الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة العدل
المدرسة العليا للقضاء
مذكرة إنهاء التكوين بعنوان:
[unbatna]
[البطلان و السقوط في الإجراءات المدنية]
من إعداد الطالبين القاضيين:
- بوجـلال كواشـي.
- رابطـي توفيــق.
الدفعة السادس عشرة
2005-2008
مقدمة:
من المبادئ المتفق عليها في الوسط القانوني أنّ فعالية القاعدة القانونية تتوقف علــى ما يتقرر من جزاء عند مخالفتها، ومن ضمنها القواعد القانونية الإجرائية التي تـــــــحدّد علـــى وجه الخصوص الأشكال و المواعيد التي يتم وفقها العمل الإجرائي ،و التي يترتب علــــــى مخالفتها البطلان أو السقوط اللذان يعتبران أهم الجزاءات الإجرائية.
وإن كانت القواعــد الإجرائية ليست غاية بذاتها بــل هي وسيلــــــة لحماية الحقــوق الموضوعية و المراكز القانونية فإنّ أهمية الإحاطة بها لا تقل عن أهمية الإطّـــــــــلاع عن القواعد الموضوعية ذاتها ، لذلك فإنّ من الأجدر بمن يمارس وظيفة ترتبط بحماية حـــقوق الأشخاص و مصالحهم القانونية أن يملك أولا الوسيلة إلى ذلك؛ أي القواعد الإجرائية.
و يعتبر نظامي البطلان و السقوط من أهم الجزاءات الإجرائية في مجال الإجراءات المدنية ؛ذلك أنّهما يتميّزان ببالغ أثرهما على مجرى الخصومة القضائية ومن ثم على الحقوق الموضوعية و المراكز القانونية لأطرافها.
و رغم أهميّة هذين النظامين فإنّ مختلف التشريعات الإجرائية في القوانين المقارنة لم تتمكن من وضع قاعدة عامة تحكمها ، و من ضمنها التشريع الجزائري الذي اقتصــــــر في قانون الإجراءات المدنية على مادتين هما: (461و462 ) تناولت الأولى السقــــوط و الثانــــــية البطلان بإشارة عامة و غير واضحة؛ و يرجع ذلك لتعقد الفكرة ذاتهـــــا حتى في الكتابات والكتب الفقهية.
و مما يثير الانتباه أنّ جلّ الدراسات الفقهية التي تناولت ما يتعلق بالجزاءات الإجرائية تمحورت حول نظام البطلان كموضوع رئيسي و الإشارة إلى السقوط كموضوع ثانــــــوي رغم الأهمية التي يكتسيها هذا الأخير ؛ الأمر الذي جعلنا نحاول في دراستنا هذه أن نعطيه قسط وفير إلى جانب البطلان الذي نال نصيبه من اهتمام فقهاء القانون ؛ وذلك بغـــــرض مقارنتهما ببعضهما باعتبارهما نظامين متشابهين و متداخلين في بعض الأحيان، واختلافهما عن بعضهما البعض.
و تبيانًا لما أشرنا إليه ستتم هذه الدراسة وفق محورين أساســـــــــيين ، الأوّل يتضمن مفهوم البطلان و السقوط كجزاءين إجرائيين بطريقة تحليلية لترتسم صورة واضحة المعالم عنهما تسهل لنا مقارنتهما ببعضهما من جهة و بباقي الجزاءات الإجرائية الأخرى من جـهة ثانية في المحور الثاني .
الفصل الأول:
مفهوم البطلان والسقوط كنظامين إجرائيين.
لمّا كان الهدف من هذه الدراسة مقارنة البطلان و السقوط كنظامين إجرائيين، كان لا بدّ أوّلا من تحديد مفهومهما، فنتناول في المبحث الأوّل مفهوم البطلان، ثمّ مفهوم السّقوط في المبحث الثاني، مع التطرق إلى محلّ كلّ منهما.
المبحث الأول:
نظــــــــــــام البطــــــــــــــــــلان.
قبل التطرق إلى مفهوم البطلان نتساءل على ماذا يردّ البطلان ؟ لأنّ معرفة ماهية الشيء تتوقف أوّلاً على معرفة مكوناته وعناصره الأساسيـــة،وبذلك عند الكلام عن البطلان فلا يستدعي الأمر الرجوع إلى شرح محلّه كوننا قد تناولناه مسبقا.وللإجابة عن هذا التساؤل نتناول في المطلب الأوّل محلّ البطلان لنتمكن من تحـــديد مفهومه في المطلب الثاني.
المطلب الأوّل: محلّ البطلان.
إنّ البطلان كجزاء إجرائي إنّما يترتب على مخالفة قاعدة إجرائية حدّدها القـــانون، وذلك في إطار خصومة قضائية عبر مختلف مراحلها و إجراءاتها ، و التي تبدأ عمــــوما بتسجيل الدّعوى القضائية و تنتهي بصدور حكم فاصل فيها .(1)
الخصومة القضائية كعمل قانوني يشترك في تسييرها أطرافها، القاضي، مساعدي القضاء، و الغير، ويتمّ ذلك عن طريق وسيلة قانونية تسمّى العمل الإجرائي.
و إذا تمّت ممارسة العمــــل الإجرائي مخالفة للشّكل المحدّد بالقانون فإنّه يترتب عليه البطلان (2). فمحلّ البطلان هو إذا هذا العمل الإجرائي الذي نتناول مفهومة فيما يلي:
الفرع الأول: مفهوم العمل الإجرائي كمحّل للبطلان.
إنّ الوصول إلى مفهوم البطلان و توضيح معالمه يتوقف بالضّرورة على الإحاطـــــــة بمفهوم العمل الإجرائي ،و ذلك من خلال تعريفه و تحديد عناصره.
(1) الخصومة القضائيةــ حسب الأستاذ زوده عمر-"هي مجموعة الإجراءات المتتابعة التي تبدأ بإيداع الطلب القضائي بكتابة الضبط و تنتهي بصدور حكم فيها .")محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة سنة 2005 الدفعة 16.).
(2) سنعود لتعريف البطلان في المطلب الثاني من هذا المبحث.
أولا: تعريف العمل الإجرائي:
ورد في الفقه الإجرائي تعار يف مختلفة للعمل الإجرائي ، فقد عرّف أنـــــّـــــه العمل القانوني الذي يباشر من أجل ترتيب أثر قانوني معيّن ، بشأن خصومة قضائية(1) ،و عرّف العمل الإجرائي كذلك بأنّه العمل الذي يرتب عليه القانون مباشرة أثرا إجرائيا و يكون جزءا من الخصومة (2).
من خلال هذين التعريفين يتضّح لنا أنّ العمل الإجرائي هو عمل قانوني يقوم به أحد الأطراف المشاركين في تسيير الخصومة القضائية يترتب عليه أثرا قانونيا إجرائيا.فالمدّعي عندما يقوم برفع دعوى قضائية فإنّه يباشر عملا إجرائيا أثره القانوني هو المطالبة القضائية لحماية مصلحته المعتدّى عليها ، و المدّعى عليه عندّما يقوم بتقديم دفوعه في الدّعوى فإنّه يمارس عملا إجرائيا أثره القانوني هو دحض طلبات المدّعي و ردّها ، والمحضر القضائي بتبليغه المدّعى عليه بالعريضة الافتتاحية للدّعوى فإنّه يقوم بعمل قانوني أثره القانوني انعقاد الخصومة القضائية .
ثانيا: خصائص العمل الإجرائي:
من خلال تعريف العمل الإجرائي يتضح أنّه يتميّز بمجموعة من الخصائص تتمثل فيما يلي (3):
1- أنّه عملٌ قانوني : أي أنّه ليس عملا مادّيا بحتا ، و أنّه يرتب آثارا قانونية ، فتقدّيم الطلب القضائي بإيداع العريضّة الافتتاحية للدّعوى هو عمل إجرائي يرتب أثرا قانونيا، أمّا الحضور الشّخصي للخصم أمام المحكمة هو عمل مادّي لا يرتب أي أثر قانوني في الخصومة القضائية.
2- أن يكون العمل متعلقا بخصومة قضائية: فلا بدّ أن يكون العمل المتخذ في المرحلة الممتدّة من إيداع الطلب القضائي إلى صدور الحكم في الدّعوى بحيث يؤدّي إلى إنشاء الخصـومة ، تعدّيــلها، أو إنهاءها حتى يعتبــر عملا إجرائيا ، فقيام شخـص ما بدعوة آخر إلى التصالح خارج مجال القضاء لايعتبر عملا إجرائيا لأنّه لا يرتبط بخصومة قضائية .
3- أن يرتب عليه القانون أثرا إجرائيا : فلا يكفي أن يكون العمل قانونيا متعلقا بخصومة قضائية حتى يعتبر عملا إجرائيا، بل يجب أن يكون له أثر على مجرى الخصومة القضائية بأن ينشئها ، يعدلها، أو ينهيها ؛ فقيام الخصم بطلب الإطّلاع على وثيقة مودعة من طرف خصمه ثم يرجعها لا يعدّ عملا إجرائيا لأنّه لا يرتب عليه القانون أي أثر إجرائي .
الفرع الثاني: عناصر العمل الإجرائي.
يقوم العمل الإجرائي على عنصرين أساسين هما: عنصرا الشكل و الموضوع.
(1) د.عبد الحكم فوده " البطلان في قانون المرافعات المدنية و التجارية" – دار المطبوعات الجامعية – ط 1991– ص9.
(2) د. فتحي والي "نظرية البطلان في قانون المرافعات" – منشأة المعارف – الطبعة الأولى – ص 70.
(3) د.عبد الحكم فوده – المرجع السابق ص 9 و 10 و الدكتور فتحي والي - المرجع السابق ص 70 و71.
أولا: عنصــر الشّكل: الشّكل هو سمة أساسية و أصلية في القواعد الإجرائية عمومًا، و بصفة خاصّة في الأعمال الإجرائية فالأصل فيها أن تتم وفق شّكل محدّد بالقانون يتعيّن مراعاته عند مباشرة هذا العمل وإلا ترتب جزاء إجرائي على مخالفته.
والشّكل المقصود في العمل الإجرائي لا يقتصر على الشّكل الخارجي المتعلق بمختلف أوراق الخصومة القضائية ، مثل توقيع العريضة الافتتاحية للدّعوى ، و تضمين التكليف بالحضور الجهة القضائية المختصة بنظر الدّعوى ، تأريخ محضر التبليغ بالحكم و توقيع الحكم القضائي من طرف القاضي وغيرها من الأشكال، بل يشمل أيضًا الظروف الزمانية و المكانية للعمل الإجرائي و الشّخص القائم به، فالشّكل قد يكون أحد عناصر العمل الإجرائي ذاته وقد يكون ظرفا خارجيا عنه أو يتعلق بالشّخص القائم به.
و الشّكل في الإجراءات المدنية هو كلّ قيد قانوني يقيّد حريّة المشاركين في تسيير الخصومة في اتخاذ إجراء من إجراءاتها ، سواء تعلق الأمر بشكل أوراق الخصومة، ظرف زمان أو مكان أو صفة الشخص القائم بالعمل الإجرائي .(1)
ويعتبر الشّكل عنصرًا أساسيًا في العمل الإجرائي ؛ ذلك أنّ القانون إنّما قرّره إمّا من أجل حسن سير مرفق القضاء كاشتراط رفع الدّعوى أمام الجهة القضائية المختصّة نوعيًا، أو من أجل المصلحة الخاصّة لأحد أطراف الخصومة كتحديد المدّة الزمنية بين تاريخ التكليف بالحضور أمام المحكمة و تاريخ انعقاد الجلسة بحدّ أدنى؛ من أجل كفالة حق المدّعى عليه في تحضير دفاعه ،لذلك القانون يرتب جزاءات إجرائية على مخالفة الشّكل الإجرائي المطلوب.
ثــانيًا: عنصر الموضوع: كما للعمـل الإجرائي شكـل قانـوني مـعيّن فهو ينصّب علـى موضوع محدّد يتعلق بالخصومة القضائية منذ إنشائها إلى غاية انتهائها.(2) فيكون موضوع العمل الإجــــــــــرائي بدء الخصومة القضائية بالقيام بإيداع الطلب القضائي وتبليـــــــغ المدّعى عليه بالعريضة الافتتاحية وتكليفـــــه بالحضور أمام الجهة القضائية ،وعند قيام المدّعى عليه بإعداد دفاعه وتقديم مستنداته للردّ على ادّعــــــــاءات خصمه فإنّه يباشر عملا إجرائيـــا موضوعه تسيير الخصومة ، وإذا قام أحد الخصوم أو كليهمــــــا بطلب وقف الخصومة فإنّهم يباشرون عمــــــــلا إجرائيًا ينصّب على وقف الخصومة(3)، كما يرد العمل الإجــــــرائي على تعديلها إذا تقدّم المدّعى عليه بطلبات مقابلة في الدّعوى ، و القاضي عندما يصدر حكمًا قضائيًا قطعيًا في موضوع الدّعوى فإنّه ينهي الخصومة .
فموضوع العمل الإجرائي إذًا إمّا أن يكون منشئا للخصومة القضائية، أو لتسييرها، تعديلها، أو إنهائها.
(1)الأستاذ:" زوده عمر"- محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة السنة الأولى بالمدرسة العليا للقضاء(2005-2006).
(2) د " عبد الحكم فوده" – المرجع السابق – ص 15وما بعدها.
(3) أنظر في معنى وقف الخصومة القضائية د(ة):"أمينة مصطفى النمر" ـ"الدعوى وإجراءاتها"- ص 420 وما بعدها.
الفرع الثالث: طبيعة العمل الإجرائي.
لا يختلف الفقه الإجرائي بشأن اعتبار العمل الإجرائي هو محلّ البطلان في الإجراءات المدنية ، والمعروف أنّ نظرية البطلان متأصّلة في القواعد القانونية الموضوعية التي تلحق وصف البطلان بالتصرفات القانونية المعيبة ، ومن ثمّ حاول البعض إعطاء العمل الإجرائي وصف التصرف القانوني ، وبناءاً على ذلك طرح تساؤل بشأن ما إذا كان العمل الإجرائي يخضع لقواعد خاصّة من حيث أركانه، ومن حيث قواعد صحّته، و بطلانه أم أنّه يخضع في هذا الشأن للقواعد العامّة للتصرف القانوني المعروفة في القانون المدني ؟
المعروف في القانون المدني في النظرية العامة للالتزام أنّ الأعمال القانونية كمصدر للالتزام تنقسم إلى تصرفات قانونية و وقائع مادية ، وهذه الأخيرة هي التي يقوم بها الإنسان بإرادته دون إرادة الأثر القانوني لها ،والتصرفات القانونية هي التي يؤتيها الإنسان مع إرادته للعمل وأثره القانوني .(1)
وقد عرف الفقيه دوجي التصرف القانوني أنه:" كل عمل إرادي يحدث بنية إنتاج تعديل في التنظيم القانوني الموجود عند إصدار العمل أو الذي سيوجد في لحظة مستقبلية". فعناصر التصرف القانوني هي إ تجاه الإرادة إلى إتيان التصرف واتجاهها إلى إحداث الأثر القانوني الذي يرتبه القانـون.
وقـد اختلـف الفـقه الإجرائي بشأن إعطاء وصف التصرف القانوني للأعمـال الإجرائية، فمنهم من يعتبرها كلّها تصرفات قانونية، وهناك من يعتبر البعض منها فقط تصرفات قانــــــونية ، ومذهب ثالث ينكر عنها وصف التصرف القانوني مطلقا (2).
ودون الخوض في النقاشات الفقهية حول خضوع الأعمال الإجرائية لقواعد التصرف القانوني فإنّ الأعمال الإجرائية تخضع لقواعد خاصّة يتضمنها القانون الإجرائي ويحدّد قواعد ممارستها، وجزاء مخالفتها هو جزاء إجرائي و بالتّالي لا توجد فائدة عملية من إصباغ صفة التصرف القانوني عليها ، ويرى الدكتور فتحي والي أنّ الأعمال الإجرائية هي أعمال قانونية بالمعنى الضيّق وليست تصرفات قانونية ، وهذه الطبيعة إلى جانب صفتها كأجزاء من مجموعة واحدّة تتجه إلى غاية واحدة هما الأساس الذي يوضح ما تخضع له نظرية بطلان العمل الإجرائي من قواعد خاصة تمييزه عن التصرف القانوني.
المطلب الثاني: مفهوم بطلان العمل الإجرائي.
إنّ فكرة البطلان كنظام إجرائي تتميّز بكونها معقدّة وغامضة ؛ كونها ترتبط بمفاهيم فكرية و فلسفية لكنّها منطقية ، و سنحاول في هذا المطلب تعريف البطلان في فرع أوّل ثمّ نتطرق في الفرع الثّاني إلى كيفية التمسك به و سلطة القاضي في تقديره ، مع الإشارة إلى موقف المشرع الجزائري و القضاء من كلّ ذلك .
(1) د- فتحي والي- المرجع السابق- ص 75و76و77.
(2) د- فتحي والي – المرجع السابق- ص97ومابعدها .
الفرع الأوّل : تعريف البطلان وأنواعه.
أولا تعريفه :سبق أن أشرنا بأنّ محلّ البطلان هو العمل الإجرائي ، وعرّفنا هذا الأخير بأنّه عمل قانوني يترتب على مباشرته أثرًا قانونيًا في خصومة قضائية ،وأنّ الأعمال الإجرائية تتميّز بالشّكلية ؛أي أنّ القانون يحدّد شكلها النموذجي والكيفيّة التي تمارس بها ويرتب على مخالفتها جزاء إجرائي هو البطلان .
و في ظلّ تفادي مختلف التشريعات - ومنها الجزائري-إعطاء تعريف عام للبطلان فإنّ الفقه الإجرائي قدّم تعاريف مختلفة بشأنه ، نذكر منها : البطلان هو تكييف قانوني لعمل يخالف نموذجه القانوني مخالفةً تؤدي إلى عدم إنتاج العمل لآثاره التي تترتب إذا كان العمل كاملا (1). كما عرّف أنّه وصف يلحق العمل القانوني نتيجة مخالفته لنموذجه القانوني، ويؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي يرتبها عليه القانون لو كان صحيحا. (2)
وعرّف أيضًا على أنّه جزاءٌ إجرائيٌ يتحمله الخصم نتيجة لإخلاله بأحد الواجبات الإجرائية التي يرتب القانون هذا الجزاء على مخالفتها. (3) وقد عرفه الأستاذ الهادي دالي بن محفوظ بأنّه وصف قانوني يلحق الإجراء القضائي الذي يخالف قواعد المرافعات يؤدي إلى عدم ترتيبه الآثار القانونية التي ينتجها قانونًا لو كان صحيحًا.(4)
من خلال هذه التعاريف التي أعطيت للبطلان يمكننا القول أنّ البطلان هو جزاءٌ إجرائيُ يترتب على مخالفة العمل الإجرائي للشّكل أو النموذج الذي حدّده القانون من أجل ترتيبه لأثر قانوني في خصومة قضائية.
ثانيًا أنواعه: وقد قسم الفقه الإجرائي البطلان إلى نوعين، بطلان إجباري من النظام العام وبطلان جوازي أو نسبي، فالأوّل إذا توافرت أسبابه وجب على القاضي الحكـــــــــم به، ويتعلق بالحالات التي تخصّّ حسن سير مرفق القضاء ، كتشكيل المحكمة ، علنية الجلسات ، تمكين الأطراف من حق الدفاع وصحّة تمثيلهم، وللخصوم إثارة هذا النوع من البطلان في أيّ حالة كانت عليها الدّعوى، أمّا الثّاني فيتعلق بمصالح الخصوم في مختلف الأعمال الإجرائية ، بشرط ألا يكون مقدّم الدّفع هو المتسبب في العيب الإجرائي أو بغش منه ،و للقاضي سلطة في الحكم به من عدمه . و تجدر الإشارة إلى أنّ المشرّع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية في المادة 462 منه استعمل مصطلحي "البطلان " و "عدم صحّة الإجراءات" كمترادفين ؛ذلك أنّ صياغة النّص وردت بالفصل بينهما بأداة التخيير "...البطلان أو عدم صحّة الإجراءات" ما يعني أن المقصود منهما هو نفس المعنى (5).
(1) د- فتحي والي –المرجع السابق – ص7.
(2) د- وجدي راغب " الموجز في مبادئ القضاء المدني "الطبعة الأولى 1977- ص 35.
(3) د- إبراهيم أمين النفياوي " مسؤولية الخصم عن الإجراءات " الطبعة الأولى 1991 ص 752 .
(4) الأستاذ الهادي دالي-"البسيط في الإجراءات المدنية"منشورات بغدادي- ط2003 – ص35 .
(5) وقد نص مشروع قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في المادة 40 منه بان "الدفوع الشكلية هي كل وسيلة تهدف إلى التصريح بعدم صحة الإجراءات أو انقضائها أو وقفها ".
كما أنّ ا لقضاء الجزائري درج على استعمال مصطلح "عدم صحّة الإجراء " قاصدًا بذلك بطلان الإجراء.
الفرع الثّاني: مذاهب البطلان و موقف المشرع الجزائري منها.
أولا مذاهب البطلان:عرف نظام البطلان تاريخيًا و فكريًا عدة نظريات يمكن تلخيصها في أربعة مذاهب أساسية(1).
الأوّل: يرتب البطلان على أيّة مخالفة احترامًا للشّكل،وأساس هذه النظرية هو أنّ كلّ مخالفة للشّكل الذي يحدّده القانون تؤدّي إلى بطلان العمل الإجرائي دون تفرقة بين الشّكل الجوهري والشّكل الثّانوي ،وبغض النظر عن ترتيبه ضررًا للخصم نتيجة للمخالفة ، فجزاء البطلان نتيجة طبيعية لمخالفة الشّكل الإجرائي ولو بدون نصّ تشريعي .وقد انتقدت هذه النظرية لإفراطها في الشّكلية على حساب حماية الحقوق والمراكز القانونية الموضوعية ، لذلك هجرت فقهيا ولم يبق لها أثر في القوانين الإجرائية الحديثة .
الثّاني:يعتبر البطلان وسيلة تهديدية لحمل الخصم على احترام الشّكل وللمحكمة تقدير ذلك، ومفاد هذا النظرية أنّ للقاضي سلطة إبطال العمل الإجرائي الذي لا تحترم فيه الأشكال القانونية أو عدم إبطاله حسب ما يتراءى له بالاعتماد على فطنته،حكمته وذكائه؛ لأنّ القاضي هو الأقرب إلي الحياة العملية من المشرع، فهو القادر على تحديد الجزاء المناسب والمجدي في كل حالة تعرض عليه .
وهذا المبدأ إمّا أن يطبق وحده، فالمشرع إمّا ألا ينص على حالات البطلان مطلقا و يتركها للقاضي، و إمّا أن ينص المشرع على حالات البطلان وللقاضي أن يقدّر الحكم بها من عدمه في حالة توافرها ؛أي أنّه غير مجبر على ذلك، و إمّا أن يحدّد القانون حالات للبطلان و يجبر القاضي على الحكم بالبطلان في حالة توافرها، وله بالإضافة إليها أن يقرر حالات أخري حسب تقديره .وهنا يظهر جليًا استعمال البطلان كوسيلة تهديدية لحمل الخصم على احترام الشّكل القانوني، وهذا الرأي بدوره انتقد على أنّه يضحي بحقوق المتقاضين في سبيل تحقيق عدالة فلسفية في يد بشرية غير مضمونة النجاح.
الثّالث: مفاده أنّه لا بطلان إلا بنصّ، فليس للمحكمة أي تقدير في الحكم بالبطلان بل هي مقيدة بمضمون النصّ الصريح،ويبرر هذا الاتجاه ما ذهب إليه بأنّ البطلان تترتب عليه أضرارا بليغة على حقوق المتقاضين ؛ لذلك ينبغي أن يكون تقدير حالاته للتشريع وحده ولا يترك لتقدير القاضي، ويجنبه عناء البحث عن نية المشرع في اعتبار الإجراء المعيب جوهريا أو ثانويا .وقد انتقد هذا الرأي على اعتبار أنّ المشرع لا يمكنه تحديد كل حالات البطلان مسبقا ،فيؤدي ذلك إلى إفلات بعض الحالات من البطلان رغم تعلقها بإجراءات جوهرية تمسّ بالسير الحسن لمرفق القضاء بسبب تقييد القاضي بشرط وجود النص الصريح الذي يقضي بالبطلان.
(1) أنظر د: فتحي والي –المرجع السابق ص207 وما بعدها ود- فوده عبد الحكم –المرجع السابق ص 25 وما بعدها.
الرابع: يربط البطلان بالضرر؛ فلا بطلان بلا ضرر و للمحكمة تقدير ذلك،فالقاضي لا يكون ملزما بالحكم بالبطلان لمجرد النص عليه ، كما ليس له السّلطة التقديرية المطلقة في الحكم به من عدمه ، وإنما معيار الحكم بالبطلان هو تحقق الضرر من مخالفة العمل الإجرائي للشّكل القانوني المطلوب.
ومعيار الضرر المعتمد هنا يمكن تصوره مع تقييد القاضي بحالات البطلان المنصوص عليها قانونا مع إعطائه السلطة التقديرية في هذا المجال بالقول بحصول ضرر من جراء المخالفة أم لا وبناء على ذلك يقرر الحكم بالبطلان من عدمه ،والتصور الثاني هو أن يحدد المشرع حالات البطلان والتي لا يكون للقاضي في مجالها أية سلطة تقديرية بل هو ملزم بالحكم بالبطلان في حالة توافرها ،أما خارج هذا المجال فله سلطة تقدير وجود ضرر من جراء المخالفة من أجل الحكم بالبطلان.
ثانيا موقف المشرع الجزائري: إذا حاولنا تحديد موقف التشريع والقضاء الجزائريين من هذه المذاهب الفقهية للبطلان فإنّنا بالرجوع إلى نص المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية وبعض قرارات المحكمة العليا في هذا المجال يمكننا تسجيل الملاحظات التالية:
1- أنّ المشرع الجزائري يقيم نظام البطلان على فكرة النظام العام، وذلك بنصه في المادة 462 فقرة 04 "...وإذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام فيجوز للقاضي أن يمنح للخصوم أجلا لتصحيحه .. ."، و يستنتج من هذا النص بمفهوم المخالفة أنه إذا كان البطلان يتعلق بالنظام العام فإنه لا يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه ومن ثمة فهو ملزم بالحكم بالبطلان و ليس له سلطة تقديرية في ذلك ، أما إذا لم يكن متعلقا بالنظام العام فللقاضي تقدير تقرير البطلان وإعطاء الخصوم فرصة لتصحيحه ، و هنا يظهر ميل المشرع الجزائري إلى استعمال البطلان كوسيلة تهديديه لحمل الخصم على احترام الشكل المحدد قانونًّا في الحالات التي لا تتعلق بالنظام العام (1).
2- بالرجوع إلى بعض النصوص في نفس القانون نجد أنها تنص صراحةً على جزاء البطلان بغض النظر عن تعلقها بالنظام العام،فمثلا المادة 98 منه تنص على أنه يجب أن يذكر في سند التبليغ تحت طائلة البطلان مهلة عشرة أيام لرفع المعارضة ،و كذا نص المادة 174 من القانــون التجاري التي تنص على وجوب تضمين التبليغ الموجه من المؤجر إلى المستأجر مضــمون المادة " 194 "من نفس القانـون تحت طــــــــــائلة البطلان، وهذا يعتبر استثناءا آخرا– بالإضافة إلى الحالات التي تتعلق بالنظام العام - عن القاعدة التي كرستها المادة(462) من قانون الإجراءات المدنية ، فالنص الصريح من المشرع علي جزاء البطلان يوحي بإلزام القاضي بالحكم به .
(1) وقد تضمن مشروع قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجزائري في المادة 60 منه ( لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا ، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك )، ونص في المادة 65 منه "يثير القاضي تلقائيا انعدام الأهلية ، و يجوز له أن يثير تلقائيا إنعام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي ".
3- فكرة النظام العام التي اعتمدها المشرّع الجزائري فكرة غامضة وغير مضبوطة ؛ الأمر الذي يجعل القضاء مجبرًا على الاجتهاد بشأنها ، وهذا ما يجعل حالات منح أجل للخصوم من أجل تصحيح الإجراء الباطل تحت السلطة التقديرية للقاضي ، و لم يبق من تقييد للقاضي إلا في الحالات المنصوص عليها بنصّ صريح على البطلان في مختلف النصوص الخاصّة.
4- أخذ المشرّع الجزائري بفكرة تصحيح العمل الإجرائي الباطل إذا كان العمل الإجرائي المعيب لا يتعلق بالنظام العام بأن يعطي القاضي أجلا للخصوم من أجل تصحيحه إذا رأى إمكانية ذلك بحسب تقديره، والأمر جوازي للقاضي وليس إجباريًا.
وعليه فالمشرع الجزائري لم يضع معيارًا ضابطًا للبطلان تاركًا في ذلك المجال للاجتهاد القضائي ، وبالرجوع إلى بعض قرارات المحكمة العليا نجدها تتجه إلى ترتيب البطلان على كل إجراء يشوبه عيب جوهري أو من النظام العام إذا تعلق الأمر بعيب في الموضوع ، أما إذا كان العيب يتعلق بالشكل فإنه لا يترتب البطلان إلا إذا كانت النتيجة المترتبة عن مخالفة الشكــــــــــل مضرة بحقوق الدفاع بحسب تقدير القاضي (1) ؛ أي القاعدة أنّ العيب الموضوعي يرتب البطلان مثلا إذا تعلق بأهلية أحد الخصوم أو بصحّة التوكيل أو التمثيل أمام القضاء ،أما العيوب الشكلية فالأصل فيها أنها لا ترتب البطلان مثل البيانات التي ينصّ القانون على تضمينها في التكليف بالحضور أمام الجهة القضائية المنصوص عليها بالمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية ،فإذا تخلفت إحدى هذه البيانات فلا يترتب عليها بطلان التكليف بالحضور إلا إذا رأت المحكمة أن هذا البيان جوهريا أو يمس بحقوق الدفاع ؛كتأريخ المحضر الذي يتحدد على أساسه الفترة الزمنية التي قررها القانون للمدعى عليه لتحضير دفاعه(2).
ونرى أنّ الحلّ الأنسب و الأقرب إلى المنطق القانوني الإجرائي في التعامل مع النصوص القانونية المتعلقة بمسألة البطلان في الجزائر،و بالاعتماد على مختلف الدراسات الفقهية في هذا المجال ،أنّه في حالة النصّ الصريح على البطلان أو بعبارة تفيد بذلك مثل "يجب،لا يقبل..." فإنّ الـقــاضي يكون ملزمًا بالحـكم به في حـالة إثــارته من طرف الخصم الذي تقرر البطلان لمصلحته،أمّا إذا حدد القانون الشّكل المطلوب في الإجراء و لم ينص على جزاء البطلان في حالة مخالفته فللقاضي السلطة التقديرية في الحكم به من عدمه بحسب ما إذا تحقق الغرض من الإجراء رغم عدم القيام به وفقا للشّكل القانوني ، فإذا تحققت الغاية منه فلا مبرر للحكم ببطلانه وله أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه.أما إذا نصّ القانون على أنّ إجراء ما من النظام العام فإنّ القاضي يكون ملزمًا بالحكم به ، بل للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها ، مثل الاختصاص النوعي للمحكمة المنصوص عليه في المادة 93من قانون الإجراءات المدنية.
(1) محمد إبراهيمي "الوجيز في الإجراءات المدنية " - ج 1 – د م ج – ط 3 ، 2006 – ص312 .313 .
(2) قرار بتاريخ 22 09 1986 ملف رقم 43850 – نشرة القضاة عدد 44 – ص 182.
الفرع الثالث: التمسك بالبطلان وسلطة القاضي في تقديره.
القاعدة أنّ البطلان كجزاء إجرائي لا يقع بقوة القانون بل يجب صدور حكم قضائي يقرره ، والذي يتم بناء على التمسّك به ممن له مصلحة في ذلك إذا كان يتعلق بالمصلحة الخاصة للخصوم، أو بإثارته من طرف المحكمة من تلقاء نفسها إذا كان البطلان يتعلق بالمصلحة العامة أو بالنظام العام .
أولا: التمسك بالبطلان
والتمسّك بالبطلان يتم بتقديم دفع شكلي أثناء سريان الخصومة القضائية ،يوجه إلى عيب يصيب العمل الإجرائي في أحد مقتضياته الشكلية أو الموضوعية ، فهو الوسيلة التي يعتمدها الخصم للدفع بعدم صحة إجراء من إجراءات الخصومة ،لذلك فهو دفع شكلي يجب أن يثار قبل تقديم أي دفع أو دفاع في الموضوع إلا إذا كان يتعلق بالنظام العام أو بالمصلحة العامة لمرفق القضاء(1). وهذا ما كرسته المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية بنصها على أنه لا يجوز الدفع بالبطلان أو بعدم صحة الإجراءات من خصم يكون قد أودع مذكرته في الموضوع.
وإذا كان التمسّك ببطلان إجراءات الخصومة القضائية يتمّ عن طريق دفع شكلي، فإنّ الحكم القضائي إذا كان معيبا كأن يصدر بتشكيلة غير قانونية ، عدم توقيعه،أو عدم تسببيه فيتم التمّسك ببطلانه بواسطة طرق الطعن القانونية(2).
و البطلان المتعلق بالمصلحة الخاصة للخصوم لا يجوز التمسك به إلا من طرف الخصم الذي تقرر البطلان لمصلحته(3) ؛ لأنّه حق إرادي لصاحبه له مطلق الحرية في التمسك به أو التنازل عنه ،وعلى من يتمسك به أن تكون له مصلحة في ذلك، أما إذا كان يتعلق بالمصلحة العامة أو بالنظام العام فللمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها.
ثانيا: سلطة القاضي في تقديره.
والبطلان قد يرد بشأنه نص صريح فيكون القاضي ملزما بالحكم به إذا أثاره صاحب المصلحة في ذلك(4)، وإلا فللقاضي السّلطة التقديرية في الحكم بالبطلان من عدمه بحسب ما إذا تحققت الغاية من الإجراء- رغم اتخاذه على غير الشّكــل المطلــوب- أو لم تتحقق ، أو أنه ألحق ضررا بالمصلحة الخاصة لأحد الخصوم من عدمه ؛فإذا تحققت الغاية من الإجراء و لم يلحق أي ضرر بالمصلحة الخاصّة لأحد الخصوم فإنّ للقاضي أن لا يلتفت إلى بطلانه أو أن يأمر بتصحيحه ما دام أنّه لا يتعلق بإجراء جوهري،أو من النظام العام(5).
(1) نصت المادة الفقرة من المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية " و إذا كان البطلان أو عدم صحة الإجراءات المدفوع به ليس من النظام العام ، فيجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيحه ".
(2) د- فتحي والي- المرجع السابق- ص595 وما بعدها.
(3) نص مشروع قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المادة 63 منه "لا يجوز أن يتمسك ببطلان الأعمال الإجرائية إلا من تقرر البطلان لصالحه ".
(4) قرار المحكمة العليا المؤرخ في 01/ /06/ 1985 –ملف رقم 32113 – المجلة القضائية 1990 عدد2 –ص94.
(5) قرار المحكمة العليا المؤرخ في 30 04 19990- ملف رقم 59728- مجلة ق1992 عدد4-ص61 .
المبحث الثاني:
نظـــــــــــــــــام السقــــــــــــــــــــــوط.
من أهمّ الجزاءات الإجرائية التي تترتب على مخالفة القواعد الإجرائية – إلى جانب البطلان- جزاء السقوط . وإذا كانت القواعد الموضوعية تقرر حقوقًا و مراكزًا موضوعية قانونية، فإن القواعد الإجرائية تقرر حقوقًا إجرائية يتعين ممارستها وفق ما ينص عليه القانون في ميعاد زمني محدّد أو وفقا لترتيب معين ، لكن إذا لم تتم ممارسة هذه الحقوق طبقا لهذه القيود فإن جزاءها القانوني هو السّقوط .
وتوضيحًا لهذه الفكرة فسنتناول مفهوم السقوط في المطلب الثاني بعد أن نتطرق إلى المحل الذي يرد عليه في المطلب الأوّل.
المطلب الأوّل : محلّ السّقـــــــــــــوط.
إنّ نظام السّقوط كجزاء إجرائي لا يمكن تحديد مفهومه دون معرفة الموضوع الذي يرد عليه أي محله ؛لأنّ تحديـد ماهية الشيء أو الفكرة إنّما يتوقف على معرفة مكوناته وعناصره
الأساسية أولا، و لما نقول "السقوط" فإنه يتبادر إلى أذهاننا تساؤل مهم:ما الذي يسقط ؟و الإجابة عن هذا السؤال هو محل السّقوط، فما هو محل السّقوط؟
بعض الأعمال الإجرائية يحدد لها القانون مواعيدا أو ترتيبا محددا لمباشرتها ، مع تقرير حق مباشرتها لأحد أطراف الخصومة القضائية يسمى بالحق في اتخاذ الإجراء و هو الذي يكون جزاءه السقوط إذا لم يحترم فيه الميعاد أو الترتيب المنصوص علـــــيه ، إذا السقوط يرد علي الحق في اتخاذ الإجراء وهذا الأخير هو محله.وسنتناول فيما يلي تعريف الحق في اتخاذ الإجراء أولا ثم نميزه عن العبء القانوني و الواجب الإجرائي.
الفرع الأول: تعريف الحق في اتخاذ الإجراء.
الحق في اتخاذ الإجراء تعبير مشكل من شطرين (الحق) و(اتخاذ الإجراء)، فاتخاذ الإجراء المقصود به مباشرة العمل الإجرائي الذي سبق أن عرفناه في المبحث الأول من هذا الفصل، أمّا فكرة الحق المقصودة هنا فتستدعي توضيحًا أكثر ؛ ذلك أنّها تتعلق بالجانب الإجرائي و التي لم تلق الاهتمام الذي حظيت به فكرة الحقوق الموضوعية (1).
(1) د- نبيل إسماعيل عمر- المرجع السابق- ص15 وما بعدها.
ولتوضيح فكرة الحق الإجرائي نشير إلى ما ذهب إليه الفقه المدني في تعريف الحق، الذي يرى المذهب الشخصي بشأنه أنّه قدرة إرادية يخولها القانون لشخص معيّن و يرسم حدودها ، وذهب أنصار المذهب الموضوعي أو نظرية المصلحة إلى القول بأنّ للحق عنصرين هما المصلحة أو المنفعة و عنصر الحماية المقررة لها ، كما عرف الحق بأنه استئثار و تسلط بمنفعة.
وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة لهذه النظريات ، فإن القانون طالما يحمي من له الاستئثار أو المنفعة أو المصلحة فإنه يعطيه الوسيلة إلى هذه الحماية و هي الدعوى أو الدفع ، وهذه الوسيلة هي حق مستقل عن الحق الذي تحميه وهي لا تعتبر حقا لازما لوجود الحق . فالحق يتكون من عنصري المصلحة أو الإسستئثار وعنصر الحماية القضائية الذي يتولد عنه الحق في الدعوى التي تعزز الحماية القانونية للحق (1).
وإذا كان الحق الموضوعي يتعلق بمصالح ومنافع قانونية، وأن الحقوق الموضوعية تتنوع بتنوع محلها (حقوق عينية و حقوق شخصية، عقارية ومنقولة )، فإن الحقوق الإجرائية تتمحور حول أعمال إجرائية؛ أي إمكانية ممارسة العمل الإجرائي.
وقد عرف الحق الإجرائي بأنه مكنة القيام بنشاط إجرائي معين في الخصومة محل الاعتبار (2) ؛ لذلك يستخدم الفقه الإجرائي تعبير الحق الإجرائي للدلالة على المكنات القانونية الممنوحة للخصوم مثل الحق في رفع الدعوى القضائية ،الحق في الاستئناف و الحق في الطعن ببطلان العمل الإجرائي .
و بناءا على ما تقدم يتضح لنا أن الفارق بين الحق من منظور القانون المدني و الحق الإجرائي؛ فهذا الأخير هو مكنة ووسيلة قانونية تستعمل أمام القضاء لحماية الحقوق الموضوعية والمراكز القانونية؛ أي وسيلة الحماية القضائية للمصالح والمنافع القانونية.
الفرع الثاني: تمييز الحق في اتخاذ الإجراء عن العبء القانوني و الواجب الإجرائي.
إنّ الأعمال الإجرائية التي يباشرها أطراف الخصومة القضائية قد تكون بموجب نص قانوني وقد تكون بأمر من القاضي ، أحيانا من أجل مصلحة مباشرها و أخرى من أجل مصلحة خصمه أو المصلحة العامة ، فهي لا تعتبر في كل الأحوال حقوقا إجرائية بل قد تكون أعباء قانونية أو واجبات إجرائية ؛لذلك يتعين التمييز بين الحق في اتخاذ الإجراء والعبء القانوني من جهة و بينه وبين الواجب الإجرائي من جهة ثانية .
(1) يرى الأستاذ زوده عمر بأن:" الدعوى القضائية هي حق إرادي يخول لصاحبه سلطة إحداث أثر قانوني بمحض إرادتهما مادام أنه لا يخالف القانون ، وأن الدعوى هي العربة التي تحمل الطلب القضائي إلى سدة القضاء".
(2) د- فتحي والي – المرجع السابق ص 597.
1 - تمييز الحق في اتخاذ الإجراء عن العبء القانوني : و يتجلى ذلك في أنّ العبء القانوني هو الذي يفرض على الشخص للقيام بعمل معيّن لمصلحته الذاتية ، ولا يترتب على مخالفته جزاء إجرائي مثل عبء تكليف المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة من أجل الدفاع عن حقوقه ،فغيابه عن الجلسة يترتب عليه حرمان نفسه من حق الدفاع و صدور الحكم في غيبته ، وإن كان في حضوره تحقيق للمصلحة العامة أيضا بتسهيل سير مرفق القضاء وتفادي تراكم العمل ، بينما الحق في اتخاذ الإجراء ليس واجب بل هو مكنة يخولها القانون لصاحبها و إذا لم يمارسها طبقا للقانون فإنه يترتب عليها جزاء إجرائي هو السقوط ،مثل حق الخصم في الدفع ببطلان عمل إجرائي مارسه خصمه على غير الشكل القانون المطلوب .
ومن جهة أخرى فالحق في اتخاذ الإجراء هو حق إرادي لصاحبه مطلق الحرية في ممارسته أو التنازل عليه، بينما العبء القانوني فلا يمكن تصور التنازل عنه؛ لأنّه ليس حقا.
2- تمييز الحق الإجرائي عن الواجب الإجرائي:يميز الفقه الإجرائي بين الحق الإجرائي و الواجب الإجرائي، ويرى أن هذا الأخير يفرضه القانون أو يأمر به القاضي أحد الخصوم من أجل مصلحة خصم آخر أو للمصلحة العامة و يرتب على مخالفته جزاء قانونيا غير جزاء السقوط (1). ومثال ذلك تكليف المحكمة أحد الخصوم بتقديم سند ما أو القيام بإجراء معين في ميعاد محدد.
وحسب الدكتور إسماعيل نبيل عمر فإن الواجب الإجرائي يوجد في الحالة التي يلزم فيها القانون شخصا معينا يتحمل نتائج ممارسة شخص معين لحقه الإجرائي ، أو لسلطته القانونية ، كواجب الخصم السلوك بحسن نية في الخصومة ،فيلتزم بتحمل نتائج ممارسة خصمه لحقه في الدعوى وفي تسيير إجراءات الخصومة
فالواجب الإجرائي ليس مكنة القيام بنشاط إجرائي لمصلحة صاحبها، إنّما هو واجب يفرضه القانون أو يأمر به القضاء شخص معيّن من أجل مصلحة شخص آخر أو للمصلحة العامة، و لا يترتب على مخالفته ما يترتب على مخالفة شكل ممارسة الحق الإجرائي.
المطلب الثاني: مفهــــــوم السّقــــــــوط.
بعد ما بيّنا المقصود بالحق الإجرائي كضرورة منطقية للتعريج على مفهوم السقوط لنتناوله الآن من خلال تعريفه وخصائصه ، ثم نتطرق إلى أسبابه ، وفي الأخير نبين كيفية التمسك به أمام القضاء و الآثار المترتبة على الحكم به خاصة على الحق الموضوعي محل الحماية القضائية .
(1) د – نبيل إسمـــــــاعيل عمـــــــر "سقوط الحق في اتخاذ الإجراء"ــ المرجع السابق ــ ص 28.
الفرع الأول: تعريف السقوط.
لم تعرف مختلف التشريعات المقارنة نظام السقوط ومنها التشريع الجزائري ،ممّا يجعلنا نلجأ للفقه الإجرائي لتحديد المقصود بسقوط الحق في اتخاذ الإجراء ، وقد أعطيت له عدة تعريفات نورد بعضا منها ، فقد عرف مثلا أنه عدم أحقية الخصم في القيام بالعمل الإجرائي(1)، كما عرف أنه جزاء يترتب في حالة عدم القيام بالإجراءات المطلوبة في المواعيد أو المناسبات المحددة قانونا و مخالفة الترتيب الزمني المقرّر قانونًا لبعض الإجراءات (2).
والسقوط في رأي البعض يقع إذا خول القانون الخصم حقا إجرائيا معينا ، وأوجب عليه أن يقوم بالعمل الذي يستند إلى هذا الحق في مهلة معينة أو في ترتيب معين بالنسبة لأعمال أو وقائع أخرى في الخصومة ، ولم يلتزم الخصم بهذا القيد الزمني ، هنا يقال أن هذا الحق قد سقط (3). وعرفه الأستاذ الهادي دالي بن محفوظ:"السقوط هو انقضاء حق القيام بإجراء قضائي معين بسبب تجاوز المواعيد التي حددها ورسمها القانون لمباشرته"(4).
من خلال هذه التعاريف المختلفة للسّقوط يمكننا أن نقول بصفة شاملة ومختصرة أنّ السقوط هو جزاء إجرائي يترتب على عدم ممارسة حق إجرائي في خصومة قضائية من طرف صاحبه في الميعاد أو الترتيب أو المناسبة المحددة قانونا .
وبناء على هذا التعريف يمكننا استخلاص الخصائص التالية للسقوط :
1 - السقوط جزاء إجرائي : فهو يترتب على مخالفة قاعدة إجرائية تتعلق بالمواعيد أوالترتيب أو المناسبة التي يحددها القانون من أجل ممارسة حق إجرائي ، فعدم احترام قيود ممارسة الحق الإجرائي جزاءه سقوط هذا الحق ،فمثلا المادة102من قانون الإجراءات المدنية تمنح حقا إجرائيا للخصوم الذين صدر بشأنهم حكم ابتدائي في خصومة كانت قائمة بينهــــم بأن يقوموا باستئنافه خلال ميعاد شهر من تاريخ التبليغ إذا كان حضوريا أو من تاريخ انقضاء أجل المعارضة إذا كان غيابيا، فإذا لم يمارس هذا الحق من طرف صاحبه في الميعاد المحدد فإن جزاءه يكون السقوط .
2- السقوط يرد على الحق في اتخاذ الإجراء: فهو يرتب سقوط حق إجرائي يخوله القانون لأحد أطراف الخصومة ،ولا يرد على العمل الإجرائي الذي يعتبر محلا للحق الإجرائي و ليس محلا للسقوط ،فعدم قيام الخصم الذي صدر في حقه حكم غيابي بالمعارضة فيه خلال الميعاد المحدد بعشرة أيام من تاريخ التبليغ بالحكم حسب المادة 98من قانون الإجراءات المدنية فإن حقه في اتخاذ إجراء المعارضة يكون جزاءه السقوط، وليس المعارضة كعمل إجرائي هي التي تسقط ، كما أن السقوط لا يتعلق بالعبء القانوني أو الواجب الإجرائي ؛لأنهما تكليف ولا يعقل حرمان شخص من التكليف ،فعدم قيام الخصم الذي كلفته المحكمة بإجراء ما لا يترتب عليه جزاء السقوط لأنه لا يتعلق بحق إجرائي.
(1)د- عبد الحكم فوده –المرجع السابق ص45 .
(2)د- أمينة مصطفى النمر – الدعوى و إجراءاتها – منشأة المعارف – ص416 .
(3) د- نبيل إسماعيل عمر " الدفع بعدم القبول و نظامه القانوني" دار الجامعة الجديدة للنشر-ط 2004 ص148.
(4) الأستاذ الهادي دالي بن محفوظ – المرجع السابق – ص37.
3- السقوط يتعلق بأحد الخصوم :فالحق الإجرائي محل السقوط هو ذلك المخول لأحد أطراف الخصـــومة ، أمّا الأعـمال التي يمارسها القاضي أو أمين الضبط أو معاوني القضاء فلا يلحقها جزاء السقوط في حالة مخالفة المواعيد القانونية إنما قد تترتب عليها جزاءات أخرى كالبطلان مثلا ، فالمحضر القضائي لما يقوم بإجراء التكليف بالحضور خارج المواعيد المحددة قانونا لايكون جزاءه الإجرائي السقوط بل البطلان؛ لأنّ المحضر القضائي ليس طرفا في الخصومة ولا يمارس فيها حقوقا إجرائية ، إنّما تقتصر ممارستها على الخصوم فقط .
4 - السقوط المعتبر هو الذي يتعلق بخصومة قضائية: كون محلّ الحق في اتخاذ الإجراء هو العمل الإجرائي، وأنّ هذا الأخير يتعلق بخصومة قضائية وعليه فالسقوط يتعلق دومًا بخصومة قضائية.
الفرع الثاني: أسباب السقوط.
سبقت الإشارة إلى أنّ قواعد الإجراءات المدنية عموما تتميز بالشّكلية التي يترتب على مخالفتها جزاءات إجرائية ، وأضفنا أن السقوط يرد على الحقوق الإجرائية التي يقيدها القانون بشكلية إجرائية تتمثل أساسا في ممارستها في ميعاد زمني محدد أو وفق ترتيب معين أو بمناسبة محددة ، فمخا لفة هذه القيود من طرف من تقرر لمصلحته الحق الإجرائي يترتب عليه سقوط هذا الحق ، وعليه يمكن إجمال أسباب السقوط فيما يلي :
- انقضاء الميعاد المحدد لممارسة الحق الإجرائي دون ممارسته .
- مخالفة الترتيــب الذي حدّده القانون لممارسة الحــق الإجرائي .
أولا: انقضاء الميعاد المحدد لممارسة الحق الإجرائي :
يحدد القانون في كثير من الحالات مواعيد زمنية لممارسة الحقوق الإجرائية ، يتعيّن على من تقررت لمصلحته إحرامها ، وذلك من أجل حسن سير مرفق القضاء بعدم تعطيل وتيرة سير عمله تحقيقا للمصلحة العامة ، أو من أجل منع صاحب الحق الإجرائي من التعسف في استعمال حقه إضرارا بخصمه وتعطيلا لمصالحه. و المواعيد الإجرائية يقسمها الفقه الإجرائي إلى ثلاثة طوائف ، مواعيد ناقصة وهي التي ينص فيها القانون فترة زمنية محددة البداية و النهاية يتعين اتخاذ الحق الإجرائي خلالها ، مواعيد كاملة وهي التي تحدد فيها فترة زمنية لا يجوز اتخاذ الإجراء قبل انقضائها ، و مواعيد مرتدة وهي التي تتحدد بفترة زمنية يمنع اتخاذ الإجراء بعد حلولها. وميعاد السقوط يتميز دوما بأنّه من المواعيد الناقصة .وعندما ينص المشرع على ميعاد اتخاذ جراء ما أحيانا يبيّن أنّه ميعاد سقوط وأحيانا أخرى لا يبين ذلك فيقع لبس أيعتبر ميعاد لسقوط الحق في اتخاذ الإجراء؟ أم أنه ميعاد تقادم؟ تناولت هذه المسألة عدة آراء فقهية ، لا يسعنا المجال هنا للتفصيل فيها ، فهناك من ذهب إلى أن التقادم يتطابق مع حالة واقعية مخالفة للقانون أما السقوط فيؤدي إلى تقوية حالة قانونية موجودة من قبل وهي معارضة للواقع ،وهناك رأي آخر يقول بأن نظام التقادم هو طريق لانقضاء الحقوق، وهو يِِؤدي إلى إنهاء الدعوى القضائية المقررة لحماية الحق الذي سقط بالتقادم ، وبذلك فهو يعتبر أحد أنظمة القانون المتعلقة بأصل الحق وهو يِؤدي إلى إنهاء المركز القانوني الذي أصابه التقادم ،و يخلص هذا الرأي إلى أن السقوط يرد على وسيلة حماية الحق الموضوعي ، عكس التقادم الذي يِؤدي إلي زوال الحق الموضوعي عن صاحبه.
والرأي الثالث يرى أن معيار التفرقة بينهما هو الغرض الذي قصد إليه القانون من تقرير هذا الميعاد، فإن كان لحماية الأوضاع المستقرة فهو ميعاد تقادم وإن تقرر لتحديد الوقت الذي يجب في خلاله استعمال حق أو رخصة فهو ميعاد سقوط (1).و هذا الرأي الأخير هو الأرجح .
فإذا حدّد القانون ميعادا زمنيًا ونصّ على وجوب ممارسة الحق الإجرائي خلاله ، وتمت مخالفتها فإنّه يترتب على ذلك السقوط ، ولكن قد يطرح إشكال في بعض الحالات التي ينص فيها القانون على ممارسة الحق الإجرائي خلال ميعاد زمني محدد ولا ينص على جزاء السقوط عند مخالفته صراحة ولا بعبارة تدل على ذلك ، فما هو المعيار المعتمد لتقريـــــــــر السقوط من عدمه ؟ حسب الفقه الإجرائي فإنه في حالة النص الصريح على السقوط أو أي جزاء آخر فيتم تقريره ولا يطرح إشكال ،أما في عدم النص عليه فإن علــــى القاضي أن ينظـر في مدى تعلقه بالنظام العام أو المصلحة العامة(2) ، لكن هذا الحل يشكل خطرا على حقوق المتقاضين ؛كون السقوط يؤدي إلى الفقدان النهائي للحق الإجرائي ومن ثمة فقدان الحق الموضوعي المحمي به .
وإذا أردنا معرفة موقف المشرع الجزائري من المسألة فإننا بالرجوع إلى نص المادة461 من قانون الإجراءات المدنية نجد أنها حسمت الأمر بنصها على أنه فيما عدا حالة القوة القاهرة يترتب السقوط على مخالفة المواعيد المحددة قانونا لمباشرة حق من الحقوق بموجب نصوص هذا القانون ،حيث يتبين من خلال هذا النص أن المشرع الجزائري وضع قاعدة عامة مفادها أن مخالفة كل المواعيد المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية يترتب عليها سقوط الحق الإجرائي باستثناء حالة القوة القاهرة ..
ثانيا : مخالفة الترتيب الذي حدده القانون لممارسة الحق الإجرائي :من الأشكال الإجرائية التي تقررها مختلف التشريعات اشتراط ممارسة بعض الحقوق الإجرائية وفقا لترتيب محدد بالنسبة لحق إجرائي أو عمل إجرائي آخر وتقرر جزاء السقوط على الإخلال به ،فحسب نص المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية مثلا ، أن حق التمسك بالدفوع الشكلية غير المتعلقة بالنظام العام يجب ممارستها قبل أي دفع أو دفاع في الموضوع وإلا سقط حقه فيها.
(1) د- نبيل إسماعيل عمر " سقوط الحق في اتخاذ الإجراء"- المرجع السابق- ص82.
(2) المرجع نفسه ص 85 .
وعدم احترام الترتيب المحدد قانونا لممارسة الحق الإجرائي كسبب للسقوط قد يتعلق بترتيب رفع الدّعاوى ، مثل وجوب رفع دعوى الحيازة قبل دعوى الملكية ، فإذا قام شخص برفع دعوى للمطالبة بتقرير ملكيته لعقار ما فإنّ حقه في رفع دعوى الحيازة على نفس العقار يكون جزاءه السّقوط ، وهذا حسب نص المادة 418 من قانون الإجراءات المدنية(1)،وهو ما أكدته المحكمة العليا كذلك (2).
كما يتعلق الترتيب الإجرائي بالدفوع، فالقاعدة أن تقديم الدفوع الشكلية يسبق الدفوع بعدم القبول وهي بدورها تسبق الدفوع في الموضوع فالإخلال بهذا الترتيب يؤدي إلى سقوط الدفع السابق إذا مورس الدفع الذي يليه في الترتيب ما لم يكن يتعلق بالنظام العام، و هذه القاعدة كرسها المشرع الجزائري في الفقرة الثانية من المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على أنه لا يجوز الدفع بالبطلان أوعدم صحـة الإجراءات من خصم يكون قد أودع مذكرته في الموضوع ،كما نصت المادة 92 منه على أنه يجب إبداء كل دفع بالإحالة لوحدة الموضوع أو للارتباط قبل أي دفاع في الموضوع، وكذا نص المادة 93 من نفس القانون التي نصت على وجوب إبداء الدفع بعدم الاختصاص المحلي قبل أي دفع أو دفاع آخر،فالإخلال بهذا الترتيب القانوني يؤدى إلى سقوط الحق في اتخاذ الإجراء.
الفرع الثالث: التمسك بالسقوط.
يتفق الفقه الإجرائي على أنّ التمسّك بالسقوط يتمّ عن طريق الدفع بعدم القبول ، وبالتبعية يكون الحكم الذي يستجيب له بعدم قبول الإجراء الذي سبق وأن سقط الحق في اتخاذه ،و الدفع بعدم القبول إنما يوجه إلى الطلب القضائي لانتفاء أحد الشروط القانونية لقبوله، كشرط توافر الصفة و المصلحة حتى يتم قبول دعوى المدعي والتي تتضمن الطلب القضائي ،فكذلك الحق في اتخاذ الإجراء إنما يتعلق بطلب قضائي سواء بالدعوى ذاتها كشرط رفع دعوى الحيازة قبل دعوى الملـكية حتى يتم قبولها طبقا لنص المادة 418من قانون الإجراءات المـدنيــة ، وقــد يتعلـق الحـــــق الإجرائي بأحــد أجزاء الدعــوى أو إجراءاتها،كتقديم دفع ببطلان إجراء من إجراءات الدعوى ، فعدم تقديم الدفع الشكلي قبل التطرق إلى الموضوع مثلا يؤدي إلى سقوط الحق في الدفع، و من ثمة عدم قبوله حسب نص المادة 462 من قانون الإجراءات المدنية ، وبناء على ذلك يكون الدفع الرامي إلى سقوط الحق في اتخاذ الإجراء دفعا بعدم القبول؛لأنه يهدف إلى عدم الاستجابة للطلب القضائي لانتفاء شروط قبوله التي من ضمنها قيام الحق في اتخاذ الإجراء أي أن لا يكون قد سقط.
أما بخصوص الطبيعة القانونية للدفع بعدم القبول فقد انقسم بشأنه الفقه الإجرائي إلى ثلاثة آراء فهناك من يرى أنه من الدفوع الشكلية لأنه يتعلق بمسألة إجرائية بحتة ، أما الاتجاه الثاني فيعتبره من الدفوع المتعلقة بالموضوع لأنه يختلط بوسائل الدفاع الموضوعية من جهة ،ولأنه يتوجه في الواقع وبطريقة غيـر مباشرة إلى أصل الحــق من جـــهة أخري ؛ذلك
(1) تنص المادة 418 ق إ م : " لا تقبل دعوى الحيازة ممن سلك دعوى الملكية ".
(2) قرار مؤرخ في 25 03 1992 ملف رقم 87672 – مجلة قضائية 1993 عدد4 –ص33.
أنّ شروط قبول الدّعوى أو الطلب القضائي ترتبط بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالمصلحة كشرط أساسي للقبول ،فالقاضي عندما يتفحص مدى توافر شروط القبول في الطلب القضائي فهو يتفحص مدى توافر المصلحة وهي من صميم موضوع الدعوى؛ لذلك يعتبر أصحاب هذا الرأي الدفع بعدم القبول دفعا موضوعيا، والرأي الثالث لا يعتبره لا من الدفوع الشكلية ولا من الدفوع الموضوعية بل هو دفع من نوع خاص له ذاتيته المستقلة،و الحجة في ذلك أنّ الدفع بعدم القبول يتوجه إلى الحماية القضائية المطلوبة بهدف إنكار حق طالبها فيها؛ وبذلك فهو لا يتعلق بالشروط الشكلية للدعوى التي يترتب على تخلفها أو مخالفتها البطلان وليس عدم القبول، بالإضافة إلى أن الفصل في الدفع بعدم القبول يتم من خلال تحسس موضوع الإدعاء بالقدر الذي يمكن القاضي من معرفة قيام حق الحماية القضائية للحق الموضوعي المدعى به، دون أن يعتبر ذلك فصلا في الموضوع (1)،لهذا يعتبر هذا الرأي الأخير هو الأرجح.
وإذا أردنا معرفة موقف القضاء في الجزائر من الدفع بعدم القبول فإنه بالجوع إلى الممارسة القضائية لمختلف الجهات القضائية نجد أنها غير متفقة على موقف ثابت و مستقر، فبعضها يستعمل تعبير "عدم القبول شكلا"،والبعض الآخر يستعمل "إبطال الدعوى" بصدد الدفع بعدم القبول ، والأكثر من ذلك فإن المحكمة العليا تكرر هذه المصطلحات عند النظر في الطعون المتعلقة بهذه الأحكام،أو القرارات. (2)
وإن كان جزاء سقوط الحق الإجرائي يترتب على عدم ممارسته في الميعاد المحدد أو الإخلال بالترتيب المنصوص عليه فإنه لا يتقرر إلا بموجب حكم قضائي يقضي بعدم قبول ذلك الإجراء، لكن السؤال الذي يطرح لمن يتقرر حق إثارة السقوط أو من الذي يتمسك به ؟ومتى يكون ذلك؟
قبل الإجابة على هذا السؤال نشير إلى أن الفقه يقسم السقوط إلى نوعين منها ما يتعلق بالنظام العام ومنها ما يتعلق بالحقوق الخاصة للمتقاضين و على هذا الأساس يتحدد من له حق التمسك بالسقوط ، فإذا كان يتعلق بالنظام العام فيجوز لأي من الأطراف أن يثيره وفي أية مرحلة كانت عليها الدعوى وحتى للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها ، أما إذا لم يكن من النظام العام فلا يجوز التمسك به إلا من قبل الخصم الذي تقرر لمصلحته وقبل التطرق للموضوع.(3)
أما موقف المشرع الجزائري فيبدو من خلال نص المادة 461 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على أنه فيما عـدا حالة القوة القاهرة يترتب السقــوط على مخالفة المواعيد
(1) للتفصيل أكثر أرجع إلى د- نبيل إسماعيل عمر-" الدفع بعدم القبول ونظامه القانوني"- المرجع السابق- ص97 وما بعدها.
(2)- قرار للمحكمة العليا مؤرخ في 24.06 .1985 –ملف رقم 52500 المجلة القضائية لسنة 1990 –العدد 2 ص159،والقرار المؤرخ في06 /07/ 1987ملف رقم 43742- المجلة القضائية 1990- العدد4- ص139(عن الأستاذ عمر بن سعيد – الاجتهاد القضائي وفقا لقانون الإجراءات المدنية – دار الهدى عين مليلة الجزائر- ص 8 و89).- و قرار للمحكمة العليا- الغرفة المدنية- ملف رقم44804 بتاريخ 23 /02 /1987 عن الموسوعة القضائية لوزارة العدل لسنة 2000.
(3) د.إبراهيم أمين النفياوي- المرجع السابق- 789 وما بعدها- والدكتورة أمينة مصطفى النمر المرجع السابق ص 41.
المحددة قانونا لمباشرة حق من الحقوق ،حيث وضعت قاعدة عامة ترتب السقوط على مخالفة جميع المواعيد الإجرائية ما عدا في حالة وجود قوة قاهرة حالت دون إمكانية ممارسة الحق الإجرائي في الميعاد القانوني أووفق الترتيب المطلوب ، لكن يبقى الإشكال مطروح فيما يتعلق بمن يحق له التمسك بالدفع بالسقوط ؟ وهل يجوز التمسك به في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ؟وهل يجوز للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها؟
كما سبق وأن أشرنا أنّ الدفع بسقوط الحق في اتخاذ الإجراء هو دفع بعدم القبول ، ومن ثمة فهو يأخذ حكمه من حيث وقت إبدائه أمام المحكمة فيجوز تقديمه في أية حالة كانت عليها الدعوى ؛ لأنه يتعلق أصلا بقبول المطالبة القضائية التي يتعين أن تبقى قائمة إلى غاية صدور حكم فاصل في الدعوى ، أما بخصوص من له حق التمسك بالسقوط فالقضاء الجزائري يعتبر السقوط المتعلق بالمواعيد الإجرائية من النظام العام تطبيقا للمادة 461 من قانون الإجراءات المدنية بصرامة ، والقاضي يثير بشأنه السقوط من تلقاء نفسه.
الفصل الثاني:
مقارنة نظامي البطلان و السقوط.
بعد أن تطرقنا في الفصل الأول إلى مفهومي البطلان و السقوط، وأسبابهما سنحاول في هذا الفصل إجراء مقارنة بين هذين النظامين، وقبل ذلك وجب تمييز نظامي البطلان و السقوط عن باقي الجزاءات الإجرائية الأخرى؛لكي يسهل علينا إجراء المقارنة المقصودة؛لهذا ستناول في مبحث أول تمييز البطلان و السقوط عن باقي الجزاءات ،و في مبحث ثان نتطرق إلى مقارنة نظامي البطلان و السقوط فيما بينهما.
المبحث الأول :
تمييز البطلان والسقوط عن باقي الجزاءات الإجرائية الأخرى.
نظرا لاختلاف جزاءي البطلان و السقوط ، لهذا سنتطرق أولا إلى تمييز البطلان عن باقي الجزاءات الإجرائية ، هذا في مطلب أول ، ثم في مطلب ثان إلى تمييز السقوط.
المطلب الأول:تمييز البطلان.
إلى جانب جزاءي البطلان و السقوط توجد جزاءات إجرائية أخرى كعدم القبول،سقوط الخصومة، والانعدام، لذا يتوجب علينا تمييز أولا البطلان عن عدم القبول في فرع أول،ثم تمييزه عن الانعدام وذلك في فرع ثان.
الفرع الأول:البطلان وعدم القبول.
باعتبار أنّ جزاءي البطلان وعدم القبول يثاران عن طريق ما يسمى بالدفع ،لذا سيكون التمييز بينهما أكثر تركيزا من هذه الزاوية.
الدفع بالبطلان(1)،والدفع بعدم القبول يعتبر كل منهما جزاء إجرائي،فإذا كان الدفع بعدم القبول هو تكييف قانوني ووسيلة دفاع ترمي إلى إنكار الخصم حق خصمه في رفع الدعوى(2). والدفع بعدم القبول له طبيعة خاصة تميزه عن الدّ فوع الموضوعية، وكذا عن الدفوع الشّكلية؛لأنّه لا يوجه إلى ذات الحقّ المدّعى به،و بالتالي لا يعدّ دفعا موضوعيا.كما أنّه لا يوجه إلى إجراءات الخصومة القضــائية ذاتها ،لذا لا يعــدّ دفــعا شكــليا(3)، وإنّما يوجــه إلى الوسيـلة المتمثلة في الدّعوى من حيث توفر شروط قبولها.
(1) - ورد هذا المصطلح في القسم الرابع من الفصل الثاني من مشروع قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تحت عنوان"في الدفوع الشكلية".
(2) - د : نبيل إسماعيل عمر-"مسؤولية الخصم عن الإجراءات"-المرجع السابق-ص 738.
(3) - د : نبيل إسماعيل عمر-" الدفع بعدم القبول"المرجع السابق ص 131.
على خلاف بطلان العمل الإجرائي فالدفع به يكون عن طريق دفع شكلي(1) يوجه في حالة تعيب أو مخالفة العناصر الشكلية و/أوالموضوعية للإجراء،و نتيجة لهذا يجب إبداء هذا الدّفع قبل أي مناقشة في الموضوع، وهذا المبدأ كرسته المادة 462-1من ق إ م. و كذلك قبل إثارة الدّفع بعدم القبول ،بينما هذا الأخير يمكن إثارته في أيّة مرحلة كانت عليها الدّعوى،ولو لأوّل مرة أمام المحكمة العليا لعدم استثنائه بنص صريح (2)،عكس المشرع المصري و الذي أورد نصًا بهذا الخصوص،فتنص المادة 115 من قانون المرافعات المصري على جواز إثارة الدفع بعدم القبول في أي مرحلة يكون عليها النزاع.
ويشترك الدّفع بعدم القبول والدّفع بالبطلان في كونهما يتضمنان بعض الصور المتعلقة بالنظام تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها.كانعدام الصفة الإجرائية أو الأهلية في حالة البطلان،أو فوات ميعاد الطعن القضائي في حالة السقوط.
الفرع الثاني:البطلان و الانعدام.
لكي يمكن التمييز بين البطلان و الانعدام يجب تعريف هذا الأخير، وحسب الرأي الراجح في الفقه يقصد بالانعدام:" عدم توافر أركان قيام العمل الإجرائي."(3).
فإذا كان التمسّك بالبطلان غير المتعلق بالنظام العام مقررا لمن شرّع لمصلحته ولا تثيره المحكمة من تلقاء نفسها، وقد يمكن تصحيح الإجراء المعيب، فإنّ الانعدام يجوز فيه لكلّ ذي مصلحة أن يتمسك به، وللمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها،ويجوز التمسك بالانعدام حتى بعد فوات مواعيد الطعن فالمنعدم لا يتحصّن بمرور الزمن.
والانعدام على عكس البطلان فإذا كان هذا الأخير- كما تناولناه- انه قد يجوز تصحيح الإجراء الباطل وهذا وفقا لنص المادة 462 الفقرة الثانية من ق إ م، فالانعدام بحكم أنه غير موجود أصلا فلا يتصور أن يرد عليه التصحيح لعدم وجوده.(4)،ومن ثمة فالانعدام لا يصحح بالحضور أو الحديث في الموضوع ، أو الدفع بسبق الفصل طبقا لنص المادة 338من القانون المدني. .
كما يتميز البطلان عن الانعدام،كون هذا الأخير لا وجود له قانونا فهو لا يرتب أي اثر قانوني و إن كان الفقه أختلف حول أثاره ،وحسب الرأي الراجح فيه أن الانعدام يرتب آثاره القانونية من الناحية العملية إلى أن يحكم بالانعدام فان البطلان يكون العمل القانوني توافرت أركان قيامه وتخلفت شروط صحته، فإذا كان البطلان متعلقا بالنظام العام فلا يلحقه التصحيح؛أمّا البطلان النسبي فإنّه يصحح؛ويكون منتجا لآثاره القانونية إلى غاية الحكم ببطلان العمل الإجرائي وتكون كلّ الأعمال الإجرائية اللاحقة له باطلة أيضا .
كما يتفق البطلان و الانعدام من حيث طبيعة الحكم الصادر سواء بتقرير البطلان أو الانعدام و ذلك انه حكم كاشف لهما غير منشئ؛ ذلك لأن الانعدام يعتبر واقعة مادية و يأتي كاشفا لها لا غير. وكما رأينا أن البطلان يتمسـك به إمّا في صورة دفـع ببطلان الإجراءات أو
(1) - مشروع قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أنظر المواد 49 ،50،60 منه.
(2) - محاضرات للأستاذ زوده عمر- مستشار بالمحكمة العليا ـ سنة 2005.
(3) - د :عبد الحكيم فوده البطلان – المرجع السابق ص 37 .
(4) - الأستاذ زوده عمر-مستشار بالمحكمة العليا-محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة سنة 2007.
برفع دعوى بطلان مبتدأة (1) ،أمّا الانعدام يمكن بصدده رفع دعوى جديدة دون أن يجابه رافع هذه الدعوى بدفع سبق الفصل .
وفي هذا الصدد يرى الأستاذ" زوده عمر"- مستشار بالمحكمة العليا- أنّه في حالة انعدام التكليف بالحضور وامتنع الخصم عن القيام به بشرط ألا يحضر الخصم الآخر إلى الجلسة ؛أي أنّ الإجراء منعدم أصلا في هذه الحالة يكون الحكم بوقف الخصومة القضائية(2) وهو عمل ولائي ؛ وبالتالي غير خاضع لطرق الطعن القضائي سواء العادية أو غير العادية.
المطلب الثاني: تمييز جزاء السقوط عن باقي الجزاءات الإجرائية الأخرى:
أحيانا يكون هناك تداخلا فيما بين جزاء السقوط وجزاءات عدم القبول،سقوط الخصومة ،وكذا الانعدام، لذا سنحاول إزالة اللبس الموجود فيما بين هذه الجزاءات الإجرائية.
الفرع الأول: تمييز السقوط عن سقوط الخصومة.
سقوط الخصومة يعني زوالها بسبب عدم السير فيها بفعل امتناع المدعي أو الطاعن سواء كان مستأنفا أو طاعنا بالنقض وذلك لمدة سنتين متتاليتين منذ صدور الحكم غير القطعي سواء كان حكما تحضيريا أو تمهيديا.(3)
ويختلف السقوط عن سقوط الخصومة أولا من حيث السبب،فسبب السقوط كما رأينا – هو عدم اتخاذ الإجراء في الميعاد أو الترتيب ،أو المناسبة المقررة قانونا، في حين سبب سقوط الخصومة هو إهمال المدعي السير في دعواه لمدة سنتين متتاليتين(4) من آخر إجراء اتخذ في الخصومة القضائية، وهو واجب إجرائي لمباشرة إعادة السير في الدّعوى.
كما يختلفان من حيث المواعيد فإذا كان السقوط ميعاده يعتبر من المواعيد الناقصة يجب أن يتخذ خلاله الإجراء المطلوب وإلا سقط الحق في اتخاذه ولا يقطع إلا بسبب القوة القاهرة كما هو مكرس بنص المادة 461 من ق إ م،فان ميعاد سقوط الخصومة لا يكون له أي اثر وذلك باتخاذ أي إجراء في الدعوى قبل اكتمال مدة السنتين.
و من جهة أخرى فإذا كان سبب سقوط الخصومة هو إهمال الخصم التعجيل بالدعوى، فان سقوط الحق في اتخاذ الإجراء لا أهمية- بصدد ترتيب آثاره القانونية -إن كان نتيجة إهمال أو تقصير من الخصوم أو دونهما.(5)
(1)- د: عبد الحكيم فوده المرجع السابق ص 287 ،انظر كذلك محا ضرات الأستاذ زوده عمر المرجع السابق.
(2)-الأستاذ" زوده عمر" - المرجع نفسه - جانفي 2007.
(3)-الأستاذ الهادي دالي-المرجع السابق ص 44
(4)-انظر المادة 220من قانون الإجراءات المدنية وكذا مشروع قانون الإجراءات المدينة و الإدارية.
(5)- د:إسماعيل نبيل عمر " سقوط الحق في اتخاذ الإجراء" ـ المرجع السابق- ص 23.
كما يختلف سقوط الحق في اتخاذ الإجراء عن جزاء سقوط الخصومة من حيث التمسك بهما، و سلطة القاضي في تقريرهما فإذا كان السقوط – كما رأينا – وكأصل عام من النظام العام، خاصّة إذا تعلق الأمر بفوات مواعيد الطــــعن القضائي، ونتيجة لهذا يجوز التمسّك به من كلّ طرف في الدّعوى،وتثيره المحكمة من تلقاء نفسها،فعلى العكس من ذلك فإنّ جزاء سقوط الخصومة لا يقع بقوة القانون ، ولا يثيره القاضي من تلقاء نفسه فيكون بطلب من المدعى علية أمام محكمة الدرجة الأولى أو من المستأنف في مرحلة الاستئناف وهو صاحب المصلحة في طلب ذلك، أو الطاعن بعد النقض من المحكمة العليا.
كما يسجل اختلاف بين السقوط و سقوط الخصومة من حيث الآثار القانونية، فإذا تم الحكم بسقوط الحق في اتخاذ الإجراء فان ذلك يحول دون ممارسة الحق الإجرائي مجددا للمطالبة بالحماية القضائية للحق نفسه، وعلى العكس من ذلك ففي حالة الحكم بسقوط الخصومة فان ذلك يؤدي إلى زوال كل إجراءاتها، وعدم الاعتداد بها،باستثناء ما صدر من
أحكام قطعية (1) ؛ ذلك إن الحكم القطعي يكون قد فصل في الموضوع و أدى إلى استقرار المراكز القانونية المترتبة عن هذا الحكم،و احتراما لحجية الشيء المقضي فيه .
وتجدر الإشارة إلى انه إذا حكم بسقوط الخصومة في مرحلة الاستئناف يؤدي ذلك أن يصبح الحكم المطعون فيه بالاستئناف نهائيا (2)
ويلاحظ انه أمام هذه النتيجة المترتبة عن سقوط الخصومة في مرحلة الاستئناف أن حق الخصم في اتخاذ أي إجراء آخر لرفع دعوى جديدة أخرى للمطالبة بالحق نفسه قد سقط ،ففي هذه الحالة أدى سقوط الخصومة إلى سقوط الحق في اتخاذ الإجراء، ويتجلى ذلك انه لو حكم بسقوط الخصومة أمام المحكمة فهذا لا يمنع احد الخصوم أن يعيد رفع دعوى جديدة(3) أمام نفس الجهة القضائية دون أن يجابه رافعها بسبق الفصل،وتبقى الحماية القضائية ممنوحة للحق أو المركز القانوني المعتدى عليه.
أما من حيث طرق التمسك سواء بالسقوط أو بسقوط الخصومة فان التمسك بالسقوط –كما رأينا – يتم عن طريق الدفع بعدم القبول ،و الذي يثار في أية مرحلة كانت عليها الدعوى،أما التمسك بجزاء سقوط الخصومة فيكون إما عن طريق دفع يتقدم به المدعى عليه،أو المستأنف عليه ،و ذلك إذا أعاد المدعى أو المستأنف السير في الدعوى بعد القيام بإجراء التحقيق المطلوب ،وإما عن طريق دعوى بموجب عريضة افتتاحية سواء كان ذلك أمام المحكمة أو المجلس القضائي. (4)
من خلال ما تقدم يتضح لنا جـليا أن الحكم بسقــــــــوط الخصومة في مرحلة الاستئناف يؤدي
(1) - د:أمينة مصطفى النمر - المرجع السابق - ص 525.
(2) - مأخوذ عن مقال صادر عن مجلة منبر الدفاع– المنظمة الجهوية للمحامين سيدي بلعباس ص 31 العدد الأول.
انظر كذلك محاضرات الأستاذ زوده عمر- المرجع السابق –سنة 2006.
(3) ـ ارجع لنص المادة 222 من ق. ا .م.
(4)- قرار صادر عن مجلس قضاء سطيف بتاريخ 21/12/2004 رقم الفهرس: 798/2005 غير منشور.
بدوره إلى سقوط حق الخصم في اتخاذ أي إجراء للمطالبة بالحماية القضائية مجددا للحقّ أو المركز القانوني الذي حكم بسقوط الخصومة بشأنه، و في هذه الحالة قد يؤثر سقوط الخصومة القضائية أو سقوط الحق في اتخاذ الإجراء على الحق الموضوعي،وذلك أنّه في حالة فوات مواعيد الطعن القضائي،فإنّ الحكم الصادر يتحصن مهما شابته من عيوب، وأمّا الحكم بسقوط الخصومة أمام المحكمة فيؤدي ذلك إلى زوال كل الإجراءات المتخذة فيها، وهذه النتيجة قد تؤثر سلبا على الحق الموضوعي ويتحقق ذلك إذا تقادم هذا الحق ،لأن اعتبار الإجراءات كأن لم تكن؛يعني عدم قطع التقادم،وهذا يحول دون رفع دعوى جديدة،و في حالة الحكم بسقوط الخصومة على مستوى الاستئناف يجعل الحكم المستأنف نهائيا فإذا لم يمنح هذا الحكم الحماية القضائية المطلوبة برد الاعتداء،أو إزالة التشكيك عن الحق المعتدى عليه؛فان هذا الحق يبقى دون حماية قضائية؛لأنه بالرجوع لنص المادة(317) من القانون المدني فهي لا تعالج هاتين الحالتين؛أي قطع التقادم في حالة البطلان أو سقوط الخصومة ما عدا الخطأ في الاختصاص القضائي.
الفرع الثاني: تمييز جزاء السقوط عن الانعدام.
إذا كان الانعدام هو عدم توافر الأركان المتطلبة في الأعمال الإجرائية؛ أي عدم وجود الإجراء أصلا،فالسقوط هو عدم اتخاذ الإجراء في الميعاد المحدد،أو الترتيب،أو المناسبة المقررة قانونا(1)،ففي سقوط الحق في اتخاذ الإجراء قد لا يتخذ الإجراء أصلا كما في حالة الانعدام.
و بعد هذا التقديم يتضح لنا أنّ كلا من الانعدام و السقوط يتعلقان بالعمل الإجرائي وكيفية ممارسته؛ أي اتخاذ الحق الإجرائي من عدمه.
والسقوط كأصل عام يتعلق بالنظام العام خاصة إذا كنّا بصدد المواعيد وتثيره المحكمة من تلقاء نفسها،ويحول ذلك دون إمكانية ممارسة الحق الإجرائي من جديد،فعلى العكس من ذلك انه في حالة الانعدام لا يحول دون الإجراء المطلوب،ومثال ذلك لو لم يقم المدعي بتكليف المدعى عليه بالحضور للجلسة،و لم يبلغه بعريضة افتتاح الدعوى فيمكن للقاضي أن يمنح للمدعي أجلا للقيام بذلك،كما يجوز رفع دعوى جديدة لا يمكن أن يدفع تجاهها بسبق الفصل المنصوص عليه بنص المادة 338من القانون المدني الجزائري.
ويكون التمسك بالسقوط – كما رأينا – دائما عن طريق الدفع بعدم القبول(2)،أما الانعدام يكون التمسك به،إما عن طريق دفع،أو برفع دعوى مبتدأه.
ويلاحظ انه في حالة الانعدام لا يعتد بالمواعيد، و لا تنقضي الآجال القانونية، فمثلا إذا صدر حكم في غياب التكليف بالحضور، و عدم تبليغ الخصم بالعريضة الافتتاحية،ولم يحضر الخصم الجلسة،فلا تنعقد الخصومة القضائية، و بالتالي يكون الحكم الصاد رفي هذه الحـالـة منعـدما،مـا لم يصدر حكمـا بوقف الخـصـــومة،وبالتـالي و حسب غـالبية الفـقـه أنّه لا
(1) - د:نبيل إسماعيل عمر" سقوط الحق في اتخاذ الإجراء" – المرجع السابق – ص 15.
(2) - د: أمينة مصطفى النمر – المرجع السابق – ص 417.
يتـحصن هذا الحـــكم لسبب. منطقي؛ ذلك أنّ العدم لا يولد أية حقوق أو مراكز قانونية،و عليه فان الانعدام يحول دون تحقق سقوط الحق في اتخاذ الإجراء،فجزاء الانعدام يعمل للحد - في بعض الأحيان- من فعالية جزاء السقوط ،وهذا لأجل المحافظة على خدمة القاعدة الإجرائية للحق الموضوعي( 1).
ومن جهة أخرى يتداخل جزاء الانعدام بالسقوط وذلك أنّّه من بين أسباب هذا الأخير انقضاء الميعــــاد المحـدّد لاتخـاذ الحق الإجرائي دون ممارسته، أو تـنـازل الخصوم عن هذا الحق، (2) و في كلتا الحالتين لا وجود للعمل الإجرائي لانعدامه، فنكون في هذه الحالة أمام جزاءين في قالب واحد هما الانعدام وجزاء سقوط الحق في اتخاذ الإجراء في الوقت نفسه.
أمّا من حيث الآثار القانونية،فإنّه إذا كان الانعدام يرتب آثاره من الناحية الواقعية،ويكون الحكم الصادر بشأنه حكما كاشفا لواقعة مادية لا غير،فان السقوط قد لا يحتاج إلى صدور حكم بذلك، و مثاله أن تمنح الصيغة التنفيذية للمحكوم له بمجرد فوات مواعيد الطعن ؛أي المعارضة و الاستئناف، و هذا قي الحالات العادية غير حالات الاستعجال ،فهنا لا نحتاج إلى صدور حكم للقول أن الميعاد قد انقضى، و أن الحق الإجرائي للخصم قد سقط.
الفرع الثالث: تمييز السقوط عن عدم القبول.
يتم التمسك بالسقوط ــ كما رأينا في الفصل الأول من هذه الدراسةــ عن طريق الدفع بعدم القبول ،فيعتبر هذا الأخير الوسيلة في إثارة سقوط الحق في اتخاذ الإجراء ،فهو في هذه الحالة يعتبر خادما للسقوط ومقررا لوجوده. فإذا كان كلا من السقوط، و عدم القبول جزاءين إجرائيين،إلا أن تقرير الجزاء الأول يكون عن طريق الدفع بالجزاء الثاني.
ومن جهة أخرى فان السقوط يرد على الحق الإجرائي، و يحول دون ممارسته من جديد، فان الدفع بعدم القبول يوجه إلى الدعوى من حيث توافر شروط القبول(3)، و في هذه الحالة فان الدفع بعدم القبول الذي يتم عن طريقه إثارة جزاء السقوط يتطابق و خصائص الدفع بعدم القبول الذي يوجه إلى حق الخصم في الدعوى،فهو لا يتصل بأصل الحق، و من جهة أخرى يعتبر الميعاد المحدد لممارسة الحق الإجرائي شرطا لقبول العمل الإجرائي(4).
وحسب بعض الفقه أنه إلى جانب العناصر الشخصية اللازمة لقبول الدعوى،هناك عناصر موضوعية كذلك منها عنصر المدة و الذي يؤدي عدم احترامه إلى عدم القبول،وبالتالي نلاحظ أن العنصر الزمني يكون له دور في تقرير السقوط،وذلك عند عدم احترام الميعاد المحدد قانـونا لممارسة الحق الإجرائي.و لما اندمج السقوط بالدفع بعدم القبول ،فيجوز إبداؤه
(1) - محاضرات للأستاذ" زوده عمر" المرجع السابق – للسنة الثانية2006.
(2) د: "نبيل إسماعيل عمر" – سقوط الحق في اتخاذ الإجراء – المرجع السابق – ص 37.
(3) د:أحمد أبو الوفا "المرافعات المدنية و التجارية، نظرية الدفوع" الطبعة 05 سنة 1995منشأة المعارف الإسكندرية ص 240 وما بعدها.
(4) د:" نبيل إسماعيل عمر" – سقوط الحق في اتخاذ الإجراء – المرجع نفسه ص 177.
في أيّ مرحلة كانت عليها الدّعوى، لكن يثار التساؤل حول ما إذا لم يكن السقوط متعلقا بالنظام العام، فمتى يثار؟ وعن طريق أي دفع؟،و الإجابة تكون فيما يأتي:
و في هذا الصدد يرى الأستاذ "زوده عمر"- مستشار بالمحكمة العليا – أنّه في حالة فــوات ميعاد الطعـن بالاستئناف مثلا،فهنا يكون الحكم بعدم القبول؛ذلك لأنّه بفوات الميعاد،لم يعد القانون يحمي مصلحة الطاعن(1)، إذا الحماية القانونية زالت، وبالتالي تتخلف المصلحة؛ و لهذا نكون بصدد عدم القبول.
ومن خلال ما تقدّم يتضح لنا أنّه أحيانا يتداخل سقوط الحق في اتخاذ الإجراء، وعدم القبول؛ و ذلك لزوال المصلحة التي كان يحميها القانون، رغم اختلافهما اختلافا جوهريا، لتعلق جزاء السقوط بالحق الإجرائي، و تعلق جزاء عدم القبول بشروط قبول الدعوى.
كما يجب التركيز و التمييز بين الآثار القانونية المترتبة عن الحكم بسقوط الحق في اتخاذ الإجراء، و الحكم بعدم القبول،فإذا كان في الحالة الأولى يضع حدا للخصومة القضائية، و يحول ذلك دون الاستمرار فيها في حالة ما إذا تعلق الأمر بفوات مواعيد الطعن،أما إذا كان خرقا لترتيب ،أ ومناسبة،فانّ ذلك يسقط حق الخصم في اتخاذ الإجراء لاحقا،أمّا عند الحكم بعدم القبول فذلك لا يحول دون رفع دعوى جديدة، و مثالها لو صدر حكم بعدم القبول لأن المصلحة غير حالة،و لا قائمة،وهذا كأصل عام،فإذا أصبحت حالة فيما بعد،يمكن رفع دعوى جديدة،أو بعد الحصول على الإذن،أو استيفاء القيد،و لا يمكن أن يجابه رافع الدّعوى بسبق الفصل؛لأنها لم تفصل في الموضوع،لهذا يجب التفرقة بين الحكم المقرر لسقوط الحق في اتخاذ الإجراء عن طريق الدّفع بعدم القبول، و الحكم الصادر بعدم القبول في الحالات الأخرى كانعدام المصلحة ،أو الصفة غير الإجرائية،لأنه في حالة انعدام المصلحة في رافع الدعوى يمكن التصدي له على الخيار إمّا بعدم القبول،و إمّا التصدي في الموضوع برفض الدعوى(2) ،و لهذا لا يمكن رفع دعوى جديدة،احتراما لمبدأ حجية الشيء المقضي فيه .
وتجب الإشارة إلى نتيجة مهمة وهى أنّه إذا رفعت دعوى جديدة بعد استيفاء القيد بعد انقضاء الأجل القانوني،وليكن ميعاد طعن ،ففي هذه الحالة نلاحظ أنّ جزاء سقوط الحق في اتخاذ الإجراء يؤثر على الحقوق الإجرائية، خلافا للقواعد العامة والتي تقضي بإمكانية رفع دعوى جديدة بعد عدم قبولها لعدم استيفاء القيد،وكذلك الأمر بالنسبة للإذن بعد استيفائهما،أو بعد استيفاء الطعن الإداري.
(1)- الأستاذ "زوده عمر" محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة سنة 2006. السنة الثانية.
(2)- المرجع نفسه.
المبحث الثاني:
تمييز السقوط عن البطلان.
بعد أن تناولنا مفهومي السقوط و البطلان،أسبابهما و كيفية التمسّك بهما، و آثارهما،ثمّ ميّزنا بين البطلان والسّقوط وباقي الجزاءات الإجرائية المشابهة لهما، يسهل علينا الآن إجراء مقارنة بين نظامي البطلان و السّقوط، و ذلك من حيث المفاهيم العامة خاصة محلّهما،و كذا مسؤولية أطراف الخصومة، ثمّ تمييزهما من حيث الإجراءات.
المطلب الأول:تمييزهما من حيث المفاهيم العامة.
نحاول في هذا المطلب إجراء مقارنة بين البطلان و السقوط من حيث المفاهيم العامة، و ذلك من خلال التطرق إلى الطبيعة القانونية لهما، و محلهما،وكذا مسؤولية أطراف الخصومة و الغير بشأنهما.
الفرع الأول: تمييزهما من حيث محلهما وطبيعتهما القانونية.
أولا تمييزهما من حيث محلهما: كما رأينا أنّ البطلان هو جزاء مخالفة الشروط الشكلية و/أو الموضوعية اللازمة لصحّة العمل الإجرائي ،أمّا السقوط فهو جزاء عدم استعمال الحق الإجرائي في الميعاد ،أو الترتيب،أو المناسبة المحدّدة قانونا، فكلاهما جزاء إجرائي،يترتب كأصل عام عن مخالفة الشّكل الذي يتطلبه القانون لمباشرة أي عمل إجرائي،ضمن خصومة قضائية قائمة؛ و عليه نلاحظ أنّ البطلان يكون محلّه العمل الإجرائي المعيب، و الذي يكون مخالفا لنموذجه الذي حدّده القانون، مؤديا إلى عدم ترتيب الآثار القانونية التي كانت ستترتب عليه لو كان صحيحا(1) ،في حين أنّ السقوط يكون محلّه الحق الإجرائي و الذي يخول لصاحبه مكنة اتخاذ الإجراء في الموعد، أو الترتيب ، أو المناسبة المحددة قانونا ، و عليه يمكن استخلاص أن محّل البطلان هو العمل الإجرائي ، وأنّ محّل السّقوط هو الحقّ الإجرائي ، و محلّ هذا الأخير هو العمل الإجرائي ، فالحقّ الإجرائي يمارس عن طريق القيام بالعمل الإجرائي السّابق بيانه وبالشّكل الذي قرره القانون.
ثانيا تمييزهما من حيث طبيعتهما القانونية:
ومن خلال هذه النتيجة نلاحظ أن المشرّع لممارسة الحقّ الإجرائي أوجد للخصوم مكنة تتمثل في العمل الإجرائي، و حدّد شروط صحّة هذا العمل؛ إذًا فالعمل الإجرائي يدخل في الطبيعة القانونية للحقّ الإجرائي.
كما أنّ ميعاد السقوط يعتبر من أهمّ المواعيد،فإذا كان البعض من الفقه يرى أنّ المواعيد الإجرائية تختلف عن مواعيد السقوط ، من حيث أنّ الأولى تهدف إلى تحديد النشاط الإجرائي للخـصوم بفترة من الزمن ،فهي إذا مرتبطة بالمكنات الإجرائية التي نشأت للخصوم
(1) - د: النفياوي" مسؤولية الخصم عن الإجراءات" ــ المرجع السابق ــ ص751.
بسبب الخصومة القضائية ، أو أثنائها (1)، فإنّ البعض الآخر من الفقه يرى وجود صعوبة في التمييز بين المواعيد الإجرائية و مواعيد السّقوط ،لأنّ كلي النوعين من المواعيد يكون من طبيعة واحدة، و مع ذلك فمواعيد السقوط يكون الهدف منها، هو الدّفع بالخصم لاتخاذ الإجراء المطلوب في ميعاده، و مثال ذلك مواعيد الطعن في الأحكام ، أمّا المواعيد الإجرائية فهي تهدف إلى إعطاء الخصم نوعا من المهل لتحضير و إعداد دفاعه، و مثال ذلك مواعيد الحضور و المحدّدة في القانون الجزائري بعشرة(10) أيام من تاريخ التبليغ بالعريضة الافتتاحية، و التكليف بالحضور للجلسة ، و هذا ما نصّت عليه المادة 26 من ق ا م، و نتيجة لذلك فمواعيد السّقوط وجدت لتنظيم ممارسة الحقّ الإجرائي، و استعمال الحق في الدّعوى، أما المواعيد الإجرائية فهي موجهة لتنظيم سير الخصومة القضائية، فطالما وجد حق إجرائي و حدّد القانون ميعادا لممارسة هذا الحق فإننا نكون إزاء موعد من مواعيد السقوط.
وعليه نلاحظ أنّه رغم أنّنا بصدد مسألة المواعيد إلا أنّه إذا كانت لممارسة الحقّ الإجرائي في زمن محدّد، أو ترتيب ، أو مناسبة معينة ،فإذا لم يتخذ الحقّ الإجرائي على النحو السابق ذكره ، فإننا نكون أمام جزاء السقوط، في حين إذا كان الموعد أو الترتيب ، أو المناسبة المقررة قانونا،موجه لكلّ الخصوم ،أو القاضي و حتى الغير،أي أنّها مواعيد إجرائية، فإذا تمت مخالفتها فنكون أمام جزاء البطلان.
فيجب على الباحث بصفة عامّة، و على القاضي بصفة خاصّة أن يميّز بين ما إذا كان الميعاد يتعلق بحقّ إجرائي أم لا ؟ هل هو مخول للخصوم دون سواهم ؟، أم أنّه ميعاد يتعلق بتنظيم سير الخصومة القضائية ؟، و ذلك لأنّه و حسب كلّ حالة نكون إزاء جزاء إجرائي يختلف عن الآخر و يتجلّى ذلك في أنّه إذا قام أحد الخصوم باتخاذ الإجراء الذي سقط الحقّ فيه، ففي هذه الحالة نكون أمام جزاءين:
الأوّل هو جزاء السقوط الذي كان قبل القيام بالعمل الإجرائي لفوات الميعاد، أو عدم احترام الترتيب ، أو المناسبة المحددة قانونا ، أو بتنازل الخصم عن حقه الإجرائي .
والثاني جزاء البطلان و الذي يقع نتيجة القيام بالعمل الإجرائي في غير الظرف الزمني الذي حدده القانون؛ و لهذا يعتبر البطلان في هذه الحالة بطلانا متعلقا بالشّكل و بالموضوع في آن واحد فتعلقه بالشكل تحقق لأنّ العمل الإجرائي تم في غير الميعاد المحدّد، و متعلقا بالموضوع بسبب أنّ هذا العمل الإجرائي الذي قام به الخصم قد سقط الحقّ في اتخاذه، إذا فالخصم لم يعد له سلطة للقيام بهذا العمل الإجرائي.
و من جهة أخرى فإنّ البطلان قد لا يقع رغم مخالفة القواعد الإجرائية ما لم يلحق ضررا بالخصم، أو تحققت الغايّة المرجوّة من الإجراء الباطل، فعلى العكس من ذلك فجزاء السقوط يقع رغم عدم تحقق ضرر للخصم، فبمجرد عدم ممارسة الحق الإجرائي في الميعاد المحدّد، أو في الترتيب ، أو المناسبة المقررة لذلك فيسقط بذلك حقّه في اتخاذه لاحقا، ويترتب عندئذ جزاء السقوط.
(1)- د:"نبيل إسماعيل عمر "سقوط الحق في اتخاذ الإجراء"ـ المرجع السابق- ص 102.
الفرع الثاني : التمييز بينهما من حيث مسؤولية أطراف الخصومة.
لمّا كان العمل الإجرائي هو العمل القانوني الذي يباشر من اجل ترتيب اثر قانوني معين بشان خصومة قضائية، (1) فالقاضي عندما يطبّق القانون على وقائع النّزاع المطروح عليه، و يصدر حكمه فهو بذلك يقوم بعمل قانوني بصدد خصومة قضائية قائمة ، كذلك بالنسبة للمحضر القضائي عندما يبلغ عريضة افتتاحية للدّعوى للخصم ، و يكلفه بالحضور إلى المكان والزمان المحددين فهو يباشر عملا إجرائيا الهدف منه انعقاد الخصومة وهي الأثر القانوني المباشر لهذا الإجراء، وبصفة عامّة فإنّ العمل الإجرائي قد يقوم به القاضي أو احد أعوانه، أو الخصوم ، أو الغير؛ وعليه فإنّّه قد يترتب البطلان كجزاء عند مخالفة هذا العمل لنموذجه الذي حدّده القانون، وبالتّالي إذا كان سبب البطلان راجع للقاضي و هو المتسبب فيه فيكون حكمه باطلا ، ويمكن إثارة هذا البطلان عن طريق الطعن ببطلان الحكم بواسطة طرق الطعن،كالمعارضة أو الاستئناف،أما إذا كان المتسبب في البطلان احد أعوان القضاء كبطلان محضر التبليغ كأن لا ينصّ في صلبه على مهلة المعارضة المحدّدة بعشرة أيّام من تاريخ التبليغ(2) ،أو أن يكون محضر التكليف بالحضور باطلا ، ففي هذه الحالة يمكن للقاضي أن يمنح للخصم أجلا لتصحيح هذا الإجراء، ومن تاريخ هذا المنح القضائي للأجل تبدأ مسؤولية الخصم في إعادة تبليغ خصمه بالعريضة الافتتاحية تبليغا صحيحا .
و نتيجة لذلك لا يجوز لمن تسبب في البطلان أن يتمسّك به مبعدا مسؤوليته عن هذا الجزاء ، إلا إذا كان البطلان متعلقا بالنظام العام ، كما أنه لا يجوز للقاضي أن يثير البطلان إذا كان هو المتسبب فيه خاصّة إذا اصدر الحكم و كان هذا الأخير مشوب بتعيب العمل الإجرائي، كما يجوز للغير أن يتمسك بالبطلان في مواجهة أطراف الخصومة وذلك فيما يخص الأعمال الإجرائية السابقة لتدخله أو إدخاله في الخصام ، فهنا مسؤولية أطراف الخصومة القضائية تكون قائمة تجاه الغير على جميع الأعمال الإجرائية التي يقومون بها،ومثالها أن يتدخـــل الضامــــــن في الدّعـوى طبقا للأوضــاع المقـرّرة في نصّ المادة 82 من ق. ا. م و يـدفع هذا المتدخل ببطلان الإجراءات لانعدام الأهلية أو الصفة الإجرائية (3) لدى احد الخصوم ، فبالرغم من أنّ المتدخل قام بأوّل عمل إجرائي وهو التدخل في الدّعوى إلا أنّه استند إلى مسؤولية احد الخصوم في بطلان العمل الإجرائي الذي أتاه في الخصومة القضائية .
وعلى العكس من ذلك تماما نجد أنّ جزاء السّقوط ولمّا كان محله الحقّ الإجرائي ، و توصلنا إلى أنّ الحقّ الإجرائي لا يمنح إلا للخصوم ؛ و عليه السّقوط لا يتصور في بعض الأعمال الإجرائية التي يأتيها القاضي أو الغير و أحيانا الخصوم أنفسهم ، و لهذا لا يمكن توقيع جزاء السّقوط بالنسبة لأعمال القاضي لأنّ السقوط يرد على حق إجرائي والقاضي لا يتمتع بأيّة حقوق إجرائية (4)
(1) - د: "عبد الحكم فوده" – المرجع السابق – ص 09.
(2) - انظر المادة 98 - 1من ق ا م والتي تنص: "يجوز الطعن في الأحكام الغيابية بطريق المعارضة ضمن 10 أيام من تاريخ التبليغ الحاصل وفقا للمواد 22، 23، 24، 26.
و يجب أن يذكر في سند التبليغ تحت البطلان أنه بانقضاء المهلة المذكورة يسقط حق الطرف في المعارضة.
و مع ذلك عندما يكون التكليف بالحضور مسلما بالذات يعد الحكم حضوريا غير قابل للطعن فيه بالمعارضة."
(3) - يعرف الأستاذ زوده عمر الصفة الإجرائية:" هي صلاحية الشخص لمباشرة الإجراءات القضائية باسم غيره،و ذلك لان صاحب الصفة الأصلية في الدعوى قد أصبح في استحالة قانونية أو مادية لمباشرتها بنفسه."
(4) - د: نبيل إسماعيل عمر "سقوط الحق في اتخاذ الإجراء" – المرجع السابق – ص 221.
فالقانون لمّا يحدّد ميعادا لقيام القاضي بعمله فهذا بغرض تنظيمي ، و لهذا لا يجوز لأحد الادعاء بوجود جزاء السقوط ، أمّا الخصوم فإذا كانوا مكلفين بعبء قانوني ،أو واجب إجرائي فلا يمكن لأحد الخصوم أن يثير مسؤولية الخصم الأخر عن جزاء السّقوط .
وعليه إذا كان البطلان يترتب كجزاء إجرائي نتيجة تعيب العمل الإجرائي مهما كانت صفة الشخص القائم به ، فان السقوط لا يكون إلا في مواجهة احد الخصوم الذي سقط حقه في اتخاذ الإجراء، ونتيجة لهذا فان المسؤولية تتسع في حالة البطلان لتشمل الأعمال الإجرائية التي يقوم بها القاضي و أعوانه ، و الخصوم وحتى الغير، و تضيق هذه المسؤولية في حالة جزاء السقوط فيكون في مواجهة وعلى مسؤولية الخصم الذي سقط حقه في اتخاذ الإجراء.ومنه لا تقوم مسؤولية أطراف الخصومة القضائية و تقرير جزاء السقوط في الحالات التي لا تتوافر فيها الصلة بين فعل الخصم و وقوع المخالفة (1)، كوقف الميعاد بسبب القوة القاهرة أو انقطاع الخصومة بسبب وفاة الخصم المكلف باتخاذ الإجراء.
المطلب الثاني : تمييزهما من حيث الإجراءات.
بعد أن تناولنا في الفصل الأوّل مفهومي البطلان و السقوط، و أسبابهما،و كذا طرق التمسّك بهما ،و سلطة القاضي التقديرية بشأنهما ، وكذا بعد التطرق في الفصل الثاني وفي مطلب أوّل إلى مقارنة نظامي البطلان ،و السّقوط مع باقي الأنظمة الإجرائية الأخرى المشابهة لهما وبعد التمييز بين نظامي البطلان والسقوط من حيث المفاهيم العامة،يسهل علينا الآن إجراء التمييز بينهما من حيث الإجراءات سواء المنشئة للخصومة أو أثناء سيرها ولذلك سنتطرق في هذا المطلب إلى التمييز بين البطلان والسقوط من حيث التمسّك بهما والسّلطة التقديرية للقاضي في تقريرهما هذا في فرع أوّل ، أمّا في الفرع الثاني سوف نتطرق إلى التمييز بينهما من حيث الأهداف والنتائج القانونية المترتبة سواء عن البطلان أو السّقوط.
الفرع الأوّل: و سلطة القاضي في تقريرهما.
أولا: التمييز بينهما من حيث التمسك بهما.
باعتبار أنّ البطلان جزاء إجرائي ينصب على أعمال إجرائية جاءت مخالفة لنموذجها الذي حدّده القانون، فالعمل الإجرائي قد يقوم به الخصوم أو يباشر ه القاضي أو احد أعوانه وحتى الغير يمكنهم القيام بالأعمال الإجرائية (2) ،وعليه يجوز لمن تقرر البطلان لمصلحته أن يتمسك به ،على العكس من ذلك فإنّ جزاء السّقوط يتعلق بحقوق إجرائية ولهذا لا يمكن تصور انصراف جزاء سقوط الحق في اتخاذ الإجراء إلا على الأعمال التي يباشر ها الخصوم لأنّهم وحدهم يتمتعون بالحقوق الإجرائية على خلاف جزاء البطلان الذي يسري على جميـع الأعـمال الإجرائية المعيبة مهما كانت صفة الشّخـص القائم بها ، و على هــــــذا
(1) د: النفياوي " مسؤولية الخصم عن الإجراءات "المرجع السابق – ص 794.
(2) د: النفياوي " مسؤولية الخصم عن الإجراءات " المرجع نفسه – ص 753.
الأساس يختلف التمسّك في حالة ما إذا كان الأمر متعلقا بالبطلان أو السّقوط، ففي حالة البطلان المتعلق بالنظام العام ،أو إذا كان ميعاد السقوط متعلقا بالنظام العام ، فيكون لكلّ ذي مصلحة التمسّك بالبطلان أو السّقوط حسب كل حالة ،أمّا إذا كان البطلان نسبيا أو ميعاد السقوط ليس من النظام العام فلا يمكن التمسّك بهما حسب كلّ حالة إلا من الطرف الذي تقرر ذلك لمصلحته .
ومن جهة أخرى فإنّ التمسّك بالبطلان يكون إمّا في صورة دفع شكلي- كما بيناه في المطلب السابق - وإمّا بواسطة دعوى بطلان مبتدأة ،هذا في الأعمال الإجرائية أمّا الدفع ببطــلان الحكم فيكون عن طريق طرق الطعـن في الأحكام، والى جانب هذا فانه توجد مسقـطــات الدّفع بالبـــطلان بمعنــى سقــوط الحــــقّ في الدّفع بالبـــــــطلان ومـــن بيـن هـذه
المسقطات ،تقديم دفع شكلي آ خر غيرا لدفع بالبطلان سواء كان ذلك شفـاهة أو بتقديم مذكرة مكتوبة أو الدخول في الموضوع ، ذلك بطلب رفض طلبات المدعي أو عرض الصلح أو إبداء طلبات عارضة أو إدخال ضامن في الدعوى أو الدفع بعدم القبول أو التمسك بسقوط الخصومة .
والنزول عن التمسّك بالبطلان قد يكون صريحا وذلك باتجاه الإرادة صراحة إلى عدم إبداء الدفع بالبطلان ، أو ضمنيا باتجاه سلوك الخصم سلوكا يدّل على رضاه واعتبار الإجراء وكأنّه قد تمّ صحيحا، وقد يكون النزول قانونيا و الذي يرتبه القانون كجزاء إجرائي في سقوط الحق في إثارة الدفع بالبطلان دون اعتبار لإرادة صاحب المصلحة في الدفع، وفي هذا النوع من النزول نكون أمام جزاء السقوط بعد عدم إبداء الدفع الشكلي المتعلق بالبطلان وهو مسلك اتخذه المشرع الجزائري كتكملة للعيوب و للحدّ من العرقلة التي قد يخلقها جزاء البطلان فجاء بجزاء السّقوط في هذه الحالة للدّفع بإجراءات الخصومة إلى الأمام للوصول بها إلى إصدار حكم فاصل في النزاع، و يتجلى ذلك من خلال نص المادة 462 من ق. ا. م والتي مفادها أنّه لا يجوز الدفع بالبطلان أو بعدم صحة الإجراءات من خصم قد أودع مذكرته في الموضوع،و كذلك الشأن بالنسبة لعدم إيداع أو تقديم مبلغ الكفالة المنصوص عليها في المادّة 460 ق. إ. م.
ثانيا: التمييز بينهما من حيث سلطة القاضي في تقريرهما.
أمّا فيما يخص سلطة المحكمة بصدد البطلان أو السقوط ،فيكون للمحكمة التي أثير أمامها دفع بالبطلان أنّها ليست ملزمة بالحكم به بالرغم من تحقق أسباب البطلان ما لم يكن متعلقا بالنظام العام ، وذلك متى تحققت الغاية من الإجراء ، أو عدم ثبوت ضرر للخصم المتمسك به، أمّا إذا تم تصحيح الإجراء الباطل فلا يمكن التمسك بالبطلان والمحكمة لا تقضي به، وهذا ما لا يتصور في جزاء السقوط خاصة إذا كان سببه انقضاء الميعاد ولا يمكن تجديده وبالتالي لا يمكن القيام به مرة أخرى فإذا دفع الخصم بسقوط حق خصمه في اتخاذ الإجراء فلا يمكن للمحكمة أن تتجاهل جزاء السقوط في هذه الحالة .
وندعم ما توصلنا إليه من نقاش وتحليل ، و ذلك من خلال استقراء نص المادة 194ـ 1من ق ا م والتي تنص على أن" الأحكام الصادرة من المحاكم أو المجالس التي لا تكون قابلة للطعن فيها بطريق المعارضة أو الاستئناف ،يجوز التماس إعادة النظر فيها من جانب من كان طرفا فيها أو ممن ابلغ قانونا بالحضور و ذلك في الأحوال التالية :
- إذا لم تراع الأشكال الجوهرية قبل أو وقت صدور هذه الأحكام بشرط ألا يكون بطلان هذه الإجراءات قد صححه الأطراف".
من خلال هذه الفقرة من نص المادة 194من ق ا م نستخلص أنّ المشرّع نصّ على إمكانية تصحيح الإجراء الباطل حتى ولو كان جوهريًا، وهنا يطرح التساؤل هل المشرّع الجزائري لا يعتبر الإجراءات الجوهرية من النظام العام ؟ ، و إذا تمّ ذلك فنكون أمام جزاء آخر وهو عدم قبول طعن الخصم المتعلق بالتماس إعادة النظر لأنّ مناط كل دعوى أو دفع هو المصلحة وفي هذه الحالة المصلحة لم يعد القانون يحميها ؛لأنه إذا لم تصحح الإجراءات قبل أو وقت صدور الحكم يكون للخصم المتضرر من الإجراء المعيب مصلحة يقررها له القانون ، هذه المصلحة تخول له حق الطعن عن طريق التماس إعادة النظر وهو حقّ إجرائي أزاله القانون إذا تمّ تصحيح الإجراءات المعيبة ، كما يمكن في هذه الحالة أيضا تصور وقوع جزاء سقوط الحق في اتخاذ الإجراء ليس فقط بسبب انقضاء المواعيد ،سواء بفوات مهلة شهرين من تاريخ تبليغ الحكم أو القرار فيما يخص الحالة المنصوص عليها في المادة (194)-1 من ق ا م؛وإنما كذلك سقوط حق الخصم في اتخاذ الإجراء المتمثل في الطعن غير العادي، وهو التماس إعادة النظر بسبب تصحيح الإجراءات، وهذا دون تجاهل في حالة ما إذا لم تصحح الإجراءات قبل أو وقت صدور الحكم أو القرار ورفع صاحب المصلحة التماسا بإعادة النظر وكان رفعه في الآجال القانونية ،ولكن عريضة التماس إعادة النظر كانت باطلة فيلاحظ أن هذا البطلان قد يؤثر على ممارسة الحق الإجرائي وذلك إذا قام الخصم بتصحيح عريضة الالتماس بعد صدور الحكم أو القرار الملتمس فيه، وكان ميعاد الالتماس قد فات فيسقط بذلك حقّ الخصم في رفع التماس جديد بعد تصحيح عريضة الاستئناف،وبهذا نلاحظ كيف أثر البطلان على ممارسة الحقّ الإجرائي إذ أدّى البطلان إلى سقوط الحق في اتخاذ الإجراء.
الفرع الثاني: التمييز بينهما من حيث الأهداف والنتائج القانونية.
أ) ـــ التمييز بينهما من حيث الأهداف.
الأصل أنّ القواعد الإجرائية المدنية وضعت لحماية الحقوق و المراكز القانونية لأصحابها، و النظم الإجرائية على اختلافها كنظام الدّعوى و الخصومة ، التبليغات ، والطعن في الأحكام ما وجدت إلا لحماية الحقوق،و المراكز القانونية،وعلى هذا الأساس قيل أن قانون الإجراءات المدنية هو قانون وسيلي أو خادم للقواعد الموضوعية وذلك عند وقوع الاعتداء على الحقوق الموضوعية المتولدة عنها؛و من هذا المنطلق فلا يجوز أن تؤدي القواعد الإجرائية إلى إهدار الحقوق والمراكز القانونية على أصحابها. ومن جهة أخرى فإنّه أية قاعدة إجرائية تكمن فعاليتها في الجزاء المترتب في حالة مخالفتها وفي موضوع بحثنا هما جزاءي البطلان،و السّقوط وسنحاول في هذا الفرع أن نبيّن هذا التضارب للوصول إلى اتزان بين الجزاءات الإجرائية من جهة ومن جهة أخرى المحافظة على فعالية القواعد الموضوعية المجسّدة للحقوق والمراكز القانونية،ثم تمييزهما من حيث الأهداف والنتائج المترتبة عن الجزاءين؟.
إنّ كلا من نظامي البطلان والسّقوط يساهمان ويهدفان إلى كفالة احترام القواعد الإجرائية،و القانون يحدد العديد من الوقائع التي تخفف من حدة جزاء البطلان ؛و نتيجة لذلك فهو يحدد وقائع تؤدي إلى إسقاط الحق في التمسّك بجزاء البطلان كما يجيز تصحيح الإجراء الباطل، كما أنّ تحقق الغاية من الإجراء المعيب يؤدي بدوره إلى سقوط حق الخصم في التمسّك بالبطلان. و كذلك بالنسبة للسقوط فالقانون أيضا يحدد العديد من الوقائع التي تؤدي إلى زوال الحقّ الإجرائي ،و مثاله الكلام في الموضوع الذي يؤدي إلى سقوط حق الخصم في التمسّك بالدفوع الشّكلية ما لم تتعلق بالنظام العام.و في كل هذه الحالات فإنّ المشرّع يهدف إلى التخفيف من حدّة إعمال جزاء البطلان،كما أنّه يهدف إلى إسقاط الحقّ الإجرائي عن صاحبه ،حتى لا يؤدي استعمالهما إلى الإضرار بسير إجراءات الخصومة القضائية وإهدار أصل الحق المتنازع فيه،فعندما يقرر المشرع أنّ حضور الخصم يؤدي إلى زوال حقه في التمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور فيلاحظ أن الغاية قد تحققت- وهي الحضور واحترام مبدأ الوجاهية ـ بالرغم من أنّ الإجراء كان معيبا ،وما دام أن الغاية من الإجراء قد تحققت و لم يلحق الخصم الأخر ضرر فلا حاجة لإعمال جزاء البطلان ولأجل تحقيق هذا يلجأ المشرّع إلى سحب إمكانية التمسك بهذا الجزاء من طرف صاحب الحق فيه؛ وعليه ففي هذه الحالة نجد أن الهدف من إيقاع جزاء سقوط الحق في اتخاذ الإجراء جاء بهدف عدم توقيع جزاء البطلان ،وللتقليل من حدته على الخصومة التي يجب أن تصل إلى نهايتها الطبيعية وهي صدور حكم فاصل في الموضوع ،وبالتالي إشباع الحاجة من الحماية القضائية.(1) .
ب) ـــ التمييز بينهما من حيث النتائج القانونية.
كما يشترك البطلان والسقوط في أنّ آثار كل جزاء تترتب من تاريخ وقوعه و ليس من تاريخ إثارته، أو التمسك به، أو صدور الحكم التقريري بشان كل جزاء.
ومن جهة أخرى فجزاء البطلان شأنه شأن جميع الجزاءات الإجرائية الأخرى يولد حقا إجرائيا جديدا و هو التمسك بالجزاء ،ويتمتع بهذا الحقّ الخصم الذي شرّع الجزاء لمصلحته،و هذا الحق الإجرائي الجديد قد يرد عليه السقوط لعدم استعماله على النحو الذي بيناه فيما سبق ،فنلاحظ الارتباط الوثيق بين نتائج البطلان ن والحقّ الإجرائي وهو محل السقوط والذي بدوره يرد في هذه الحالة على ما خلفه البطلان .
أمّا من حيث الأثارالقانونية فالسقوط ليس له اثر رجعي عكس البطلان ،فمن سقط حقه في اتخاذ الإجراء لا يجوز له القيام بهذا الإجراء في وقت لاحق فالسقوط في هذه الحالة مقتصر فقط على حق إجرائي معين ويؤدي إلى عدم اتخاذ إجــراءات معينة في الخصومة ،و بالتالي وكأصل عام لا يمكن أن يؤثر على حقوق ،أو أعمال إجرائية داخل ذات الخصومة القضائية ،وقد يؤثر عليها استثناءا ومثالها لو تحقق سقوط الحق في اتخاذ الطعن بالاستئناف لعدم استعمال هذا الحق الإجرائي في الميعاد المحدد له (2) فهذا يؤدي إلى سقوط الحق في الطعن ولكن هذا لا يؤثر على الحكم الابتدائي الصادر بشان الخصومة.
(1)- الأستاذ زوده عمر" محاضرات للطلبة القضاة"ـ السنة الأولى لسنة2005.
(2)-انظر المادة 102 من ق ا م والتي تحدد مهلة الاستئناف بشهر من تاريخ تبليغ الحكم أو من تاريخ انتهاء مهلة المعارضة إذا كان الحكم غيابيا، وذلك مع مراعاة تمديد مهل الاستئناف بسبب الإقامة خارج الجزائر،أو وفاة احد الخصوم.
وفي المقابل فإذا كان الحكم الذي سقط حق الطعن فيه مشوبا بعيوب إجرائية تخول للمحكوم عليه الحق في التمسك ببطلانه فإنّ زوال الحق في الطعن يؤدّي إلى بقاء العيوب قائمة دون الحكم بالبطلان،و في هذه الحالة فسقوط الحق الإجرائي يؤثر سلبا على حقوق إجرائية أخرى كان من الممكن أن تولد ،و هي إمكانية التمسّك بالبطلان الذي يشوب الحكم القضائي، أمّا بطلان الإجراء و الحكم به فانه يؤدي إلى زواله بأثر رجعي ،فيزول هذا الإجراء وما تلاه من إجراءات وكذا الآثار المتولدة عنه وذلك من تاريخ اتخاذه ،كما تزول الإجراءات اللاحقة له إذا كانت مبنية عليه ،ومثالها إذا كانت عريضة افتتاح الدّعوى باطلة، فذلك يؤدي إلى بطلان إجراءات الخصومة ، وبطلان الحكم الصادر بخلاف ذلك ،وهو ما كرسته المحكمة العليا – المجلس الأعلى سابقا – وجاء في قرارها :"أنّه من المقرر قانونا أن عريضة افتتاح الدّعوى يجب أن تتضمن أسماء وصفات الأطراف ومهنتهم وإلا تعرضت للبطلان ، ومن ثمّة القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا جوهريا للإجراءات الجوهرية في القانون ."(1)
كما أنّ جزاء البطلان قد يقع مرة واحدة ، و بعدها لا يمكن للقاضي أن يحكم بالبطلان، ومثالها أن تحكم المحكمة ببطلان إجراءات المطالبة القضائية بسبب التجهيل باسم المدعي عليه أو المدعى عليهم،ثم يرفع المدعي دعوى جديدة وبالإجراءات الأولى نفسها دون تصحيحها ،ففي هذه الحالة لا تقضي المحكمة بالبطلان ؛لأنّها فصلت بهذا من قبل ؛و إنّما تحكم بعدم قبول الدعوى لاستنفاذ المحكمة ولايتها.(2)
وإذا كان الأصل أنّ توقيع جزاء البطلان لا يؤثر على الحقوق الإجرائية وبالتالي لا يؤثر على الحق الموضوعي أو المراكز القانونية ،فإذا حكم ببطلان إجراءات المطالبة القضائية فإن ذلك لا يحول دون تجديد رفع دعوى من جديد بشرط ألا يكون الحق الموضوعي قد تقادم على أساس أنّ الإجراء الباطل لا تترتب عليه أية آثار قانونية ،و لكن يمكن تصور حالة أخرى أين يكون فيها الحقّ في اتخاذ الإجراء متأثرا ببطلان العمل الإجرائي ويتجلى ذلك لو تمّ تبليغ المحكوم عليه بالحكم وقام هذا الأخير باستئنافه ،و لكن عريضة الاستئناف كانت باطلة وحكم ببطلانها ،فإن جزاء البطلان في هذه الحالة يؤثر على الحقّ الإجرائي إذا فات ميعاد الاستئناف ،و بالتالي لا يستطيع المستأنف رفع استئناف بعد تصحيح الإجراءات ؛لأنه بفوات ميعاد الاستئناف يسقط حق الخصم في الطعن بالاستئناف.
ويثور التساؤل حول ما إذا كنا بصدد جزاء السقوط لمخالفة مواعيد الطعن و في الوقت نفسه أمام جزاء البطلان في الخصومة القضائية نفسها ففي هذه الحالة، بأيهما يحكم القاضي؟ ، ومثال ذلك إذا تم استئناف حكم بعد فوات الأجل القانوني وفي الوقت نفسه كانت عريضة الاستئناف باطلة فكيف يتصدى القاضي للاستئناف المرفوع أمامه؟ ، و تتعقد الأمور في حالة ما إذا كان سبب البطلان فقدان الأهلية أو الصفة الإجرائية أو كان كلا الجزاءين متعلقين بالنظام العام فما الحل ؟
(1)- . قرار المحكمة العليـا المجلس الأعلى مؤرخ في 04/03/ 1985 رقم 34899 المجلة القضائية لسنة 1990عدد1ص 38.
(2)- الأستاذ "زوده عمر" محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة السنة الثانية الدفعة 16. بتاريخ 29/05/2007.
يمكن الإجابة عن هذا التساؤل بعد هذه الدراسة التي تبيّن لنّا من خلالها أنّ القاضي عندما يعرض عليه النزاع يتأكد أولا من وجود الدفوع الشّكلية من عدمه ،فإذا لم توجد ينتقل في مرحلة ثانية إلى التأكد من شروط قبول الدّعوى فإذا كانت مستوفية فيتطرق بعدها إلى الموضوع،و توصلنا إلى أن الدفع بالبطلان هو دفع شكلي وأنّ الدفع بالسقوط يكون عن طريق الدفع بعدم القبول والذي يقدم في أية مرحلة تكون عليها الدعوى،ومن ثمة وحسب رأينا أنّه يتعيّن على القاضي أن يفصل في االدفوع الشكلية أولا أي يتطرق إلى جزاء البطلان ولا يلتفت إلى جزاء السقوط وحجتنا في ذلك أنّه يجب أن يثار الدفع بالسقوط ؛أي عدم قبول الاستئناف في مواجهة من له أهلية لكي نمكنه من حق الدفاع ،فالحكم ببطلان الإجراءات لا يحول دون تجديد الإجراء مرة أخرى بعد تصحيحه ثم نحكم بالسقوط أي عدم قبول الطعن لكي يكون القرار القضائي في مواجهة الخصم المتمتع بأهلية التقاضي الذي سقط حقه في الطعن بالاستئناف.
و بحكم أنّ الدّعوى هي حقّ إرادي ينشأ عن الاعتداء على الحقّ الموضوعي أو المركز القانوني يخول لصاحبه الالتجاء للقضاء للمطالبة بالحماية القضائية. ولنشأة الحق في الدعوى يقتضي وجود الحق أو المر كز القانوني ووقوع الاعتداء على أحدهما ونميّز بين الحماية القانونية التي تعدّ عنصرا في الحقّ ،و بين الحماية القضائية التي توجد خارج الحق الموضوعي فإذا أصبح الحق الموضوعي أو المركز القانوني لا يتمتع بالحماية القانونية و وقع عليه اعتداء فلا يؤدّي ذلك إلى نشأة الحق الإجرائي ؛و لذلك إذا لم يمارس هذا الحقّ في الميعاد المحدّد قانونا،أو الترتيب ،أو المناسبة المقررة في القانون ،ففي حقيقة الأمر زالت عنه الحماية القانونية(1)، و يسقط الحقّ في اتخاذ أي إجراء.
وهذا ما كرسته المحكمة العليا في العديد من قراراتها،ففي قرار لها جاء في حيثياته :" لقد حدد المشرّع الإجراءات الواجب إتباعها للأخذ بالشفعة في المادة 794 من القانون المدني وحدد في أحكام المادة 792 من نفس القانون أجل قدره شهرا واحدا من تاريخ الإنذار الذي يوجهه البائع إلى المشتري الراغب في الأخذ بالشفعة لإبداء الرغبة وإلا سقط حقه فيها".(2)
وفي قرار آخر أقرت انه:" من المقرر قانونا أنّ دعوى ضمان المبيع تسقط بالتقادم بعد انقضاء أجل سنة من يوم التسليم للشيء المبيع حتى ولم يكتشف المشتري العيب إلا بعد انقضاء الأجل ما لم يلتزم البائع بالضمان لمدة أطول، و من ثم فالقضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون ."(3)
وجاء في قرار آخر لها أنّه: " من المقرر قانونا أنّه لا تقبل دعوى الحيازة و دعوى استردادها إذا لم ترفع خلال سنة من التعرض، ومن المقرر أيضا أنّه لا تقبل دعوى الحيازة ممّن سلك طريق دعوى الملكية. "(4)
(1)- د:" أمينة النمر "- المرجع السابق – ص 109. و إن كان البعض يرى أنّه عندما يحدد المشرع ميعادا لإقامة دعوى فيكون عنصرا من عناصر الحق موضوعها و داخلا في تكوينه، فالحق لا يكتمل إلا بعد إقامة الدعوى فالميعاد إذا شرط موضوعي لثبوت الحق واكتماله و ليس شرطا لقبولها وهو ميعاد سقوط.
(2)- قرار بتاريخ 02/10/1985 رقم 33030 المجلة القضائية لسنة 89 العدد الرابع ص 64.
(3)- قرار مؤرخ في:11/10 1989 تحت رقم:63321 مجلة قضائية لسنة 1991 العدد الأول ص 21.
(4)- قرار صادر بتاريخ 27/11/1989 المجلة القضائية لسنة 1993 العدد الثالث ص 27.
ونتوصّل من خلال ما سبق إلى أنّه قد يقع سقوط حقّ الخصم في اتخاذ الإجراء وقد يؤدي ذلك أحيانا إلى التأثير بصفة غير مباشرة على الحق الموضوعي، و يلاحظ أنّه إذا تمّ سقوط الحقّ في اتخاذ الإجراء لفوات الميعاد المحدّد. قانونا، أو المناسبة ،أو الترتيب المقرر في القانون ثم يقوم الخصم الذي سقط حقه الإجرائي بممارسته ،عن طريق العمل الإجرائي بعد ذلك ،فهذا العمل بالإضافة إلى أنّه سقط الحق فيه؛ فإنّه يعد باطلا ؛وذلك لورود ممارسة الحق الإجرائي خارج الميعاد أو الترتيب أو المناسبة ،ومخالفة هذه القيود يؤدّي إلى البطلان .
خاتمــــــة:
لمّا كان الهدف من هذه الدراسة هو مقارنة نظامي البطلان و السّقوط ببعضهما البعض باعتبارهما من أهمّ الجزاءات الإجرائية، ونظرا لتشابههما ببعضهما في بعض النقاط وتداخلهما أحيانا ،فقد تناولنا في المرحلة الأولى مفهوم كل واحد منهما ،ثم حاولنا في المرحلة الثانية ــ بعد تمييزهما عن باقي الجزاءات الإجرائية ــ تحليل أوجه المقارنة بينهما ؛ وبذلك تتضح لنا حدودهما و أهدافهما التشريعية.
والمؤكّد أنّ المطلع على هذه الدراسة يسجل ملاحظة أساسية بشأنها مفادها أنّه يغلب عليها الطابع الفقهي النظري وحتى الفلسفي رغم أنّ الأمر يتعلق بمذكرة إنهاء التكوين للطلبة القضاة الذين يفترض فيهم أن يكونوا عمليين أكثر، لكن لنا مبرراتنا فيما ذهبنا إليه وذلك من خلال مسألتين ،الأولى أنّ أي علم لا بدّ أساسا أن يقوم على مبادئ و مفاهيم فكرية وذهنية واضحة يمكن تجسيدها في الواقع ؛فلا يمكن تصور تطبيق شيء غير موجود وغير مجسد في فكرة ذهنية واضحة، و الثانية أنّ مختلف التشريعات الإجرائية المقارنة لم تضع قاعدة عامة تحكم نظامي البطلان و السقوط من جهة، وأنّ الدراسات الفقهية والاجتهادات القضائية لم تتوصل إلى رأي مستقر وموحد بشأنهما من جهة ثانية، و الأكثر من ذلك أن المشرع الجزائري اكتفى في قانون الإجراءات المدنية بالنصّ على القواعد التي تحكمهما في مادتين فقط " 461" و"462 " منه وهما غير دقيقتين ولا واضحتين؛ الأمر الذي يجعل القاضي مجبرا على الإطلاع والإلمام بالمفاهيم الفقهية المتعلقة بهما من أجل التطبيق السليم لها والاستعمال الصائب للسّلطة التقديرية بشأنها ؛من أجل ضمان احترام قواعد و أشكال ممارسة الأعمال الإجرائية وكفالة الحقوق الإجرائية للمتقاضين ومن ثمّ حماية الحقوق الموضوعية و المراكز القانونية لهم .
ولتسهيل الأمر على القاضي من أجل التطبيق الصحيح للقواعد المتعلقة بالبطلان والسقوط يقتضي الحال من المشرع الجزائري أن يجري تعديلات على الأحكام المتعلقة بهما وفق ما توصلت إليه الدراسات الفقهية واجتهادات المحكمة العليا في هذا المجال، وذلك بتفصيل و تدقيق وشرح مضمون المادتين461و362منه ،وللإشارة فإنه إلى حين كتابة هذه الأسطر هناك مشروع قانون الإجراءات المدنية الإدارية - وهو أكثر دقة ووضوح- ينتظر تقديمه للبرلمان للتصويت عليه،نتمنى أن لايطول هذا الانتظار ، لكن ننبه إلى أن هذا لايعني أن مجرد الإطلاع على النص يكفي للتطبيق السليم و الصائب له بل لابدّ على القاضي من مواصلة الإطّلاع والتشبّع بالمفاهيم الفكرية المحيطة بالموضوع؛ من أجل تفسير الغامض منه وفهم الغاية التي يهدف إليها المشرع من خلال سنه .
ويبقى دوما فهم قواعد الإجراءات المدنية عموما ،وأحكام نظامي البطلان و السقوط خصوصا يتوقف على الإحاطة بالمفاهيم الفكرية لها ،لأنّ النصوص التشريعية مهما توسعت و فصلت فيها لا يمكن أن تستوعبها ؛لأنّ منها ما يتغيّر بتغيّر الظروف من جهة و ارتباطها بالحقوق الموضوعية؛لذلك يتوجب على القاضي الاجتهاد بشأنها.
قائمة المراجع المعتمدة:
أولا:المؤلفات الفقهية.
1- الأستاذ عبد الوهاب بوضرسة- "الشروط العامة والخاصة لقبول الدعوى"طبعة2005- دار هومة للطباعة و النشر والتوزيع- الجزائر.
2- الأستاذ محمد إبراهيمي – "الوجيز في الإجراءات المدنية"- الجزء الأول- الطبعة الثالثة 2006- ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر.
3- الأستاذ عمر بن سعد- "الاجتهاد القضائي وفقا لقانون الإجراءات المدنية"- 2004- دار الهدى - عين مليلة – الجزائر.
4- الأستاذ الهادي دالي بن محفوظ- "البسيط في قانون الإجراءات المدنية"- طبعة 2003- منشورات بغدادي – الجزائر.
5- الدكتور فتحي والي –" نظرية البطلان في قانون المرافعات "– الطبعة الأولى 1909- منشأة المعارف بالإسكندرية.
6- الدكتور عبد الحكم فوده- "البطلان في قانون المرافعات المدنية و التجارية" – 1991- دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية.
7- الدكتور أحمد أبو الوفا "المرافعات المدنية و التجارية، نظرية الدفوع" الطبعة 05 سنة 1995منشأة المعارف الإسكندرية.
8- الدكتور نبيل إسماعيل عمر- "الدفع بعدم القبول ونظامه القانوني"- 2004- دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية.
9- الدكتور نبيل إسماعيل عمر-" سقوط الحق في اتخاذ الإجراء"- 1979- منشأة المعارف بالإسكندرية.
10- الدكتور إبراهيم أمين النفياوي – "مسؤولية الخصم عن الإجراءات" – دراسة مقارنة في قانون المرافعات-الطبعة الأولى 1991 – دار الكتاب الحديث.
11-الدكتورة أمينة مصطفى النمر – "الدعوى وإجراءاتها" – منشأة المعارف الإسكندرية.
12- الدكتور وجدي راغب- الموجز في مبادئ القضاء المدني- الطبعة الأولى 1977.
ثانيا:المحاضرات.
ـالأستاذ"عمر زوده" ـ مستشار بالمحكمة العلياـ محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة الدفعة السادس عشرة سنة 2005ـ2006 ـ2007
ثالثا:القوانين.
1-قانون الإجراءات المدنية الصادر بموجب الأمر 66-154 المؤرخ في 08 يونيو 1966المعدّل و المتمّم.
2-القانون المدني الصادر بموجب الأمر 75-58 المؤرخ في 26/09/1975 المعدّل و المتمّم.
3-القانون التجاري الصادر بموجب الأمر 75-59 المؤرخ في 26/09/1975 المعدّل و المتمّم.
رابعا: المجلات.
1ـ المجلات القانونية.
مجلة "منبر الدفاع"– المنظمة الجهوية للمحامين سيدي بلعباس العدد الأول سنة2005.
2
ـ المجلات القضائية:
نشرة القضاة عدد 44
المجلّة القضائية لسنة 1989 العدد الرابع.
المجلّة القضائية 1990 العدد الأول و الثالث و الرابع.
المجلّة القضائية لسنة 1991 العدد الأول.
المجلّة القضائية1992 العدد الرابع.
المجلّة القضائية لسنة 1993 العدد الثالث و العدد الرابع.
الفهرس
مقدمـــــــــــــة
الخطـــــــــــــة......................................................................................02
الفصل الأول:مفهوم البطلان و السقوط كنظامين إجرائيين...............................04
المبحث الأول: نظام البطلان................................................................... 04
المطلب الأول: محل البطلان................................................................. 04
الفرع الأول: مفهوم العمل الإجرائي..................................... .....................05
الفرع الثاني: عناصر العمل الإجرائي................................. .......................06
الفرع الثالث:طبيعة العمل الإجرائي........................................................... 07
المطلب الثاني: مفهوم بطلان العمل الإجرائي............................................... 08
الفرع الأول:تعريف البطلان و أنواعه........................................................ 08
الفرع الثاني:مذاهب البطلان وموقف المشرع الجزائري...................................09
أولا مذاهب البطلان................................................................................09
ثانيا موقف المشرع الجزائري...................................................................10
الفرع الثالث:التمسك بالبطلان و سلطة القاضي في تقديره............................... 12
أولا التمسك بالبطلان.............................................................................12
ثانيا سلطة القاضي في تقديره...................................................................12
المبحث الثاني: نظام السقوط.................................................................... 13
المطلب الأول: محل السقوط.....................................................................13
الفرع الأول: تعريف الحق في اتخاذ الإجراء................................................ 14
الفرع الثاني: تمييز الحق في اتخاذ الإجراء عن العبء القانوني والواجب الإجرائي.15
المطلب الثاني: مفهوم السقوط................................................................... 16
الفرع الأول: تعريف السقوط و أسبابه........................................................ 17
الفرع الثاني: كيفية التمسك بالسقوط.............................................................19
الفصل الثاني: مقارنة نظامي البطلان و السقوط........................................... 22
المبحث الأول: تمييز البطلان و السقوط عن باقي الأنظمة الإجرائية.................. 22
المطلب الأول: تمييز البطلان.................................................................. 22
الفرع الأول: البطلان و عدم القبول.......................................................... 23
الفرع الثاني: البطلان و الانعدام............................................................... 24
المطلب الثاني: تمييز السقوط.................................................................. 24
الفرع الأول:السقوط و سقوط الخصومة......................................................26
الفرع الثالث:السقوط و عدم القبول............................................................27
المبحث الثاني:تمييز السقوط عن البطلان................................................... 29
المطلب الأول: من حيث المفاهيم العامة للنظامين...........................................29
الفرع الأول: من حيث محلهما و طبيعتهما القانونية........................................29
أولا من حيث محلهما.............................................................................29
ثانيا من حيث طبيعتهما القانونية...............................................................29
الفرع الثاني: من حيث مسؤولية أطراف الخصومة عنهما...............................31
المطلب الثاني :تمييزهما من حيث الإجراءات . ...........................................32
الفرع الأول: من حيث التمسك بهما و سلطة القاضي في تقريرهما....................32
أولا تمييزهما من حيث التمسك بهما..........................................................32
ثانيا تمييزهما من حيث سلطة القاضي في تقريرهما......................................33
الفرع الثاني:تمييزهما من حيث الأهداف و النتائج القانونية..............................34
أ)ــ تمييزهما من حيث الأهداف................................................................34
ب)ـــ تمييزهما من حيث النتائج القانونية....................................................35
خاتمـــــــــــــة......................................................................................39
قائمة المراجع المعتمدة...........................................................................40
الفهرس.......................................................................................42