بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمــة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، ورضي الله عن الصحابة والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
فقد أكرمنا الله – تعالى – و أعزنا بالإسلام ، ليخرج الناس من الشرك إلى الإيمان ومن الظلم إلى العدل ، ومن الضلال إلى الهدى ، ، فأرسل رسوله بالهدى ودين الحق ، فبلغ الأمانة ، وأدى الـرسالة ، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأقام دولة الحق والعدل في الأرض .
قال تعالى: " لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ"(1)
و يعد القضاء أحد أهم المعالم البارزة للدولة ، ويعدّ أحد السلطات الثلاث في الأنظمة المعاصرة ، ويقع على عاتقه مهمات كبيرة في حفظ الأمن ، وحماية الأنفس والأموال والأعراض ، ويناط به تطبيق الأنظمة والأحكام التي تقوم عليها الدولة، ويتولى حفظ الحقوق ، ومنع الاعتداء ، ويحرص على إلزام الناس بالقيام بواجباتهم التي تنص عليها الشرائع والأنظمة ، وذلك ضمن نظام محدد ، وضوابط مقررة، وقواعد خاصة يبينها نظام القضاء .
قال الله تعالى: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ...." الآية (2). وقد تبوأ القضاء الإسلامي مكاناً عالياً في تاريخ الإسلام والمسلمين ، وكان القضاة مَضْرب المثل في النزاهة والتجرد ، وإقامة العدل ، وتنفيذ الحدود ، لذلك حرصت الدولة السعودية منذ نشأتها على السير على خطا القضاء الإسلامي في تنظيمه، وإجراءاته، وأحكامه، لتحقيق الأهداف التي أنيطت به.
ولمـا قامـت المملكة العربية السعودية (الدولة السعودية الثالثة) في هـذا العصر التزمت الإسلام ديناً ، والقرآن دستوراً ، والشريعة الإسلامية تنظيماً وتشريعاً ؛ لأن الإسلام دين الله الخالد ، ويصلح لكل زمان ومكان ، ويحقق الفوز والعزة والنصر لمن يقصده ، واتجهت المملكة إلى تنظيم القضاء ليكون تطبيقاً عملياً لنظام القضاء الإسلامي ، مع التطور والتوسع فيه بما يتفق مع حاجات العصر ، وتوسع أعمال الدولة ، وكثرة المنازعات والدعاوي ، واعتمـدت المملكة في ذلك مـنهج التدرج والتطوير، وأصدرت أنظمة عدة ترسم للقضاة منهجهم ، على ضوء الشريعة الإسلامية ، و في هذا الإطار يأتي هذا البحث الذي يتناول بالدراسة و التحليل : تطور القضاء في عهد الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله- خاصة و أنه رحمه الله قد أولى عناية خاصة بالقضاء.
وسبب اختياري لهذا الموضوع للطرح و الدراسة هو أهمية القضاء ومكانته في التشريع الإسلامي , و أردت أن أدرس تطور القضاء خلال فترة زمنية مهمة من تاريخ المملكة العربية السعودية الحديثة وربما استطيع من خلال بحثي أن أستجلي بعض الأمور التي قد تكون مجهولة من قبل البعض , أو ربما استطيع أن ألقي مزيد من الضوء حول بعض الجوانب التي قد يكون غفل عنها المؤرخين فيما يتعلق بهذه الفترة المهمة من تاريخ بلادنا الحبيبة...
والله ولي التوفيق ...
تمهيــد: القضاء في عهد الملك عبد العزيز – رحمه الله -:
قامت الدولة السعودية المباركة منذ بواكيرها في قلب الجزيرة العربية ، تحمل رسالة الإسلام ، وتحكم بشريعته في سائر شؤون الحياة ونشاطاتها البشرية المختلفة ، فقد تأسست الدولة السعودية الأولى بعد لقاء الأمير محمد بن سعود - رحمه الله - أمير الدرعية بالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وتعاقدهما على القيام بنصرة دين الله ونشر عقيدة التوحيد الخالص لله رب العالمين ، والجهاد في سبيل ذلك في عام 1157هـ في بلدة الدرعية و قد نهض الإمامان الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - بالدعوة إلى التوحيد وتحكيم الشريعة ، ونبذ أعراف الجاهلية ، ومنابذة أهلها وحماتها حتى تحققت العزة والنصر والتمكين للحق وأهله ، وقد تتابعت الجهود وتوالت من نسل الإمامين وأبنائهما وأتباعهما حتى سادت الدعوة وعمت أرجاء الجزيرة العربية ، وانتشر نور التوحيد ، وأقام حكّام الدولة السعودية أحكام الشريعة وتآلف الناس تحت ظلال هذا الحكم الوارف.
و في عصر الدولة السعودية الحديثة اعتنى الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله - منذ بدايات تأسيسه للمملكة العربية السعودية بتنظيم أحوال الدولة ومؤسساتها وترسيخ قواعد وأصول الإجراءات المنظمة لأعمالها ، وقد كان لمرفق القضاء ومؤسساته حظ وافر من هذه العناية والاهتمام حيث كان القضاء لا يزال على صفة من البساطة وأعماله تسير وفق نمط عادي و تقليدي كما كان في العهود السابقة – و قد استغرق ذلك الوضع الثلث الأول من حياة الملك عبد العزيز(1) - يخلو في كثير من جوانبه الشكلية عن التنظيم والترتيب ، وكانت الإجراءات القضائية مبسطة وميسرة تلائم طبيعة المجتمع في ذلك الوقت ، ولئن وجد في بعض المناطق كالحجاز والإحساء مثلاً شيء من موروثات التنظيم السابقة فلم تكن دقيقة أو كافية بل تحتاج إلى مزيد من التطوير والعناية والمراجعة والتصحيح ، وقد بدأ الملك المؤسس عبد العزيز - رحمه الله - بترتيب وتنظيم أوضاع المحاكم باتخاذ عددٍ من التدابير والخطوات شملت عدداً من البلاغات والإعلانات وصدور جملة من التنظيمات يمكن إجمالها بما يلي :
هيمنة القضاء واستقلاله:
أعلن الملك عبد العزيز - رحمه الله - بمكة المكرمة في جريدة أم القرى بعددها رقم 3 في 29/5/1343هـ : "أنه عيّن للقضاء الشيخ محمد المرزوقي وقد عادت الدعاوي في المحكمة الشرعية تسير ضمن الأحكام الشرعية . وتعلن الحكومة بأنه لا يجوز لأحد من الناس كائناً من كان أن ينظر في شأن أي قضية من القضايا التي قدمت للمحكمة الشرعية للنظر فيها . والحكومة ترغب أن ترى المختصمين يختصمان أمام القضاء ليجري حكم الشرع في القضايا بغير محاباة ولا مراوغة" . وفي هذا الإعلان يفرض الملك عبد العزيز – رحمه الله – هيمنة القضاء على مختلف النزاعات والخصومات ، وشموله للفصل في سائر الحكومات إقامة لحكم الشرع المطهّر في عموم القضايا لدى جهة القضاء والحكم حيث لا محاباة ولا مراوغة ، وفي ترسيخ هذا الأصل وتقريره حفظ لاستقلالية القضاء ، وسيطرة جهة العدالة على موارد المنازعة ، وتوحيد جهة الحكم بحيث لا يسمح لأحد أن يتدخل في المنازعات سوى الجهة المعنية بقطع الأحكام مما يظهر هيمنة القضاء وقيامه بدوره في حياة الناس بأثر فاعل ، كما يعطي نوعاً من الطمأنينة إلى سلامة مجرى العدالة وصحة أساليب تحقيقها .
مصادر الأحكام :
مما عني به المؤسس الأول عبد العزيز – رحمه الله – في جانب القضاء تحديد مصادر الأحكام ، حيث أوضح في خطابه المنشور في جريدة أم القرى بعددها رقم 32 في 16/1/1344هـ أن أحكام الإسلام هي الركيزة الأساس للحكم ، وستظل السراج المنير التي يهتدي بهديها السارون ، ويستضيء بنورها المدلجون ، وأن الإسلام دين جاء لما فيه صلاح الناس في الدنيا والآخرة ، وأن من أراد سعادة الدارين من الأفراد والجماعات فما عليه إلا أن يفهم حقيقة الإسلام وأحكامه ، ويسعى للعمل بها حتى يكون في هناء وسعادة ورفاه .
وقد كان نظر الملك عبد العزيز – رحمه الله – في الأحكام من ناحية الموضوع يتوجه إلى عدم تقييد المحاكم بمذهب معيّن مراعاة لمصلحة القضاء ، وإفادة من سعة الدراسات الفقهية وتعدد الأقوال في المسائل لاستيعاب ألوان الحوادث والنوازل بما يناسبها ويحقق مصالحها ، ولذا أعلن – رحمه الله – في خطابه للجمعية العمومية المنشور في 7/2/1346هـ : "بأن النظر في شؤون المحكمة الشرعية وترتيبها على الوجه المطابق للشرع على شرط أن يكون من وراء ذلك نجاز الأمور ومحافظة حقوق الناس على مقتضى الوجه الشرعي ، أما المذهب الذي تقضي ؟ به فليس مقيداً بمذهب مخصوص بل تقضي على حسب ما يظهر لها من أي المذاهب كان ولا فرق بين مذهب وآخر .. " .
ومع إفساح الملك عبد العزيز – رحمه الله – النظر للقضاة لإعمال ما ترجح من الأقوال من عموم المذاهب فقد رسم – رحمه الله – قاعدة عامة للأحكام بان تجري في العموم على وفق المفتي به من مذهب الإمام أحمد ابن حنبل – رحمه الله – (1)وفي حال الخروج إلى قول آخر في مذهب غيره فيذكر دليله ومستنده 00 كما حدد – رحمه الله – المصادر المعتمدة في الفقه الحنبلي والتي تُراعى كمرجع للأحكام.
وقد اعتمد الملك عبد العزيز – رحمه الله – مراجع الفقه الحنبلي لغلبته في البلاد ، وسهولة مراجعة كتبة ، ووضوح الاستدلالات فيها .
تشكيل مؤسسات القضاء
أسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - بتاريخ 24/7/1344هـ تشكيلاً لدائرة رئيس القضاة بمكة المكرمة ليتولى الإشراف على القضاء والقضاة وما يصدر عنهم من أحكام ، ويشتمل التشكيل على مسميات الوظائف التالية :
رئيس القضاة . رئيس الكتاب . رئيس التدقيقات الشرعية . أعضاء وكتاب وخدم .
وقد عيّن - رحمه الله - فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد - رحمه الله - رئيساً للقضاة ومشرفاً على أعمالهم في الحجاز وما يتبعه .
وفي العدد 64 من جريدة أم القرى الصادرة بتاريخ 5/9/1344هـ تحت عنوان (تشكيلات القضاء) أعلن تنظيم رئاسة القضاة في الحجاز .
رئاسة القضاة
في غضون فترة التأسيس للقضاء وتنظيمه في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – تولى رئاسة القضاء في المنطقة الغربية والجنوبية سماحة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ – رحمه الله –، بينما تولى رئاسة القضاء في المنطقة الوسطى والشرقية والشمالية سماحه الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية في ذلك الوقت – رحمه الله – وفي عام 1379هـ وبعد وفاة سماحه الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – رئيس القضاة في المنطقة الغربية والجنوبية أصدر الملك سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله – أمره بتوحيد رئاستي القضاة تحت رئاسة واحدة تولاها مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها سماحه العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ – رحمه الله – وبذلك توحدت رئاسة القضاة تحت نظر واحد مما كان له أثر إيجابي ظاهر في اتساق الأوامر والتعليمات الصادرة لقضاة المحاكم واتحاد النظر في الإجراءات وتدقيق الأحكام في عموم محاكم المملكة مما أعطى فرصة عملية نحو توحيد صيغ العمل القضائي وأنماطه وفق منهجية واحدة (1).
ومع اتساع مناشط الحياة في المملكة كثرت القضايا المعروضة على المحاكم وازداد منسوب الأحكام الصادرة منها مما ظهرت معه حاجة ملحة إلى تخصيص محكمة مستقلة تقوم بعمل تميز الأحكام ومراجعتها والنظر فيها فصدر توجيه الملك سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله – بتأسيس محكمة التمييز بالرياض 1381هـ وافتتاح فرع لها في مكة المكرمة. كما ظهرت الحاجة إلى وجود هيئة قضائية عليا بعد وفاة رئيس القضاة علامة الديار ومفتيها سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف – رحمه الله – عام 1389هـ تختص بتولي شؤون القضاة من الناحية القضائية وتشرف على الأحكام إشرافاً عاماً، وتعنى بدراسة ما تحتاجه المحاكم من مبادئ قضائية ومسائل مشكلة،لذا صدر أمر الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – عام 1390هـ بتشكيل الهيئة القضائية العليا لتحل في مهمتها محل رئاسة القضاة وباشرت الهيئة مهمتها لمدة خمس سنوات حتى تم تشكيل مجلس القضاء الأعلى .
تشكيل الدوائر القضائية التابعة لوزارة العدل
عقب مسيرة تاريخية متأنية منذ عهد الملك عبد العزيز – رحمه الله – تسلسل خلالها تطور طبعي منسق لدوائر القضاء في المملكة العربية السعودية إلى أن استقرت أوضاعها على وفق تنظيم فريد يشكّل نسقاً هرمياً لتشكيلاتها بحيث تكيفت على النظام الآتي :
وزارة العدل "وتشرف على دوائر القضاء إدارياً"
مجلس القضاء الأعلى ويشرف على دوائر القضاء قضائياً ويتولى تدقيق القضايا المنصوص عليها في نظام القضاء من خلال هيئة الدائرة كما يتولى مهامه حيال تعيين وترقية ونقل القضاة ونحو ذلك مما نص عليه نظام القضاء من خلال هيئته العامه .
محكمة تمييز الأحكام الشرعية
المحاكم بأنواعها
كتابات العدل (1).
المبحث الأول :
تنظيم القضاء في فترة حكم الملك خالد .
المذهب المعتمد في القضاء .
استقلال القضاء .
ترتيب المحاكم.
المبحث الأول :
تنظيم القضاء في فترة حكم الملك خالد :
أتخذ القضاء في شبه الجزيرة العربية و قبل تأسيس المملكة العربية السعودية عدة أنواع حيث كان في الحجاز متطوراً ، وأَرقى من بقية أجزاء المملكة ؛ لأن الحجاز كان يطبق الشريعـة الإسلاميـة إضافة إلى الإصلاحات النظامية التي وضعتهـا الدولة الـعثمانية فـي الـقرن التاسع عشـر(1). وفي نجد استمر القضاء على نظامه التقليدي المتوارث في إنهاء النزاع بحسب الشرع والعرف السائد ، وكان يتولى الفصل في الخصومات القاضي والأمير ، فالأمير يسعى لمصالحة الخصمين ، وإلا أحال القضية إلى القاضي ، فإن أصدر حكمه ردّه إلى الأمير لتنفيذه (2). وكان من أنواع القضاء أيضا النظام القبلي الذي تطبقه القبائل ، ويقوم على العرف السائد والسوابق القضائية ، ويقوم بالقضاء رجال مشهود لهم بالحكمة والاطلاع على العادات القبلية ، وإن حدث نزاع بين قبيلتين لجؤوا إلى التحكيم(3) وبعد قيام المملكة العربية السعودية ألغيت هذه الأنواع الثلاثة تدريجياً ، وتم توحيد القضاء بشكل واحد في جميع أنحاء المملكة.
وكانت الخطوة الأولى نحو تحقيق العدل وتنظيم المحاكم بإصدار المرسوم الملكي في 4 صفر 1346هـ/1927م في 24 مادة باسم « نظام تشكيلات المحاكم الشرعية » الذي تم بموجبه تنظيم المحاكم ، وتصنيفها ، وتحديد اختصاصاتها القضائية ، وصنف هذا المرسوم المؤسسات القضائية ثلاث درجات ، وهي : المحاكم المستعجلة . المحاكم الشرعية . هيئة المراقبة القضائية .ومن ثم تعددت الأنظمة والأوامر الخاصة بها في عهد الملك عبد العزيز الى القضاء في عهد الملك خالد حيث صدر نظام القضاء الجديد في المملكة موضوع دراستنا هذه
وكان قد صدر « نظام القضاء » بهذا الاسم في المملكة برقم (م/64) وتاريخ 14/7/1395هـ ، ويعد هذا النظام تطـوراً عظيماً في التنظيم القضائي في المملكة ، وتغييراً جذرياً في الصياغة ، وترتيب المحاكم ، وشروط تعيين القضاة، وما يتعلق بهم، مع الإسهاب والتبسيط ،(4)على حين تحدث (نظام القضاء) عن كتاب الـعدل باختصار ، على أن تصدر لائحة خاصة بهم ، وسكت « نظام القضاء » عن كتاب المحاكم والمحاضرة ومأموري بيت المال ، إلا في مادة واحدة ( م97 ) التي تنص على أنه « يعد من أعـوان القضاء كتاب العدل ، والمـحضرون ، والمترجمون ، والـخبراء ، ومأمورو بيوت المال » ، كما تعرض « نظام القضاء » للحديث عن وظيفة وزارة العدل ، وإنشاء إدارة فنية فيها ، كما نص صراحة على استقلال القضاء وضماناته ، وقد اقترن المرسوم الـملكي عند الموافقة على « نظام القضاء » الجديد بتشكيل هيئة من مجلس القضاء الأعلى ، ومن القضاة ، برئاسة وزير العدل ، للنظر– استثناء ولمدة سبع سنوات – في إحالة من ترى عدم صلاحيتهم لتولي القضاء على التقاعد ، كما يستثنى خلال سبع السنوات من التقييد في الأقدمية عند ترقية القاضي إلى درجة أعلى في السلك القضائي .
وجـاء « نظام القضاء » الجديد في مائة مادة ومـادتين ، وينقسم سبعة أبواب ، وهي:
الباب الأول : استقلال القضاء وضماناته ( م 1 – 4 ) . الباب الثاني : المحاكم ( م 5 – 36 ) . الباب الثالث : القضاة ( م 37 – 86 ) . الباب الرابع : وزير العدل ( م 87 – 89 ) . الباب الخامس : كتاب العدل ( م 90 – 96 ) . الباب السادس : موظفو المحاكم ( م 97 – 100 ) . الباب السابع : أحكام عامة انتقالية ( م 101 – 102 ) .
وهذا النظام الجديد للقضاء في المملكة جاء بأشياء جديدة كثيرة ، وأحدث تطوراً جديداً في نظام القضاء ، وغير الأساس القائم في ترتيب المحاكم ودرجاتها وأسمائها التي وجدت مع المرسوم الملكي عام 1346هـ /1927م ، واستمرت دون تغيير في المراسيم الملكية التي صدرت فيما بعد ، كما غيّر « نظام القضاء » الجديد بعض النواحي الشكلية واللفظية ، مثل اسم النظام من « نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي واختصاصه » إلى « نظام القضاء » وغير اسم المحاضرة إلى المحضرين ، وجاء النص على « الأحوال الشخصية» في ( المادة 10 ) بدلاً من الأنكحة ، وذكر القضايا الجزائية بدلاً من الحدود والقصاص والتعزيرات ، كل ذلك يجعله قريباً جداً من أنظمة القضاء في البلاد العربية الأخرى كمصر وسوريــــة ، كما أحـــــال في كثير من المواد إلى نظـــام المرافعات وخاصة ( المادة 101 ) علماً بأن النظام المطبق يسمى باسم « تنظيم الأعمال الإداريـة فـي الـدوائر الشــرعية » ممـا يـوحي بأنه سيصدر نظام جديد باسم « نظام المرافعات » ،وهو العنوان المعمول به في أكثر الدول العربية.(1)
كما نص على أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للـمحاكم ( المادة 36 ) ، متوافقا مع المادة الرابعة من « التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية » الصادرة بأمر ملكي بتاريخ 21/2/1345هـ ، وقد نصت على " أنَّ اللـغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة " كما جاء النص على ذلك في النظام الأساسي للحكم ، ثم جـاء التأكيد على استعمال اللغة العربية ، وعـدم جواز استعمال غيرها في المادة (482) من نظام المحكمة التجارية ونص « نظام القضاء » الجديد على علنية المحاكمة ( م 33 ) ، وأن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها ، وعلى بيان مستند الحكم ( م34 ) ، وأن الـمحاكم تتألف من محكمة التمييز والمـحاكم العامة والمحاكم الـجزئية ( م 5 )، ونص صراحة على اعتبار كتاب الضبط والمحضرين والمترجمين والخبراء ومأموري بيت المال ، نص على أنهم من أعوان القضاء ، ومن موظفي المحاكم ، وجاء النص على المترجمين والخبراء لأول مرة في التنظيم القضائي
ولنا قبل أن ندخل في المبحث الثاني الوقوف على المذهب المعتمد في القضاء وفق ما أقر من تشريعات ومراسيم بهذا الخصوص .
المذهب المعتمد في القضاء :
إن الأصل الشرعي عند القاضي أن يحكم بما أنزل الله في الكتاب والسنة ، وأنه يجب أن يجتهد، ويستنبط الأحكام من مصادر التشريع الإسلامي إذا توافرت فيه شروط الاجتهاد وأهلية الاستنباط ، لقوله تعالى : " إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ" النساء/105 ، وقوله تعالى : " فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ" (1)، وقوله تعالى : " وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ" (2)، وأنه لا يجب على القاضي أن يلتزم بمذهب معين ، وأنه لا إلزام إلا ما ألزمه الله ، ثم صار العمل أن يتقيد القضاة بأحد المذاهب للحكم بما توصل إليه أئمة المذهب من الاجتهاد والاستنباط من مصادر الأحكام .
وفي أول قرار خاص بالقضاء صدر في 18 شعبان 1342هـ من رئيس القضـاة بعنوان « تشكيلات القضاء – مواد إصلاحية » نصت المـادة (9) منه أنه « يُحضر من المذاهب الأربعة معتمدات الكتب لمراجعة ما يلزم »(3).
ولما افتتح الملك عبد العزيز الجمعية العمومية في أول صفر سنة 1346هـ / 30 يوليو/تموز 1927م قال عن شؤون المحكمة الشرعية : « أما المذهب الذي تقضي به فليس مقيداً بمذهب مخصوص ، بل تقضي على حسب ما يظهر لها من أي المـذاهب ، ولا فرق بين مـذهـب وآخر ». وأسفرت الجـمعية العمومية عن « إصدار المرسوم الملكي في 14 صفر 1346هـ الخاص بنظام تشكيلات المحاكم الشرعية » ،ولم يُنص فيه على تطبيق أي مذهب .
إذ قال الملك عبد العزيز في خطاب عام : « لا نتقيد بمذهب دون آخر ، ومتى وجدنا الدليل القوي في أي مذهب من المذاهب الأربعة رجعنا إليه ، وتمسكنا به ، أما إذا لم نجد دليلاً قوياً أخذنا بقول الإمام أحمد »(1)
ومما جاء في قرار الهيئة القضائية عدد 3 في 7/1/1347هـ ، المقترن بالتصديق العالي بتاريخ 24/3/1347هـ أن " أن يكون مجرى القضاء في جميع المحاكم منطبقاً على المفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ؛ نظراً لسهولة مراجعة كتبه ، والتزام المؤلفين على مذهبه ذكر الأدلة إثر مسائله"
وإذا صار جريان المحاكم الشرعية على التطبيق المفتى به من المذهب المذكور، ووجد القضاة في تطبيقها على مسألة من مسائله مشقة ومخالفة لمصلحة العموم، يجري النظر والبحث فيها من باقي المذاهب بما تقضيه المصلحة ، ويُقرر السير على ذلك المذهب مراعاة لما ذكر »(2)
كما ذكرنا سابقا كان قد صدر « نظام القضاء » بتاريخ 14/7/1395هـ ، وهو المعمول به حالياً في جميع أطراف المملكة ، ويعد هذا النظام تطـوراً عظيماً في التنظيم القضائي في المملكة ، وتغييراً جذرياً في الصياغة ، وترتيب المحاكم ، وشروط تعيين القضاة.
استقلال القضاء :
كانت قد نصت المادة الأولى من « نظام القضاء » على أن « القضاة مستقلون ، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية ، وليس لأحد التدخل في القضاء ».
وهذا يعني أن القضاء مستقل عن السلطتين التنفيذية والتنظيمية، ولا يحق لأحد المسئولين في السلطتين أن يتدخل في أعمال القضاء ، أو أن يكون له امتياز وأفضلية على غيره في الدعاوى والحقوق والأحكام ، فجميع المواطنين متساوون أمام القضاء .
وقد أكد ذلك بمظاهر متعددة ، وأحكام كثيرة ، كتحديد الإشراف على المحاكم ، ونقل القضاة أو ندبهم ، وتأديب القضاة ... ، وغـير ذلك كمجلـس القضاء الأعلى ( م7 ، 55 ، 73 ) ، وأنه لا يجوز مخاصمة القضاة إلا وفق الشروط والقـواعد الخاصة بتأديبهم ( م 4 )، وأن القضاة يتمتعون بالحصانة القضائية ( م 2 ) ،ويتم تعيينهم وترقيتهم في درجات السلك القضائي بأمر ملكي بناء على قرار مجلس القضاء الأعلى ، دون أن يتدخل في ذلك جهاز الخدمة المدنية أو إحدى السلطات الأخرى ( م53 ) ؛وذلك حتى لا تستغل هذه السلطات نفوذها في التأثير على القاضي في أداء واجبه ، وأن تدخّل أحد الموظفين ، ولو كان وزيراً ، في شؤون القضاء يعد جريمة يـعاقب عليها ، كما مرّ في محاكمة الوزراء ، وهـذه ضمانات مهمة ، ليكون القضاء مأمون الجانب ، ومستقلاً في عمله ، ولا يهدده خطر خارجي من بقية السلطات ، فتزعزع كيانه ، وتجعل القاضي متوجساً وخائفاً على عمله ووظيفته ورزقه واستقراره ، وصار القضاء مع هذه الحصانة يهدف إلى إقامة العدل فحسب ، وهو ما ينشده الشرع الحكيم ، ويهدف إليه المتقاضون ، ويقصده شداة الحق والعدل(1).
ترتيب المحاكم :
من اهم ما جاء في نظام القضاء الجديد في عهد الملك خالد هو ترتيب المحاكم وتتـكون المحاكم في « نظام القضاء » الجديد من أربعة أنواع ، وهي : مجلس القضاء الأعلى، ومحكمة التمييز ، والمحاكم العامة ، والمحاكم الجزئية ، وتختص كلٌّ منها بالمسائل التي ترفع إليها طبقاً لهذا النظام ( م5 )، ويجوز إنشاء محاكم متخصصة بأمر ملكي ( وهي هيئات القضاء المستقلة ) بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى ( م26 ) . وسنرى في الصفحات اللاحقة التعرف على هذه الأنواع الأربعة :
1– مجلس القضاء الأعلى :
وهو في قمة الترتيب القضائي في المملكة ، وله اختصاص قضائي أحياناً ، مع الحق الكامل في الإشراف على المحاكم والعمل القضائي عامة . ويتألف المجلس من أحد عشر عضواً ، خمسة متفرغين بدرجة رئيس محكمة تمييز، يعينون بأمر ملكي ، ويكوّنون هيئة المجلس الدائمة ، ويـرأسها أقـدمهم فـي السلك ، وخمسـة أعضاء غيـر متفـرغين ، وهـم رئيس محكمة التمييز أو نائبه ، ووكيل وزارة العدل، وثلاثة من أقدم رؤساء المحاكم العامة في مكة والمدينة والرياض وجدة والدمام وجـازان ، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى
ويختص مجلس القضاء الأعلى في النظام الجديد بالإشراف على المحاكم ، وتقرير المبادئ العامة الشرعية في المسائل التي يراها وزير العدل ، مع إبداء النظر في مسائل القضاء، بناء على طلب الوزير ، ومراجعة الأحكام الصادرة بالقتل أو القطع أو الرجم، وتأديب القضاة . وقد ألحقت قضايا الخطف، والسطو بهذه القضايا أيضا، والتي تتم مراجعتها من قبل مجلس القضاء الأعلى عملا بالموافقة الملكية الصادرة بتاريخ 5 / رمضان / عام 1402هـ
وتنظر الهيئة الدائمة المكونة من الأعضاء المتفرغين في بعض الأمور ، على حين ينظر مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة في مسائل أخرى.(1)
2– محكمة التمييز :
تتألف محكمة التمييز من رئيس وعدد كاف من القضاة ، على أن يكون بعضهم نواباً للرئيس بحسب الحاجة والأقدمية .
وتتكون محكمة التمييز من ثلاث دوائر يرأس كلاً منها الرئيس أو أحد نوابه ، وهي:
أ- دائرة لنظر القضايا الجزائية .
ب- دائرة لنظر قضايا الأحوال الشخصية .
ج- دائرة لنظر القضايا الأخرى ، ويجوز أن تتعدد الدوائر في محكمة التمييز بقدر الحاجة ( م10 ) .
ويكون مقر محكمة التمييز في الرياض ، ويمكن لدوائر محكمة التمييز أن تعقد جلساتها في مدينة أخرى، كما يمكن فتح فروع لها في المدن الأخرى عند الحاجة (م12).
ويؤلف في محكمة التمييز هيئة عامة من جميع قضاتها العاملين فيها ، وتختص بالنظر في ترتيب دوائر محكمة التمييز وتأليفها ، وللنظر في المسائل المحالة إليها ، أو لتعديل اجتهاد إحدى الدوائر عن حكم سابق ، وتدقيق الأحكام الصادرة من المحاكم الشرعية.(2)
وتصدر القرارات من محكمة التمييز من ثلاثة قضاة ، إلا في قضايا القتل والرجم والقطع فتصدر من خمسة قضاة ( م13 )، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة ( أي بالزيادة علـى النصف ) ، وعنـد التساوي يرجح جانب الرئيس ( م19 ) ، أما عند النظر في العدول عـن اجتهاد إحـدى الدوائر فيصدر القرار بأغلبية الثلثين بالموافقة ، وإلا أحيـلت القضية إلى مجلس القضاء الأعلى ليصدر قراره فـي ذلك ( م14 ) .
ويعد قرار الهيئة العامة نهائياً بموافقة وزير العدل عليه في الأمور الإدارية : كترتيب الدوائر وتحديد اختصاصاتها، فإن لم يوافق عليه أعاده إليها للنظر فيه مرة أخرى ، فإن استمر الخلاف بين الهيئة ووزير العدل عرض الأمر علـى مجلس القضاء الأعلى ، للفصل فيه ، ويعد قراره نهائياً ( م20 ) ، وتثبت محاضر الجلسات للهيئة العامة في سجل يعدّ لذلك ، ويوقع عليه من يرأس المحكمة وأمين السر ( م21 ) .
3– المحاكم العامة(3):
تؤلف المحاكم العامة من قاض أو أكثر ، ويتمُّ تأليفها ، وتعيين مقرها ، وتحديد اختصاصها ، بقرار من وزير العدل ، بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى ( م22 ) ، ويصدر الحكم فيها من قاض فرد ، إلا في قضايا القتل والرجم والقطع ، فيجب أن يصدر من ثلاثة قضاة ( م23 ) .
ويلحظ أن النظام الجديد كالقديم أخذ بنظام قضاء الفرد في بعض الحالات ، وأخذ بنظام قضاء الجماعة في الحالات المهمة كالقتل والقطع والرجم ، وذلك للاستفادة من مزايا النظامين أخذاً برأي المحققين من الفقهاء.(1)
4– المحاكم الجزئية(2):
تتكون المحاكم الجزئية من قاض أو أكثر ، ويكون تأليفها ، وتعيين مقرها ، وتحديد اختصاصها بقرار من وزير العدل ، بناءً على اقتراح مجلس القضاء الأعلى ، لكن أحكام المحاكم الجزئية تصـدر من قاض فرد ( م24 – 45 ) نظراً لسهولة القضايا التي تنظر فيها ، وقلة قيمتها ، وذلك جائز باتفاق الفقهاء.
5– المحاكم المتخصصة :
وهي: محكمة الأحداث ، ومحكمة الضمان والأنكحة والطلاق والولاية .
المبحث الثاني
اختصاص المحاكم .
علنية الجلسات .
تسبيب الأحكام .
القضاة :
1- شروط تعيين القضاة .
2- حقوق القضاة .
اختصاص المحاكم :
ذهب نظام القضاء الجديد إلى عدم النص على الاختصاص المكاني لكل نوع من أنواع المحاكم ، وأحال تحديد الاختصاص على صدور قرار من وزير العدل بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى ، واقتصر نظام القضاء الجديد على تحديد ولاية المحاكم بشكل عام ، وأنها تنظر في المنازعات والجرائم كافة إلا ما استثني ، وجعل الولاية العامة في القضاء للمحاكم الشرعية، فنصت المادة (26) منه على ما يلي: ( تختص المحاكم للفصل في المنازعات والجرائم كافة إلا ما استثني بنظام ) .
ونلحظ أن ظهور الهيئات القضائية المستقلة ، وتعدد جهاتها ، وكثرة أنواعها وعددها ، سلخ كثيراً من القضايا والمنازعات من المحاكم الشرعية
وقد رأى المسئولون عند القضاء ، ومعالجة الوضع القائم لتأمين وحدة القضاء، وصدر قرار مجلس الوزراء ذي الرقم (168) في 14/9/1401هـ بتوحيد مهام هذه الهيئات القضائية في جهة واحدة ، وذلك بإنشاء محاكم متخصصة تفصل في المنازعات التجارية والعمالية والمرورية طبقاً للأنظمة والتعليمات ، وتخصيص دائرتين في محكمة التمييز بالرياض ومكة المكرمة لتمييـــز الأحكام الصادرة عن المحاكم المتخصـــصة ، وتضمن القرار تشكيل لجنة تقوم تحت ( إشراف وزارة العدل ) باقتراح ما يلزم لتنفيذ ما ورد في القـــرار ، ووضع الترتيبات اللازمة لذلك ، وبدأت اللجنة أعمالها في شهر صفر سنة 1402هـ.
ولتوحيد جهات القضاء :أدرك أولو الأمر والمسؤولون في المملكة خطورة الأمر السابق في تعدد هيئات القضاء وكثرتها ، فعملوا على توحيد جهات القضاء ، وصدر قرار مجلس الوزراء ذي الرقم (236) وبتاريخ 21/3/1398هـ ، ويقضي بتشكيل لجنة لبحث ما يتعلق بتوحيد مهام الهيئات القضائية في جهة واحدة ، ثم صدر قرار مجلس الوزراء ذي الرقم (176) بتاريخ 14/9/1400هـ ، ويتضمن الحث والسعي لتحسين الوضع بما يتلاءم مع القرار السابق ، ويسعى للتنسيق بين الهيئات القضائية والمحاكم الشرعية ضمن برنامج زمني يتم خلاله تحقيق الهدف منه ، ومن ثمَّ أصبحت هذه الهيئات القضائية المستقلة ذات الاختصاص المعين في طريقها إلى الزوال ، لتعود الأمور إلى مجاريها(1) وبذلك تخف الأعمال على لجنة تنازع الاختصاص التي نص عليها « نظام القضاء » الجديد ( م29 – 32 ) وذكرناها سابقاً .
علنية الجلسات :
ذهب نظام القضاء الجديد على أن تكون « جلسات المحاكم علنية ، إلا إذا رأت المحكمة جعلها سرية ، مراعاة للآداب أو حرمة الأسرة ، أو محافظة على النظام العام ، ويكون النطق بالحكم في جميع الأحوال في جلسـة علنية »( المادة 33 ) .حيث إن مبدأ علنية الجلسات مهم جداً ، ويعد من أهم ضمانات العدالة ، ليحضر من يشاء من الناس ، وهذا يزيد من انتباه القاضي لما يدور في الجلسة من مرافعة ونقاش ، ويمنح المتقاضيين الطمأنينة على حسن سير القضاء ، لذلك عَدَّ نظام القضاء مبدأ علنية الجلسات هو الأصـل ، فيحـق لكل شخص حضور الجلسة ، ويمكن نشر ما دار فيها في وسائل النشر والإعلام ، إلا إذا رأت المحكمة جعل الجلسة سرية بناء على طلب أحد الخصوم ، أو من تلقاء نفسها لتوافر أحد الأسباب التي نصت عليها المادة السابقة ، وفي هذه الحالة يخرج المستمعون ، ويبقى الخصوم ووكلاؤهم وهيئة المحكمة ، على أن يتم النطق بالحكم في جلسة علنية ، وسـبق إلى هذا الأمر « تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية » في المملكة(1) .
وإن النص على علنية الجلسات جديد على القضاء والمرافعات الشرعية فلم ينص عليه الفقهاء من الناحية الشكلية ، أما من الناحية الموضوعية فإن القضاء في الإسلام يقوم عـلى العلنية ، وأنه يتم في المسجد ، أو في الأماكن العامة ، أو المحاكم التي لا يمنع أحد من الدخول إليها ، وحضور جلساتها ، ولا يشترط الإذن بدخولها . كما اشترط الفقهاء أن يحضر العلماء مجلس الحكم ، وأن تتم مشاورتهم في القضايا والأحكام ، وهذا يحقق رقابة كافية وحقيقية لتحقيق أهدافه العلنية، وأنه أكثر جدوى من حضور عوام الناس(2)
تسبيب الأحكام :
نص « نظــام القضاء » الـجــديد على وجوب تسبيب الأحكام ، وأن الـحكم يجب أن « يشتمل على الأسباب التي بني عليها » ،وهذا أمر مهم في عصرنا الحاضر ، ويعد أحد شروط الحكم في القوانين الوضعية ، وذكر بعض الفقـهاء أنه مستحب لبيان أسبـاب الحكم ، ومستنده الشرعي
وهذا أمر بدهي في الفقه الإسلامي الذي يلزم القاضي الحكم بالأحكام الشرعية،كما أنه يتفق مع المنهج القضائي في مراقبة أعمال القضاة ، وتصديق الصحيح منها ، ونقض الباطل ، مما يوجب تفصيل الحكم ، وبيان المستندات والأدلة والمسوغات التي اعتمد عليها القاضي في إصدار الحكم.(1)
القضـــاة :
إن « نظام القضاء » الجديد فصّل الـكـلام عــن القضاة أكثر بكثير من الأنظمة التي سبقته، ونص لأول مرة على شروط القاضي ، ثم ذكر تصنيف القضاة ،وشروط كل صنف، وبين حقوق القضاة وضماناتهم ، وتعيينهم ، ونقل القضاة ، وندبهم ، وإجازاتهم ، ثم تحدث عن واجبات القضاة ، والتفتيش عليهم ، ونص على تأديب القضاة وعقوباتهم ، وكيفية انتهاء خدمات القضاة .
شروط تعيين القاضي : يشترط في القاضي أن تتوافر فيه الشروط الآتية :
1- أن يكون سعودي الجنسية .
2- أن يكون حسن السيرة والسلوك .
3- أن يكون متمتعاً بالأهلية الكاملة للقضاء بحسب ما نُصّ عليه شرعاً ، وهو البلوغ والعقل، والذكورية، والحرية، وأن يكون سميعاً بصيراً ناطقاً، وفيه كفاية(2).
4- أن يكون حاصلاً على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة العربية السعودية ، أو شهادة أخرى معادلة لها ، بشرط أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان خاص تعدّه وزارة الـعدل .
5- أن لا يقل عمره عن أربعين سنة إذا كان تعيينه في درجة قاضي تمييز ، وعن اثنين وعشرين سنة إذا كان تعيينه في درجات السلك القضائي الأخرى .
6- أن لا يكون قد حكم عليه بحد ، أو تعزير ، أو في جرم مخل بالشرف ، أو صدر بحقه قرار تأديبي ، بالفصل من وظيفة عامة ، ولـو كان قد ردَّ إليه اعتباره .
حقوق القضاة :
يتمتع القضاة في « نظام القضاة » الجديد بحقوق كثيرة ، وأهم هذه الحقوق التي نص عليها ما يأتي :
1- استقلال القضاة وعدم التدخل في أعمالهم ، وأنه لا سلطان عليهم لغير الشريعة والأنظمة المرعية(1).
2- الحصانة القضائية : فالقاضي لا يمكن عزله من منصبه بحال من الأحوال بسبب عمله، ويستمر فيه حتى بلوغ السبعين سنة ، وسماها النظام « ضمانات »
3- لا يجوز نقل القضاة أو ندبهم أو إعارتهم إلى وظائف أخرى إلا برضاهم ، أو بسبب ترقيتهم ( م 3 ، 55 )، وهذا جزء من الحصانة القضائية .
4- لا تجوز مخاصمة القضاة إلا بمقتضى ما نص عليه هذا النظام في الباب الخامس (المواد 71 ، 84 ) .
5- يتمتع القضاة بجميع الحقوق والضمانات المقررة في نظام الموظفين العام ، ويضاف إلى ذلك أنه يمنح من يعين لأول مرة في السلك القضائي بدلاً يعادل راتب ثلاثة أشهر .
6- يحق للقضاة الاعتراض والتظلم من القرارات الصادرة ضدهم ( م 66 ) .
7- يتم التعيين والترقية بأمر ملكي ، بناء على قرار مجلس القضاء الأعلى بعد توافر الشروط ، مع مراعاة الأقدمية ، ثم الأكفاء ، بموجب تقارير التفتيش ، ثم الأكبر سناً عند تساوي الأقدمية والكفاءة ، أو عدم وجود تقارير التفتيش .
8- إن مرتبات القضاة بجميع درجاتهم تخضع لسلم خاص صادر بمرسوم ملكي برقم م/ 38 وتاريخ 8/5/1395هـ ، وهو أعلى بكثير من سلم رواتب بقية الموظفيـن، ثم تعدل بعد ذلك مرة أخرى سنة 1413 هـ .
و نلاحظ على « نظام القضاء » الجديد في هذا الخصوص ما يأتي :
أن الـنظام حدد عند بيان درجات القضاة وتصنيفهم أصناف المحاكم : محكمة أ ، محكمة ب، ولم يبين المقصود من محكمة أ ، ومحكمة ب ، وأغفل ذلك تماماً عند الحديث عن ترتيب المحاكم . ولقد حدد أيضا النظام مدداً متفاوتة في شغل درجات القضاء شرطاً للترقية إلى درجة أعلى، فاشترط ثلاث سنوات للقاضي الملازم والقاضي أ ، وسنة للقاضي ج ، وأربع سنوات للقاضي ب ، على حين أنه اشترط سنتين في وكيل محكمة ب ، ووكيل محكمة أ ، ورئيس محكمة ب ، ورئيس محكمة أ ، ولا يظهر حكمة لهذا التفاوت في شغل الدرجة المحددة للترقية إلى درجة أعلى ، وكان الأفضل تحديد مدة زمنية واحدة في جميع الدرجات مثل ثلاث سنوات ، أو اشتراط مدة ثلاث سنوات في المراحل الأولى كلها ، واشتراط سنتين في المراحل العليا. وكان قاسياً على القضاة ، ومحابياً من يعمل الأعمال النظيرة في الترقية والمدة، فالقاضي أ يشترط فيه أن يمضي في القضاء ثماني سنوات حتى يصل إلى هذه المرتبة ، على حين اكتفى النظام بمضي ست سنوات بالأعمال القضائية النظيرة للوصول إلى المرتبة نفسها ، ولعل عذر النظام في ذلك ترغيب أصحاب هذه الأعمال – من العاملين في التدريس والجامعات والأعمال القضائية الأخرى – في تولي مناصب القضاء لشغل الشواغر الكثيرة التي حصلت نتيجة التوسع في فتح المحاكم في أكثر المدن والمناطق والقرى في أنحاء المملكة .وقد أخذ برأي الفقهاء القائلين بجواز قضاء الجماعة، فجمع النظام بين قضاء الجماعة وقضاء الفرد في وقت واحد ، مراعياً في ذلك المصلحة وخطورة الأحوال والقضايا ، فأخذ بنظام قضاء الفرد في المحاكم العامة في جميع الدعاوي باستثناء المحاكم الجزئية مطلقاً ( المادة 25 ) .كما أخذ « نظام القضاء » الجديد بنظام قضاء الجماعة في المحاكم العامة في قضايا القتل والرجم والقطع وما يحدده النظام ، فتصدر الأحكام من ثلاثة قضاة ، كما أخذ بقضاء الجـماعة في محكمة التمييز فتصدر القرارات من ثلاثة قضاة ، ما عدا قضايا القتل والرجم والقطع ، فتصدر من خمسة قضاة ( المادة 13 ) ، كما أخذ النظام بقضاء الجماعة في قرارات مجلس القضاء الأعلى (المادة 9) ، وهذا اجتهاد سديد ، وسياسة حكيمة ، واختيار مناسب.(1)
المبحث الثالث :
وزارة العدل .
شؤون القضاة.
إدارة التفتيش القضائي.
تأديب القضاة
انتهاء خدمات القضاة .
وزارة العدل :
أعلن رئيس مجلس الوزراء الملك فيصل بن عبد العزيز – رحمه الله – عام 1382هـ إنشاء وزارة العدل لتتولى الإشراف على دوائر القضاء في المملكة العربية السعودية وتعنى بما تحتاجه في عموم الجوانب المالية والإدارية ، وتسعى من خلال هيمنتها الإشرافية إلى إيجاد الطروحات والصيغ المناسبة لتطوير المحاكم وما يتبعها من دوائر مساندة لتنسيق العمل القضائي وفق السبل الحديثة والأنظمة المعاصرة تحقيقاً للعدالة وموضوعها بقوالب شكلية ، وإجراءات منظمة تعطي صورة إنجازيه دقيقة للعمل بطريقة مرتبة ، وفي السنة المالية التالية لإعلان إنشاء الوزارة ظهرت الميزانية العامة للدولة وهي تحمل فصلاً خاصاً باسم (وزارة العدل) وبالرغم من أن الميزانية العامة للدولة ظلت تحمل كل سنة هذا الفصل إلا أن إنشاء الوزارة بتشكيلاتها الإدارية وتعيين وزير لها لم يتم إلا في عام 1390هـ حيث باشرت أعمالها وحلت محل رئاسة القضاة (1)، وتولت القيام بمهام الرئاسة وما كانت تضطلع به من إشراف إداري ومالي على المحاكم والدوائر الشرعية الأخرى .
ويتكون الهيكل الإداري بوزارة العدل من معالي الوزير ووكيلين ووكيل مساعد ومديري عموم وعدد من الأقسام تتكيف حسب التشكيل الهرمي .
ويتبع الوزارة عدد من الفروع في مختلف مناطق المملكة تؤدي المهام المنوطة بها لجهات المحاكم وكتابات العدل عن قرب وبشكل سريع .
وهذه الفروع تتولى جملة من المهام الإدارية والمالية وتقوم بتأمين مستلزمات الدوائر الشرعية المرتبطة بها من مطبوعات وأدوات مكتبية ، وصرف المرتبات لعموم الموظفين ، وإصدار قرارات الإجازة، وصيانة المباني والآلات ونحو ذلك لكيلا تشغل المحاكم وكتابات العدل بهذه الأمور مما قد يؤثر سلبياً على مهمتها ووظيفتها الأصلية .
مهمة وزارة العدل
تضمّن الباب الرابع من نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/64 وتاريخ 14/7/1395هـ تحديد مهمة وزارة العدل ووظيفتها حيث نصت المادة السابعة والثمانون على ما يلي :
(تتولى وزارة العدل الإشراف الإداري والمالي على المحاكم والدوائر القضائية الأخرى ، وتتخذ التدابير أو تتقدم إلى الجهات المختصة بما تراه من المقترحات أو المشروعات التي من شأنها ضمان المستوى اللائق بمرفق العدالة في المملكة كما تقوم بدراسة ما يرد إليها من مجلس القضاء الأعلى من مقترحات أو قرارات وترفع إلى المراجع العليا ما يحتاج منها إلى إصدار أوامر أو مراسيم ملكية) .
ومن خلال هذه المهمة العظيمة لوزارة العدل والتي تُعنى باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان المستوى اللائق بمرافق العدالة في المملكة . قدمت الوزارة العديد من الطروحات والمشاريع التي أدت في الواقع إلى رفع مستوى الأداء في العمل وتطوير أساليبه وفق أحدث السبل وأدقها وأكملها .
وانبعاثاً من هذا الإطار العام والوظيفة المحددة أمكن رسم أبرز أهداف الوزارة فيما يلي :
1- الحرص على كل ما من شأنه تطبيق الشريعة الإسلامية وأحكامها ، وما يحقق أمن البلاد واستقرارها .
2- تيسير الخدمة القضائية للمواطنين والمقيمين والوافدين .
3 - العناية بكل ما يوصل إلى سرعة الفصل في المنازعات وإنهاء الخصومات المعروضة أمام المحاكم .
4 - بذل الخدمات التوثيقية للمستفيدين وفق أطر إجرائية دقيقة .
5 - توطيد الاستقرار الاجتماعي وما يؤدي إلى تحقيقه من سبل تؤول إلى حل مشكلات المواطنين على ضوء الشريعة الإسلامية وأحكامها السامية .
6 - معالجة ما يطرأ من خلل في واقع العمل وما يعترض من نقص في القوى البشرية العاملة التي تعيق سير الخدمات القضائية .
7 - دراسة ما يرد إلى الوزارة من مجلس القضاء الأعلى من مقترحات أو قرارات واتخاذ ما يلزم لرفعها إلى الجهات العليا لاستصدار ما يخصها من أوامر أو مراسيم ملكية .
8 - العناية بكل المقترحات المقدمة من أصحاب الفضيلة القضاة وكتاب العدل أو المبذولة من العموم للإفادة منها .
9 - توفير احتياجات الدوائر القضائية ولوازمها في كافة الأمور من قوى بشرية إلى آليات العمل المختلفة .
10 - دراسة النظم القضائية والإدارية للمحاكم وكتابات العدل وتقويمها على ضوء واقعها في العمل وما أنتجته من إيجابيات وسلبيات ، والإفادة من التجارب والطروحات في هذا المجال لمسايرة عملية التطوير باستمرار(1) .
شؤون القضاة :
شروط القاضي :
يشترط في القاضي أن تتوافر فيه الشروط الآتية :
1- أن يكون سعودي الجنسية .
2- أن يكون حسن السيرة والسلوك
3- أن يكون متمتعاً بالأهلية الكاملة للقضاء بحسب ما نُصّ عليه شرعاً ، وهو البلوغ والعقل، والذكورية، والحرية، وأن يكون سميعاً بصيراً ناطقاً، وفيه كفاية.
4- أن يكون حاصلاً على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة العربية السعودية ، أو شهادة أخرى معادلة لها .
5- أن لا يقل عمره عن أربعين سنة إذا كان تعيينه في درجة قاضي تمييز ، وعن اثنين وعشرين سنة إذا كان تعيينه في درجات السلك القضائي الأخرى
6- أن لا يكون قد حكم عليه بحد ، أو تعزير ، أو في جرم مخل بالشرف ، أو صدر بحقه قرار تأديبي ، بالفصل من وظيفة عامة ، ولـو كان قد ردَّ إليه اعتباره .
تصنيف القضاة :
يصنف القضاة في النظام الجديد كما يأتي:
1- ملازم قضـائي : ويشترط فيه بالإضافة إلى ما سبق أن يكون قد حصل على الشـهادة العالية بتقدير عام « جيد » فما فوق ، وبتقدير « جيدجداً » في مادتي الفقه والأصول.
2- قاضي جـ: ويشترط فيه أن يكون قد أمضى ثلاث سنوات في درجة ملازم قضائي .
3- قاضي ب : ويشترط فيه أن يمضي سنة على الأقل في درجة قاضي جـ ، أو أن يكون قد اشتغل بأعمال قضائية نظيرة....
4- قاضي أ : ويشترط فيه أن يكون قد قضى أربع سنوات على الأقل في درجة قاضي ب، أو أن يكون قد اشتغل بأعمال نظيرة لمدة ست سنوات على الأقل...
5- وكيل محكمة ب : ويشترط فيه أن يكون قد قضى ثلاث سنوات على الأقل في درجة قاضي أ ، أو أن يكون قد اشتغل بأعمال قضائية نظيرة ...
6- وكيل محكمة أ : ويشترط فيه أن يكون قد قضى سنتين على الأقل في درجة وكيل محكمة ب ، أو أن يكون قد اشتغل بأعمال قضائية نظيرة ...
7- رئيس محكمة ب : ويشترط فيه أن يكون قد قضى سنتين في درجة وكيل محكمة أ، أو قد مارس أعمالاً قضائية نظيرة ...
8- رئيس محكمة أ : ويشترط فيه أن يكون قد قضى سنتين في درجة رئيس محكمة ب، أو أن يكون مارس أعمالاً قضائية نظيرة...
9- قاضي تمييز : ويشترط فيه أن يمضي سنتين في درجة رئيس محكمة أ ، أو مارس أعمالاً قضائية نظيرة...
10- رئيس محكمة التمييز : ويكون أقدم قضاة التمييز مطلقاً .
11- رئيس مجلس القضاء الأعلى : ويشترط أن تتوافر فيه شروط قاضي التمييـز ، ويكون بمرتبة وزير ، ويعين بأمر ملكي ، ( المواد 39 – 49 مكرر ) .
حقوق القضاة :
يتمتع القضاة في « نظام القضاة » الجديد بحقوق كثيرة ، وأهم هذه الحقوق التي نص عليها ما يأتي :
1- استقلال القضاة وعدم التدخل في أعمالهم ، وأنه لا سلطان عليهم لغير الشريعة والأنظمة المرعية(1)
2- الحصانة القضائية : فالقاضي لا يمكن عزله من منصبه بحال من الأحوال بسبب عمله، ويستمر فيه حتى بلوغ السبعين سنة(2) .
3- لا يجوز نقل القضاة أو ندبهم أو إعارتهم إلى وظائف أخرى إلا برضاهم ، أو بسبب ترقيتهم ( م 3 ، 55 )، وهذا جزء من الحصانة القضائية .
4- لا تجوز مخاصمة القضاة إلا بمقتضى ما نص عليه هذا النظام في الباب الخامس (المواد 71 ، 84 ) .
5- يتمتع القضاة بجميع الحقوق والضمانات المقررة في نظام الموظفين العام ، ويضاف إلى ذلك أنه يمنح من يعين لأول مرة في السلك القضائي بدلاً يعادل راتب ثلاثة أشهر .
6- يحق للقضاة الاعتراض والتظلم من القرارات الصادرة ضدهم ( م 66 ) .
7- يتم التعيين والترقية بأمر ملكي ، بناء على قرار مجلس القضاء الأعلى بعد توافر الشروط ، مع مراعاة الأقدمية ، ثم الأكفاء ، بموجب تقارير التفتيش ، ثم الأكبر سناً عند تساوي الأقدمية والكفاءة ، أو عدم وجود تقارير التفتيش .
8- إن مرتبات القضاة بجميع درجاتهم تخضع لسلم خاص صادر بمرسوم ملكي برقم م/ 38 وتاريخ 8/5/1395هـ ، وهو أعلى بكثير من سلم رواتب بقية الموظفيـن، ثم تعدل بعد ذلك مرة أخرى سنة 1413 هـ .
واجبات القضاة :
نص « نظام القضاء » الجديد على بعض الواجبات التي يقتضيها عمل القاضي لأداء وظيفته بشكل نزيه ومتجرد ومتفرغ لعمله ، وهي :
1- عدم الجمع بين وظيفة القضاء ، و مزاولة التجارة ، أو أية وظيفة أو عمل لا يتفق مع استقلال القضاء وكرامته ، أو يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها ( م 58 ) .
2- الحفاظ على سرية المداولات القضائية ، وعدم إفشاء أسرارها ( م 59 ) .
3- المواظبة على الدوام ، وعدم الانقطاع عن عمله بسبب غير مفاجئ إلا بترخيص كتابي ( م 61 ف 1 ). فإن تغيب القاضي عن مقر عمله ، أو أخل بالمواظبة على الدوام نبه إلى ذلك كتابة ، فإن تكرر منه ذلك يـرفع أمره إلى مجـلس القضـاء الأعلى في محاكمته تأديبياً ( م 61 ف 2 ).
ويظهر أن النظام اقتصر على الواجبات الإدارية ، على حين أغفل النص على الواجبات الأساسية ، كالالتزام بالحكم بموجب الشريعة الإسلامية ، والتقييد بالأنظمة النافذة التي تفهم بالإشارة من نصوص النظام في استقلال القضاء ، أو أن هذه الواجبات محلها في نظام المرافعات وغيره ، وجاء في نظام « تنظيم الأعمال الإدارية في المحاكم الشرعية » واجبات أخرى على القضاء في التأمل بالقضية ، والنظر في الدعوى ، وتعيين تاريخ الجلسة ( م 1 ، 41 ) .
إدارة التفتيش القضائي :
ذهب « نظام القضاء » الجديد على تشكيل إدارة التفتيش القضائي في وزارة العدل، وتتكون من رئيس وعدد كاف من الأعضاء مـن رجال القضاء ، يختارون مـن قضاة محكمة التمييز ، أو المحاكم العامة ، بقرار من مجلس القضاء الأعلى بالندب لمـدة سنة قابلة للتجديد. وتختص إدارة التفتيش بالتفتيش على أعمال القضاة في المحاكم العامة والجزئية ، لمعرفة درجة كفاءتهم ، ومدى حرصهم على أداء واجباتهم ، ورفع البيانات في ذلك ، وتختص بالتحقيق الذي يقدم من القضاة أو ضدهم . ويقدر المفتش كفاءة القاضي بأنه كفؤ ، أو فوق الوسط ، أو متوسط ، أو أقل من الوسط ، على أن يتم التفتيش على كل قاض مرة أو مرتين في السنة ، ويبلغ القاضي صورة من الملحوظات عليه (دون تقدير الكفاءة ) ، وله أن يبدي اعتراضه عليها ، وتودع ما تعتمده نتيجة ذلك في ملف القاضي ، ويرفع من التقرير مالا تعتمده ، فإن حصل القــــاضي على تقدير أقــــل من الوسط ثـلاث مرات متواليــــة يحال على التقاعـــد ( المادة 69 )(1).
تأديب القضاة :
بين نظام القضاء الجديد أن لوزير العدل حق الإشراف على المحاكم والقضاة ، ولرئيس كل محكمة حق الإشراف على القضاة التابعين له ( المادة 71 ) ،ويقوم رئيس المحكمة بتنبيه القضاة التابعين له مشافهة أو كتابة إلى المخالفات التي تصدر منهم ، فإن كان التنبيه كتابياً أرسلت صورة منه لوزارة العدل ، وللقاضي أن يعترض عليه خلال أسبوعين من تاريخ تبليغه ، ويطلب إجراء تحقيق في الواقعة ، فيؤلف وزير العدل لجنة من رئيس محكمة التمييز أو أحد نوابه ، وقاضيين مـن مـحكمة التمييز للنظـر فـي التنبيه والاعتراض ، والتحقيق في ذلك لتؤيده ، أو تعده كأن لم يكن ، وتبلغ قرارها لوزير العدل ، فإن تكررت المخالفة من القاضي ، أو استمر عليها ، رفعت عليه الدعوى التأديبية . أما تأديب القضاة فهو من اختصاص مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة بصفته مجلس تأديب ، فإن كان القاضي المقدم للمحاكمة عضواً في مجلس القضاء الأعلى فإن وزير العدل يندب أحد قضاة التمييز ليحل محله ، ونصت المواد (74 – 81) على بعض الإجراءات لتأديب القضاة ، على حين نصت المادة (82) على تحديد العقوبات التأديبية باللوم ، والإحالة على التقاعد ، مع بيان الأسباب التي بني عليها الحكم ، وتتلى الأسباب عند النطق بالحكم في جلسة سرية ، ثم يبلغ قرار مجلس التأديب إلى وزير العدل ، فيصدر قراره في تنفيذ العقوبة باللوم ، ويصدر مرسوم ملكي بتنفيذ عقوبة الإحالة على التقاعد .
انتهاء خدمات القضاة:
تنتهي خدمة عضو السلك القضائي بأحد الأسباب الآتية:
أ. بلوغه سن السبعين.
ب. الوفاة.
ج. قبول استقالته.
د. قبول طلبه الإحالة على التقاعد طبقاً لنظام التقاعد المدني.
هـ. عدم صلاحيته للقضاء وفقا لحكم المادة الرابعة والأربعين من هذا النظام.
و. عجزه عن مباشرة عمله بعد انقضاء الإجازة المرضية، أو أن يظهر في أي وقت أنه لا يستطيع لمرضه القيام بوظيفته على الوجه اللائق.
ز. حصوله على تقدير أقل من المتوسط في تقرير الكفاية ثلاث مرات متتالية.
ح. إنهاء خدمته لأسباب تأديبية.
المادة السبعون :" في غير حالات الوفاة والإحالة على التقاعد لبلوغ السن النظامية وعدم الصلاحية خلال فترة التجربة بالنسبة إلى الملازم القضائي، تنتهي خدمة عضو السلك القضائي بأمر ملكي بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء"(1).
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...
بعد العرض السابق لموضوع هذه الدراسة فإنه يمكن الخروج بالنتائج التالية :
1- أن التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية استمد من الشريعة الإسلامية بتطبيق معاصـر .
2- إن هذا التنظيم سبق في كثير من جوانبه التشريعات الـوضعية الـتي صـدرت فـي البلاد العربية بعد استمدادها من القوانين الأجنبية ، دون مراعاة للأعراف والتقاليد والتراث والشريعة والعقيدة ، على حين بادرت المملكة بوقت مبكر إلى إصدار نظام القضاء ، ونظام المرافعات (تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية) ، واستمدته من الفقه الإسلامي الزاخر ، لتكون رائدة في ذلك .
3- أن المتتبع لتاريخ النظام القضائي في المملكة العربية السعودية يجد أنه ابتدأ من المرسوم الملكي سنة 1346هـ / 1927م ، ثم صدر نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي سنة 1357هـ / 1938م في 282 مادة ، وفي سنة 1372هـ / 1953م استبدل هذا النظام بنظام جديد أعطي نفس الاسم ، مع الصياغة الجديدة للنظام القديم والتعديل عليه ، وأخيراً صدر نظام القضاء الجديد عام 1395هـ / 1975م ، ثم صدر نظام المرافعات الشرعية ، وهذا يبين التغيير السريع بالتعديل والإلغاء للأنظمة بما يتلائم مع متطلبات الحياة المعاصرة .
4- صدر « نظام القضاء » بهذا الاسم في المملكة برقم (م/64) وتاريخ 14/7/1395هـ ، وهو المعمول به حالياً في جميع أطراف المملكة ، ويعد هذا النظام تطـوراً عظيماً في التنظيم القضائي في المملكة ، وتغييراً جذرياً في الصياغة ، وترتيب المحاكم ، وشروط تعيين القضاة، وما يتعلق بهم، و قد حدث ذلك في عهد الملك خالد رحمه الله تعالى .
و في ختام ها البحث فلا يسعني إلا أن أوصي بما يلي :
1- تزويد القضاة والمحاكم بالمصادر الفقهية ، والمراجع القضائية ، والمؤلفات المعاصرة ، ومجاميع الأحكام اللازمة للأداء ، مع الإفادة من التقنية الحديثة في تجميع المعلومات وفهرستها ، كما يجب وضع قرارات مجمع الفقه الإسلامي والاجتهادات الجديدة ، والفتاوى المعاصرة المعتمدة تحت يدي القضاة .
2- إقامة ندوات دورية ، ولقاءات دائمة بين القضاة ، للاطلاع على خبرات بعضهم ، وتجارب ذوي الخبرة العالية ، والتخصص الدقيق ، والحنكة والتجارب.
3- وجوب التأهيل والتدريب العلمي والعملي للقضاة الذين يعينون لأول مرة من المتمرنين.
4- الحرص على التدريب الدائم ، وإقامة الدورات التدريبية ، عند الترقي إلى الوظيفة الأعلى ، والتدرج في سلك القضاء ، وذلك في دورات متخصصة تعقد في وزارة العدل ، أو في المعهد العالي للقضاء
5- مواصلة القيام بدراسات علمية حول النظام القضائي في المملكة العربية السعودية و العمل على تطويره وفقا لما تتطلبه المستجدات المعاصرة .
هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...
و بالله التوفيق ...
قائمة المصادر و المراجع
1- البدوي , إسماعيل إبراهيم ، نظام القضاء الإسلامي , القاهرة , دار النهضة العربية , القاهرة ،1410هـ.
2- الحمد , فهاد بن معتاد, التطورات النظامية و التنظيمية في الحكم و الإدارة في عهد الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله و دورها في تحقيق التنمية , الرياض , مكتبة العبيكان , 1431هـ .
3- الزحيلي , محمد, أصول المحاكمات الشرعية والمدنية , ط6, جامعة دمشق , دمشق , 1997م .
4- الزحيلي, محمد مصطفى وهبة, التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية, موقع الدارة ,
http://www.darah.org.sa/bohos/Data/5/6-1.htm
5- الزركلي , خير الدين , شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز , دار العلم للملايين , بيروت, 1997م .
6- الزيدي , مفيد, موسوعة تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث و المعاصر , دار أسامة للنشر و التوزيع , عمان , بدون تاريخ .
7- آل الشيخ , حسن بن عبدالله, التنظيم القضائي في المملكة ، مكتبة تهامة ،جدة , 1403هـ .
8- أبو طالب , حامد محمد ، النظام القضائي في المملكة العربية السعودية , دار الفكر العربي , القاهرة, 1404هـ.
9- القحطاني , عبدالله مرعي ، تطور الإجراءات الجنائية في المملكة العربية السعودية ، الرياض , مكتبة المؤيد , 1418هـ .
10- القوتلي , عدنان " الوجيز في الحقوق المدنية "مجلة كلية الشريعة بمكة , ع 1 , (1393هـ) ص ص 47-55.
11- محمد, محمد عبد الجواد ، التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية , مطبعة جامعة القاهرة , القاهرة , 1977م .
12- ياسين , محمد نعيم ، نظرية الدعوى , دار النفائس , بيروت , 1999م .
13- جريدة أم القرى ،ع 90 (25 صفر 1345هـ)
14- مجموعة النظم ( في السعودية ) قسم القضاء من سنة 1345هـ , 1357هـ .
15- من شبكة الانترنت :
http://pal-lp.org/v5953.html
http://www.justice-lawhome.com/vb/showthread.php?t=4889
فهرس المحتويات
الموضوع الصفحة
المقدمــة ..........................................................................1
تمهيــد: القضاء في عهد الملك عبد العزيز – رحمه الله -..........................3
المبحث الأول ......................................................................8
تنظيم القضاء في فترة حكم الملك خالد.............................................. 8
المذهب المعتمد في القضاء ........................................................10
استقلال القضاء................................................................... 11
ترتيب المحاكم.................................................................... 12
المبحث الثاني......................................................................15
اختصاص المحاكم ............................................................... 16
علنية الجلسات ....................................................................17
تسبيب الأحكام ................................................................... 17
القضاة ........................................................................... 18
المبحث الثالث ...................................................................21
وزارة العدل .....................................................................22
شؤون القضاة...................................................................... 24
إدارة التفتيش القضائي............................................................. 27
تأديب القضاة ......................................................................27
انتهاء خدمات القضاة .............................................................. 28
الخاتمة .............................................................................29
قائمة المصادر و المراجع.......................................................... 31
فهرس المصادر و المراجع..........................................................32