المطلب الأول :
الحصول على الجنسية عن طريق النسب أو حق الدم :
المقصود من النسب أو حق الدم في هذا المجال أن الفرد له الحق في اكتساب جنسية الدولة التي ينتمي إليها آباؤه بمجرد ميلاده، اعتمادا على أصله العائلي أي صلة الدم بين المولود الجديد وعائلته التي ترتبط بهذه الدولة قبل ميلاده وحين ميلاده .
ومما لا شك فيه أن الرابطة العائلية المبنية على النسب تولد في المولود الشعور بالوفاء نحو دولته التي ينتمي إليها آباؤه، ويستمد منهم لغتهم وتقاليدهم وعاداتهم ومعتقداتهم الدينية .
ونشير إلى أن أساس حق الدم يعمل به سواء بالنسبة الذي يعود إلى الأب أو النسب الذي يعود إلى الأم، في الحالات التي يكون الأب مجهولا أو عديم الجنسية، بل هناك بعض التشريعات تسوي بين دم الأب والأم بالنسبة إلى اكتساب الجنسية عن طريق حق الدم ولكن يجب التنبيه أن أساس حق الدم لا يعمل به إلا بصدد الحصول على الجنسية الأصلية، أما الجنسية المكتسبة فلا يمكن الحصول عليها عن طريق حق الدم لأنها طارئة تلتحق بالفرد بعد ميلاده .
المطلب الثاني :
الحصول على الجنسية عن طريق الميلاد فوق الإقليم أي حق الإقليم :
قد يحصل الفرد في حالات معينة على جنسية دولة ما ليس بناءا على أساس حق الدم، إنما على أساس ميلاده فوق إقليم تلك الدولة، وذلك اعتمادا على الصلة التي تربطه بهذا الإقليم الذي ولد فيه بالنظر إلى الوسط الذي سيعيش فيه مستقبلا ويصرف النظر عن العائلي فالعبرة للأرض التي ولد فيها، وعادة ما تكون الدولة التي ولد بها هي الدولة التي يقيم فيها الأب والأم في حالة وجودهما لأنه قد يكون مجهول الأبوين ومما لا شك فيه أن الولد المولود فوق إقليم الدولة سوف يندمج في مجتمعها ويولد فيه شعور وولاء نحو الدولة من جهة ونحو المجتمع من جهة أخرى .
غير أنه لابد من الإشارة أن بعض الدول لا تكتفي في تشريعها بالميلاد المجرد فوق إقليمها، بل تشترط إلى جانب ذلك شروطا أخرى كميلاد الأب مثلا هو أيضا فوق إقليم تلك الدولة وهو ما يسمى بالميلاد المضاعف الذي أخذ به المشرع الجزائري في المادة السابعة من قانون الجنسية الجزائرية لسنة 1970 .
وإذا كانت التشريعات قد اختلفت في الأساس الذي تقوم عليه الجنسية الأصلية بين أساس حق الدم وحق الإقليم فإن الفقه بدوره قد انقسم إلى فريقين أحدهما يؤيد الجنسية الأصلية المبنية على حق الدم وله حججه والآخر يؤيد الجنسية المبنية على حق الإقليم وله أيضا الحجج التي يعتمد عليها وذلك على النحو التالي :
الفريق المؤيد للجنسية المبنية على حق الدم وحججه المعتمدة :
ذهب فريق من الفقه وخاصة في الدول الأوربية والعربية إلى تأييد تشريعات غالبية هذه الدول التي تبني جنسيتها الأصلية على أساس حق الدم ويعتمد في ذلك على حجتين أساسيتين هما :
الحجة الأولى وهي حجة عنصرية :
مفاد هذه الحجة المعتمدة لقيام الجنسية الأصلية على رابطة الدم وليس الإقليم حسب وجهة نظر هؤلاء، هي أن الجماعة التي يتكون منها عنصر السكان في الدولة تحكمها عوامل مختلفة تجعلها متماسكة فيما بينها منها مثلا اللغة ، الدين والتاريخ إلى غير ذلك من العوامل المختلفة التي تربط بين أفراد المجتمع الواحد .
ولذلك وجب أن تكون العبرة في مجال اكتساب الجنسية الأصلية بارتباط الشخص المولود بتلك الجماعة التي تمثل عنصر سكان الدولة والتي توحد بينهم العوامل المختلفة السالفة الذكر، وعلى هذا الأساس تضبط جنسية الشخص حسب الجماعة التي انحدر منها و ليس وفقا للإقليم الذي و لد فوقه .
وبعبارة أخرى فإن مفاده هذه الحجة أن عنصر الشعب في الدولة قوامه الاشتراك في الأصل، اللغة والتاريخ ومن ثمة يجب أن تكون العبرة في الجنسية الأصلية بوجود رابطة أصلية بين هذا الشخص والجماعة المكونة لعنصر الشعب وبالتالي السكان المراد ضمه إليهم وبطبيعة الحال فإن هذه الصلة لا تتحقق إلا بتحقق إثبات النسب أو ما يسمى بحق الدم
الحجة الثانية وهي حجة سياسية :
مفاد هذه الحجة السياسية أن الدول التي تفتح أبوابها وحدودها للأجانب وتفرض جنسيتها على هذه الجاليات الأجنبية عن طريق حق الإقليم فإنها سوف تقضي على الرابطة التجانس التي توحد بين سكانها لأنه سوف يكون لهذه الجماعات جنسية الدولة من الناحية الاسمية فقط، أما من ناحية الشعور والولاء فيبقى نحو دولتهم الأصلية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه من مصلحة الدولة التي ينزح أبناؤها بكثرة إلى الخارج أن تبقى على أساس حق الدم لأن هؤلاء رغم نزوحهم إلى الخارج بحثا عن الكسب واستقرارهم في دول أخرى إلا أنهم لا يستطيعون التخلص من شعورهم نحو دولتهم الأصلية مما يجعلها قوية النفوذ بهم في تلك الدولة .
الفريق المؤيد للجنسية المبنية على حق الإقليم وحججه المعتمدة :
ذهب فريق آخر من الفقه في بلاد الأنجاوساكسون على وجه الخصوص إلى تأييد التشريعات التي جعلت الجنسية الأصلية تبنى على الميلاد فوق الإقليم أو ما يعرف بحق الإقليم ولهذا الفقه حجة عنصرية و أخرى سياسية .
الحجة الأولى هي عنصرية :
مفاد هذه الحجة أن الفرد له صلة بالجماعة التي ينتمي إليها بالميلاد أكثر من صلته التي تربطه بأصله العائلي إذ نجده يتأثر بالبيئة الاجتماعية التي ينشأ و يعيش فيها حيث يكتسب
طابع و أسلوب حياة تلك الجماعة حتى في تفكيرها و الطرق المتبعة في جميع المجالات تؤثر فيه مما يصبح في الواقع عضوا فعالا في المجتمع الذي ولد فيه و شب و ترعرع في أحضانه.
أو هي بعبارة أخرى أن الفرد لا يتأثر فحسب بالجماعة التي ينتسب إليها عن طريق حق الدم، بل يتأثر الفرد أيضا بالوسط الذي ينشأ فيه إلى درجة أنه يستمد منه عاداته و تقاليده و يتسم بطابعه ، و من ثمة قد تكون صلته بالدولة و المجتمع الذي يولد فيه أقوى من الرابطة التي تربطه بأصله العائلي، و يترتب على ذلك أن تعطى له جنسية الدولة التي يولد فوق إقليمها ، دون جنسية الدول التي ينتمي إليها عن طريق حق الدم .
الحجة الثانية و هي حجة سياسية :
مفاد هذه الحجة أن تأسيس الجنسية الأصلية على رابطة الإقليم يتماشى مع مبدأ هام في القانون الدولي العام و هو سيادة الدولة الذي يشمل معناه القانوني سيادة الدولة على الإقليم بما فيه الأفراد الذين يعيشون فيه ، و من ثم توجب الضرورة الحتمية خلع جنسية الدولة على كل فرد مستقر بها .
ومن جهة أخرى فإن ترك الأجانب بالمحافظة على جنسيتهم من شأنه إضعاف كيان الدولة في حد ذاتها و بالتالي خلق زعزعة و عدم التماسك بين أفراد سكانها مما يؤدي بالخطر على حياة الدولة السياسية .
المفاضلة بين حق الدم و حق الإقليم :
مهما اختلفت الأسانيد و الحجج المعتمدة في كل منهما فإن لكل من أساس حق الدم و أساس حق الإقليم مرحلة تاريخية ساد فيها زمانا و مكانا و هو ما يسجله التاريخ على النحو التالي :
ففي المرحلة الأولى التي عرفت فيها فكرة الانتماء لدى الرومان و اليونان و كانت العبرة بحق الدم دون رابطة الإقليم .
و في المرحلة الثانية التي عرفت بعهد الإقطاع في القرون الوسطى تغير الوضع و صارت العبرة بحق الإقليم و اختلفت سيادة حق الدم .
و في المرحلة الثالثة التي عرفت في القرن الثامن عشر الذي ثار فيه المفكرون العظام الذين نادوا بتحرير الإنسان من تبعيته إلى النظام الإقطاعي المنغلق على نفسه عاد إلى الموجود مرة أخرى حق الدم و صارت السيادة له .
و في المرحلة الرابعة و في القرن التاسع عشر ظهر من جديد حق الإقليم في الولايات المتحدة الأمريكية و ذلك نتيجة الحركات الاستقلالية التي ظهرت فيها .
و في المرحلة الخامسة و في القرن العشرين فإن الأمر قد أصبح مغاير للمراحل السابقة لأنه رغم أن حق الدم مازال قائما و هو ما نجده معمولا به في الدول الأوروبية و العربية ، و حق الإقليم لا يزال قائما و وهو ما نجده في البلاد الأنجلوساكسونية إلا أن تشريعات هذه الدول قد أصبحت تجمع بين الأساسين معا مع تفضيل أحدهما على الآخر ، و هذا ما نجده في التشريعات العربية و الأوروبية حيث تأخذ بحق الدم كقاعدة عامة و حق الإقليم كاستثناء ، في حين تأخذ تشريعات البلاد الأنجلوساكسونية بحق الإقليم كأصل عام دون إهمال حق الدم كاستثناء .
ويمكن القول بصفة عامة أن الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بمصلحة الدولة و الهدف من السياسة التشريعية التي تريد أن تحققها، فالدول التي ينزح منها رعاياها بكثرة إلى الخارج من مصلحتها اعتماد حق الدم، أما الدولة التي ينزح إليها الأجانب بكثرة و لا يغادرها رعاياها إلى الخارج بحثا عن كسب العيش فإنها من مصلحتها إقرار حق الإقليم .
المطلب الثالث : الحصول عن الجنسية عن طريق الزواج
يعتبر الزواج في بعض القوانين طريقا من الطرق القانونية الذي يؤدي إلى اكتساب الجنسية، و عليه فالزواج المختلط في بعض الدول يكون سببا لحصول المرأة على جنسية زوجها لمجرد زواجها منه .
و تختلف مصالح الدول بالنسبة إلى تأثير الزواج على جنسية الزوجة بحسب اختلاف نظرة كل دولة إلى هذا الموضوع إذ ترى بعض الدول بضرورة وحدة جنسية العائلة ومن ثم للزواج تأثير على جنسية المرأة ، في حين دول أخرى أن المساواة بين الرجل و المرأة تقتضي احترام إرادتها و من ثم لا تأثير للزواج على جنسية المرأة و لكل منهما حجج و أسانيد يعتمد عليها .
و مهما يكن الأمر فإن الزواج يمكن أن يكون سببا من الأسباب الحصول على الجنسية على الرغم من اختلاف القوانين في ذلك اختلافا كبيرا ، و على الرغم من أن هذا السبب المؤدي إلى اكتساب الجنسية قد يؤدي من جهة أخرى إلى تنازع الجنسيات كما سوف نرى لاحقا .
المطلب الرابع : الحصول على الجنسية عن طرق التجنس
يعتبر التجنس طريقا أو سببا من الأسباب التي يمكن للشخص الطبيعي بمقتضاه الحصول على الجنسية و بالتالي هو أهم طريق للدخول في جنسية الدولة دخولا لاحقا على الميلاد فهو الطريق العادي المفتوح أمام كل أجنبي يريد جنسية تلك الدولة بصرف النظر عن كونه ذكر أم أنثى و بصرف النظر عن كونه ينتمي إلى سكان هذه الدولة من حيث الأصل أم لا .
بل يعتبر التجنس دخولا للفرد في جنسية دولة ما بناءا على طلبه و إرادته و موافقة هذه الدولة على طلبه ، على الرغم من أنه لم تكن له علاقة قانونية تربطه بها .
و يمتاز التجنس كطريق من طرق اكتساب الجنسية بأنه عبارة عن منحة من طرف الدولة تمنحها لمن تشاء وفقا لمصالحها التي قد تستلزم زيادة ثروتها من السكان كيفا وكما وهو ما نجده جليا في تشريعات بعض الدول التي تشجع على الدخول في جنسيتها، دون شروط كثيرة ومعقدة، في حين أن دولا أخرى تأخذ التجنس كسبب لكسب الجنسية ولكن بشروط متعددة ومعقدة يصعب توفرها والهدف من ذلك عدم فتح الباب على مصرعيه لدخول الأجانب في جنسيتها .
المطلب الخامس : الحصول على الجنسية عن طريق ضم إقليم دولة إلى آخر :
لاشك أن الضم الذي يعتبر طريقا من طرق اكتساب الجنسية هو الضم الجزئي الذي يترتب عليه انتزاع جزء من إقليم دولة معينة وإخضاعه إلى سلطات وسيادة واختصاص دولة أخرى .
أما الضم الكلي الذي يؤدي إلى فناء الدولة كلية وتنتقل السيادة من جميع أجزاء إقليمها إلى الدولة الأخرى فلا يترتب على ذلك أية إشكالية بالنسبة للجنسية لأن الدولة المضمونة تفنى جنسيتها وتحل محلها جنسية الدولة الضامنة .
كذلك لا يتعلق الأمر في هذا المجال بالاندماج الذي قد يحدث بين دولتين ويترتب عنه نشوء دولة جديدة، فهذا الاندماج لا يثور بشأنه مسألة الجنسية لأن جنسية الدولة الجديدة هي التي تعطي وتخلع على رعايا كل من الدولتين المندمجتين .
لذلك فإن الإشكالية المطروحة هي بالنسبة إلى الضم الجزئي بين دولتين حيث تظل الدولة التي انتزع جزء من إقليمها قائمة في نظر القانون الدولي العام وبالتالي تبقى لها جنسيتها الخاصة بها ولا تحل محلها جنسية الدولة الضامنة بصفة آلية وتلقائية بالنسبة إلى الأجزاء التي لم يشملها الانتزاع .
غير أن بالنسبة للجزء المضموم فإن جنسية الدولة الضامنة هي التي يكتسبها سكان الإقليم المضموم لأن سيادة الدولة الضامنة تشمل السيادة الإقليمية والشخصية ولا تكفي بسيادة إقليم بحتة دون العناية بالتبعية السياسية والقانونية لسكان أقاليمها، فقد وضعت في الاتفاقات الدولية عدة معايير لإدخال سكان الإقليم المضموم منها :
1- إعطاء جنسية الدولة الضامنة إلى كل شخص ولد فوق الإقليم المضموم دون غيرهم أي يحتفظ الآخرون بجنسيتهم الأصلية .
2- خلع جنسية الدولة الضامنة على كل شخص كان متوطنا عند وقوع نزع الإقليم المضموم ويحتفظ الآخرون بجنسيتهم الأصلية إذا كان قد غادروا الإقليم قبل وقوع الضم .
3- تخلع جنسية الدولة الضامنة عن كل شخص ولد فوق الإقليم المضموم وكان متوطنا به عند الضم .
4- تخلع جنسية الدولة الضامنة إلى كل ولد فوق الإقليم المضموم أو كان متوطنا به عند وقوع الضم .
وهذه هي الأسباب والطرق والأسس الفنية والقانونية التي يمكن بواسطتها الحصول على الجنسية .
وعلى الرغم من اختلاف التشريعات فيما بينها في القواعد المنظمة لجنسية كل دولة على حدة إلا أنها جميعا لا تخرج عن هذه الطرق العامة، لأنها تعتبر أسسا وقواعد عامة يهتدي بها كل مشرع دولة عندما يريد تنظيم جنسية دولته وليس هناك تناقض بين هذه المبادئ العامة ومبدأ حرية الدولة في تنظيم جنسيتها لأن لكل منها مجاله الخاص من حيث التطبيق