المقدمة:
نظّم المشرع الجزائري أحكام حق الإنتفاع في المواد 844 إلى 854 في الفصل الأول من الباب الثاني من الكتاب الثالث من القانون المدني الصادر بموجب الأمر رقم 75- 58 بتاريخ 26 سبتمبر 1975 وذلك تحت عنوان الحقوق العينية الأصلية، باعتباره حقا عينيا أصليا متفرعا عن حق الملكية، وقد اكتفى المشرع بالنص في هذه المواد على بيان كيفية اكتساب هذا الحق و آثاره وكيفية انتهائه دون بيان تعريف له.
هذا الحق الذي يعرّفه معظم الفقه ولاسيما الفقه الفرنسي على أنه ذلك الحق العيني المتمثل في الإنتفاع بشيء مملوك للغير بشرط الإحتفاظ بذات الشيء لردّه إلى صاحبه عند نهاية حق الإنتفاع الذي يجب أن ينتهي حتما بموت المنتفع.
من هذا التعريف يتبين أن هذا الحق له خصائص مميزة، فهو حق عيني يعطي لصاحبه سلطة استعمال الشيء واستغلاله، وهو حق مؤقت ينتهي حتما بوفاة المنتفع، يقع على أشياء غير قابلة للإستهلاك، إذ يصحَ أن يكون محلا له كل من الأموال المادية عقارات و منقولات، والأموال غير المادية كحق المؤلف وحق المخترع وسائر القيم المنقولة، كما يمكن أن يكون محله المجموع من المال سواء كان مجموعا قانونيا أو مجموعا فعليا.
[1][1] ومن هنا تبرز أهمية موضوع حق الإنتفاع إنطلاقا من كونه حقا عينيا أصليا متفرعا عن حق الملكية سواء كان عقاريا أو واقعا على منقول، فإن له أهمية بالغة إذ تعتبر الملكية العقارية والحقوق العينية العقارية من أهم الثروات التي يرتكز عليها النظام الإقتصادي نظرا لأهمية العقار نفسه كثروة أساسية يعتمد عليها هذا النظام من أجل تحقيق أهدافه المرسومة من خلال القواعد التشريعية المضبوطة من طرف المشرع. كما أنّ الأموال المنقولة كالمحل التجاري والأسهم والسندات في شركات الأموال والحصص في شركات الأشخاص وحقوق المؤلف وغيرها، هي الأخرى باتت تحتل قيمة اقتصادية هامة جدا توازي تلك التي تحظى بها الأموال العقارية بل وتفوقها في بعض الأحيان، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن ملكية الشيء ليست ذات قيمة إلاّ لأنها تتضمن حق الإنتفاع إذ أن الشيء لا يُتملك إلاّ من أجل سد حاجة أو إشباع رغبة أو تحقيق ربح أو نفع. فحق الملكية بدون حق الإنتفاع لا يعني إلاّ شيئا مجردا هو سلطة المالك على الشيء وهذه السلطة لا تعني شيئا كبيرا في حيز الفعل.
لذلك نجد أنّ المشرع قد راعى في تحديده لأحكام حق الإنتفاع – على غرار غيره من الحقوق العينية المتفرّعة عن حق الملكية – ما يجب أن يكون عليه استغلال الأشياء في المجتمع لاتصاله اتصالا وثيقا بنظام المجتمع الاقتصادي، وذلك ما يظهر من خلال تحديده على سبيل الحصر الأسباب التي يكسب بها هذا الحق بما يتلاءم مع طبيعته، ووضْع الإطار العام للعلاقة بين المنتفع ومالك الرقبة على نحو يحقق الغاية من إنشائه التي تتمثل غالبا في إعطاء المنتفع حقوقا واسعة نسبيا على الشيء مع الإحتفاظ بالرقبة للمالك من أجل تحقيق مصلحة معينة قد تكون مالية أو غير مالية، وعند انتهائه تتّحد عناصر الملكية من جديد بيد صاحبها. كما تتمثل الغاية من إنشائه أحيانا في منح ضمانة للدائنين.
و بمجرد اكتساب حق الإنتفاع يتجزأ حق الملكية إلى ملكية رقبة وحق انتفاع، وتنشأ تبعا لذلك آثار بالنسبة لكلا الطرفين – مالك الرقبة والمنتفع – فتثبت لكليهما حقوقٌ، وتترتب في ذمة كل منهما إلتزامات يحددها القانون ويحددها السند الذي اكتُسب بموجبه حق الإنتفاع. ومن هنا تبرز العلاقة الوثيقة بين أسباب كسب حق الإنتفاع والآثار المترتبة عن قيامه، لذلك ارتأينا تخصيص الدراسة لبيان هذا الموضوع الذي نتناول فيه اكتساب حق الإنتفاع وآثاره طبقا للقواعد المقررة في القانون المدني.
وما يمكن طرحه من تساؤل في هذا الإطار هو كيف نظّم المشرع اكتساب حق الإنتفاع في القانون المدني؟ وكيف أمّن التوازن في العلاقة بين المنتفع ومالك الرقبة، خاصة وأنّ كُلاً منهما يمارس حقوقه على المال نفسه؟
من أجل الإجابة على هذين التساؤلين نقسّم هذا البحث إلى مبحثين اثنين، بحيث نتناول في المبحث الأول أسباب اكتساب حق الإنتفاع ضمن ثلاث مطالب، ثم الآثار المترتبة عن قيام حق الإنتفاع وهو موضوع المبحث الثاني من خلال ثلاث مطالب أيضا ، وذلك على ضوء بعض الإجتهادات القضائية للمحكمة العليا في هذا المجال والآراء الفقهية مستأنسين في ذلك بما جاء في القانون الفرنسي بالنسبة للمسائل القانونية التي لم يتعرّض لها القانون المدني الجزائري على اعتبار أن معالجة القانون المدني الفرنسي لأحكام حق الإنتفاع كانت أكثر تفصيلا وشمولا لعدة حالات هامة وصور خاصة من صور هذا الحق.
المبحث الأول: إكتساب حق الإنتفاع
بيّن المشرع الجزائري أسباب إكتساب حق الإنتفاع في المادة 844 من القانون المدني التي تنص على أنه:" يكسب حق الإنتفاع بالتعاقد وبالشفعة وبالتقادم أو بمقتضى القانون.
يجوز أن يوصى بحق الإنتفاع لأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية كما يجوز أن يوصى به للحمل المستكن".
فحق الإنتفاع حق عيني أصلي، وهو بهذه الصفة يخضع للأسباب العامة التي تكسب عن طريقها الحقوق العينية، دون تلك التي تتعارض مع طبيعته وخصائصه، فتتّحد هذه الأسباب مع أسباب كسب حق الملكية، إلاّ أن هذه الأخيرة أوسع نطاقا إذ تتضمن أسبابا لا تتفق مع طبيعة حق الإنتفاع فلا تنطبق عليه، وهي: الإستيلاء لأنه لا يتصور أن يستولى على حق الإنتفاع مستقلا عن الشيء ذاته، والالتصاق الذي لا يتصور أيضا إلاّ بين شيئين ماديين، وكذلك الميراث لأن حق الإنتفاع لا ينتقل بالميراث بل ينقضي بوفاة صاحبه. لهذا لم يذكر القانون من طرق اكتساب هذا الحق إلاّ ما يتلاءم مع طبيعته، فلا يكسب حق الانتفاع في القانون المدني الجزائري إلا عن طريق التعاقد أو الوصية، أو الشفعة أو التقادم، أو بمقتضى القانون، وهو ما سنتولى بيانه في ثلاث مطالب، بحيث نتناول في المطلب الأول كل من التعاقد والوصية كطريقين من طرق اكتساب حق الإنتفاع، تحت عنوان التصرفات القانونية، ثم ننتقل إلى دراسة كل من الشفعة والتقادم في المطلب الثاني، ونتناول القانون كسبب أيضا من الأسباب التي يكسب بها حق الإنتفاع ذلك أن المشرع الجزائري منح حق الانتفاع بموجب بعض القوانين الخاصة، وهو موضوع المطلب الثالث.
المطلب الأول: التصرفات القانونية
تتمثل التصرفات القانونية التي يكتسب بموجبها حق الإنتفاع طبقا للأحكام الواردة في القانون المدني الجزائري، في كل من التعاقد والوصية، التي تعد من أهم التصرفات القانونية وأكثرها شيوعا في هذا الإطار، ونتناول كل منهما على حدا في فرعين مستقلين، وعلى الترتيب.
[3]
الفرع الأول: التعاقد
ويقصد بالتعاقد المكسب لحق الإنتفاع، العقد على المنفعة دون عين الشيء،أي إعطاء منفعة الشيء مدة معينة مع بقاء العين على ملك صاحبها.(1) ويكون هذا العقد إما منشئا لحق الإنتفاع بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر، أو ناقلا له أي ينقل حق انتفاع تم إنشاؤه من قبل .
فإنشاء حق الإنتفاع بطريق مباشر يتم بالإتفاق بين مالك العين عقارا كانت أم منقولا وبين شخص آخر، على تخويل هذا الأخير سلطتي الإستعمال و الإستغلال على هذه العين، مع احتفاظ الأول برقبتها، وذلك بموجب عقد منشئ للحق العيني قد يكون: عقد بيع يشتري بموجبه الشخص حق الإنتفاع مدى حياته، أوعقد مقايضة حيث يتقايض شخصان على حق الإنتفاع على شيئين يكون لكل منهما حق الإنتفاع على الشيء المملوك للأخر، وقد يكون عقد هبة أين يهب مالك العين لشخص آخر حق الإنتفاع بهذه العين، وهي الصورة الغالبة عمليا.أما البيع والمقايضة والى جانبهما الوفاء بمقابل هي صور نادرا ما تكون لصعوبة تقدير قيمة حق الإنتفاع فيها،ذلك لأنها موقوفة على مدة حياة المنتفع، وهو أمر مجهول حيث ينتهي هذا الحق حتما بوفاة المنتفع ولو تحققت الوفاة قبل حلول أجل الحق(2)
أما إنشاء حق الإنتفاع بطريق غير مباشر، فيكون في الحالة التي يتصرف فيها مالك العين عن طريق العقد للغير في الرقبة ويحتفظ لنفسه بحق الإنتفاع، ويكون العقد في هذه الحالة منشئا لحق الرقبة لا لحق الإنتفاع، و ينشأ هذا الأخير بطريق غير مباشر من خلال فصل الرقبة عن الملكية التامة، فتكون الرقبة لمن تصرف له هذا المالك(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ حامد مصطفى ، الملكية العقارية في العراق مع مقارنة مع القانون المدني العربي المصري والسوري ( الحقوق العينية الأصلية)،ج1، دار الفكر العربي ،1964،ص 174 .
(2) د / حسن كيرة ، الموجز في أحكام القانون المدني، الحقوق العينية الأصلية أحكامها ومصادرها، ط 3، دار الفكر العربي، 1994 ،ص 271.
[4] (3) د/ عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، أسباب كسب الملكية مع الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية (حق الإنتفاع وحق الإرتفاق)، المجلد 2 ، رقم 9 ، ط 3، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت ، لبنان، 1998، ص 1215.
كما قد يكون موضوع العقد هو نقل حق إنتفاع تم إنشاؤه من قبل، وهي الصورة التي يتصرف فيها صاحب حق الإنتفاع في حقه لشخص آخر بعقد ناقل لهذا الحق كالبيع أو الهبة مثلا، ويكون العقد هنا ناقلا لحق الإنتفاع لا منشأ له. والمنتفع الأصلي حين يتصرف في حقه ينقل حقه إلى المتصرف إليه بنفس وصفه الأصلي وفي حدوده إلاّ أن حق الإنتفاع في هذه الحالة لا ينتهي بوفاة المتصرف إليه، بل بوفاة المنتفع، كما أن تصرف هذا الأخير في حقه لا يحلّله من التزاماته تجاه مالك الرقبة.(1)
ويتضمن العقد -سواء كان منشئا لحق الإنتفاع أو ناقلا له - كل من مدة الإنتفاع،و حقوق المنتفع والتزاماته، وغير ذلك من الشروط، كأن يكون حق الإنتفاع مقيدا بشرط بحيث يتوقف نفاذه أو سقوطه على تحقق أمر معين، أو مقترنا بأجل فلا يبدأ سريانه إلاّ من وقت معين. ذلك لأنه كما يصح أن يكون حق الإنتفاع منجزا بحيث يستحق المنتفع منافع الشيء من تاريخ إنشاء حقه، فإنه يصح أيضا أن يكون معلقا على شرط واقف أو شرط فاسخ أو مقترنا بأجل واقف، أو مقترنا بشرط مانع من التصرف، فلا يكون قابلا للتنازل عنه ولا للحجز عليه.(2)
وفي جميع الأحوال إذا رتب حق الانتفاع على عقار وجب شهر العقد المنشئ أو الناقل له لدى المحافظة العقارية، فلا ينشأ هذا الحق لا بين المتعاقدين و لا في مواجهة الغير إلاّ باستيفاء هذه الإجراءات ليكون حجة على الكافة طبقا لنص المادة 793 من القانون المدني، والمادة 15 من الأمر رقم 75 / 74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري.(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ حسن كيرة، المرجع السابق، ص 273 .
(2) د/ شفيق طعمة، التقنين المدني السوري ( نصوص قانونية، أعمال تحضيرية، مذكرات المشروع التمهيدي، اجتهاد قضائي، تعليقات فقهية)، ج 8، ط 2، المكتبة القانونية أديب استانبولي، 1991، ص 7910و7911 .
(3) المادة 793 قانون مدني " لا تنقل الملكية والحقوق العينية الأخرى في العقار سواء كان ذلك بين المتعاقدين أم في حق الغير إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها القانون وبالأخص القوانين التي تدير مصلحة شهر العقار".
[5] المادة 15 قانون 75/74 "كل حق للملكية، وكل حق عيني آخر يتعلق بعقار، لا وجود له بالنسبة للغير إلا من تاريخ يوم إشهارهما في مجموعة البطاقات العقارية، غير أن نقل الملكية عن طريق الوفاة يسيري مفعوله من يوم وفاة أصحاب الحقوق العينية".
الفرع الثاني: الوصية
تنص المادة 184 من قانون الأسرة على أن " الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع ". فالوصية إذن تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، يكون للموصي بمقتضاه أن ينقل كل أو بعض ماله إلى الموصى له أو يخوله حقا يتعلق بهذا المال.(1) وتنص المادة 190 من نفس القانون على أن:" للموصي أن يوصي بالأموال التي يملكها والتي تدخل في ملكه قبل موته عينا أو منفعة".
وعليه فيمكن إنشاء حق الإنتفاع بوصية صادرة عن المالك، يوصي فيها بحق الإنتفاع بملكه، بحيث يخول للموصى له حق الإنتفاع بهذا المال المملوك له، وتبقى ملكية الرقبة للورثة.(2)
ويتقيد الموصي في ذلك بالقواعد الخاصة بالوصية. كما عليه أن يحدد فيها حقوق والتزامات الموصى له، ومدة الإنتفاع وإذا كان غير محدد المدة انتهى بوفاة الموصى له طبقا للقواعد العامة في القانون المدني في مادته 852 وطبقا للمادة 196 من قانون الأسرة بقولها:" الوصية بمنفعة لمدة غير محدودة تنتهي بوفاة الموصى له..." وتسري على هذه الوصية من حيث الشروط الواجب توافرها في الموصي والموصى له، ومن حيث إثباتها وسائر آثارها، الأحكام الواردة في المواد من 186 إلى 201 من قانون الأسرة.
فالوصية تؤدي إلى إنشاء حق الإنتفاع إبتداء(3) و لا تنقله، لأنه لا يمكن لصاحب حق الإنتفاع الإيصاء بحقه حتى ولو تحققت وفاته قبل انقضاء مدة الإنتفاع، لأن مثل هذا الحق ينتهي حتما بوفاة صاحبه. إلا أنه في حالة تنازل المنتفع الأصلي عن حقه لشخص آخر جاز لهذا الأخير أن يوصي بهذا الحق لغيره.ولا ينتهي حق الإنتفاع في هذه الحالة بوفاة هذا الشخص، وإنما ينتهي دائما بموت المنتفع الأصلي.(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / عبد المنعم فرج الصدة ، الملكية في قوانين البلاد العربية، دار الفكر العربي ،ص 83 .
(2) أ / أنور طلبة، الوسيط في القانون المدني ،ج3 ،1993،ص647 .
(3) د / أحمد حسين منصور، الحقوق العينية الأصلية ،الملكية والحقوق العينية المتفرعة عنها، 2003 ،ص 126 .
[6](4) د / عبد المنعم فرج الصدة، المرجع السابق ،ص 86 .
ويمكن للمالك أن يوصي بحق الإنتفاع لأشخاص متعاقبين، بشرط وجودهم وقت الوصية، وهذا ما جاء في نص المادة 844 من القانون المدني بقولها: " يجوز أن يوصى بحق الإنتفاع لأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية..."
في هذه الحالة يعتبر حق كل منهم مستقلا بذاته ومستمدا مباشرة من الوصية فإذا انتهى حق انتفاع الأول بانقضاء مدته أو بوفاة صاحبه نشأ حق انتفاع آخر مستقل عن الأول، بحيث يكون الأول منجزا والثاني مقترنا بأجل واقف.(1)
أما إذا كان الإيصاء بحق الإنتفاع لعدة أشخاص مجتمعين في آن واحد، كانوا مالكين لهذا الحق على وجه الشيوع، وهذا إعمالا للقواعد العامة في القانون المدني.
كما يسمح القانون بموجب الفقرة الثانية من المادة 844 من القانون المدني، بالوصية بحق الإنتفاع للجنين، إلا انه اكتفى في نصها بعبارة:" كما يجوز أن يوصى به للحمل المستكن"، لذلك نرجع إلى القواعد الخاصة بالوصية، التي تقتضي أن يولد الجنين حيا، طبقا للمادة 187 من قانون الأسرة.
وعلى أية حال، لا ينشأ حق الإنتفاع عن طريق الوصية إذا كان محله عقارا، إلا بعد استيفاء إجراءات الشهر لدى المحافظة العقارية، طبقا لأحكام المادتين 793 من القانون المدني و15 من الأمر رقم 75/ 74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري، ويتم شهر الوصية لدى المحافظة العقارية عن طريق المحرر المثبت لها ، أو الحكم الصادر بصحتها.
فحق الموصى له معلق على إتمام إجراءات الشهر العقاري(2) إذ لا يكتسب حق الإنتفاع الموصى به على العقار، بل يظل ملكا للورثة إذا لم يقم بهذا الشهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / محمد حسين منصور، المرجع السابق، ص 187.
[7](2) زهدور محمد، الوصية في القانون المدني الجزائري والشريعة الاسلامية ، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1991، ص 152.
المطلب الثاني: الشفعة والتقادم
يكسب حق الإنتفاع مثله مثل حق الملكية، بكل من الشفعة إذا كان مقررا على عقار، و بالتقادم المكسب سواء كان الشيء عقارا أو منقولا، ويسري على اكتسابه بهذين الطريقين الأحكام العامة الواردة في القانون المدني، وذلك ما سنبينه في الفرعين الآتيين، بحيث نتطرق للشفعة في الفرع الأول، وللتقادم في الفرع الثاني.
الفرع الأول: الشفعة
الشفعة هي طريق من طرق اكتساب الحقوق العينية التي يجوز بيعها والتي من بينها حق الإنتفاع، وهي مجرد رخصة لا تكون إلا في العقار،(1) عرفتها المادة 794 من القانون المدني بقولها:" الشفعة رخصة تجيز الحلول محل المشتري في بيع العقار ضمن الأحوال والشروط المنصوص عليها في المواد التالية." وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 18/ 11/ 1997 ملف رقم 181 155، الذي جاء فيه أن الشفعة لا تكون إلا في العقارات ولا يمكن ممارستها في المحلات التجارية.(2)
وتعد الشفعة قيدا على حرية التصرف ذلك أنها تؤدي إلى حلول الشفيع محل المشتري جبرا عنه في ملكية المبيع، إلا أن في هذا التقييد من حرية التصرف حكمة وغاية قد قُررت لأجلها الشفعة، و المتمثلة في أن استعمال هذه الرخصة دفعٌ لضرر متوقع قد يصيب الشفيع نتيجة اتصال ملكه بالعقار المبيع، فلنظام الشفعة فائدة اقتصادية نظرا لما تؤدي إليه من إعادة تجميع ما تفرق من حق الملكية في يد مالك واحد، فتزيل بذلك ما قد نجم عن تعدد الحقوق على ذات الشيء من تعطيل لحق الإنتفاع به على أكمل وجه، فالشفعة في حالة بيع حق الإنتفاع أو الرقبة تؤدي إلى جمع ما تفرق من سلطات الملكية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ مصطفى محمد الجمال، نظام الملكية، دار الكتاب الحديث، الإسكندرية، ص 314 .
[8](2) أ / عمر بن سعيد، الإجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني، ط1، الديوان الوطني للأشغال التربوية ،2001، ص 265 .
وتنص المادة 795 من القانون المدني على أن يثبت حق الشفعة " لمالك الرقبة إذا بيع الكل أو البعض من حق الإنتفاع المناسب للرقبة،
- للشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع إلى أجنبي،
- لصاحب حق الإنتفاع إذا بيعت الرقبة كلها أو بعضها." إذ تنعدم الصفة في التمسك
بالشفعة في غير هؤلاء وهذا ما كرسته المحكمة العليا في العديد من قراراتها.(1) وتثبت الشفعة في بيع حق الإنتفاع لكل من مالك الرقبة، وللشريك في الشيوع فحسب-على الرأي الراجح- الذي يقول بجواز الشفعة للشريك في حق الإنتفاع، على أساس أن عبارة العقار المشاع الواردة في هذه المادة عبارة مطلقة تشمل الملكية العقارية كما تشمل الإنتفاع العقاري، لأن الحكمة من الشفعة متوفرة في هذه الحالة.(2) و في جميع الأحوال لا تجوز الشفعة إذا تم رهن حق الإنتفاع أو حجزه و بيع عن طريق المزاد العلني، أو إذا بيع حق الإنتفاع لأحد الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 798 من نفس القانون.
أولا: شفعة مالك الرقبة إذا بيع حق الإنتفاع المناسب للرقبة .
تكون الشفعة سببا لكسب حق الإنتفاع إذا كان هناك عقار محمّل بهذا الحق و باع المنتفع حقه كله أو بعضه لشخص آخر غير مالك الرقبة، كان لمالك الرقبة أن يأخذ الحق المبيع بالشفعة.
و يقصد بالشفعة هنا تخليص مالك العقار من حق الإنتفاع المقرر عليه إذ باكتسابه بها ينقضي هذا الحق باتحاد الذمة، و يصبح الشفيع مالكا للعقار ملكية تامة(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر:
- قرار المحكمة العليا بتاريخ 25/12/1988، ملف رقم 54388، المجلة القضائية لسنة 1992 ،ع 3، ص 84 ( الملحق رقم01 )
- قرار المحكمة العليا بتاريخ 19/11/1997، ملف رقم 150100، المجلة القضائية لسنة 1997 ، ع2 ،ص 55 (الملحق رقم 02)
- قرار المحكمة العليا بتاريخ 25/03/1998، ملف رقم 179136، الاجتهاد القضائي للغرفة العقارية،ج2،2004، ص 220 (الملحق رقم 03)
- قرار المحكمة العليا بتاريخ 26/04/2000، ملف رقم 198458، المجلة القضائية لسنة 2000 ،ع3،ص 163 (الملحق رقم 04)
(2) د/ مصطفى محمد الجمال، المرجع السابق، ص 320.
[9](3) نفس المرجع، ص 417.
و تثبت الشفعة لمالك الرقبة و لو كان حق الإنتفاع مملوكا لعدة شركاء على الشيوع إذا باع أحدهم حصته الشائعة وحتى لو كان المشتري هو أحد هؤلاء الشركاء، و على العكس من ذلك قد تكون الرقبة مملوكة لعدة أشخاص على الشيوع و يكون حق الإنتفاع مملوكا لشخص واحد، فإذا بيع حق الإنتفاع كله كان لهم مجتمعين أن يأخذوا المبيع بالشفعة كلٌ بقدر حصته. و إذا طلب الشفعة أحد الشركاء دون الآخرين، فلا يجوز له أن يشفع في حق الإنتفاع المبيع إلا بقدر نصيبه في الرقبة(1)، فنص المادة 795 من القانون المدني صريح إذ جعل الشفعة في حق الإنتفاع المناسب للرقبة فقط.
و يُجمع الفقه على أن شفعة الشريك في حدود حصته في الرقبة لا تثبت إلاّ إذا كانت الصفقة قابلة للتجزئة، فإذا كانت لا تقبل التجزئة لم يحق له الأخذ بالشفعة في الجزء من حق الإنتفاع الذي يقابل نصيبه في الرقبة، و لا في حق الإنتفاع كله لأنه لا يملك الشفعة في بعض أجزائه.(2)
ثانيا: شفعة الشريك على الشيوع في حق الإنتفاع .
يثبت الحق في الشفعة أيضا، بمقتضى المادة 795 المذكورة أعلاه، للشريك في الشيوع إذا بيع جزء من العقار المشاع لأجنبي، و قد استقر الفقه كما سبق و ذكرنا، على جواز التمسك بالشفعة من طرف الشريك على الشيوع في حق الإنتفاع، و الشاهد في ذلك المادة 684 من القانون المدني التي تنص على أنه يعتبر مالا عقاريا كل حق عيني يقع على عقار.
فإذا كان حق الإنتفاع مملوكا لعدة شركاء على الشيوع و باع أحدهم حصته الشائعة لشخص أجنبي، جاز لأي من هؤلاء الشركاء أن يأخذ هذه الحصة الشائعة بالشفعة، فتكون الشفعة هنا أيضا سببا لكسب جزء شائع في حق الإنتفاع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد المنعم فرج الصّدة، المرجع السابق، ص 82 و83 .
[10](2) نفس المرجع ، ص 83 .
و الشفعة سواء بالنسبة للشريك في الملكية أو الشريك في حق الإنتفاع، تمكن الشركاء من منع دخول أجنبي بينهم، فمن الواضح أن الشركاء في الإنتفاع أيضا يتضررون من دخول أجنبي بينهم، و هي في الحالتين تعتبر وسيلة لإنهاء الشيوع.(1)
و تبعا لما تقدم هناك فرقٌ بين شفعة مالك الرقبة و شفعة الشريك في حق الإنتفاع راجعٌ إلى اختلاف الغاية من تقرير الشفعة بين هاتين الحالتين، فلمالك الرقبة أن يشفع سواء بيعت الحصة الشائعة لأجنبي أم لشريك آخر في حق الإنتفاع، بينما لا يحق لهذا الأخير أن يشفع إلا إذا بيعت الحصة الشائعة لأجنبي.(2)
فإذا توافرت أسباب الشفعة في أكثر من شخص واحد، و طالبوا بها جميعا أو طلبها بعضهم و كانوا من طبقات مختلفة، وجب المفاضلة بينهم حسب الترتيب الذي جاءت به المادة 795 المذكورة أعلاه على سبيل الأولوية، و على ذلك تثبت الشفعة في هذه الصورة إذا بيع حق الإنتفاع، لمالك الرقبة، ثم للشريك في الشيوع إذا بيعت الحصة الشائعة من هذا الحق، أما إذا كانوا من طبقة واحدة، فإنه طبقا للمادة 796 من نفس القانون، يكون استحقاق كل منهم للشفعة بقدر نصيبه، و يفضّل المشتري الذي توافرت فيه الشروط التي تجعله شفيعا، على الشفعاء الذين هم من نفس طبقته أو من طبقة أدنى، أما الشفعاء الذين هم من طبقة أعلى فيفضّلون عليه.
و كي تثبت الشفعة لكل من مالك الرقبة و الشريك في الشيوع في حق الإنتفاع، لابد من توافر كافة شروطها، سواء ما تعلق منها بالشفيع أو بالتصرف المشفوع فيه أو بالمال المشفوع فيه. و كي ترتب آثارها لا بد من استفاء إجراءاتها المنصوص عليها في المواد من 799 إلى 803 من القانون المدني. فيتعين على من تثبت له هذه الرخصة أن يتبع هذه الإجراءات القانونية وإلا سقط حقه فيها، والتي تبدأ بإعلان رغبته في الأخد بالشفعة ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد المنعم فرج الصّدة، المرجع السابق، ص 88 .
(2) نفس المرجع، نفس الصفحة.
[11]
إيداع الثمن و المصاريف، و أخيرا رفع دعوى الشفعة، و كل ذلك مع مراعاة الأشكال و الآجال المنصوص عليها قانونا، دائما تحت طائلة سقوط حقه فيها.
و بصدور الحكم نهائيا بثبوت الشفعة يكتسب الشفيع حق الإنتفاع، ويعتبر هذا الحكم سندا لملكية حق الإنتفاع، و هذا حسب المادة 803 من القانون المدني، مع وجوب إشهاره لدى المحافظة العقارية، على اعتبار أن كل الأحكام القضائية النهائية الصادرة عن مختلف الجهات القضائية التي تكرس حقوقا عينية عقارية، أو تعدّلها أو تغيّرها، أو تزيلها أو تكشف عنها هي سندات ملكية بقوة القانون.(1)
ويتبين من خلال ما سبق أن الشفعة تعد سببا لكسب حق الإنتفاع انتقالاً لا إنشاءً فحق الانتفاع موجود والشفعة تنقله من المنتفع إلى الغير.
الفرع الثاني: التقادم
تكسب بالتقادم معظم الحقوق العينية الأصلية، وكذلك الحقوق العينية التبعية التي تستلزم حيازة الدائن للشيء المثقل بالحق، فالتقادم ليس مصدرا مكسبا لحق الملكية فحسب، بل حتى حق الإنتفاع كذلك يمكن اكتسابه عن طريقه.
والتقادم ينحصر في تحويل حالة واقعية إلى حالة قانونية، بجعل الحائز مكتسبا للحق العيني الذي اتجهت نيته إلى اكتسابه بالحيازة، وذلك بمضي مدة معينة يحددها القانون.(2)
والمراد بالتقادم كسبب من أسباب كسب حق الإنتفاع، هو الحيازة الصحيحة الواردة على حق الإنتفاع دون العين، طيلة المدة المقررة قانونا بالنسبة للتقادم المكسب الطويل سواء كانت العين عقارا أم منقولا طبقا للمادة 827 من القانون المدني، أو طيلة مدة التقادم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أ/ ليلى زروقي، أ / عمر حمدي باشا ، المنازعات العقارية، ط1 ، دار هومة للطباعة والنشر، 2006، ص 65 .
(2) د / حسن كيرة، المرجع السابق، ص 272 .
[12]
المكسب القصير بالنسبة للعقارات فقط حسب المادة 828 من نفس القانون، بالإضافة إلى أن مجرد الحيازة فقط - طبقا للمادة 835 من نفس القانون- تؤدي إلى تملك هذا الحق العيني على المنقول.
أولا: التقادم المكسب الطويل .
تنص المادة 827 من القانون المدني على أنه " من حاز منقولا أو عقارا أو حقا عينيا منقولا كان أو عقارا دون أن يكون مالكا له أو خاصا به صار له ذلك ملكا إذا استمرت حيازته له مدة خمسة عشر سنة بدون انقطاع ".
ويتحقق هذا إذا حازا شخص حق الإنتفاع على عقار أو منقول وهو سيء النية وبقي حائزا له لمدة 15 سنة، فيكسب بذلك هذا الحق العيني على هذا العقار أو المنقول. لكن من الصعب تصّور وقوع هذا عمليا فاكتساب حق الإنتفاع بدون سند، أمرٌ ناذر إذ لا يُتصّور أن يضع شخص يده على عقار أو منقول مكتفيا باكتساب حق الإنتفاع عليه مادام أنه يمكنه اكتساب ملكيته بنفس الشروط.(1)
لكن يصح أن يكون واضع اليد منتفعا فقط،إذا كان له سند رُتب بمقتضاه حق الإنتفاع على العين، و لكنه كان سيئ النية، بأن كان يعلم أنه يتعامل مع غير المالك(2)، إذ ينشأ له حق انتفاع على هذه العين إذا بقي حائزا له لمدة 15 سنة.
كما يتحقق اكتساب حق الإنتفاع عن طريق التقادم المكسب الطويل، إذا أجّر صاحب حق الإنتفاع حقه ثم غيّر المستأجر حيازته لهذا الحق من حيازة عرضية إلى حيازة أصلية و استمر حائزا له بهذا الوصف مدة 15 سنة. و يكون التقادم في هذه الصورة سببا لنقل حق الإنتفاع و ليس لإنشائه، إذ يكتسب المستأجر هذا الحق عن طريق انتقاله إليه من صاحبه الأصلي وهو المؤجر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ حسن كيرة، المرجع السابق، ص 272 .
[13](2) د/ محمد كامل مرسي باشا، شرح القانون المدني، الحقوق العينية الأصلية ( أنواع الملكية ، الحقوق المتفرعة عن حق الملكية: الإنتفاع، الإستعمال، السكن، الممر، الإرتفاق) ، ج2، منشأة المعارف،الإسكندرية، 2005 ، ص351 .
ثانيا: التقادم المكسب القصير.
لا يكون هذا النوع من التقادم إلا في العقارات و الحقوق العينية العقارية، حيث تنص المادة 828 من القانون المدني على أنه:" إذا وقعت الحيازة على عقار أو على حق عيني عقاري و كانت مقترنة بحسن النية و مستندة في الوقت نفسه إلى سند صحيح فإن مدة التقادم المكسب تكون عشر سنوات.
ولا يشترط توافر حسن النية إلا وقت تلقي الحق.
و السند الصحيح هو تصرف يصدر عن شخص لا يكون مالكا للشيء أو صاحبا للحق المراد كسبه بالتقادم. و يجب إشهار السند."
فتتحقق إذن صورة اكتساب حق الإنتفاع على العقار عن طريق التقادم المكسب القصير، إذا رتب شخص حق انتفاع لمصلحة شخص آخر حَسن النية على عقار لا يملكه، فإذا بقي هذا الأخير حائزا لحق الإنتفاع لمدة 10 سنوات اكتسب هذا الحق و أصبح بذلك مالكا لحق الإنتفاع على هذا العقار.
و سواء كان التقادم المكسب طويلا أو قصيرا، لا بد أن يتوافر فيه شرطين و هما شرط الحيازة القانونية الصحيحة، و شرط المدة. فيشترط أن توجد حيازة قانونية، أي حقيقية يتوفر فيها عنصراها المادي و المعنوي، حيث تقتضي أن يباشر الحائز الأعمال المادية للحيازة لحساب نفسه، أي بنية الظهور بمظهر المنتفع الحقيقي، كما ينبغي أن تكون هذه الحيازة صحيحة أي خالية من العيوب التي تتمثل في الإكراه و الإخفاء و اللّبس فلا تكون أساسا لكسب حق الإنتفاع بالتقادم مادام العيب قائما، إذ لا تنتج الحيازة أثارها إلاّ من الوقت الذي يزول فيه هذا العيب وفقا للفقرة الثانية من المادة 808 من القانون المدني.
[14] وبالنسبة لشرط المدة، فيُشترط في التقادم المكسب أن تستمر الحيازة دون انقطاع طيلة المدة التي يقررها القانون، وتختلف هذه المدة حسب نوع التقادم، فالقاعدة أن مدة التقادم المكسب هي خمسة عشر سنة، وهي المدة المطلوبة في التقادم الطويل، ففي هذا النوع من التقادم ليس هناك شرط آخر إلى جانب الحيازة القانونية والصحيحة سوى شرط المدة، سواء في العقار أو المنقول.
أما في التقادم المكسب القصير، المدة المطلوبة هي عشر سنوات، واشترط القانون فيه أن تكون الحيازة مقترنة بحسن النية، ومستندة في الوقت نفسه إلى سند صحيح، وهذين الشرطين يبرّران تقصير مدة التقادم إلى هذا الحد.
ويقصد بحَسن النية حسب المادة 824 من القانون المدني، كل من يحوز الحق وهو يجهل أنه يتعدى على حق غيره، إلا إذا كان هذا الجهل ناشئا عن خطا جسيم. فيعتبر الحائز حسن النية إذا كان يعتقد أن من تصرف إليه في حق الإنتفاع هو صاحب هذا الحق على العقار.
وحُسن النية مسألة واقعية تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، فلا تخضع لرقابة المحكمة العليا إلا في جانب التسبيب.
كما أنه طبقا للفقرة الثانية من المادة 828 من القانون المدني، فإن الوقت الذي يشترط فيه توافر حسن النية هو وقت تلقي الحق، أي وقت انتقال الحق من مالكه إلى المتصرف إليه الحائز، وهو وقت إشهار السند الصحيح المنشئ لحق الإنتفاع، ذلك لأن هذا الحق يعتبر في هذا الإطار من الحقوق العينية العقارية التي لا تنتقل ملكيتها إلا باستيفاء إجراءات الشهر لدى المحافظة العقارية. فلا يشترط حسن النية لا عند بدأ الحيازة، ولا أثناء التقادم. كما أنه مفترض ما لم يقم الدليل العكسي.
أما السند الصحيح، فيقصد به حسب مفهوم المادة 828 المذكورة أعلاه، السند الذي يصدر من شخص لا يكون مالكا للعقار أو صاحبا للحق الذي يراد كسبه بالتقادم، والذي يجب أن يكون مشهرا. فالمقصود بالسند في هذه المادة ليس الكتابة المثبتة للتصرف، وإنما التصرف القانوني الصادر إلى الحائز الذي يستند إليه في حيازته. وعليه فإن السند الصحيح الذي يكسب على أساسه حق الإنتفاع بالتقادم المكسب القصير، هو التصرف القانوني الذي من شأنه نقل حق الإنتفاع إلى الحائز باعتباره خلفا خاصا للمتصرف لو أنه كان صادرا من صاحب حق الإنتفاع أو مالك العقار.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[15](1) د/ عبد المنعم فرج الصّدة، المرجع السابق، ص 145.
وكي يكون السند صحيحا، لا بد من توافر ثلاثة شروط، وهي أن يكون التصرف الناقل لحق الإنتفاع صادرا للحائز باعتباره خلفا خاصا للمتصرف، وأن يكون هذا التصرف ناقلا لحق الإنتفاع محل الحيازة كأن يكون بيعا أو هبة أو وصية أو وفاء بمقابل، وأن يكون هذا التصرف صادرا من شخص لا يملك حق الإنتفاع.(1)
ونشير إلى أنه يقع على الحائز عبء إثبات السند الصحيح الذي يستند إليه في حيازته لحق الإنتفاع، كما نشير أيضا إلى أن هذا السند لا يتأثر بوجود عيوب في سند المتصرف لأن الحائز الجديد يكتسب هذا الحق بناءً على سنده هو، وعلمه بهذه العيوب يجعله سيء النية لكن سنده يبقى صحيحا، لأن حسن النية والسند الصحيح شرطان مستقلان.(2)
فيتبين إذن أن التقادم القصير، قُرر لحماية من يتعامل بحسن نية مع شخص لا يستطيع أن ينقل إليه الحق.(3)
إذا توافرت لدى الحائز شروط التقادم المكسب لحق الإنتفاع، فإنه لا يكتسب هذا الحق بقوة القانون بمجرد مرور المدة المقررة قانونا، بل ينبغي عليه التمسك بالحيازة كوسيلة لكسب هذا الحق أمام القضاء، فالحيازة لا تُكسب حق الإنتفاع بذاته، بل هي مجرد إمكانية قانونية لاكتسابه. والتمسك بالتقادم يكون في صورة دفع موضوعي يدفع به الحائز أثناء سير الدعوى يجوز له ابداؤه في أي مرحلة كانت عليها الدعوى(4)
وعليه فالمحكمة ليس لها أن تقضي باكتساب الحائز لحق الإنتفاع من تلقاء نفسها.و بالمقابل يترتب عن ذلك أنه يجوز للحائز أن ينزل عن إمكانية اكتسابه لحق الإنتفاع بالتقادم بعد ثبوت الحق فيه باستكمال مدته، ولا يعد تنازلا عن الحق ذاته، وإنما هو تنازل عن الإمكانية التي أقرها له القانون.(5)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد المنعم فرج الصّدة، نفس المرجع، ص 146.
(2) نفس المرجع، ص 145.
(3) خلف محمد، قضاء النقض في الملكية، طبعة 1989.
(4) د/ مصطفى محمد الجمال، المرجع السابق، ص 313.
(5) د/ عبد المنعم فرج الصّدة، المرجع السابق، ص167.
[16]
كما أنه أيضا من آثار التقادم المكسب أنه إذا تمسك الحائز بحق الإنتفاع،اكتسب هذا الحق وبأثر رجعي من الوقت الذي بدأت فيه الحيازة، ويتحدد مدى ما يكسبه الحائز من حق بحسب ما وردت عليه حيازته، إضافة إلى أن حيازة الحق تمتد إلى حيازة توابعه. هذا في التقادم الطويل، أما في التقادم القصير فيتحدد مداه بحسب السند الصادر إلى الحائز.(1)
ويترتب عن الأثر الرجعي نتيجتين هامتين، تتمثل الأولى في أن الحائز يكسب الثمار التي أنتجها الشيء خلال مدة التقادم ما دام حسن النية وهذا طبقا للمادة 837 من القانون المدني، والنتيجة الثانية تتمثل في أن الحقوق العينية التي رتبها الحائز على الشيء أثناء مدة التقادم تصبح صحيحة، وتلك التي رتبها المالك الحقيقي تصبح غير نافذة في حق الحائز.(2)
ثالثا: الحيازة .
الحيازة تؤدي وظيفتين:هي طريق من طرق الإثبات؛ إذ الأصل أن الحائز هو صاحب الحق الذي يحوزه. و هي أيضا طريق من طرق اكتساب الحق العيني على المنقول وليس لمجرد إثباته. فإذا تلقى الحائز المنقول من غير المالك بأحد التصرفات القانونية، فلا يكتسب الحق بموجب هذا التصرف وإنما بمقتضى الحيازة ذاتها.(3)
و تنص المادة 835 من القانون المدني على أنه: " من حاز بسند صحيح منقولا أو حقا عينيا على المنقول أو سندا لحامله فإنه يصبح مالكا له إذا كان حسن النية وقت حيازته .
إذا كان حسن النية والسند الصحيح قد توافر لدى الحائز في اعتباره الشيء خاليا من التكاليف و القيود العينية فإنه يكسب ملكية الشيء خالية من هذه التكاليف و القيود العينية.
و الحيازة في ذاتها قرينة على وجود السند الصحيح وحسن النية ما لم يقم دليل على خلاف ذلك".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد المنعم فرج الصّدة، نفس المرجع، ص 173 و174.
(2) نفس المرجع، ص 175.
[17](3) د/ مصطفى محمد الجمال، المرجع السابق، ص 290.
ويتضح من نص هذه المادة، أنه يمكن اكتساب حق الإنتفاع على المنقول عن طريق الحيازة، فهي بصفة عامة تُكسب الحق العيني عليه فورا ودون حاجة إلى استمرارها لمدة معينة. وقد روعي في تقرير هذه القاعدة طبيعة المنقولات التي تقتضي سرعة تداولها، وعدم وجود الوسيلة المناسبة للتأكد من سندات الحقوق التي ترد عليها.
فإذا رتب غير المالك على المنقول حق انتفاع لمصلحة شخص آخر، فحيازة هذا الأخير لحق الإنتفاع على هذا المنقول بحسن نية تُكسبه إياه بمجرد الحيازة، فتكون بذلك سببا لكسب حق الإنتفاع ابتداءً.(1)
ويشترط لإعمال هذه القاعدة، أن تكون الحيازة قانونية وفعلية وأن يتوافر حسن النية والسند الصحيح لدى الحائز على النحو الذي رأيناه آنفا فيما يخص اكتساب حق الإنتفاع بالتقادم المكسب القصير، غير أنه لا يشترط في هذه الحالة أن يكون السند مشهرا.
وعليه إذا اشترى شخص حق انتفاع مثلا من مستعير المنقول أو من الدائن المرتهن له، أو ممّن كان مالكا له و فُسخ أو أُبطل سنده، فإن عقد البيع هنا لا يكسب حق الإنتفاع وإنما يعتبر سندا صحيحا ناقلا لهذا الحق إذا اقترن بحسن النية وقت الحيازة، فطبقا للمادة 835 المذكورة أعلاه لا يكفي توافر حسن النية وقت الحصول على هذا السند إذا كان هذا الأخير سابقا على الحيازة، لأن الحقوق العينية تكسب بمجرد الحيازة. و هي حسب مفهوم هذه المادة قرينة على وجود السند الصحيح وحسن النية فلا يلزم الحائز بإثبات اكتسابه لحق الإنتفاع على هذا المنقول.
وإذا توافرت هذه الشروط، إكتسب هذا الحائز حق الإنتفاع بقوة القانون دون حاجة إلى أي إجراء آخر، أما إذا فقدت الحيازة شرطي السند الصحيح وحسن النية أو إحداهما، لم يمكن اكتساب هذا الحق سوى بالتقادم الطويل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[18] (1) د / عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق ،ص 1220 .
ويتبين كذلك من خلال نص المادة 835 في فقرتها الثانية، أن للحيازة أثر مسقط للحقوق و التكاليف العينية التي تثقل المنقول إذا توافر لدى الحائز السند الصحيح وكان حسن النية ولا يكون ذلك إلاّ إذا تم إغفال ذكر هذه الحقوق أو التكاليف العينية كالرهن أو الإمتياز أو الشرط المانع من التصرف في هذا السند. أما حُسن النية فيقتضي في هذه الحالة، اعتقاد الحائز أن المنقول محل حق الإنتفاع خال من أي حق أو تكليف يُثقله، إلى جانب اعتقاده أنه تلقى الحق من صاحبه، فيكتسب بذلك حق الإنتفاع خاليا من أي قيد أو تكليف بموجب قاعدة الحيازة.(1)
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اكتساب حق الإنتفاع بالتقادم على الأموال التابعة للدولة تطبيقا للمادة 689 من القانون المدني.
أما بالنسبة للأراضي التابعة للملكية الخاصة، نجد أن المشرع الجزائري لم يحسم مسألة مدى جواز اكتساب الحقوق العينية العقارية على الأراضي الممسوحة إذ لم ينص على ذلك صراحة في القوانين المتعلقة بالشهر العقاري.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د / مصطفى محمد الجمال، ص 297 و298.
(2) مجيد خلوفي، نظام الشهر العقاري في القانون الجزائري، ط1، الديوان الوطني للأشغال التربوية،2003، ص 50.
[19]
المطلب الثالث: القانون
ذكرت المادة 844 من القانون المدني المذكور نصّها أعلاه أنه يمكن أن يكتسب حق الإنتفاع بمقتضى القانون، و يرى بعض أساتذة القانون أن المشرع الجزائري جعل القانون سببا من الأسباب التي يكسب عن طريقها حق الإنتفاع متأثرا في ذلك بالقانون المدني الفرنسي الذي يمنح بموجب المادة 767 منه للزوج الباقي على قيد الحياة حق انتفاع بأموال الزوج المتوفى، و كذلك للأولياء حق انتفاع بأموال أولادهم القصر و عديمي الأهلية.(1) و هو ما يعرف في القانون الفرنسي بالإنتفاع القانوني.(2)
و نجد أن القانون الجزائري قد رتب حق الإنتفاع في عدة مجالات من أهمها و أكثرها شيوعا ما نجده في مجال الأراضي التابعة للأملاك الوطنية، حيث نصت عدة قوانين و مراسيم تنفيذية على منح حق الإنتفاع على أنواع مختلفة من هذه الأراضي، و ما نجده أيضا في مجال الأملاك الوقفية، حيث نص القانون المتعلق بالأوقاف على منح حق انتفاع على الملك الوقفي. و نقتصر في هذا المطلب على بيان القوانين التي يكسب بموجبها حق الانتفاع في كل من هاذين الصنفين من الأملاك العقارية و ذلك من خلال فرعين على النحو التالي:
الفرع الأول: القوانين المتعلقة بالأملاك الوطنية
رتّب المشرع الجزائري حق الإنتفاع على عدة أنواع من الأراضي التابعة للأملاك الوطنية، بموجب عدة قوانين و مراسيم في إطار تشجيع الإستثمار فيها. و من أهم هذه القوانين قانون 87-19 المؤرخ في 08/12/1987 المتضمن ضبط كيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية و تحديد حقوق المنتجين و واجباتهم، حيث تنص المادة 6 منه فقرة 1 على أنه: " تمنح الدولة المنتجين الفلاحين المعنيين بهذا القانون حق الإنتفاع الدائم على مجمل الأراضي التي تتألف منها المستثمرة."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ محمدي فريدة ( زواوي )، المدخل للعلوم القانونية، نظرية الحق، CEDOC ، 2002 ، ص 25.
[20](2) Gérard CORNU,droit civil, introduction, les personnes et les biens ( théorie générale de la propriété privée, 10 éme édition, montchrestien, p 519.
إذن فيكسب حق الإنتفاع بمقتضى هذا القانون على مجمل الأراضي التي تتكون منها المستثمرة، لكن حق الإنتفاع هذا يختلف عن حق الإنتفاع المنصوص عليه في القانون المدني، إذ يكون حقا دائما وعلى الشيوع و بحصص متساوية في حالة الإستغلال الجماعي لهذه الأراضي.(1) و يمكن أن ينتقل عن طريق الميراث فلا ينتهي بوفاة صاحبه.(2)
كما يكسب بمقتضى القانون حق الإنتفاع على الأراضي الرعوية و الحلفائية و ذلك بموجب القانون رقم 90-25 المؤرخ في 18/11/1990 المتضمن التوجيه العقا ري، حيث تنص المادة 64 منه على أنه: " يخّول المعنيون جماعيا حسب الكيفيات التي يحددها قانون خاص حقوق التمتع التقليدية التي تمارس في الأراضي الرعوية و الحلفائية...
و يحدد القانون في الإطار المذكور نفسه كيفيات منح حقوق التمتع الدائم فرديا أو جماعيا في الأراضي الرعوية و الحلفائية ". فحق التمتع الدائم الوارد في هذه المادة هو مبدئيا حق انتفاع حسب النص الفرنسي، و يشمل الإستعمال و الإستغلال، في انتظار صدور القانون الخاص المذكور في متن المادة.(3)
كذلك نصّ القانون على حق الإنتفاع في المرسوم التنفيذي رقم 97/483 المؤرخ في 15/12/1997 المحدد لكيفيات منح حق امتياز قطع أرضية من الأملاك الوطنية الخاصّة التابعة للدولة في المساحات الإستصلاحية و أعباءه و شروطه، حيث جاء في المادة 2 من الملحق المتضمن دفتر الشروط النموذجي المتعلق بمنح هذا الحق، أن الدولة تمنح لمدة معينة حق الإنتفاع بالأراضي التابعة لأملاكها الوطنية الخاصة لكل شخص طبيعي أو معنوي في إطار الإستصلاح في المناطق الصحراوية و الجبلية و السهلية وذلك عن طريق الإمتياز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ بن رقية بن يوسف، شرح قانون المستثمرات الفلاحية،ط1، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2001، ص 144 .
(2) أ / ليلى زروقي، التقنينات العقارية، ط2، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر،2001، ص 99 .
[21](3) أ/ ليلى زروقي،أ/ عمر حمدي باشا، المرجع السابق، ص 147 و 152 .
كما يمنح المشرع بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 94/322 المؤرخ في 17/10/1994 المتعلق بمنح إمتياز أراضي الأملاك الوطنية الواقعة في مناطق خاصة في إطار ترقية الإستثمار، و جاء في مضمون دفتر الشروط النموذجي المتعلق بمنح هذا الحق أن الدولة تخوّل حق الإنتفاع لمدة معينة، بقطعة أرضية متوفرة تابعة لأملاكها الخاصة من أجل استعمالها في إقامة مشروع استثمار في منطقة خاصة، و ذلك بموجب الإمتياز الذي هو عبارة عن عقد.
الفرع الثاني: القانون المتعلق بالأملاك الوقفية
نص القانون رقم 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف في المادة 17 منه على أنه: " إذا صح الوقف زال حق ملكية الواقف، و يؤول حق الإنتفاع إلى الموقوف عليه، في حدود أحكام الوقف و شروطه. "
فالوقف يخوّل للموقوف عليه حق الإنتفاع بالعين الموقوفة، و هذا ما تؤكده المادة 18 من نفس القانون ، بقولها: " ينحصر حق المنتفع بالعين الموقوفة فيما تنتجه، وعليه استغلالها استغلالا غير متلف للعين و حقه حق إنتفاع لا حق ملكية."
و يقترب حق الإنتفاع المنصوص عليه في القانون المدني إلى الوقف الخاص أكثر من الوقف العام، إذ يكون فيه الموقوف عليه شخصا طبيعيا ميّعنا له الحق في استعمال العين الموقوفة و استغلالها و الحصول على ثمارها. إلا أنهما يختلفان في عدة جوانب إذ يمكن في الوقف أن ينتقل حق الإنتفاع إلى الورثة إذا اشترط الواقف ذلك في عقده، كما أن الدولة هي من يسهر على إدارة هذا الحق و الحفاظ عليه حسب المادة 5 من نفس القانون، في حين أنه طبقا للقواعد العامة المنتفع هو من يتولى ذلك باعتباره المستفيد الأول منه.(1)
وعلى العموم ما يمكن قوله فيما يخص حق الإنتفاع المرتب بمقتضى القانون،هو أن المشرع أعطى لحق الإنتفاع فيه مفهوما آخر مختلف في عدّة جوانب عمّا ورد في القانون المدني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أ/ رمول خالد، الإطار القانوني و التنظيمي لأملاك الوقف في الجزائر، دراسة مقارنة بأحكام الشريعة الإسلامية مدعمة بأحدث النصوص القانونية و الإجتهادات القضائية، دار هومة، الجزائر، 2004، ص 67.
[22]
المبحث الثاني: الآثار المترتبة عن قيام حق الإنتفاع
تنص المادة 845 من القانون المدني على أنه:" يراعى في حقوق المنتفع والتزاماته السند الذي أنشأ حق الإنتفاع و كذلك الأحكام المقررة في المواد التالية ." يفهم من هذا النص أن الآثار التي تترتب عن قيام حق الإنتفاع ترد عادة في السند الذي أنشأ هذا الحق، وعليه فالطرفين إما أن يحددا حقوقهما والتزاماتهما تحديدا مفصلا يشمل جميع أو بعض المسائل و الحالات التي تنشأ بينهما أثناء الإنتفاع، وعندئذ ستري عليها الأحكام التي قرراها في السند الذي اكتسب بمقتضاه حق الإنتفاع سواء كان عقدا أو وصية، أو عقد البيع المشفوع فيه، أما إذا تم اكتساب هذا الحق بالتقادم فإن أعمال الحيازة التي أدّت إليه هي التي تحدّد مدى حق الإنتفاع الذي كسب بهذا السبب، و أما بالنسبة لحق الإنتفاع المكتسب بمقتضى القانون فإن هذا القانون الذي قرره هو الذي يتولى تحديد مداه وأحكامه. ومن هذا المنطلق تظهر جليا العلاقة الوثيقة التي تربط أسباب كسب حق الإنتفاع، بالآثار المترتبة عن قيامه .
إلاّ أن السند المكسب لحق الإنتفاع ليس المرجع الوحيد في تحديد هذه الآثار، بحيث إذا لم يتضمنها هذا السند وجب مراعاة الأحكام التي قررها القانون في هذا الإطار وهذا ما عناه نص المادة 845 المذكور أعلاه بعبارة "... و كذلك الأحكام المقررة في المواد التالية" ويقصد بها القواعد القانونية المقررة في المواد من 846 إلى 851 من القانون المدني، وهذا ما سنتولى بيانه بشيء من التفصيل على ضوء هذه المواد، حيث نبين هذه الآثار التي تتمثل في الحقوق التي تثبت لكل من المنتفع ومالك الرقبة والإلتزامات التي تترتب في ذمة كل واحد منهما، وذلك من خلال مطلبين، حيث نتناول في المطلب الأول آثار حق الإنتفاع بالنسبة للمنتفع، وفي المطلب الثاني آثار حق الإنتفاع بالنسبة لمالك الرقبة أمّا مختلف الدعاوى الناتجة عن كسب حق الإنتفاع ومباشرته و التي تحمي حق كل واحد من الطرفين، أو تترتب عن حقه، سنفرد لها مطلبا مستقلا بالرغم من أنها تدخل في إطار الحقوق المترتبة لكلا الطرفين عن حق الإنتفاع وذلك ما سنتعرض له بالدراسة في المطلب الثالث.
[23]
المطلب الأول: آثار حق الإنتفاع بالنسبة للمنتفع
بمجرد اكتساب حق الإنتفاع بإحدى الطرق السابق ذكرها قي المبحث الأول، تنشأ للمنتفع حقوق ترجع كلها إلى هذا الحق العيني الذي يكتسبه على العين وذلك ما سنتطرق إليه في الفرع الأول، وتترتب عليه التزامات تنشأ من سند حق الإنتفاع والتزامات وردت في القانون، تنشأ عن الواقعة المادية المتمثلة في أن رقبة الشيء المنتفع به في يد المنتفع وهو ما سنتناوله في الفرع الثاني.
الفرع الأول: حقوق المنتفع
للمنتفع حق عيني على العين المنتفع بها، الذي هو مجرد حق متفرع على الملكية، يخول له الحصول على منفعة هذه العين التي تقتضي أن يكون له حق استعمالها وحق استغلالها، وهذا بدوره يقتضي أن تكون للمنتفع سلطة القيام بإدارة الشيء المنتفع به، كما له أن يتصرف في حق الإنتفاع دون حق الرقبة كما سنبينه على النحو التالي:
أولا: حق استعمال العين المنتفع بها واستغلالها
1- حق المنتفع في استعمال العين المنتفع بها: يحل المنتفع بموجب حق الإنتفاع محل المالك في استعمال الشيء، فله الحق في استعماله مثله مثل مالكه ملكية تامة، إلاّ أنه مقيد في هذا الاستعمال بالغرض المخصص للشيء وهذا ما قررته المادة 847 فقرة 1 من القانون المدني بقولها:" على المنتفع أن يستعمل الشيء بحالته التي تسلمه بها وبحسب ما أعدّ له..." والإستعمال يتحدد بحسب طبيعة الشيء، فإذا كان حق الإنتفاع مثلا متعلقا بمنزل معد للسكن فلا يجوز تغيير الغرض المخصص له كأن يجعله محلا تجاريا إلاّ إذا أجازه الطرفين بموجب إتفاق بينهما صراحة أو ضمنا.
وعلى خلاف المالك لا يمكن للمنتفع أن يصل في الإستعمال إلى حد استهلاك الشيء أو إتلافه، إلاّ أنه يتقيد فيه بالقيود التي يفرضها القانون على المالك، فلا يجوز له فتح مطل على الجار إلاّ في حدود المسافة التي يحددها القانون، ولا يستعمل العقار الذي ينتفع به استعمالا يضرّ بالجار ضررا غير مألوف. (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[24](1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1224.
2- حق المنتفع في استغلال العين المنتفع بها:
ويقصد بالإستغلال الحصول على ثمار الشيء أو غلته، ويكون إما مباشرا أو غير
مباشر بحيث ينزل المنتفع عن استغلاله إلى الغير مقابل أجرة. (1)
وينتهي حق هذا الغير بانتهاء حق الإنتفاع، فإذا قام المنتفع في سبيل استثمار العين المنتفع بها بتأجيرها فإن هذا الإيجار ينتهي بانتهاء هذا الحق. تطبيقا لذلك نصت المادة 469 من القانون المدني: " الإيجار الصادر ممن له حق المنفعة ينقضي بانقضاء هذا الحق..."
وللمنتفع استغلال الشيء المنتفع به مثله مثل المالك إلاّ أن هذا الاستغلال يشمل ثمار الشيء دون منتجاته وهذا ما يفهم من نص المادة 846 من نفس القانون بنصها: " ثمار الشيء المنتفع به تكون للمنتفع بقدر مدة انتفاعه مع مراعاة أحكام الفقرة الثانية من المادة 839 " .والثمار هي ما ينتجه الشيء من غلة دورية متجددة ورغم أنها تنفصل عن الشيء وتتكرر إلاّ أنها لا تمس أصله ولا تنقص من جوهره.(2)
أما المنتجات فهي ما يعطيه الشيء أو يؤخذ منه أو سيتخرج، في أوقات متقطعة وغير منتظمة وغير دورية ولا تتجدد، وتمس بأصل الشيء وتنقص مقداره دون أن تعدمه أو تتلفه ودون أن تضر به إضرارا جسيما أوتقتطع جزء منه.(3)
وبهذا يتمثل الإستغلال في حق المنتفع في الحصول على الثمار بمختلف أنواعها، سواء كانت طبيعية وهي ما يعطيه الشيء بطبيعته دون تدخل الإنسان كالعشب ونتاج الحيوانات، أو كانت صناعية وهي ما يعطيه الشيء بسبب عمل أو جهد يأتيه الإنسان مثل المحصولات الزراعية وعسل النحل والثمار المتجددة للأشجار، أو كانت ثمارا مدنية وهي المداخيل النقدية التي ينتجها الشيء دوريا مثل أجرة السكنات و فوائد السندات وأرباح الأسهم، وأجرة الأراضي الزراعية.(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، ج1، ص 604.
(2) د/ محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق، ص 363 .
(3) حامد مصطفى، المرجع السابق، ص 190.
[25](4) Encyclopédie juridique DALLOZ, Répertoire de droit civil, recueil n=°5 (Usufruit),Tome x,édition Dalloz, 2003,p 8.
و حصول المنتفع على هذه الثمار لا يثير أي صعوبات، ذلك لأن المشرع وضع قواعد تمثل المبدأ العام في المادة 846 المذكورة أعلاه. حيث يقوم على فكرة التوزيع النسبي بين المنتفع ومالك الرقبة، فلا يكتسب المنتفع من الثمار إلاّ بنسبة مدة انتفاعه. فبالنسبة للثمار الصناعية كالمحاصيل الزراعية مثلا فإنه ينظر فيها إلى مدة بقائها في الأرض، فيستحق المنتفع منها ما كان من تاريخ بدء الإنتفاع إلى غاية جنيها، ويستحق مالك الرقبة منها بقدر المدة السابقة على ابتداء حق الإنتفاع. وكذلك الشأن بالنسبة للثمار المدنية فإنه من اليسير حساب ما يستحق المنتفع منها، إذ يحصل على ما يوازي الفترة ما بين بدء الإنتفاع وانتهائه.
واستثناء من هذا المبدأ العام، نص المشرع الجزائري في المادة 852 من نفس القانون على أنه إذا ورد الإنتفاع على أرض زراعية وكانت مشغولة عند انقضاء الأجل أو عند موت المنتفع بزرع قائم تُركت للمنتفع أو ورثته إلى حين جنيه على أن يدفعوا للمالك أجرة الأرض مقابل ذلك عن هذه الفترة. و على هذا يعتبرون خلال هذه الفترة مستأجرين، أي ما بين انتهاء حق الإنتفاع وجني الثمار.
إلاّ أن المشرع لم يورد نصّا يعالج الحالة التي يكون فيها زرع قائم في الأرض عند بداية حق الإنتفاع، لهذا نرجع إلى القاعدة العامة في المادة 846 أعلاه التي تقتضي استحقاق المنتفع لهذا الزرع بقدر مدة انتفاعه. فيكون للمالك الزرع الموجود في الأرض بنسبة المدة السابقة على بداية الانتفاع، وللمنتفع بنسبة المدة اللاحقة له على أن يساهم هذا الأخير في تكاليف البذر والسماد والعمل بنسبة مدة انتفاعه.(1)
فمسألة النطاق الزمني الذي تتحدد فيه الثمار التي تكون من حق المنتفع مسألة واضحة، فإذا جنى شيئا من الثمار قبل بدء انتفاعه أو بعد انتهائه، التزم برده للمالك باعتباره غير مستحق له.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1230.
[26](2) أ/ أنور طلبة، المرجع السابق، ص 648 .
أما مسألة كيفية تملك هذه الثمار، فإن المشرع الجزائري لم يبيّنها، لذلك نستأنس بأحكام القانون الفرنسي الذي يفرّق في هذه المسألة بين الثمار الصناعية و الطبيعية من جهة و الثمار المدنية من جهة أخرى، بحيث يتم تملك الأولى عن طريق جنيها أي بفصلها عن الشيء المنتج لها. (1)
و عموما لا يتم جني الثمار قبل نضجها ماعدا تلك التي جرى العرف على فصلها خضراء، فإذا حصل ذلك بسبب قوة قاهرة تصبح من حق المنتفع، و في جميع الأحوال يمتلكها هذا الأخير بمجرد فصلها دون حاجة إلى رفعها من مكانها.(2)
أما الثمار المدنية فإنها تكسب يوما بعد يوم، فيكون للمنتفع منها ما يوازي المدة الحقيقية لانتفاعه بغض النظر عمّا إذا كان قد قبضها، و بغض النظر عن تاريخ استحقاقها، فإذا انتهى الإنتفاع قبل دفعها استحقها المنتفع في حدود المدة التي وجد فيها حقه.(3) و قد قضى الاجتهاد القضائي الفرنسي سنة 1897 للمنتفع بحقه في الأجرة المتعلقة بمدة الإنتفاع منذ إنشائه و لو كانت هذه الأجرة قد دفعت مسبقا.(4)
ثانيا: سلطات المنتفع على العين المنتفع بها.
حتى يتمكن المنتفع من ممارسة حقه على الشيء المنتفع به على أكمل وجه، وجب الإعتراف له بسلطتي القيام بأعمال الإدارة و القيام بأعمال التصرف على حق الإنتفاع دون الرقبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit , p9 (1)
(2) د/ محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق، ص 370
(3) نفس المرجع، ص 373، 374
Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit , p9(4)
[27]
1- أعمال الإدارة:
أعمال الإدارة هي تلك الأعمال التي لا تتعدى إلى جوهر الشيء، بل تتعلق بثماره وهي حسب المادة 573 الفقرة الثانية من القانون المدني: الإيجار لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، و أعمال الحفظ و الصيانة، و استيفاء الحقوق و وفاء الديون، و جميع أعمال التصرف كبيع المحصول، و بيع البضاعة أو المنقولات التي يسرع إليها التلف و شراء ما يستلزم الشيء من أدوات لحفظه و استغلاله.
أ- الإيجار: هو من أهم أعمال الإدارة، فللمنتفع أن يؤجر العين التي يرد عليها حقه، لاستثمارها و الحصول على أجرتها. و لا يتقيّد في إيجاره لها إلا بمدة الإنتفاع، ذلك لأنه صاحب حق عيني له سلطة مباشرة على الشيء، فيجوز له إيجاره دون موافقة مالك الرقبة،كما أنّه لا يدير الشيء المنتفع به نيابة عن غيره، بل يستعمل حقه في الإنتفاع. (1)
و يبقى هذا الإيجار قائما للمدة التي يبقى فيها حق الإنتفاع قائما، فإذا انتهى الإنتفاع بوفاة المنتفع قبل انتهاء مدة الإيجار، انتهى الإيجار لزوال حق الإنتفاع طبقا للمادة 469 من القانون المدني- كما سبق و أن ذكرنا أعلاه- مع وجوب مراعاة المواعيد المقرّرة قانونا للتنبيه بالإخلاء. و لكن يستشف من خلال نص هذه المادة باللغة الفرنسية، أن هذا الحكم يسري إذا لم يقرّ مالك الرقبة هذا الإيجار، و بمفهوم المخالفة إذا أقره أثناء سريان الإنتفاع أو عند موت المنتفع، فإن الإيجار يبقى قائما بين المستأجر و مالك الرقبة- الذي استعاد الملكية التامة- إلى غاية المدة المتفق عليها في العقد المبرم بين المستأجر و المنتفع، أما إذا تم الإيجار دون رضاء مالك الرقبة و دون إجازته، فإنه ينقضي بزوال حق الإنتفاع، و بالنتيجة لهذا الأخير مطالبة المستأجر بإخلاء العين، لكن مع مراعاة المواعيد المقررة للتنبيه بالإخلاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[28](1) د/ بن رقية بن يوسف، محاضرات في القانون المدني( الحقوق العينية الأصلية و التبعية)، ألقيت على طلبة الدفعة 17 السنة الأولى، المدرسة العليا للقضاء، 2006-2007 .
و تضيف المادة 469 المذكورة أعلاه، عبارة "... و المواعيد اللازمة لنقل محصول السنة." التي يفهم منها أنه لا يجوز إنهاء الإيجار قبل نقل المحصولات السنويّة إذا كانت العين أرضا زراعية، لو اقتضى هذا النقل وقتا أطول من الميعاد المقرر للتنبيه بالإخلاء.(1)
ب- بيع المحصول: البيع في حد ذاته عمل من أعمال التصرف، إلاّ أن بيع محصول الأرض المنتفع بها هو عمل من أعمال الإدارة، بحيث للمنتفع أن يبيع محصولها بعد جنيه، و أن يقبض ثمن البيع، كما له أن يبيع الزرع و هو لا يزال قائما، حتى ولو انقضى حق الإنتفاع قبل أن يقوم بجنيه إذ تسري على هذه الحالة أحكام المادة 852 من القانون المدني المذكورة آنفا، حيث يدفع المنتفع أو ورثته أجرة الأرض عن الفترة الممتدة ما بين نهاية حق الانتفاع، و جني المحصول لتسليمه إلى المشتري.
ج- استيفاء الحقوق: للمنتفع استفاء كل الحقوق التي يكون له حق الإنتفاع بها في مواعيد استحقاقها، إما بالطرق الوديّة أو عن طريق القضاء، كما له إعطاء مخالصات بهذه الحقوق، و يقصد بها في هذا الإطار الدّيون المستحقة الأداء و التعويض عن نزع الملكية، و التعويض عن التأمين.
فالمنتفع في إطار سلطته في القيام بأعمال الإدارة، له استيفاء- و بدون رضاء مالك الرقبة- مبالغ الديون المستحقة الأداء، و المداخيل، و له في سبيل ذلك مطالبة المدين بالوفاء، و منح مخالصات بهذه الحقوق، دون أن يكون للمالك الإعتراض و المنازعة في صحة هذا الوفاء.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1238 .
[29] .Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit, p11(2)
حين يقبض المنتفع هذه الحقوق من المدين، التي تكون عادة مبلغا من النقود، يتحول حق الإنتفاع إلى شبه حق انتفاع.(1) فيجوز له استغلاله و التصرف فيه و قبض ريعه، على أن يردّ مثله لمالك الرقبة عند نهاية حق الإنتفاع، و هذه المبالغ التي يقبضها المنتفع تعتبر وفاء يمكن الإحتجاج به أمام مالك الرقبة، و تكون المخالصة التي أمضاها المنتفع بمناسبته حجة عليه، فيصبح دائنا عاديا للمنتفع، ويجد نفسه معرّضا لخطر إعسار هذا الأخير خاصة إذا لم يقدم له كفالة.(2)
كما أن لصاحب حق الإنتفاع على عقار الصّفة في الحصول على التعويض الذي تدفعه الإدارة عن نزع ملكية هذا العقار للمنفعة العامة، بالإضافة إلى أنه في حالة هلاك الشيء المنتفع به يستحق المنتفع تعويضا عن ذلك، اذ له الحق في مبلغ التأمين عن الشيء الذي هلك أو تضرّر، سواء كان هذا الشيء مؤمّنا، أو كان التأمين واردا على حق الإنتفاع فقط.(3)
د- تسير القيم المنقولة : الإنتفاع بالقيم المنقولة يطرح مسألة أعمال الإدارة التي يمكن للمنتفع القيام بها لوحده، و هذه المسألة لا تطرح إلاّ في غياب الإتفاق بين الأطراف.
* حضور جلسات الجمعية العامة للشركات : تعتبر المشاركة في الجمعية العامة للشركة عملا من أعمال الإدارة، و عليه فمن حق المنتفع حضور هذه الجلسات، حيث تنص المادة 679 من القانون التجاري على أن التصويت المرتبط بالأسهم يرجع للمنتفع في الجمعيات العامة العادية، و يرجع لمالك الرقبة في الجمعيات العامة غير العادية، و منه فللمنتفع بأسهم حق الحضور في الجمعيات العامة العادية، أما غير العادية فحضورها من حق مالك الرقبة فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1239.
Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit, p 11.(2)
[30] Ibid, p11.(3)
* تحويل السندات : تعد عملية تحويل السند من سند إسمي إلى سند لحامله عملا من أعمال التصرف التي لا يمكن للمنتفع القيام بها لوحده، فهذه العملية لا يمكن أن تنتج أثرها إلاّ باتفاق مالك الرقبة و المنتفع. و على عكس ذلك فإنه يمكن للمنتفع تحويل السند من سند لحامله إلى سند إسمي، كون هذه العملية تعتبر ضمانة ممنوحة لمالك الرقبة.(1)
2- أعمال التصرف :
يجوز للمنتفع التصرف بجميع أنواع التصرفات خلال مدة الإنتفاع، و نفرّق بين التصرف في الشيء محل الإنتفاع، و التصرف في حق الإنتفاع بحد ذاته.
ا- التصرف في الشيء المنتفع به : القاعدة العامة أنه مهما كانت طبيعة الشيء المنتفع به، فإنه لا يمكن للمنتفع التصرف فيه لأنه ليس ملكا له، و يترتب عن هذا المبدأ عدم جواز التنازل عن حق الإرتفاق المرتب على العقار المنتفع به، إلاّ أنه يمكن للمنتفع أن يتعهد بعدم استعمال هذا الحق- حق الإرتفاق- بدون أن يكون هذا التعهد ملزما لمالك الرقبة. كما لا يجوز للمنتفع أن يقبل نقل الحقوق المنتفع بها عن طريق حوالة حق، و لا تمديد تاريخ استحقاقها. و لا يجوز له أيضا التصرف أو التعهد بالقيم المنقولة التي لا يملك سوى الإنتفاع بها و إدارتها، و لا يستطيع كذلك تحويل سند إسمي إلى سند لحامله، فكل هذه الأعمال تمسّ بأصل الحق.(2)
إلاّ أن هذا المبدأ غير مطلق، بل يرد عليه استثناء عندما يكون الشيء المنتفع به قابلا للإستهلاك.(3) إذ في هذه الحالة يصبح المنتفع مالكا لهذا الشيء، فيستطيع التصرف فيه، بشرط أن يرد بدله عند انتهاء حقه، و هذا ما أشارت إليه المادة 851 من القانون المدني
من خلال قولها "... و للمنتفع الذي قدم الكفالة أن يستعمل الأشياء القابلة للإستهلاك بشرط أن يرد بدلها عند انتهاء حقه في الإنتفاع..." و سنرجع إلى شرح هذه المادة في إطار بيان إلتزامات المنتفع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit,p12.(1)
Ibid, p12. (2)
[31] (3) نكون أمام شبه حق إنتفاع، الذي يتحقق إذا كان الشيء المنتفع به قابلا للإستهلاك.
ب- التصرف في حق الإنتفاع : التصرف في حق الإنتفاع يكون بوجه خاص بالتنازل عنه لفائدة الغير، أو عن طريق رهنه أو ترتيب حق عيني أصلي عليه.
* التنازل عن حق الإنتفاع للغير : يجوز للمنتفع التنازل عن حقه إما بمقابل عن طريق البيع أو المقايضة أو بجعله حصة له في شركة أو بالتنازل عليه لدائنه كمقابل وفاء بالدين، كما له أن يتنازل عنه بدون مقابل عن طريق الهبة، إلاّ أنه لا يمكنه أن يوصي به لأن الوصية تمليك لما بعد الموت و حقه ينتهي حتما بوفاته.(1)
و يترتب عن هذا التنازل، أن يصبح المتنازل له مالكا لنفس حق الإنتفاع الذي ترتب للمنتفع، و بالنتيجة فإن هذا الحق ينتهي بموت المنتفع و ليس بموت من تلقى الحق منه.(2)
كما يترتب عليه أيضا بقاء المنتفع ملتزما بالإلتزامات الشخصية التي في ذمته تجاه مالك الرقبة، لا سيما تلك الناتجة عن سوء استغلال المتنازل إليه للشيء محل الإنتفاع، فلا تنتقل هذه الإلتزامات إلى هذا الأخير، إلاّ أنه تكون له نفس حقوق المنتفع إلى غاية انتهاء حق الإنتفاع بانقضاء مدته أو بوفاة المنتفع.(3)
و نشير إلى أن قيمة الإنتفاع عند التنازل عنه بمقابل تحدد حسب المدة المتبقية من مدة إنتفاع المنتفع الأصلي، فإذا توفي هذا الأخير قبل إنتهاء المدة، و كان المتصرف إليه قد سلم له المقابل، فإن له في هذه الحالة الرجوع على تركة المنتفع الأصلي - إن وجدت- على أساس الإثراء بلا سبب، و يحدد المبلغ هنا على حسب الإنتفاع الحقيقي و الفعلي.(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1240.
(2) إذا مات من تلقى حق الإنتفاع فبل موت المنتفع، و كانت مدة الإنتفاع لم تنقض بعد، فإن هذا الحق ينتقل إلى الورثة و يبقى إلى أن ينتهي بانقضاء مدته أو بموت المنتفع، و هي الحالة الوحيدة التي ينتقل فيها حق الإنتفاع بالميراث و هذا رأي الدكتور عبد الرزاق السنهوري، أما الفقه الفرنسي فيرى أنه إذا انقضى حق الإنتفاع لسبب خاص بالمتصرف إليه، عاد هذا الحق إلى المنتفع.
Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit,p12 (3)
(4) ) د/ بن رقية بن يوسف، محاضرات في القانون المدني( الحقوق العينية الأصلية و التبعية)،المرجع السابق.
[32]
مادام يجوز للمنتفع التنازل عن حقه، فإنه من باب أولى يجوز الحجز على هذا الحق من طرف دائنيه، إلاّ إذا كان العقد المنشئ لحق الإنتفاع قد اشترط فيه عدم قابلية التنازل عنه، و عدم جواز الحجز عليه، و يكون هذا الشرط صحيحا إذا كان مؤقتا و مبررا بمصلحة جدية و مشروعة.(1)
* رهن حق الإنتفاع : المنتفع الذي يمكنه التنازل عن حقه، يمكنه رهنه رهنا رسميا إذا كان محله عقارا، أو رهنا حيازيا إذا كان محله عقارا أو منقولا، و يجوز لدائني المنتفع أخذ حق تخصيص على حق الإنتفاع إذا كان واقعا على عقار، كما يجوز أن يرتب على هذا الحق أيضا، امتياز البائع إذا كان المنتفع قد اشترى حق الإنتفاع على عقار أو منقول و لم يدفع ثمنه. إلاّ أن صاحب إحدى هذه التأمينات العينية لا يمكنه حجز و لا بيع إلا حق الإنتفاع ذاته دون العين المنتفع بها، إذ لا ينتقل إليه إلا حق الإنتفاع فإذا انتهى هذا الحق قبل تنفيذ الدائن عليه، زال هذا التأمين العيني بزوال محله.(2)
* ترتيب حق انتفاع على حق الإنتفاع : يمكن للمنتفع أن يرتّب حق انتفاع للغير على حق إنتفاعه هو. و يتفق هذا التصرف مع التنازل عن حق الإنتفاع، في أن المنتفع الجديد يحل محل المنتفع الأصلي في كافة حقوقه، غير أنه يختلف عنه في كونه في حالة التنازل إذا مات المتنازل له قبل انتهاء حق الإنتفاع الأصلي، انتقل هذا الحق إلى ورثته، أما في حالة ترتيب حق إنتفاع على حق إنتفاع، ينتهي الإنتفاع الجديد بانتهاء حق الإنتفاع الأصلي و بموت المنتفع الثاني أيضا، و عليه فلا ينتقل إلى ورثته.(3)
ونضيف في الأخير أنه إلى جانب كل السلطات السابقة الذكر التي يتمتع بها المنتفع فإنه يعترف له بسلطة القيام بأعمال الحفظ و الصيانة التي تعتبر في نفس الوقت من التزاماته كما له أن يباشر الأعمال التحفظية ويعتبر في ذلك ممثلا للمالك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
.Encyclopédie juridique DALLOZ,op.cit, p12(1)
(2) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1242.
(3) نفس المرجع، نفس الصفحة.
[33]
الفرع الثاني : التزامات المنتفع
بالرّغم من أن المنتفع صاحب حق عيني يباشر سلطاته مباشرة على الشيء المنتفع به دون حاجة إلى تدخل المالك إلاّ أن العلاقة تبقى قائمة بينهما نتيجة التزام المنتفع برد الشيء إلى مالكه عند انتهاء الإنتفاع و بقصد ضمان الوفاء بهذا الإلتزام الأساسي تترتب التزامات أخرى في ذمة المنتفع قِبل مالك الرقبة منها ما يلتزم به قبل مباشرة الإنتفاع ومنها ما يلتزم به أثناء ممارسته وأخرى يلتزم بها عند انتهائه و فضلا عن ذلك يمكن إنشاء التزامات أخرى في ذمة المنتفع بموجب السند المنشئ لحق الإنتفاع.
أوّلا : الإلتزامات السابقة على مباشرة الإنتفاع.
وهي تلك الإلتزامات التي فرضها القانون على المنتفع قبل تسلّم الشيء محل حق الإنتفاع حيث تنص المادة 851 من القانون المدني على أنه"إذا كان المال المقرر عليه حق الإنتفاع منقولا وجب جرده ولزم المنتفع تقديم كفالة به..." و يتضمن هذا النص التزامين يجب على المنتفع القيام بهما قبل مباشرة انتفاعه بالشيء، الأول هو جرد المال والثاني تقديم كفالة تضمن وفاء المنتفع بالتزامه بالمحافظة على هذا المال وردّه لمالك الرقبة عند انتهاء حقه ، وهما إلتزامان يقتصران على الحالة التي يكون فيها محل الإنتفاع مالا منقولا دون العقار خوفا من ضياعه أو تبديده أو الإنقاص من قيمته.
1- جرد المنقول
أوجب المشرع جرد المنقول محل حق الإنتفاع حماية لمالك الرقبة من سوء نية المنتفع الذي ينكر تسلّمه لهذا المنقول، أو يدّعي أنه استلمه بحالة سيّئة إذ عن طريق الجرد تتعين ذاتيته وتتحدد قيمته. و يكفي أن يشمل الجرد وصف المنقول فحسب وليس من الضروري تقييم الأشياء الموصوفة.(1)
ويتم الجرد بتحرير محضر به على نفقات المنتفع و طالما أن المشرّع لم يشترط فيه شكلا خاصا جاز تحريره في ورقة عرفية يوقّع عليها كل من المنتفع ومالك الرقبة ويكون دليلا لإثبات تسلّم المنتفع الشيء المنتفع به على حالته و بقيمته و يجوز أن يتضمّن السند ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). د/ محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق ص 381.
[34]
المنشىء لحق الإنتفاع إعفاء المنتفع من تحرير هذا المحضر، بشرط أن يكون هذا الإعفاء صريحا، فلا يعد إعفاء منه عدم إعتراض مالك الرقبة على استلام المنتفع للشيء قبل جرده بل يبقى له الحق في مطالبته بتحرير محضر الجرد حتى بعد تسلّمه للمنقول.(1)
ولم يبيّن المشرع الجزائري الجزاء المترتب عن عدم قيام المنتفع بهذا الإلتزام ،لذلك فإنه بالرجوع إلى الفقه الفرنسي نجد أن عدم تحرير المنتفع لمحضر الجرد لا يترتب عنه فقدانه لحقه في الإنتفاع وإنما لا يمكنه تسلّم المنقولات من مالك الرقبة إذ يمكن لهذا الأخير أن يمتنع عن تسلميها له مستعملا في ذلك حقه في الحبس تطبيقا للقواعد العامة، وإذ حصل واستلم المنتفع هذه المنقولات دون تحرير محضر بجردها فإنه يخول لمالك الرقبة عند انتهاء الإنتفاع أن يثبت مواصفاتها وحالتها وكذا قيمتها بكافة طرق الإثبات على اعتبار أن الإمتناع عن تحرير هذا المحضر يعدّ قرينة على أن المنتفع قد استلم المنقول في حالة سليمة.(2)
2- تقديم الكفالة .
لمّا كان من اليسير تبديد المنقول وضياعه، أوجب المشرع كذلك على المنتفع أن يقدم كفالة به.(3) ضمانا لحق مالك الرقبة في استرداده أو استرداد قيمته عند نهاية الإنتفاع طبقا للمادة 851 المذكور أعلاه.
فإذا ضاع الشيء المنتفع به أو بُدد أو أُتلف أو أُلحق به ضرر كان الكفيل ضامنا للتعويض الذي يلتزم المنتفع بدفعه لمالك الرقبة. ويشترط في هذا الكفيل أن يكون موسرا ومقيما بالجزائر. و للمنتفع أن يقدم عِوضا عن الكفيل تأمينا عينيا كافيا و هذا حسب ما تقتضيه المادة 646 من القانون المدني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ حسن كيرة، المرجع السابق، ص 277.
Encyclopédie juridique DALLOZ,op.cit , p21.(2)
[35](3) تنص المادة 644 من القانون المدني: " الكفالة عقد يكفل بمقتضاه شخص تنفيذ التزام بأن يتعهّد للدائن بأن يفي بهذا الالتزام، إذا لم يف به المدين نفسه"
و تسليم مالك الرقبة للمنقول المنتفع به للمنتفع قبل أن يقدم الكفالة، لا يعفيه من تقديمها لاحقا ما لم ينص السند المنشئ لحق الإنتفاع صراحة على إعفائه من هذا الإلتزام.(1)
فإذا لم يقم المنتفع بتقديم الكفالة دون أن يعفى من تقديمها كان لمالك الرقبة الحق في اللجوء إلى القضاء من أجل استصدار حكم ببيع المنقول محل الإنتفاع بالطريقة التي تقرّرها المحكمة، وتوظيف ثمنها في شراء سندات عامة يحصل المنتفع على أرباحها، وهذا ما نصت عليه المادة 851 المذكورة آنفا بقولها: " ... فإن لم يقدّمها بيع المال ووظف ثمنه في شراء سندات عامة يستولي المنتفع على أرباحها..."
ولا يدخل في الأرباح التي يحصل عليها المنتفع ما قد يكسبه السند من جائزة إذ تكون لمالك الرقبة وحده، فهذه السندات توفر لكل من الطرفين قدرا كبيرا من الضمان، و إذا انتهى حق الإنتفاع ردّت إلى مالك الرقبة ليصبح مالكا ملكية تامة لها فيتصرف فيها كما يشاء.(2)
وعلى ذكر نص المادة 851 في عبارته " وللمنتفع الذي قدّم الكفالة أن يستعمل الأشياء القابلة للإستهلاك بشرط أن يرد بدلها عند انتهاء حقه في الإنتفاع، وله نتاج المواشي بعد أن يعرض منها ما هلك من الأصل بسب حادث مفاجئ أو قوة قاهرة." فإنّنا نجده يشير فيما يتعلق بالأشياء القابلة للإستهلاك إلى ما يسمى بشبه حق الإنتفاع، وهو حق الإنتفاع الذي يرد على أشياء لا يمكن للمنتفع مباشرة حقه عليها إلاّ باستهلاكها، و يستشف منه أنه في هذه الحالة لا ينتقل إلى المنتفع حق الإنتفاع فحسب بل حق ملكية كاملة يبيح له استهلاك الشيء بشرط أن يردّ لمالك الرقبة مثله أو قيمته عند انتهاء حق الإنتفاع، إذ يصبح مالك الرقبة دائنا للمنتفع ببدل الشيء، حيث تتحول الرقبة من حق عيني إلى مجرد علاقة دائنية بين الطرفين(3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د /حسن كيرة، المرجع السابق، ص 277 .
(2) د/ عبد الرزاق السنهوري ، المرجع السابق، ص 1258 .
(3) نفس المرجع، 1205و 1206.
كما يشير نص هذه المادة إلى حالة الإنتفاع بقطيع من المواشي، إذ يترتب عليه أن تكون للمنتفع ثمار هذا القطيع من الألبان والأصواف، ويكون له زيادة على ذلك نتاج هذا القطيع، إلاّ أن هذا النتاج لا يخلص له كاملا بل عليه أوّلا أن يعوّض ما هلك من القطيع بسبب حادث مفاجئ أو قوة قاهرة حتى يستكمل القطيع عدده.
وهذا يدّل على أن النتاج مندمج في مجموع القطيع، فلا يشترط أن يكون التعويض من النتاج الباقي بعدما تم هلاكه من الأصل بل يكون أيضا من النتاج الذي وجد من قبل، وحتى من ثمن هذا النتاج إذا كان المنتفع قد تصرف فيه وقت كان أصل القطيع كاملا.(1)
وبمفهوم المخالفة لنص المادة 851 من القانون المدني، إذا كان ما هلك من المواشي لم يكن بسبب حادث مفاجئ و لا قوة قاهرة أي كان بسبب خطأ الغير كان هذا الغير مسؤولا عن التعويض، وإذا كان راجعا إلى خطأ المنتفع نفسه كان هو المسؤول عن التعويض كاملا – وهذا تطبيقا للقواعد العامة في المسئولية التقصيرية – و لو زاد ما هلك عن مقدار النتاج.
ثانيا : الإلتزامات المترتبة أثناء ممارسة الإنتفاع .
العلاقة بين المنتفع ومالك الرقبة تفرضها طبيعة موضوع حق الإنتفاع مع احتفاظ كل منهما باستقلالية في ممارسة حقه في إطار القانون، والإلتزامات التي تقع على عاتق المنتفع عند مباشرته لحق الإنتفاع مصدرها استلامه للشيء المنتفع به ووجوب ردّه لمالك الرقبة عند انتهاء حقه، وهي مقابل الحقوق التي يتمتع بها. وقد أورد المشرع هذه الإلتزامات في المواد من 847 إلى850 من القانون المدني، وهي كالأتي:
1- إستعمال الشيء المنتفع به بحسب ما أعد له وإداراته إدارة حسنة :
تنص المادة 847 من القانون المدني في فقرتها الأولى: " على المنتفع أن يستعمل الشيء بحالته التي تسلمه بها وبحسب ما أعد له وأن يديره إدارة حسنة."
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، 1232.
أ- إستعمال الشيء بحسب ما أعد له :
يستلم المنتفع الشيء المنتفع به بالحالة التي يكون عليها وقت بداية الإنتفاع، وليس له أن يلزم مالك الرقبة بأن يسلّمه إياه في حالة حسنة إلاّ إذا تعهّد هذا الأخير بذلك تعهّدا خاصا.(1) ومتى تسلّم المنتفع الشيء على هذه الحالة، وجب عليه أن يستعمله و يستغله وفقا لما أعد له بحسب طبيعته و الغاية التي أعد من أجلها، فلا يحق له الخروج عن الغرض الذي خصص له الشيء، وعليه التقيّد في مباشرة حقه بطريقة ووجهة الإنتفاع التي كانت متّبعة من طرف مالك الرقبة في الإستعمال و الإستغلال.(2)
فإذا كان الشيء المنتفع به خاضعا لتخصيص معين، وجب على المنتفع التقيّد به دون سواه، فإذا كان دارا معدّة للسكن لم يسغ للمنتفع تحويلها إلى محل تجاري أو مخزن بضائع ويجوز له أن يسكنها بنفسه أو أن يؤجّرها للسكن ولو كان مالك الرقبة قد اعتاد سكناها بنفسه مادام ذلك لا يغير مما أعدت له. كذلك إذا كانت العين المنتفع بها مثلا أرضا زراعية أعدت لزراعة الأشجار المثمرة لم يجز للمنتفع تحويلها إلى أرض لزراعة المحصولات العادية، ولكن له أن يصلح الأراضي البور وأن يزرع فيها من المحصولات ما يلائمها على أساس أنها ليست معدّة لغاية معينة، فلا يعدّ ذلك تغييرا في الإستعمال وإنما هو إصلاح وتحسين لها، وفي كل الأحوال يمكن للمنتفع تطوير زراعة الأرض المنتفع بها إلى ما هو أكثر فائدة لكن دائما في حدود الزراعة المعدّة من طرف مالك الرقبة.
والتزام المنتفع باستعمال الشيء بحالته التي تسلّمه بها يقتضي أيضا أنه إذا كانت هناك إصلاحات كان من الواجب إجراؤها من طرف مالك الرقبة عند بداية الإنتفاع و لم يقم بها فلا يلتزم بها المنتفع ولا يكون له مطالبة مالك الرقبة بإنجازها، ويترتب عن ذلك أن المنتفع لا يكون مسؤولا عن هلاك الشيء و لا عن الضرر الذي قد يلحقه جراء عدم القيام بهذه الإصلاحات.(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1247 .
(2) ندين محمد مشموشي، حق الانتفاع ( دراسة مقارنة) ، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية ، 2006، ص 295 و296
(3) نفس المرجع ، ص 307 و308 .
و قد حرص المشرع على وضع حدود لحق المنتفع في ممارسة سلطاته على الشيء المنتفع به، حيث تقتضي المادة 847 من القانون المدني في فقرتها الثانية(1) أنه إذا استعمل المنتفع الشيء في غير ما أعدّ له أو بما لا يتّفق مع طبيعته و تبين أنّ هذا الإستعمال ينطوي على خطر يهدد الرقبة، جاز لمالك الرقبة مطالبة المنتفع بالكفّ عن هذا الإستعمال، و له كذلك أن يطالبه بتقديم تأمينات كتقديم كفيل أو رهن لضمان تعويض ما قد ينجم من الأضرار جراء هذا الإستعمال، فإذا لم يقدّم المنتفع التأمينات المطلوبة، أو استمرّ في سوء استعماله رغم تقديمها، جاز لمالك الرقبة اللجوء للمحكمة من أجل طلب تسليم العين إلى حارس يتولى إدارتها و يعطي الغلة للمنتفع.
و قد ترك المشرّع- حسب مفهوم المادة 847 المذكورة أعلاه - السلطة التقديرية للقاضي على ضوء خطورة الظروف فإذا رأى أنّ سوء الإستغلال قد بلغ درجة من الخطورة بحيث يستوجب إجراء أشد، حكم بانتهاء حق الإنتفاع أي إسقاطه دون توفّر حالات انتهائه.
فللمالك إذن أن يطلب من القاضي إنهاء حق الإنتفاع و ردّ الشيء المنتفع به إليه دون أن يخلّ ذلك بحقوق الغير، و هم الذين تعامل معهم المنتفع دون علمهم بأنه قد تجاوز حدود الإنتفاع المخول له، كالدائن المرتهن و المستأجر. فالأصل أن المنتفع يتقيد في استعماله للشيء بالشروط الواردة في سند إنشاء حق الإنتفاع فيكون له عين ما تقرّر له أو ما دونه و ليس له أن يتجاوز القيد المشروط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة 847 فقرة 2 من الفانون المدني: " و للمالك أن يعترض على أي استعمال غير مشروع أو غير متفق مع طبيعة الشيء. فإذا أثبت أن حقوقه في خطر جاز له أن يطالب بتقديم تأمينات فإن لم يقدمها المنتفع أو استمر على الرغم من اعتراض المالك في استعمال الشيء استعمالا غير مشروع أو غير متفق مع طبيعة الشيء فللقاضي أن ينزع العين من تحت يده و أن يسلمها إلى الغير ليتولى إدارتها بل له تبعا لخطورة الحال أن يقرر انتهاء حق الإنتفاع دون إخلال بحقوق الغير. "
ب- إدارة الشيء إدارة حسنة:
يعنى المنتفع أثناء استعماله و استغلاله للشيء المنتفع به بإدارته إدارة حسنة، فيبذل في سبيل ذلك عناية الرجل العادي، و لا يجوز له النزول عن هذا القدر من العناية و لو كان مالك الرقبة نفسه ينزل عنه في إدارة شؤونه. فإذا كان الشيء المنتفع به محلاّ تجاريا وجب عليه أن يحسن إدارته، و إذا كان أرضا زراعية وجب عليه أن لا يتركها بورا وأن لا ينهكها بالزراعة.(1)
و الإدارة الحسنة تقتضي حفظ جوهر الشيء و بقاءه على الشكل الذي سلّم به غير أنه يجوز للمنتفع إحداث تغييرات عرضية عليه - دون أن يسبب تعديلا في جوهره - إذا كانت تعود عليه بفائدة كبيرة، على شرط أن يعيد الشيء إلى أصله إذا طلب منه المالك ذلك.(2)
وقد اعتبرت المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 11/07/ 1995، أنّ صاحب حق الإنتفاع بمحل تجاري يملك حق الإستعمال وحق الإستغلال ويجب عليه احترام قواعد حسن الإدارة وله حق إدارة المحل وقبض الإيجار، وبالتالي له كامل الصلاحية و الحق في إنهاء عقد الإيجار و توجيه التنبيه بالإخلاء للمستأجر ولا يجوز لهذا الأخير أن يحرمه من حقه في استرجاع المحل مقابل تعويضه طبقا للقانون.(3)
2- تحمل تكاليف صيانة الشيء و التكاليف المعتادة :
تنص المادة 848 من القانون المدني على أنه " يلزم المنتفع أثناء انتفاعه بكل ما يعرض على العين المنتفع بها من التكاليف المعتادة وبكل النفقات التي تقتضيها أعمال الصيانة.
أما التكاليف غير المعتادة والإصلاحات الجسيمة التي لم تنشأ عن خطأ المنتفع فإنها تكون على المالك ويلتزم بأن يؤدي للمالك فوائد ما أنفقه في ذلك، وإذا كان المنتفع هو الذي قام بالإنفاق، كان له استرداد رأس المال عند انتهاء حق الانتفاع."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1248.
(2) ندين محمد مشموشي، المرجع السابق، ص 314 و 315.
(3) القرار رقم 136789، المؤرخ في 11/07/ 1995، الإجتهاد القضائي للغرفة التجارية والبحرية لسنة 1999، عدد خاص، ص 108. ( الملحق رقم 05 )
يفهم من هذا النص أن المنتفع ملزم بصيانة الشيء المنتفع به وبكل النفقات التي تقتضيها هذه الصيانة وبكل التكاليف المعتادة الأخرى، أما التكاليف غير المعتادة وتكاليف الإصلاحات الجسيمة فيتحملها مالك الرقبة ويلتزم المنتفع بدفع فوائد هذه التكاليف طيلة مدة الإنتفاع.
أ- أعمال الصيانة: لم يحدّد المشرع الجزائري صراحة المقصود بأعمال الصيانة، لذلك نرجع إلى الفقه الفرنسي الذي يرى أنها تلك الأعمال و الترميمات التي تهدف إلى صيانة الشيء بشكل يمكّن المنتفع من ردّ هذا الشيء إلى مالكه عند انتهاء حق الإنتفاع بالحالة التي تسلّمه بها عند بدايته.(1)
وأعمال الصيانة هي أعمال عادية تؤخذ نفقاتها عادة من ثمار الشيء التي تعود للمنتفع، ويحق للمالك أن يجبره على القيام بها كإصلاح الأبواب و النوافذ، أو تصليح دواليب السيارة... الخ.(2)
وطالما أن التزام مالك الرقبة التزام سلبي يتمثل في ترك العين المنتفع بها للمنتفع فحسب، فيكون من قبيل أعمال الصيانة التي يلتزم المنتفع بالقيام بها الترميمات الضرورية التي لا تمس بأصل الشيء وإنما تمس بالإنتفاع بالشيء، فمن مصلحة المنتفع أن يحفظه ويصونه لأنه هو المنتفع به.(3)
و يستشف من خلال عبارة " يلزم المنتفع أثناء انتفاعه " الواردة في المادة 848 أعلاه، أن المنتفع لا يلزم إلاّ بالإصلاحات التي تعتبر ضرورية من وقت افتتاح الإنتفاع، و ليس تلك اللازمة وقت نشوء الحق حتى لو ترتب عن عدم القيام بها تعذّر المحافظة على الشيء. و لا يلزم مالك الرقبة بالقيام بها، و السبب في ذلك أن المنتفع يأخذ الأشياء بالحالة التي تكون عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
Encyclopédie juridique DALLOZ,op.cit ,p 25.(1)
(2) ندين محمد مشموشي، المرجع السابق، ص 319.
(3) د/ بن رقية بن يوسف، محاضرات في القانون المدني( الحقوق العينية الأصلية و التبعية)،المرجع السابق.
ب- التكاليف المعتادة : هي كل التكاليف التي يتحملها المنتفع باعتباره ملتزما بصيانة الشيء المنتفع به و إدارته، فتشمل كل تكاليف الصيانة و الإدارة لأنها ضرورية لحصول المنتفع على الثمار، كما تعتبر من التكاليف المعتادة التي يتحمّلها المنتفع وحده، الضرائب و الرسوم المفروضة على الشيء المنتفع به. و يجوز الإتفاق على أن يتحمّل مالك الرقبة كل هذه التكاليف أو بعضها.(1)
ج- التكاليف غير المعتادة : و هي تلك التي لها اتصال مباشر برقبة العين المنتفع بها،و التي يتحملّها مالك الرقبة وحده من أجل المحافظة على ملكه، على أن يتحّمل المنتفع فوائدها طيلة مدة الإنتفاع. و يعتبر من التكاليف غير المعتادة مصاريف الترميمات التي تهدف إلى المحافظة على سلامة الشيء كتقوية أساسات البناء، و الإصلاحات الجسيمة كإصلاح الجدران الرئيسية، و الأعمدة و السقف.(2)
و القاعدة العامة في هذا النوع من التكاليف حسب المادة 848 المذكورة سابقا، أن المنتفع هو من يتحمّلها إذا كانت قد نشأت بسبب خطئه، و إلاّ فإن مالك الرقبة هو الذي يتحمّلها، و ليس معنى هذا أنه ملزم بها فليس من حق المنتفع و لا مالك الرقبة إجبار الآخر على القيام بهذه النفقات أو منعه من القيام بها.
لكن لما كانت التكاليف غير المعتادة تقتضي التضحية بجزء من رأس المال بحيث لا تؤخذ من إيراد الشيء أو ثماره، فإنه يتحملها في الأصل مالك الرقبة، و من جهة أخرى تعود بالنفع على المنتفع، فيجب عليه أن يشارك فيها بنصيب يقابل هذا النفع.(3)
على هذا الأساس جاء المبدأ العام في المادة 848 على أنه يتحمل مالك الرقبة هذه التكاليف و يدفع له المنتفع فوائدها، أو يتحمّلها هو حتى يستكمل انتفاعه بالعين و يسترد رأس المال من مالك الرقبة عند انتهاء حق الإنتفاع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1250 و1251.
(2) Gérard CORNU, op.cit, p 514.
(3) د /حسن كيرة، المرجع السابق، ص 280.
3- المحافظة على الشيء المنتفع به و المسؤولية عن هلاكه :
تنص المادة 849 من القانون المدني على أنه: " يجب على المنتفع أن يبذل من العناية في المحافظة على الشيء ما يبذله الشخص العادي، و هو مسؤول عن هلاك الشيء و لو بسبب لا ينسب إليه إن تأخر عن رده إلى مالكه بعد انتهاء حق الإنتفاع. "
إلتزام المنتفع بالمحافظة على العين المنتفع بها إلتزام ببذل عناية، حيث يكون مطالبا فيه ببذل عناية الرجل العادي أثناء القيام به، سواء كان حق الإنتفاع بعوض او بغير عوض، فالخطأ الذي يسأل عنه المنتفع هو الإنحراف عن السلوك العادي للرجل العادي في المحافظة على الشيء.
و على ذلك إذا هلك الشيء المنتفع به أو أصابه ضرر، كان على مالك الرقبة أن يثبت أن هذا الهلاك أو الضرر راجع لخطأ المنتفع، و ذلك بإقامة الدليل على أنه لم يبذل القدر الكافي من العناية في المحافظة على الشيء، فإذا أثبت ذلك قامت مسؤولية المنتفع عن جميع الأضرار التي لحقت مالك الرقبة من جراء هلاك الشيء أو تلفه، و في كل الأحوال تقوم مسؤوليته هذه متى انتهى حق الإنتفاع و بقي الشيء في حوزته فهلك في يده و لو كان الهلاك لسبب لا ينسب إليه، أي كان لسبب أجنبي كقوة قاهرة أو خطأ الغير أو حادث مفاجئ، و الخطأ المرتب لمسئوليته هنا هو تأخره في رد الشيء إلى مالك الرقبة بعد انتهاء حقه.
و الأعمال التي ترمي إلى المحافظة على العين المنتفع بها - التي يجب على المنتفع القيام بها - هي إما أعمال سلبية أو أعمال إيجابية. أما الأعمال السلبية فهي امتناع المنتفع عن القيام بأي عمل قد يؤدي إلى إحداث تلف في العين المنتفع بها أو الإنقاص من قيمتها، كأن ينزع أجزاء منها أو يخرّبها، و إذا كانت أرضا زراعية بأن ينهكها بزراعة لا تلائمها لكي تذر عليه ربحا أكثر.(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ندين محمد مشموشي، المرجع السابق، ص 317.
و أما الأعمال الإيجابية نستخلصها من مفهوم نص المادة 850 من القانون المدني.(1) حيث ينبغي على المنتفع أن يبادر إلى إعلام مالك الرقبة إذا هلك الشيء المنتفع به أو تلف لسبب أجنبي أو بسبب القدم أو احتاج إلى إصلاحات جسيمة أو تعرّض الشيء لخطر غير متوقع، كأن يتعرّض للسرقة أو للاستيلاء عليه من طرف الإدارة ولو مؤقتا. كما يخطر مالك الرقبة بكل ما يعترض العين من أخطار مما يلزم أن يواجهه بنفسه، كأن يدّعي أجنبي حقا على الشيء كحق الملكية مثلا، فيتعرّض للمنتفع في حيازته أو ينزعها منه، فدعوى الإستحقاق هي من حق المالك وحده، لذلك وجب إعلامه بذلك حتى يتدخل في الوقت المناسب.
كما يعدّ من الأعمال التي من شأنها المحافظة على الشيء المنتفع به، أن يقوم المنتفع بتجديد التأمين و دفع أقساطه طيلة مدة الإنتفاع إذا كان مالك الرقبة قد أمّن على هذا الشيء، و من هذه الأعمال أيضا تجديد قيد الرهن الذي يضمن الوفاء بحق يشمله الإنتفاع، و قطع مدة تقادم الحق الذي يشمله الإنتفاع إذا كان مهددا بالسقوط فيطالب المدين به.(2)
ثالثا : إلتزامات المنتفع عند انتهاء الإنتفاع.
ينتهي حق الانتفاع حسب المواد 852 و 853 و 854 من القانون المدني، بانقضاء مدة الإنتفاع، أو بوفاة المنتفع، أو بهلاك الشيء المنتفع به، كما ينتهي بعدم استعماله مدّة 15 سنة، و يترتب على انتهائه أن يلتزم المنتفع أو ورثته بردّ العين المنتفع بها إلى مالك الرقبة لتعود إليه ملكيتها كاملة. و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام يدور حول مصير الإنشاءات و التحسينات التي أدخلها المنتفع على الشيء أثناء فترة انتفاعه، و كذا المبالغ التي أنفقها عليه، لهذا نبيّن أوّلا مضمون التزام المنتفع بردّ الشيء إلى مالكه، ثم نتطرق إلى ما قرره المشرع في تصفية العلاقة بين الطرفين عند إدخال تحسينات على الشيء أو بذل نفقات عليه أو إقامة الزرع على الأرض المنتفع بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة 850 من القانون المدني " إذا هلك الشيء أو تلف أو احتاج إلى إصلاحات كبرى مما يجب على المالك أن يتحمل نفقاته أو احتاج إلى اتخاذ إجراء يقيه من خطر غير متوقع فعلى المنتفع أن يبادر بإخطار المالك و عليه إخطاره أيضا إذا ادعى أجنبي بحق على الشيء نفسه. "
(2) ندين محمد مشموشي، المرجع السابق، ص 318.
1- ردّ الشيء المنتفع به إلى مالك الرقبة :
يجب على المنتفع ردّ العين إلى مالكها بنفس الحالة التي تسلمها بها، أو ردّ مثلها أو ما يعادل قيمتها نقدا وقت ردّها إذا كانت هذه العين شيئا قابلا للاستهلاك.
و يجب على المنتفع أن يردّ الشيء المنتفع به كاملا، فإذا أصابه نقص في مساحته مثلا إذا كان عقارا، أو في مقداره كان مسؤولا عن ذلك، كما ينبغي عليه أن يردّ ما تسلّمه من ملحقاته. و إذا اختلف الطرفين حول مقدار الشيء أو ملحقاته وجب الرجوع إلى محضر الجرد الذي تم تحريره قبل مباشرة الإنتفاع إن وجد، إذ من خلاله يتبين مدى الوفاء بهذا الالتزام.(1)
و يترتب عن التزام المنتفع بردّ الشيء نفسه و على الحالة التي تسلمه بها وقت بدأ الإنتفاع، النتيجتين التاليتين:
· إذا تبيّن أن الشيء به نقص أو عيب أو تغيير، كان المنتفع في هذه الحالة أيضا مسؤولا عمّا أصاب مالك الرقبة من ضرر جراء ذلك، و لأجل نفي المسئولية عنه عليه أن يثبت أنه بذل عناية الشخص العادي في المحافظة على الشيء، و هذا تطبيقا لنص المادة 849 من القانون المدني المذكورة سابقا.
· إذا تأخر المنتفع في ردّ الشيء بعد انتهاء حق الإنتفاع و هلك عنده، يكون مسؤولا عن هذا الهلاك و لو كان لسبب أجنبي، كما سبق و أن بيّناه آنفا.
أما فيما يخص طريقة ردّ العين المنتفع بها إلى مالكها، فلم يرد النص عليها في المواد المتعلقة بحق الإنتفاع، لذلك نرجع إلى القواعد العامة التي تحكم هذه المسألة إذ نرى أنه يمكن القياس على كيفية تسليم الشيء المبيع في المواد 367 و ما بعدها من القانون المدني. فقد يكون رد الشيء المنتفع به ماديا، بوضعه تحت تصرف مالك الرقبة، أي بتمكينه من حيازته و الإنتفاع به بدون عائق، و يكفي أن يتم إعلامه بذلك و لو لم يستلمه ماديا. و يحصل التسليم بالشكل الذي يتفق مع طبيعة العين، فردّ المسكن أو المحل يكون بتسليم مفاتيحه، و ردّ الأرض الزراعية يتم بإخلائها من الآلات و المواشي مثلا، و ردّ المنقول يكون بتسليمه يدا بيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit , p 34 .(1)
و قد يكون ردّ الشيء حكميا، كما لو أنشأ مالك الرقبة حق انتفاع جديد بعد انتهاء حق الإنتفاع الأول، فيسلّم المنتفع الأول العين إلى المنتفع الجديد.
أما نفقات ردّ الشيء المنتفع به فيتحمّلها المنتفع بصفته هو المدين بالتسليم.(1)
و تجدر الإشارة إلى الإستثناء الوارد على التزام المنتفع بردّ الشيء المنتفع به فور انتهاء حقه، الذي يمكن استخلاصه من نص المادة 852 من القانون المدني بقولها: " و إذا كانت الأرض المنتفع بها مشغولة عند انقضاء الأجل أو عند موت المنتفع، بزرع قائم أبقيت للمنتفع أو لورثته إلى حين إدراك الزرع بشرط أن يدفعوا أجرة إيجار الأرض عن هذه الفترة من الزمن. " إذا يفهم من ذلك أن مالك الرقبة لا يسترد العين المنتفع بها من المنتفع أو ورثته رغم انتهاء حق الإنتفاع، إذا كانت أرضا زراعية و كانت مشغولة بزرع قائم عند انتهائه، فيحتفظ المنتفع أو ورثته بها إلى حين جني هذا الزرع و ذلك على سبيل الإيجار و ليس على سبيل الإنتفاع كما تم ذكره سابقا.
2- المبالغ التي يستردّها المنتفع من المالك لقاء النفقات المقدمة من قبله :
سبق وأن قلنا أنّ هناك مبالغ قد ينفقها المنتفع على الشيء المنتفع به ويستردّها من مالك الرقبة عند انتهاء حق الإنتفاع، وهي تلك الوارد ذكرها في الفقرة الثانية من المادة 848 من القانون المدني التي تتمثل في التكاليف غير المعتادة و الإصلاحات الجسيمة التي لم تنشأ عن خطأ المنتفع.
و قد يدخل المنتفع تحسينات على العين المنتفع بها كتجميل البناء أو طلائه أو تغطية الأرض أو إصلاحها. السؤال المطروح هنا من يتحمّل نفقات هذه التحسينات؟.
لم يجب المشرع عن هذا السؤال لذلك بالرجوع إلى موقف القانون الفرنسي في هذه المسألة نجد أنه لا يحق للمنتفع أن يحصل من المالك على أي تعويض في مقابل ذلك و لو كان من شأنها أن تزيد في قيمة الشيء(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ندين محمد مشموشي، المرجع السابق، ص 367.
(2) المادة 599 من القانون المدني الفرنسي، أنظر، ندين محمد مشموشي، المرجع السابق ص 380.
3- مصير المنشآت و الغراس التي يقيمها المنتفع :
لم يرد النص في القانون المدني على هذه الحالة في الأحكام المتعلقة بحق الإنتفاع
لذلك نرجع الى القواعد العامة في الإلتصاق التي تحكمها المواد من 782 إلى 787 من القانون المدني، فإذا أقام المنتفع منشآت أو غراسا بحسن نية أو بترخيص من مالك الرقبة فإنه تسري عليه أحكام المواد 785 و 786 و 787 ومن ثمة يتملّك هذا الأخير هذه المنشآت أو الغراس بالإلتصاق، ولا يجوز له أن يطلب إزالتها وعليه أن يدفع للمنتفع قيمة المواد و أجرة العمل أو مبلغا يساوي ما زاد في قيمة الأرض بسببها ما لم يطلب المنتفع إزالتها.
أما إذا كان المنتفع سيء النية، و أقام المنشآت والغراس بدون رضاء مالك الرقبة فإنه طبقا للمادة 784، يجوز لهذا الأخير أن يطلب إزالة هذه المنشآت و الغراس على نفقة المنتفع مع التعويض عن الضرر إذا اقتضى الحال ذلك. كما له – أي مالك الرقبة – أن يطلب استبقاءها فيتملّكها بذلك مقابل دفع قيمتها أو قيمتها في حالة الهدم أو دفع مبلغ يساوي ما زاد في ثمن الأرض بسبب وجود هذه المنشآت أو الغراس ويجوز كذلك للمنتفع أن يطلب نزعها إذا كان ذلك لا يلحق ضررا بالأرض إلاّ اذا اختار مالك الرقبة استبقاءها.
المطلب الثاني : آثار حق الإنتفاع بالنسبة لمالك الرقبة.
نتيجة للإلتزامات -التي سبق بيانها- المترتبة في ذمة المنتفع تنشأ حقوق لمالك الرقبة، فله وحده حق التصرف في الشيء، إذ أنه لم يتخلّ لصالح المنتفع سوى عن إدارته له. وله إلى جانب ذلك حقوق أخرى يقابلها التزامه باحترام العلاقة التعاقدية التي تربطه بالمنتفع، فيمنع عليه عرقلة انتفاعه بالشيء عند ممارسة سلطاته لهذا نقسم هذا المطلب إلى فرعين الفرع الأول حقوق مالك الرقبة ، والفرع الثاني التزامات مالك الرقبة.
الفرع الأول : حقوق مالك الرقبة .
تتمثل أهم الحقوق التي تثبت لمالك الرقبة في حق التصرف في الشيء وفقا لما تقتضيه مصلحته و الحصول على منتجاته، وحقه في إلزام المنتفع بتنفيذ التزاماته لاسيما إلزامه بإدارة الشيء وفقا للإستعمال المعدّ له و المتفق عليه بموجب السند المنشئ لحق الإنتفاع، كما له الحق في مباشرة الدعاوى المتعلقة بالرقبة والتي تحمي حقه عند تعسف المنتفع وتجاوزه للحقوق الممنوحة له، و سوف لن نتطرق لهذا الحق في هذا المقام، بل سنتولى بيانه في المطلب الثالث في إطار دراسة الدعاوى المترتبة عن حق الإنتفاع.
أولا : حق التصرف في الرقبة.
يحق لمالك الرقبة أن يتصرف في الرقبة تصرّف المالك بشرط أن لا يلحق هذا التصرف ضررا بانتفاع المنتفع بالعين، فله أن يبيع الرقبة أو يقايض عليها أو يهبها أو يوصي بها أو يقدمها كحصة في شركة أو كمقابل لوفاء دين في ذمته(1). فتنتقل بهذا التصرف جميع حقوق المالك السابق إلى مالك الرقبة الجديد، وتستمر حقوق المنتفع على حالها بدون تغيير.
ويحق لمالك الرقبة أيضا أن يقرر على الشيء ما يشاء من الحقوق متى كانت تصرفاته لا تنشأ عنها عرقلة للمنتفع في انتفاعه أو إنقاص منه. كأن يقرر على العقار المنتفع به حق ارتفاق، لكن إذا كان استعمال هذا الحق يتعارض مع حق المنتفع أو نشأ عنه نقصان في المنفعة فلا يجوز استعماله من قبل مالك العقار المرتفق(2)مادام حق الإنتفاع قائما.
كما لمالك الرقبة في العقار أن يرتب عليها رهنا رسميا ولكن ليس له ان يرهنها رهنا حيازيا لأن هذا النوع من الرهون يقتضي وضع العين تحت يد الدائن المرتهن، وهذا يتعارض مع حق المنتفع.
ولدائني مالك الرقبة أن يأخذوا على الرقبة حق تخصيص، كما له – مالك الرقبة – أن يرتب في العقار أو المنقول المنتفع به حق امتياز على الرقبة لاستيفاء ثمنها، فيكون للدائن أن يبيع الرقبة استيفاء لحقه، ويكون للراسي عليه المزاد العلني نفس حقوق مالك الرقبة ويصبح مالكا للعين ملكية تامة بعد انتهاء حق الإنتفاع(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1261.
(2) د/ محمد كامل مرسي باشا، المرجع السابق، ص 396.
(3) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1261.
ويمكن أن ينصب التصرف على الملكية التامة للشيء إذا أجاز المنتفع ذلك، فيكون لمالك الرقبة من مبلغ البيع قدر قيمة الرقبة فقط، و المنتفع يأخذ قيمة حق الإنتفاع.(1).
ثانيا : حق الحصول على منتجات الشيء دون ثماره.
ذكرنا أن حق المنتفع فيما ينتجه الشيء المنتفع به يقتصر على الثمار فقط طبقا للمادة 846 من القانون المدني، ومنه فما ينتجه الشيء من غير الثمار يكون لمالك الرقبة. ومثال ذلك إذا كان محل الإنتفاع سهما في شركة وقامت هذه الشركة بشراء أسهم إضافية بجزء من رأس المال وتم توزيعها على المساهمين كانت من حق مالك الرقبة لأنها جزء من رأس المال وليس للمنتفع إلاّ فوائدها.(2)
ثالثا : الحق في إلزام المنتفع بتنفيذ التزاماته.
إن الحق في مراقبة الشيء المنتفع به المعترف به لمالك الرقبة يسمح له بإلزام المنتفع بالمحافظة عليه، ويمكنه في هذا الإطار مطالبة المنتفع بإجراء تدابير تحفظية أو إصلاح الضرر الحاصل، وله في سبيل ذلك اللجوء إلى القضاء، ومباشرة مختلف الدعاوى التي هي موضوع المطلب الثالث كما سنراه لاحقا.
الفرع الثاني : إلتزامات مالك الرقبة.
لا تترتب في ذمة مالك الرقبة التزامات شخصية اتجاه المنتفع، ذلك لأن حق المنتفع على الشيء يعطيه سلطة مباشرة عليه فلا يحتاج إلى تدخل مالك الرقبة في استعماله إذ ينتفع بالشيء مباشرة، طبقا لما يخوله القانون من حقوق.
و استثناء قد يحصل أن يلتزم مالك الرقبة تجاه المنتفع بالتزام شخصي، ليس بموجب
حق الإنتفاع وإنما بموجب العقد المنشئ لهذا الحق .(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit , p 29.
(2) ندين محمد مشموشي، المرجع السابق، ص 331.
(3) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 1264.
أولا : الإلتزام بعدم المساس بحقوق المنتفع .
القاعدة العامة أنه لا يحق لمالك الرقبة أن يقوم بأي عمل قد يؤدي إلى تعطيل أو إنقاص حق المنتفع، وذلك راجع لكون هذا الأخير يملك حقا عينيا يجب احترامه من قبل الكافة بما فيهم مالك الرقبة.
ويرد على هذه القاعدة قيد بالنسبة للأعمال التي تستلزمها المحافظة على سلامة الشيء المنتفع به، حيث لا يمكن للمنتفع منع مالك الرقبة من مباشرتها حتى ولو أدّت إلى الإنقاص من حق الإنتفاع أو تعطليه، فله القيام بالإصلاحات الجسيمة على الشيء ولو لم يوافق المنتفع عليها وحتى لو أدت إلى حرمانه من الإنتفاع بالشيء خلال المدة اللازمة للقيام بها. و لا يلزم مالك الرقبة بتعويضه عن هذه المدة لأن الشيء ملك له وتعنيه مباشرة المحافظة على سلامته(1).
ثانيا :الإلتزام بنفقات الإصلاحات الكبرى.
يستشف هذا الإلتزام من مفهوم نص المادة 850 من القانون المدني في قولها " إذا هلك الشيء أو تلف أو احتاج إلى إصلاحات كبرى مما يجب على المالك أن يتحمل نفقاته... ".
فمالك الرقبة ملزم بنفقات الإصلاحات الكبرى، وهي التي يتوقف انتفاع المنتفع بالعين على القيام بها حتى لا تهلك سواء كانت عقارا أو منقولا(2)
المطلب الثالث : الدعاوى المترتبة عن حق الإنتفاع
من أهم الحقوق التي يخولها القانون لكل من مالك الرقبة والمنتفع، حق مباشرة الدعاوي التي تحمي حقوق كل منهما في مواجهة بعضهما البعض، وفي مواجهة الغير الذي يتعرض لهذه الحقوق. وسنتولى بيان مختلف هذه الدعاوى التي يملك الطرفين إقامتها أمام المحاكم من خلال فرعين، الفرع الأول نتناول فيه الدعاوى التي يملكها المنتفع، ونتناول في الفرع الثاني الدعاوى التي يملكها مالك الرقبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص1264.
(2) ندين محمد مشموشي، المرجع السابق، ص 333.
الفرع الأول : دعاوى المنتفع
للمنتفع أن يرفع الدعاوى التي تحمي حقه في الانتفاع ويمكن أن نقسّمها إلى دعاوى عينية ودعاوى شخصية على النحو الآتي:
أولا : الدعاوى العينية .
للمنتفع أن يرفع عدة دعاوى بصفته صاحب حق عيني:
1- دعوى الإقرار بحق الإنتفاع:
و هي الدعوى التي يمكن أن يباشرها المنتفع ضد كل حائز بدون وجه حق للشيء المنتفع به، يطالبه فيها بتسليمه إيّاه من أجل ممارسة حقه عليه. و هذه الدعوى يحمى بها حق الإنتفاع ذاته وهي تقابل دعوى الإستحقاق في حق الملكية.(1)
وترمي هذه الدعوى العينية إلى حمل المدعى عليه على الإقرار والإعتراف بأن المدعي – المنتفع- هو صاحب حق الإنتفاع الذي يدّعيه. وهي ترفع ضد أي شخص يوجد الشيء المقرر عليه حق الإنتفاع تحت يده سواء كان مالك الرقبة نفسه، أو ورثته، أو أي شخص آخر.(2)
إلاّ أن هذه الدعوى قد لا تنتج أثرها في بعض الأحيان إذا تمسّك الحائز للمنقول محل حق الإنتفاع، بالقاعدة المنصوص عليها في المادة 835 من القانون المدني التي تقتضي أن الحيازة في المنقول سند الحائز.
2- دعاوى الحيازة :
بصفته حائزا للشيء المنتفع به، يملك المنتفع مختلف دعاوى الحيازة ضد كل من يتسبب في اضطراب انتفاعه بالعقار محل حقه، بما فيهم مالك الرقبة نفسه، إذا تعرّض له في حيازته، أو انتزعها منه، أو أقام بأعمال تهدد هذه الحيازة.
وطالما كان المنتفع حائزا عرضيا لحق الملكية لأنه يحوزه لحساب المالك، و حائزا حقيقيا لحق الإنتفاع حيث يحوزه لحساب نفسه، كان له أن يحمي حيازته لهذا الحق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit ,p 12, 13 .
(2) حامد مصطفى، المرجع السابق. ص 198.
بموجب دعاوى الحيازة الثلاث، وهي دعوى استرداد الحيازة ، ودعوى منع التعرض و دعوى وقف الأعمال الجديدة.
أ- دعوى استرداد الحيازة : تنص المادة 817 الفقرة الأولى من القانون المدني على أنه: " يجوز لحائز العقار إذا فقد حيازته أن يطلب خلال السنة التالية لفقدها، ردّها إليه فإذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت انكشاف ذلك..." ويستخلص منها أنه ينبغي على المنتفع في هذه الدعوى أن يثبت أنه كان حائزا للعقار حيازة مستمرة علنية هادئة وغير غامضة، وقت انتزاع الحيازة منه وأن المدعى عليه قد انتزعها منه بالقوة، ويشترط عليه أن يرفعها خلال سنة تسري من يوم انتزاعها إذا تم ذلك علنيا، أو تسري من يوم اكتشاف ذلك أي من يوم علم المنتفع بانتزاع الحيازة منه. ويحكم القاضي في هذه الدعوى إذا توافرت شروطها برد الحيازة إلى المنتفع.
ب- دعوى منع التعّرض : تنص المادة 820 من القانون المدني على انه: " من حاز عقارا أو استمر حائزا له مدة سنة كاملة ثم وقع له تعرّض في حيازته جاز أن يرفع خلال السنة دعوى بمنع التعّرض."
على المنتفع أن يثبت في هذه الدعوى أنه كان حائزا للعقار حيازة خالية من العيوب وقت وقوع التعرض و منذ سنة كاملة، وعليه أن يرفعها خلال سنة من وقت وقوع هذا التعّرض ضد كل من يتعرض له في حيازته، تعرضا ماديا أو قانونيا يتضمن ادعاء يعارض به حيازته.
و الحكم الصادر في هذه الدعوى في حال توافر شروطها، يكون بإبقاء العقار في حيازة المنتفع ومنع التعرض له فيها، وقد يقضي كذلك بإزالة أعمال قد تمت في العقار و إعادة الشيء إلى أصله.(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص 941.
ج- دعوى وقف الأعمال الجديدة : يجوز للمنتفع مباشرة هذه الدعوى متى توفرت شروطها المنصوص عليها في المادة 821 من القانون المدني في فقرتها الأولى حيث جاء فيها أنه: " يجوز لمن حاز عقارا واستمر حائزا له مدة سنة كاملة و خشي لأسباب معقولة التعّرض له من جراء أعمال جديدة تهدد حيازته أن يرفع الأمر إلى القاضي طالبا وقف هذه الأعمال بشرط أن لا تكون قد تمت ولم ينقض عام واحد على البدء في العمل الذي يكون من شأنه أن يحدث الضرر "
ويرفع المنتفع هذه الدعوى ضد كل شخص يباشر أعمالا لم تصل بعد إلى حد تعتبر فيه تعرضا واقعا فعلا على حيازته، بعد أن يثبت أن حيازته خالية من العيوب وقد استمرت سنة كاملة، وذلك خلال سنة من وقت البدء في هذه الأعمال وقبل إتمامها.
وحكم المحكمة في هذه الدعوى لا يكون بإزالة الأعمال الجديدة، بل طبقا للفقرة الثانية من المادة 821 المذكورة أعلاه يكون بوقف هذه الأعمال دون إزالتها، أو باستمرارها، مع جواز الأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون ضمانا للتعويض عن الضرر الناشئ من وقت الحكم بوقف هذه الأعمال إذا صدر حكم نهائي يبين أن الإعتراض على استمرار الأعمال كان على غير أساس، أو تكون ضمانا للمدعي – المنتفع – الذي حكم ضده باستمرار الأعمال الجديدة، و ذلك لإزالتها كلها أو بعضها و التعويض عن الضرر الذي أصابه، إذا صدر حكم نهائي لمصلحته.
3- دعوى تعيين الحدود و دعوى القسمة :
إذا كان حق الإنتفاع شائعا بين المنتفع وبين أشخاص آخرين جاز له أن يرفع دعوى القسمة من أجل إزالة حالة الشيوع. كأن يكون الإنتفاع مثلا مرتبا على محل سكني بين شخصين، فإنه يجوز لكل منهما طلب قسمة هذا الحق، و يكون ذلك بقسمة مهايأة إذا كان الإنتفاع عن طريق السكن وبإيجار الشيء وقسمة أجرته بنسبة نصيب كل واحد منهما في هذا الحق، إذا كان الإنتفاع عن طريق الإستغلال.
كما للمنتفع رفع دعوى تعيين الحدود، طبقا للمادة 703 من القانون المدني، إذا كان محل الإنتفاع عقارا، وكان ملتصقا بملك الجار فيكون له إجبار هذا الأخير على وضع معالم الحدود .
و يجب على المنتفع أن يدخل مالك الرقبة كخصم في هاتين الدعويين وإلاّ فلا يكون الحكم الصادر فيهما حجة على هذا الأخير.(1)
ثانيا : الدعاوى الشخصية .
وتتمثل هذه الدعاوى في الدعوى المتعلقة بحق الإنتفاع ذاته وتسمى بالدعوى الشخصية، ودعاوى أخرى متعلقة بالحقوق التي يتضّمنها حق الإنتفاع وهي كالأتي:
1- الدعوى الشخصية :
يملك المنتفع دعوى شخصية بالتسيلم يستند فيها إلى السند المنشئ لحق الإنتفاع – إذا اكتسب حقه عن طريق التعاقد أو بالوصية – يرفعها ضد منشئ الحق أو ورثته لمطالبته بتسليم الشيء المقرر عليه حق الإنتفاع.
2- دعوى المسؤولية عن المساس بالإنتفاع :
للمنتفع الحق في إقامة هذه الدعوى شخصيا ومباشرة ضد الغير الذي يقوم بأعمال تؤدي إلى تعطيل أو إنقاص انتفاعه بالشيء، وهي ترمي إلى الحكم على هذا الغير المتسبب في الضرر الناتج عن عرقلة الإنتفاع بأن يدفع تعويضا عن هذا الضرر.(2)
وهذا على أساس المسؤولية التقصيرية طبقا للمادة 124 من القانون المدني.
3- الدعاوى المتعلقة بالدين محل حق الإنتفاع :
إذا كان حق الإنتفاع مرتبا على دين وحلّ أجله كان للمنتفع المطالبة بالوفاء بهذا الدين بموجب دعوى يقيمها ضد المدين، وإذا كان هذا الدين مضمونا بأحد التأمينات العينية أو الشخصية، كان له أن يباشر الدعاوى المتعلقة بهذه التأمينات(1)
كما للمنتفع إقامة الدعاوى المتصلة بهذا الدين، إذ لصحاب حق الإنتفاع على ثمن البيع أن يرفع لوحده دعوى فسخ البيع لعدم الوفاء بالثمن. وله أيضا مباشرة دعوى عدم نفاد تصرفات المدين إذا تصرف الشخص المدين بالدين المنتفع به تصرفا مضرا بالمنتفع، كأن يتصرف في ماله غشا فيرفع هذه الدعوى ضده يطلب فيها عدم نفاد هذا التصرف وإعادة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حامد مصطفى، المرجع السابق، ص 198.
(2) Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit ,p 13.
المال المتصرف فيه إلى ذمة المدين، كي يتمكن المنتفع من ممارسة حقه عليه.(2) طبقا للمادة 191 من القانون المدني.
الفرع الثاني : دعاوى مالك الرقبة .
يحتفظ مالك الرقبة بحقه في مباشرة الدعاوى التي يخولها له سنده والمتعلقة بملكية الرقبة، لوحده و دون تدخل المنتفع. وله كذلك ممارسة الدعاوى التي تتعلق بملكية الرقبة وحق الإنتفاع معا، وعليه في هذه الحالة إدخال المنتفع في الخصام كي يكون الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه. كما له المطالبة بالحقوق التي يستطيع التمسك بها قبل المنتفع. ونقسم الدعاوى التي يملكها مالك الرقبة إلى دعاوى ترفع ضد المنتفع ودعاوى ترفع ضد الغير.
أولا : الدعاوى التي يرفعها مالك الرقبة ضد المنتفع.
هي كل الدعاوى المتعلقة بحقوق مالك الرقبة تجاه المنتفع، والناتجة في نفس الوقت عن حقه في إلزام هذا الأخير بتنفيذ التزاماته والمرتبطة أساسا بالمحافظة على الشيء المنتفع به، إذ من حقه القيام بالأعمال المادية الضرورية لحفظ الشيء – على النحو الذي سبق بيانه – فيمكنه في هذا الإطار المطالبة بإجراء تدابير تحفظية وإصلاح الضرر
الحاصل للشيء محل حق الإنتفاع جراء إخلال المنتفع بالتزامه بالمحافظة على هذا الشيء(3)
كما له أيضا اللجوء إلى القضاء من أجل الحصول على التعويض عن هلاك الشيء المنتفع به أو عن الأضرار اللاحقة به متى قامت مسؤولية المنتفع طبقا للأحوال المنصوص عليها في المادة 849 من القانون المدني المذكورة آنفا ضمن التزام المنتفع بالمحافظة على الشيء المنتفع به والمسؤولية عن هلاكه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit ,p13.
(2) د/ عبد الرزاق السنهوري، المرجع السابق، ص1244.
(3) Encyclopédie juridique DALLOZ, op.cit ,p 30.
ولمالك الرقبة أيضا الرجوع على المنتفع إذا تجاوز حقوقه بصفة قد تشكل خطرا على الشيء المنتفع به في المستقبل، أو أساء الإنتفاع أو كان في حالة إعسار. وتختلف الإجراءات التي قد يتخذها القاضي في الدعوى باختلاف الحالات، إذ طبقا للمادة 847 الفقرة 2 من القانون المدني يحق لمالك الرقبة الإعتراض على الإستعمال غير المشروع أو غير المتفق مع طبيعة الشيء المنتفع به، وله حق مطالبة المنتفع بأن يقدم له تأمينات، فإذا لم يقم بتقدميها أو استمر في إساءة الإنتفاع يكون للمحكمة إما الحكم بإجراء تدبير تحفظي بنزع العين من تحت يد المنتفع وتسلميها إلى الغير من أجل إدارتها، وإما أن تحكم بإنهاء حق الإنتفاع إذا اقتضت الضرورة ذلك.
كما نضيف أنه لمالك الرقبة إقامة دعوى ضد المنتفع من أجل إلزامه بتنفيذ التزامه بردّ الشيء المنتفع به عند انتهاء الإنتفاع.
ثانيا : الدعاوى التي يرفعها مالك الرقبة ضد الغير .
هي جميع الدعاوى التي يمكن أن يرفعها كل مالك بهذه الصفة، وهي تلك الدعاوى التي يرفعها مالك الرقبة لإثبات ملكيته أو لإثبات سبب ملكيته.
فللمالك أن يرفع دعوى الإستحقاق سواء كانت العين عقارا أو منقولا، وهي دعوى متعلقة بأصل الحق تقام ضد كل حائز سواء كان حسن النية أو سيء النية، حيث يثبت المالك حقه في الملكية لكي تستحق له العين.
وتشمل دعوى الإستحقاق، دعوى إنكار الحق العيني التي يقيمها مالك العقار ضد من يتمسك بحق انتفاع أو حق ارتفاق على عقاره، حيث ينكر المالك عليه هذا الحق.(1) وله أيضا رفع دعوى الإقرار بحق الإرتفاق ودعوى القسمة ودعوى تعيين الحدود.(2)
كما لمالك الرقبة أيضا الحق في ممارسة دعاوى الحيازة بجميع أنواعها حسب الأحوال طبقا للمواد 817 و 820 و 821 من القانون المدني وهذا بصفته صاحب حق عيني على العقار المنتفع به و الذي تم الإعتداء على حيازته سواء عن طريق إقامة أعمال جديدة عليه أو بتعرض مادي أو قانوني أو انتزعت حيازته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ندين محمد مشموشي، المرجع السابق، ص 255، 256
(2) د/ عبد الرزاق احمد السنهوري، المرجع السابق، ص 1262.
ونشير في نهاية هذا المطلب إلى أنه إذا كان حق الإنتفاع مرتبا على عقار، فإن كل الدعاوى التي يرفعها المنتفع أو مالك الرقبة، والتي يكون موضوعها فسخ أو إبطال أو نقض هذا الحق، يتعين على من يرفعها أن يقوم بإشهارها لدى المحافظة العقارية وذلك تطبيقا لنص المادة 85 من المرسوم رقم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المعدّل بالمرسوم رقم 80/210 المؤرخ في 13/09/1980 المعدّل بالمرسوم التنفيذي رقم 93/123 المؤرخ في 19/05/1993 المتعلق بتأسيس السجل العقاري. حيث تنص على: " إن دعاوى القضاء الرامية إلى النطق بفسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق تم إشهارها، لا يمكن قبولها إلا إذا تم إشهارها مسبقا طبقا للمادة 14- 4 من الأمر رقم 75-74 المؤرخ في 08 ذي القعدة عام 1395 الموافق ل 12 نوفمبر سنة 1975، و المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري، وإذا تم إثبات هذا الإشهار بموجب شهادة من المحافظ أو تقديم نسخة من الطلب الموجود عليه تأشير الإشهار" .
الخاتمة :
في ختام هذه الدراسة يتبين أنه لمّا كان الإنتفاع حقا من الحقوق العينية الأصلية التي تتفرع عن حق الملكية يؤدي إلى تجزئة حق الملكية المتعلق بالشيء بين أكثر من شخص نجد أن القانون قد عمل على تنظيم هذا الحق من حيث اكتسابه و الآثار المترتبة عن قيامه على نحو يساعد على تجنّب المساوئ التي تترتب عن هذه التجزئة أو التضييق من نطاقها، حيث حصر أسباب إكتساب حق الإنتفاع في التعاقد والشفعة و التقادم والقانون والوصية ولم يترك لسلطان إرادة الأشخاص تقرير أسباب أخرى لاكتساب هذا الحق، بل أوجب عليهم التقيد بالحدود التي رسمها القانون.
كما يتبين من خلال الآثار المترتبة عن حق الإنتفاع المنصوص عليها في القانون المدني في إطار العلاقة التي تربط بين مالك الرقبة والمنتفع، أنّ كل ما يظهر من أثرٍ لحق الملكية أثناء سريان الإنتفاع هو ما يملكه مالك الرقبة من تصرفات على الشيء المنتفع به، لكن تصرفاته هذه منقوصة لأن المتصرَف إليه لا ينتفع بالشيء إلا بانقضاء حق الإنتفاع، كما يبدو في مجرد سلطة مالك الرقبة في منع المنتفع من تجاوز الإنتفاع المعتاد، وتحديد إنتفاعه بمنتجات الشيء مما لا يدخل في مفهوم المنفعة، وهذا ما يجعلنا نخلص إلى أنّ حق الملكية يظهر في عناصر حق الإنتفاع أكثر مما يكون في مجرد ملكية الرقبة التي تكاد تكون في الواقع أمرا وهميا.
والملاحظ أنّ المشرع الجزائري تناول أحكام حق الإنتفاع في القانون المدني بصفة موجزة وغير مفصلة واقتصر على إيراد مبادئه الأساسية هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن حق الإنتفاع غير متداول من الناحية العملية، إذ من الناذر في الحياة المدنية الخاصة أن يرتِّب شخص على ماله حق انتفاع لشخص آخر بموجب عقد أو وصية وينذر تبعا لذلك اكتساب هذا الحق عن طريق الشفعة والتقادم مادام ليس موجودا أصلا.
قائمـة المراجـع
* المراجـع الفقهيـة:
المراجــع باللـغة العربيـة:
1- أ / أنور طلبة، الوسيط في القانون المدني: الجزء الثالث،1993
2- د / بن رقية بن يوسف، شرح قانون المستثمرات الفلاحية: الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2001.
3- حامد مصطفى، الملكية العقارية في العراق مع مقارنة مع القانون المدني العربي المصري و السوري، الحقوق العينية الأصلية: الجزء الأول، دار الفكر العربي، 1964.
4- د / حسن كيرة، الموجز في أحكام القانون المدني، الحقوق العينية الأصلية أحكامها و مصادرها: الطبعة الثالثة ،دار الفكر العربي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1994.
5- خلف محمد، قضاء النقض في الملكية: طبعة 1989.
6- أ / رمول خالد، الإطار القانوني و التنظيمي لأملاك الوقف في الجزائر، دراسة مقارنة بأحكام الشريعة الإسلامية مدعمة بأحدث النصوص القانونية و الإجتهادات القضائية: دار هومة، الجزائر، 2004.
7- زهدور محمد، الوصية في القانون المدني الجزائري و الشريعة الإسلامية: المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1993.
8- د / سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني، الجزء الأول.
9- د / شفيق طعمة، التقنين المدني السوري ، نصوص قانونية، أعمال تحضيرية، مذكرات المشروع التمهيدي، إجتهاد قضائي، تعليقات فقهية: الجزء الثامن، الطبعة الثانية
، المكتبة القانونية أديب استانبولي، 1991.
10- أ / قدوج بشير، النظام القانوني للملكية العقارية من خلال النصوص الصادرة من سنة 1962 إلى 2002 مدعم بقرارات المحكمة العليا: الطبعة الثانية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 2004.
11- أ / ليلى زروقي، التقنينات العقارية: الطبعة الثانية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2001.
12- أ / ليلى زروقي، أ / عمر حمدي باشا، المنازعات العقارية: الطبعة الأولى، دار هومة، الجزائر، 2006.
13- د / عبد المنعم فرج الصدة، الملكية في قوانين البلاد العربية: دار الفكر العربي.
14- د /عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، أسباب كسب الملكية مع الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية، حق الإنتفاع، و حق الإرتفاق : المجلد الثاني، رقم 9، الطبعة الثالثة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 1998.
15- أ / عمر بن سعيد، الإجتهاد القضائي وفقا لأحكام القانون المدني: الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2001.
16- د / محمد كامل مرسي باشا، شرح القانون المدني، الحقوق العينية الأصلية، أنواع الملكية، الحقوق المتفرعة عن حق الملكية، الإنتفاع، الإستعمال، السكن، الحكر، الإرتفاق : الجزء الثاني، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2005.
17- مجيد خلوفي، نظام الشهر العقاري في القانون الجزائري: الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 2003.
18- د / محمدي فريدة (زواوي)، المدخل للعلوم القانونية، نظرية الحق CEDOC :0020.
19- د / محمد حسين منصور، الحقوق العينية الأصلية، الملكية و الحقوق العينية المتفرعة عنها: 2003.
20- د / مصطفى محمد الجمال، نظام الملكية: دار الكتاب الحديث، توزيع منشأة المعارف، الإسكندرية.
21- ندين محمد مشموشي، حق الإنتفاع دراسة مقارنة: الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، 2006 .
المراجــع باللغـة الفرنسيـة:
1- Encyclopédie juridique Dalloz, répertoire de droit civil, recueil N°5, Usufruit: tome X, édition Dalloz, 2003.
2- Gérard CORNU, droit civil, introduction, les personnes et les biens: 10 éme édition, montchrestien.
* النصوص القانونية و التنظيمية:
1- الأمر رقم 75-58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني، المعدل و المتمم، وزارة العدل، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الطبعة الرابعة، 2005.
2- الأمر رقم 75-59 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون التجاري، المعدل و المتمم، وزارة العدل، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الطبعة الرابعة، 2005.
3- الأمر رقم 75-74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري.
4- القانون رقم 84-11 المؤرخ في 9 جوان 1984 المتضمن قانون الأسرة،المعدل والمتمم، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الطبعة الرابعة،2005.
5- القانون رقم 87-19 المؤرخ في 08 ديسمبر 1987 المتضمن ضبط كيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية و تحديد حقوق المنتجين وواجباتهم.
6- القانون رقم 90-25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 المتضمن التوجيه العقاري.
7- القانون رقم 91-10 المؤرخ في 27 أفريل 1991، المتعلق بالأوقاف.
8- المرسوم التنفيذي رقم 94-322 المؤرخ في 17 أكتوبر 1994 المتضمن منح الإمتياز في الأراضي التابعة للأملاك الوطنية الواقعة في المناطق الخاصة في إطار ترقية الإستثمار.
9- المرسوم التنفيذي رقم 97-483 المؤرخ في 15 ديسمبر 1997 ، المحدد لكيفيات منح حق امتياز قطع أرضية من الأملاك الوطنية الخاصة التابعة للدولة في المساحات الإستصلاحية و أعبائه و شروطه.
* المحـاضـرات:
د / بن رقية بن يوسف، محاضرات في القانون المدني، الحقوق العينية الأصلية و التبعية، ألقيت على طلبة الدفعة 17 السنة الأولى ،المدرسة العليا للقضاء، 2006-2007 .
* المجلات القضائية:
1- المجلة القضائية لسنة 1992، العدد الثالث، قسم الوثائق بالمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية.
2- المجلة القضائية لسنة 1997، العدد الثاني، قسم الوثائق بالمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية.
3- المجلة القضائية لسنة 2000، العدد الثاني، قسم الوثائق بالمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية،2001.
4- الإجتهاد القضائي للغرفة التجارية و البحرية، عدد خاص، قسم الوثائق بالمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، 1999.
5- الإجتهاد القضائي للغرفة العقارية، الجزء الثاني، قسم الوثائق، 2004.
الفـهـرس
المقدمة ....................................................................................................1
المبحث الأول: إكتساب حق الإنتفاع .......................................................3
المطلب الأول: التصرفات القانونية .........................................................3
الفرع الأول: التعاقد...................................................................................4
الفرع الثاني: الوصية.................................................................................6
المطلب الثاني: الشفعة والتقادم ..............................................................8
الفرع الأول: الشفعة .................................................................................8
أولا: شفعة مالك الرقبة إذا بيع حق الإنتفاع المناسب للرقبة................................9
ثانيا: شفعة الشريك على الشيوع في حق الإنتفاع.............................................10
الفرع الثاني: التقادم ..................................................................................12
أولا: التقادم المكسب الطويل ........................................................................13
ثانيا: التقادم المكسب القصير........................................................................14
ثالثا: الحيازة ...........................................................................................17
المطلب الثالث: القانون...........................................................................20
الفرع الأول: القوانين المتعلقة بالأملاك الوطنية................................................20
الفرع الثاني: القانون المتعلق بالأملاك الوقفية.................................................22
المبحث الثاني: الآثار المترتبة عن قيام حق الإنتفاع...................................23
المطلب الأول: آثار حق الإنتفاع بالنسبة للمنتفع.........................................24
الفرع الأول: حقوق المنتفع.............................................................................24
أولا: حق استعمال العين المنتفع بها واستغلالها ................................................24
1- حق المنتفع في استعمال العين المنتفع بها......................................................24
2- حق المنتفع في استغلال العين المنتفع بها......................................................25
ثانيا: سلطات المنتفع على العين المنتفع بها......................................................27
1- أعمال الإدارة..........................................................................................28
2- أعمال التصرف.......................................................................................31
الفرع الثاني : التزامات المنتفع ......................................................................34
أوّلا : الإلتزامات السابقة على مباشرة الإنتفاع...................................................34
1- جرد المنقول ......................................................................................... 34
2- تقديم الكفالة ...........................................................................................35
ثانيا : الإلتزامات المترتبة أثناء ممارسة الإنتفاع ..............................................37
1- إستعمال الشيء المنتفع به بحسب ما أعد له وإداراته إدارة حسنة.......................37
2- تحمل تكاليف صيانة الشيء و التكاليف المعتادة ............................................40
3- المحافظة على الشيء المنتفع به و المسؤولية عن هلاكه..................................43
ثالثا : إلتزامات المنتفع عند انتهاء الإنتفاع........................................................44
1- ردّ الشيء المنتفع به إلى مالك الرقبة...........................................................45
2- المبالغ التي يستردّها المنتفع من المالك لقاء النفقات المقدمة من قبله...................46
3- مصير المنشآت و الغِراس التي يقيمها المنتفع................................................47
المطلب الثاني : آثار حق الإنتفاع بالنسبة لمالك الرقبة...............................47
الفرع الأول : حقوق مالك الرقبة.....................................................................47
أولا : حق التصرف في الرقبة.........................................................................48
ثانيا : حق الحصول على منتجات الشيء دون ثماره...........................................49
ثالثا : الحق في إلزام المنتفع بتنفيذ التزاماته.....................................................49
الفرع الثاني : إلتزامات مالك الرقبة.................................................................49
أولا : الإلتزام بعدم المساس بحقوق المنتفع.......................................................50
ثانيا :الإلتزام بنفقات الإصلاحات الكبرى............................................................50
المطلب الثالث : الدعاوى المترتبة عن حق الإنتفاع....................................50
الفرع الأول : دعاوى المنتفع..........................................................................51
أولا : الدعاوى العينية................................................................................51
3- دعوى الإقرار بحق الإنتفاع .................................................................51
4- دعاوى الحيازة........................................................................................51
3- دعوى تعيين الحدود و دعوى القسمة...........................................................53
ثانيا : الدعاوى الشخصية .............................................................................54
1- الدعوى الشخصية ...................................................................................54
2- دعوى المسؤولية عن المساس بالإنتفاع .......................................................54
3- الدعاوى المتعلقة بالدين محل حق الإنتفاع ....................................................54
الفرع الثاني : دعاوى مالك الرقبة...................................................................55
أولا : الدعاوى التي يرفعها مالك الرقبة ضد المنتفع............................................55
ثانيا : الدعاوى التي يرفعها مالك الرقبة ضد الغير .............................................56
الخاتمة ......................................................................................................58
الملاحق
قائمة والمراجع