخضاع الظاهرة إلى القياس الدقيق, لأنها متعلقة بمجتمع بشري متغير متباين العواطف والميول, والدوافع والاستجابة للمؤثرات الخارجية.
3- وبناء على الصعوبة السابقة, يترتب عليها صعوبة إعادة إجراء التجربة مرة أخرى, لأن الظاهرة تكون قد تغيرت, فالتغير صفة أساسية من صفات الظاهرة الاجتماعية. رغم أن التجريب أمر مهم من أجل صياغة القوانين والنظريات, والتأكد من صحة النتائج المتوصل إليها.
4- صعوبة حصر مجمل الفروض التي تعلل تغير الظاهرة الاجتماعية ناهيك عن صعوبة الفصل بينهما, وتصنيفها, في أيها أساسي, وأيها ثانوي, وما إلى ذلك.
أما الصعوبة الثانية في دراسة التغير الاجتماعي فتاتي عن طريق موقف الباحث أو الدارس للظاهرة المتغيرة, وذلك للأسباب التالية:
1- موقع الباحث من الظاهرة المدروسة, فالنظرة إليها تختلف من شخص لآخر, وذلك حسب موقع الشخص الملاحظ, لأن الذي يلاحظ المجتمع, شبيه بالملاحظ للعالم الطبيعي, حيث يقف دائما في وضع نسبي من حيث الزمان والمكان, فالذي يراه هو جزء صغير من عالم واسع, فتكون الملاحظة محدودة, وقد تكون الظاهرة المختارة من عالم المجتمع لا تمثله تمثيلا صادقا, بالإضافة إلى التصورات المسبقة التي يصعب التحرر منها, مع ملاحظة أن هذه التصورات قد تكون مستمدة من واقع مجتمعات مختلفة تماما عن المجتمع المدروس.
2- أيديولوجية الباحث التي تجعله يعطي أحكاما تتماشى مع أفكاره, وهذه الأحكام غالبا ما تكون مستمدة من أيديولوجيته التي تؤثر على نفسيته ورغباته عموما, الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف النظرة الواقعية إلى الظاهرة المتغيرة.
وعموما تتطلب دراسة ظاهرة التغير أن يتزود الباحث بوسائل البحث العلمي, وأن يتجرد من العاطفة, وأن يبتعد عن إعطاء الأحكام المسبقة, من أجل إدراك الظاهرة المتغيرة, وتقديم نتائج صحيحة.
تفسير عملية التغير الاجتماعي:
هناك من يرى بأن أي موقف اجتماعي يكون نتيجة لأربعة عوامل أساسية في كل تغير اجتماعي وهي: البيئة الطبيعية والجماعات الإنسانية, والثقافة السائدة, والمظاهر البيولوجية والسيكولوجية للأفراد.
ولذلك فإن أي تغير في عامل أو أكثر من هذه العوامل, فإنه يستدعي تغيرات توافقية في الأنساق المرتبطة بالسلوك الاجتماعي, فالتغير الحادث لا يحدده عامل واحد, وإنما يتم بمساعدة عوامل أخرى, وتكون عملية الفصل بين العوامل من باب الفرضية من أجل التحليل والدراسة.
ويرى هربرت ليونبرجر أن هناك سلسلة من المراحل يمر بها الفرد قبل أن يأخذ بالنمط الجديد وهي:
1- مرحلة الإحساس: وهي تتمثل في أول سماع أو معرفة بالموضوع الجديد.
2- مرحلة الاهتمام: وهي مرحلة تجميع المعلومات حول الموضوع الجديد, بغرض تحديد درجة فائدته.
3- مرحلة التقييم: وهي مرحلة اختبار المعلومات المستقاة عن الموضوع الجديد, وتفسيرها وفق الظروف السائدة, ودراسة مدى ملائمتها من أجل الأخذ بها.
4- مرحلة المحاولة: وهي مرحلة اختيار الفكرة ودراسة كيفية تطبيقها.
5- مرحلة التبني: وهي مرحلة التسليم بالموضوع الجديد واعتماده, ليأخذ مكانه في النمط السائد.
إن هذه المراحل الخمس السابقة لا تأتي دائما مرتبة, وإنما قد يطرأ عليها تغيير بإضافة عناصر جديدة, أو حذف بعضها, وقد تتداخل بعض المراحل مع الأخرى.
التغير بين المجتمع القروي والحضري:
إن اختلاف الحياة الريفية عن الحياة الحضرية يكشف عن مدى اختلاف التغير بينهما. ويبدو الاختلاف في عدة مظاهر أهمها:
1- العزلة النسبية في الحياة الريفية, خاصة عزلة العائلة التي من مهامها إشباع حاجات أفرادها الاقتصادية والاجتماعية. ومن المعروف أن العائلة تضم مجموعة من الأسر التي تتميز بالعمل الجماعي والإنتاج المشترك, وسيطرة العادات والتقاليد على سلوك أفرادها بشكل واسع, الامر الذي يؤدي إلى صعوبة التغير الاجتماعي بوجه عام. أما في الحياة الحضرية فإن حياة الأسرة فيها أكثر تعقيدا في العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, وهي تستدعي توافقا في هذه العلاقات, مما يؤدي بالتالي إلى سرعة التغير في العديد من المجالات. فالتجمعات الحضرية تكون مراكز للتغيير, نتيجة للتفاعل المباشر بين أفرادها, أما في التجمعات القروية, فإن التغير يضعف لبساطة مثل هذه التفاعلات بين الأفراد فيها.
2- بدائية تقسيم العمل والتخصص في المجتمع القروي, ويشكل العمل الزراعي القيمة العليا لديه, حيث يقوم التخصص في الغالب على أساس الجنس والسن, ليتناسب والعمل المطلوب تحقيقه. أي أن طبيعة العمل الزراعي في القرية لا يستدعي التجديد, وإنما يتميز بالرتابة والثبات النسبي. ولذلك يكون التغير ضعيفا وفي مجال محدود. أما في المجتمع الحضري فيكون تقسيم العمل واسعا والتخصص متنوعا, الأمر الذي يتطلب توسيع حجم السوق مع تنوع النشاط الاقتصادي, ووجود مجالات عمل جديدة تفتقر إليها الحياة القروية, ولهذا فإن مجالات التغير تكون عديدة ومتسعة, ويبدو ذلك بوضوح في المجتمع الصناعي.
3- عدم تنوع الوسائل التكنولوجية لدى المجتمع القروي, حيث يكتفي بوسائل بسيطة ومحدودة تفي بمتطلبات حياته, كاستعمال المحراث الخشبي في الزراعة, الذي مضى عليه آلاف السنين, وما زال قائما دون أن يطرأ عليه تغيير يذكر, كما أن القرويين لا يقبلون على استعمال الكماليات, ولا تشكل جزءا من سيكولوجيتهم أو حوافزهم إلا بازدياد تأثير المدينة فيهم. ويؤدي تنوع التكنولوجيا واستعمالاتها في عالم المجتمع الحضري إلى تراكمات ثقافية متعددة تعجل من عملية التغير الاجتماعي في كافة المجالات. فالتكنولوجيا واستعمالاتها عامل أساسي من عوامل التغير الاجتماعي.
4- الثبات النسبي للبناء الاجتماعي في المجتمع القروي, ويظهر ذلك في صعوبة الحراك الاجتماعي واستاتيكية القيم والعادات المتبعة, الأمر الذي يؤدي إلى إعاقة عملية التغير, في حين أن المجتمع الحضري يتصف بديناميكية تغير البناء الاجتماعي بشكل عام, وبالتكيف السريع مع عملية التغير.
التغير الاجتماعي قديما وحديثا:
يختلف التغير الاجتماعي من مجتمع إلى آخر, نتيجة الاختلاف الثقافي بين المجتمعات, ولو تجاوزنا هذا الاختلاف النوعي بين المجتمعات المعاصرة اليوم, ووازنا بين مسيرة التغير في المجتمع الواحد عبر العصور لأمكننا من ملاحظة الاختلاف في التغير, ويستدل على ذلك ما كان سائدا من أنماط فكرية وسمات مادية معينة, وإلى ما أصبحت عليه تلك السمات والأنماط اليوم,
ويعود ذلك إلى عاملين:
1- الثورة الصناعية تلك الثورة التي غيرت الأوضاع الاجتماعية, من أنظمة وعادات وقيم اجتماعية, فأوجدت أوضاعا جديدة في المجالات الاجتماعية المختلفة. فتغيرت كثير من القيم والأبنية الاجتماعية مثال: قيمة الوقت, وقيمة العمل, والبناء الأسري والسياسي والديني والاقتصادي وغيرها.
2- الاتصال الواسع بين المجتمعات المعاصرة نتيجة للتقدم في وسائل الاتصال المختلفة التي أدت سرعة عملية الانتشار الثقافي, وإلى سرعة التغير بوجه عام, وقد أدت ظاهرة الهجرة الواسعة بين المجتمعات اليوم إلى عملية التغير, مما قارب بين أنماط التغير إلى حد كبير بين المجتمعات. ولذلك يلاحظ تشابها كبيرا بين المجتمعات الصناعية المتقدمة عموما, وكذلك بين المجتمعات النامية نفسها.
وبوجه عام, يتميز التغير الاجتماعي اليوم عن تغير الأمس في عدة جوانب منها:
1- التغير الاجتماعي اليوم أسرع وأعمق من التغير قديما, نتيجة للثورة التكنولوجية, ووسائل الاتصال العديدة. فانتشار عادة, أو نمط جديد في مجتمع ما ينتقل بسرعة إلى مجتمعات بعيدة. بعكس ما كان سائدا في المجتمعات القديمة, ويكون أشد عمقا, حيث يصل إلى فئات عديدة في المجتمع, ويؤدي إلى تغيرات توافقية كثيرة.
2- الترابط بين التغيرات الحالية زمانا ومكانا, حيث تقع في سلاسل متتابعة, ويتردد صداها في مجتمعات عديدة, بعكس التغير القديم الذي كان يحدث في صورة منفصلة – متقطعة – متبوعة بفترات هدوء من أجل إعادة البناء.
3- التغير اليوم متوقعا في كل ظاهرة, وهو دلالة طبيعية, أي أن كل ظاهرة في المجتمع متوقع تغيرها على خلاف التغير السابق. لقد كانت ظاهرة التغير صعبة وغير مستحبة لدى المجتمعات. فلا تتقبل التغيرات بسهولة, بعكس المجتمعات الحالية التي تأخذ بالتغير بشكل أسرع. ويعود ذلك إلى أن عوائق التغير الأساسية بدأت تتلاشى لأسباب عديدة.
4- إن تغير اليوم ذو طابع إرادي مخطط وهادف ومقصود, تصنعه المجتمعات وفق إرادتها بموجب خطط التنمية, بينما التغيرات التي كانت تتم في السابق ذات طابع عشوائي وتلقائي.
التغير الاجتماعي- نظريات
أولاً : النظريات الحتمية :
وهي تلك النظريات التي تركز في دراستها للتغير الاجتماعي على عامل واحد فحسب، وتفترض كل نظرية من هذه النظريات أن عاملاً واحداً، كالاقتصاد، المناخ أو غيرها هو العامل الوحيد الذي يحرك كل العوامل الأخرى، ولذلك فإن هذه النظريات توصف بأنها نظريات ( اختزالية ) أي أنها تختزل كل العوامل في عامل واحد، وتعتبر أن هذا العامل هو العامل الكافي وحده لحدوث التغير.
فالحتمية تفترض أن الأمور محددة سلفاً:
1. الحتمية الجغرافية :
هناك اعتقاد قديم بأن ثمة علاقة طبيعية بين طبيعة الطقس الذي يعيش في الإنسان وبين طابعه الاجتماعي، ومن أشهر العلماء في هذا المجال هنتجتون فقد ذهب إلى القول بأنه إذا كانت الظروف الجغرافية هي التي تحدد صفات الناس وسلوكهم، فإن هذه الصفات وذاك السلوك لن يتغير إلا إذا تغيرت الظروف الجغرافية.
2. الحتمية البيولوجية :
تتأسس على فرضية مؤداها أن الناس في العالم ينقسمون إلى أجناس، وجماعات متميزة بيولوجياً، وأن نوعية الحياة لدى شعب من الشعوب هي مؤشر على قدراته البيولوجية، وأن الأجناس تختلف في قدرتها على تطور الحياة الاجتماعية وتنميتها، وتقوم الحتمية البيولوجية على فرضية سادت في مجتمعات قديمة منذ القدم، وهي تلك الخاصة بتفوق طبقات داخل المجتمع على طبقات أخرى وارتباط هذا التفوق بالخصائص البيولوجية.
ومن المتغيرات البيولوجية التي يتم التركيز عليها ما يلي :
1. أثر الانتخاب الطبيعي والاصطناعي على الأشكال المختلفة لهرم السكان.
رفض التفكير العلمي المعاصر النظريات الحتمية لأسباب منها :
1. أنها نظريات اختزالية.
2. أنها نظريات متحيزة إلى تبرير أفكار بعينها، كتفوق شعب من الشعوب أو سيطرة من شعب على آخر.
3. أنها نظريات غير علمية لأنها تؤكد سبباً واحداً دون تمحيص علمي دقيق في الأسباب الأخرى.
4. أنها قد أدت إلى كثير من الصراعات بين الشعوب، نتيجة التفوق العرقي لشعب.
5. أنها ولّدت أشكالاً من العنصرية السياسية التي يعاني منها عالمنا المعاصر، كالعنصرية الصهيونية.
ثانياً : النظرية التطورية :
وهي الاعتقاد بأن المجتمعات تسير في مسار واحد محدداً سلفاً عبر مراحل يمكن التعرف عليها.
ويختلف التطويريون على :
1. تتصل بمراحل التطور أي عدد المراحل التي يمر بها مسلك التطور الاجتماعي.
2. حول العامل الرئيسي المحرك للتطور، هل يظهر نتيجة لتغير الأفكار والمعتقدات أم نتيجة لتغير في التكنولوجيا والعناصر المادية.
3. تتصل بوجهة التطور، هل التطور يسير في مسلك خطي تقدمي أم يسير في مسلك دائري بحيث يعود من حيث بدأ.
أ. النظريات الخطية :
هي نظريات تهتم بالتحولات التقدمية المستمرة أو المطردة الموصلة في النهاية إلى هدف محدد، ويمر المجتمع في حالة تحوله نحو تحقيق هذا الهدف بمراحل أو خطوات ثابتة.
ولقد سار الفكر التطوري المبكر في خطين رئيسيين في تحديده لمراحل التطور :
1. التركيز على عنصر واحد من عناصر الحياة الاجتماعية أو الثقافية وتحديد المراحل الزمنية التي سارت فيها المجتمعات وفقاً لعذا العنصر، كالقول بأن المجتمعات مرت بمرحلة الصيد ثم مرحلة الزراعة.
2. بدلاً من التركيز على عنصر واحد، مال بعض التطوريين إلى النظر للتطور الكلي في البناء الاجتماعي أو الثقافي، وتحديد المراحل بشكل كلي دون التركيز على عنصر بعينه.
و تتميز التطورية الخطية بتحديد مراحل تقدمية تسير نحو هدف محدد.
ويستدل كونت على خضوع الإنسانية لظاهرة التقدم والارتقاء المطرد، بأنها مرت بثلاث مراحل :
1. الحياة الاجتماعية في العصور القديمة.
2. الحياة الاجتماعية في القرون الوسطى المسيحية.
3. التنظيم الاجتماعي الذي قام غداة الثورة الفرنسية.
وتقرير كونت يؤكد فكرته في التطور الارتقائي، ويزيد على ذلك بأن الارتقاء واضح في مظهرين :
1. حالتنا الاجتماعية.
2. طبيعتنا الإنسانية.
التقدم الاجتماعي في نظره مظهر من مظاهر التطور العقلي، وقوانينه مستمدة من قوانين تطور الفكر التي تصور انتقال التفكير الإنساني من مرحلة اللاهوتية إلى المرحلة الفلسفية الميتافيزيقية.
وعند هنري موجان في كتابه ( المجتمع القديم ) فيفترض أن مراحل التطور التكنولوجي ونظم القرابة ترتبط بمختلف المؤسسات الاجتماعية والسياسية.
لقد وضع تقدم النوع الإنساني من خلال ثلاث مراحل رئيسية للتطور :
1. المرحلة الدنيا من المرحلة البدائية، وهي تبدأ منذ نشأة الجذور الإنسانية وحتى بداية الفترة التالية.
2. المرحلة الوسطى من البدائية وهي تبدأ من مرحلة صيد الأسماك للحصول على الغذاء ومعرفة استخدام النار حتى الفترة التالية.
3. المرحلة العليا من البدائية، وتبدأ من اختراع السهم والقوس وحتى المرحلة التالية.
4. المرحلة الدنيا من البربرية وهي تبدأ منذ ابتكار صناعة الفخار إلى الفترة التالية.
5. المرحلة الوسطى من البربرية، وهي تبدأ منذ استئناس الحيوانات في نصف الكرة الشرقي، وفي الغرب منذ زراعة الذرة والنباتات بواسطة الري إلى المرحلة التالية.
6. المرحلة العلياء من البربرية، وتبدأ منذ ابتكار عملية صهر الحديد الخام مع استخدام أدوات جديدة إلى المرحلة التالية.
7. مرحلة المدينة، وهي تبدأ منذ اختراع الحروف الأبجدية المنطوقة واستخدام الكتابة حتى وقتنا الحاضر.
ب النظريات الدائرية :
يذهب أصحاب هذه النظريات إلى أن التغير يتجه صعوداً وهبوطاً في تموجات على شكل أنصاف دوائر متتابعة وبنظام مطرد، بحيث يعود المجتمع من حيث بدأ في دورة معينة.
وتنقسم النظريات الدائرية إلى :
1. بعضها يفسر جانباً محدوداً من جوانب الحياة الاجتماعية أو يشرح ظاهرة أو نظاماً اجتماعيا واحداً.
2. بعضها الآخر يهدف إلى تفسير المجرى العام للتاريخ، متناولاً جميع الظواهر والنظم والأنساق الاجتماعية دون أن يركز على ظاهرة واحدة أو نظام بذاته.
يرى ابن خلدون أن المجتمع الإنساني كالفرد يمر بمراحل منذ ولادته حتى وفاته.
وأن للدول أعمار كالأشخاص سواء بسواء، وعمر الدولة في العادة ثلاثة أجيال، والجيل أربعون سنة، فعمر الدولة إذن مائة وعشرون سنة.
وفي هذه الأجيال الثلاثة يمر المجتمع بمراحل ثلاث هي :
1. مرحلة النشأة والتكوين : وهي مرحلة البداوة، وتتميز بالخشونة والتوحش، كما تتميز بوجود العصبيات.
2. مرحلة النضج والاكتمال : وهي مرحلة الملك، وفيها يتحول المجتمع للحضارة، وتتركز السلطة في يد
شخص، أسرة أو أمة واحدة بعد أن كانت عامة وشائعة.
3. مرحلة الهرم والشيخوخة : وهي مرحلة الترف، النعيم أو الحضارة، وفيها يفقد الفرد كل العصبيات
والخشونة ويبلغ الترف ذروته، ويؤدي النعيم بالدولة إلى الانقراض والزوال، وينتهي الأمر بالمجتمع إلى الهرم.
يعتبر المفكر الإيطالي " فيكو " من أبرز مفكري القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وقد وضع نظرية دائرية في تطور المجتمعات مؤداها أن المجتمع الإنساني يمر بثلاث مراحل هي :
1. المرحلة الدينية أو الإلاهية : وفيها يرجع الناس كل شيء إلى الآلهة.
2. المرحلة البطولية : وفيها يرجع كل شيء إلى العظماء والأبطال.
3. المرحلة الإنسانية : وفيها أصبحت الجماهير أو الشعوب هي المحرك الحقيقي لكل شيء.
ويؤدي منطق نظريته إلى أن الإنسانية لا تستقر ولكنها تسير سيراً دائرياً، فعندما تستقر فترة معينة في المرحلة الأخيرة فإنها سرعان ما تعود القهقري إلى المرحلة الأولى، ولكن بشكل مغاير وبصورة أكثر رقياً.
اهتم اوزفالد شبنجلر وهو من أشهر أصحاب النظرية الدائرية في كتابه سقوط الغرب أو إنهيار الغرب بالحضارات وشبهها بحياة الكائنات الحية التي تمر بمراحل الشباب، الرشد فالشيخوخة المحتومة.
يمثل الفيلسوف أرنولد توينبي أفضل معرفة لتلك النظريات الدائرية، ويتضح ذلك بصورة جلية في كتابه دراسة التاريخ.
فقد حصر نطاق التغير في ثلاث أحوال أساسية هي :
1. حالة التوازن أو التكافؤ.
2. الانتقال إلى حالة اللاتوازن.
3. حل الأزمة أو المشكلة، أي الانتقال إلى حالة جديدة.
وقد أجمل توينبي طبيعة الانهيار الحضاري في ثلاث نقاط :
1. إخفاق الطاقة الإبداعية في الأقلية المبدعة، وعندئذ تتحول تلك الأقلية إلى أقلية مسيطرة.
2. ترد أغلبية المجتمع على طغيان الأقلية بسحب الولاء لهذه الأقلية وعدم محاكاتها.
3. يستتبع الثقة بين أقلية المجتمع الحاكمة وأغلبية المحكومة، ضياع وحدة المجتمع الاجتماعي وانهياره.
أنمـاط الثقـافة :
أولاً " الثقافـة الحسيـة :
توجد عندما تتقبل عقلية الجماهير حقيقة الأشياء ونستطيع ملاحظتها بالأعضاء الحسية، ولذلك لا تهتم الحضارة الحسية بالبحث أو الاكتشاف " المعرفة المطلقة " وإنما نحو استخدام " الأمبيريقية : ( الملاحظـة ) كمصدر للحقيقة.
ثـانياً : وجهة نظر الثقافة الصورية :
هي عبارة عن إحساس روحي، حيث تعتمد تلك الثقافة على إتجاه ديني إلى حد بعيد، ومن ثم تعتمد على الدين والوحي كمصادر للحقيقة، ولا تهتم بالجوانب الأمبيريقية.
ثـالثاً : جاءت الثقافة المثالية مزيجاً من الأنماط الحسية والصوتية :
ولكي توجد هذه الثقافة المثالية فيجب أن تتعايش أو تتصاحب عناصر الثقافة الحسية والصورية في نمط متناسق، هذا الخلق يمثل مثلثاً أبستمولوجياً.
رابعـاً : تكامل النسق الفكري " السوروكين "
الذي يطلق عليه " الثقافة المختلطة " وهو مركب من الثقافة الحسية والصورية بدون " سبب " كمصدر للحقيقة ويجب أن تعتمد هذه الثقافة إلى حد ما على الأمبيريقية، الزهد والتقشف ( الولاء ).
نظرية باريتو أو نظرية تويبني :
1. إنها تفترض مخططاً تطورياً ثابتاً على كل المجتمعات دون النظر إلى واقع هذه المجتمعات
وسياق أبنيتها الداخلية.
2. أنها تعتبر التطور عملية حتمية أو ضرورية في كل المجتمعات.
3. أنها تهمل التطور متعدد الخطوط، فالتطور أما خطي وإما دائري.
4. أنها تفترض أن التطور إما أن يكون تقدمياً أو رجعياً، وهي بذلك تمهل أشكال التطور الأخرى
الوسيطة.
الصور الحديثـة التطوريـة :
أ. نظرية مراحل النمو :
وهي النظرية التي قدمها والت روستو في كتابه، وتقوم هذه النظرية على فرضية مؤداها أن النمو الاقتصادي في المجتمعات جميعاً يمر بمراحل محددة.
وحدد روستو مراحل النمو بالآتي :
1. مرحلة المجتمع التقليدي.
2. مرحلة شروط التهيؤ للانطلاق.
3. مرحلة الانطلاق.
4. مرحلة الإتجاه نحو النضج.
5. مرحلة الاستهلاك الوفير.
ب. نظرية الالتقاء أو التقارب :
وتتأسس هذه النظرية على فرضية أساسية، هي أن العالم قد دخل إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة التصنيع الكامل، وللتصنيع خاصية جوهرية هي إنه يجعل المجتمعات متشابهة، ويخلق نظماً متشابهة.
ويقوم هذا التشابه على المظاهر التالية :
1. الإنتاج الواسع النطاق الذي يعتمد على المهارات، المنافسة وتقسيم العمل.
2. الحراك الاجتماعي الرأسي والأفقي.
3. تطور التعليم وتفرعه إلى التركيز على التعليم الفني المتخصص والتعليم الإداري.
4. التحضر وزيادة سكان المدن.
5. تحقيق درجة من الأنفاق على القيم.
6. نمو الاعتماد المتبادل وتناقص فرص قيام الحرب.
نظرية نهاية التاريخ
قدمها المفكر الأمريكي فرنسيس فوكوياما بعد سقوط الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، وتتأسس هذه النظرية على آراء هيجل التطويرية التي تنظر إلى التطور على أنه انطلاق نحو الكمال، العقل الكامل، الدولة الكاملة والقيم المطلقة، إنه تطور نحو المطلق يختمه قانون الجدل ويسعى به إلى أفضل الصور وأكملها.
الليبرالية المعاصرة :
والتي تمثلها أمريكا على أنها ألغت فكرة العلاقة بين السادة والعبيد، التي كانت موجودة بشكل أو بأخر في النظم السياسية الأخرى.
الليبرالية الديمقراطية :
التي ظهرت بعد الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية فقد " بدّلت الرغبة غير العقلانية في الاعتراف بالدولة أو الفرد، وأحلت محلها رغبة عقلانية في الاعتراف بالدولة أو الفرد، على أساس المساواة ".ويعني ذلك أن الليبرالية الديمقراطية قد حلّت معضلة الصراع التاريخي من خلال قيمة المساواة، وهي بذلك تكون قد أوقفت التاريخ عن الحركة.
ثالثاً : النظريات البنائية الوظيفية
حاولت الوظيفة أن تفهم المجتمع في ضوء ظروفه المعاصرة وفي ضوء العلاقات المتبادلة بين مكوناته.
وتعتمد النظرية البنائية في تحليلها على مفهومين رئيسيين هما :
1. مفهوم البناء.
2. مفهوم الوظيفة.
يشير مفهوم البناء إلى العلاقات المستمرة الثابتة بين الوحدات الاجتماعية.
ويشير مفهوم الوظيفة إلى النتائج أو الأثار المترتبة على النشاط الاجتماعي.
فالبناء يكشف عن الجوانب الهيكلية الثابتة.
تشير الوظيفة إلى الجوانب الدينامية داخل البناء الاجتماعي.
الوظيفة الكلاسيكية :
تشير إلى الإسهامات الوظيفية المبكرة، فهي تميل إلى النظر للتغير الاجتماعي باعتباره تغيراً توازنياً تدريجياً لا يؤدي إلى هدم البناء الاجتماعي أو تبديله، وإنما يؤدي إلى استمراره في حالة متكاملة متوازنة.
هناك إسهامين من الإسهامات الوظيفية الكلاسيكية :
1. يتغير المجتمع من وجهة نظر هربرت سبنسر في ضوء نفس القوانين التي يتحول بها عالم المادة،
التي تتحول من حالة اللاتجانس واللاتحدد الى حالة من التجانس والتحدد والانتظام.
2. أما أميل دوركايم فقد قدم نظرية في التغير الاجتماعي تشبه إلى حد كبير نظرية هربرت سبنسر، حيث انطلق دوركايم في رؤيته للتغير من منظور وظيفي يتأسس على فكرتي التباين والتضامن.
فتقسيم العمل تصاحبه ضرورة مختلفة من التباين الاجتماعي تتمثل في زيادة السكان وزيادة الكثافة الأخلاقية.
فالمجتمعات إذن تميل في تغيرها أو تطورها إلى أن تتباين في مكوناتها، بل إن حدوث أشكال من التباين يؤدي إلى زيادة الكثافة الأخلاقية ( تنوع القيم، الاتجاهات، الميول والمعتقدات ).
وهذا بدوره يؤدي إلى تقسيم العمل.
نظرية : التوازن الدينامي
تركز على فكرة التوازن الدينامي في عملية التغير الاجتماعي.
إن المجتمع عند بارسونز هو أحد الأنساق الأساسية للفعل والتي حددها في أربعة أنساق :
1. النسق العضوي.
2. نسق الشخصية.
3. المجتمع.
4. الثقافة.
والمجتمع بدوره ينقسم إلى أربعة أنساق فرعية :
1. الاقتصاد.
2. السياسة.
3. الروابط المجتمعية.
4. نظم التنشئة الاجتماعية.
والمجتمع كنسق يعيش في حالة توازن ( الكائن العضوي، الشخصية والثقافة )، وهو يتوازن من الداخل حيث يحقق أنساق علاقات منتظمة ومتوازنة.
عندما يتعرض المجتمع لحالة تغير، فإنه لا يفقد خاصية توازنه، فهذا التوازن دينامي ومستمر، لذلك فإنه يمكن للمجتمع دائماً من أن يتكيف مع التغيرات الجديدة ويدمجها داخل بنائه.
هناك نوعين من التغير الاجتماعي في المشروع البارسونزي :
أ. التغير قصير المدى :
وهي تغيرات تظهر داخل المجتمع نتيجة عوامل داخلية، أو عوامل خارجية، إن هذه التغيرات تحدث تأثيراً على حالة التوازن التي ينتظم فيها المجتمع.
فالمجتمعات لديها قدرة تكيّفية داخلية ناتجة من حالة التوازن الدينامي التي يتميز بها هذا المجتمع.
وفي ضوء هذه الرؤية فإن التغيرات قصيرة المدى داخل النسق الاجتماعي تتصف بعدة خصائص :
1. تغيرات تدريجية لا تؤدي إلى انهيار النسق أو تغيره بشكل جذري.
2. أنها ترتبط بعمليتين ملازمتين هم ( التوازن واللاتوازن ) وتعتبر الأولى دائمة، أما الثانية فهي
عملية عارضة.
3. إن جوهر التغير الاجتماعي هنا هو التباين البنائي الوظيفي، فمزيد من التغير داخل النسق الاجتماعي يعني تباين مكوناته وتعدد وظائفه.
4. أن الاتفاق العام على القيم وأدوات الضبط الاجتماعي هما اللذان يحفظان للنسق الاجتماعي توازنه وتغيره الوئيد.
ب. التغيرات بعيدة المدى :
وهي تغيرات واسعة النطاق تحدث على فترات متباعدة، ولقد فسر بارسونز هذه التغيرات من خلال مفهوم العموميات التطورية، ويقصد بالعمومية التطورية التجديد البنائي الذي له قدرة على الاستمرار والبقاء، ويخلق بدوره تجديدات وتطويرات أخرى.
ج. نظرية التحديث الوظيفية :
يحدث التغير الاجتماعي في هذه الأبنية التقليدية من خلال عوامل خارجية ناتجة عن عملية اتصالها بمصدر الثقافة الحديثة الغريبة، فالاتصال الثقافي بالحضارة الغربية يؤدي إلى نشر الثقافة الحديثة في شكل دوائر تتسع باستمرار إلى أن تشمل قطاعات المجتمع بأسره.
فعندما يحدث هذا الاتصال تبدأ الثقافة التقليدية في الخروج من جمودها وتشهد عمليات تباين واسعة النطاق تؤدي إلى تغيرها لكي تقترب من النموذج المثالي القائم في المجتمعات الغربية.
إن التغير الاجتماعي المرتبط بعمليتي التنمية والتحديث ليس تغيراً جذرياً بل هو تغير تدريجي ( خطّي وتقدّمي ).
رابعـاً : النظريات المادية التاريخية :
تركز على التغيرات الثورية التي تنقل المجتمع من حالة إلى حالة متناقضة، فالمادية التاريخية تركز على الصراع والتناقض.
فالصراع هو المحرك الأساسي للمجتمع، وتاريخ المجتمعات هو في التحليل الأخير، تاريخ الصراعات بين الطبقات.
أ. النظرية الماركسية :
تنظر الماركسية إلى الحياة الاجتماعية على أنها دائبة الحركة، وتمثل حركتها شكلاً خاصاً من أشكال حركة المادة، حيث إنها تحتوي في داخلها على دوافع التغير وتنطبق عليها نفس قوانين حركة المادة.
يتأسس المجتمع على أساس اقتصادي ينحصر في علاقات الإنتاج وأنماط الإنتاج السائدة في المرحلة التاريخية، أي أن الاقتصاد هو الركيزة الأساسية التي يرتكز عليها المجتمع.
ولقد ميز ماركس في تاريخ المجتمعات بين خمس مراحل تبدأ بـ :
1. المرحلة البدائية أو المشاعية البدائية.
2. مرحلة الإنتاج الأسيوي.
3. المرحلة الإقطاعية.
4. المرحلة الرأسمالية.
5. المرحلة الشيوعية.
فينظر ماركس إلى الصراع الطبقي على أنه حالة طبيعية في المجتمعات.
ب. نظرية التنمية التابعة :
ترتبط هذه النظرية بتوصيف التغير الاجتماعي في دول العالم الثالث، إن البناء الاجتماعي في دول العالم الثالث هو بناء متخلّف، تابع محكوم بنمط معين لتقسيم العمل الدولي.
عوائق التغير الاجتماعي
- عوائق اجتماعية0
- عوائق اقتصادية0
- عوائق ايكولوجية0
- عوائق سياسية0
أهم العوائق الاجتماعية :
1ـ الثقافة التقليدية :
أ ] طبيعة البناء الطبيعي
ب ] الميل للمحافظة على الامتيازات
ج ] عزله المجتمع
د] المحافظة على القيم والخوف من التغير
هـ ] تماسك الجماعه
و ـ عدم التجانس في تركيب المجتمع
ـ أما راي طاحون في كتابه التغير الاجتماعي أن العوائق الاجتماعيه هي :
أ ] الإلتزام المتبادل داخل الأسرة والجماعات القرابيه والأصداقاء
ب ] ديناميكيات الجماعه الصغيره
ج ] الرأي العام
2ـ النزاعات
أ ] التحزبات
ب ] ذوو المصالحة الخاصة ( الجماعات المصلحية )
ج ] مصادر السلطة
أهم العوائق الاقتصادية :
1ـ ركود حركة الاختراعات والاكتشافات العلمية
2ـ التكلفة المالية
3ـ محدودية المصادر الاقتصادية ، خصائص الاقتصاد المتخلف :ـ
أ ] أنه اقتصاد تقليدي
ب ] يتصف الاقتصاد المديني فيه بضعف الإنتاج
ج ] يتميز باقتصاد الشركات متعددة الجنسيات .
أقسام العوائق السياسية :
1ـ عوائق سياسيه داخليه
2ـ عوائق سياسة خارجيه
*العوائق السياسية الداخلية :
1ـ ضعف الأيدولوجية التنموية
2ـ تعدد القوميات
3ـ عدم الاستقرار السياسي
*العوائق السياسية الخارجية :
1ـ السياسية الامبريالية
2ـ الحروب الخارجية
*العوامل المنشطة لأحداث التغير الثقافي :
1ـ البيئة أو المكان
2ـ العوامل التاريخية
3ـ العوامل النفسية
4ـ نوعيه التراث وطبيعته
5ـ التواكل
6ـ معايير التواضع السائدة
7ـ تضارب السمات الثقافية
8ـ النتائج غير متوقعه للتجديد
9ـ المعتقدات الشعبية
10 ـ القيم والاتجاهات والتقاليد: التقاليد ، الاعتقاد في الحظ والنصيب ،التعقب الثقافي ، الشعور بالعزة والكرامة ، معايير التواضع
*المعوقات الثقافية للتغير حسب رأي عدلي أبو طاحون :
القيم والاتجاهات - البنيان الثقافي - الأنماط الحركية
*العوائق السيكولوجية :
1- التباين التصوري والإدراكي بين الثقافات :
الاتجاه إلى الحكوميين
النظرة إلى الهدايا
الاختلاف التخيلي للأدوار
اختلاف النظرة إلى الغرض الحقيقي
2ـ المشاكل الاتصالية :
مشاكل اللغة - مشاكل إيضاحية- مشاكل التعلم
دراسات عربية في التغير الاجتماعي
في القسم الأخير تناول الكاتب فيه عدة دراسات عربية حول التغير الاجتماعي و تمثلت في
دراسة حسن الساعاتي0
دراسة محمد علي محمد0
دراسة عبدالكريم النصار التصنيع و اثره في حفر التغير الاجتماعي في مدينة بغداد .
دراسة عبدالباسط حسن0
دراسة محمد الدقس0
والله الموفق.
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية العلوم الاجتماعية
قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
ملخص كتاب :
التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق للدكتور محمد الدقس
معلومات نشر الكتاب:
اسم الكتاب: التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق
المؤلف : الدكتور محمد الدقس
الناشر: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان.
سنة النشر : 2005م.