بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تاريخ الفكر السياسي: الاشتراكية العلمية

تاريخ الفكر السياسي

الأستاذة : بيرم . قسم العلوم السياسية  والعلاقات الدولية  - جامعة قسنطينة –
 الاشتراكية العلمية 

إن كانت الاشتراكية تعارض مبدأ الرأسمالية ، الذي يقوم على الملكية الفردية ، ويقر التفاوت الطبقي ،فإنها ليست وليدة الرأسمالية ، لأنها وجدت قبل الرأسمالية ، فقد نادي بها أفلاطون وتحدث عنها الفارابي ، وتلاقت مع دعوات الأديان إلى العدل الاجتماعي ، غير انه في القرن ال19 كثر اللذين يتحدثون عن الاشتراكية لذلك تعتبر الاشتراكية وليدة الثورة الصناعية ، أي برزت أكثر نتاجا للثورة الصناعية .


مفهوم الاشتراكية:

1- لغة : مشتقة من الاشتراك ، يقال اشترك الرجلان أي كان كل منهما شريك الآخر .
2- اصطلاحا : 
هي مجموعة متكاملة من الأفكار والمناهج والوسائل السياسية والاجتماعية والتي تشترك بصرف النظر عن الاختلاف في التفاصيل في رفض المجتمع الاستغلالي ، وضرورة إقامة مجتمع أكثر كفاية وعدلا وتحقيق المساواة بين جميع الأفراد والإخاء بين الأمم أيضا ، وان هذا لا يتحقق إلا بالتقدم الحتمي للمجتمعات . 

خصائص الاشتراكية : ( الس ، الاج ، الاق )

- الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج .
- أن تدار وسائل الإنتاج بواسطة المجتمع والدولة نائبة عنه .
- إشباع الحاجلات الاجتماعية وهي الهدف الذي يترتب عن الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج حيث تسعى إلى إشباع الحاجات المادية والمعنوية للمجتمع ، وهنا يظهر دور الدولة في العمل على ضمان هذا الإشباع .
- التخطيط المركزي : حطة توضع بصفة دورية ، ليتم الإنتاج وفقا للموارد القومية ووفقا لحاجات الشعب ، فلا تحدث حاجة ، ولا يبقى فائض يسبب الأزمات الاقتصادية . 
- توزيع الناتج الإجمالي على أسس من العدل والمساواة، ويراعى التوزيع هنا طبقا للقاعدة الاشتراكية، الكل حسب عمله الكل حسب حاجته.
- إحلال التعاون محل الصراع الطبقة يقوم على التعاون كقاعدة للعلاقات التي تنشأ بين الأفراد في العمليات الإنتاجية واستخدام وسائل الإنتاج الجماعية .

نشأة وتطور الاشتراكية :

إن كانت الاشتراكية تعارض مبدأ الرأسمالية ، الذي يقوم على الملكية الفردية ، ويقر التفاوت الطبقي ،فإنها ليست وليدة الرأسمالية ، لأنها وجدت قبل الرأسمالية ، فقد نادي بها أفلاطون وتحدث عنها الفارابي ، وتلاقت مع دعوات الأديان إلى العدل الاجتماعي ، غير انه في القرن ال19 كثر اللذين يتحدثون عن الاشتراكية لذلك تعتبر الاشتراكية وليدة الثورة الصناعية ، أي برزت أكثر نتاجا للثورة الصناعية .
فظاهرة الاعتناء بالصناعة وتطويرها على حساب الزراعة تعني انتقال النفوذ السياسي من يد ملاك الأرض إلى البرجوازيين الذي احتكروا الصناعة والتجارة ، كما أن هذا التحول كان في بداية الصراع الطويل بين المدن والأرياف حيث اشتد التنافس بين أصحاب الأرض وأصحاب المصانع على العمال .
ففي الوقت الذي كان فيه ملا كالراضي يحرصون على الاستفادة من اليد العالمة المسخرة لخدمة أراضيهم بأبخس الأثمان ، أصبح رجال الصناعة محط انظر العمال ، لان العمل في القطاع الصناعي يجلب المال والحصول على وظائف دائمة ، هذا ما أدى إلى موجة كبيرة من زحف الأفراد من الأرياف إلى المدن ، حيث أصبح كل عامل يفكر في العثور على أية وظيفة كانت وبأي اجر يومي يدفعه له صاحب المصنع ، ومعنى هذا أن أصحاب الصناعة هم اللذين يتحكمون في مصير العمال ويستغلونهم إلى ابعد الحدود، و نتيجة لكثرة العمال النازحين وقع احتكاك بين الطبقة البرجوازية التي تتلهف إلى جمع الثروات ، وبين جيوش العمال الطامحين لتحسين وضعيتهم المادية ولكنهم وجدوا أنفسهم يعيشون في بؤس ومجاعة . ومما زاد مأساتهم أن التقدم الصناعي قضى على المهن التقليدية ولم يكن في إمكانهم العودة إلى الزراعة التي عوضت الآلات مكان الأفراد نتيجة التطور في الميدان التكنولوجي .
نتيجة لهذا ازدادت الطبقة البرجوازية ثراءا ، بينما ازدادت طبقة العمال الفقيرة فقرا  ، وما زاد الطين بلة هو تقاعس الحكومات الأوروبية واتخاذها موقف اللامبالاة تجاه العمال اللذين ساءت وضعيتهم المادية والمعنوية ، بمعنى أن الدولة في حد ذاتها ساهمت في هذا الوضع نتيجة مساندتها لرجال الصناعة وملا ك الأراضي  .

أنواع الاشتراكية 

للاشتراكية أنواع والتي يمكن حصرها في مايلي :

1- الاشتراكية المثالية ( الخيالية ) :

اتسمت أفكارها بالوصف والتخيل وافتقرت في معظمها إلى التحليل والتفسير العلميين وإيجاد الوسائل الكفيلة بتخليص المجتمعات من المشاكل التي يعيشها أفرادها ، حيث كانت معظم الكتابات في هذه المرحلة التي سبقت الثورة الصناعية ، تمثل أحاسيس المفكرين بالآلام التي يشعرون بها من جراء ما يرونه من تعاسة وفقر في أوساط الطبقات الاجتماعية الفقيرة ، كما تمثل رغبتهم في الوصول إلى القضاء على المظالم الاج والاق التي يعاني منها هؤلاء الفقراء ، ومع ذلك فإنها لم تصل إلى مستوى تكوين نظرية أو مذهب اشتراكي قائم على أسس ومعطيات علمية واضحة ، وأبسط مثال على ذلك عجزها عن فهم وتفسير نشوء ظاهرة الفوارق الطبقية في المجتمع الواحد .
ومن ابرز ممثليها : 
* توماس مور : انجليزي من أشهر مؤلفاته عام 1516 كتاب جزيرة يوطوبيا أو جزيرة الخيار ، والذي جاء في شكل حوار مع رحالة برتغالي أطلق عليه اسم روفائيل ، كان قد مر على هذه الجزيرة التي يطبق فيها النظام الشيوعي بصفة جيدة ، تسود فيها العدل والمساواة ، بحيث كانت الدولة تتولى عمليات إنتاج وتوزيع السلع .
* كامبانلا : ايطالي من أهم مؤلفاته عام 1620 ، كان على شاكلة كتاب توماس مور ، بوصفه مدينة مثالية تقوم على الملكية الجماعية والحياة المشتركة . 

2- الاشتراكية التعاونية ( التشاركية ) :

طهرت مع بداية القرن ال19 خاصة في فرنسا وبريطانيا بسبب الثورة الصناعية أين اشتد الصراع بين العمال ورؤسائهم ، لمطالبة العمال بزيادة أجورهم وتحسين مستوى معيشتهم . من هنا جاء ميلاد الاشتراكية التعاونية التي تفضي بضرورة التعاون بين العمال ورؤساء العمل بمحض إرادتهم ، لذلك اقترح مجموعة من المفكرين إنشاء تعاونيات قائمة على أساس المشاركة الحرة والإرادة الطوعية للأفراد ، حيث تشكلت الجمعيات كقاعدة لهذا النظام اعتقادا بأن ذلك سيقضي على المنافسة الشديدة وسيطرة الأقوياء على الضعفاء ، وهكذا يحل التعاون محل التنافس ، هذه الاشتراكية لا تدعو إلى تدخل الدولة وإنما التعاونيات هي من تتولى توزيع الإنتاج والتنظيم .
من أهم روادها شارل فورييه في فرنسا ، و روبرت اوين في انجلترا .

3- الاشتراكية الإصلاحية ( الديمقراطية ) :

والتي تقر بإتباع الطرق السلمية والتدريجية للتحول نحو القيم الاشتراكية ، حيث تؤمن بأن الانتقال إلى الاشتراكية يتم عن طريق الديمقراطية ، عن طريق توعية الجماهير بالفكر الاشتراكي ، ويتسنى للحركة الاشتراكية أن تسهم في إدارة دفة الحكم عن طريق الانتخابات البرلمانية وان تكون فاعلة في إصدار التشريعات الإصلاحية التي تؤدي إلى إحداث التغيير المرتقب في هيكل الاقتصاد وفي التركيب الطبقي .
وبالتالي فالدولة ضرورية وان التحول الاشتراكي لا يحدث دفعة واحدة كما في حال الثورة بل انه يتم تدريجيا عن طريق تراكم الإصلاحات الاجتماعية .  
من أهم روادها : برنشتاين في ألمانيا ، ملليران في فرنسا ، ورجال الجمعية الفابية في انجلترا . 

4- الاشتراكية العلمية ( الماركسية ) :

تأسس هذا النوع على يد كارل ماركس الذي بحث في موضوع الاشتراكية على أسس علمية منطقية تميزه على سابقيه ومعاصريه ممن تعرضوا لهذا الموضوع .

أ- مولد ونشأة كارل ماركس :

ولد كارل ماركس سنة 1818 بألمانيا ، ملحد ، درس الحقوق والفلسفة ، اشتغل بالصحافة ، توفي سنة 1883 .
له العديد من المؤلفات في الفلسفة والتاريخ والاقتصاد والسياسة .  
يعتبر كارل ماركس من أحد علماء الاجتماع الاقتصادي الألمان الذين وهبوا الشيء الكثير لنمو وبلورة علم الاجتماع الاقتصادي و تحويله إلى علم واضح المعالم و الأهداف .
يعتبر ماركس من أكثر المؤثرين الاشتراكيين في القرن ال19 ، وقد عبر عن أفكاره الاشتراكية الرئيسية – بداية في البيان الشيوعي مع زميله فريدرك انجلز  الصادر سنة 1848 ، ويعتقد ماركس أن التاريخ صراع بين ملاك رؤوس الأموال والعمال ، وان الاشتراكية ستنهي هذا الصراع الطبقي وتحل محل الرأسمالية . 
فماركس تأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في معظم الدول الأوروبية من فقر واستغلال وحرمان من طرف الطبقة البرجوازية.
البيان الشيوعي :
يعتبر هذا البيان دستور الاشتراكية الماركسية ، وكان الهدف الأساسي منه هو الإعلان على الملأ أن انحلال الطبقة البرجوازية هو القدر المحتوم الذي لابد منه . شعاره " يا عمال العالم اتحدوا " دعوة لانتفاضة طبقة البروليتاريا ضد الطبقة البرجوازية .
تحدث فيه عن مساوئ الطبقة البرجوازية والتي تؤدي إلى سوء أحوال الطبقة العاملة في هذا المجتمع البرجوازي ، هذه الطبقة الفقيرة هي التي ستنقلب على البرجوازية . 

ب- أسس الاشتراكية العلمية :

إن خلاصة التحليل العلمي لماركس هي أن النظام الرأسمالي لابد أن ينتهي به الأمر إلى الفناء طبقا لقوانين التطور التاريخي العام ، لان منطق هذا النظام نفسه يؤدي إلى وجود قوى متناقضة تعمل داخله ويؤدي تناقضها إلى القضاء عليه في نهاية المطاف وقيام الاشتراكي على أنقاضه .
وقد اعتمد ماركس في تحليله هذا على 3 أسس وهي :

1- فلسفة هيجل :

من أهم نظريات الفيلسوف هيجل " نظرية التطور الدياليكتيكي " ، التي فسر بها تطور الفكر الإنساني ، ففي رأيه أن أية فكرة عندما توجد تحمل في طياتها بذور زوالها لأنها لا تتسم بالكمال المطلق ، ومن هنا يقوم نقدها الذي ينفيها ويظهر نقيضها ، وهذا النقيض نفسه يحمل في طياته بذور زواله ، وهكذا وعلى مثل هذا النهج يكون الفكر الإنساني في تطور ، وحسب هيجل أن هذه الأفكار حينما تتشكل من العقل تؤثر على الحياة والواقع المادي فيتشكلان طبقا لهذه الفكرة ، فالنظم السياسية والاجتماعية هي تشكيلات مادية لفكرة أو مجموعة من الأفكار ، وبالتالي كلما تطورت هذه الأفكار تطورت هذه التشكيلات . بمعنى أسبقية الفكرة على المادة .
غير أن ماركس اخذ من هيجل ما يعرف بالطريقة الجدلية في التطور لكنه تناولها بطريقة مخالفة . 

2- المادية الجدلية:

اخذ ماركس عن هيجل نظريته في التطور الديالكتيكي التي فسر بها تطور الفكر الإنساني ولكنه عكسها ، حيث انه لا يسلم بان الفكر هو الذي يحرك تطور التاريخ البشري . وقد حاول أن يحدد القوى الحقيقية لهذا التطور ، وانتهي إلى فكرة أطلق عليها " التفسير المادي أو الاقتصادي للتاريخ " ، ومقتضى هذه الفكرة أن النواحي السياسية و الاقتصادية والفكرية إنما تتشكل وتتكيف بظروف الإنتاج وبالعلاقات التبادلية القائمة في المجتمع .
فليس الفكر الإنساني إذن هو الذي يحدد للإنسان طريقة معيشته، ولكن طريقة معيشته هي التي تحدد وعيه وفكره . جملة القول أن العامل الاقتصادي هو الأساس في تشكيل جميع العوامل الأخرى بما فيها الفكر، لذا سميت نظريته بالمادية التاريخية . 

3- المادية التاريخية والصراع الطبقي :

إن المادية التاريخية هي تطبيق للمادية الجدلية على الحياة الاجتماعية والسياسية ، وهنا يستنتج ماكس من التطور التاريخي وما تخلله من نظم اجتماعية ، بأن كل نظام اجتماعي يحمل في داخله بذور فنائه . ففي كل نظام تنشأ قوى تناهضه حتى تقضي عليه وتزيله لتنشئ مكانه نظاما جديدا . وفي هذا النظام الجديد تنشأ قوى جديدة تناهضه وتقيم مكانه نظام جديد وهكذا ....
من هنا يعتبر انه ما من مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي إلا وشهدت صراعا طبقيا ، ناجم عن وجود طبقتين متفاوتتين في الغنى ، هذا الصراع بدأ منذ أن زال نظام الملكية المشتركة للأرض وقام مكانه نظام الملكية الفرجية القائم على استغلال الإنسان للإنسان .
وبنظرة سريعة للتطور التاريخي الاجتماعي نلاحظ انه مر بهذه المراحل :
 المجتمع المشاعي      المجتمع العبودي ( أسياد وعبيد )      المجتمع الإقطاعي ( ملاك الأراضي والفلاحين )                   المجتمع الرأسمالي ( برجوازيين وعمال )         المجتمع الاشتراكي          المجتمع الشيوعي . 
في هذا الصدد يقول ماركس بان النظام الرأسمالي سينهار ليقوم مقامه النظام الشيوعي ، ولكن الوصول لهذا النظام لابد من اندلاع الثورة البروليتاريا لاستلام السياسة من الطبقة الرأسمالية ووضعها بتصرف الطبقة العمالية لكي تتمكن هذه الطبقة بواسطتها من ضرب الملكية الرأسمالية الفردية لوسائل الإنتاج وتحويلها إلى ملكية جماعية .

مكانة السياسة في النظرية الماركسية :

قدم ماركس نظرة مغايرة مناقضة للغاية لكل من سبقه من المفكرين ، حيث لا يعترف بشيء اسمه علم السياسة ، ويقول انه مرتبط بالكل وهو علم الاجتماع الذي يتضمن في جنباته كل العلوم المختلفة .
حيث يرى انه لا يوجد فصل بين السلطتين السياسية والاقتصادية ، لان السلطة الاقتصادية تملك أدوات قوية  للضغط على السلطة السياسية ، مما يجعل صورة مراكز التقرير السياسي المتعددة صور خداعة كاذبة ، وبالتالي تعتبر بمثابة محاولة لإيجاد تبرير شرعي أو أخلاقي لممارسة القوة السياسية .
فالماركسية إذن هي نظرية القضاء على السياسة لأنها تحاول إقامة مجتمع شيوعي، فهي تسعى في نهاية الأمر إلى تجاهل السياسة والعمل بدونها والاستغناء عنها .

أصل نشأة الدولة حسب ماركس :

يرى الماركسيون أن الدولة نشأت نتيجة انقسام المجتمع إلى طبقات والطبقة المسيطرة احتكرت السلطة لكي تدافع على مصالحها واستعملت القوانين السياسية لكي تواصل سياستها ، وبالتالي فان السلطة السياسية عند الماركسيين ما هي إلا تنظيم لسلطة طبقة ما للسيطرة على طبقات أخرى داخل المجتمع .وبالتالي فالدولة ما هي إلا ظاهرة عابرة وجودها مرتبط بنظام الطبقية في المجتمع . حيث لم تظهر الدولة في المجتمع البدائي لعدم وجود طبقية لعدم وجود ملكية خاصة ، لكن مع التطور وتعقد الحياة وظهور الملكية الخاصة أدى إلى الطبقية في المجتمع مما أدى أيضا إلى الصراع ، وهذا ما تطلب وجود سلطة تنظيمية لفض النزاع .
لذلك فالدولة ضرورية لتحقيق الاستقرار نظرا للطبقية ، وبانتهاء الطبقية والصراع الاجتماعي بالانتقال الى الحياة المشاعية ، لم تعد هنالك حاجة الى الدولة وبالتالي تزول .