بحث بعنوان: المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية

لقد ظهرت المدرسة السلوكية خلال الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي المنصرم. (بيليس وسميث، 2004م، ص249 )
وهدفت لمعالجة الظواهر الدولية من خلال سلوك الأفراد والجماعات معنية بصناع القرار وقد تبلورت في الستينيات من القرن الماضي. و تمتد جذور هذه النظرية لفترات سابقة في سيادة المنهجية التقليدية التاريخية الفلسفية القانونية المؤسسية منذ أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين الميلادي.

المملكة العربية السعودية
جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
قسم الدراسات الدولية

بحث بعنوان:
المدرسة السلوكية في العلاقات الدولية


إعداد الطالب : فهد ناصر الدوسري

إشراف الدكتور:


العام الجامعي
1436/1437هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
تتضمن الأحداث الدولية سلسلة مستمرة من التفاعلات الصراعية تشمل الحروب و التوترات و أخرى تعاونية سلمية تشمل التنظيم الدولي و محاولة إقرار السلم و الأمن الدوليين عبر تطبيق مبادئ القانون الدولي، و العمل المشترك بين الدول من خلال المنظمات الدولية و الإقليمية ذات الطابع الاقتصادي أو السياسي الأمني، و يشارك في صنع و صياغة هذه التفاعلات العديد من الفواعل المتباينة في نوعها و أهدافها ( دول، أفراد، جماعات و تنظيمات فوق قومية، شركات متعددة الجنسيات، منظمات حكومية و أخرى غير حكومية)، أمام هذا السيل العارم من الأحداث المتدفقة و المتداخلة على مستويات متباينة، يواجه الباحث في هذا الحقل جملة من الصعوبات في محاولته لفهم و تفسير الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة الخام، فإلى جانب القضايا العسكرية هناك قضايا اجتماعية ثقافية و اقتصادية تتحكم و توجه السلوكات الدولية،  فتارة تنشأ الدولة علاقات مع منظمة دولية حكومية (ONU) و أخرى غير حكومية ( حقوق الإنسان)، و في الوقت ذاته تجد نفسها في ارتباط مع شركات متعددة جنسيات، حركات و منظمات إرهابية تقتحم ساحة الأحداث العالمية، و تصبح مصدر جديد يهدد أمن الدول و الأفراد، قضايا جديدة بيئية و أخرى ثقافية، و كل هذه الفواعل تدخل في شبكة واسعة من التفاعلات المتعددة الابعاد.
و السؤال الذي يفرض نفسه ما هو السبيل لفهم و تفسير الظاهرة الدولية، تفسيرا يقرب لنا الواقع و يزيل الغموض الذي يكتنف الظاهرة الدولية من حيث مسبباتها و مكوناتها البنائية ؟   
ظهرت هناك العديد من الأعمال من طرف المفكرين التي حاولت أن تقدم لنا تفسيرات لما يحدث في العلاقات الدولية، في شكل نظريات و مفاهيم و نماذج وغيرها، و تعتبر النظريات من أبرز الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها لفهم و تفسير ما يحدث في العلاقات الدولية, ومن بين النظريات البارزة في هذا الشأن تأتي النظرية السلوكية كواحدة من النظريات المفسرة لطبيعة العلاقات الدولية , وهي معرض الحديث على صفحات هذا البحث. 
والله الموفق.

نشأة المدرسة السلوكية:

لقد ظهرت المدرسة السلوكية خلال الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي المنصرم. (بيليس وسميث، 2004م، ص249 )
وهدفت لمعالجة الظواهر الدولية من خلال سلوك الأفراد والجماعات معنية بصناع القرار وقد تبلورت في الستينيات من القرن الماضي. و تمتد جذور هذه النظرية لفترات سابقة في سيادة المنهجية التقليدية التاريخية الفلسفية القانونية المؤسسية منذ أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين الميلادي.
 فهي تمثل النموذج التجريبي في مقابل النموذج الميتافيزيقي الذي تمثل البواكير الاولى للاهتمام بالسلوك و التفاعل السياسي بدلا من التركيز الشديد على الوثائق و الدساتير و النظم و المؤسسات، بل ان هناك من يرى أنه منذ الثورة الامريكية 1776 و الثورة الفرنسية 1789 . (متولي، 1989م)
وهناك توجهان أساسيان في دراسة التحول الذي حدث في أوربا و الولايات المتحدة الامريكية و أثر الثورة الصناعية و ظهور الدولة القومية الحديثة، هذان التوجهان أفرزا مدرستين في حقل السياسة المقارنة أولاهما ركزت على مواجهة تحدي بناء الدولة و الثانية ركزت على الحراك الاجتماعي و ظهور النخب. 

أبرز أسباب ظهور المدرسة السلوكية:

1- منذ أوائل القرن العشرين رغبت المدرسة الوضعية بالارتقاء بالعلوم الاجتماعية الى حال العلوم الطبيعية من حيث الدقة المنهجية و الحياد و مع ولادة علم النفس و علم الاجتماع في نهاية القرن التاسع عشر بدأت اولى مراحل المدرسة السلوكية التي بدأت في صورتها الدولية و الكلاسيكية مع نشر مقالة عالم النفس جون واتسون سنة 1913 و بدأت تحل النظرة السلوكية كنموذج معرفي في علم النفس محل النماذج السابقة و أصبحت مبادئ المنهج السلوكي مثل القانون المنهجي لكل العلوم الاجتماعية.
2-  بانتهاء الحرب العالمية الاولى و الفشل الذي أصاب العديد من الدول الاوربية و انتشار النظم السياسية الفاشية و الدكتاتورية لعدم جدوى المقتربات التقليدية و عدم فاعليتها في فهم الواقع و تفسيره، فاتجه العديد من الباحثين الاوربيين الى التوجهات النفسية و في نفس الوقت كان هناك ادراك متزايد لدى الامريكيين بضرورة تبني الاقترابات السلوكية في تحليل الظواهر الاجتماعية و السياسية خصوصا من قبل الجمعية الامريكية للعلوم السياسية و كان يرأسها تشارلز مريام الذي دعا الى تأسيس مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية SSRC
http://rachelcenter.ps/news.php?action=view&id=4437

اهتمامات المدرسة السلوكية:

لقد هدفت السلوكية في الأساس إلى إيجاد نظرية تعليلية تفسيرية و تنبؤيه. استعمل السلوكيون مناهج علمية وخاصة كمية في أبحاثهم واهتموا في تقديم واختيار فرضيات بشكل مقارن وقاموا ببناء نماذج و نظريات تقوم على فرضيات ومفاهيم محددة بدقة ومترابطة منطقياً. (متولي، 1989م)
اهتم السلوكيون بالأنماط المتكررة وليس بالحالات الفردية كمحور للبحث حيث يقوم بناء النظرية حسب السلوكيون على القدرة على التعميم وإطلاق الأحكام العامة. ويقوم هذا بدورة على إثبات الفرضيات. وظهر التحول مع السلوكية نحو المناهج العلمية القائمة على الإحصائيات وساهم في ذلك كله استعمال الحاسب الالكتروني والرياضيات.
اعتمدت المدرسة السلوكية في كثير من المجالات على النتائج التي توصل إليها علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الانثروبولوجيا الذين درسوا سلوكيات الأفراد والجماعات الاجتماعية. واستفادت المدرسة السلوكية من ذلك في بناء نظريات جزئية أو متوسطة في العلاقات الدولية، وذلك انطلاقاً من أن سلوكيات الدول هي أساساً سلوكيات الأفراد والجماعات الرسمية وغير الرسمية في تلك الدول.
الشرط الضروري عند السلوكيون لتحويل الوقائع والأحداث إلى معلومات وبيانات يتمثل في وجود إجراءات وقواعد تصنيف وترتيب واضحة يمكن تكرارها بذلك تدعو السلوكية إلى استعمال قواعد ومناهج علمية تقوم بمجملها على القياس الكمي للمتغيرات. (بيليس وسميث، 2004م، ص251 )

منطلقات المدرسة السلوكية ومرتكزاتها: 

تتمثل منطلقات ومرتكزات المدرسة السلوكية في:
- مظاهر التماثل والتي يعبر عنها بالتعميمات أو بالنظريات ذات الأهمية التفسيرية والتنبؤية.
- إمكانية اختبار صحة التعميمات أو تلك النظريات من خلال مدى تطابقها مع السلوكية الوثيقة الصلة بالظاهرة محل الدراسة والتحليل.
- استخدام تقنيات الحصول على البيانات وتجميعها وتفسيرها لملاحظة ومتابعة السلوك وتسجيله وتحليله.
- استخدام الأسلوب الكمي من أجل الحصول على معلومات وبيانات دقيقة ومنضبطة على غرار الوسائل والأدوات التي تمكن الباحث من الوصول إلى نتائج علمية دقيقة.
- الفصل والتمييز بين الافتراضات المتعلقة بالتقييم الأخلاقي وتلك المتصلة بالتفسير الإمبريقي مع إمكانية جمعهما دون الخلط بينهما.
- التكامل أو الاندماج بين البحث السياسي والبحوث العلمية الأخرى في مختلف فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية، ولاسيما تلك التي تؤثر في المجال السياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وهو الترابط الكفيل بإعادة علم العلاقات الدولية خصوصا والعلوم السياسية عموما إلى مكانتها الجديرة بهما في ميدان العلوم الاجتماعية الإنسانية. (عودة ، 2005م، ص96)

ابرز افتراضات المدرسة السلوكية : 

تتمثل أفكار المدرسة السلوكية في أن السلوك السياسي الدولي يقوم على سلوك الإنسان نفسه وأن هناك مناهج لسلوك الإنسان بالنظام الدولي ويمكن توصيفها بما يأتي :
1. الغريزة : وتعنى بأن تفسير سلوك الإنسان على المستوى الدولي ينبع من ترتيب فطري 
2. الصور النمطية : هناك علاقة خاصة بين الصور والسلوك تقام في صورة المرآة ولاسيما عند دراسة العلاقات الأميركية – السوفيتية إبان الحرب الباردة.
3. نظام القيم : يعمل نظام القيم كموجة أو عنصر تغلغل لكل الأفراد ولكل فئة سياسية ينظم قيمها الخاص 
4. دور الشخصية : تلعب الشخصية تأثيرا في السلوك السياسي الدولي من خلال مسألتين 
أولا : صعوبة النظير في خصائص الشخصية حول نوع الموقف 
ثانيا : أن القياس المناسب لمحددات الشخصية هي مسألة صعبة في العلاقات الدولية .

تطبيقات المدرسة السلوكية:

1- نموذج ريشارد سنايدر لصنع واتخاذ القرار: 
قدم سنايدر نموذجا نظريا لاستيعاب وتفسير نشاطات صناع القرار في السياسة الخارجية. يعتمد في ذلك على الفرد ممثلا في صانع القرار كوحدة تحليل أساسية على أساس أن نشاطات الدول هي نشاطات صناع القرار الذين يمثلونها. وهو ما يسمى بتشخيص الدولة .
يحتوي نموذج صنع واتخاذ القرار عند سنايدر على المتغيرات البيئية التالية:
أ‌- البيئة الخارجية أو المحيط الخارجي
ب‌- البيئة الداخلية أو المحيط الداخلي
ت‌- البيئة الاجتماعية والسلوكية
ث‌- عملية صنع القرار
ج‌- الفعل أو السلوكية السياسية.

2- نموذج ديفيد إيستون للنسق الدولي:
 يعتمد ديفيد ايستون في دراسته لنموذج النسق الدولي على النظام الدولي كوحدة تحليل أساسية. وهو في ذلك يخالف ريشارد سنايدر الذي اتخذ من الفرد وحدة تحليل أساسية ف نموذجه حول اتخاذ القرار. آخذا كل المتغيرات البيئية الداخلية والخارجية والسلوكية بعين الاعتبار . 
يشبه ايستون النظام السياسي بعلبة سوداء وما يجري بداخلها من تفاعلات. وهو بذلك يقوم بتحليل علاقات التفاعل بين النظام السياسي ومحيطه البيئي من أجل التعرف على الكيفية التي يحافظ بها النظام على توازنه في استجابته لهذه التأثيرات والتفاعلات. ولذلك يرى ايستون بضرورة انطلاق دراسة القضايا الدولية من معيار التعامل مع القضية كنظام له مدخلاته وعملياته ومخرجاته وردود عكسية وظروف بيئية محيطة بمتغيراتها الداخلية والخارجية والسيكولوجية. (حتى، 1985م، ص 192)

نقد المدرسة السلوكية : 

وجه النقد إلى المدرسة السلوكية وتمثلت أبرز جوانب النقد في النقاط التالية:
1. أن طبيعة موضوع دراسة العلاقات الدولية من المواضيع التي لا يمكن اختبارها فقط بمساعدة الأدوات العلمية الحديثة لأن المسألة التي تهتم بها العلاقات الدولية متعلقة أساسا بموضوع الأخلاق
2. علماء المنهج العلمي لم يدخلوا في المسألة الأساسية وهكذا لم يكن باستطاعتهم الإسهام بفعالية لتطوير نظرية العلاقات الدولية 
3. المنظرين السلوكيين ألحقوا الضرر والأذى وأساءوا لنظرية العلاقات الدولية وذلك بإدخالهم لما يسمى منهج النماذج 
4. أنصار المدرسة السلوكية عظموا المنهج العلمي لدرجة جعلوا منه صنم 
5. قطع السلوكيين صلتهم بالفلسفة والتاريخ رغم أن الفلسفة فيها وسيلة النقد الذاتي .
(عودة ، 2005م، ص 99-100)


الخاتمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ... ففي ختام هذا البحث أنتهي إلى القول بأن المدرسة السلوكية نشأت في منتصف الخمسينات من القرن العشرين الميلادي وقامت على انتقاد غياب البحث العلمي عند المدرستين الواقعية والمثالية وكذلك انغلاقهما أمام النتائج والمعلومات والمناهج البحثية التي توصلت إليها العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى. واستفادت هذه المدرسة من مفاهيم ونظريات ومناهج كثيرة من حقول أكاديمية بعضها قديم وبعضها جديد نسبياً ومنها الاقتصاد، وعلم النفس، وعلم الانثربولوجيا، وعلم الاجتماع ، واعتمدت مناهج بحث كمية ومقارنة. وحاولت المدرسة السلوكية إيجاد روابط بين المفاهيم والنظريات المختلفة الجديدة وتصنيفها ومقارنتها وإعادة تعريفها في إطار نظري مندمج جديد.
والله الموفق.





قائمة المراجع

1- جون بيليس وستيف سميث(2004م) عولمة السياسة العالمية، ترجمة: مركز الخليج للأبحاث، الإمارات العربية المتحدة.
2- جهاد عودة(2005م) النظام الدولي...نظريات و إشكاليات ،دار الهدى للنشر و التوزيع، القاهرة.
3- عبد الحميد متولي(1989م) الوجيز في النظريات و الأنظمة السياسية دار المعارف، القاهرة.
4- ناصيف يوسف حتي (1985م)النظرية في العلاقات الدولية، دار الكتاب العربي. بيروت.
5-
http://rachelcenter.ps/news.php?action=view&id=4437

ابحث عن موضوع