التأصيل الإسلامي لعلم الاجتماع إشكالية المفهوم والمنهجية

التأصيل الإسلامي لعلم الاجتماع  إشكالية المفهوم والمنهجية  

التأصيل الإسلامي لعلم الاجتماع  إشكالية المفهوم والمنهجية


أ.د / عبدالعزيز بن علي بن رشيد الغريب

في ظل نمو نزعة التطبيق الفعلي للعلوم، وخدمة الإنسان والإنسانية في نهاية القرن التاسع عشر، اتجه علماء الاجتماع إلى تسخير مبادئ ونظريات علم الاجتماع نحو دراسة عدد من الظواهر والمشكلات. وبالتالي شهد علم الاجتماع نمواً هائلاً في قضاياه وميادينه وفروعه، حيث تعددت التصنيفات لفروع علم الاجتماع حسب مجالاته التطبيقية، أو حسب أنظمة المجتمع، أو حسب الفئات العمرية المختلفة، أو حسب تخصص كل مجال في دراسة ظاهرة اجتماعية معينة. فحسب النظم الاجتماعية الرئيسة فهناك علم الاجتماع الأسري أو العائلي، وعلم الاجتماع السياسي، وعلم الاجتماع التربوي، وعلم الاجتماع الاقتصادي، وعلم الاجتماع الديني وغيرها. ومن حيث المجالات التطبيقية فهناك علم الاجتماع الصناعي، وعلم الاجتماع الطبي، وعلم الاجتماع المهني، وعلم اجتماع العمل، وعلم اجتماع الإدارة، وعلم الاجتماع التنظيمي، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم اجتماع الإعلام، وعلم اجتماع التنمية وغيرها. ومن حيث الفئات الاجتماعية فهناك علم اجتماع الشباب، وعلم اجتماع الشيخوخة، وعلم اجتماع الطفولة، وعلم اجتماع المرأة. ومن حيث الظواهر الاجتماعية فهناك علم اجتماع الثقافة، وعلم اجتماع الجريمة، وعلم اجتماع الزواج، وعلم اجتماع الأخلاق، وعلم اجتماع القيم، وعلم اجتماع الجمال، وعلم اجتماع اللغة، وعلم اجتماع المعرفة، وعلم اجتماع البيئة، وعلم اجتماع التقاعد، وعلم اجتماع أوقات الفراغ ، وعلم اجتماع القضاء وغيرها. كما تخصصت فروع من علم الاجتماع في ضوء الأنماط المعيشية للإنسان، فهناك علم الاجتماع الحضري، وعلم الاجتماع البدوي، وعلم الاجتماع الريفي، وعلم الاجتماع القروي. كما أنه في ظل التطور العلمي لعلم الاجتماع أنشئت فروع جديدة كعلم اجتماع الرياضة، وعلم اجتماع الحرب والسلم، وعلم اجتماع العولمة، وعلم الاجتماع الاستهلاكي، وعلم اجتماع السياحة، وعلم اجتماع المستقبل، وعلم اجتماع الأزمة.

ومن ثم نلحظ أن النظم الاجتماعية، والظواهر الاجتماعية حظيت بكم وفير من فروع علم الاجتماع تبعاً لتنوعها، فالنظم الاجتماعية والظواهر الاجتماعية لا زالت في نظر كثيرين هي الموضوع الرئيس لعلم الاجتماع، وأن هذه الظاهرة ذاتها معقدة ومتساندة ومترابطة وتتضافر العوامل المؤثرة فيها، إذ ينظر إليها على أنها تفاعل بين شخصين أو أكثر، وللبيئة تأثير كبير بل مطلق أحياناً في نشوئها ودرجة تأثيرها في المجتمع. 

والمتتبع للبناء النظري والمنهجي لمختلف تلك الفروع لا يجد الأثر العلمي الواضح للحضارة العربية والإسلامية في بناء تلك الفروع لعلم الاجتماع، رغم الدور الكبير للحضارة الإسلامية في نشأته ممثلةً بابن خلدون وبعض الفلاسفة الآخرين كالفارابي وابن رشد وغيرهم. إلا أن التأثير اقتصر على ذلك. ولوحظ غياب كبير لجهود أخرى ترقى لمصاف تأسيس فروع أو نماذج نظرية، أو التأثير في علم الاجتماع كعلم إنساني. ففي المجتمعات العربية والإسلامية كانت هناك محاولات منذ وقت مبكر لتطبيق هذا العلم الحديث الذي دخل للمجتمع العربي منذ بداية القرن الماضي عام 1925م من خلال قسم الاجتماع في الجامعة المصرية كأول قسم متخصص في علم الاجتماع، بحيث اهتم الرواد بتحقيق التوفيق بين النظرية الغربية لعلم الاجتماع والفكر الاجتماعي العربي ( زايد، 1996 :4). 

ومن ذلك الوقت كانت هناك بعض الجهود حول إضافة الصبغة التراثية العربية والإسلامية لهذا العلم. أو بمعنى آخر محاولة التوفيق بين هذا العلم الوافد من الغرب - كما يرى البعض - والواقع المجتمعي للمجتمع العربي والإسلامي، دون أن يكون الهدف هو إضافة علمية للإنسانية جمعاء، كما هو الحال في الحضارات الأخرى. كما نشير إلى أنه قد حظي اتجاه التأصيل بعدد كبير من الدراسات والأبحاث التي تعرضت بالنقد لواقع علم الاجتماع في المجتمعات العربية والإسلامية، كما اهتمت به  مؤسسات علمية وأكاديمية، ومنها جامعة الأزهر، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي ( الغالي،1999: 24). كما أنشأت الندوة العالمية للشباب الإسلامي لجنة للتأصيل الإسلامي للعلوم عام 2003م. كما كان هناك جهود مميزة لبعض أساتذة علم الاجتماع من غير العرب ومنهم عالم الاجتماع في باكستان إلياس باينوس مؤلف كتاب ( مقدمة في علم الاجتماع الإسلامي)، وبشارة أحمد مؤلف عدد من الكتب عن ابن خلدون والفارابي والغزالي وابن رشد، وغيرهم من علماء ومفكري الإسلام ( السمالوطي، 1991: 402). إذن علم الاجتماع الإسلامي حظي بجهود مؤسسية وجهود فردية من الباحثين، وقد ظل موضوعاً حيوياً في كثير من دراسات وأبحاث علماء الاجتماع سواء أكان مجالات بحثية، أو توصية للعديد من الدراسات والبحوث في قضايا ومشكلات علم الاجتماع المختلفة. 

رغم تعدد الدراسات المرتبطة بتأسيس علم الاجتماع الإسلامي، أو تعدد البحوث المرتبطة بالمطالبة بتأصيل العلوم الاجتماعية ومن ضمنها علم الاجتماع، إلا أنها ظلت في أغلبها - رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً عليها - مطالبات عامة لم تأخذ الصفة الواقعية أو التطبيقية في منهجية واضحة لمجال أو نظرية معينة في علم الاجتماع ذاته.

 

التأصيل الإسلامي: إشكالية المفهوم:

خلال الثلاثين سنة الماضية تقريباً قام الباحثون المسلمون بكثير من الدراسات المرتبطة بالنظر لعلم الاجتماع ذي المنشأ الغربي، من أجل السعي للنظر في منطلقاته ومناهجه من وجهة نظر إسلامية، وقد اختلفت تلك الرؤى ما بين نظرة فقهية صرفة، وما بين نظرة للأسلمة والتوجيه الإسلامي لمحتويات العلم.

دون الدخول في مناقشة بعض الاتجاهات الفكرية في المجتمع العربي، ونظرتها لعلم الاجتماع ومطالبة فريق بعلم اجتماع عربي في ظل إخفاق الأسلوب المنهجي والتفسير النظري المتبع والمنبثق عن الفكر الغربي في عجزه في فهم المشكلات المطروحة في المجتمع العربي، والتي كان من أبرزها جهود عالم الاجتماع العراقي علي الوردي وجهود عالم الاجتماع اللبناني فردريك معتوق وعالمي الاجتماع المصريين عبدالباسط عبدالمعطي ومحمود حجازي ( كمير والبكري،1999- عمر ،1992- الهاشمي، 2001). وبين اتجاه آخر يطالب بعلم اجتماع إسلامي يدرس علم الاجتماع من منظور الإسلام كدين، وإن اختلفت التسميات لديهم فمنهم من صرح بقوله علم الاجتماع الإسلامي ( عبدالباقي،1984، الجوهري،1983، الخشاب،1980)، وآخر يشير إلى مسمى علم اجتماع الإسلام ( شفلوت،2003)، بينما فريق آخر كأنه يشير إلى محاولة بقوله نحو علم الاجتماع الإسلامي (المبارك، 1977، نصري،1979،عبدالجبار،1988- إسماعيل،1989، أبو حوسه،1998) وفريق أسماه علم اجتماع المجتمعات الإسلامية (جلبي،1984: 243). 

على حين هناك اتجاه ثالث جاء بما سمي أسلمة العلوم الاجتماعية ( عطيه،1980، باقادر،1981، امزيان، 1992). واتجاه رابع جاء بمفهوم التوجيه الإسلامي للعلوم الاجتماعية ( رجب،1991). مما جعل الدارس يحتار بين تلك التصنيفات والرؤى، والتي يمكن أن تكون تراكمية فيما بينها، أو لمتغير المكان والزمان دور في انتشار مفهوم على حساب الآخر.

ورغم الملحوظات على كل الاتجاهات، وبعيداً عن الدخول في قضايا فكرية وفلسفية أخذت الكثير من الوقت والجهد، فإننا نحيل من أراد التوسع لعدد من الندوات والمؤتمرات والتي منها ( ندوة نحو علم اجتماع عربي ، أبو ظبي 1983- علم الاجتماع وقضايا الإنسان العربي، الكويت1984- نحو علم اجتماع عربي ، تونس1985- التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ، الرياض1987- ندوة التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية، القاهرة1991- المؤتمر الثاني للتوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية، القاهرة1993، وغيرها )، وذلك دون الوصول لاتفاق منطقي حول ما هو مطلوب من علم الاجتماع في المجتمع العربي والإسلامي، ودخول العاطفة في أحيانٍ كثيرة، أو التقليد لما هو دارج في مرحلة معينة لها ظروفها ومؤثراتها.

فقد أشار نظامي (1996) إلى أن مفهوم التأصيل رغم تعدد معانيه عند مختلف الباحثين، هو مفهوم غير دقيق وغير متفق عليه، فمنهم من رفض التراث الغربي كله، ومنهم من تقبله جزءاً، ومنهم من يحاول تعديله وتكييفه، ولهذا تعددت مناحيه وأشكاله وأنواعه، فأصبح التأصيل إشكالية في حد ذاته (نظامي، 1994: 135). أو كما أشار عجوبة (1997) إلى أن تأصيل مجالات العلوم الاجتماعية وسياسات الرعاية الاجتماعية بمثابة إصدار تعميمات قد لا تستند إلى وقائع بحثية محددة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة ( عجوبة، 1995: 204). 

رغم اتفاقنا مع بعض الأطروحات التي تؤكد الحاجة لأبحاث ودراسات في مجال التلاقي بين علم الاجتماع وعلوم الشريعة المختلف. فقد أشار باقادر (2005) إلى حاجة العلم الشرعي بفروعه المختلفة لعلم الاجتماع دون أن يطغى أحدهما على الآخر. وكذلك كما يرى الأنصاري (1999) أن دخول علم الاجتماع مجال علوم الشريعة؛ يزيل اللبس والخوف المبطن من علم الاجتماع لدى المختصين في العلوم الشرعية.

 

إشكالية الرؤية: النظرة لعلم الاجتماع المعاصر:

لا شك أن الباحث في قضايا التأصيل والأسلمة للعلوم الإنسانية لابد أن يعرض للرؤية الشمولية التي عرضها الفاروقي (1983) في مؤلفة ( أسلمة المعرفة : المبادئ العامة وخطة العمل). والذي يؤكد أنه لاشك في أن على المتخصصين من علماء المسلمين أن يتقنوا كافة العلوم الحديثة، وأن يفهموها حق الفهم وأن يصبح في حوزتهم وطوع أمرهم كل ما يمكن أن تقدمه من فوائد. يلي ذلك أن عليهم أن يدمجوا هذه المعارف الجديدة في بناء التراث الإسلامي عن طريق الحذف والتعديل وإعادة التفسير والتكييف لكل مكوناته، طبقاً لما تمليه قيم الإسلام ونظرته للعالم. ومن الواجب أن تحدد بوضوح جهة التلاقي و الملاءمة بين الإسلام وفلسفة كل علم، ومناهجه وأهدافه العليا. كما يجب أن تهيأ المثل الإسلامية. كما يطرح ثلاثة من الأسئلة لصياغة مشروع أسلمة المعرفة، إذ يقول: هنالك ثلاثة أسئلة رئيسة يجب أن تطرح وأن نجد لها جواباً. الأول: ما هي مساهمة الإسلام ابتداء من القرآن الكريم وانتهاء بالتراث الذي توصل إليه المجددون المحدثون في جملة القضايا التي يثيرها هذا العلم؟ والثاني: كيف تتطابق أو تتعارض مساهمات التراث الإسلامي مع ما أنجزه هذا العلم؟ وأين وصل التراث في مستوى رؤية هذا العلم وآفاقه وأين قصر عنها أو تخطاها؟ والثالث: بعد معرفة المجالات والقضايا التي كانت مساهمة التراث الإسلامي فيها قليلة أو معدومة، في أي اتجاه يحسن أن تبذل جهود المسلمين مستقبلاً لكي تسد هذا النقص وتعيد صياغة المشكلة وتوسع مدى الرؤية؟.بعد استعراض كل من إسهامات العلم الحديث والتراث الإسلامي، والتعرف على مناهجهما ومبادئهما ومشكلاتهما وإنجازاتهما ومسحهما وتحليلهما، وبعد توضيح العلاقة الخاصة بين الإسلام والعلم وإقامة أسسها، يجب أن نخضع هذا العلم الحديث لتحليل نقدي من وجهة النظر الإسلامية . وهذه خطوة رئيسة من عملية "أسلمة المعرفة".

ولا شك أن غالبية الجهود التالية تأثرت بمثل هذه الرؤية. كما أننا سعينا لعرض الاتجاهات المختلفة لموضوع التأصيل والأسلمة لعلم الاجتماع. فقد أشار مزيان (1993) في دراسته حول منهجية علم الاجتماع في المجتمعات الإسلامية إلى أن المطلع على معظم الخطط الدراسية لمختلف العلوم الإنسانية وعلم الاجتماع بشكل خاص يلحظ تأثيرها إن لم يكن تطابقها مع الخطط الدراسية لهذا العلم كما هو في الجامعات الغربية، فمعظم الفروع والمناهج نقلت إلى حد كبير سواء في مسمياتها، أو في فلسفتها ونظرياتها كما هي دون تقييم، أو نقد باعتبارها حصيلة دراسات تطبيقية أجريت في مجتمعات لها ثقافتها ومنهجها واحتياجات أفرادها ومشكلاتهم التي تختلف عن مجتمعاتنا. وخصوصاً تغليب الاتجاه المادي وتغييب تأثير الجوانب الروحية في حياة الإنسان. بينما رفض عبدالجبار (1988) اعتبار علم الاجتماع الإسلامي جزءاً من علم الاجتماع العام، كما يقال: علم الاجتماع الديني، أو علم الاجتماع السياسي، بل يرى أنه أصل ومنه تتفرع فروع علم الاجتماع الأخرى ( عبدالجبار، 1988:  46).

وفي نفس إطار هذه الدراسة دراسة كل من تيجاني (1990) عن تأصيل علم النفس، ودراسة رجب (2002) عن تأصيل العلوم الاجتماعية. وهي كلها تدعو إلى أن تبدأ المجتمعات الإسلامية في تأسيس علوم خاصة بها ترفض كثيراً مما ما لدى الآخرين، وكأن المجتمعات الإسلامية ليست جزءاً من الإنسانية. ومع التقدير لمثل هذه الجهود إلا أنها في حقيقة الأمر قد لا يكون واقعنا ملائماً لتنفيذها، وقد ننتظر سنوات حتى يتم تحقيقها. بل كانت هناك آراء حادة جداً، ومنها ما أشار إليه خضر (1993) بأنه لا حاجة لنا بعلم الاجتماع لا في شكله العام ولا حتى بعد تأصيله، بل أسماه خرافة القرن العشرين. وما أشار إليه مزيان (1993) من أن علم الاجتماع هو سلاح أيديولوجي لأغراض بعيدة عن المجال العلمي وله أهداف استعمارية وأن علماء الاجتماع موظفون لخدمة الأهداف السياسية ووقوفهم إلى جانب الدول الاستعمارية ( مزيان،1993: 129). وقريب من هذا الرأي أشار الغالي (2000) إلى أن علم الاجتماع في الوطن العربي علم وافد فشكل هذا الأمر مشكلاً وبدأ التساؤل واضحاً، إذ كيف تدرس الظاهرة الاجتماعية بعلم مستورد من خلال المقررات التعليمية وما تحويه من نظريات غربية، مما أبرز الاعتماد المطلق على علم اجتماع لا يستمد من الواقع بل يستهدف دعم نظم لا تتفق مع مجتمعاتنا، وصدرت عن ظروف تختلف اختلافاً كاملاً عن ظروف مجتمعنا ( الغالي،2000: 10). بينما كان لأبو النصر (2001) رؤية أشمل من ذلك حيث عرض لرؤية شاملة للتأصيل في المجتمعات النامية ككل لمواجهة الفكر الغربي بشتى صوره خاصة في مجال المعرفة الإنسانية للحفاظ على ذاتها الحضارية وتراثها وتاريخها وقيمها، بالاستفادة من تجارب دولية نجحت في هذا المجال كاليابان والهند ( أبو النصر،2001: 127). كما خلص ناجي (1987) في تقييمه لدعوات علم الاجتماع بين المحلية والدولية إلى استنتاج في صورة تساؤل مهم جداً إذ يقول: ( يتبنى البعض علم الاجتماع العربي شعاراً، بينما يتخذ من علم الاجتماع الغربي ممارسة، فهل يمثل ذلك انفصاما فكريا واغترابا علنيا؟ وإذا كان ذلك صحيحا فما هي أنماط التكيف مع هذه الازدواجية؟ ( ناجي،1978: 193).

كما أن مثل هذه الدعوات تجرد العلوم الاجتماعية والإنسانية من أصولها وتعيدها لعلوم أخرى لا زال لها ثقلها ومرجعيتها الكبرى في المجتمعات الإسلامية، وبخاصة علوم الفقه، وعلوم الحديث المختلفة، فهل نلغي كل العلوم الإنسانية والاجتماعية، ليصبح الجميع فقهاء أو محدثين؟. هذا بالإضافة إلى أن المقارنة في حد ذاتها لم تكن منطقية في بنائها المنهجي، فالنظريات العلمية للعلوم الاجتماعية جهود تراكمية لبشر من مختلف الحضارات، فكيف تتم مقارنتها بما نص عليه المشرع سبحانه وتعالى، أو ما نصت عليه سنة المعصوم صلى الله عليه وسلم. وهذا ما يراه جلبي (1984) في تقييمه لمحاولات الدعوة لإنشاء علم الاجتماع الإسلامي من أن المقارنة لم تكن موضوعية من أساسها، من أن في بعضه إنزالاً لقدسية القران الكريم، وهو قول الحق سبحانه وتعالى في مقارنته  في مستوى علوم بشرية تقوم على قضايا أقل عمومية وأقل تجريداً وغير يقينية ومتغيرة ( جلبي،1984 : 255) 

وهذا لا يعني عدم وجود دراسات عرضت وبشكل مهم إمكانية صياغة في نوع من المواءمة لعلم الاجتماع ما بين مكوناته ومنهجيته العلمية الحديثة، وما بين المنظور الإسلامي. ومن أبرز تلك الدراسات دراسة المطيري (1993) حول الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع، حيث وضع بعض الأهداف لعلم الاجتماع الإسلامي، وهي: 1- أن يكيف علم الاجتماع نفسه في ظل مبدأ الإيمان بالله تعالى والذي راعى طبيعة النظرة الإسلامية للإنسان وللنظم الاجتماعية وللتاريخ البشري.2- قياس مدى  اقتراب المجتمعات الإسلامية أو بعدها عن الإسلام. 3-وضع الخطط المستقبلية وإيجاد الوسائل والسبل التي تكفل سير المجتمعات الإسلامية المعاصرة في حدود مبادئ الإسلام وتقلل من ابتعادها عنه. وبالتالي تكون سمات علم الاجتماع الإسلامي أنه موجه قيميا ومذهبيا، وأنه يسعى لوضع الخطط العلمية، وأنه واقعي، وأن مصادر علم الاجتماع الإسلامي الفكرية والفلسفية هي الوحي، وتراث المسلمين والتراث العالمي، بينما واقع المجتمعات الإسلامية هو مصدر المادة المبحوثة. وبمعنى أكثر دقة نجد المطيري يشير إلى أن الاستفادة من التراث العالمي الذي يتعلق ببعض فروع علم الاجتماع والإجراءات المنهجية للبحوث وغيرها، بينما تكون الاستفادة من الوحي وتراث المسلمين فيما يتعلق بالإطار النظري والفلسفي للقضية المبحوثة.

إضافة إلى أن علم الاجتماع الإسلامي بوضعه الحالي وكما يرى مؤمنون به وباحثون فيه ( إسماعيل،1989- امزيان،1993)، لا يمكن اعتباره جزءاً من علم الاجتماع العام، فهو ينفي في كثير من بحوثه النظريات والاتجاهات النقدية والتفسيرية، في ظل مقارنة ظالمة أحيانا وغير منطقية في إدعاء التأصيل؟؟. وبالتالي فإن النظرة تلك جعلت مريدي هذا الاتجاه، إما أنهم يعيدون صياغة كتب فقهية اعتقاداً منهم أنها علم اجتماع إسلامي، أو تكون الإضافة خارجية فقط، بينما تظل المنهجية كما هي لدى علم الاجتماع العام وفروعه. وهذا من الأسباب التي جعلت غالبية أقسام علم الاجتماع في الجامعات العربية تعزف عن تضمنين خططها التعليمية مقرراً يحمل مسمى علم الاجتماع الإسلامي، باستثناء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، وجامعة الأزهر بجمهورية مصر العربية ( انظر: الغريب، 2006).

 

الإشكالية المنهجية: الإجراءات المنهجية لبعض دراسات التأصيل الإسلامي:

من خلال تتبع الدراسات المنضوية تحت مجال التأصيل الإسلامي، نجد أن هناك عدد من البحوث التي قام بها بعض الباحثين فيما يعرف بعلم الاجتماع الإسلامي، وهي جهود قام بها بعض من رواد علم الاجتماع كان هدفها الرئيس الغيرة على دين الله عز وجل، وإبراز دور الدين الإسلامي الحنيف في تنظيم الحياة الاجتماعية. وهي في حقيقة الأمر تظل محاولات كبيرة بذلها بعض رواد وأساتذة علم الاجتماع في عالمنا الإسلامي، لا يسعنا إلا أن نقف احتراماً لغايتها وأهدافها. ولا يعني استعراضنا لها، أو إبداء وجهة نظرنا نحو جوانب منها تقليلاً، أو قصوراً، ولكن البحث العلمي لمثل هذه الدراسة استدعى عرضها ومقارنتها بهذا البحث وأسلوب التلاقي أو الاختلاف معها. 

تعد دراسة الخشاب (1980) والتي حملت عنوان: علم الاجتماع الإسلامي، من أوائل الدراسات المتخصصة في هذا الموضوع، وقد أشارت الدراسة إلى أن علم الاجتماع الإسلامي هو ذاك العلم الذي يصف ويحلل معطيات الفكر الإسلامي على أساس أن هذه المعطيات تعكس آراء واتجاهات ونظريات منبثقة من طبيعة الاهتمامات والقيم والمشكلات التي سادت  في المجتمعات في المراحل الأولى من نشأتها وانتشار الشريعة الإسلامية. أي أن الموضوع الرئيس لعلم الاجتماع الإسلامي هو دراسة النظم الاجتماعية وما يتصل بها من ظواهر. كما تناولت الدراسة تحليل الدين كظاهرة اجتماعية ووفق الرؤية العلمية لعلم الاجتماع بتحليل منهجي يعتمد على النظريات المعاصرة لعلم الاجتماع، مع إيضاح لدور الدين في المجتمع والفروق في التدين حسب الأنماط المعيشية والجنس والعمر.  ورغم أن إخضاع الدين لمحددات الظواهر الاجتماعية قد يكون مقبولاً في بعض الأديان إلا أنني أعتقد أن ذلك لا يمكن توافقه مع النظرة للدين الإسلامي باعتباره ديناً خاتماً للديانات، وأنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كاملاً مكتملاً. ثم تناولت الدراسة مجالات علم الاجتماع الإسلامي والتي تركزت في الحركة الصوفية والفرق الكلامية والثورات الاجتماعية في العصور الإسلامية المختلفة، مع تركيز كبير حول التصوف ونشأة الطرق الصوفية وتطورها عبر التاريخ. أي أن رؤية هذه الدراسة لعلم الاجتماع الإسلامي كأنه العلم الذي يدرس الحياة الاجتماعية للمجتمعات الإسلامية، وهو هنا يتشابه مع علم التاريخ دون تطبيق لمناهج ونظريات علم الاجتماع المعاصرة.

كما تتفق مع دراسة الخشاب في نفس الفترة الزمنية دراسة نصري (1980) إلا أنها اختلفت عنها اختلافاً كلياً. ففي سبيل علم اجتماع إسلامي عرض نصري في دراسته في القسم الأول للتوحيد على مستوى التنظير الاجتماعي، وفي القسم الثاني التوحيد في السلفية كاتجاه ديني سٌني، وعدها الموضوع الرئيس لعلم الاجتماع الإسلامي. وفي القسم الثالث عرضت الدراسة لبعض المجالات التطبيقية لعلم الاجتماع الإسلامي، حيث تناول موضوع العصبية في التراث العربي ورؤية الإسلام اتجاهها. ودراسة أخرى تناولت موضع الشرك وعلاقته بواقع المجتمع وأهميته وتأثيره، وفي الدراسة الأخيرة أعطت الدراسة نموذجاً ممثلاً دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في الجزيرة العربية، كنموذج لتأثير التوحيد في بناء المجتمع، ونبذ الشركيات والخرافات التي كانت سائدة في ذلك الوقت.

كذلك تأتي دراسة بايونس وأحمد (1983)  ضمن سلسلة من الدراسات لمعالجة جانب مهم من جوانب حياتنا الثقافية – كما أشار الباحثان- ألا وهو إضفاء الصبغة الإسلامية على مناهج التعليم بعامة، وهي من الدراسات النادرة التي تناولت بالفعل أهمية علم الاجتماع في المجتمع الإسلامي، ففي قسمها الأول تناولت الدراسة حالة علم الاجتماع وواقعه في المجتمعات الغربية وأبرز آراء مفكريه، ثم عرضا للإضافة الإسلامية إلى علم الاجتماع انطلاقاً من أن الحضارة الإسلامية قد قدمت مادة فلسفية وشعبية وتاريخية غنية بتنوعها الاجتماعي، ومتأنقة في اهتماماتها المنهجية، أي بمعنى أن للمسلمين إضافتهم لعلم الاجتماع كغيرهم، ودون الدخول في تقييم أيهما له الفضل أو السبق أو أكثر غزارة في نتاجه العلمي. وفي القسم الثاني نجد أن الباحثين استعرضا الافتراضات الرئيسة، أو المنطلقات الفكرية لعلم الاجتماع الإسلامي، وهي 1-طبيعة الطبيعية.2-طبيعة الإنسان.3-طبيعة النظام الاجتماعي.4-طبيعة التاريخ الإنساني. بحيث تم مناقشة جميع تلك الافتراضات من منظور إسلامي. ومن ثم اشتملت الدراسة على تأكيد على أهمية التأصيل الإسلامي للنظريات التي تعتمد عليها بعض المجتمعات في تفسيرها لقضاياها ومشكلاتها، ورغم الجدة في هذه الدراسة إلا أنها كغيرها لم تقدم منهجية واضحة لطبيعة الدراسة العلمية لعلم الاجتماع الإسلامي في المجتمعات الإسلامية. والذي نتفق معه فيها هو ضرورة الاعتماد على المصادر الإسلامية في تفسير بعض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

أما دراسة عبدالباقي (1984) فقد رأت أن علم الاجتماع الإسلامي يمكن أن يكون فرعاً من فروع علم الاجتماع العام. حيث تناولت الدراسة النظرة الإسلامية للحياة الاجتماعية وما تميز به الدين الإسلامي في نظرته الشمولية للفرد كإنسان وكعضو في جماعة ومجتمع، وإبراز المعطيات الاجتماعية الإسلامية في هذا الجانب . بحيث حددت مجالات علم الاجتماع الإسلامي في الأمور التالية:1- توفير التكيف الاجتماعي للناس على أساس من الدين الإسلامي. 2- التدين بالمعنى الإسلامي. 3- الربط بين المنهج الرباني والمنهج العلمي. كما استعرضت الدراسة بعض المصطلحات الاجتماعية ومقارنتها بمفهومها من المنظور الإسلامي كمصطلح الجماعة، والطبقة، والتدرج الاجتماعي، والحراك الاجتماعي، والمجتمع المحلي. إضافة إلى إبراز الرؤية الإسلامية لبعض قضايا علم الاجتماع الرئيسة كالتفاعل، والتنشئة الاجتماعية، والعمليات الاجتماعية، والنظم الاجتماعية، وتحليلها مع عرض كثير من الأمثلة من حياة المسلمين كدلائل تطبيقية حول تلك القضايا.

أما دراسة جلبي (1984) فقد تناولت وضع تصور لمحاولة الوصول إلى ما أسماه الباحث: نحو علم اجتماع المجتمعات الإسلامية، حيث تناولت الدراسة عرضاً لتيار البحث في علم الاجتماع الإسلامي، وهو عرض نقدي لبعض المحاولات التي قام بها بعض الباحثين في مجال علم الاجتماع الإسلامي، بحيث صنفت في مجموعتين ، وجاءت المجموعة الأولى كاتجاه رافض لواقع علم الاجتماع اليوم، ويرى أن على علماء الاجتماع في المجتمعات الإسلامية أن يستمدوا منطلقاتهم النظرية وحلولهم للمشكلات الاجتماعية من دينهم دون الدخول في التبعية الفكرية لهذا المعسكر الغربي أو الشرقي، وهو اتجاه ينطلق من منظور إيديولوجي تصادمي مع الآخر وينفي وجود المشترك بين البشر، بينما المجموعة الثانية تعرض لعلم الاجتماع الإسلامي كمنهج قرآني لدراسة واقع المجتمع الإنساني ككل انطلاقاً من عالمية الإسلام، أي أنه جزء من علم الاجتماع العام وليس خارجاً عنه. بينما هناك فريق كان يرى علم الاجتماع الإسلامي فرعاً كغيره من فروع علم الاجتماع، وفريق يراه فرعاً متخصصاً داخل علم الاجتماع الديني. لذلك ارتضى جلبي مفهوم علم اجتماع المجتمعات الإسلامية، الذي يراه يتركز في دراسة جانبين. الأول، جانب تراثي متمثل في حصر التراث الإسلامي من كتابات المفكرين وغيرهم التي عالجت المجتمع الإسلامي بعد الدعوة وفي العصور الوسطى ثم القيام بتصنيفها، حتى يمكن استخلاص الحقائق والوقائع التي تلقي الضوء على موضوعات المجتمعات الإسلامية وتسهم في تحقيق أهدافه، وهذا الجانب لابد أن يعتمد على المناهج البحثية لعلم الاجتماع العام، وبخاصة المنهج التاريخي والمنهج المقارن والمنهج المكتبي للوثائق. بينما الاتجاه الثاني يهتم بدراسة واقع المجتمعات الإسلامية المعاصرة باستخدام طرق البحث الاجتماعي كدراسة الحالة والمسح الاجتماعي والتحليل الإحصائي.

ومن الدراسات التي تناولت بعض القضايا ودراستها من منظور إسلامي، دراسة الجوهري (1983). فهي دراسة تضم دراستين. الأولى دراسة تناولت دور التضامن الإسلامي في التنمية الاجتماعية، وهي دراسة تأصيلية لمفهوم التنمية بجوانبها المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والزراعية. وكيف يسهم التضامن الإسلامي بمفهومه الإسلامي في تحقيقها، بحيث تناولت هذه الدراسة وسعت للإجابة عن تساؤل رئيس. وهو كيف يسهم التضامن الإسلامي في تحقيق التنمية الشاملة للمجتمعات الإسلامية؟ بحيث سعت الدراسة لتدعيم توجهاتها بالاستناد للآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الحاثة على التضامن والتعاون بين المسلمين. بينما الدراسة الثانية تناولت التصوف كظاهرة اجتماعية ذات أبعاد دينية في المجتمع الإسلامي. حيث تناول الباحث بالبحث والتحليل الطريقة الصوفية، من حيث تتبع تاريخ نشأتها في المجتمع الإسلامي وطرقها العقائدية، وطبيعة الحياة الروحية لمتبعي هذه الطريقة، وتنظيمها الداخلي ومعتقداتها وطقوسها. وهي في حقيقة الأمر من الدراسات التطبيقية الإسلامية التي طبقت عليها منهجية علم الاجتماع، وهي من الدراسات التأصيلية القليلة التي كما قلنا عنها سابقاً أنها تناولت ظاهرة إسلامية ودرستها بالتحليل والعمق لاستخلاص نتائج تقيم هذه التجربة من واقع اجتماعي وليس أساس ديني. كما أن دراسة مثل هذه الظواهر بالنقد والبحث الاجتماعي يمكن أن يسهم في إبراز التوعية الاجتماعية لمثل ما يمارس فيها من بدع وخرافات، باعتبارها تمثل انحرافاً عن المنهج السوي للدين الإسلامي. وإن كنا نرى أن هذه الدراسة يمكن أن تنتمي لعلم الاجتماع الديني أكثر من انتمائها لعلم الاجتماع الإسلامي باعتبار أن التصوف ذاته في كثير من الأديان وإن اختلفت طرائقه وأساليبه.

وفي دراسة أبو حوسة (1988) سعت إلى إبراز مفهوم المجتمع الإسلامي، وكيف يجب أن يكون عليه المسلم من أخلاق وقيم. بحيث تناولت الدراسة دعائم قيام المجتمع الإسلامي المنطلقة من مبادئ الأخوة العامة بين المسلمين والمساواة في الحقوق والواجبات الدينية. ثم تناولت الدراسة بالتفصيل آداب المجتمع الإسلامية والعلاقات التي يجب أن تسود بين أفراده والمتمثلة في آداب التحية ومكارم الأخلاق، والشفاعة والصدق، والوفاء بالعهد وإنجاز الوعد، والتواضع، والثقة، وفعل الخيرات، وقضاء حوائج المسلمين. كما أبرزت الدراسة صفة الرحمة بين المجتمع الإسلامي، وصلة الرحم وحقوق الجار. كما تناولت بعض القيم الإسلامية الخاصة بقيم التكافل الاجتماعي داخل المجتمع الإسلامي مثل كفالة الأيتام ومعاملة العبيد، والعلاقات الأخوية بين أفراده. وحقيقة الأمر أن هذه الدراسة تعد دراسة تنظيرية لتفسير طبيعة السلوك غير القويم داخل المجتمع المسلم . إلا أن الملاحظ عليها اعتمادها على النقل فقط من المراجع الفقهية أكثر من كونها دراسة علمية لمنهجية واضحة لعلم الاجتماع الإسلامي. 

كما تعد دراسة إسماعيل (1989) من أشمل الدراسات التي عرضت لعلم الاجتماع الإسلامي حيث عرضت لجانبين رئيسيين. أولها الجانب النقدي للآراء المعارضة، أو المؤيدة لعلم الاجتماع الإسلامي، والفرق بينه وبين علم الاجتماع العام، وفرع علم الاجتماع الديني. وقد حددت الدراسة أهداف علم الاجتماع الإسلامي فيما يأتي:1- إظهار ما في الدين الإسلامي بعامة والقرآن الكريم والسنة النبوية بخاصة من سنن الاجتماع وقواعد العمران والمبادئ والظواهر والنظم. 2- إحياء تراث المفكرين الاجتماعيين من المسلمين وتجلية دورهم الطليعي في إنشاء العديد من العلوم الحديثة.3- إظهار الأسلوب العلمي في الدين الإسلامي من خلال وضع شريعته لقواعد ونظم الاجتماع الإنساني.4- تجلية دور الدين الإسلامي كأداة للضبط الاجتماعي.5- تصدي علم الاجتماع الإسلامي للعديد من القضايا التي في مجال علم الاجتماع المعاصر من منطلقات مادية إلحادية.ثم عرض لمنهجية البحث الاجتماعي لعلم الاجتماع الإسلامي ومرجعيته النظرية وأهدافه. ثم تناولت الدراسة بعض التطبيقات لمجال علم الاجتماع الإسلامي حيث عرضت الدراسة لمجال علم الاجتماع في مجال الدعوة، ومجال التربية، ومجال الجهاد أو ما أسماه الباحث بعلم اجتماع الجهاد ، وعلم اجتماع المسجد، أي أن الباحث توسع هنا في علم الاجتماع الإسلامي وقسمه لفروع، وهو هنا يضعه في مصاف علم الاجتماع العام وليس جزءاً منه، بل إن هذه الدراسة اعتبرت علم الاجتماع الإسلامي علماً قائماً بذاته وأن الظواهر في المجتمع الإسلامي سواء الدينية، أو الاجتماعية تستدعي مثل هذا العلم. كما أكدت هذه الدراسة على تصور جديد لمجال علم الاجتماع. إذ لم تعتبر الدراسة أن الدراسات والأبحاث التي طبقت في المجتمعات الإسلامية في مختلف المجالات الاجتماعية لا تدخل في مجال علم الاجتماع الإسلامي ما لم تبرز دور الدين الإسلامي من خلال الظاهرة المدروسة.

ومن أحدث الدراسات دراسة شلحت (2003) وهي دراسة اثنولوجية للإسلام كدين حيث ركزت الدراسة على واقع العرب بعد الإسلام والانتقال الحضاري لهم من الحياة البدوية إلى الحضرية ، وقيام المجتمع المدني في العصر الإسلامي الأول، بحيث يمكننا القول بأن تركيز هذه الدراسة كان يدور حول أثر الدين في الحياة المدنية الاجتماعية والفكرية والثقافية للمجتمع الإسلامي، وكيف انتقلوا من حياة لها سماتها إلى حياة أخرى جعلت منهم أمة لها رسالتها الحضارية. حقيقة الأمر هذه الدراسة نموذجية في عرضها للإسلام كرسالة سامية وللإسلام كدين له امتداده الاجتماعي في الحياة الاجتماعية وليس ديناً طقوسيا تعبدياً. على كل حال مثل هذه الدراسة تأتي ضمن الاتجاه الذي سبق أن نادى به جلبي (1984) من أن منهجية علم الاجتماع يمكن الاستفادة منها في دراسة تراثنا الإسلامي وتتبع مناحي الحياة الاجتماعي عبر العصور التاريخية، أي بمعنى أخر لم تتضمن هذه الدراسة تنظيراً أو تقييماً لمجالات علم الاجتماع الإسلامية، بل هي دراسة تطبيقية تاريخية اجتماعية للمجتمع الإسلامي.

وبالتالي لعل فيما سبق من دراسات تكشف لنا جزءاً كبيراً من الخلل المنهجي لمثل هذه الاتجاهات، والتناقض أحيانا فيما بينها، وهو ما كنا قد أشرنا إليه سابقاً. فرغم اتفاقنا مع من يرى أن للمجتمع الإسلامي خصوصية في قضاياه واحتياجاته ومشكلاته، فإننا في الوقت نفسه نرى في الكثير من مناهج علم الاجتماع ونظرياته ما يمكن أن يكون مساعداً على تفسير تلك القضايا والمشكلات، دون أن ينقص ذلك مما في ثقافتنا الإسلامية ومراجعنا الكبرى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من منهج قويم للحياة. وبالتالي النفي الكلي قد يكون هو الإشكال الرئيس الذي يواجه مأزق علم الاجتماع الإسلامي ذاته.

كما لوحظ أن هناك اختلافاً بين الباحثين في المرجعية العلمية لعلم الاجتماع الإسلامي، فدراسة يكون تركيزها عقائدياً ( نصري،1980)، ودراسة أخرى تميل للجانب الفقهي (زيدان،1980، )، ودراسة تنحو نحو  الثقافة الإسلامية ( أبو حوسه،1986). بينما دراسات أخرى مازالت تتحدث عن بناء علم الاجتماع الإسلامي وكيفية تشكله (بايونس وأحمد،1983،جلبي،1984، المطيري،1993)، بينما هناك دراسات ( الخشاب،1980،الجوهري،1986، إسماعيل،1989، شلحت،2001) جاءت بنماذج من دراسات تطبيقية وإن كانت أصولها المنهجية تنتمي لعلم الاجتماع الديني، غير أنه طبق في مجتمعات إسلامية.

 

الخلاصة والرؤية:

الخلاصة من ذلك أننا هنا نرى العكس تماماً، فنحن نرى توظيف علم الاجتماع في خدمة المجتمع الإسلامي تطبيقا على دراسة إحدى قضاياه ومناهجه، فعلم الاجتماع كغيره من العلوم الإنسانية يهدف لخدمة الإنسان، فيمكن توجيهه في ضوء منطلقاتنا الفكرية، وهو يمثل تراثاً إنسانياً تراكمياً أسهمت كل حضارة في بنائه وتكوينه ( انظر : معتوق، د ت – وعمر ،1992). أو هو كما يشير الجراد (1997) في تحليله لواقع الدراسات والبحوث الاجتماعية في الوطن العربي من أنها حصيلة لإسهام الشعوب والثقافات والحضارات الإنسانية كلها، ليس لحضارة معينة الزعم باحتكارها للمعرفة في بنائها وسياقها التأسيسي ( الجراد،1997: 6). 

لذلك نرى في علم الاجتماع كعلم أنه منتج إنساني له ما له وعليه ما عليه كغيره من العلوم الإنسانية، إي أن الاتجاهات العلمية بمختلف توجهاتها الفكرية في هذا العلم تظل منتجاً إنسانيا أسهم بشكل كبير في معالجة كثير من قضايا مختلف المجتمعات ومنها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وبالتالي تراث هذا العلم حق إنساني عام لجميع المجتمعات وفق ثوابتها وقيمها واحتياجاتها. 

 

مراجع البحث:

-    أبو النصر، مدحت (2001). تأصيل العلوم – المفهوم والخطوات وعوامل النجاح. مجلة شؤون اجتماعية، العدد (70)، جمعية الاجتماعيين، الإمارات العربية المتحدة، ص113-129.

-        أبو حوسة، موسى (1988). نحو علم اجتماع إسلامي. عمان، دار القدس.

-    إسماعيل، زكي (1983). علم الاجتماع الإسلامي وتطبيقاته في مجال الدعوة. مجلة العلوم الاجتماعية، العدد(7)، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ص295-318.

-        إسماعيل، زكي (1989). نحو علم الاجتماع الإسلامي. الإسكندرية: دار المطبوعات الجديدة.

-        امزيان، محمد (1993). منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية. واشنطن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي. 

-        الأنصاري، محمد  (1999). التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام. بيروت: المؤسسة العربية.

-        با قادر، أبو بكر (1981) . أسلمة العلوم الاجتماعية. مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، المجلد (1)، جامعة الملك عبدالعزيز، جدة، ص13-25.

-        باقادر، أبو بكر (2005). حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية. ورقة عمل قدمت لمجمع الفقه الإسلامي، جدة، 2/ فبراير.

-        بايونس، إلياس، وأحمد، فريد (1983). مقدمة في علم الاجتماع الإسلامي. جدة: عكاظ للنشر والتوزيع.

-        بيومي، إبراهيم ( 1980). علم الاجتماع الديني. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية.

-    نجاتي، محمد (1990). منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس. مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد(3)، عمادة البحث العلمي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ص 371-403.

-        الجراد، خلف (1997). واقع الدراسات الاجتماعية في الوطن العربي. مجلة شؤون اجتماعية، العدد (53)، جمعية الاجتماعيين، الإمارات العربية المتحدة، ص5-24.

-        جلبي، علي (1984). نحو علم اجتماع المجتمعات الإسلامية المعاصرة،كتاب ( قضايا علم الاجتماع المعاصر) ، بيروت : دار النهضة العربية، ص243- 264.

-        الجوهري، عبدالهادي (1983). دراسات في علم الاجتماع الإسلامي. القاهرة: نهضة الشرق.

-        الخشاب، سامية (1981). علم الاجتماع الإسلامي. القاهرة: دار المعرفة الجامعية.

-        خضر، أحمد (1993).علماء الاجتماع وموقفهم من الإسلام. لندن: المنتدى الإسلامي.

-        الدباغ، عفاف (1995) . المنظور الإسلامي للخدمة الاجتماعية. الرياض: مكتبة المؤيد.

-        رجب، إبراهيم (2002). التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية. الرياض: عالم الكتب.

-        زايد، أحمد (1996). سبعون عاما لعلم الاجتماع في مصر . مجلة كلية الآداب، العدد (4)، جامعة القاهرة، القاهر، ص1-38.

-        الساعاتي حسن (1977). أصول علم الاجتماع في القرآن. مجلة كلية العلوم الاجتماعية، العدد (1)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ص11-34.

-    السمالوطي، نبيل (1991). رؤية منهجية في علم الاجتماع الإسلامي. مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، العدد (12)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ص 401-462.

-        شلحت، يوسف (2003). مدخل إلى علم الاجتماع في الإسلام. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والبحوث.

-        عبدالباقي، زيدان (1984). علم الاجتماع الإسلامي. القاهرة: مطبعة السعادة.

-        عبدالجبار، مصطفى (1988). نحو علم اجتماع إسلامي. مجلة النور، العدد (3)، بيروت، 46-51.

-    عجوبة، مختار (1997). منهجية التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية وتطبيقاتها المعاصرة. مجلة العلوم الاجتماعية، العدد (1)، المجلد (25). جامعة الكويت، الكويت، ص176-213.

-        عصار، خير الله (1987). محاولة بناء نماذج منطقية إسلامية للبحث الاجتماعي. مجلة العلوم الاجتماعية، العدد (1)، المجلة (16). جامعة الكويت، الكويت، ص43-68.

-    عطيه، محيي الدين (1980). أسلمة العلوم السلوكية: علم النفس- علم الإنسان- علم الاجتماع . الملتقى الدولي للفكر الإسلامي، المعهد العالي للفكر الإسلامي، الخرطوم.

-        العمر، معن (1992) . نحو نظرية عربية في علم الاجتماع. عمان : دار مجدلاوي.

-        الغالي ، بلقاسم (1999). محاولات في تأصيل علم الاجتماع. مجلة شؤون اجتماعية، العدد (63)، جمعية الاجتماعيين، الإمارات العربية المتحدة، ص11-39.

-    الغريب، عبدالعزيز (2006). مناهج الإعداد المهني للباحث الاجتماعي في الجامعات السعودية. المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، ص 91-135.

-        الفاروي، إسماعيل (1983). أسلمة المعرفة: المبادئ العامة وخطة العمل. ترجمة عبدا لوارث سعيد، الكويت: جامعة الكويت.

-        الفوال، صلاح (1994). علم الاجتماع بين النظرية والتطبيق. القاهرة: دار الفكر العربي.

-    كمير، الواثق، والبكري، بشير(1999). الدعوة إلى علم اجتماع عربي بين الإيديولوجية والعلمية. مجلة العلوم الاجتماعية، العدد (1)، المجلد (25). جامعة الكويت، الكويت، ص91-109.

-        المبارك، محمد (1977). نحو صياغة إسلامية لعلم الاجتماع. مجلة المسلم المعاصر، العدد (12)، المعهد العالي للفكر الإسلامي، واشنطن، ص15-44.

-        مراد، سمير (2001). مناهج العلوم الاجتماعية وإشكالية الحداثة. مجلة شؤون اجتماعية، العدد (69)، جمعية الاجتماعيين، الإمارات العربية المتحدة.

-        المطيري، منصور (1993). الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع. سلسلة كتاب الأمة، العدد (33)، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

-        معتوق، فردريك (د ت ) . تطور الفكر السوسيولوجي في الوطن العربي. بيروت: جروس بريس.

-        ناجي، مصطفى (1988). علم الاجتماع في العالم العربي بين المحلية والدولية. مجلة العلوم الاجتماعية، العدد (2)، جامعة الكويت، الكويت، ص179-198.

-        نصري، هاني (1979). في سبيل علم الاجتماع الإسلامي. جدة: جامعة الملك عبدالعزيز.

-    نظامي، محمد (1994). من التعريف الإجرائي إلى التفكير الإجرائي، نحو نموذج نظري للتأصيل. مجلة العلوم الاجتماعية، العدد(7)، جامعة الكويت، الكويت، ص127-158

-        النغيمشي، عبدالعزيز (2003). علم النفس الدعوي. الرياض: دار المسلم.

-    الهاشمي، حميد (2001). الدكتور علي الوردي رائد الدعوة لعلم الاجتماع العربي. مجلة شؤون اجتماعية، العدد (70)، جمعية الاجتماعيين، الإمارات العربية المتحدة، ص148-164


ابحث عن موضوع