بحث حول:المدن الجديدة في المملكة العربية السعودية

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

يأتي الاستمرار في إنشاء المدن الجديدة مع اختلاف أهدافها وطبيعتها استنادا لسياسات ضمنية Implicit Policies تسـتهدف تحـسين التشكيل الهرمي المتدرج لمنظومات المدن ووظائفها City-Size Distribution. وقد تزايد الاهتمام بالمنظومات المتوازنة للمدن والمدن الجديدة خاصة، نظرا لأهميتها في علاج الخلل القائم في التوزيع المكاني للتنمية العمرانية. فمن خلال التوزيع المتوازن لأحجام ووظائف المدن يمكن تحقيق الانتشار المكاني للتنمية على الحيزات الوطنية وتقليص الفوارق الإقليمية في مستويات التنمية. (1)

هـذا وقـد اسـتحوذ تركز نسـبة عالية من سكان الحضر بعدد محدود من المدن الكبرى Urban Primacy ومدى تأثير ذلك على معدلات التنمية الكثير من الاهتمام والدراسة. وقد تم التعرض لذلك في كثير من الدراسات الخاصة بتصميم سياسات التنمية الحضرية وإلى أي مدى يمكن من خلال هذه السياسات التأثير على التوزيع الحجمي للمدن ووظائفها ومدى انعكاس ذلك على معدلات التنمية الاقتصادية. ومع أن سلبيات الزيادة السريعة في تركز السكان في عدد محدود من المدن أصبح الشغل الشاغل للباحثين والممارسين في هذا المجال، إلا أن الدراسات التطبيقية والبحوث في هذا المجال لم تصل بعد إلى نتائج مؤكدة. فقد توصــل العديــد من الباحثــين ومنهم كوشي ميرا  في دراستــه التطبيقية عن العلاقــة بين منظومات المــدن والنمــــو الاقتصــادي، إلى وجـــود ارتباط طردي Positive Correlation بين التغير في معدلات النمو في الدخل القومي والتغير في نسبة تركز السكان في كبريات المدن. إلا أن بعض الباحثين الآخرين مثل براين باري والذي استخدم في دراسته بيانات عن 37 دولة قد اثبت أنه على الرغم من وجود علاقة إيجابية أكيدة بين مستويات التحضر Urbanization ومستويات التنمية الاقتصادية إلا أنه لم يتوصل إلى مثل هذه العلاقة الإيجابية الأكيدة بين تركز سكان الحضر في عدد محدود من المدن ومستويات التنمية الاقتصادية. وقد توصل إلى نفس النتيجة يوان كوان. وقد ذهب بعض الباحثين الآخرين مثل بيتر كوربن  إلى أبعد من ذلك حيث يرى أن تركز سكان الحضر في عدد محدود من المدن ليس ضروريا أو كافيا لرفع معدلات النمو الاقتصادي Neither a necessary or sufficient condition for economic growth، بل يرى أن تركز السكان في عدد محدود من المدن هو حصيلة لمتغيرات لا علاقة لها بمعدلات النمو الاقتصادي وأهمها توسع الحكومات المستمر في توطين الإدارات والأجهزة المركزية الحكومية والتركيز المكاني للمشروعات الكبيرة في هياكل البنية الأساسية في عدد محدود من المدن وسياسات التصنيع التي انتهجتها كثير من الدول النامية منذ الخمسينيات الميلادية والتي تم من خلالها توجيه معظم الاستثمارات الصناعية لعدد محدود من المدن سميت بأقطاب النمو (1).

وعموما فإن أدبيات البحث والدراسة في هذا الموضوع واسعة ولكن ما يمكن استخلاصه أن العلاقة بين مستويات التحضر ومعدلات النمو الاقتصادي لم يختلف عليها باحثان، إلا أن العلاقة بين الزيادة المستمرة في التركز السكاني في عدد محدود من المدن ومعدلات النمو الاقتصادي ما زالت محل اختلاف واجتهادات بين الباحثين في هذا المجال .

ولاشك أن فكرة المدن الجديدة ليست حديثة، ولكنها اكتسبت قوة دافعة واهتماما عالميا خلال القرن الميلادي الحالي خاصة في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت إنشاء أعداد كبيرة من المدن الجديدة في بلدان كثيرة من العالم. وقد بين كثير من الباحثين في دراساتهم مثل جالانتي وأسبورن أن الأغراض من بناء المدن الجديدة تعددت وتباينت؛ منها ما استهدف نشر التنمية الصناعية وتخفيف فجوات التباين في مستويات التنمية بين الأقاليم كما هو الحال في إنجلترا، ومنها ما استهدف تخفيف الضغط عن المدن الكبرى كما هو الحال في فرنسا ومصر، ومنها ما استهدف بناء عواصم جديدة للدول مثل استراليا والبرازيل، ومنها ما استهدف استغلال الموارد الطبيعية وزيادة القيمة المضافة كما هو الحال في المدينتين الصناعيتين في الجبيل وينبع بالمملكة العربية السعودية، ومنها المدن الجديدة التي كانت نواة توسعها وازدهارها المؤسسات التعليمية أو الخدمات الطبية المتقدمة كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. (1)

تجربة المدن الجديدة بالمملكة العربية السعودية:

يستعرض هذا البحث تجربة المدن الجديدة بالمملكة العربية السعودية التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بأهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية، وعكست التغير المستمر في الأولويات المرتبطة بمراحل التنمية. ويتناول البحث التوجه العام والتصور المستقبلي للمدن الجديدة من منظور الاستراتيجية العمرانية الوطنية وإلى أي مدى سيكون للمدن الجديدة- التي ستمثل التجمعات السكانية القائمة ذات الإمكانات التنموية نواة لها- دورا في تحقيق استدامة التنمية عن طريق إيجاد نمط متوازن في أحجام ووظائف المدن يتم من خلاله العمل على تقليل فجوة التباينات الإقليمية وتفعيل الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية. والتنمية المستدامة كما تم تعريفها في تقرير الأمين العام لمؤتمر المستوطنات البشرية (الموئل الثاني) الذي عقد في اسطنبول بتركيا في إبريل 1995م بمشروع المباديء والتعهدات وخطة العمل الدولية يقصد بها "أن استدامة التنمية تتضمن التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمستوطنات البشرية بأقل قدر من التأثير الضار على البيئة، على ألا تتجاوز هذه التنمية قدرة النظم الأيكولوجية على التحمل أو تحد من الفرص التنموية للأجيال القادمة. ومن خلال التنمية المستدامة فإن عمليات الإنتاج والاستهلاك بالمجتمعات البشرية تنظم بطريقة تسمح باستمرار سد النقص في الموارد حال استعمالها. ويترتب على استدامة التنمية بالمجتمعات البشرية الحفاظ على التنوع البيولوجي وتعزيز صحة الإنسان فضلا عن الحفاظ على نوعية الهواء والماء والتربة بمستويات كافية لإدارة حياة البشر ورفاهيتهم في جميع الأوقات".

تطور المدن الجديدة: المراحل والأهداف:

إذا تجاوزنا التعريفات والمعايير الأكاديمية لما يمكن وما لا يمكن أن نطلق عليه مفهوم المدينة الجديدة فان معظم المدن السعودية يمكن اعتبارها مدنا جديدة لأنها بمجملها قد تحولت في جميع مكوناتها تحولا يجعلها لا تقارن أبدا بما كان موجودا قبل ثلاثين عاما. إذا كان أساس المدن الجديدة هي إعمار المناطق الشاسعة والمعزولة عن الأقاليم المهمة التي لم تشهد استيطانا من قبل فإن غالبية ما أنشئ من قرى لتوطين البدو الرحل وتحول بعد ذلك إلى مدن صغيرة ومتوسطة يدخل أيضا في إطار المدن الجديدة(1).

توطين البدو: أولى مراحل بناء وتأسيس المدن الجديدة

ترجع أولى محاولات بناء المستوطنات الجديدة إلى عام 1912م عندما بدء الملك عبدالعزيز- يرحمه الله - برنامج توطين البادية وذلك ضمن مجهوداته لتوحيد المملكة، حيث قام بإنشاء أول تجمع استيطاني جديد لتوطين واستقرار البادية في الأرطاوية التي تقع على بعد 300 كم شمال مدينة الرياض. وفي عام 1972م بلغ عدد الهجر والمستوطنات الجديدة التي استوطنت بها البادية 93 مستوطنة؛ بعض هذه المستوطنات تم إنشاؤها عن طريق الدولة أو بتشجيع منها والبعض الآخر نشأ بصورة طبيعية في الوديان أو بالقرب من مصادر المياه، ومع مرور الوقت تحول الكثير من هذه المستوطنات إلى مدن صغيرة وظل البعض الآخر في صورة تجمعات قروية (1).

وقد ساعد توطن البدو الرحل في تجمعات سكانية مستقرة على توفير المرافق والخدمات وساعد على الالتحام الاجتماعي للبدو الرحل في المجتمع السعودي. ويعتبر توطين البدو في مستوطنات جديدة انعكاسا لأهمية العلاقة بين القرار السياسي والبيئة المحلية، حيث عبرت المستوطنات الجديدة التي تم إنشاؤها لاستقرار البدو الرحل بشكل مباشر عن اختيار جوهري على مستوى استراتيجية الدولة في تعضيد الانتماء الوطني وتحقيق التلاحم الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة وبسط سلطة القانون والهيكل الإداري والخدمي للدولة على المساحة الشاسعة للمملكة، هذا بالإضافة إلى تنظيم استخدام الموارد الطبيعية.

المدن الجديدة: استغلال الموارد الطبيعية الكامنة

إن ما يحاول تحقيقه المخططون من المدن الجديدة هو استغلال موارد طبيعية كامنة وتحقيق توزيع مكاني أكثر انتشارا للسكان في مناطق غير مأهولة، وذلك نظرا لقدرة وفاعلية هذه المدن على تحقيق هذه الأهداف. واستنادا إلى ذلك فإن معظم مدن المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية التي نشأت أساسا بمواقع آبار البترول بهدف استخراجه مثل الظهران والخبر وأبقيق ورأس تنوره، وكذلك مدن المنطقة الشمالية التي نشأت كتجمعــات سكنيــة لصيانــة محطــات ضــخ البترول التي بــدأت تعمــل في عام 1951م على امتداد خط التابلاين الممتد من القيصومة بالمنطقــة الشرقية بالمملكة العربية السعودية إلى ميناء صيدا على الساحــل اللبناني مثل عرعــر وطريف ورفحاء، كلها تعتبر مدنا جديدة. 

وفي البداية لم تزد أعداد قاطني هذه التجمعات السكانية الثلاث عن بضعة مئات، إلا أن النشاطات المتزايدة قد جذبت أعداد كبيرة من العاملين إلى مواقع المحطات ونشطت التجارة ووفرت الدولة الإدارة والأمن والخدمات، وكان لإنشاء الطريق الموصل بين هذه المحطات دور رئيسي في خلق شريان تجاري حيوي يربط الأردن وسوريا ولبنان بشرق المملكة.

ووفقا لبيانات آخر تعداد لعام 1413هـ (1992م) نمت كل من التجمعات السكانية لعرعر وطريف ورفحاء لتصبح مدنا متكاملة ذات أحجام متوسطة حيث بلغ سكان مدينة عرعر 108 ألف نسمة وأصبحت عاصمة لمنطقة الحدود الشمالية تتوافر فيها جميع الخدمات التي تدعم نشر التنمية في المناطق الشمالية بالمملكة (الجدول رقم 1). ويرجع النمو الهائل نسبيا في حجم سكان مدينة عرعر إلى وظائفها الإدارية والتجارية المهمة حيث اختيرت كعاصمة إدارية ومقرا لإمارة منطقة الحدود الشمالية، وبالتالي زودت المدينة بالخدمات التي تتسم بالمركزية كالخدمات التعليمية والصحية والإدارية. ولم تعد تعتمد هذه المدن على خط أنابيب البترول الذي توقف في نهاية السبعينيات نتيجة القلاقل السياسية في لبنان. وتقع هذه المدن على امتداد الطريق المعبد الذي يبلغ طوله 840 كم ويربط المملكة بالأردن وسوريا ولبنان وتركيا.

الجدول رقم (1). النمو السكاني لمدن خط التابلاين.

المدينة

1962

1974

1992

معدل النمو

عرعر

9000

33,351

108,055

8,5%

طريف

7000

12,449

32,022

5,2%

رفحاء

4000

15,703

30,135

6,9%

المصدر: 1962م، دوكسيادس، المنطقة الشمالية، الأوضاع الراهنة.(1)(2)

وبفضل منظومة مدن خط التابلاين الجديدة تحول إقليم الحدود الشمالية من امتداد شبه صحراوي إلى منطقة معمورة ومرتبطة وظيفيا بباقي أجزاء المملكة. وأصبحت هذه المدن نقاط تركز Node Points على امتداد أحد أهم محاور الطرق الدولية التي تربط المملكة بالدول الشمالية، وأصبح لهذه المدن دور فعال كمراكز خدمة ونمو للمناطق المحيطة.. ولاشك أن المحرك الأساسي الذي دفع بازدهار هذه المدن هو سياسة الدولة ومخططاتها التنموية التي غذت هذه المدن بالوظائف والهياكل الحضرية الأساسية. وتعتبر تجربة مدن التابلاين من التجارب الناجحة في نشر التنمية وإعمار المناطق غير المأهولة في الحيز المكاني الوطني.

المدن الجديدة: تطوير نمط التنمية العمرانية

مع انقضاء العصر الذهبي للمدن الجديدة خاصة في الدول الصناعية، أخذت تبرز مفاهيم جديدة في أنشطة التخطيـط الحضــري، مثل مفهـوم المدن الجديدة داخـل المدينة New Town in Town التي بدأت في الانتشار منذ مطلع الثمانينيات. وانتشرت بالمملكة العربية السعودية المدن الجديدة داخل نطاق المدن القائمة. وكانت المدن الكبرى القائمة أنسب المواقع للمدن الجديدة التي شملت، على سبيل المثال، المدن الإدارية والسكنية الجديدة داخل نطاق مدينة الرياض، وهي المربع والملز والحي الدبلوماسي، وقد نشأت هذه المدن الجديدة داخل نطاق المدن القائمة إما من خلال التقسيمات المخططة أو المخططات كمدن جديدة.

وقد أدخلت المدن الجديدة داخل المدن أبعادا جديدة على مفهوم الحيز منها انخفاض مستوى الكثافة السكانية، وزيادة نسبة الشوارع زيادة كبيرة تزيد ثلاثة أضعاف عمّا هو مخصص لها في التجمعات التقليدية. كما كان للمدن الجديدة داخل نطاق المدن القائمة تأثير بالغ في نمط التنمية العمرانية الجديدة بالمملكة حيث أصبحت نماذج يحتذى بها، ليس على مستوى المدن الكبرى فحسب ولكن على مستوى المملكة ككل؛ وخاصة فيما يتعلق بالنظام الشبكي للشوارع والفيلا كنوع جديد للمساكن، وقد كانت أهم أسباب احتذاء الكثير من السكان بهذا النوع من التنمية العمرانية الجديدة هي أن هذه المشاريع كانت متبناة بواسطة الحكومة، ومن ثم اعتبرت من قبل الكثير تجسيدا لرؤية الحكومة وانعكاسا لوجهة نظرها فيما يجب أن يكون عليه تخطيط المجاورات السكنية الجديدة؛ ومن ثم اعتبرت رمزا للحداثة (1). 

المدن الجديدة: الأغراض العسكرية

تمثل أحد أهداف إقامة المدن العسكرية توفير جميع معطيات الاستقرار والطمأنينة للعاملين في القطاعات العسكرية. وكان لإنشاء المدن العسكرية الجديدة بما تطلبته من تجهيزات أساسية وخدمات أثر كبير على تنمية ودعم مدن قائمة واستحداث مجتمعات جديدة، حيث شجعت هذه المدن على توجيه استثمارات القطاع الخاص في أنشطة وخدمات مساندة ووفرت فرص عمل للكثير من الأهالي مما انعكس إيجابيا على تطوير المناطق المجاورة. ويمكن القول أن إنشاء المدن والثكنات العسكرية خلال فترة السبعينيات الميلادية قد أعطى دفعة قوية للاقتصاد الوطني حيث أحدثت طفرة في قطاع التشييد والبناء. وأصبحت المدن العسكرية في المملكة العربية السعودية تمثل نمطا جديدا من أنماط التوسع العمراني بالمملكة.

المدن الجديدة: تنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة القيمة المضافة

انتهجت المملكة العربية السعودية أسلوب التخطيط الوطني الشامل منذ بداية السبعينيات الميلادية. ويمثل تنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط الخام أحد أهم الأسس الاستراتيجية لمسيرة التخطيط الوطني الشامل. ومن هذا المنطلق تمت إقامة أكبر مدينتين صناعيتين في الشرق الأوسط في منطقة الجبيل وينبع، وذلك بهدف زيادة القيمة المضافة للبترول الخام وتحويله إلى منتجات ذات قيمة تصديرية عالية. وقد تم إنشاء صناعات أساسية وثانوية ذات كلفة استثمارية عالية تعتمد على المواد الهيدروكربونية توفر منتجات ذات قيمة تصديرية عالية تفوق القيمة التصديرية للمواد الخام. وفتحت هذه الصناعات مجالا رحبا للقطاع الخاص للاستثمار في مجال الصناعات الثانوية والمساندة في مختلف مناطق المملكة نظرا لما توفره الصناعات الأساسية من مدخلات ومنتوجات نصف مصنعة تسمح بتواجد صناعات ثانوية ومساندة. وكان لنشأة هذه المدن الصناعية الجديدة أثر واضح وملموس على تكامل الفعاليات الإنمائية للقطاعين العام والخاص [14]. هذا بالإضافة إلى دعم جهود التنمية الإقليمية على امتداد الخليج العربي وساحل البحر الأحمر. وتشير بيانات آخر تعداد عام للسكان لعام 1992م أن إجمالي سكان المـدن الصناعية للجبيل وينبع قد بلغ 79,000 و36,000 نسمة على التوالي(1). 


الخاتمة

بهدف تفادي المشكلات المترتبة على التوسع العمراني غير المنظم واستمرار استقطاب المدن الكبرى بالمملكة ومنها مدينة الرياض، لنسبة عالية من الزيادات السكانية بالمملكة، وبهدف توجيه وترشيد التنمية العمرانية، فقد وضعت وزارة الشؤون البلدية والقروية إطارا يحدد توجهات التنمية العمرانية على الحيز الوطني على المدى الطويل وبما يحقق الأهداف التنموية الواردة بخطط التنمية الوطنية، وأهمها: توخي الكفاءة في استخدام الموارد وتحقيق التنمية المتوازنة.

وتمثل الاستراتيجية العمرانية الوطنية التوجه العام والتصور المستقبلي لما يجب أن يكون عليه التوزيع المكاني للتنمية العمرانية على الحيز المكاني الوطني. وتؤكد الاستراتيجية على أن الخلل القائم في التوزيع المكاني للتنمية العمرانية والسكان على مستوى المدن وبين مناطق المملكة ليس وليد الساعة، بل هو نتاج تراكمات طويلة، وأن علاج هذا الخلل سيتطلب زمنا طويلا. وإن لم يبدأ العمل بتبني سياسات لإصلاح ذلك الخلل فستستمر المدن الكبرى بالمملكة، ومنها مدينة الرياض، في استقطاب السكان من المناطق الريفية والمدن الصغيرة، وسيزداد حجم هذه المدن لدرجة يصعب معه إدارتها وستزداد تكلفة توفير المرافق والخدمات وصيانتها إضافة إلى المشكلات البيئية.

وبالأخذ في الاعتبار هذه الأهداف والأوضاع الراهنة المتمثلة في التوزيع الحالي للسكان والتجهيزات الأساسية والفوارق القائمة بين المناطق من حيث الموارد والإمكانات ومستويات ومعوقات النمو تم طرح تصورين بديلين للتنمية العمرانية الشاملة بالمملكة. استند التصور الأول على أن تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والمرافق وتعزيز فرص النمو الاقتصادي سيتطلب تركيز التنمية العمرانية مستقبلا بعدد محدود من المراكز الحضرية الرئيسية، وهي: الرياض، جدة، مكة المكرمة، وحاضرة الدمام، والطائف والتجمعات السكانية المجاورة لهما لما لهذه التجمعات من مزايا نسبية. أما التصور الثاني فقد خلص إلى أن تحقيق المزيد من التنمية المتوازنة على الحيز المكاني الوطني سيتطلب نشر التنمية العمرانية مستقبلا بمناطق بعيدة عن المراكز الحضرية الرئيسية وخاصة بالمناطق الشمالية والجنوبية الغربية بالمملكة.وتبين من الدراسات التحليلية أيضا أن أيا من التصورين ليس بمقدوره منفردا تحقيق الأهداف الوطنية مجتمعة والمتمثلة في الكفاءة في استخدام الموارد والمرافق الموجودة وتحقيق التنمية المتوازنة. وبالتالي كان لابد من التفكير في أسلوب عملي للموائمة بين كلا التصورين بحيث يتحقق على المدى الطويل الاستغلال الأمثل للموارد والمرافق من ناحية والتنمية المتوازنة من ناحية أخرى. وتبين أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال تعزيز الترابط الوظيفي والإنتاجي بين مختلف أجزاء الحيز الوطني والانتشار التدريجي للتنمية من مراكز الاستقطاب الحضرية الحاليــة إلى المناطـق الأقـل نمـوا عـن طريق تدعيم مراكز للنمو (حضرية وريفية) يتم اختيارها ضمن محاور للتنمية العمرانية Development Corridors تغطي  الحيز المكاني للمملكة ككل. وتمثل محاور التنمية العمرانية مدخلا أكثر شمولية لتحقيق التنمية المتوازنة. هذا وقد تبين من دراسات الوضع الراهن للتنمية العمرانية بالمملكة أن المواءمة بين كفاءة استخدام الموارد والتنمية المتوازنة لا يمكن أن تتحقق ما لم ينظر إلى أجزاء الحيز الوطني بصورة أشمل، وما لم يتم الانتشار الجغرافي للتنمية بصورة تدريجية من المراكز الحضرية المتطورة إلى المناطق القريبة الأقل نموا. وأن محاور التنمية هي أفضل السبل لتحقيق ذلك الانتشار في ظل الأوضاع الراهنة. وتبين أنه يوجد تركز في الأنشطة الاقتصادية والسكان في ثلاثة محاور رئيسية قائمة، وهي محور المنطقة الشرقية ومحور المنطقة الوسطى ومحور المنطقة الغربية، مما يؤيد ملاءمة مفهوم محاور التنمية لظروف المملكة.

ومحور التنمية هو الحيز المكاني الذي تتوفر فيه مقومات تنويع الأنشطة الإنتاجية والخدمية، وتشمل هذه المقومات وجود المستوطنات والتجمعات السكانية ذات الأحجام المختلفة وطرق المواصلات التي تربط بينها والمرافق والخدمات والأنشطة الاقتصادية المتنوعة التي يمكن أن تساند بعضها البعض بما يضمن استمرارية التنمية على المدى الطويل وانتشارها تدريجيا من المناطق الأكثر نموا إلى المناطق الأقل نموا من خلال التسلسل الهرمي للتجمعات السكانية.

ويتمثل الأساس النظري لمحاور التنمية في أنها ترجمة تطبيقية لنموذج التنمية الإقليمية الذي استحدث لمواجهة المشاكل الحقيقية للتنمية الإقليمية في الحيز الجغرافي، وأهمها نمو المدن الكبرى على حساب المناطق المجاورة، وذلك نتيجة لقدرة المدن الكبرى على جذب فرص التنمية من المناطق المجاورة. وقد بنى هــذا النمــوذج، الــذي يأخـذ في الاعتبار تداخل العلاقات بين المراكز الحضرية والمناطــق الريفية، على أهمية توجيه التنمية لنقط توطن في الحــيزات الجغرافيــة بـين المدن الكبرى من خلال مراكز للتنمية تمثل نقط تركز يتم من خلالها تفاعل التنمية في الحيز المكاني لمحور التنمية .

قائمة المراجع:

 (1) صالح بن علي الهذلول و محمد عبدالرحمن السيد ، المدن الجديدة بالمملكة العربية السعودية تركيز أم انتشار للتنمية العمرانية؟ ، وزارة الشؤون البلدية ،المملكة العربية السعودية  ، قدم للنشر في 2/6/1420هـ؛ وقبل للنشر في 9/11/1420هـ.

 (2) الهذلول، صالح؛ عمروش، أحمد. المدن الجديدة واستراتيجية التخطيط الإقليمي-   مدن خط التابلاين بالمملكة العربية السعودية. ندوة المدن الجديدة، المعهد العربي لإنماء المدن، الرياض (1993م).

 (3) وزارة المالية والاقتصاد الوطني، مصلحة الإحصاءات العامة، الرياض: التعداد العام للسكان عام 1384هـ

(4) وزارة المالية والاقتصاد الوطني، مصلحة الإحصاءات العامة، الرياض: التعداد العام للسكان لعام 1413هـ.


المملكة العربية السعودية

وزارة التعليم العالي

جامعة الملك سعود

كلية الآداب/جغرافيا

بحث بعنوان:

المدن الجديدة في المملكة العربية السعودية

إعداد الطالب:

مشعـــــــــل مفضي العــــنزي

إشراف الدكتور:

إبــــراهيم الجـــــطيـــــلي

العام الجامعي

1435/1436هـ

ابحث عن موضوع