مفهوم الاستبعاد الاجتماعي :
نشأ هذا المصطلح في أوروبا حيث كان التركيز منصباً على الاستبعاد المكاني ، أي على الذين يعيشون في المناطق المحرومة حيث رداءة السكن ، وعدم كفاية الخدمات الاجتماعية ، وعدم وجود عمل لائق ، وضعف الصوت السياسي .
وقد اهتم برنامج الأمم المتحدة للتنمية بعدة محاولات لفهم ظاهرة الاستبعاد الاجتماعي عبر العالمين المتقدم والنامي وكشفت سلسلة من الدراسات التي أجريت على مستوى بعض البلاد عن أهمية الحقوق المدنية والاجتماعية القابلة للتنفيذ ،كالحق في الرعاية الصحية، والتعليم الأساسي ، والرفاهية المادية . ولهذا اعتبر الاستبعاد الاجتماعي إحدى صور العجز عن الوصول إلى المنظومات القانونية والسياسية اللازمة لجعل هذه الحقوق واقعاً حياً ( هيلز ، لوغران : 26 ) .
ويرى بعض الباحثين أن الاستبعاد الاجتماعي عملية معقدة ومتعددة الأبعاد لكونه ينطوي على عدم وجود ، أو حرمان من الحقوق والسلع والخدمات ، وعدم القدرة على المشاركة في العلاقات الطبيعية والأنشطة المتاحة لغالبية الناس في المجتمع ، سواء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو السياسية . ( عبده ، 1432هـ، 16)
وهو يؤثر على كل من نوعية حياة الأفراد والإنصاف والتماسك في المجتمع . ومن ثم فهو إنكار لحق المساواة الذي يفرض من قبل بعض فئات المجتمع على آخرين مما يؤدي إلى عدم قدرتهم على المشاركة الفعالة في) الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع.
ويمكن أن يشير أيضاً إلى عدم قيام المجتمع بمد موارده الاقتصادية لتشمل جميع قطاعاته ، وعدم الاعتراف المجتمعي بها بالقدر الذي يضمن مشاركة كاملة في الحياة الجماعية للمجتمع .
وقـد ذهـب مصطفى خلف عبد الـجـواد إلـى أن المقصود بـ «الاستبعاد الاجـتـمـاعـي» هو «عملية تحول دون المشاركة الكاملة للأفراد والجماعات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما تحول دون ممارسة حقوقهم». وبذلك ينطوي تعريف «الاستبعاد الاجتماعي» على ثلاثة عناصر: الأول أن «الاستبعاد» يشير إلى الأفراد والشرائح والجماعات. والثاني أنه يجسد الحرمان القائم في المجتمع. والثالث أنه يتأسس على العلاقات الاجتماعية الموجودة (عبد الجواد، ٢٠٠٨ : 43).
بينما ينظر فيبر إلى «الاستبعاد» بوصفه أحد أشكال الانغلاق الاجتماعي، فمن الطبيعي أن ينشأ ذلك الانغلاق على خلفية عوامل ناتجة من استحواذ البعض على المكاسب والمغانم والمصالح التي تحتاج إلى نوع من الحماية والهيمنة، فـ «الاستبعاد» هو محاولة البعض لتأمين مركز متميز على حساب جماعة أخرى بإخضاعها، ومن ثم إضعافها واختزال مصالحها، أو مسخ هويتها إلى حد التنكيل والتشويه والقمع(هيلز، لوغران وبياشو، ٢٠٠٧ :٢٤)
ويـعـد «الاسـتـبـعـاد الاجـتـمـاعـي» نقيضا لـ «الانـدمـاج الاجـتـمـاعـي» (جلبي، 2013م، ص5) ويعرف البنك الدولي «الانـدمـاج الاجتماعي» بأنه عملية تحسين قـدرات الناس المحرومين، ومنحهم الفرصة للمشاركة في المجتمع.
أسباب الاستبعاد الاجتماعي:
وقد اهتم علماء الاجتماع بأسباب يمكن أن تؤدي إلى عملية الاستبعاد مثل : انخفاض القيم الاجتماعية أو الثقافية لبعض المجموعات ، كأن يتم تمييز مجموعة من الناس على أساس مرجعية ثقافية مثل : (مرضى الإيدز – المرأة ) وانخفاض الفكر الثقافي يضع بعض الناس كأشخاص أقل قيمة من خلال المعتقدات ، القيم ، المواقف والسلوك الذي يحط من قدر الآخرين أي أن هناك نموذجان للاستبعاد أحدهما قائم على أساس نقص ما لديك من الموارد ( ما لديك ؟ ) والآخر قائم على أساس التمييز للهوية ( من أنت ؟ ) وقد يجتمع الاثنان في بعض المجموعات ، مما يقوض قدرتهما أكثر على المشاركة الفعالة على قدم المساواة مع الآخرين .
ويضيف البعض نموذجاً ثالثاً قائم على أساس ( أين أنت ) وهو التمييز على أساس المكان ، مثل السكن في بعض المناطق الموصومة بالانحراف ، مما يحد من مشاركة ساكنيها في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ويفرض عليهم نوعاً من العزلة ( عبده ، 1432هـ، 17).
وقد عرض بيري سميس Percy Smith2000 سبعة جوانب أو أبعاد للإقصاء الاجتماعي وهي :
1. اقتصادي ( البطالة طويلة الأمد – نواتج أو آثار الفقر ) .
2. اجتماعي ( بشر بلا مأوى – جريمة – عدم وجود فرص عمل للشباب).
3. سياسي ( نقص القوة – نقص الحقوق السياسية ) .
4. الجيرة ( الأسر المفككة – التدهور البيئي ) .
5. الفردي ( اعتلال الصحة الجسمية والعقلية – الانجاز التعليمي المتدني).
6. البيئة المحيطة ( الجماعات الضعيفة المهمشة ) .
7. الجماعات ( تتضمن الخصائص السابقة في جماعات معينة مثل المسنين ، العجزة ، المعوقين ، الأقليات ) .
أما الإقصاء الاجتماعي للأطفال فإنه يتأثر بالأبعاد والجوانب التالية:
الصحة ، والأمن ، والأمان ، والمتعة ، والإنجاز ، المشاركة المدنية والاجتماعية، والرفاهية الاقتصادية . أي كلما تحققت وتوفرت هذه الأبعاد كلما قل إمكانية الاستبعاد الاجتماعي ، وإن لم تحقق تلك الجوانب فإنه يكون أكثر عرضة لعمليات الاستبعاد الاجتماعي .
وهنا يطرح سؤال حول ما إذا كان الاستبعاد الاجتماعي هو حالة ثابتة يستهدف فئة اجتماعية معينة أو ظاهرة اجتماعية متحركة ، فإذا كان الاستبعاد يعتبر ظرفاً أو حالة ثابتة فذلك يؤدي غالباً إلى التركيز على الفئة المستبعدة بحد ذاتها ، أما إذا كان استبعاد فئة معينة يعتبر مظهراً من مظاهر عدم المساواة في المؤسسات التي تسبب هذا الاستبعاد ، فإن ذلك يقتضي التركيز على عمليات الاستبعاد بدلاً من التركيز على الفئات المستبعدة نفسها ( عبده ، 1432هـ، 17)
ويستخدم بعض الباحثين مصطلح الاستبعاد الاجتماعي للتعبير عن ثلاثة مظاهر هي : " التمييز ، والحرمان ، وعدم التمكين " .
1. يقصد بالتمييز : العمليات الاجتماعية والمؤسسية والقانونية والثقافية التي تميز بين الناس على أساس صفات غير إرادية مثل الجنس والإعاقة والمرض والمكان ، وهذا التمييز يمكن أن يعوق الحراك الاجتماعي ويعرقل الحصول على الخدمات الاجتماعية مثل : التعليم والرعاية الصحية ، ويحول دون المشاركة الاجتماعية ودخول سوق العمل .
2. الحرمان : ويقصد به الحرمان المادي الناتج عن عدم القدرة على سد الحاجات الأساسية ، أو إعالة الذات أو الأسرة بل المساس بالحق في الحصول على خدمات اجتماعية أساسية ، فالشخص المستبعد يكون محروماً من المعارف العامة التي تؤمنها المدارس النظامية ، ومحروماً من السكن اللائق ، ومن حق الانتماء إلى المجتمع .
3. عدم التمكين : ويقصد به مجموعة عوامل التمييز ، أو ظروف الحرمان التي يعيشها فرد أو مجموعة ، فتحد من قدرته على تحقيق تغيير في ظروف معيشته أو في المجال العام في المجتمع بأسره .( عبده ، 1432هـ، 18-19)
المصادر:
1- جـلـبـي، عـلـي عـبـد الــرازق (٢٠١٣» .(الانـدمـاج الاجـتـمـاعـي والـمـواطـنـة الـنـشـطـة: مـصـر بـعـد ثـورة ٢٥ يناير نموذجاً.» ورقـة قُدمت إلـى: المؤتمر السنوي الثاني للعلوم الاجتماعية والإنسانية، الذي أقامه المركز العربي للأبحاث ودراسـة السياسات، ٣٠ - ٣١ آذار/مــارس ٢٠١٣.
2- عبده ، بدر الدين كمال (1432هـ) فاعلية الرعاية التمكينية في الحد من الاستبعاد الاجتماعي للمعاقين ، دراسة ميدانية مطبقة على جمعية الملك عبد العزيز الخيرية النسائية ببريدة ، قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية ، جامعة القصيم، بريدة.
3- عبد الجواد، مصطفى خلف (٢٠٠٨) . التحضر والاستبعاد الاجتماعي في مصر.» ورقة قُدمت إلى: مؤتمر «التحديث و التغییر في مجتمعاتنا: تقییم للتجاري واستكشاف الآفاق»، الذي أقامه مركز الـدراسـات المعرفية بجامعة عين شمس، قسم علم الاجتماع، كلية الآداب، بالقاهرة، في ٧ – ٨ نيسان/أبريل.
4- هـيـلـز، جــون، جـولـيـان لـوغـران ودافـيـد بـيـاشـو (٢٠٠٧) الاسـتـبـعـاد الاجـتـمـاعـي: مـحـاولـة للفهم. ترجمة وتـقـديـم محمد الـجـوهـري. الـكـويـت: المجلس الـوطـنـي للثقافة والـفـنـون والآداب. (عالم المعرفة؛ ٣٤٤)