بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمــة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد...
فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول موضوع : " التعصب الاعلامي " تلك الظاهرة التي بدأت ترسم معالمها على ساحة الاعلام المعاصر.
و سيتم في هذا الموضوع الاعتماد على جمع المعلومات من عدة مصادر ومراجع علمية و ذلك في ضوء ما تيسر لي من معلومات...
وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب .. و الله الموفق.
تعريف التعصب
لغة: يأتي بمعنى الشدة يقال لحم عصب: صلب شيد، وأتعصب أشتد، والعصب: الطي الشديد، وعصب رأسه وعصبه تعصيباً: شده واسم ما شد به العصابة.
ومن أمثال العرب: فلان لا تعصب سلماته، يضرب مثلاً للرجل الشديد العزيز الذي لا يقهر ولا يستذل.
ومنه قوله عز وجل "هذا يوم عصيب" أي شديد.
ويأتي بمعنى: التجمع الإحاطة والنصرة ومنه قوله عصبة الرجل: بنوده وقرابته لأبيه والعرب تسمى قرابات الرجل أطرافه ولما أحاطت به هذه القرابات وعصبت بنسبه سموا عصبة وكل شيء استدار بشيء فقد عصب به والعمائم يقال لها العصائب، ويقال عصب القوم بفلان أي استكفوا حوله والعصبة والعصابة جماعة ما بين العشرة إلى الأربعين.
والتعصب من العصبية والعصبية أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتألب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين.
والعصبي هو الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم.(ابن منظور , 2001م, 1/602)
اصطلاحاً:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي فالتعصب هو التشدد وأخذ الأمر بشدة وعنف وعدم قبول المخالف ورفضه والأنفة من أن يتبع غيره ولو كان على صواب.
وكذلك التعصب هو نصرة قومه أو جماعته أو من يؤمن بمبادئه سواء كانوا محقين أم مبطلين، وسواء كانوا ظالمين أو مظلومين.
وبضدها تتبين الأشياء:
فالتعصب ضد التسامح ،والانغلاق ضد الانفتاح والتحجر ضد التفكر ، ورفض الآخر وعدم قبوله ضد التواصل معه والتعايش والتوافق والعصبية والحمية ضد التجرد للحق والانتصار له فمعاني التعصب ممقوته مذمومة وضدها هذه المعاني الجميلة المحمودة.
طبيعة التعصب و المتعصب :
(التعصب) يشكّل عائقاً أساسياً أمام كل أشكال التقارب بين الأفراد والجماعات والشعوب والمؤسسات.. وذلك لأنه يكرِّس أسباب الفرقة، ويهدم ما هو موجود من أركان اللقاء والوحدة والتعاون.
وهذه بعض الملاحظات الجوهرية في هذا الشأن:
للتعصّب علاقة لغوية بـ (العصبيّة)، ومعناها أن يدعو الرجل إلى نصرة (عُصبته) –أي قرابته من جهة أبيه الذين يتعصّبون له وينصرونه- والتألّب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين. ( المقريء , 1421هـ, ص 321)
إن المتعصّب لشيء أو ضده يتسم بالعاطفة الشديدة والميل القوي، فهو في حالة التعصب لأفكاره.. لا يرى فيما يتعصّب له إلا الإيجابيات والمحاسن، وفي حالة التعصّب ضد شيء مما ذكرناه، فإنه لا يرى المعايب والسلبيات، وهذا يعني أن المتعصّب مصاب بـ (عمى الألوان). والمتعصّب إنسان غارق في أهوائه وعواطفه، على مقدار ضعفه في استخدام عقله، ولا يعني ذلك أنه لا يفكر، إنه يفكر، ولكن الأفكار التي تتمحض تتمخض عن تشغيل عقله، يتم إنتاجها في إطار العواطف الجامحة التي لديه، وتكون مهمتها الأساسية ليس ترسيخ الاعتدال والإنصاف، وإنما التسويغ للميول والعواطف العمياء التي تغلي في صدر الإنسان المتعصّب!
لا يحبّ المتعصّب المناظرة؛ لأن التعصّب الذي لديه يوحي إليه بأنه على الحق الواضح الذي لا يقبل النقاش، لكن المتعصّب يحب الجدال بالباطل الذي يقوم على أسس غير موضوعية وغير عقلانية. والإنسان المتعصّب بعد هذا وذاك إنسان عجول، يُصدر الأحكام على الناس من غير فحص للأدلة والبراهين والأسس التي تقوم عليها تلك الأحكام، إنه مع قومه فيما يحبون ويكرهون، ومع جماعته فيما تقدم عليه، وفيما تحجم عنه، وهم في كل ذلك على صواب، ولا يحتاج ذلك إلى أدلة.
ومن لوازم التعصّب ومكوناته الآتي:
الجمود؛ إذ إن المتعصّب يلازم الأفكار الموروثة حول ما يتعصّب له، فإذا كان يتعصّب لبلده، فإنه يحفظ كل ما قيل في فضائله بقطع النظر عن صحته، ولا يفتح عقله للتعامل مع المقولات الجديدة حول ذلك البلد؛ فهو بلد الصدق والأمانة والشهامة والكرم.. وإن كان الناس من حوله يلاحظون أن وجود هذه الفضائل نسبي، وأن بين أبناء بلده من ليس صادقاً ولا أميناً ولا كريماً...
من مكونات التعصّب ولوازمه التفكير غير المنطقي؛ إذ تنطمس الأسباب عند الحديث عن المشكلات، ويختل الربط بين المقدمات والنتائج، فإذا حدثت محنة عظيمة لجماعة المتعصّب فإن تلك المحنة ليست بسبب سوء تقديرها للأمور، أو بسبب أخطاء تربوية أو تنظيمية أو بسبب أخطاء إستراتيجية.
إن كل هذه الأخطاء لا يستطيع المتعصّب الاعلامي رؤيتها، ولهذا فالمحنة التي وقعت هي بسبب مؤامرة كبرى تعرّضت لها الجماعة أو بسبب وشاية من جماعة منافسة، أو بسبب عدم التزام بعض أبنائها بالتعليمات.. وحين يُنبَّه المتعصّب إلى أن السلوك الفلاني سيؤدي إلى كذا وكذا، فإن المتعصّب يفسر ذلك بالحسد والحقد والجهل؛ وذلك لأن في سلسلة المعقولات لديه حلقات مفقودة، لهذا فإنه لا يستطيع رؤية التداعيات المنطقية بين الأشياء.
التعميم المفرط داء وبيل يُبتلى به المتعصبون عادة، ونحن نقول دائماً: إن التعميم المفرط من أكثر أخطاء التفكير شيوعاً، وذلك بسبب عجز معظم الناس عن إصدار أحكام مبنية على رؤية تفصيلية منصفة، إن أي فضيلة تثبت لواحد من أفراد قبيلة المتعصّب، يعمّمها على باقي أبناء القبيلة، وإن أي رذيلة تثبت عن قبيلة منافسة يقوم بتعميمها على جميع أبناء كل تلك القبيلة، وفي هذا من الظلم ما لا يخفى. وهكذا فالمحاباة والتحامل صفتان أساسيتان لدى الإنسان المتعصّب .
http://www.drbakkar.com/index.php
تجلي التعصب في الاعلام الالكتروني:
إقبال الناس على الإعلام عموما و الاعلام الإلكتروني خصوصا ونموهم المتزايد فيه جاء لأنه يرضي اهتماماتهم ويحقق تطلعاتهم ويرون فيه جاذبية أكثر من الإعلام التقليدي الورقي منه والمرئي الرسمي وحتى الإلكتروني الرسمي لأسباب أهمها مساحة الحرية المتاحة، والدراسة الاستطلاعية التي أجراها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عن واقع الإعلام من وجهة نظر المجتمع السعودي أكدت على ذلك حيث أن 62% من عينة الدراسة تحرص على متابعة الصحف الإلكترونية أكثر من الصحف المطبوعة، غير أن النتيجة اللافتة للنظر في الدراسة هي أن حرية الإعلام الإلكتروني تعزز التعصب الفكري أكثر من الوسائل الإعلامية الأخرى، وهذا يدفعنا إلى التساؤل هل الحرية هي التي تعزز التعصب بشكل عام سواء كان فكرياً أو مذهبياً أو عرقياً؟ أم أنها كانت موجودة لكن الإعلام التقليدي لم يتح مجالاً لظهورها، وجاء الإعلام الإلكتروني بمساحة الحرية التي يحملها ونقل التعصب من الظل إلى النور ومن الشارع إلى فضاء الإعلام، وبهذه الحال يكون من الظلم أن نحمل الإعلام الإلكتروني جريرة أنه عزز التعصب، بينما هو نال فضيلة نقل التعصب من دائرة المسكوت عنه إلى العلن وأتاح له أن يخضع للملاحظة والنقاش والتحليل تحت المجهر، ويكفي أن تتابع التعليقات على أخبار معينة في بعض المواقع أو على شبكات التواصل الاجتماعي لتعرف المدى الذي يمكن أن يقود إليه التعصب عند بعض الناس سواء كان هذا التعصب فكرياً يصل إلى حد الفجور في الخصومة أو مذهبياً يصل إلى حد التكفير أو عرقياً يصل إلى حد الشوفينية والإلغاء أو مناطقياً يصل إلى حد التراتبية والطبقية، والمشكلة هي أنه لا توجد في الأفق أي خطوات أو دراسات تتلوها خطوات تنفيذية أو إجراءات تحكمه وتقننه أو على الأقل ترشده بحيث يبقى في حدوده الطبيعية المعقولة التي تجعله جزءاً من حرية التعبير وحرية اتخاذ المواقف ووجهات النظر دون أن تنقص حقاً أو توجه إساءة أو تمس كرامة.
http://www.kacnd.org/writer_words_descr.asp?idd=277&idd1=332
مظاهر التعصب في الاعلام :
1. التعصب الحزبي:
وهو التعصب للفئة أو الحزب أو الجماعة التي ينتسب إليها الفرد والانتصار لها بالحق والباطل، وإضفاء صفة العصمة والقداسة عليها، وذكر مزاياها ومحاسنها ومهاجمة غيرها بذكر عيوبها وسيئاتها ويعظم حزبه ويحتقر غيره.
2. التعصب القومي:
وهو الانتصار إعلاميا للقومية التي ينتسب إليها لمجرد القومية، كما تعصب الأتراك لقوميتهم في آخر الخلافة العثمانية وكما تعصب العرب لقوميتهم مقابل هذا التعصب وحروب القوميات لا تخطئ على الناظر وقد تقع في البلد الواحد.
3. التعصب المذهبي أو الطائفي:
التعصب الاعلامي الطائفي أشعل نار الفتنة والقتال بين طوائف الشعب.
4. التمييز العنصري:
بسبب الجنس كتمييز الذكور ضد الإناث أو اللون كتمييز الأبيض ضد الأسود أو الأرض والوطن كالتمييز الحاصل ضد المهاجرين واللاجئين ، أو القبيلة كالتمييز ضد أبناء القبائل الأخرى واحتقارهم.
5. التعصب الفكري:
وهو رفض فكر الآخر وعدم قبوله والاستماع إليه وترك التجرد والإنصاف في الحكم عليه والتشدد في التعامل معه ونقده بألذع الصور وتكوين صورة وإطار معين لفكر المخالف مشوبة بكثير من الأخطاء والمغالطات لأنها قائمة على أسس واهية من التعصب والتحجر.
( الدمخي , د . ت , ص3)
النظريات المفسرة لظاهرة التعصب في الاعلام :
مدرسة التحليل النفسي :
يمثل التعصب أحد أهم جوانب نظريات(سيمغوند فرويد) لتفسير السلوك البشري وأرجع فرويد التعصب إلى العوامل البيولوجية الوراثية من خلال سيطرة الغرائز والدوافع والحاجات، حيث أرجع التعصب والعدوان والمشاجرات إلى غريزة الموت، وعليه فالتعصب يبدو كخاصية بيولوجية ويصبح المشاجرات القبلية استجابة طبيعية.
فالتعصب الاعلامي هنا خاصية تمتد في جذورها إلى الطبيعة البشرية وهي كامنة وتثار إذا اعترض نشاط الفرد أو الحيوان المتمثل في سلسلة من الاستجابات الموجهة نحو هدف معين، وعندما تستثار نزوة التعصب يصبح ظهوره إعلاميا استجابة طبيعية كغيرها من الاستجابات الطبيعية للفرد.
ويصبح ما يمكن أن يفعله المجتمع لا يتعدى بعض البرامج التي تستهدف تشجيع الفرد على التستر على نزواته التعصبية و العدوانية وحفظها في الداخل والأحجام عن التعبير عنها في شكل فعل من أفعال التعصب الاعلامي ، وتصبح معدلات التعصب المنخفضة دليلاً على نجاح البرامج المجتمعية والعكس صحيح، ويلاحظ أن مقولة هذه المدرسة تقوم على مجموعة من المسلمات والمقولات الغير قابلة للاختبار والتجربة (مصطفى التير، 1418هـ، ص30-31) .
المدرسة السلوكية :
تستند المدرسة السلوكية في تفسيرها للتعصب إلى المتغيرات البيئية، وتشغل العوامل الاجتماعية حيزاً كبيراً منها ويوجه أنصار هذه المدرسة اهتمامهم نحو البحوث الإمبيريقية المبنية على الواقع والتصميمات التجريبية .
النظرية الصراعية التعددية:
وتستند هذه النظرية على المسلمة القائلة أن المجتمع يتألف من جماعات متنوعة دينياً واقتصادياً واجتماعياً وعرقيا ( وهنا تتفق هذه النظرية مع موضوع الدراسة التي تتناول ظاهرة التعصب الاعلامي، وأن هناك صراعاً مستمراً في هذا الوسط والمنتصر في هذا الصراع هو من يملك القوة والتي يحولها إلى خدمة مصالحة بأشكال متعددة ( الوريكات ، 2004م ، ص 166).
ومن رواد هذه النظرية جورج فولد ( Vold ) الذي بنى نظريته على أدبيات ورث وسيلين في الثقافات الصراعية وهو يؤكد في نظريته على مجموعة من القضايا ومنها:
أ) التنافس المستمر بين الجماعات الاعلامية حول المصالح.
ب) إن صناعة القوانين لهذا الصراع هي عمليات اعلامية مستمرة.
( الوريكات ، 2004م، ص166م).
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...
فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع:" التعصب الاعلامي" و قد كشف البحث عن ارتفاع وتيرة التعصب في الاعلام الالكتروني مقارنة بالاعلام التقليدي , و لذا أوصي بوجوب وضع قوانين و أنظمة تعمل على مكافحة التعصب الاعلامي في وسائل الاعلام التقليدية و الالكترونية على حد سواء ووضع معايير و ضوابط من شأنها أن تقضي على هذتا التعصب البغيض ذي العواقب الوخيمة .
هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...
و بالله التوفيق ...
قائمة المراجع
1- ابن منظور ( 2001هـ) لسان العرب ,ط 3, مكتبة لبنان , بيروت .
2- عادل الدمخي (د. ت) التعصب "مظاهره – أسبابه – نتائجه - البعد الشرعي" .
3- عايد عواد الوريكات ( 2004م ) نظريات علم الجريمة ، الشروق ، عمان.
4- مصطفى عمر التير ( 1418هـ ) العنف العائلي، مركز الدراسات والبحوث أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض.
5- المقرئ , احمد الفيومي (1421هـ) المصباح المنير , دار الحديث , القاهرة , .
6- من الانترنت :
http://www.drbakkar.com/index.php
http://www.kacnd.org/writer_words_descr.asp?idd=277&idd1=332
المملكة العربية السعودية
جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية
كلية العلوم الاجتماعية
قسم علم الاجتماع
بحث حول :
التعصب الاعلامي
إعداد الطالب / حسين السهلي
إشــــراف الدكـتور/ مشبب القحطاني
العام الجامعي
1433/1434هـ