الإطار الفكري للإدارة العامة
المدرسة الكلاسيكية ( التقليدية ) في الإدارة :
لقد أسهم الرواد الأوائل في حركة الإدارة العلمية في تدعيم الأسس والمبادئ التي يقوم عليها علم الإدارة العامة .
و تأتي المدرسة الكلاسيكية ( التقليدية ) كأحد أهم هذه الاسهامات فهي تعد بمثابة الرافد الأول من الفكر الإداري في نهاية القرن 19 الميلادي .
تتضمن المدرسة الكلاسيكية عدداً من النظريات الإدارية وقد ظهرت في أوروبا وأمريكا ، وأهم هذه النظريات هي :
1- النظرية البيروقراطية لعالم الإجتماع الألماني ماكس فيبر و كانت بهدف وصف الجهاز الإداري للتنظيمات وتأثيره على الأداء و السلوك التنظيمي .
وهي تهتم بإقامة جهاز بيروقراطي إداري مثالي ، يحتوي على تقسيم إداري ومكتبي ، وفيه مجالات للتخصص ، ولديه قواعد وتعليمات ، كما أن السلطات محددة وموزعة وفق قواعد وآليات ، ويعتمد على إتباع المنطق العلمي السليم في تفسير الأمور ، ويرفض المعتقدات غير العلمية ، كما أنه يفصل بين الملكية والإدارة .
ففيبر يرى أن البيروقراطية تعد أفضل أسلوب فني لإنجاز الأعمال المكتبية و الإدارية بأعلى قدر من الكفاءة القائمة على التخصص و تقسيم العمل .
و قد ظهرت بعد ذلك اتجاهات حديثة للبيروقراطية بعدما تعرض هذا النموذج الذي قدمه فيبر للنقد و التحليل و كان ذلك على يد كلا من ميرتون و سلزنيك و جولدنر و بيتر بلو و أنتوني داونز و قد أكدوا على – و أتفق تماما معهم – وجوب إدخال العنصر الإنساني و البيئة من المحددات الأساسية للسلوك البيروقراطي و الذي كان قد أغفله النموذج القديم للبيروقراطية .
2 - ونظرية الإدارة العلمية وهي من الدراسات التي قام بها ثلاثة من الرواد في هذا المجال وهم : فريدريك تايلور ( Fredrick Taylor ) و هو المنظر الرئيسي لهذا الاتجاه و إيمرسون هنري غانت و غيرهم.
وكان سبب ظهور هذه النظريات هو النمو الاقتصادي الكبير وظهور المؤسسات والشركات الكبيرة ذات رؤوس الأموال الضخمة ونشوء مشاكل جديدة لدى هذه المؤسسات لم تكن معروفة من قبل ، وشعور مدراء المصانع التي تضخمت وتكدس فيها الأفراد والآلات بحاجتهم إلى طرق جديدة لتحسين الأداء وأساليب جديدة لتخفيض النفقات والتكاليف كي يعود ذلك عليهم بمنفعة أكبر .
نظرية فرديك تايلور :
يؤمن فردريك تايلور بضرورة دراسة العمل بشكل علمي حتى يستطيع المديرون الوصول إلى الطريقة الصحيحة لإنجاز الأعمال ، كما يعتقد تايلور بأن الكفاءة في الأعمال يمكن تحسينها من خلال الحرص والإهتمام والتدريب والتخصص الوظيفي والتحفيز المادي ، لأن التطور الصناعي خلق نوعين من المشاكل ( تكنولوجية وإنسانية ) التي يتوجب على الإدارة مواجهتها .
لهذا يمكن تلخيص مدخل تايلور العلمي في الإدارة إلى أربع مبادئ إدارية ضرورية :
* جمع المعلومات بشكل علمي ومدروس عن الأفكار والخبرات الموجودة لدى العاملين واستخدام الطرق العلمية في اكتشاف أجزاء العمل الرئيسية .
* اختيار العاملين وتدريبهم وتنمية مهاراتهم وخلق روح التعاون بينهم وتوحيد جهودهم للعمل كمجموعة بدل العمل كأفراد .
* تقسيم العمل بين الإدارة والعمال بحيث يقوم كل منهم بالعمل الذي يناسبه مما يؤدي إلى الكفاءة الإنتاجية في المشروع .
* التحفيز المالي : يعتقد تايلور أنه من الضروري تأمين خطة لإثارة الدافعية الإنتاجية للعاملين حتى يقدموا أكبر جهد ممكن ، ولهذا نادى بوجوب أن يكون هناك نظام للحوافز المالية يتناسب مع حجم إنتاج العامل ويكون هذا الحافز مرتبطا وتابعاً لأجر العامل .
و هنا نلمس إغفال هذه النظرية - التي تهافتت المنظمات على تطبيقها لتحقيق أهداف المنظمات – العنصر البشري و تضحياته الذي كان يعمل بمثابة الترس في الآلة مما حدا بالعمال إلى رفض هذا الأسلوب ...فهي أيضا مثل النظرية البيروقراطية أغفلت العنصر البشري ...
3 - نظرية التقسيم الإداري :
و تسعى هذه النظرية إلى للوصول على مبادئ إدارية نظرية تكون أساسا لعمليات التنظيم و التصميم الإداري و دعاتها كانوا من بلدان مختلفة و من أبرزهم هنري فايول الفرنسي الذي قدم إسهامات مميزة .
فقد لاحظ هنري فايول أن الإدارة شيء مشترك في جميع النشاطات الإنسانية وجميع هذه النشاطات تتطلب القيام بخمس وظائف أساسية ، وإن كانت مختلفة بدرجات متفاوتة ، وهذه الوظائف الخمس هي : التخطيط ، التنظيم ، إعطاء الأوامر ، التنسيق والرقابة . كما ذكر 14 مبدأ من مبادئ الإدارة و ذكر بأنها تضمن حسن أداء المدير و منها تقسيم العمل و السلطة و المسؤولية ووحدة الأمر و الاتجاه و غيرها ...
كذلك من رواد هذه النظرية كلا من لوثر جوليك الذي قدم نموذج لمهام القائد الإداري , و منهم أيضا ليندال أرويك
في حين أن جيمس موني و ألن رايلي فقد توصلا للاقتناع بأن كل تنظيم لابد وأن يقوم على عدة مبادئ منها :
1) مبدأ التدرج الهرمي للعاملين و تقسيم العمل .
2) التخصص الوظيفي .
3) مبدأ التنسيق .
4) مبدأ الفصل بين المشورة والتنفيذ .
و نلاحظ مما سبق تركيز و اهتمام نظريات التقسيم الإداري على تقسيم التنظيم لإدارات و تكوين الهيكل التنظيمي و ذلك بهدف تحقيق الكفاءة و رغم أهمية ذلك في مدان الإدارة إلا أن المدرسة الكلاسيكية عموما أهملت جوانب بالغة الأهمية في الإدارة خاصة العوامل الإنسانية و السلوكية و الاجتماعية .
2 - المدرسة التقليدية الحديثة ( حركة العلاقات الإنسانية )
من خلال التجارب التي أجراها فريق الباحثين الذي يقودهم مايو روثلبرج عام 1937 في صنع هاوثورن التابع لشركة ويسترن إلكتريك بولاية شيكاغو تبين لفريق الباحثين أن أداء العاملين يعتمد على عوامل أخرى غير معدلات الأجور وغير الظروف المادية .
إن تجارب الهاوثورن كانت بمثابة نقطة تحول في الإدارة وفي تحليل السلوك الإنساني ، كما أنها أصبحت الأساس لما يسمى بعد ذلك بحركة العلاقات الإنسانية .
لقد أدرك كتّاب الإدارة أن السلوك الإنساني معقد ويمثل طاقة محركة في العمل ، وأن العمال ليسوا مجرد معطيات في نظام المنشأة ، بل لهم حاجات ورغبات يجب على المنظمة النظر إليها بعين الإعتبار .
لذلك ركزت المدرسة التقليدية الحديثة على التنظيم من ناحية العوامل الإجتماعية والنفسية ، كما أخذت بعين الإعتبار أثر وأهمية التنظيمات غير الرسمية الموجودة ضمن التنظيم ، ونظرت إلى الفرد بتكوينه العاطفي والإجتماعي والنفسي وما يحمله من قيم وآراء ومعتقدات وأفكار وطموحات ونزعات إنسانية ، وهي التي أظهرت أهمية الفرد كعنصر رئيسي في تنظيم وليس كأداة إنتاجية أو آلة مجردة من الحس والشعور والعواطف والأفكار والإحتياجات
وقد قدم العالم ماكجريجور نظرية سماها نظرية X , Y حيث X هي وجهة النظر التقليدية أي النظرية الكلاسيكية التي تنظر إلى العلاقات التنظيمية في العمل نظرة فردية تنحصر في أداء الفرد لواجباته وهي مخالفة للواقع ، بينما Y هي وجهة النظر الإنسانية للعلاقات المتكاملة بين أهداف الفرد وأهداف التنظيم ، لأن العلاقة التنظيمية تلامس مختلف نواحي الحياة الإجتماعية والإقتصادية لأعضاء التنظيم .
3 - النظريات التنظيمية الحديثة :
بعد الحرب العالمية الثانية والتقدم التكنولوجي الذي أفرزته الحرب تنوعت المنتجات وتحسنت وسائل الإتصالات وتضخمت المنظمات ، مما أدى إلى تعقيد القرارات التي يتعين على المدراء إتخاذها ، واصبح قادة الأعمال بحاجة إلى أساس جديد أكثر تطوراً في حل مشكلات العمل وإدارة الأعمال ،
نتج عن هذه التطورات والتغيرات مدارس ومداخل إدارية جديدة ومعاصرة وهي مدخل النظم ، ومدخل الإحتمالات .
أ - مدخل النظم ( تشرشمان ) : يرى تشرشمان أنه يجب أن ننظر إلى المنظمة بنظرة كلية ، وأن النظام هو أجزاء متداخلة ( المدينة ، المستشفى ، المدرسة ، البنك ، .... ) ، كما يعتقد تشرشمان أن النظر إلى المنظمة كنظام يساعد على معرفة أن الأجزاء المختلفة والأقسام والنظم الفرعية في المؤسسة تمثل أجزاء متداخلة يجب أن تعمل على تحقيق أغراض المنظمة.
فتحديد المستوى الأمثل للمخزون سوف يؤثر على جميع الأقسام الأخرى ، سوف يؤثر على قسم الإنتاج ، وعلى قسم المبيعات ، وعلى قسم التمويل ، .... وهكذا .
ب - مدخل المواقف ( بيرنز وستوكر ) : يرى المدخل الموقفي أن تخصص المنظمة وطريقة الإدارة تتوقف على نوع وطبيعة المهام التي تسعى المنظمة لتحقيقها .
أي أنه يفضل اللجوء إلى المدخل الكلاسيكي إذا ما إتصفت الأعمال بالروتينية ، مثل مصانع الغزل والنسيج ، مصانع السكر ، مصانع الجلود ، ...... ، واللجوء إلى المدخل السلوكي في الأنشطة التي تتطلب قدراً من الإبداع والإلتزام مثل مصانع وشركات الألكترونيات ومراكز الأبحاث .
جـ - المدرسة السلوكية .
شهدت العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي سلسلة من التغيرات القوية في كل دول العالم ، فبدأت الهجرة من الأرياف إلى المدن ، وزاد إعتماد الأفراد على بعضهم البعض ، وزادت عملية الميكنة ، كما إزدادت درجة التخصص في العمل وكذلك إزدادت درجة التداخل في الأعمال وأصبح الناس يعيشون في عصر النمو السريع ، وبدأت الحكومات في نفس الوقت تتدخل بشكل متزايد في الشؤون الإقتصادية ، كما صدرت في نفس الوقت مجموعة من القوانين التي تحد من الإحتكارات الصناعية الضخمة ، كما إنتشرت أيضاً الحركات الإجتماعية التي تنادي بوضع حد أدنى للأجور ، وتشجع تأسيس إتحادات للتجارة ، وبدأ ينمو في تلك المجتمعات الإتجاهات المضادة للفردية ، وبدأ الناس يتساءلون عما إذا كانت الفلسفة القائمة على الفردية والعمل الشاق وتعظيم الأرباح لاتقبل جدلاً.
فمابين الأعوام 1929 و 1939 حدث كساد كبير في العالم وإرتفعت البطالة بين العمال ، وإنخفضت الدخول وإنهارت الأعمال وهبطت المعنويات ، وظهرت فلسفة إجتماعية جديدة تركز على أهمية الجماعة ، وأن يكون الجميع معاً ، وضرورة التدخل الحكومي
نتيجة الكساد الذي حصل في تلك المجتمعات ظهرت أنشطة جديدة وهي أنشطة البحوث والتطوير ، مما أدت بالتالي إلى خلق منتجات جديدة متنوعة تحتاج إلى وظائف تتمتع بدرجة أكبر من الإبتكار والإستقلالية من جانب العمال .
وقد أجريت في نفس الفترة تجارب على مجموعة من العاملين للتأكد من أن إفتراض الإدارة الكلاسيكية التقليدية الذي يرى أن الظروف المادية المحيطة بالعمل تؤثر على أداء العاملين ، ومن ثم فإن الأداء يتحسن بتحسن ظروف العمل من إضاءة وتهوية ومعدلات الأجور .
أجريت تلك التجارب في مصنع هاوثورن وهومصنع تابع لشركة ويسترن إليكتريك ، وكانت النتائج مخالفة للمتوقع ، فقد تبين أن تحسين أداء العمال يعتمد على عوامل أخرى غير الظروف المادية وغير معدل الأجر.
لقد أدت تلك التجارب إلى إكتشاف أن التعاطف مع العمال والإهتمام بمشاكلهم الشخصية والتعامل معهم كأشخاص لهم كيان وقيمة وتميز وأهمية يعطي حافزاً ودافعاً أكبر للعمال لتحسين أدائهم .
أدت النتائج التي أفرزتها تجارب الهاوثورن إضافة إلى الطلب الجديد للإستقلال والإبتكار من جانب العمال في تلك الفترة إلى منهج سلوكي جديد في الإدارة .
مثلت تلك الفترة أساس لما يعرف بعد ذلك بحركة العلاقات الإنسانية ، وبدأ الكتاب يدركون أن السلوك الإنساني في العمل سلوك معقد ويمثل طاقة محركة عند التعامل معها بصواب ، كما أدرك كتاب الإدارة أن العمال ليسوا مجرد معطيات في نظام المنشأة ، بل لهم حاجات ورغبات يتعين على المنظمة والقائمين عليها أن يلبوها .
4 - نظرية Z في الإدارة : ( أو النظرية اليابانية في الإدارة الحديثة ) :
هي أفضل وأحدث النظريات المطبقة حالياً في كبرى الشركات العالمية والتي أثبتت مدى فائدتها للمنشئات والإدارات الحكومية وغيرها ، وأساس النظرية هو ، أن العلاقة بين الإدارة والعاملين يسودها :
1- الألفة.
2- المودة .
3- الثقة الكاملة .
ولم تهمل النظرية الفروق الفردية بين العاملين فبدلاً من تنميطهم قامت النظرية على خلق بيئة اندماجية متكاملة بين الإدارة والعاملين ، فهي تقوم على بناء فرق عمل ذات اختصاص واحد وتحت إشراف مدير المجموعة وربما يكون أقل من حيث المرتبة والمنصب من شخص آخر يعمل ضمن نفس الفريق. هذا ما يسمى بالقائد ، وهناك فرق كبير بين القائد والمدير . فالقائد هو الذي يقوم بقيادة فريق نحو تحقيق هدف محدد ، والمدير هو الذي يضع الاستراتيجيات ويبحث الأهداف ويديرها ويوزع المهام بين موظفيه.
وقد جاءت نظرية Z موافقة لنتاج فكري ثقافي متراكم في اليابان ، ففي اليابان ، كان المعبود الأول لديهم وإلههم الأوحد هو الإمبراطور ، وكان الإمبراطور هو الآمر الناهي في الإمبراطورية اليابانية. وحين نشبت الحرب بين اليابان وأمريكا ، قامت أمريكا بهدم صرح عظيم لدى اليابانيين وهو .. الإمبراطور !
مع مطلع 1953م بدأ التحول في طريقة الإدارة في اليابان .
وركيزة النظرية عند اليابانيين هي : عبادة العمل وزيادة الإنتاج ، فأصبحت العقوبة لدى اليابانيين ، منعهم من العمل .
اتجهت الإدارة اليابانية في بداياتها بتكوين فرق عمل ، في الفصول الأولى في الدراسة. ففي اليابان لا يوجد نجاح فردي لشخص واحد إنما يوجد نجاح مجموعة متكاملة !
في فصل واحد يتم تكوين فريق عمل ، ويدربوا على كيفية اختيار قائد الفريق ، تعطى ورقة امتحان واحدة للفريق بالكامل ويتم حلها بينهم جميعاً !!
النجاح يسجل للجميع .. والرسوب كذلك .
هذه البيئة العملية خلقت إنتاج يصل إلى ما يسمى ZeroError ، أو الخطأ الصفري . وهو يعني أنه وعلى خط الإنتاج فإن المخرجات ذات العيب الصناعي .. هي صفر بالمائة .
وفي هذه البيئة الصحية للعمل ، خرجت ما يسمى بإدارة الجودة الكاملة أو TQM . كما ظهر مفهوم JIT أي لا يوجد اعتصامات ، لا يوجد أعياد رسمية ، يوجد عمل وعمل فقط ،وإنتاج يتزايد مع الوقت ، حتى توصلوا إلى ما يسمى بـالتوريد اللحظي ، ليكون المخزون يساوي صفراً . فلا يحتاجون لوجود مخازن كبيرة تأخذ أماكن واسعة من بلد يكتظ بالناس العاملين .
إن أسلوب الإدارة الياباني يعتمد على نظرية الإدارة بالجودة الشاملة ، أو مايسمى مبادئ ديمنغ ، وهو الإداري الإقتصادي الأمريكي الذي وضعها لليابانيين ، وهي منظومة من المبادئ والأدوات والممارسات التي تهدف إلى تحقيق الرضا عند الزبون .
وتساعد الإدارة بالجودة الشاملة على تحقيق الهدف من خلال إلغاء العيوب والأخطاء التي قد ينطوي عليها المنتج أو الخدمة، وإضفاء طابع القوة على التصميم الذي يخرج به المنتج، وتسريع الخدمة، تخفيض التكلفة وتطوير جودة العمل كل ذلك من خلال تغيير ثقافة التنظيم.
5 - الفكر الإداري في الإسلام :
إن الإدارة العامة الإسلامية محورها الأساسي العقيدة والإيمان وبهما يتجاوز الفرد المسلم المنافع الشخصية والدنيوية إلى سعة التكليف الرباني الذي جعل الحياة كلها لله، وأن غاية خلق الإنسان هي العبادة والخلافة في الأرض تحقيقاً لقوله تعالى) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) (57)الذاريات .
وقد تكون الفكر الإداري في الإسلام مع الهجرة النبوية إلى يثرب ، حيث تكونت أمة إسلامية لها دستورها القائم على القرآن والتي اتخذت العدالة والمُثل والأخلاق الكريمة سلاحاً لها ثم تلى ذلك الخلفاء الراشدون الذين دعموا هذه الدولة وأقاموا إمبراطورية إسلامية من المشرق إلى المغرب ، وهنا ظهر مفهوم الوظيفة العامة ومبدأ تفويض السلطة.
ولقد أدى اتساع سلطات الخلافة الإسلامية إلى التوسع في الدواوين تمثلت في المجموعات التالية :
1) دواوين تتعلق أعمالها بالرسائل والمكاتبات.
2) دواوين تخص الشؤون الإدارية والمالية.
3) دواوين الشؤون العسكرية.
4) دواوين خاصة بشؤون البلاد.
ويعد الفكر الإداري الإسلامي فكراً متكاملاً يصلح للتطبيق في أي زمان ومكان، لكونه يحتوي على المبادئ التالية :
1) مراعاة المسلم لدينه فيما يوكل إليه من مهام وأعمال.
2) الأخذ بمبدأ الشورى في تعاملات الفرد مع رؤساءه.
3) الرقابة الذاتية من قبل الفرد والمستمدة من دينه.
4) تطبيق الإدارة الإسلامية لمبدأ تقسيم العمل والجدارة والأجر على العمل.
فالإسلام قد عالج جميع قضايا الإنسان، ووضع الحلول الحاسمة لجميع مشكلاته وأزماته وكان من أهم ما عني به القضايا السياسية والإدارية العامة لأنها ترتبط بحياة المسلمين ومصيرهم، فوضع لها القواعد والأسس العامة ولم يتعرض للتفاصيل الشكلية.
وتعد هذه ميزة متفردة للإسلام، فقد ثبت أن ما عدا الأسس والمبادئ من تفصيلات أمر خاضع للاجتهاد والرأي والتبديل والتغيير كلما اقتضت الضرورة ذلك. وبهذا تكون الإدارة في الإسلام قابلة لأن تأخذ أشكالاً كثيرة تبعاً لاختلاف الأحوال وتبدل الأطوار الاجتماعية المتعاقبة. وفي محاولة لتأصيل البحوث الإدارية من منظور الفكر الإداري العربي الإسلامي والوقوف على الأسس والأساليب التنظيمية التي تكفل التوظيف المعاصر للتراث الإداري العربي الإسلامي،