الإختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية
خطة البحث :
مقدمة
المبحث الأول : القواعد العادية للإختصاص القضائي الدولي .
المطلب الأول : تطبيق قواعد الإختصاص المحلي الداخلي على المجال الدولي .
المطلب الثاني : تعديل بعض قواعد الإختصاص المحلي الداخلي لجعلها متلائمة مع المجال الدولي .
المطلب الثالث : قواعد الإختصاص الخاصة فقط بالمجال الدولي .
المطلب الرابع : الإختصاص القضائي الدولي المبني على إرادة الخصوم .
المطلب الخامس : الإختصاص القضائي الدولي المبني على حسن سير العدالة.
المبحث الثاني : القواعد غير العادية للإختصاص القضائي الدولي .
المطلب الأول : حالات اللجوء إلى الإمتياز المقرر بموجب المادتين 41 و 42 ق إم إ .
المطلب الثاني : الإختصاص المبني على الإمتياز المقرر بموجب المادتين 41 و 42 ق إ م إ .
المطلب الثالث : مدى قبول الإمتياز المقرر بموجب المادتين 41 و 42 ق إ م إ.
المطلب الرابع : الأشخاص الذين يستفيدون من الإمتياز المقرربموجب المادتين 41 و 42 ق إ م إ .
المطلب الخامس : مجال تطبيق الإمتياز المقرر في المادتين 41 و 42 ق إ م إ .
المبحث الثالث : الإعفاء من ولاية القضاء الوطني .
المطلب الأول : الدول الأجنبية .
المطلب الثاني : رؤساء الدول الأجنبية .
المطلب الثالث : المبعوثون الدبلوماسيون .
الخاتمة
لم يخصص المشرع الجزائري للإختصاص القضائي الدولي سوى مادتين في قانون الإجراءات المدنية هما المادة 10 و المادة 11 و التي تقابلهما المادتين 41 و 42 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية .
حيث نصت المادة 10 على أنه : " كل أجنبي حتى ولو لم يكن مقيما بالجزائر يجوز أن يكلف بالحضور أمام المحاكم الجزائرية لتنفيذ الإلتزامات التي تعاقد عليها في الجزائر مع جزائري .
كما يجوز أيضا أن يقدم إلى المحاكم الجزائرية بشأن عقود أبرمها في بلد أجنبي مع جزائريين ."
و جاء في المادة 11 أنه : " يجوز تقديم كل جزائري للجهات القضائية الجزائرية بشأن التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي حتى ولو كان مع أجنبي " .
و يفهم من المادتين أن المحاكم الوطنية مختصة بالنظر فقط في الدعاوى التي يكون أحد أطرافها من الوطنيين ، سواءا كان مدعيا او مدعى عليه ، أما الدعاوى بين الأجانب فهي غير مختتصة بالنظر فيها .
بالإضافة إلى أنه تعتبر المادتين 10 و 11 ق إ م قواعد غير عادية للإختصاص ، أما القواعد العادية للإختصاص فهي قواعد الإختصاص القضائي المحلي الداخلي ، و التي يتم تمديدها إلى المجال الدولي .
ومن هذا المنطلق تثار الإشكالية التالية :
و للإجابة على هذه الإشكالية قمت بتقسيم خطة البحث إلى ثلاث مباحث خصصت المبحث الأول لدراسة القواعد العادية للإختصاص القضائي الدولي أما المبحث الثاني فخصصته لدراسة القواعد غير العادية للإختصاص القضائي الدولي ، و الختام بمبحث ثالث خصصته للإعفاء من ولاية القضاء الجزائري رغم توافر الضابط الذي يكفي لعقد الإختصاص له .
و في الأخير أرجوا أن أكون موفقا في إعداد هذا البحث و أن أكون قد ألممت بجميع أو بالأحرى بأغلب جوانبه .
يعطي القانون الدولي العام لكل دولة الحق في تحديد الأحوال او الإعتبارات أو الضوابط أو الأسس في تحديد الغختصاص القضائي للمحاكم و حتى في العلاقات ذات الطابع الدولي أو التي لها ارتباطات مع أكثر من دولة واحدة و لاسيما في النقل الدولي و الزواج المختلط ، غير أنه باستقرار أحكام القانون المقارن و بعض الإتفاقيات الدولية تجد أن الإختصاص الدولي ينعقد للمحاكم في المواد التجارية و المدنية ولو ان قضايا الأحوال الشخصية تحكمها أحكام خاصة (1) .
و سوف نتناول في هذا المبحث أهم القواعد العادية للإختصاص القضائي الدولي في خمسة مطالب على التوالي :
_______________
(1) ممدوح عبد الكريم حافظ عرموش ، القانون الدولي الخاص ، ج 1 ، عمان ، 1998 ، ص 250 .
المطلب الأول : تطبيق قواعد الإختصاص الداخلي على المجال الدولي
يكون الإختصاص منعقدا للمحاكم الجزائرية كلما كان الضبط معتمدا للإختصاص المحلي الداخلي موجودا في الجزائر .
فإذا كان مثلا الضابط في الإختصاص المحلي الداخلي هو موطن المدعى عليه ، و كان هذا الضابط موجودا في لجزائر ، فإن الإختصاص الدولي القضائي يكون منعقدا للنظام القضائي الجزائري ، و أما إذا كان موجودا في الخارج فإنه لا ينعقد له .
و أيضا إذا كن الضابط في الإختصاص المحلي الداخلي بالنسبة للدعاوى العينية العقارية هو مكان تواجد العقار ، فإن هذا العقار إذا كان موجودا في الجزائر يكون الإختصاص معقودا لقضائها ، أما إذا كان موجودا في بلد اجنبي فإنهلا ينعقد له .
و بذلك نكون قد نقلنا قواعد الإختصاص المحلي الداخلي إلى المجال الدولي لكن مع فارق أن قواعد الإختنصاص المحلي الداخلي تحدد لنا امحكمة المختصة داخل النظام القضائي الجزائري ، أما قواعد الإختصاص القضائي الدولي فتبين لنا فقط ما إذا كان النظام الجزائري مختصا أم لا ، و لا تتعدى ذلك إلى عقد الإختصاص لنظام قضائي أجنبي آخر فنكون بذلك قد استعملنا نفس المعايير المحددة للإختصاص المحلي الداخلي في المجال الدولي (1) .
و هذا الحل أي نقل قواعد الإختصاص المحلي الداخلي للمجال الدولي تبناه المشرع الفرنسي بحيث يعقد الإختصاص للقضاء الفرنسي مهما كانت جنسية أطراف الدعوى ، و ذلك بتطبيق قواعد الإختصاص المحلي الداخلي على المجال الدولي ، و قد عبر عن هذا الإتجاه بقوله : " يخضع الإختصاص القضائي الدولي في القانون الفرنسي لقواعد الإختصاص المحلي الداخلي و ذلك مهما كان القانون المطبق و جنسية أطراف الدعوى (2) .
و عليه فإن المادتين 08 و 09 من قانون الإجراءات المدنية والجزائري هما اللتان يتم نقلهما إلى المجال الدولي و عقد الإختصاص و فقهما للمحاكم الجزائرية في المنازعات ذات الطابع الدولي كلما كان ظابط الإختصاص المعتمد عليه موجودا في لجزائر ، و ذلك أيا كان جنسية أطرافها (3).
_______________
(1) أعراب بلقاســــــم ، القانون الدولــــي الخاص الجزائري : تنـــــازع الإختصاص القضائـــي الدولـــي – الحنسية ، ج 2 ، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع ، الجزائر ، 2003 ، ص 22 .
(2) هشام صادق ، تنازع الإختصاص القضائي الدولي ، ديوان المطبوعات الجامعية ،الإسكندرية ، 2007 ، ص 93 .
(3) أعراب بلقاسم ، مرجع نفسه ، ص 23 .
المطلب الثاني : تعديل بعض قواعد الإختصاص المحلي الداخلي لجعلها متلائمة مع المجال الدولي
الأصل أن النصوص القانونية المتعلقة بالإختصاص المحلي الداخلي يتولى وضعها المشرع الجزائري للمجال الداخلي ، و تنحصر وظيفتها في توزيع الإختصاص على المحاكم الموجودة داخل الإقليم الجزائري .أما قواعد الإختصاص القضائي الدولي فهدفها هو تحديد ماإذا كانت المحاكم الجزائرية مختصة بالنظر في النزاع أم لا دون ان تتعدى ذلك إلى عقد الإختصاص للمحاكم الأجنبية أي أن وظيفتها ليست توزيعية للإختصاص ،و عليه فإن نقل قواعد الإختصاص المحلي الداخلي إلى المجال الدولي و تطبيقها عليه دون تعديل قد تعترضه أحيانا صعوبات عملية ، بل قد يصل الامر إلى عدم القدرة على تطبيقها أصلا ، مما يتعين إدخال تعديلات عليها لجعلها متلائمة معه ، و بالإمكان بالتالي تطبيقها بدون صعوبة .
و من الامثلة على هذه المواد القانونية التي يتطلب تطبيقها في المجال الدولي إدخال تعديلات عليها لجعلها متلائمة معه المادة 08 الفقرة الرابعة المتعلقة بالميراث ، ووفقا لهذه المادة فإن المحكمة المختصة في المجال الدولي فيما يتعلق بمادة الميراث هي المحكمة التي يقع بدائرة اختصاصها مكان افتتاح التركة ، و تبقى هذه المحكمة مختصة حتى و لو تعلقت التركة بتقسيم عقارات تقع خارج دائرة اختصاصها و يبرر الفقه ذلك بأن محاسن تركيز كل ما يتعلق بعملية تقسيم التركة في مكان واحد و إخضاعه لمحكمة واحدة تفوق محاسن إخضاع كل عقار داخل في تقسيم التركة للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان العقار .إضافة إلى ذلك فإن الحكم الصادر في التركة يجد تطبيقه في كل داخل كل الإقليم الجزائري ، لكن الأمر على خلاف ذلك في المجال الدولي ، فلا يمكن الأخذ بهذا التركيز لكل العمليات المتعلقة بتقسيم التركة فيما إذا كانت بعض العقارات الداخلة في هذاالتقسيم موودة في الخارج . و هذا ما أخذ به القضاءالفرنسي ، فقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن القضاء الفرنسي غير مختص في النظر في تقسيم تركة متعلقة بعقارات موجودة في الخارج ، كما انه لا يسوغ للقاضي الفرنسي البحث فيما إذا كان بالإمكان رفع النزاع إلى القضاء الأجنبي ، حتى و لو ترتب عن ذلك ما يسمى جرم إنكار العدالة (1) .
و بهذا المثال نرى أن نقل قواعد الإختصاص المحلي الداخلي إلى المجال الدولي يتطلب إدخال تعديلات عليها لتكون متلائمة معه .
_______________
(1) أعراب بلقاسم ، المرجع السابق ، ص 24 .
و كذلك الحال بالنسبة لشهر إفلاس الدولة إذ أجاز الفقه شهر الإفلاس أمام محاكم الدولة التي يوجد بها الموطن العام للتاجر المفلس ، ولو لم يكن له موطنه التجاري أو التي تود بها امواله أو جزء منها ، حتى يسهل لهم اتخاذ إجراءات التنفيذ كلها و استيفاء حقوقهم منها ، و تبدوا أهمية هذا الحل بصف خاصة ، في الأحوال التي يكون فيهاللتاجر عقارات في دولة معينة ، إذ قد يكون من الخير في هذه الحالة أن ترفع دعوى شهر الإفلاس أمام محاكم دولة أخرى (1) .
________________
(1) هشام صادق ، مرجع سابق ، ص 124 .
المطلب الثالث : قواعد الإختصاص الخاصة فقط بالمجال الدولي
هناك حالات قد تفرض عقد الإختصاص الدولي للمحاكم الجزائرية بناءا على قواعد اختصاص خاصة بالمجال الدولي فقط و التي أملتها الإستجابة للضرورة التي يفرضها النظام الدولي . و في هذه الحالات لا توجد قواعد للإختصاص المحلي الداخلي و التي يتم نقلها إلى المجال الدولي لتطبيقها عليه .
و من أمثلة هذه القواعد القاعدة التي تمنح الإختصاص للمحاكم الوطنية تجنبا من الوقوع في جرم إنكار العدالة (1) .
فكما نعلم أن قواعد الإختصاصالقضائي الدولي تحدد فقط ما إذا كانت المحاكم الجزائرية مختصة أم لا بالنظر في النزاع المعروض عليها . فعلى فرض أنها استبعدت اختصاص القضاء الجزائري للنظر فيها ، فهل هناك ضمانة بأن نظام قضائي آخر يكون مختص اللنظر فيها ؟ ف
إذا تأكد للقضاء الجزائر بأنه ليس هناك أي نظام قضائي قضائي أجنبي يكون مختصا بالنظر في النزاع فعليه تقرير اختصاصه بناءا على القاعدة السالفة الذكر و التي تجد مصدرها ، كما ذكرنا ، في الضرورة التي يفرضها النظام الدولي ، و إلا اعتبر مرتكبا لجرم إنكار العدالة ، و هذا هو موقف القضاء الفرنسي (2) .
ومن الأمثلة كذلك لهذه اقواعد الخاصة فقط بالمجال الدولي ، القاعدة التي تعقد الإختصاص فقط للمحاكم الجزائرية ، لما يكون القانون المطبق على المنازعة هو قانون الامن المدني ، و ذلك لتمتع هذتا الاخير بطابع الإقليمية ، و تعتبر هذه الحالة من الحالات التي يجلب فيها الإختصاص التشريعي الإختصاص القضائي .
ومن الأمثلة أيضا القواعد أيضا القاعدة التسي تعقد الإختصاص للقضاء الوطني لما يتعلق الأمر بأثر حكم أجنبي دجاخل إقليم دولة القاضي لتعلقه بسيادة الدولة (3).
______________
(1) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 25 .
(2) أنظر، Req .30 dec .1930،rev.crit.1932 ،11.-trib.gr.inst.seine.1fev/1996،clunet
نقلا عن أعراب بلقاسم ، ص 26 .
(3) نظر عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، الجزء الأول ، ط 11 ، مطابع الهية المصرية العامة للكتاب ، ص 611 ، بند 161 . نقلا عن أعراب بلقاسم ، ص 27 .
و تمتد سيادة الدولة إلى كل ما على إقليمها من أشخاص أو أموال و تصرفات و بغض النظرعن جنسية الأطراف فهو يشمل الدعاوى الشخصية و الدعاوى العينية .
أولا : الإختصاص الشخصي
يثبت الإختصاص القضائي للمحاكم على شخص المتداعين و لا سيما المدعى و المدعى عليه و يكون عادة لاعتبار الجنسية و الموطن ، فالوطني الذي يحمل جنسية دولته يخضع لاختصاص محاكمها أينما كان و بغض النظر عن مكان نشوء العلاقة القانونية التي أنشأت الإلتزام و هو الحكم اذي يطبق على عديم الجنسيةالذي يخضع إلى قانون الدولة التي يقيم فيها ، فالقاعدة بثبوت الإختصاص القضائي تتحقق بالمدعي يلحق المدعى عليه .
و من الأسباب التي قيلت بشأنها كونه بريء الذمة حتى تثبت إدانته . فلا يجوز مضايقته أإو اشتراط حضوره أمام محكمة أجنبية لعدم القدرة على الدفاع عن نفسه إضافة إلى جهله للقوانين الأجنبية و لبعد المسافة (1) .
ثانيا : رابطة الجنسية
هناك من القوانين ما تعتبر الجنسية مبرر لثبوت الإختصاص القضائي الدولي لمحاكم الوطنية على الوطنيين ، و حتى ما تنشأ من التزامات بالخارج ، و هناك من يأخذ بهذا الضابط للإختصاص إلا إذا كان للوطني موطن أو مكان إقامة ثابت في دولة المحكمة (2) .
وبالنسبة للقانون الجزائري وحسب نص المادتين 08 و 09 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري هما اللتان يتم نقلهما إلى المجال الدولي و عقد الإختصاص و فقهما للمحاكم الجزائرية في المنازعات ذات الطابع الدولي كلما كان ظابط الإختصاص المعتمد عليه موجودا في الجزائر ، و ذلك أيا كان جنسية أطرافها (3). كما تنص لمادة 15 من قانون الحنسية على أنه : " يتمتع الشخص الذي يكتسب الجنسية الجزائرية بجميع الحقوق المتعلقة بالصفة الجزائرية ابتداءا من تاريخ اكتسابها " (4) .
و هونفس الموقف الذي تبناه القضاء الفرنسي بنقل قواعد الإختصاص المحلي الداخلي للمجال الدولي ، بعقد الإختصاص للقضاء الفرنسي مهما كانت جنسية أطراف الدعوى .
_____________
(1) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 26 .
(2) مرجع نفسه ، ص 251 .
(3) مرجع نفسه ، ص 22 .
(4) الأمر رقم 70 – 86 ، المتضمن قانون الجنسية الجزائرية ، المؤرخ في 17 شوال عام 1390 ﻫ ، الموافق ل 15 ديسمبر 1970 م .
المطلب الرابع : الإختصاص القضائي الدولي المبني على
إرادة الخصوم
يقصد بإرادة الخصوم الخضوع الإختياري ، و يعرف على أنه اتفاق الخصوم على قبول ولاية قضاء الدولة حتى و لو لم تكن محاكمها مختصة بالنظر في النزاع أصلا ، وفقا لأي من ضوابط الإختصاص الدولي الأخرى المقررة في قانونها ، و قد يكون هذا الخضوع صريحا أو ضمنيا (1) .
قد يكونالقضاء الجوزائري مختصا بالنظر في النزاع ، غير أن اخصوم قد يتفقون على عرضه على قضاء دولة أحنبية أخرى . و قد يكون العكس ، القضاء الجزائري غير مختص و لكن الخصوم يتفقون على عرض النزاع عليه .
و مثل هذا الإتفاق قد يكون صريحا ، يتضمنه عقد مكتوب بين الخصوم ، و بمقتضاه يعقد الإختصاص لقضاء دولة معينة . و قد يكون ضمنيا ، بأن يرفع أحد الخصوم دعواه أمام جهة قضائية لدولة معينة دون أن يعترض خصمه على عدم اختصاصها .
فهل مثل هذا الإتفاق الذي يعدل قواعد الإختصاص القضائي الدولي ينتج أثره ، فتصبح الجهة القضائية المختارة بالإتفاق هـــي المختصة بالنظر في النزاع ؟ .
لا يمكن لأية دولة أن تنظم هيئة تابعة لدولة أخرى . و هذا مبدأ ثابت في القانون الدولي لعام . و عليه فإن القانون الجزائري هوالذي يقرر وحده ما إذا كان يجوز أو لا يجوز عقد الإختصاص بالإتفاق للقضاء الجزائري رغم عدم اختصاصه ، أو سلب الإختصاص عنه رغم اختصاصه و عقده لدولة أخرى .
و بناءا على ذلك إذا رجعنا إلى المادة 28 من قانون لإجراءات المدنية القديم فإننا نجدها تجيز إلى الخصوم الحضور دائما باختيارهما أمام القاضي حتى و لو لم يكن مختصا محليا بنظر الدعوى ، مما يفيد بأن قواعد الإختصاص القضائي المحلي ليست من النظام العام لأنه يمكن الإتفاق على مخالفتها .
و لما كانت قواعد الإختصاص القضائي الدولي في الجزائر - كما رأينا - هي امتداد لقواعد الإختصاص المحلي الداخلي ، فهيمن ثم ليست من النظام العام ، و يمكن بالتالي الإتفاق على مخاتلفتها ، فيصح الإتفاق على سلب الإختصاص عن القضاء الجزائري رغم اختصاصه ، أو على جلب الإختصاص له على الرغم من عدم اختصاصه (2) .
___________________
(1) هشام صادق ، مرجع سابق ، 93 .
(2) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 28 .
و هذا الموقف هو الذي كان سائدا في فرنسا قبل تعديل سنة 1972 لقانون الإجرءات المدنية الفرنسي لوجود الإنسجام بينه و بين القواعد الإختصاص القضائي المحلي الداخليالتي تقضي بصحة الإتفاق على تعدي أحكام الإختصاص القضائي المحلي الداخلي . لكن بعد هذا التعديل فإن هذا الإنسجام أصبح غير موجود ، ذلك أن المادة 48 من ق إ م يبطل كل اتفاق على تعديل قواعد الإختاص المحلي الداخلي باستثناء إذاا كان مبرما ما بين أشخاص لهم جميعا صفة التجار ، مما يستنتج منه أن الإتفاق في غير المجال التجاري على تعديل أحكام الإختصاص القضائي الدولي يعتبر باطلا لأنه - كما رأينا - قواعد الإختصاص القضائي الدولي هي امتداد لقواعد الإختصاص القضائي المحلي الداخلي . لم تأخذ محكمة النقض الفرنسية بهذا الإستنتاج ، و حكمت بصحة الإتفاق على تعديل أحكام الإختتصاص القضائي لما يكون النزاع دوليا (1).
وقد لاقى موقفها هذا قبولا لدى جانب كبير من الفقه ، و لكن بشروط .
الشرط الأول : أن يكون النزاع له طابع دولي و له علاقة معتبرة بقضاء الدولة التي عقد الإختصاص له .
الشرط الثاني : أن لا يكونالإختصاص المعقود للقضاء الفرنسي اختصاصا مقصورا عليه .
الشرط الثالث : ألا يكون النزاع متعلقا بحالة الأشخاص .
و نشير إلى أنه لا مانع من الأخذ بهذه الشروط الثلاثة في الجزائر لأنها شروط يمليها المنطق و تستجيب للإعتبرات العملية (2) .
_______________
(1) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 29 .
(2) هشام صادق ، مرجع سابق ، 165 .
المطلب الخامس : الإختصاص القضائي الدولي المبني على
حسن سير العدالة .
قد تكون الدعوى المرفوعة أمام القضاء الجزائري داخلة في اختصاصه ، و تكون هناك دعوى أخرى غير داخلة في اختصاصه و مرفوعة إلى جهة قضائية أجنبية ، و يوجد ما بين الدعويين ارتباط . فهل بالإمكان ظم الدعويين أمم جهة قضائية واحدة ؟ .
توجد في القانون الداخلي المادة 90 من قانون الإجراءات المدنيةالتي تعالج ذلك فقد جاء فيها : " إذا سبق تقديم طلب أمام محكمة أخرى في الموضوع نفسه أو كان النزاع مرتبطا بقضية مطروحة فعلا أمام محكمة أخرى ، جاز إحالة الدعوى بناءا على طلب الخصوم " . فوفقا لهذه المادة يمكن على الصعيد الداخلي ظم الدعويين معا أمام جهة قضائية واحدة . فهل يمكن مد هذا الحل إلى المجال الدولي ؟ .
سبق أن بينا بأن في الجزائر قواعد الإختصاص الداخلي هي التي تطبق في المجال الدولي . و عليه ، فإنه تطبيقا للمادة 90 من قانون الإجراءاتالمدنية على المجال الدولي ، فإن المحاكم الجزائرية تكون مختصة بالنظر في دعويين معا ، على الرغم من عدم اختصاصها في الدعوى المرفوعةة أمام القضاء الأجنبي ، و ذلك للإرتباط الموجود بينهما . و هذا الإختصاص يمليه حسن أداء العدالة . و هذا ما اخذ به المشرع المصري . فقد جحاء في المادة 33 من قانون المرافعات : " . . . كما تختص بالفصل في كل طلب يرتبط بالفصل في هذه الدعوى و يقتضي حسن أإداء العدالة أن ينظر فيه " .
و لا يقتصر اختصاص المحاكم الوطنية بالفصل فقط في الدعاوى المرتبطة بل يمتد أيضا إلى الفصل في المسائل الأولية ، و الطلبات اعارضة على الدعوى الأصلية و التي يكون مختصا بالنظر فيها . و هذا ما ينص عليه أيضا التشريع المصري بصفة صريحة فقد جاء في المادة 35 منه : " إذا رفعت لامحاكم الجمهورية دعوى داخلة في اختصاصها تكون هذه المحاكم مختصة بالفصل في المسائل الأولية و الطلبات العارضة على الدعوى الأصلية التي تكون مختصة بالنظرو الفصل فيها (1) .
و هذا الإختصاص الثابت للمحاكم الوطنية للففصل في المسائل الاولية و الطلبات العارضة على الدعوى الأصلية تمليه الإعتبارات العملية ، و يستجيب لحسن أداء العدالة .
______________
(1) انظر : - civ. 19 mai 1830 , s.30 ,1, 325 ;civ.7juill.1845,s.45,1,738;civ.23 nov .1892 , s . 94 , 1 ; 441 . نقلا عن أعراب بلقاسم ، مرج سابق ، ص 30 .
و فقا للمادتين 10 و 11 من قانون الإجراءات لمدنية و الإدارية ، و المقابلتين للمادتين 14 و 15 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي ولتي تقابلهما المادتين 40و 41 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد ، تكون امحاكم الجزائرية مختصة بالفصل في جميع الدعاوى التي يكون أحد أطرافها جزائريا .
و يعتبر هذا الإختصاص كما هو واضح امتياز مقرر لصالح الجزائريين سواءا كانوا في الدعوى مدعين او مدعى عليهم . و يطرح هذا الإمتياز عدة تساؤلات :
أولا : متى يلجأ إلى هذا الإمتياز، هل يلجأ إليه فقط لما لا تسعفنا قواعد الإختصاص القضائي الدولي لعقد الإختصاص للقضاء الجزائري ، مما يعني أ ن هذا الإمتياز له فقط صفة احتياطية ، أم أنه امتياز يلجأ إليه حتى ولو أن قواعد الإختصاص القضائي الدولي العادية التي درسناها في المبحث السابق تعقد الإختصاص للقضاء الجزائري .
ثانيا : هل الإختصاص المقرر لصالح الجزائريين من طرف المادتين هو اختصاص مبعد لاختصاص المحاكم الأجنبية، مما يجعل الأحكام القضائية الأجنبية ليس لها أثر في الجزائر إذا ما صدرت متجاهلة تمسك الطرف الجزائري بهذا الإمتياز أمامها .
ثالثا : هل الإمتياز المقرر لصالح الجزائريين بموجب هاتين المادتين هو امتياز يمكن التنازل عنه أم لا .
رابعا :في حالة ما إذا تم عقد الإختصاص للمحاكم الجزائرية وفقا للمادتين ،كيف يتم تحديد المحكمة المختصة محليا بالنظر في الدعوى ؟ .
خامسا : لما كان الإمتياز قائما على ضابظ الجنسية فلا بد من تحديد الوقت الذي يعتد به في توافر هذا الضابط .
المطلب الأول :حالات اللجوء إلى الإمتياز المقررفي
المادتين 41و42ق إم إ.
قد تعقد القواعد العادية للإختصاص القضائي الدولي الإختصاص للمحاكم الجزائرية ، و قد لا تعقد الإختصاص لها ، فهل بإمكان الطرف الجزائري اللجوء إلى الإمتياز المقرر له بموجب المادتين في كلتا الحالتين ؟ .
بالنسبة للحالة الاولى ، و هي التي تعقد فيها القواعد العادية الإختصاص للمحاكم الجزائرية ، فإن الطرف الجزائري لا يمكنه الإعتماد على النصين 41و 42 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية المقررتين امتيازا له ، ذلك أنه من غير المنطقي اللجوء إلى نصوص خاصة ( لكونها تقرر امتيازا للجزائريين ) ، بينما النصوص العامة كافية للوصول إلى نفس النتيجة و هي اختصاص المحاكم الجزائرية . إضافة إلى ذلك فإنه في حالة اعتماد المحاكمالجزائرية على هذا الإمتياز لتقرير اختصاصاتها دون القواعد العادية للإختصاص القضائي الدولي ، فإن الحكم الذي تصدره قد لا يجد حظوظا كبيرة لتنفيذه في بلد الطرف الأجنبي معاملة بالمثل .
و هذا ما انتهى إلى تقريره القضاء الفرنسي بعد تطور طويل . فبعد أن كان يقرر عدم اختصاص المحاكم الفرنسية بالنظر في المنازعات بين الاجانب ، تفسيرا للنصين 14 و 15 من القانون المدني بمفهوم المخالفة ، تطور إلى قبول الإختصاص ببعض المنازعات . ثم قرر بعد ذلك قاعددة أن الصفة الأجنبية لأطراف النزاع ليست سببا في عدم اختصاص المحاكم الفرنسية . و انتهى هذا التطور إلى اعتبار النصين 14 و 15 من القانون المدني المقررين امتيازا لصالح الفرنسيين بأن لهما صفة احتياطية يكون تطبيقهما فقط في الحالة التي لا تسعفنا فيها القواعد العادية للإختصاص القضائي الدولي عقد الإختصاص للمحاكم الفرنسية .
بالنسبة للحالة الثانية و هي الحالة التي لا تعقد فيها قواعد الإختصاص القضائي الدولي العادية الإختصاص للمحاكم الجزائرية ، فإنه يمكن ال؟غعتماد على المادتين 41 و 42 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية المقررتين امتيازا لصالح الجزائريين . و هذا ما أخذ به القضاء الفرنسي . فقد قبل اعتماد الطرف الفرنسي على المادتين 14 و 15 ، المقررتين امتيازا لصالحه ، لتأسيس اختصاص المحاكم الفرنسية في دعوىالطلاق على اعتبار أن القواعد العادية للإختصاص القضائي الدولي لا تسمح برفعها إلى المحاكم الفرنسية (1) .
_______________
(1) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 35 .
المطلب الثاني : الإختصاص المبني على الإمتياز المقرر بموجب
المادتين 41 و 42 ق إ م إ.
قد تكون الدعوى مرفوعة أمام القضاء الأجنبي ، و هذا الاخير يكون مختصا بالتظر فيها وفقا لقواعد الإختصاص القضائي الدولي في قانونه ن و في الوقت نفسه تكون هناك دعوى أخرى مماثلة مرفوعة أمام القضاء الجزائري ، و مؤسسة على الإمتياز المخول للطرف الجزائري في المادتين 41و42 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، فهل يمكن للطرف الأجنبي في الدعوى الدفع أمام القضاء الجزائري بسبق رفع نفس الدعوى أمام القضاء الأجنبي ؟.
ما دام أننا اعتبرنا المادتين 41و 42 تقرران امتيازا لصالح الجزائريين ،فإن هذا الإمتياز يبقى قائما طالما أن الطرف الجزائري المقرر المتياز لصالحه لم يتنازل عنه ، و عليه فإن هذا الدفع المقدم من الطرف الأجنبي امام القضاء الوطني للتوقف عن الفصل في الدعوى أو التنازل عنها لصالح القضاء الأجنبي ، يكون غير مؤسس . و لا داعي للخوف من الحكم الأجنبي إذا ما كان متعارضا مع الحكم الصادر من المحاكم الجزائرية ، لأنه في هذه الحالة لا يكون قابلا للتنفيذ في الجزائر .
يقبل القضاء الفرنسي التوقف عن الفصل في الدعوى إذا ما أثير أمامه دفع بسبب رفع نفس الدعوى أمام جهة قضائية أجنبية ، و يشترط لذلك أن يكون الحكم الصادر من الجهة القضائية الأجنبية قابلا للإعتراف به في فرنسا (1).
______________
(1) : انظر – cass.1civ .26 .nov.1974 ,rev . crit., 1975 , 491 , note holleaux ,J.D.I.P.1975,108,note ponsard. نقلا عن أعراب بلقاسم ، مرجع سابق ، ص 36 .
المطلب الثالث : مدى قبول الإمتياز المقرر بموجب
المادتين 41 و 42 ق إ م إ.
تفيد صياغة المادتين 41 و 42 من قانون الإجرءات المدنية و الإدارية و اللتان تقرران امتيازا لصالح الجزائريين ، أنهما غير متعلقتين بالنظام العام ، ذلك أن المشرع في ق إم المادتين 10 و 11 استعمل عبارة " يمكن " و لم يستعمل عباة "يجب " ، مما يجعل بإمكن الطرف الجزائري الذي تقرر بمقتضاه الإمتياز لصالحه ، و التنازل عنه .
و يكون هذا التنازل إكما بموجب اتفاق صريح بين الطرف الجزائري في الدعوى و الطرف الأجنبي على عقد الإختصاص لمحكمة أجنبية ، و إما عن طريق رفع الطرف الجزائري لدعواه أمام محكمة أجنبية ، و لا يدفع أمامها بعدم اختصاصها استنادا إلى الإمتياز المقرر لصالحه في قانونه .
و نشير إلى ان القضاء الفرنسي يحاول دائما رغم وجود اتفاق بين الطرفيتن على عقد الإختصاص لمحكمة أجنبية ، أو رفع الطرف الفرنسي لدعواه أمام المحكمة الأجنبية ، أو عدم دفعه أمامها بعدم اختصاصها إذا كان مدعى عليه - أن يضيق من نطاق التنازل بحيث لا يأخذ به إلا في أضيق الحدود (1) .
_______________
(1) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 37 .
المطلب الرابع : الأشخاص الذين يستفيدون من الإمتياز المقرربموجب
المادتين 41 و 42 ق إ م إ .
يكفي وفقا للمادتين 10 و 11 من قانون الإجراءات المدنية و التي تقابلها المادتين 41 و 42 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أن يكون أحد أطراف الدعوى جزائريا ليستفيد من الإمتياز المقرر له بمقتضاهما ، و المتمثل في عقد الإختصاص للمحاكم الجزائرية .
و يعتد بالصفة الجزائرية في أحد أطراف الدعوى وقت رفعها فلا يؤثر بالتالي ، للإستفادة من هذا الإمتياز ، أن يكون أحد أطراف الدعوى أجنبيا وقت نشوء الحق المتنازع عليه إذا كان متمتعا بالجنسية الجزائرية وقت رفعها .
و يستوي أن يكون الطرف الجزائري في الدعوى شخصا طبيعيا أو معنويا . و لا يشترط لإلى جانلب الصفة الجزائرية في أحد أطراف الدعوى للإستفادة من الإمتياز أي شرط آخر إضافي ، كأن يشترط فيه ان يكون له موطن في الجزائر ، أو أن يكون لخصمه موطن فيها ، كما لا يشترط في النزاع أن يكون له ارتباط من حيث موضوعه بالجزائر .
بقي أن نشير إلى ان القضاء الفرنسي قد مد الإستفادة من هذا الإمتياز إلى عديمي الأهلية و إلى اللاجئين ، و نحرمهم في ذات الوقت من بعض الحقوق الت يتمتع بها الوطنيون . إضافة إلى ذلك فإن اتفاقية جنيف لللاجئين المبرمة في 18 جويلية 1951 ، و اتفاقية نيويورك لعديمي الجنسية المبرمة في 28 سبتمبر 1954 ، و اللتين صادقت عليهما الجزائر ، يخضعان أحوالهما الشخصية لقانون الموطن ، و في حالة عدم وجوده لقانون بلد الإقامة (1) .
_______________
(1) انظر في فرنسا : - cass.1 civ . , 18 déc 1980 , rev . crit . , 1991 , 759 , note , B.ancele ، منقولا عن أعراب بلقاسم ، المرجع السابق ، ص 40 .
المطلب الخامس : مجال تطبيق الإمتياز المقرر في المادتين
41 و 42 ق إ م إ .
إن التنفسير الضيق و الحرفي المادتين 41 و 42 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية يجعل مجال تطبيقهما قاصرا فقط على المجالات التعاقدية .
لم يلتزم القضاء الفرنهسي بهذا التفسير الضيق للمادتين 14 و 15 من القانون المدني الفرنسي و عم تطبيقهما على جميع الإلتزامات ، سواءا كانت تعاقدية أو غير تعاقدية ، بل و طبقهما حتى على الدعاوى غير المالية ، ذلك أن الإمتياز المقرر في المادتين مبني على الجنسية و ليس على طبيعة النزاع ، فقصره و بالتالي ، على الإلتزامات التعاقدية دون غيرها ليس له ما يبرره .
لم يسثن القضاء الفرنسي من هذا التعميم في التطبيق إلا الدعاوى العينية العقارية ، و الدعاوى المتعلقة بطرق التنفيذ الممارسة في الخارج . و يجد هذا الإستثناء تبريره في كون المادتين متعلقتين بسيادة الدوة الأجنبية ، مما يجعل الأحكام الصادرة بشأنهما في الخارج لا تلقى تطبيقا لها فيها (1) .
_______________
(1) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 40 .
قد يعفى المدعى عليه لوجود صفة معينة فيه من ولاية القضاء الوطني رغم توافر الضابط الكافي لعقد الإختصاص له . و تتمثل هذه الصفة ، إما في كونه دولة أجنبية ، أورئيسا لدولة أجنبية ، أو مبعوثا دبلوماسيا ، أو هيئة دولية ، و يجد هذا الإعفاء مصدره في متطلبات المجاملة الدولية ، و في ضرورة عدم تعرقل العلاقات الدبلوماسية بين الدول .
و في هذا المبحث سوف نتطرق إلى ثلاث مطالب سنتناول في المطلب الأول الدول الأجنبية و في المبحث الثاني ، رؤساء الدول الأجنبية و سنتطرق في المبحثالثالث إلى المبعوثون الدبلوماسيون .
المطلب الأول : الدول الأجنبية
قبل الحرب العالمية الأولى كان الإعفاء من ولاية القضاء الوطني بالنسبة للدول الأجنبية مطلقا . و يقوم هذا الإعفاء على مبدأ استقلال الدول و سيادتها . و قد أبرزت شكل هذا المبدأ محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر بتاريخ 22 يناير 1849 ، فمما جاء فيه :
- "إن مبدأ استقلال الدول هو من المبادىء المسلمة في القانون ادولي العام ، وهو يمنع أن تقضي محاكم دولة حق دولة أخرى .
- إن حق الدولة في القضاء في المنازعات التي تتعلق بتصرفاتها هو حق لصيق بسيادتها ، لا تستطيع دولة أخرى مباشرته دون ان تفسد علاقتهما .
- أن من يتعامل مع دولة أجنبيـــة يخضع لسلطان قانونهــــا ، و لولايـــــــة
قضائها " .
بعد الحرب العالمية الأولى نتيجة دخول الدول في مدان التجارة الدولية ، لم يعد الإعفاء كما كان مطلقا ، فقد استبعدت محكمة النقض الفرنسية الأعمال التجارية التي تقوم بها الدول ، من نطاق الإعفاء لكونها ترى أن مبدأ سيادة الدولة أجنبي عن تلك الأعمال .
لم تلبث محكمة النقض الفرنسية أن أوضحت بعد ذلك أن الدولة الأجنبية تتمتع بالحصانة القضائية لما تتصرف كسلطة عامة . أما إذا تصرفت كما يتصرف الشخص العادي فإنها لا تتمتع بهذه الحصانة .
و الدول التي تتمتع بالحصانة على النحو الذي ذكرناه هي الدول التي تتمتع بالسيادة وفقا للقانون الدولي العام . و على ذلك فإن القضاء الفرنسي ، قد استبعد من الحصانة القضائية الدول الداخلة في اتحاد فيدرالي ، و العملات و المدن و المناطق (1) .
______________
(1) انظر : عز الدين عبد الله ، المرجع السابق ، ص 770 ، نقلا عن أعراب بلقاسم ، المرجع السابق ،
ص 44 .
المطلب الثاني : رؤساء الدول الأجنبية
وفقا لقاعدة مقررة في العرف الدولي يتمتع رؤساء الدول الأجنبية بالحصانة القضائية .
و تجد هذه الحصانة أساسها عند البعض في فكرة المجاملة لشخص الرئيس ، و عند البعض الآخر في فكرة التمثيل . فرئيس الدولة هو الممثل الاول للدولة الأجنبية ، و بالتالي ، يجب أن يتعمكتع بنفس الحصانة التي تتمتع بها الدولة التي يمثلها .
و اختلف في نطاق هذه الحصانة ، فقد جرى القضاء الإنجليزي على اعتبارها مطلقة . أما القاء الفرنسي فقد ميز بين الأعمال التي يأتيها الرئيس و تتعلق بمصالحه الخاصة ، و تلك التي يأتيها بصفته رئيسا لدولة أجنبية . فالحصانة تشمل النوع الثاني من الأعمال التي يأتيها الرئيس من دون النوع الاول . مما يجعل هذه الحصانة التي يتمتع بها الرئيس حصانة نسبية .
و قد لا حظ بعض من الفقه بأنه إذا استثنينا من نطاق الحصانة الأعمال التي يأتيها رئيس الدولة و تمس مصالحه الخاصة فماذا بقي بعد ذلك مما تشمله الحصانة القضائية ، لأن غيرها من الأعمال التي يأتيها رئيس الدولة ، و تشملها الحصانة فهي تدخل ضمن نطاق الحصانة المعترف بها لممثلي الدول الأجنبية .
و نشير إلى أن الحصانة القضائية التي يتمتع بها رئيس الدولة هي حصانة موقوتة بالفترة التي التي يحتفظ فيها بهذه الصفة ، فإذا زالت عنه زالت الحصانة ، و جاز حينئذ مقاضاته حتى عن الاعمال التي صدرت عنه وهو يتمتع بهذه الصفة .
و الحصانة التي يتمتع بها رئيس الدولة هي حصانة يمكنه التنازل عنها . و يشترط البعض في فرنسا ، لصحة هذا التنازل ، موافقة الدولة عليه . لكن الرأي الغالب لا يشترط لذلك (1) .
_______________
(1) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 45 .
المطلب الثالث :المبعوثون الدبلوماسيون
تعتبر الحصانة التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون من أقدم أنواع الحصانات .
و تقوم هذه الحصانة عند البعض من الفقه على فكرة المجاملة و عند البعض الآخر على ضرورة عدم عرقلة الممثل الدبلوماسي في أدائه لمهمه في الدوزة المعتمد فيها .
قد تم حديثا تجسيد هذه الحصانة على الصعيد الدولي في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية المبرمة في 18 أفريل 1961 . و تناول المشرع الجزائري هذه الحصانة في مرسوم مؤرخ في 27 أوت 1964 تحت رقم 64 / 259 (1) . و يتمتع بهذه الحصانة رئيس البعثة ، و مرؤوسوه ، و مستشاروه و كتبه .ر بل و تمتد هذه الحصانة حتى إلى أفراد عائلته ، و أفراد عائلة البعثة لكن بشرط أن لا يكونوا من مواطني الدولة المعتمدين لديها .
و يدخل في نطاق هذه الحصانة في القضاء الفرنسي ، كل الظاعمال التي يأتيها الممثلون الدبلوماسيون ، دون تفرقة بين تلك المتعلقة بوظيفته ، و تلك المتعلقة بحياته الخاصة ، مما يجعل هذه الحصانة مطلقة .
و نشير إلى ان اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لم تجعل هذه الحصانة مطلقة ، فقد استثنت منها :
- الدعاوى المتعلقة بشؤون الإرث و التركات و التي يدخل فيها بوصفه منفذا ، أو مديرا أو وارثا ، أو موصى له ، بالأصالة عن نفسه ، لا بالنيابة عن الدولة المعتمدة .
- الدعاوى العينية المتعلقة بالأموال العقارية الخاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمد لديها ، ما لم تكن حيازته لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة لاستخدامها في أغراض البغثة .
- الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مدني أو تجاري يمارسه في الدولة المعتمد لديها خارج وظائفه الرسمية .
و بالنسبة للنطاق الزماني لهذه الحصانة فهي تشمل الفترة الزمنية التي يكون فيها الممثل الدبلوماسي متمتعا بهذه الصفة . و قد مدها القضاء الفرنسي إلى الأعمال الصادرة منه قبل تمتعه بها . و بزوال الصفة الدبلوماسية عنه تزول الحصانة التي يتمتع بها (1) .
و بإمكان الممثل الدبلوماسي التنازل عن الحصانة التي يتمتع بها . و تشترط اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لصحة التنازل صدوره بصفة صريحة عن الدولة المعتمدة .
_____________
(1) صادقت الجزائر على هذه اإتفاقية بمرسوم مؤرخ في 04 مارس 1964 تحت رقم 64/84 .
(2) أعراب بلقاسم مرجع سابق ، ص 47 .
و مما يمكن استخلاصه كحوصلة نهائية لهذا البحث أن الإختصاص القضائي الدولي تحكمه قواعد عادية و هي قواعد الإختصاص المحلي الداخلي و التي يتم تمديدها إلى المجال الدولي ، نتيجة لعدم وجود أي نص تشريعي يتضمن هذه القواعد العادية ، و هذا كان بإجماع من الفقه كما أيده القضاء في فرنسا في مناسبات متعددة ، و إلى جانب هذه القواعد هناك قواعد غير عادية و التي جاءت وفقا للمادتين 41 و 42 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد و التي تقابلها المادتين 10 و 11 من قانون الإجراءات المدنية القديم .
كما أن هناك حالات تعقد الإختصاص للقضاء الوطني ، أي أن الضابط الذي يكفي لعقد الإختصاص له متوفر و مــــع ذلك يكون معفــــى مــــن ولاية القضاء الوطني .
قائمة المراجع المعتمدة :
أولا : الكتب
1 - أعراب بلقاســــــم ، القانون الدولــــي الخاص الجزائري : تنـــــازع الإختصاص القضائـــي الدولـــي – الحنسية ، ج 2 ، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع ، الجزائر ، 2003.
2 - عز الدين عبد الله ، القانون الدولي الخاص ، الجزء الأول ، ط 11 ، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ص 611 ، بند 161 . نقلا عن أعراب بلقاسم ،
القانون الدولــــي الخاص الجزائري : تنـــــازع الإختصاص القضائـــي الدولـــي – الحنسية .
3 - ممدوح عبد الكريم حافظ عرموش ، القانون الدولي الخاص ، ج 1 ، عمان ، 1998 .
4 - هشام صادق ، تنازع الإختصاص القضائي الدولي ، ديوان المطبوعات الجامعية ،الإسكندرية ، 2007 .
5 - - civ. 19 mai 1830 , s.30 ,1, 325 ;civ.7juill.1845,s.45,
1,738;civ.23 nov .1892 , s ، نقلا عن أعراب بلقاسم ، المرجع السابق .
6 - – cass.1civ .26 .nov.1974 ,rev . crit., 1975 , 491 , note holleaux, ,J.D.I.P.1975,108,note ponsard.، نقلا عن أعراب بلقاسم .
7 - - cass.1 civ . , 18 déc 1980 , rev . crit . , 1991 , 759 , note , B.ancele ، نقلا عن أعراب بلقاسم ، المرجع السابق .
ثانيا : النصوص القانونية
الأمر رقم 70 – 86 ، المتضمن قانون الجنسية الجزائرية ، المؤرخ في 17 شوال عام 1390 ﻫ ، الموافق ل 15 ديسمبر 1970 م .