شرط القوة القاهرة في العقود الدولية
مقدمة عامة:
تحتل المبادلات التجارية الدولية موقعا مهما في النشاط الاقتصادي لكل دولة ،حيث تلعب دورا أساسيا ومؤثرا في تقرير وتقييم مستوى وحجم التبادل في هذا المجال . وتتحقق هده العلاقات التجارية من خلال معاملات المؤسسات أو الشركات تنفيذا لسياساتها التسويقية أو التحويلية بتسويق إنتاجها خارج حدود بلدها سواء كانت على شكل مواد زراعية ، صناعية ، إنشائية أم في نطاق الخدمات .
و لقد تطور سوق التبادل التجاري و تعقدت المعاملات بين الدول بسرعة متزايدة بسبب كثرة العروض التجارية و تنوعها و تضاعفت الحاجة للمواد الأجنبية لأغراض التنمية و الاستهلاك .وأدى التحول الأخير في النظم الاقتصادية لكثير من الدول و تبنيها مبدأ اقتصاد السوق L économie du marché إلى إيجاد سوقا جديدا واسعا لهذا التبادل التجاري ، حيث يسمح هذا النظام الاقتصادي الحر للشركات في أن تتعامل وتطور علاقاتها التعاقدية ، و تمارس نشاطها الطبيعي باستقلالية داخل البلد و خارجه لتأمين حاجة السوق المحلية من البضائع والخدمات .
تنشأ العلاقات التجارية الدولية في البحث أولا عن موردين لجنس البضاعة وكميتها . ويتم بعد ذلك التفاوض على ثمن العقد و تاريخ و مكان التنفيذ ومعايير أخرى تتعلق بظروف تسليم المبيع و دفع الثمن، وكذلك تحديد القضاء والقانون المختص عند النزاع . وهذا يعني إنه لابد من إيجاد البنية القانونية لتحرير الرابطة العقدية بين الطرفين مستوفية شروط ملائمة لضمان حقوقهما .ولكن ما هي أهم البنود التي ينبغي أن يتضمنها العقد الدولي لضمان التوازن المالي والقانوني بينهما ؟
قد يتعرض تنفيذ العقد الدولي تبعا لخصوصياته إلى مخاطر وصعوبات تحول دون تنفيذه بالشروط التي وردت في العقد . فهي قد تجعل أحيانا تنفيذ العقد مستحيلا impossibilité d exécution، بصورة نهائية ، أو أن تكون استحالة التنفيذ حادث مؤقت . وفي الحالتين يصبح عدم التنفيذ ضارا بحقوق الدائن مما يؤدي إلى الإخلال بقاعدة التوازن العقدي بين الطرفين .
ينصب عدم التنفيذ في العقد التجاري الدولي غالبا على محل العقد أو محل الالتزام . وهو لا يختلف في ذلك عن عقد البيع المحلي . ومعروف فقهيا بأن محل العقد هو المعقود عليه وهو الشيء الذي ورد عليه العقد وثبت أثره فيه ، أما محل الالتزام فمعناه تنفيذ ما اتفق عليه المتعاقدين . فان محل العقد هو الشيء المبيع و الثمن ، ومحل التزام البائع هو ليس فقط تسليم المبيع و إنما أيضا حمايته من العيوب الخفية و ضمان الاستحقاق . أما محل التزام المشتري هو دفع
2
الثمن و استلام المبيع (1) . ونحن هنا لسنا بصدد تحليل الالتزامات المتقابلة الناشئة عن العقد الدولي تجاه كل من الطرفين المتعاقدين (2 ) . غير إن طبيعة محل العقد الدولي وأهمية التزامات الطرفين في هذا العقد يستلزم الأخذ بعين الاعتبار كثير من المفاجئات التي تحول دون تنفيذها . ونحن نعلم إن هذه الالتزامات تخضع في الأصل لمبدأ القوة الملزمة للعقد Le force obligatoire الذي يصعب التحلل عنها إلا عند استحالة التنفيذ لأسباب قاهرة .
فعندما يصبح تنفيذ العقد مستحيلا لسبب أو لآخر فنحن أمام حالة القوة القاهرة La force majeure . وهذه الظاهرة التي تسمى أيضا بالحادث الجبري أو المفاجيء تعبر عن مفهوم غير شخصي لأنه حدث لا يتصل بتصرف شخص ما أو مجموعة أشخاص (3) . ويتخذ الحادث هذه الصفة وهذا التكييف عندما يكون غير متوقعا ، لا يمكن مقاومته وسببه أجنبي ، بمعنى انه لا دخل لإرادة طرفي العقد فيه ، فهو يستبعد فكرة الخطأ في تنفيذ الالتزامات . وقد حاول الفقه أن يقدم له تعريفا عاما و اعتبره ذلك الحادث الذي لا يمكن تجاوزه مطلقا ، غير متوقع ، و غير منظور ، ينتج عن قوة أجنبية كالعاصفة و الانهيار و الهزة الأرضية وكذلك الحرب و أحيانا قرار السلطة ( 4 ) .
ومن المتوقع كثيرا أن يتعرض طرفي العقد على السواء ، البائع أو المشتري ، لحالات القوة القاهرة . وينتج عن ذلك استحالة تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد بشكل مؤقت أو بصورة نهائية . وإذا صح هذا الافتراض في العقود المحلية داخل البلد الواحد ، فإن احتمال نشوء القوة القاهرة يتضاعف وقوعه في العقد الدولي لأسباب عديدة منها :
إن تنفيذ العقد الدولي تتجاوز عناصر تنفيذه جغرافيا حدود الدولة الواحدة سواء ما كان يتعلق في نوع وكمية المبيع ، أم في تنوع وسائل نقله . عند ذلك تبرز مشاكل النقل الدولي ومنها اجتياز الحدود وتوفير الترخيص الرسمي الخاص بالاستيراد و التصدير وتحويل العملات اللازمة لتسديد الثمن وكذلك مراعاة المعايير الصحية والبيئية لجنس المبيع .
أضف إلى ذلك بان العقد الدولي يتصف دائما بطول الفترة التي تفصل بين وقت إبرامه وبين تاريخ التنفيذ . فإذا كانت القاعدة العامة تقضي بتسليم المبيع و دفع الثمن حال انعقاد العقد واشتراط أن يكون المبيع محل العقد معينا و محددا في هذا الوقت ، إلا أن العرف التجاري الدولي يبرهن دائما وجود فترة قد تطول أو تقصر تفصل بين تأريخ
( 1 ) د. عبد المجيد الحكيم " الوسيط في نظرية العقد " الجزء الأول في انعقاد العقد ، شركة الطبع والنشر الأهلية - بغداد 1967 ، ص. 362.
( 2 ) انظر رسالتنا للدكتوراه : La protection de l'acheteur dans la vente de marchandises en droit du commerce international , Université de Rennes I ,France, 1991
(3) CHABAS F. “ Force majeur " , Encyclopédie Droit Civil , IV , n° 1 .
(4) LE TOURNEAU Ph. " La responsabilité civile " Dalloz 3è Ed. 1982 , n° 704 .
3
انعقاد العقد و وقت التنفيذ الفعلي له . ومن الدارج أيضا في العقود الدولية أن يحصل التعاقد على الشيء محل البيع ، وإن كان غير متوفرا وقت إبرام العقد على أن يتم صنعه في المستقبل طبقا لنموذج متفق عليه حيث يجوز أن يكون محل العقد معدوما وقت التعاقد إذا كان ممكن الحصول في المستقبل و عين تعيينا نافيا للجهالة و الغرر. ويكفي أن يتفق الطرفان على نموذج يمثل محل العقد La vente sur échantillon وهو ما يسمى البيع بالعينة ، و يجري تسليم المبيع في تأريخ لاحق على أن يكون مطابقا للنموذج في جنسه وخصائصه التقنية المتفق عليها (1 ) .
إن حالة القوة القاهرة لا تستهدف التزامات البائع فقط فتحول دون تنفيذها ، إنما يتعرض إليها أيضا المشتري مما تجعله غير قادرا على الوفاء بالتزاماته العقدية وأهمها استلام المبيع أو دفع الثمن وسواء كان المانع مؤقتا أم نهائيا لنفس الأسباب التي وردت أعلاه . ولكن هل تقترب القوة القاهرة إلى غيرها من الحوادث المفاجئة التي تعيق تنفيذ العقد ؟
من المفيد هنا التمييز بين حالة القوة القاهرة و الظرف الطارئ L’imprévision والذي نسميه أيضا Le Hardship في الفقه الانكليزي .وهو ذلك الحادث الذي لا يجعل تنفيذ العقد مستحيلا كما هو الحال في القوة القاهرة ، ولكنه ممكن التنفيذ ، إلا أن تنفيذه بالشروط التي جاءت بها نصوص العقد تحمل المدين بالتنفيذ أعباء مالية وخسارة جسيمة و باهضة النتائج (2). فهو ينتج عن تغيير جذري بوضع المتعاقد بفعل الظروف المحيطة بتنفيذ العقد سواء كانت اقتصادية ، اجتماعية أم سياسية لها أثر مباشر على التوازن الأساسي للعقد ، و من ثم تقود إلى الإخلال بالتوازن الاقتصادي الذي يجب أن يتمتع به العقد خلال مدة تنفيذه . ولكن يقترب الظرف الطارئ مع القوة القاهرة باعتباره وضع جديد لا دخل لإرادة طرفي العقد في إنشائه وإنما مصدره أجنبي عنهما ولا يختص مطلقا بتصرفاتهما أو سلوكهما المرافق لتنفيذ التزاماتهما .
(1 ) انظر نص المادة 129 من القانون المدني العراقي ، وكذلك نص المادة 131 من القانون المدني المصري والمادة 457-فق1 من القانون المدني الكويتي .
(2) FONTAINE M. : La clause de hardship , D. P. C. I 1976 , T.2 , n° 1 , p. 7 .
CHABAS F. " Les clauses de hardship " ,Thèse Monpillier 1981 .
Conseil d'Etat, 14 juin 2000, Bulletin juridique des contrats publics, 01/11/2000, P.434-439 .
4
إلا إن آثار الظرف الطارئ هي أقل وطأة على حياة العقد من آثار القوة القاهرة . إنه يجعل فقط تنفيذ العقد مرهقا ماليا باهض الثمن بحيث يؤدي إلى خسارة فادحة للمدين بالتنفيذ بسبب انقلاب توازن العقد ( 1 ) . إلا إن هذا الظرف لا يؤثر على مبدأ استمرار تنفيذ العقد . فبالرغم من التغيير الجذري الذي طرأ على التوازن الاقتصادي للعقد ، على المدين أن لا يتوقف عن تنفيذ التزاماته طبقا لما نصت عليه شروط العقد وإلا أعتبر إخلالا بالعقد توجب عليه المسئولية . غير أن مبدأ العدالة يقضي بإعادة النظر في التزامات المدين لغرض تحقيق الموازنة العقدية و التوفيق بين مصلحة الطرفين ( 2 ) .أما القوة القاهرة ، فإنها تؤدي إلى تعليق تنفيذ العقد بشكل مؤقت أحيانا ، أو بشكل دائمي بسبب استحالة التنفيذ المطلقة ومن آثارها انقضاء العقد . وبناء على ما تقدم ، فهل يسمح شرط القوة القاهرة الاختلاط مع مبدأ الظروف الطارئة ؟
إن غياب تشريع عام ملزما للجميع يحكم العلاقات التجارية الدولية يكون سببا في عدم الاطمئنان من نتائج تطبيق قواعد القانون الداخلي على العقد الدولي في حالة القوة القاهرة . فمن المعروف مثلا إن اغلب التشريعات الداخلية تتجاهل فكرة الظرف الطارئ L’imprévision وذلك عملا بأن مبدأ القانون الذي يقضي بالقوة الملزمة للعقد تتعارض مع أي تعديل يستوجبه العقد تتطلبه حالة الظرف الطارئ . و هناك أيضا من التشريعات من لا تعترف أساسا بقاعدة الظرف الطارئ كالقانون السويسري والألماني والأسباني ( 3 ) و تعتبره غير قانونيا .
و الأمر ليس كذلك بالنسبة لحالة القوة القاهرة رغم فقدان تعريف قانوني دقيق لها في ظل التشريعات الداخلية . ولقد حاول القضاء الفرنسي تحديد خصائصها ويبين عناصر تكوينها الأساسية وهي التي نطلق عليها مفهوم النظرية التقليدية للقوة القاهرة . فهل يصح أن تتعرض هذه المحاولة للنقد باعتبارها تستهدف من حيث الأساس الظروف المحيطة بالعقود المحلية ؟ كما إنها لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الصعوبات و المشاكل التي تعترض تنفيذ العقود في ظل العلاقات التجارية الدولية التي يكون فيها مبدأ القوة الملزمة للعقد اكثر مرونة وموضوعية .
( 1 ) OPPETIT B. L' adaptation des contrats internationaux aux changements de circonstances , la clause de hardship " , Clunet 1974 , p. 797 .
( 2 ) انظر المادة 147 ق م مصري ، المادة 146 ق م عراقي وكذلك المادة 198 من القانون المدني الكويتي .
( 3 ) المادة 1502 من القانون المدني السويسري.
5
إن هذه النتائج تفرض البحث عن حلول جديدة تلائم ظروف تنفيذ العقد الدولي من خلال اتفاق الطرفين في الأخذ بشرط القوة القاهرة . وعليه ينبغي في تقديرنا الاسترشاد بما درج عليه العرف التجاري الدولي في صياغة شروط العقد عملا بمبدأ حرية سلطان الإرادة في التعاقد L’autonomie de la volonté حيث يجوز أن يتضمن العقد أي شرط يرتضيه المتعاقدان لتحديد مسئولية المدين عند عدم تنفيذ العقد ، وتقييم آثاره على الرابطة العقدية وتشخيص آليات تطبيق هذا الشرط . وإن صياغة هذه الشروط و تحديد محتواها يعكس دائما أهمية البنود التي يجري التفاوض عليها بين المتعاقدين من أجل أن لا تتعارض في مضمونها مع قيود القوانين الداخلية .
من جانب آخر ، حاول المشرع الدولي في اتفاقية الأمم المتحدة ، فينا عام 1980 ، بشأن عقد البيع الدولي للبضائع ( 1 ) أن يخلق قواعد موحدة تحكم التزامات طرفي العقد مستهدفا إزالة الحواجز القانونية بين المتعاقدين الدوليين . وفي مبدأ الإعفاءات من المسئولية ، يمكننا أن نلمس مفهوم القوة القاهرة عند المشرع الدولي وآثاره قبل الطرفين . إلا أن تطبيق هذه الاتفاقية يستلزم التصديق عليها ratification بضمها للتشريعات المحلية كي تصبح قواعد آمرة ملزمة للأطراف المتعاقدة حسبما تقضي قواعد القانون الدولي الخاص ، وتسري أحكامها على العقد عملا بقاعدة الاختصاص القانوني . ولكن كيف يساعد مفهوم القوة القاهرة كما يراه المشرع الدولي في صياغة مضمون الشرط كما يريده المتعاقدين ؟
نستخلص من جميع ما تقدم أهمية صياغة شرط القوة القاهرة في العقود الدولية من قبل المتعاقدين . ويتطلب ذلك قبل كل شيء الوقوف عند خصائص النظرية التقليدية باعتبارها دليلا لا يمكن تجاهلها كليا عند تحديد مفهوم القوة القاهرة ، ثم لابد بعد ذلك من بيان التطور القانوني لهذا المفهوم الذي ينسجم مع مرونة مبدأ القوة الملزمة للعقد الدولي . وفي جميع الافتراضات ، ينبغي بيان آليات تطبيق شرط القوة القاهرة و آثارها على المدين عند عدم التنفيذ . وإن صياغة النص بهذه الطريقة يجنب في الأصل تجاهل أو رفض قواعد القانون الداخلي سريان آثار هذا الشرط على العقد ثم إلزام القضاء المختص الأخذ به عند النزاع عملا بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين ، ما لم يكن ممنوعا قانونا أو مخالفا للنظام العام أو حسن الآداب ( 2 ) . وهكذا نتناول الموضوع في ثلاث مباحث هي :
المبحث الأول : مصادر النظام القانوني للقوة القاهرة
المبحث الثاني : آليات تطبيق شرط القوة القاهرة
المبحث الثالث : آثار شرط القوة القاهرة
( 1 ) اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع ، نبسان 1980 ، فينا .
( 2 ) انظر نص المادة 147-1 من القانون المدني المصري ، وكما تنص المادة 175 من القانون المدني الكويتي .
6
المبحث الأول : مصادر النظام القانوني للقوة القاهرة
إن من أهم مصادر شرط القوة القاهرة هو ما يتفق عليه طرفي العقد عند صياغة النص كي تكون آثاره ملزمة قبل الطرفين . ولهذا السبب ينبغي اختيار ما هو ملائما من النصوص لتقييم الخصائص و طرق التطبيق و أثر ذلك على العقد . و يتمتع الطرفين في العقد التجاري الدولي بكامل الحرية في تبني ما هو افضل لتوفير الحماية القانونية لحقوقهم عند احتمال عدم التنفيذ بسبب تعرضهم لحالة القوة القاهرة ولضمان الحفاظ على التوازن العقدي بينهما . فمن المعروف بأن العقد التجاري الدولي عقد ملزم للجانبين فإذا استحال على أحد المتعاقدين تنفيذ التزامه لسبب خارج عن إرادته ، فإن التزامه ينقضي وتبرأ ذمته و ينقضي في الوقت ذاته الالتزام المقابل للطرف الآخر ، فينفسخ العقد من تلقاء نفسه ( 1 ) . ومفهوم القوة القاهرة نجد أصوله كذلك في نصوص التشريع الداخلي أو الدولي أو مما قدمه لنا القضاء . ولكننا نجده واسع المحتوى وأقرب إلى واقع المعاملات الدولية وظروفها في موقف العرف التجاري الدولي .
الفرع الأول : النظام القانوني التقليدي للقوة القاهرة :
لقد ذكرت بعض التشريعات الداخلية حالة القوة القاهرة و حددت خصائصها و آثارها ،إلا أنها كما ذكرنا سابقا لم تقدم لنا تعريفا دقيقا لها ، تاركة للقضاء مهمة تشخيص عناصر وجودها و تقييمها حسبما تقتضي ظروف الحادث .
تستند فكرة القوة القاهرة في التشريع الداخلي عند أغلب الدول على نظريتين رئيسيتين تكونان خصائص الحادث الذي يمكن اعتباره قوة قاهرة في مبدأ القانون الداخلي . فلقد تضمنت هاتبن النطريتين بعض المبادئ التي يمكن الاستعانة والاستدلال بهما في صياغة شرط القوة القاهرة .
النظرية الأولى : نظرية الاستحالة المطلقة: و تعتمد على معيار الاستحالة المطلقة لتنفيذ التزام المدين L’impossibilité d’exécution .و هو ما نجده واضحا في مبدأ القانون الأردني ، الألماني و الإنكليزي رغم إن لكل منهم تعريفة الخاص لهذه الاستحالة مما يتطلب التوقف لمعرفة محتواها وآثارها .
( 1 ) المادة 159 من القانون المدني المصري . المادة 215 فق1 من القانون المدني الكويتي .
7
النظرية الثانية : نظرية القضاء في القانون الفرنسي : و هي تمثل المبدأ العام ا في القانون الفرنسي ، وقد صاغه لنا القضاء الفرنسي حيث حدد أركان هذه الظاهرة . ولكي يعتبر الحادث مكونا لحالة القوة القاهرة فلابد أن تجتمع فيه ثلاث خصائص كي يكون التكييف صحيحا ومعتمدا وينتج أثره على تحديد أو إبراء مسئولية المدين بالتنفيذ و هي : سبب أجنبي Extérieur ، لا يمكن توقعه Imprévisible ، و لا يمكن مقاومته Irrésistible .رغم ذلك فإننا نجد أخيرا موقفا معتدلا للقضاء الفرنسي يسمح في تجاوز هذا المنطق الثلاثي.
أولا : القوانين التي تعتمد معيار استحالة التنفيذ
القانون الأردني : تنص المادة 274 من القانون المدني الأردني بأن "في العقود الملزمة للجانبين إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له ، و انفسخ العقد من تلقاء نفسه ، فإذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل ، و مثل الاستحالة الجزئية الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة و في كليهما يجوز للدائن فسخ العقد بشرط علم المدين " ( 1 ) . و المعروف في هذا النص عدم وجود تعريف محدد و دقيق لحالة القوة القاهرة و اكتفى المشرع بذكر معيار " استحالة التنفيذ " و اعتبره عنصر أساسي في تقييم الحادث على انه حالة من حالات القوة القاهرة . و من الملاحظ أيضا أن المشرع لم يهتم بتشخيص مصدر هذه الاستحالة و ظروفها و مدى تأثيرها الخاص على تنفيذ التزامات المدين . إن موقف القانون هذا يترك المجال واسعا لسلطة القضاء لغرض تحليل الحادث و البت فيما إذا كانت الحالة موضوع الدعوى تتمتع بصفة القوة القاهرة وتقييم ما ينتج عنها من آثار على قدرة المدين بالتنفيذ .
كما أن تقييم الحادث يجب أن يأخذ بعين الاعتبار زمن وقوعه و المكان الذي حصل فيه و الظروف التي رافقته ، وهذه العناصر بحد ذاتها متنوعة و ليست ثابتة وخاصة في ظروف تنفيذ عقد البيع التجاري الدولي . وقد ينتج عن ذلك إصدار قرارات قضائية متباينة و متنوعة وقد تكون أحيانا متناقضة .
و لقد جاء النص مطلقا لمعيار استحالة التنفيذ . ولاشك انه يبقى بهذا التجريد مبهما وغير محدد المعالم ولكنه بنفس الوقت شاملا . رغم ذلك يمكننا تعريفه بأنه "ذلك الحادث الذي يجعل المدين عاجزا بشكل مطلق من إنجاز أو متابعة إنجاز التزامه بصورة دائمة أو مؤقتة ". و استحالة التنفيذ متعددة المصادر ، فقد تنصب الاستحالة على العين محل العقد . فإذا كانت تستند على سبب مادي فتسمى الاستحالة المادية Impossibilité Matérielle . أو قد تكون ناتجة عن سبب قانوني مصدره التشريع الداخلي أو قرار السلطة فتسمى بالاستحالة القانونيةjuridique Impossibilité . وقد يحصل الحادث بفعل الوضع الاقتصادي العام أو الخاص بالمدين بالتنفيذ فتسمى بالاستحالة الاقتصادية Impossibilité Economique . و استحالة التنفيذ مهما كان سببها أو مصدرها تتمتع بقوة الإلزام أمام القضاء إذا حدد الطرفان مضمونها ونطاقها صراحة في العقد . و بهذه الصيغة فإننا نجدها مدرجة دائما في الشروط التي يتناولها
( 1 ) يأخذ المشرع الكويتي بهذه القاعدة القانونية في نص المادة 215 في الفقرتين 1 و 2 من القانون المدني .
8
العرف التجاري الدولي .ونرى فيه سببا في خلق مفهوم جديد لخصائص القوة القاهرة تنسجم مع حاجة المعاملات و العقود ذات الطابع الدولي كي تجعل الأطراف المتعاقدة أكثر اطمئنانا على مصير العقد وفي ضمان حقوقهم عند النزاع. وهذا ما سنحاول بحثه مفصلا بعد التعرف على أثر موقف بعض القوانين الأخرى في صياغة مفهوم القوة القاهرة بشكل مباشر أو ضمنيا .
القانون السويسري : تقترب خصائص القوة القاهرة في القانون السويسري من المعايير التي جاء بها القانون الفرنسي . رغم ذلك ، أراد القانون السويسري أن يكون معيار الحادث الذي لا يمكن مقاومته اكثر واقعية عندما جعله يتصل بمعيار استحالة التنفيذ بصورة غير مباشرة . لقد اعتبر القضاء السويسري بأن حالة القوة القاهرة هي" حدث غير عادي ، أجنبيا يؤثر في الاستثمار - حدث غير متوقع ، لا يمكن لأحد تجنبه حتى بعد إعطائه كامل العناية ، دون أن يعرض للخطر بالكامل الاستثمار و مال و مصير المشروع L’entreprise، إنه حدث لم يحسب حسابه رئيس المشروع حتى وإن كان يحصل غالبا " ( 1 ) .
نجد في ذلك بأن القضاء السويسري قد طور فكرة استحالة التنفيذ و اعتبر وجود هذه الاستحالة متحققة في حالة إن الاستمرار في التنفيذ سيعرض حتما إلى الخطر الاستثمار و الوضع الاقتصادي النهائي للمشروع شركة أو مؤسسة . و مثل هذا الموقف يمكن أن يقودنا إلى اعتماد مفهوم نظرية الظرف الطارئ L’imprévision التي تستند في حجتها على معيار الاستحالة الاقتصادية ، تلك التي تجعل تنفيذ العقد مرهقا للمدين ويعرضه لخسارة جسيمة وقد تؤدي إلى إفلاسه ( 2 ) .
وقد ذهب كذلك الفقه السويسري بنفس الاتجاه حيث اعتبر الفقيه Engel (3) إن القوة القاهرة هي ذلك الحدث الذي يجب أن يسبب إكراه لا يمكن تجاوزه . وهذا المعيار يقترب في مضمونه و غرضه من فكرة الحادث الذي لا يمكن تجنبه أو مقاومته Irrésistible والذي تبناه القانونين الفرنسي و البلجيكي كواحد من خصائص القوة القاهرة ، ومثل ذلك من الحوادث التقليدية هي تلك الحالة التي تجعل التنفيذ كليا مستحيلا ، بفعل حوادث الطبيعة أو الإنسان أو قرار السلطة العامة Le fait du prince .
( 1 ) انظر : Lamy contrats internationaux , La vente , Division IV, article 390 .
( 2 ) انظر : Conseil d'Etat, 14 juin 2000, Bulletin juridique des contrats publics, 01/11/2000, P.434-439
(3) Engel M. : Traité des obligations en droit Suisse , p. 528 - 534 .
9
القانون الألماني : تطرق القانون الألماني لحالة القوة القاهرة في قانون الالتزامات B .G .B . حيث تنص المادة 275 " بأن يعفى المدين من التزامه من أداء العمل ، عندما يصبح هذا العمل مستحيلا نتيجة ظرف حصل منذ نشوء الدين والذي لم يكن مسؤولا عنه " . و موقف القانون هذا لا يشترط عدم توقع الحادث L’imprévisibilité ، وإنما يستند فقط على معيار استحالة التنفيذ . وقد وجد القضاء الألماني من جانبه بأن استحالة التنفيذ قد تكون مادية أو قانونية أو اقتصادية و بالتالي فقد جعل من مبدأ المادة 275 من قانون الالتزامات الألماني أساسا للتمتع بمفهوم القوة القاهرة و الظرف الطارئ حسب تقديره إلى حجم طبيعة الحادث و مقدار عدم التوقع في حصوله.
القانون الإنكليزي : لقد كانت القاعدة العامة في القانون الإنكليزي و لغاية عام 1863 تقضي بأن على أي طرف في العقد مسئولية تنفيذ كامل التزاماته العقدية ولا يتمتع بعد ذلك بأي عذر عند عدم تنفيذه للالتزام بحجة أن هذا التنفيذ قد اصبح لاحقا مستحيلا وغير ممكنا . ويرى القضاء بأنه كان على الطرفين تنظيم نتائج المخاطر ذات السبب الأجنبي ضمن العقد . و نذكر على سبيل المثال قضية Paradieu ( 2 ) حيث قررت المحكمة ما يلي :
When the party by his own contract create a duty or charge upon himself "
, he is bound to make it good , not withstanding any accident by inevitable
necessity , because he might have provided against it by his contract “
وهذا يعني إن " الطرف الذي أنشأ بإرادته العقدية التزاما ، يفرض عليه تنفيذه ، ولا يتذرع بوجود حادث لا يمكن تجنبه ، لأن عليه توقع ذلك عند التعاقد " .
ولقد كان موقف القضاء هذا سببا في أن تحتوي أغلب العقود على قائمة طويلة تذكر الحوادث التي تعتبر بأنها مخاطر متوقعة exepted risks يرغب الطرف المتعاقد تجنبها . إلا أن تغييرا في موقف القضاء قد طرأ في قضية Taylor (2 ) التي عرضت أمام محكمة Queen’s Bench حيث أعتبر القضاء فيها بأن - في بعض الافتراضات ، حتى وإن كان
1- انظر : S. 826. 839 . 3B and 1863 Caldwel Blackbrun J. in Taylor c/
2- انظر : SCHMITTHOFF M Clive , L'exportation , ses problèmes - leurs solutions , p. 168 , éd. Jupiter, Paris 1975.
10
العقد لا يتضمن اتفاق صريح يسمح بإبراء الطرف الآخر من الالتزامات ، فمن الممكن تفسير هذا العقد من قبل القضاء و كأنه يحتوي ضمنيا مثل هذا الاتفاق .ولاشك إن مثل هذا الموقف يعطي سلطات تقديرية واسعة للقضاء في إمكانية إعفاء المدين .
و لم يبقى القانون الإنكليزي عند حدود معيار استحالة التنفيذ ، وإنما قدم لنا افتراضا آخر سمي بحالة الإحباط
التجاريLa Frustration commerciale التي قد يتعرض لها المدين وقت تنفيذ العقد . وهي تعني حالة إخفاق المدين كليا في قدرته على تنفيذ التزاماته والتي يمكن اعتبارها سببا للإعفاء من المسئولية العقدية . و حالة الإحباط هذه تقود إلى تحليل العقد موضوعيا و اعتباره شيئا متكاملا ، بحيث لا يتوقف فقط عند معيار التوقع أو عدم التوقع ، أو أن يكون الحادث لا يمكن مقاومته ، إنما ينبغي كذلك النظر إلى تطور الظروف المحيطة بالعقد و أخذ جميع هذه العناصر بنظر الاعتبار كحوادث تؤدي مجتمعة إلى الإعفاء من المسئولية . فإذا فقد العقد غايته الاقتصادية لطرف من أطرافه ، فهل يستوجب بعد ذلك إكراه المدين على تنفيذ العقد ؟ فعندما يفقد العقد هذه المحصلة الاقتصادية يمكن القول بان العقد لم يعد وجوده ممكنا . وهذا المفهوم الذي جاء به القانون الإنكليزي ينسجم إلى حد ما مع حاجة العقود التي يطول زمن تنفيذها والتي تسمى بالعقود الطويلة الأمد Les contrats de longue durée ، أو في عقود التوريد المستمرة . و بدون شك يبدو موقف القانون الإنكليزي هذا أكثر ملائمة لتطور المعاملات الاقتصادية أو عقود التصنيع ذات التكنولوجيا العالية التي يستهدفها تنفيذ العقد الدولي والتي يطول دائما زمن تنفيذها.
من ناحية أخرى يبدو هذا الحل اكثر مرونة مقارنة بالمفهوم التقليدي للقوة القاهرة في القانون الفرنسي ، كما انه يقربنا من مبدأ الظرف الطارئ . مع ذلك فإن تطبيق مفهوم القوة القاهرة في القانون الإنكليزي يستوجب بعض الافتراضات التي اعتبرها الفقه الإنكليزي سببا لاستحالة تنفيذ العقد كليا : هنالك من الأحداث ما يكون فيها تنفيذ العقد مستحيلا بسبب تدمير عين معينة وجوهرية يقوم عليها تنفيذ العقد ، أو عندما يتضمن العقد تقديم خدمات شخصية تجعل التنفيذ مستحيلا بالوفاة أو العجز أو مرض المدين ( 1 ) . و يحصل هذا الافتراض عندما يتضمن العقد شرطا ضمنيا يكون بموجبه التنفيذ معلقا على قدرة المدين في تنفيذ التزاماته . ويسري نفس الحكم عندما يكون منع السلطات العامة تنفيذ العقد بشكل نهائي أو تتجاوز حدود الفترة الممكنة لتنفيذ العقد ( 2 ).
وقد يصبح إنجاز العقد مستحيلا عندما تطرأ تعديلات في القانون الداخلي لا تسمح للمدين بتنفيذ التزاماته ،أو إعلان حالة الحرب ، وخاصة عندما يكون أحد طرفي العقد من رعايا الدولة المعادية .
1- انظر : S. 826. 839 . 3B and 1863 Caldwel Blackbrun J. in Taylor c/
2- انظر : SCHMITTHOFF M Clive , L'exportation , ses problèmes - leurs solutions , p. 168 , éd. Jupiter, Paris 1975.
11
ثانيا : موقف القانون الفرنسي
لقد تطرق القانون الفرنسي (1) إلى حادث القوة القاهرة و شبهها بالحادث الجبري Le cas fortuit حيث تنص المادة 1148 من القانون المدني بأن ": ليس هنالك تعويض عن الأضرار بسبب قوة قاهرة أو حادث جبري منعت
المدين إعطاء أو عمل ما التزم به . أو القيام بعمل كان ممنوعا عليه ":
Il n' y a lieu à aucun dommages et intérêts , lorsque , par suite d'une force majeure ou d'un cas fortuit ,
le débiteur a été empêché de donner ou de faire ce à quoi il était obligé , ou a fait ce qui lui était interdit .
والملاحظ من النص إن المشرع الفرنسي لم يقدم لنا تعريفا لمعنى القوة القاهرة أو الحادث الجبري و اكتفى فقط بذكر آثارها على المدين كمانع من تنفيذ التزاماته . كما إنه من ناحية أخرى أهمل أن يقدم لنا معيارا يمكن القياس عليه لتقييم الحادث و ترك المجال مفتوحا أمام القضاء لتحديد عناصر القوة القاهرة . ومنح هذا الوضع للقضاء كامل الصلاحيات في تقييم طبيعة الحادث أو وصفه قوة قاهرة ( 2 ) حسب ما يحيط بظروف الواقعة المعروضة أمامه . ولقد كان لزاما على القضاء الفرنسي أن يحدد بالتالي خصائصها و نطاق تطبيقها .eإلى إيجاد الحلول وتبنى في البداية موقفا قانونيا ثابتا بشأن حالة القوة القاهرة . وأصبح موقف القانون الفرنسي هذا يشكل " النظرية التقليدية " التي يسترشد بها الكثير من القضاء في الدول الأخرى . و رغم ما تضمنته هذه النظرية من عناصر محددة وصارمة تكون أساسا لتقييم حالة القوة القاهرة ، فإنها أصبحت أحيانا تشكل القاعدة التي تستعين بها بعض الاتفاقات العقدية في تدوين معنى ومضمون شرط القوة القاهرة وتمييزها عن الظروف الطارئة .
أ- النظرية التقليدية للقوة القاهرة لدى القضاء الفرنسي
إن مفهوم القوة القاهرة لدى القضاء الفرنسي يعني " ذلك الحادث الأجنبي الذي يعفي المدين من تنفيذ التزاماته شريطة أن يكون ذلك الحادث غير متوقعا و لا يمكن مقاومته " ( 3 ) ( 4 ).
( 1 )كذلك القانون البلجيكي فإنه يتخذ القاعدة ذاتها في تقييم حالة القوة القاهرة .
( 2 ) حكم محكمة النقض Cass. Com. 3 oct. 1989 , JCP 1990 , II , 21423, conclusion M. Jéol .
( 3 )حكم محكمة النقض Cass. 3e civ. 24 mars 1993 , JCP , 1993 . I . 3727 , n° 12 obs. G. Viney . ( 4 ) Jean Pierre Gridel, note sous Civ.1, 3 juillet 2002, Bulletin, 2002,I,
Le Dalloz , 3 octobre 2002, n° 34, Jurisprudence, Page 2631 – 2635.
12
. ومن هذا المفهوم يتبين أن حالة القوة القاهرة يجب أن تتوفر فيها ثلاث عناصر أساسية ، فعندما تجتمع معا فإنها تكون قاعدة قانونية تسمح بحماية المدين في إعفائه من المسئولية العقدية التي تنتج عند إخلاله بالتزاماته .
وقبل التطرق لخصائص القوة القاهرة في النظرية التقليدية لابد من تحليل السند القانوني الذي يقوم عليه القضاء الفرنسي عند صنعه لهذه النظرية .
يرتكز المفهوم التقليدي للقوة القاهرة على المبدأ الذي جاء به القانون الروماني بما يتعلق بالقوة الملزمة للعقد المحلي
Le force obligatoire du contrat . و قد تبنى القانون الفرنسي هذا المبدأ في نص المادة 1134 من القانون المدني حينما أعتبر بأن الاتفاقات التي تكونت شرعيا تكتسب حجة القانون قبل من أنشأها .
“Les conventions légalement formées tiennent lieu de loi à ceux qui les ont faites ."
ونجد هذه القاعدة القانونية في تفسير الفقه حيث يرى بأن الأصل في العقد هو رضا المتعاقدين والالتزام على ما تم الاتفاق عليه بينهما. و ينتج عن ذلك بأنه من الصعب علي أي طرف في العقد إيجاد الوسيلة القانونية للتحلل من التزاماته العقدية . فكما يعتبر الفقيه Mazeaud بأن هناك معيارا أخلاقيا ينشأ من التعامل بين الأطراف يقضي بأن " من أعطى العهد عليه التمسك به ، و الوعد ينبغي تنفيذه مهما كلف الثمن " (1 ) .
ونحن نرى إن العلاقات التجارية الدولية تخضع لمبدأ القوة الملزمة للعقد الدولي La force obligatoire du contrat international . ومن خلال ذلك ، يمكن تشخيص بعض الافتراضات التالية :
نرى في الحقيقة وجود معيارا اقتصاديا وآخر اجتماعيا يهتم بهما مبدأ القوة الملزمة للعقد ، و مفادهما أن مثل هذا العقد ينتج أثر مزدوج يدخل في حساب الأفراد والمشروعات Entreprises الاقتصادية الخاصة أو العامة التي تبني تعاملها في الأصل على ما استقرت عليه إرادة الأطراف المتعاقدة في شكلها الخارجي volonté externe . حيث كلما اشتد النشاط التجاري صار من الضروري أن نطمئن إلى الظاهر . وهذه الفكرة تستند على الثقة المشروعة التي من الواجب احترامها حتى لا تضطرب المعاملات . فإذا كانت القوة الملزمة للعقد ترمي إلى تحقيق العدالة والمنفعة العامة للمتعاقدين، فإن هذين المعيارين يقضيان أن تكون هذه الثقة الظاهرة والمشروعة التي يولدها العقد أساسا لقيام الالتزام (2) .
( 1 ) تقضي المادة 196 من القانون المدني الكويتي ، وكذلك المادة 147 فقرة 1 من القانون المدني المصري ، بأن العقد شريعة المتعاقدين . فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين ، أو للأسباب التي يقررها القانون .
انظر :MM. MAZEAUD H .L.et J. “ Leçons de droit civil " , Tome II , n° 721 , p. 655 .
(2) د. عبد المجيد الحكيم : المصدر السابق ، ص 129 .
13
إن هذه القاعدة ما هي إلا تجسيد لمبدأ العدالة والمبادئ العامة للقانون . إلا أن تطبيقها يتعارض مع ضرورة إعفاء المدين من مسئولية عدم التنفيذ بسبب القوة القاهرة ، وكما يصعب القبول بها ليس فقط في نطاق العلاقات العقدية الدولية و إنما أيضا في حالة العقود المحلية .
ب - خواص النظرية التقليدية للقوة القاهرة
يرى القضاء الفرنسي إن ثمة عناصر ثلاثة يجب أن تتوافر حتى نكون بصدد القوة القاهرة وهي :
حادث غير متوقع Impévisible ، حادث لا يمكن مقاومته (لا يمكن تجنبه ) Irrésistible ، حادث أجنبي (خارج عن إرادة المدين) Extérieur
فعند تقدير القضاء إعفاء المدين من المسئولية العقدية لعدم التنفيذ ، لابد أن تكون حالة " القوة القاهرة ، أو الحادث الجبري " مستقلا عن إرادة الطرفين ، غير متوقعا ، وكذلك لا يمكن مقاومته. فعندما تتوفر هذه العناصر يجوز للمدين كما يرى الفقه أن يتمسك بوجود قوة قاهرة حتى يعفى من مسئوليته ،ولكن شريطة أن يكون الحادث الذي يتمسك به المدين ناشئا بعد تاريخ سريان العقد ، و ذات طبيعة تمنع التنفيذ كليا أو جزئيا للالتزامات الناتجة عنه ، سواء كان هذا المانع مؤقت أم نهائي (1 ) .
إن تعريف القوة القاهرة بهذا المحتوى فيه خاصيتين هما :حالتي التعميم La généralité و التجريد L’abstraction . فهو تعريف عام وشامل . وهذا يعني بأنه ليس من الضروري وضع صورة مسبقة لتحديد نوعية الحوادث التي ممكن أن تعتبر حالة من حالات القوة القاهرة ( 2 ) . ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار هذا المفهوم في تطبيقه ذات نطاق ضيق جدا ومقيدا لظروف موضوع الدعوى لأنه يتطلب في كل مرة تحليل فيما إذا كان الحادث يشتمل فعلا على خصائص القوة القاهرة . و قد ينتج عن ذلك احتمال الخطأ أو عدم الدقة في صحة تقييم الحالات المعروضة أمامنا نظرا لاختلافها وتنوع ظروف نشأتها . ويتأكد ذلك عندما يرى القضاء الفرنسي إنه في الأصل بأن الحادث مهما كان لا يعتبر بحد ذاته حالة من حالات القوة القاهرة كقرار السلطة العامة أو حالة الحرب أو العاصفة ( 3 ) أو الفيضان أو ارتفاع الأسعار ( 4 ) حيث تتأثر كل منها بعامل الزمن والتأريخ وظرف المكان وغيرها…
( 1 ) CHABAS F. " Force majeure " Rép. Dalloz , droit civil , 1985 , n° 1 ;
MAZEAUD H. L. ET J. , op. cit . n° 575 à 577 p. 517 ;
Jean Pierre Gridel, note sous Civ.1, 3 juillet 2002, Bulletin, 2002,I,
Le Dalloz , 3 octobre 2002, n° 34, Jurisprudence, Page 2631 – 2635
LE TOURNEAU Ph. : La responsabilité civiles , dalloz Droit Civil , 3ème Ed. 1982 , n° 708
MM CADIET et LE TOURNEAU, Droit de la responsabilité , Dalloz Action, 1998 , n° 915 .
( 2 ) , Moniteur 1982 , p. 218 . DUBISSON M. : La négociation des marchés internationaux
( 3 ) C A Paris 28 fév. 1990, Gaz. Pal. 1990 . 2 . somm. 461
( 4 ) Cass. 1re civ. 23 fév. 1994 , Dalloz 1995 , 214 note N. Dion .
14
رغم ذلك نجد تطبيقات للقضاء الفرنسي في أحكامه على بعض الظواهر التي تتعرض لها المعاملات الداخلية يميل إلى اعتبارها غالبا حالة من حالات القوة القاهرة أو أن تكون مصدرا لنشوئها فقد قضي إن :
قرار السلطة العامة Le fait du Prince يكون من الطبيعي في اغلب الحالات حادث قوة قاهرة ( 1 ) . ويرى ذات القضاء إن تقدير وجود حالة عدم التوقع للحادث الجبري يكون وقت انعقاد العقد ( 2 ) .
- يشكل الإضراب حالة القوة القاهرة إذا كانت أسبابه خارجية لا يتمكن صاحب العمل من تجنبها ، و لكن لا يكتسب الحادث خاصية القوة القاهرة إن كانت أسباب الإضراب ترجع في حقيقتها إلى خلل في النظام الداخلي للمشروع حيث يتمكن رب العمل من وضع حد له بالتنازل عن بعض الحقوق لصالح المضربين ( 3 ) .
ولكن الإفلاس لا ينشأ عنه حالة القوة القاهرة لصالح المدين ( 4 ) وكذلك حالة الحرب لا يمكن من حيث المبدأ اعتبارها قوة قاهرة ، إلا إن هذه الخاصية يمكن أن تنسب لها استثناء بفعل الظروف المحيطة بها ( 5 ) .
وفي بعض المعاملات الدولية نرى تحقق حالة القوة القاهرة من خلال أحكام أخرى للقضاء الفرنسي كما تكشف لنا الوقائع التالية :
تتحقق استحالة التنفيذ المادي لمحل العقد فيما إذا تعرضت البضاعة للحريق ، أو غرقت أثناء سفرها أو فقدت في ميناء المغادرة أو ميناء الوصول بسبب قصف عسكري أصاب الميناء . وقد اعتبر القضاء في مثل هذه الحالة وجود
سبب أجنبي لا يعود بصلة للبائع ( 6 ) ويعتبر العقد منقضيا بحكم القانون وبالتالي إعفاء الدائن من ضرورة تقديم دعوى فسخ العقد ( 7 ) .
( 1 ) Cass. Civ. 1er , 29 nov. 1965 : D. S. 1966 , 101 .
( 2 ) Cass. Com. 21 nov. 1967 : J C P 1968 , II , 15462 , note Le Galcher-Baron .
( 3 ) Cass. Civ. 1er, 7 mars 1966 et Cass. Com. 28 fév. 1966 : J. C P 1966 , II , 14878 , note J. Mazeaud .
( 4 ) Cass. Civ. 15 mai 1944 : Dalloz 1945 , 15 ; Cass. Civ. 15 mai 1945 : Dalloz 1946 , 35 .
( 5 ) Civ. 2e , 26 janvier 1971: Bull. I , n° 27, p. 22 Cass.
Cass. Com. 10 oct. 1950 : Gaz. Pal. 1951 , 1 , 20 ;
( 6 ) Cass. Civ. 27 fév. 1967 : Dalloz 1967 , p. 415 ; TGI Paris 17 oct. 1973 : Gaz. Pal. 5 mars 1975 ; Cass. Civ. 1e 2 juin 1982 : J C P 1982 , IV , p. 285 ; Gaz. Pal. 14 dèc. 1982 .
( 7 ) dr. civ. 1982 , 398 , obs. Chabas F. ; Cass. Com. 16 juil 1980 : Rev. trim.
Cass. Com. 28 avril 1982 : Bull . civ. IV n° 145 ; Rev trim. dr. civ. 1982 , 340 .
Gasette de Palais 1998 , n° 78 , Page 18 , Note sous Civ.2, 19 fevrier 1997, Bull 1997, II, n° 56,P.32 ; 1ere Civ. – 18 Octobre 2005 , BICC n° 633 du 1er fevrier 2006.
15
وبعض أحكام القضاء الفرنسي ترى أنه لا يحق للمشتري المطالبة بتسليم البضاعة نظرا لوجود قرار يمنع تصديرها ،حيث اختلفت ظروف التسليم عن تلك التي كانت في تاريخ الاتفاق (1). وقد يتمسك القضاء بالنتائج المباشرة للحرب واعتبارها قوة قاهرة . مثال ذلك احتلال العدو لبلد آخر تجعل فيه التاجر المدين بالتنفيذ في حالة استحالة مطلقة أن يستمر في نشاطه الصناعي أو التجاري ( 2 ) أو تعليق حركة النقل كغلق شبكات السكك الحديدية ( 3 ) .
وهناك أحكام قضائية مغايرة ،حيث اعتبرت أن قرار السلطة العامة الذي استهدف مصادرة البضاعة محل
العقد (4) أو إلغاء إجازة الترخيص ( 5 ) لا يعفي المدين من تنفيذ التزاماته التعاقدية .
بل قضي أنه كل عمل ناتج عن الحرب لا يعتبر بحد ذاته غير متوقع أو بأنه لا يمكن مقاومته ولا يمكن
تجاوزه ( 6 ) . وهذا الموقف القضائي ينسجم مع المبدأ العام بأن "حالة وجود الحرب المعلنة رسميا لا تمنع بحد ذاتها تنفيذ العقد ، إنما ما يترتب على هذه الحرب " من نتائج تحول دون تنفيذه مثل غلق الموانئ أو المصانع …( 7 ) .
إن هذا الموقف للقضاء الفرنسي في تكييف حالة القوة القاهرة له ما يبرره في نطاق علاقات القانون الداخلي، وهو يهدف بالأساس إلى حماية السوق المحلية والمستهلك و لغرض تقليل إمكانية الموردين من التحلل من المسئولية العقدية لعدم التنفيذ إلى أقصى ما يمكن وذلك لضمان استقرار المعاملات التجارية المحلية . إلا أن تطبيق هذه النظرية التقليدية يكشف عن وضع قضائي متغير ومتفاوت نسبيا في صحة الأحكام بسبب تعدد الحالات التي تمنع تنفيذ الالتزامات و تنوعها . ومثل هذا الاحتمال يمكن أن يتضاعف في نطاق العلاقات العقدية ذات الطابع الدولي حيث تتميز بمعوقات خاصة اكثر تعقيدا تتجاوز في طبيعتها ومصدرها العقود المحلية أو قد لا يكون مثلها موجودا في ظروف تنفيذ العقد المحلي.
إن صرامة مفهوم القوة القاهرة عند القضاء الفرنسي يجعل نطاق تطبيقه ضيقا و مقيدا لأنه يفرض في كل مرة تحديد فيما إذا كان الحادث موضوع الدعوى يتضمن فعلا العناصر المكونة للقوة القاهرة .ومن مساوئ ذلك هو أن تتعرض الحماية
( 1 ) Trib. Com. Marseille : 16 janv. 123 : Rec. Marseille 1924 , 250 .
Cass. Civ. 3 juin 1929 : Gaz. Pal. 1929 , 2 , 277 ; Sirey 1929 , 1 , 265 .
( 2 ) Trib. Com. Seine 16 nov. 1917 : Gaz. Pal. 1916 / 1917 , 1032 .
( 3 ) Trib. Com. Marseille 15 mai 1918 : Rec Marseille 1918 , 1 203 ; Trib. Com. Nantes , 30 oct. 1924 : Gas. Pal. 1925 , 142 .
( 4 ) Cass. Com. 16 juin 1953 : Bull. Civ. III, n° 221 .
( 5 ) Cass. Com. 18 juin 1958 : Bull. Civ. III , n° 257 .
( 6 )Trib. com. Paris 23 juin 1977 : Gaz. Pal. 1, Somm. 273 .Cass com 2 août 1948 : Bull. Civ. II , 1948 n° 212 . (7 ) TUNC A. Colloque d' HELSINKI 1960 : Problèmes de l'inexécution et la force majeure dans les contrats de vente internationale , Discussions , p. 255 .
16
القانونية اللازمة للمدين بالتنفيذ للانتقاص حيث هناك كثير من الوقائع المانعة من تنفيذ الالتزامات العقدية الدولية ، أما بصورة مؤقتة أو بشكل نهائي ، لا تجمع خصائص القوة القاهرة كما يشدد عليها القضاء الفرنسي رغم أن مثل هذه الحالات المفاجئة لا يمكن مقاومتها و إنها مستقلة تماما عن إرادة المدين ، أي أنها راجعة إلى سبب أجنبي لا يد لأحد المتعاقدين في نشأتها ، إلا إنها تعتبر أحيانا متوقعة الحدوث في تقدير رجال الأعمال و القضاء .
نأخذ مثلا الاستحالة القانونية L’impossibilité juridique التي تمنع المشتري في العقد الدولي تنفيذ التزاماته . و يحصل ذلك عندما يتعرض للموانع الإدارية المتعلقة بتعليمات الاستيراد أو إصدار الإذونات الرسمية في كثير من الدول بنقل العملات اللازمة لتسديد الثمن . و غير ذلك من القرارات الظرفية التي تفرضها السلطة التشريعية أو التنفيذية وتكون بلا شك مصدر لنشوء الاستحالة القانونية . وهي تتعارض أيضا مع مبدأ "القدرة المستقلة " للمدين بالوفاء وإمكانية تنفيذ الالتزامات في العقود الدولية . فهل من الجائز التساؤل فيما إذا كانت مثل هذه الوقائع تنشئ فعلا معيار الاستحالة في تنفيذ الالتزام كما تطرقت إليها بعض القوانين الداخلية ( 1 ) و التي اعتبرتها قوة قاهرة و سببا معفيا من المسئولية لعدم التنفيذ ؟
رغم ذلك ، قدمت إحدى لجان التحكيم الدولي حكما مغايرا لهذا الافتراض حينما استندت فقط على خصائص المفهوم التقليدي للقوة القاهرة ، معتبرة أن المدين لم يقدم الإثبات في الدعوى بتوفر العناصر الثلاثة للقوة القاهرة وهي ( سبب أجنبي ، لا يمكن مقاومته ، و غير متوقع ) وعليه لا يتمكن المدين بالتنفيذ التمتع بشرط الإعفاء من المسئولية التي جاءت بها الفقرة (1-18) من العقود المبرمة بين الطرفين . أما الدفع بأن البنك المركزي ... لم يضع تحت تصرفه العملات الأجنبية اللازمة لتسديد الفواتير ، فإنها لا تنشأ حالة القوة القاهرة ( 2 ) .
من الجائز أن يتعرض هذا الحكم إلى النقد إذا علمنا عدم توفر إهمال أو تقصير متعمد يمكن أن ينسب إلى المدين بالتنفيذ . فإذا كان القرار الصادر عن السلطة المخولة رسميا بتحويل العملات الصعبة تمنع المدين من تسديد الثمن ، أو تجعل مستحيلا استلام المبيع كغلق ميناء الوصول مكان استلام البضاعة ، فهذا يعني بأن الحادث الذي يجابه المدين لا يمكن مقاومته و لا يسعه تجنبه و يجعله عاجزا تماما و غير قادر على تجاوزه . أليست هي في طبيعتها وقائع غير عادية و مستقلة عن إرادة المتعاقد ؟ و من ناحية أخرى كيف نتصور بأن الدائن سيتمكن من استيفاء التعويض من المدين بسبب عدم تنفيذه العقد ، كما إن كسبه دعوى التعويض ليس ضمانا كافيا لتنفيذها . فمن الخطأ التصور بأن السلطات المالية ستوافق على دفع مبلغ التعويض للدائن " التاجر الأجنبي " التي ترتبت على المدين بالتنفيذ في بلدها في الوقت الذي منعت فيه تسديد الثمن بالعملات الأجنبية لقيمة أصل العقد الذي سبق أن منحته التخويل الرسمي ’autorisation و الموافقة على إبرامه .
و يتميز العقد الدولي بمعيارين أساسيين لهما آثارا مباشرة وغير مباشرة على مبدأ سلطان الإرادة في حرية تكوين العقد وكذلك في تخمين وتقدير نوع الظروف والصعوبات التي سترافق شروط تنفيذه وهما :
( 1 ) انظر نص المادة 247 من القانون المدني الأردني .
( 2 ) الحكم الصادر عن محكمة التحكيم للغرفة التجارية الدولية - باريس
Affaire 3093 : 3100 , 1979 : Clunet 1980 , p. 954 .
17
أولا : المعيار الاقتصادي Le critère économique :
و يمكن استنتاج هذا المعيار في عقد البيع الدولي عندما نرى انتقال البضاعة محل العقد وتجاوزها حدود الدولة الواحدة ، وكذلك تحويل مبلغ العقد لتسديد الثمن .وقد عبر القضاء الفرنسي عن هذا المعيار في غرضه الاقتصادي بأنه " يحقق تدفق البضاعة و عودة قيمتها بالمقابل إلى ما بعد الحدود " )1 )
إن حرية انتقال الثروات بين المجتمعات الدولية لها أولا ضروراتها الإنسانية بالإضافة إلى الحاجة الحضارية . فمن الطبيعي أن تتسم العلاقات التجارية الدولية بحركة متبادلة للأموال الاقتصادية بكل أشكالها . لكنها تبقى مشروطة بما ينتج عنها أولا من توازن اقتصادي يخدم الدخل القومي للبلد ذات العلاقة . وبالتالي فهي تكون خاضعة لضوابط فنية وقواعد قانونية لا يمكن تجاهلها من قبل الطرفين عند تحرير بنود العقد الدولي .
كما إن هذا المعيار الاقتصادي يستلزم تحقيق التوازن العقدي بين الطرفين L équlibre contractuel عندما يتم
الاتفاق على صياغة شروطه . ومفاده بأن ما يترتب من التزامات مادية على أحد طرفي العقد ينبغي أن ينشأ ما يعادلها بحق الطرف الآخر من حقوق والتزامات . وينتج تبعا لذلك آثارا اقتصادية متوازنة لصالح كل واحد منهما . فالتوازن العقدي هو ضمان التوازن الاقتصادي équlibre économique L’ الذي أهم ما يجب أن يحققه العقد هو وقت تحقيق تنفيذ كافة البنود الواردة فيه .
ثانيا : المعيار القانوني Le critère juridique :
وبموجبه يخضع العقد في أحكامه إلى قواعد قانونية تنتمي إلى تشريعات دول متعددة ( 2 ) . وهذا يفسر بأن عناصر العقد الدولي ممكن أن ترتبط بأكثر من نظام قانوني وقضائي تخضع لاختصاصه ، إذا ما أخذنا بالاعتبار بعض العوامل مثل مكان إبرام العقد و مكان تنفيذه و جنسية الطرفين المتعاقدين و محل إقامتهم و منشأ البضاعة ( 3 ) .
والمعيار القانوني له أيضا أهمية جوهرية تؤثر على حياة العقد الدولي لأنه يقرر مصير وضمان تطبيق شروطه وقت التنفيذ أو بشكل خاص بما يتعلق بحالات النزاع القانوني التي قد تنشأ لاحقا بين الطرفين لعدم التنفيذ . ومن المعروف بان اغلب التشريعات القانونية لن تنظم لنا مثلا حالة القوة القاهرة ، و منها من لا يعترف كليا بمبدأ الظرف الطارئ L’ imprévision . و موقف التشريعات الدولية هذا قد يكون طبيعيا إذا علمنا بان لكل بلد قواعده
Un flux de marchandises et reflux de valeurs au déla des frontières ( 1 )
Cass. Civ. 17 mai 1927 : Dalloz 1928 , I , p. 25 , note Capitain H. ; G. P. 1927 , 2 , 173 ; Cass. Civ. 4 mars 1964 : G. P. 1964 , 2 , 223 .
( 2 ) Loussouarn Y. et Bredin J. D. " Droit du commerce hnternational " Sirey 1969 , n° 511 et 556 ;
( 3 ) Batiffol H. " Contrats et conventions " , Encyclop. Dalloz - droit international " , n° 9 , P. 564 .
Goldman V. , note sous Paris 19 juin 1970 : J. C. P. 1971 , II , 16927 Batiffol H. et Lagarde P : Traité de droit international privé , L. G. D. J. , T.II , n° 4
17ب
. التشريعية الخاصة به و قانونه الذي يعكس دائما فلسفة ومفهوما للعدالة تتفق مع خصوصية ظروفه (1) ، إلا إن هذا الموقف يتعارض أحيانا مع ما يتطلبه التعامل التجاري الدولي و ما تمليه الحاجة من قواعد قانونية و شروط خاصة أقرها العرف ينبغي أن يحتويها العقد في مجال العلاقات التجارية الدولية كشرط القوة القاهرة حينما يصبح تنفيذ العقد مستحيلا، وكما هو أيضا في حالة الظروف الطارئة أي عندما يكون تنفيذ العقد مرهقا لأحد أطرافه حيث يتعرض العقد أيضا لاحتمال عدم التنفيذ .
و برأينا إن العقد الدولي يجمع في آن واحد بين المعيارين الاقتصادي و القانوني ، ولهما آثار جوهرية على بناء العقد الدولي . و بناء على ذلك فان تحرير العقد و تحديد عناصره ينبغي أن يأخذ بالاعتبار أهمية الجانب الاقتصادي والتقيد في تحديد الأطراف المستفيدة منه ، وكذلك تثبيت النظام القانوني الذي سيحكم العقد عند التنفيذ وعند النزاع المحتمل أو عند الحكم في صحة وشرعية الشروط الواردة فيه .
الفرع الثاني : النظام القانوني الحديث للقوة القاهرة :
لقد تدارك المشرع الدولي في اتفاقية فينا لعام 1980 وكذلك العرف التجاري الدولي الحاجة إلى إيجاد نظام قانوني موحد وملائم تنظم قواعده العلاقات العقدية الدولية ويأخذ في الاعتبار تحقيق التوازن لضمان حقوق المتعاقدين عند كافة أسباب عدم التنفيذ التي قد يتعرض لها العقد .
( 1 )de demain “ Ed. Dalloz 1984 , p. 195 ; , droits d' hier , droits DAVID R. “ Le droit comparé
THIEFFRY J. et GRANIER Ch. “ La vente internationale “ , Ed. C.F.C.E. , Paris 1985 , p. 27 .
17ج
أولا : اتفاقية فينا لعام 1980
1- لم يتطرق المشرع الدولي صراحة لمفهوم القوة القاهرة ، لكنه تدارك وجود مثل هذه الحوادث ضمن هذا المفهوم وما ينتج عنها من آثار . ولقد تناولها بشكل غير مباشر عندما تطرق لأحكام الإعفاءات من المسئولية عند عدم تنفيذ العقد .حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 79 من اتفاقية فينا لعام 1980 بشأن عقود البيع الدولي للبضائع بما يلي : " لا يسأل أحد الطرفين عن عدم تنفيذ أي من التزاماته إذا ثبت إن عدم التنفيذ كان بسبب عائق يعود إلى ظروف خارجة عن إرادته و إنه لم يكن من المتوقع بصورة معقولة أن يأخذ العائق في الاعتبار وقت انعقاد العقد أو أن يكون بإمكانه تجنبه أو تجنب عواقبه أو التغلب عليه أو على عواقبه ." إن تحليل هذا النص يقودنا إلى استنتاج خصائص الحادث كما يراها المشرع الدولي والتي يمكن بموجبها إن اجتمعت إعفاء المدين من مسئوليته لعدم تنفيذ التزامه و اعتبار ذلك حالة من حالات القوة القاهرة .و هذه الخصائص هي :
أن يكون الحادث أجنبي أي خارج عن إرادة الطرفين . وأن يكون الحادث غير متوقع وقت انعقاد العقد . وقد أراد المشرع قياس عدم التوقع بصورة معقولة Raisonnableادراك الحادث ولا يمكن تجاوز هذا الحادث أو تجنبه إن وقع .
ومن الملاحظ على ذلك أن المشرع الدولي لا يشترط بأن ظروف الحادث التي منعت التنفيذ يجب أن تحصل بعد إبرام العقد ، حيث من الممكن التمسك بمبدأ الإعفاء من المسئولية لحادث القوة القاهرة حتى وإن وجدت جذوره في وقت يسبق انعقاد العقد . و لقد اعتمد المشرع الدولي لتحقيق هذه القاعدة على نية الطرفين عند إبرام العقد ، حيث يتمكن أي طرف منهما أن يدفع بإعفائه من المسئولية إذا أثبت إن عدم التنفيذ كان بفعل الظروف التي لم يأخذها بعين الاعتبار عند التعاقد ولا يتمكن تجنبها أو تجاوزها أو ما ينتج عنها من آثار . وبهذا فإن المشرع الدولي يتجاوز في مفهومه نطاق تطبيق القوة القاهرة المعمول به في مبدأ القانون الداخلي الذي أعتمد النظرية التقليدية للقضاء الفرنسي ، وإنه يقترب نوعا ما من القوانين التي أخذت بمعيار استحالة التنفيذ أيا كان مصدرها لتقييم الحادث كقوة قاهرة . وهذا ما يفسر موقف المشرع الدولي عندما تجاهل النص بشكل صريح في اتفاقية فينا 1980على معنى حادث القوة القاهرة . ويمكن أن نجد لذلك موقفا متشابها لدى المشرع المصري عندما اعتبر استحالة التنفيذ سببا من أسباب انقضاء المسئولية العقدية ، حيث تنص المادة 373 من القانون المدني بأن " ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به اصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه " ( 1 ) .
وإذا كان نافعا الأخذ بمبدأ استحالة التنفيذ في تقييم حالة القوة القاهرة ، فقد لا يتضمن الحماية اللازمة لحقوق رجال الأعمال في معاملاتهم الدولية إلا بعد تشخيص مضمون هذه الاستحالة من قبل المتعاقدين.
( 1 ) انظر كذلك نص المادة 425 ق م عراقي .
18
ثانيا : العرف التجاري الدولي :
لقد كان من مساوئ تطبيق مبدأ القانون الداخلي و اختلاف أحكامه أثره في معاملات رجال الأعمال في البحث عن حلول من شأنها أن توفر لهم الاطمئنان في علاقاتهم العقدية و تضمن حقوقهم وكذلك تعيين حدود مسئوليتهم عندما يتعرض العقد إلى صعوبات تعيق تنفيذه أو تجعل تنفيذه مستحيلا تبعا لطبيعتها وما ينتج عنها من مشاكل يعهدونها في هذا الحقل من أعمالهم . ولقد ساعد على حرية صياغة مضمون القوة القاهرة حسب رغبة المتعاقدين هو إن صياغة هذا البند ليس من النظام العام ومن ثم يحق للطرفين تحديد خصائصه و محتواه و شروط تطبيقه و آثاره بالشكل الذي يخدم وضعهم و يؤمن لهم الحماية القانونية اللازمة .
وهذا الترتيب الاتفاقي هو ما نطلق عليه "شرط القوة القاهرة La clause de force majeure" يوفر في محتواه عوامل المرونة ويعبر عن صياغة متطورة لاتفاقات المتعاقدين لأنه يجمع في عناصره كثير من مفاهيم الحماية المتنوعة . ولقد خلق بالتالي نظام عقدي يبتعد كليا عما جاء به مبدأ القانون التقليدي للقوة القاهرة . و أصبح هذا الشرط من الاهتمامات الأساسية عند تحرير بنود العقد الدولي وقدم بالنتيجة مفهوما حديثا في محتواه . كما إنه أوجد لنا نماذج متعددة يمكن الاسترشاد بها عند التفاوض لصياغة الشرط . و لقد حاولت الغرف التجارية الدولية من جانبها تنظيم قواعد شرط القوة القاهرة .وهنالك أيضا نماذج العقود الدولية التي يتمكن بموجبها طرفي العقد الاستدلال بها و الأخذ بنصوصها أما كليا أو جزئيا حسبما يرونه مناسبا واعتمادها عند صياغة شرط القوة القاهرة .
و من الملاحظ أن المفهوم الجديد للقوة القاهرة لا ينظر إلى الحادث كونه نادرا أو استثنائيا أو يجب أن لا يحصل ، ولكنه يأخذ بالاعتبار ذلك الحادث الذي يحصل بعيدا عن السيطرة الطبيعية لطرفي العقد . وإذا كان شرط القوة القاهرة يحتوي على كثير من عوامل المرونة لتقييم أثر الحادث على تنفيذ العقد ، إلا أنه من ناحية أخرى يفرض على المدين التزامات صارمة لضمان التمتع بآثار حالة القوة القاهرة المعفية من المسئولية عند عدم التنفيذ .
وقبل التطرق لمعرفة أنواع شرط القوة القاهرة التي درج عليها العرف التجاري الدولي ، فإن المفهوم الحديث للقوة القاهرة يرتكز على معيارين رئيسيين هما ، أولا استحالة تنفيذ الالتزام لأحد أطراف العقد . ولا يهم كثيرا في هذه الحالة إن كان الحادث مؤقتا أو دائما. وثانيا ، يجب أن لا يرجع حادث القوة القاهرة لفعل المدين كي ينتج أثره في إعفاء هذا الأخير من المسئولية العقدية عند استحالة تنفيذ العقد .
أ - أسباب استحالة التنفيذ في العرف التجاري الدولي :
عندما نتحدث عن استحالة التنفيذ ، فهذا يعني بأن الحادث عند حصوله يجعل المدين في وضع غير قادر نهائيا إنجاز التزامه أو متابعة تنفيذه . وهذه الاستحالة قد يكون سببها ماديا أو قضائيا أو اقتصاديا . ومهما يكن مصدر هذه الاستحالة فأنها تكفي أن تقدم حجة قانونية لإعفاء المدين من مسئوليته عند عدم التنفيذ . وهذا هو الأساس الذي ينبني عليه الموقف الجديد لفكرة القوة القاهرة في العرف التجاري الدولي .
19
1- الاستحالة المادية للتنفيذ : L’impossibilité materielle
ويمكن أن نطلق عليها أيضا بالاستحالة الفيزيائية . وهي التي تحول دون تنفيذ العقد Impossibilité physique
لأنها تنصب على العين محل الالتزام . فهي ترجع كما يرى الفقه ( 1 ) إلى استحالة الشيء في ذاته لا إلى استحالته بالنسبة للمتعاقد . و تسمى أيضا في هذه الحالة بالاستحالة الموضوعية Impossibilité objective أي الاستحالة التي تعود كما قلنا سابقا إلى المحل في ذاته . و لهذا المعيار مفهوم ضيق يتمثل أساسا بالظرف الذي يمنع نهائيا الوفاء بهذا الالتزام من قبل المدين بالتنفيذ الذي لا يد له مطلقا بوقوعه . وإذا نظرنا إليه من جانب البائع في عقد البيع التجاري الدولي ، فيمكن أن يتحقق هذا الافتراض عندما يتعرض المبيع بعد فرزه أو تعيينه للدمار الكلي بسبب الحريق ، أو غرقه أثناء نقله البحري ، أو دماره بفعل حالة الحرب في ميناء الوصول أو ميناء المغادرة أو الدمار الكامل للوحدة الإنتاجية لمؤسسة البائع المنتجة للمادة محل العقد و غير ذلك ...
لاشك إن القاعدة العامة تقضي في مثل هذه الحوادث بان الالتزام بالتنفيذ ينقضي إذا ثبت بان الوفاء به من
قبل المدين اصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له في هلاك المبيع ( 2 ) . و الافتراضات أعلاه لا تقبل الشك بتوفر معيار استحالة التنفيذ المادية للعقد ، و بالتالي لا يمكن أن يتحمل المدين عبء المسئولية العقدية لعدم التنفيذ .
وقد يتبادر إلى الذهن فيما إذا كان المبيع من جنس المثليات Choses Fongibles ، في مثل هذا الافتراض يقضي المبدأ ضرورة استبدال مصدر التجهيز وعلى مسئولية البائع حيث لا يصبح تنفيذ العقد مستحيلا وإنما ممكنا بمجرد توفر
نفس جنس المبيع في السوق التجارية . و نذكر مثلا لذلك فيما إذا كان المبيع ينصب على تسليم ألف قدم مكعب من خشب الصاج و احترق الخشب قبل التسليم ، يبقى البائع ملزما بتسليم الكمية المذكورة على نفقته من مصدر آخر ، لان احتراق الخشب الذي في مخزنه لا يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا ، حيث في إمكانه - البائع- شراء الخشب اللازم من الأسواق ما دام جنس الأشياء المتعهد بتسليمها لم يهلك . و هذا ما يؤكده القانون بشكل عام حيث يقرر أنه لا توجد قوة قاهرة إلا في غياب أية وسيلة أخري بديلة للتنفيذ .
و منطق استقرار التعامل الدولي يقضي كذلك التمسك بهذا المعيار لغرض الحفاظ على مبدأ حسن النية و استمرار
المعاملات بين المتعاقدين . ألا إن الأمر يختلف حكمه عندما ينصب العقد على تسليم شيء معين لأنه يحوي في
( 1 ) د. عبد المجيد الحكيم ، المصدر السابق ، ص. 368 .
( 2 ) المادة 373 القانون المدني المصري ،المادة 215 و المادة 437 من القانون المدني الكويتي ، المادة 425 من القانون المدني العراقي .
20
خصائصه مواصفات فنية و مقاسات و كفاءة تشغيل ومقومات جودة لا تتوفر إلا بما يختص بصنعه مشروع هذا البائع ، وهو الدافع لإبرام العقد . فلا يمكن عند ذلك استبدال المبيع بإنتاج من مشروع آخر لان التنفيذ بمادة بديلة في مثل هذا الافتراض ينطوي على مخالفة جوهرية للعقد Contravention essentielle تؤدي إلى فسخ العقد لعدم التنفيذ ( 1 ) .
إن خاصية الاستحالة المادية في تنفيذ العقد تتشابه مع المعيار الذي أوجبه المفهوم التقليدي للقوة القاهرة . إلا إن هذا الأخير اعتبر بان المدين بالتنفيذ كان عليه أن يعلم إمكانية تحقق مثل هذا الظرف ، ومن ثم فان الحادث الذي يتوقع حدوثه يحرمه من الانتفاع من مبدأ الإعفاء من المسئولية ، حيث لا يمكن الدفع بحجة وجود الحالة التي أدت إلى فقدان الشيء محل العقد أو اعتبارها قوة قاهرة .
أما العرف التجاري الدولي ، فقد أجاز في كثير من نماذج الشروط العقدية اعتماد معيار استحالة التنفيذ مهما كانت طبيعتها و مصدرها و اعتبرها حادث جبري . ومثال ذلك ما نراه في نصوص الشروط التالية :
_ تعد حالة من حالات القوة القاهرة كل حادث مهما كانت طبيعته ، عندما يكون خارج السيطرة المعقولة للبائع ، وذات طبيعة تعرقل أو تؤخر تنفيذ البيع ( 2 ) .
Seront considérés comme cas de force majeure tous les événements de quelque nature
qu ils soient , en dehore du contrôle raisonable du vendeur , de nature à entraver ou
à retarder l exécution de la vente .
و محتوى النص في هذا الشرط يفيد بأن الاستحالة المادية تعتبر حالة من حالات القوة القاهرة .
_ إذا طرأت حوادث مستقلة عن إرادة الطرفين أدت إلى الاستحالة الكلية أو الجزئية لتنفيذ ما التزم به أي منهما ضمن هذه الاتفاقية ، فان هذه الحوادث تعتبر حالة من حالات القوة القاهرة ( 3 ) .
En cas de survenance d'événements indépendants de la volonté des parties et
d'impossibilité totale ou partielle par une des parties engagées par la présente convention "
و التعبير عن الاستحالة في هذا الشرط قد جاء بصيغة مطلقة ، و بالتالي فانه يشمل بنظرنا كافة أنواع الاستحالة سواء كانت مادية أم قانونية أم غيرها من موانع تنفيذ العقد .
2-الاستحالة الاقتصادية للتنفيذ L’impossibilité économique
يمكن اعتبار الاستحالة الاقتصادية لتنفيذ اتفاق الطرفين مصدرا لنشوء حالة القوة القاهرة في إطار العلاقات التجارية الدولية . ومن خصائص هذه الاستحالة إنها قد تستهدف في آثارها التزامات أحد الطرفين أو كليهما بنفس الوقت
( 3 ) انظر المادة 49 فق1 من اتفاقية فينا لعام 1980 .
( 2 )انظر هذه الشروط العقدية : Conditions générales SA Minerais et métaux , note M. Alter :L’obligation de délivrance dans vente de meubles corporels , thèse , Paris 1968 , n° 179, p. 303
( 3 )انظر : M. Fontaine , op. cit. : D.P.C.I. , 1979 , p. 474
21
تبعا لحجم مصدر هذه الاستحالة واتساع آثارها التي قد تتجاوز حدود اكثر من دولة واحدة كما هو الحال في حدوث الأزمات الاقتصادية الدولية .
إن تعقد النشاطات الصناعية أو التجارية قد يؤدي إلى أن يجد المتعاقد نفسه في وضع المجابهة المباشرة مع معوقات مالية ذات طبيعة لا يمكن مقاومتها ولا يمكن تجاوزها ، تجعل تنفيذ التزاماته مستحيلا استحالة مطلقة . و فكرة الاستحالة الاقتصادية هذه تختلف عن مفهوم الصعوبات الاقتصادية التي تتناولها قواعد الظرف الطارئ imprévision أو شرط الظرف الطارئ Hardship لأنهاكما ذكرنا سابقا حوادث لا تجعل تنفيذ الالتزام التعاقدي مستحيلا وإنما تجعل فقط تنفيذ هذا الالتزام مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة ( 1 ) . وتتعدد مصادر الحوادث التي تخلق حالة الاستحالة الاقتصادية . فد يكون مصدرها حالة النظام التنافسي الشديد في الاقتصاد الحر ومفاجئات ظروف العولمة الجديدة. و هذا ما يجعل دائما كثير من الشركات في وضع مالي لا يمكن إصلاحه ولا يؤهلها الاستمرار في نشاطها الصناعي أو التجاري بحيث يؤدي في النهاية إلى الإفلاس وغلق معاملها ومنشئاتها . و طبقا للمفهوم التقليدي للقوة القاهرة ، فان حالة الإفلاس لا تعتبر سببا معفيا من المسئولية عند عدم التنفيذ لأنه حادث متوقع و غير أجنبي على المدين . و للقضاء الفرنسي موقف واضح في ذلك ( 2 ) .
أما حالة الإضراب ، فإنها ظاهرة عامة تتكرر أحداثها في الدول الصناعية باعتبارها حقا يقره القانون للعاملين . و من آثاره توقف الإنتاج في المشروعات الإنتاجية وكذلك الخدمات ذات الصلة الوثيقة بالإنتاج كوسائل النقل لفترة قد تطول أو تقصر . و ينتج عن ذلك استحالة تصنيع المبيع أو نقل مكوناته من مناطق أخرى أو إمكانية تسليم المبيع أن كان جاهزا في التاريخ المتفق عليه في العقد . إن اعتبار حالة الإضراب قوة قاهرة قد يحظى أحيانا بتأييد القضاء الفرنسي حتى ضمن مبدأ النظرية التقليدية لمفهوم القوة القاهرة . لكن هذا التكييف يخضع إلى ضرورة تحليل ظروف الإضراب و بالتالي يمكن اعتبارها أو عدم اعتبارها حالة من حالات القوة القاهرة . فهي إذن مسألة وقائع تخضع لتقدير سلطة القضاء (3). ولقد اعتبر القضاء الفرنسي حديثا في محكمة استئناف فرساي حالة الاضراب العام باعتباره ردة فعل للاجراءات الحكومية لم يكن متوقعا ولايمكن التغلب عليه بالتفاوض في اطار المؤسسة المعنية لانه ناتج عن موقف سياسي لايمكن فنيا تجاوزه اصاب الحياة الاقتصادية بالكامل ( 4 ) .
.
( 1 )المادة 198 من القانون المدني الكويتي ، المادة 146من القانون المدني العراقي ،المادة 147 من القانون المدني المصري .
( 2 ) Cass. Civ. 15 mai 1944 : D 1945 , 15 ، Cass. Civ. 15 mai 1945 : D. 1946 , 35
( 3 ) Cass. Com. 24 nov. 1953 : JCP 54 , II , 8302 note Radouant
Cass. Civ. 1e , 7 mars 1966 , et com. 28 fèv. 1966 : JCP , 66 , II, 14878 note Mazeaud
( 4 ) La Cour d’appel de Versaille 12 éme chambre 2002 , BICC n° 553 du 1er avril 2002.
22
وقد يكون اندماج أو تمركز الشركات La concentration سببا في استحالة تنفيذ بعض الالتزامات العقدية للمدين. فقد يتعرض أي مشروع إلى صعوبات فنية أو استثمارية ناتجة عن وضعه المالي أو بما يفرضه واقع الأعمال التجارية المحيطة بنشاطه .هذه الظروف تفرض عليه البحث عن حل قانوني - اقتصادي ينقذه من أزمته و ذلك بانضمامه إلى تجمع من الشركات Groupe de Sociétés يتمتع بتنظيم جيد للنشاط الاقتصادي و له من المستلزمات والوسائل الصناعية و التجارية ما يؤهله لمجابهة سوق التبادل التجاري الحديث على المستوى المحلي و الدولي .
والمبدأ القانوني يقضي بأن الشركة المندمجة تنتقل معها التزاماتها العقدية إلى الشركة الأم الدامجة . مع ذلك ، فإنها ستفقد كامل استقلاليتها المالية والقانونية في إدارة سلطاتها بحرية و بالتالي فقد يتعذر عليها الوفاء في تنفيذ التزاماتها السابقة لان في مفهوم الاندماج هو إن الشركة الرئيسية تمارس كامل السلطات القانونية ، الاقتصادية ،المالية و التسويقية على بقية المشروعات الأخرى المندمجة داخل هذا التجمع . و يقودها لذلك مبدأ تحقيق المنفعة العليا للمجموعة . و يمكن أن نذكر مثلا على ذلك في قضية Fruehauf التي عرضت أمام محكمة النقض الفرنسية ( 1 ) و فيها منعت الشركة الأمريكية ، الأم في التجمع ، منعت الشركة الفرنسية عضو في هذا التجمع ، تنفيذ التزاماتها مع المشتري ، الجانب الصيني . ولقد كان موقف القضاء في هذه القضية سببا في ولادة تطور مهم في قانون الشركات الفرنسية عندما قررت المحكمة بأن منفعة المشروع المندمج تكمن في المنفعة الجماعية L’intérêt social . والمشروع وان كان جزء من مجموعة ، يعتبر بحد ذاته مركز لمنافع متعددة من عاملين فيها ومساهمين و دائنين و غيرهم . و نظرا لذلك ، لا يمكن للشركة الأم إلغاء التزامات هذه المشروع التابع لسلطانها القانوني و المالي . و إذا كان هذا الحكم القضائي نادرا اتخاذه ومتعلقا بالقانون الفرنسي في نطاق إصدار الأحكام في القضايا التي تثيرها نزاعات نضام اندماج الشركات في الدول الصناعية ، فعليه أن ندرك احتمال الخطر الذي قد يؤدي إلى استحالة التنفيذ للعقود التي تبرمها الشركة العضو في التجمع الرئيسي تجعلها أحيانا عاجزة عن تنفيذ التزاماتها .
و من المعروف وجود تباين في نوع الأنظمة الاقتصادية للدول . فمنها من يتبع نظام الاقتصاد الموجه ، ومنها من يأخذ بنظام الاقتصاد الحر أو من يحاول التوفيق بينهما معا . وقد يكون ذلك سببا في صعوبة تبني شروط عقدية للقوة القاهرة ذات مضمون موحد يستند على معيار الاستحالة الاقتصادية في اعتبارها سببا معفيا للمدين من المسئولية عند عدم التنفيذ ، حيث أن هنالك كثير من الأحداث تنتج عن النشاط الصناعي و التجاري في ظل الاقتصاد الحر لا يوجد لها ما يشبهها من الحالات في ظل نظام اقتصاد الدولة . عند ذلك يصعب الاتفاق على موقف موحد لتقييم معيار الاستحالة الاقتصادية لعدم التنفيذ . ومن الممكن أن يكون هذا المعيار سببا في منع عقود البيع و الشراء في التجارة الدولية التمتع بالاستقرار الضروري . وقد يؤدي أيضا إلى توسع غير نافع لمفهوم القوة القاهرة مما قد يجعل تطبيقه غير مؤكدا وغير مستقرا في بعض الأحيان .
( 1 ) CONTIN R : L'arrêt Fruehauf et l'évolution du droit des sociétés , JCP 1968 , chr.45.
23
رغم ذلك فإن للأطراف المتعاقدة في التجارة الدولية وضعهم المتميز الذي يفرضه عليهم طابع التعامل التجاري.
و من الناحية الاقتصادية ، فان تقلبات السوق المالية الدولية تستهدف في نتائجها بدرجة أو بأخرى كافة الدول بغض النظر عن نوع نظامها الاقتصادي . و بالتالي فلها مخاطرها المباشرة و غير المباشرة على تنفيذ العقود الدولية . و هذا هو سبب اهتمام طرفي العقد الدولي في مواجهة و مراقبة الأحداث ومنها تلك التي قد تخلق الاستحالة الاقتصادية لتنفيذ التزاماتهم ، و اعتبار هذه الاستحالة حالة من حالات القوة القاهرة ، و لكنه مقيد في ظروف معينة يستوجب تحديدها في العقد . إن هذا الحل يبدو منطقيا ، حيث لا يمكن استبعاد الاستحالة الاقتصادية بشكل كلي
عند كافة الافتراضات وعدم اعتبارها سببا للإعفاء من المسئولية . في حين إننا من ناحية أخرى نحاول دائما تعديل شروط تنفيذ العقد و الحرص على إعادة التوازن الاقتصادي له عندما يتعرض إلى صعوبات اقتصادية بسبب وجود الظروف الطارئة التي تجعل فقط تنفيذ العقد مرهقا للمدين .
رغم ذلك ، فان اتساع فكرة القوة القاهرة و قبولها بمعيار الاستحالة الاقتصادية قد تجعل في بعض الأحيان العلاقات التجارية غير مستقرة خاصة عندما يفتقر طرفي العقد إلى حسن النية في التعامل و اعتماده كوسيلة للتهرب من تنفيذ التزاماتهم . و إذا علمنا أيضا بان الاستحالة الاقتصادية هي مسالة وقائع acte de fait اكثر مما هي مسالة قانون acte de droit . و لهذا السبب فان وجود هذه الخاصية للقوة القاهرة قد يعوزها أحيانا الأساس القانوني الضروري الذي يمنحها نوعا من حجة الإلزام لكي يجعل الحل الذي تقدمه أكيدا ومتطابقا مع مصلحة طرفي العقد . يبقى إذن دفاع المدين الذي يستند فقط على معيار الاستحالة الاقتصادية لتنفيذ الالتزامات، يبقى في اغلب الأحيان عرضة للنقاش و نتائجه غير أكيدة لأنه يخضع في تقديره لتقييم القاضي .
3- الاستحالة القانونية للتنفيذ : L’impossibilité juridique
ترجع هذه الاستحالة في نشأتها إلى نص قانوني .و حكمها يتماثل مع حكم الاستحالة المطلقة . فهي التي تمنع
العقد من الانعقاد إذا كانت سابقة عليه حيث لا التزام بمستحيل à l' impossible nul n'est tenu ( 1 )
و بالتالي لا التزام قبل المدين . و لكن كما تنص المادة 127 فقرة 2 من القانون المدني العراقي _ إذا كان محل الالتزام مستحيلا على المدين ، دون أن تكون الاستحالة في ذاتها مطلقة Impossibilité absolue ، صح العقد و الزم المدين بالتعويض لعدم وفائه بتعهده . وإذا كانت الاستحالة لاحقة لانعقاد العقد ، كما هو الحال وقت تنفيذ
الالتزامات ، فان لم تكن بخطأ المدين فان الالتزام ينقضي بدون تعويض الدائن ( 2 ) . وهذا هو ما ينتج عن آثار القوة القاهرة .
( 1 ) المادة 132 ق م مصري ، المادة 159 ق م أردني .
( 2 ) د. عبد المجيد الحكيم ، المصدر السابق ، ص. 369 .
24
و من الجدير بالذكر إن الاستحالة القانونية تحتل مجالا واسعا في العقود الدولية لأنها دائما ما تكون النتيجة الفعلية لتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية من خلال وضعها سياسة السوق لأغراض التبادل التجاري الدولي . وفي هذه الحالة نجد غالبا المدين يتعثر في إنجاز التزاماته بموانع قانونية صادرة عن السلطة العامة لبلده . و مثل هذا الافتراض قد يكون مصدر خصوصية الصعوبات التي تسود العلاقات الدولية في الوقت الحاضر . فمن الضروري إذن لشرط القوة القاهرة المتفق عليه أن يأخذ بالاعتبار تلك الحوادث التي تقود أحد أطراف العقد إلى وضع الاستحالة القانونية لتنفيذ العقد ، و نذكر منها على سبيل المثال : الإجراءات التي تتعلق بعمليات الاستيراد و التصدير . منها مثلا رفض إجازة التصدير لبعض أنواع البضائع لأسباب صحية أو تقنية ، وكذلك القيود الخاصة بتحويل ثمن العقد بالعملات الأجنبية التي وردت في شروط العقد . و غير ذلك من القرارات التي قد تصدرها السلطات التشريعية أو التنفيذية . إلا انه من المؤسف إن هذه الأحداث لم تتطرق إليها أحيانا أو تنص عليها صراحة شروط القوة القاهرة رغم آثارها السلبية على تنفيذ العقود الدولية ، حيث يحضى غالبا حادث القوة القاهرة بتعريف عام ذات محتوى قد لا يكون محددا بشكل جيد و دقيق .
رغم ذلك يمكن القول بان المفهوم الحديث للقوة القاهرة اصبح اكثر قربا من واقع ظروف تنفيذ العقد و انسجاما مع حاجة المعاملات التجارية الدولية . و هذا الوضع الجديد كان محصلة قواعد اتفاقية صريحة يهدف منها المتعاقدين التخفيف من تشدد الموقف التقليدي لعناصر القوة القاهرة . وهكذا نرى بان خاصية عدم التوقع و كذلك خاصية عدم المقاومة قد حصل لهما بعض التراجع ،بحيث لم يعد من الضروري تلازمهما في الحادث المكون للقوة القاهرة . من ذلك يتضح لنا جليا أن هناك ثمة تعديل مهم اتسم بالتوسع في المحتوى و التطبيق و أدى بالنتيجة إلى القبول بان الاستحالة القانونية لتنفيذ العقد تعطي تبريرا واقعيا لا يمكن تجاهله ولا خلاف على أثره في تكوين المفهوم الحديث للقوة القاهرة .
و هنالك من الشروط التي خففت من معيار الحالة التي لا يمكن تجنبها L’inévitable . وفيما يتعلق بهذا المعيار يمكن أن نستشهد بالمثال التالي : " يفهم من حالة القوة القاهرة لتنفيذ العقد كل عمل لا يمكن توقعه ، لا يمكن مقاومته ، خارج سيطرة الطرفين ، لا يمكن تجنبه من قبلهما رغم كل الآثار المعقولة و الممكنة (1 ).
On entend par force majeure pour l'exécution du contrat tout acte ou événement imprévisible , irrésistible , hors du contrôle des parties et qui ne pourra être empêché par ces dernières malgré
des effets raisonablements possibles
و هذا التطور في المفهوم الحديث للقوة القاهرة نجده في نص الاتفاقية الدولية الأخيرة المتعلقة بالبيع الدولي للبضائع عندما أخذت بمعيار المعقولية Raisonnablement حيث تنص المادة 79 فقره 1 بأنه ( لا يسال أحد الطرفين عن عدم تنفيذ أي من التزاماته إذا اثبت إن عدم التنفيذ كان بسبب عائق يعود إلى ظروف خارجة عن إرادته وانه لم يكن من المتوقع بصورة معقولة أن يأخذ العائق في الاعتبار وقت انعقاد العقد أو أن يكون بإمكانه تجنبه أو تجنب عواقبه أو التغلب عليه أو على عواقبه ) ( 2) .
( 1 ) Fontaine M. , op. cit. DPCI 1979 , n°4 , p. 474 .
( 2 ) المادة 79 فق1 من اتفاقية فينا لعام 1980. هذا هو النص العربي لهذه الاتفاقية .
25
قد نلاحظ أيضا إشارات لهذا التطور حتى في أحكام محكمة النقض الفرنسية . و كما عبر عن ذلك الفقيه TUNC هو أن " المحكمة تبحث فيما إذا كان الحادث المفاجيء الذي جابهه المدين في تنفيذ التزامه كان غير متوقع بشكل اعتيادي ، وانه لم يستطيع بشكل واقعي و معقول أن يتجنبه " ( 1 ) . و التطور الحديث لمفهوم للقوة القاهرة الذي أخذ بهذا المعيار نجده أيضا في محتوى الشروط العامة التي أعدتها المنظمة الاقتصادية للدول الأوربية CEE ( 2 ) .
و بموجبها فان معيار الإعفاء من المسئولية يستقر في الحادث ، الذي مهما كان المتعاقد ذكيا و يقضا فانه لا يمكن
تجنبه و لا يتمكن إدراك نتائجه . و لكي يتمتع المدين بالتنفيذ بالإعفاء من كل المسئولية ذات الصلة بالحادث،
أو عند عدم احترامه لالتزاماته ، فانه يتمكن و بسهولة أن يدفع بوجود حالة ( الاستحالة القانونية للتنفيذ ) . ويتحقق هذا الافتراض في كل مرة يحول الحادث دون تنفيذ المدين الالتزامات على الرغم من بذل كافة الجهود التي يقوم بها المدين العادي . ومن المفيد أن نستشهد ببعض الأحكام التي اعتبرت أن قرار السلطة كان سببا رئيسيا لاستحالة التنفيذ لالتزامات المدين في العقود الدولية .
_ في قضية الشركة النرويجية : لن تتمكن هذه الشركة من استلام كمية البترول المتعاقد عليها مع إحدى المشروعات التابعة للدولة المنتجة للنفط . و تدفع الشركة النرويجية ، مدعى عليها ، أسباب عدم تنفيذ التزاماتها لتبرير موقفها ، بان السلطات النرويجية المختصة بتحويل العملات اللازمة للوفاء ، ستعترض على تنفيذ العقد بسبب هذا التحويل الذي قد يؤدي إلى خسارة في العملات الصعبة لميزانية النرويج . وهذا التدخل في ظروف تنفيذ العقد يمكن أن ينشا للمدين حالة القوة القاهرة . و كما ترى لجنة التحكيم من جهة أخرى بان هنالك ترابط لمعيار عدم التوقع و معيار استحالة المقاومة لموقف و قرار السلطة العامة ( 3 ) .
_ في قضية الشركة الفرنسية المدعية و الشركة الرومانية المدعى عليها بسبب عدم تنفيذ التزاماتها ، قررت لجنة التحكيم بان إلغاء الترخيصات بالتصدير من قبل السلطات الرومانية يخلق بشكل لا يقبل النقاش حالة القوة القاهرة للشركة الرومانية طبقا للمبادئ العامة للقانون أو لنصوص العقد ( 4 ) .
( 1 ) TUNC A. , : Colloque d’ Helsinki 1960 , p. 255 . مناقشات حول مشاكل عدم التنفيذ والقوة القاهرة في عقود البيع الدولية , انظر أيضا : Cour de Cass.2éme Chambre civile, 13 juillet 2000, BRDA , n° 15 , 2000, P. 5
( 2 ) Conditions Générales n° 401 , clause 18-1 ; Conditions Générales n° 312 , clause 312-1 ; . . Conditions de vente des combustibles solides , clause 13-1
( 3 ) قرار الغرفة التجارية الدولية في القضية رقم 2216 عام 1974 : مجلة القانون الدولي Clunet 1975 ص 912 ملاحظات Derains .
( 4 ) قرار الغرفة التجارية الدولية CCI رقم 2478 عام 1974 : مجلة القانون الدولي Clunet 1975 ، ص 925 ، ملاحظات Derains .
26
و يمكن الإشارة أيضا لقرارات كثيرة للسلطات الإدارية مؤخرا التي منعت دخول اللحوم الحمراء المستوردة من بعض الدول المنتجة وخاصة إنكلترا وفرنسا لأسباب صحية . و لاشك بان طابع هذه القرارات وآثارها تضع المدين بالتنفيذ ،سواء كان البائع منتج اللحوم أو وكيله ، في وضع الاستحالة القانونية لتنفيذ التزاماته العقدية .
ب – يجب أن لاترجع استحالة التنفيذ لفعل المدين
لكي تكتمل عناصر حالة القوة القاهرة ، يجب ألا يكون الحادث الذي حال دون تنفيذ الالتزام هو نتيجة طبيعية لعمل من أعمال المدين أو تقصير منه ، كما لو كان الحادث مثلا حاصلا نتيجة التنظيم السيئ لوظيفة مشروعه أو تخمينه الخاطئ للشروط التي تستند عليها ظروف تنفيذ التزاماته بشكل اعتيادي . وحسنا فعل المشرع عندما اعتبر استحالة تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد ، بسبب يعزى للمتعاقد ، تعتبر في حكم مباشرته خيار العدول عن العقد ( 1 ) .ولقد اخذ المفهوم الحديث للقوة القاهرة بهذا المبدأ حيث وضع أيضا بعض القيود المهمة و الدقيقة كي ينتظم بموجبها العمل به . ولتأكيد وجود استحالة التنفيذ التي تحرر المدين من عبء المسئولية ، تفرض الشروط العقدية للقوة القاهرة معيار جوهري مفاده هو أن يحصل الحادث خارج السيطرة المعقولة لطرفي العقد ( hors du contrôle raisonnable des parties ) . وهذا يعني إن مثل هذا الحادث لا يمكن منع وقوعه رغم الجهود الممكنة والمعقولة التي يبذلها المدين حرصا منه لتنفيذ التزاماته . و هذا المعنى الجديد للقوة القاهرة يمكن أن نجد له ما يعبر عنه بالإنكليزية beyond the reasonable control of the party affected by ، و انه يتجاوز عندئذ في محتواه حدود المعنى التقليدي لتكييف حالة الحادث الجبري الذي بدأ القضاء الفرنسي أخيرا تعديل مضمونه في كثير من الأحكام ( 1 ) . وليس غريبا أن نجد لهذا الموقف الجديد للقوة القاهرة تطبيقات كثيرة في العرف الدولي بسبب تقديمه حلولا ملائمة لتطور العلاقات التجارية . ونرى ذلك مثلا في نصوص الشروط العامة لتوريد المكائن لأغراض التصدير رقم 188 ، حيث تنص نماذج هذه العقود بأنه في إطار هذا العقد ، يعتبر حاصلا خارج سيطرة الطرفين ، كل حادث لا يمكن رده إلى خطا في سلوك الطرف المتعاقد ( 2 ) .
إن تفسير حالة القوة القاهرة بهذا المعنى يتطلب أن يكشف الحال عن عدم قدرة المدين سواء كان في مواجهة ما ينتج عن حوادث الكوارث الطبيعية كالفيضانات أم الحريق و الزلازل الأرضية أم الانهيارات ، أم تلك التي تنجم عن قرار السلطة العامة بما ينشأ عنها من حواجز قانونية تمنع تنفيذ الالتزامات العقدية ، كمنع الاستيراد أو التصدير أو تحويل العملات الصعبة إلى خارج البلد لتسديد ثمن العقد ، أو استحالة استخدام طرق النقل و المطارات و الموانئ و غيرها من الأسباب التي لها من الآثار المباشرة و غير المباشرة التي تجعل تنفيذ العقد مستحيلا على المدين .
( 1 ) المادة 77 فق1 من القانون المدني الكويتي .
( 1 ) Cass. 1re civ. , 10 fév. 1998, D. 1998, Jur. P. 539; Cass. 1re civ. , 9 mars 1994, Bull. Civ. I , n° 91 ; D. 1994 , IR p. 108; Cass. Com.. 1er oct. 1997 , Bull. Civ. IV , n° 240 D. 1998 Somm. P. 199, obs. P. Delebecque ; Cass. Com. 28 avr. 1998 ,D. 1999 , Jur. P. 469 .
( 2 ) DOLLE H. Colloque d'Helsinki , p. 73 . مناقشات ندوة هلسنكي سابقة الذكر .
FONTAINE M , op. cit. DPCI 1979 n°. 4 , p. 479; Conditions générales de vente de la C.E.E. : n°. 188 A .,Genève1953; n° 574 , Genève 1955 ; n° 730, Genève 1961 .
27
يهتم المفهوم الحديث للقوة القاهرة كثيرا بظاهرة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وخاصة ما يتعلق بالعقود التجارية الدولية . وهو يهدف في قواعده إعفاء المدين و سواء كان المشتري أو البائع من المسئولية العقدية عندما يكون في مواجهة تلك الصعوبات سابقة الذكر التي تحول دون تنفيذ التزاماته .فإن ما يتعرض إليه المشتري غالبا هو استحالة تنفيذ التزامه باستلام المبيع أو دفع الثمن بتحويل العملات الأجنبية الضرورية لذلك .و هذا الوضع يخرج بلا شك عن سيطرة المشتري عندما يكون من رعايا الدول التي تتحكم كليا في حركة رؤوس الأموال الى خارج حدودها مما يجعل أحيانا تنفيذ العقد الدولي مستحيلا دون أن يتمتع المتعاقد الدولي بنسبة من الاستقلالية المالية في الوفاء بالتزاماته عبر الحدود .
ولكي ينتفع المدين من هذه الحماية العقدية للقوة القاهرة ينبغي ألا تكون الدولة طرفا في العقد ، أي عليها أن تكون غريبة تماما عن العلاقة العقدية . فإذا افترضنا بان المشتري هو الدولة أو إنه إحدى مشروعاتها فإنه يعتبر شخص من أشخاص القانون العام ، ويتمتع بإرادة تعاقدية غير منفصلة عن إرادة الدولة في إبرام العقد . و نتيجة لذلك فلا يمكن لها أن تفرض على نفسها ما يمنعها تنفيذ التزاماتها . و هذا الاستنتاج ينطبق كذلك على البائع عندما يكون أحد مشاريع الدولة حتى وان كان هذا المشروع يتمتع بنظام قانوني خاص ينظم نشاطه و يدعم شخصيته المعنوية المستقلة باعتباره شركة تجارية .
فإذا وجد ما يمنع من تنفيذ العقد من خلال قرارات الدولة ، فلا يمكن لهذه الشركة أن تدفع مسئوليتها عند عدم التنفيذ بحجة وجود القوة القاهرة ،لان الفعل المانع للتنفيذ ينسب إليها، ولان تصرفا كهذا يكون جزء من النظام الاقتصادي للدولة ، وليس مهما القول بأن الشركة تتمتع بنظام الصلاحيات المطلقة والمستقلة في التعاقد باسمها .
إن الاستقلال القانوني لمشروع القطاع العام ، سواء شركة أو مؤسسة ، لا يبرر له التمتع بحالة القوة القاهرة لأنه كان سببا غير مباشرا في نشوء هذه الحالة . و هكذا قضت محكمة التحكيم للغرفة التجارية الدولية بموجب هذه القاعدة حيث اعتبرت بان منع تحويل العملات الصعبة من قبل البنك المركزي للبلد لا ينشأ للمؤسسة المذكورة في هذه الدعوى حالة القوة القاهرة نظرا لكونها من مشروعات القطاع العام لهذا البلد ( 1 ) . مع ذلك ، فان تطبيق هذا المبدأ لن يكون عاما في جميع الحالات .ففي إحدى القظايا ، دافعت محكمة التحكيم في صوفيا عن مصالح مشروعات القطاع العام حيث اتخذت موقفا مغايرا كليا عندما اعتبرت بان قرار التخطيط للبلد planification acte de يعد عمل من اعمال السلطة Fait de prince وانه يثير استحالة تنفيذ موضوعية لا تنسب إلى مؤسسة القطاع العام البلغارية (2)
( 1 ) محكمة التحكيم للغرفة التجارية الدولية CCI ، حكم القضية رقم (3093 / 3100 - 1979 ) انظر مجلة القانون الدولي : Clunet 1980 , p. 952
( 2 ) محكمة التحكيم في صوفيا ، مجموعة أحكام رقم ( 16/56 , 21/56 ; 20 dèc. 1961 , 7/61 , 41/64 , 61/65 )
انظر مجلة القانون الدولي :Clunet 1969 , jurisprudence Bulgare , p. 176 et suiv.
28
إن هذا التباين في الأحكام ، بسبب التقدير المتناقض لتقيم استحالة التنفيذ التي يطالب بها المدين ، تقودنا إلى عدم الاطمئنان في ضمان حقوق الأطراف المتنازعة في العلاقات التجارية الدولية .وإنه من الضروري تبنى موقفا موحدا آخذا بالاعتبار الوضع القانوني للمتعاقدين بهدف تقليل التأثير السلبي للتدخل الذي تمارسه دائما السلطات المالية على مصير تنفيذ العقود الدولية .
ومن جانب آخر فمن المعلوم بأن على طرفي العقد التعاون فيما بينهما من اجل أن يحقق تنفيذ العقد غرضه . و نظرا لذلك ، فان حالة القوة القاهرة ينبغي أن لا تؤدي تلقائيا إلى إنهاء الرابطة العقدية إنما هي تخدم إن حصلت إلى إعادة النظر في هذه الرابطة عندما لا تصبح شروطها ملائمة مع ظروف التنفيذ . إذن لا يكون حادث القوة القاهرة غير متوقعا أو انه لا يمكن مجابهته أو تجاوزه ، إلا انه ذلك الحادث الذي يخرج عن السيطرة المعقولة للطرفين في الالتزام حرفيا بما نص عليه العقد . و لقد أخذت بهذا المفهوم ، كما ذكرنا ذلك سابقا ، اتفاقية الأمم المتحدة في نص المادة 79 - 1 حيث "لا يسأل أحد الطرفين عن عدم تنفيذ أي من التزاماته إذا اثبت إن عدم التنفيذ كان بسبب عائق يعود إلى ظروف خارجة عن إرادته وانه لم يكن من المتوقع بصورة معقولة أن يأخذ العائق في الاعتبار وقت انعقاد العقد...." ( 1 ) .
و هذا لا يعني بان المتعاقدين ليست لديهم القدرة نهائيا للتنفيذ ، إلا إن العائق اصبح لا يمكن تجاوزه insurmontable عندما يتطلب استعمال وسائل ومبالغ هي ليست من الأمور المعقولة . ولكن هذا التنفيذ لابد أن يحصل حسب شروط مختلفة عما جاءت بها النصوص التي كانت مثبتة سابقا في العقد . و لكي نقف على آثار معيار الرقابة المعقولة عندما يكون الحادث غير متوقعا ، نذكر على سبيل المثال نص الشرط التالي للقوة القاهرة :
" يراد بالقوة القاهرة ، كل حادث أو ظرف أو حالة وقائع لا يتمكن البائع إدراك توقعها ، ولا تجنبها و عندها يكون مستحيلا عليه معالجتها بطريقة تمكنه احترام مواعيد التسليم التي نص عليها العقد " :
Pour force majeure , on entend tout évènement , circonstance ou état de fait que le vendeur
ne pouvait raisonablement ni prévoir , ni empécher et auquel il lui a été impossible de porter
remède de manière à pouvoir respecter les délais contractuels de livraison " ( 2 )
( 1 ) المادة 79 فق1 ، النص العربي لاتفاقية فينا لعام 1980 سابقة الذكر .
( 2 ) FONTAINE M. المصدر السابق ، ص. 474 .
29
و يراد من هذا النص التعرض إلى معيار عدم التوقع l’imprévisibilité و جعله اكثر مرونة كي لا يكون تقييمه خاضعا إلى نظرة تجريدية in abstracto جامدة إنما ينبغي أن يكون هذا التقييم واقعيا in concreto يجمع كل الاحتمالات ، فان مثل هذا التقييم سيعتمد قبل كل شيء على ظروف الحادث و كذلك على شخص المتعاقد المدين بالتنفيذ . و بالتأكيد فان إضفاء صفة شخص المتعاقد على معيار عدم التوقع لتقدير الظرف سيؤدي إلى إضفاء نوع من المرونة في تعريف حالة القوة القاهرة ( 1 ) .
و لكن يبقى السؤال قائما لمعرفة و تحديد طبيعة الحادث الغير متوقع رغم توفر الرقابة المعقولة من قبل المدين بالتنفيذ. أما ما ورد في نص الشرط أعلاه ، فانه من وجهة نظرنا لم يعطي التحديد الدقيق لمعرفة الحادث الذي يعتبر من الناحية المعقولة غير متوقع حصوله . و هذا ما سيخلق خلل وخطورة في صحة التقييم ، بحيث يستلزم عندئذ ضرورة الاتفاق عليه صراحة من قبل طرفي العقد لاستبعاد النتائج السلبية عند عدم التنفيذ . ويجب ألا يترك النص بهذا الإطلاق دون تحديد طابع الحادث باعتباره غير متوقع الإدراك raisonnablement imprévisible . من ناحية أخرى ، قد يكون لمفهوم الرقابة المعقولة تعيين حادث القوة القاهرة باعتباره حدث لا يمكن تجاوزه insurmontable كما هو الحال في نص الشرط التالي : " يراد بالقوة القاهرة كل عمل أو حدث غير متوقع ، لا يمكن التغلب عليه ، خارج سيطرة الطرفين ، و لا يمكن لهما تجنبه رغم الجهود الممكنة المعقولة " :
On entend par force majeure tout acte ou évènement impévisible , hors du contrôle des parties
et qui ne pourra être empêché par ces dernières malgré des efforts raisonablement possibles .( 2 )
و نفهم من هذا النص بان الحادث أضفى على آثار القوة القاهرة موقفا معتدلا لصالح المدين بالتنفيذ لأنه يفترض
كي يتجاوز هذا العائق ،ينبغي عليه استعمال وسائل ومبالغ مهمة تتجاوز حدود تلك التي يجب أن توظف
بصورة معقولة . فإذا كان تنفيذ الالتزام يوجب استعمال مثل تلك الوسائل الباهضة ، فلا يعد ممكنا تنفيذ
العقد وبالتالي يقتضي إعادة النظر في ظروف تنفيذه استنادا لقيام حالة القوة القاهرة . إن مثل هذا الحل يتعارض مع المبدأ العام لموقف القضاء الفرنسي عند النظر في النزاعات المدنية أو التجارية لأنه يؤدي إلى التداخل مع نظرية الظروف الطارئة التي لم يتردد مجلس الدولة الفرنسي تبنيها فقط في نزاعات عقود الأشغال العامة ( 3 ) .
ولكن هذا الحل ، كما سنرى ، أخذ مكانا واسعا أيضا في ميدان التعامل التجاري الدولي و اتخذ لضرورته أشكالا متعددة تنسجم مع رغبة أطراف العقد .
( 1 ) انظر : . SARIS M. N.: Les clauses particulières du contrats internationaux ,
thèse Monpillier 1981 , p. 252 .
( 2 )انظر : FONTAINE M. المصدر السابق ، ص. 474 .
( 3 ) Conseil d’Etat, 14 juin 2000,Bulletin juridique des contrats publics , 01 nov. 2000, P. 343-349 .
30
ثالثا : تنوع صياغة شرط القوة القاهرة :
يحتل مبدأ سلطان الإرادة مكانا مهما في العقد التجاري الدولي .فإذا افترضنا بان على الطرفين إخضاع العقد إلى أحكام قانون معين واجب التطبيق ، فانهما بدون شك يتمتعون بكامل الحرية في الاتفاق على محتوى شرط القوة القاهرة و اختيار النص الذي يبدو لهم اكثر ملائمة و منفعة لحماية حقوقهم .وهذا الحل يتطابق مع القاعدة القانونية التي تجيز أن يتضمن العقد أي شرط يرتضيه المتعاقدان ، إن لم يكن ممنوعا قانونا أو مخالفا للنظام العام وحسن الآداب ( 1 ) . فليس على طرفي العقد إلا تحديد مضمون هذا الشرط عند تحرير العقد لمعرفة آثار تطبيقه . وقد يلجأ الطرفين إلى نموذج بند مفضل درج عليه العرف التجاري . وفي كل الأحوال ، يجب أن يحقق مثل هذا الشرط المتفق عليه على قدر مهم من التوازن العقدي الضروري لمصالحهما و حماية حقوقهما عند احتمال عدم تنفيذ العقد .
و بشكل عام يمكن تشخيص أنواع متعددة لشرط القوة القاهرة ، تختلف في صرامتها تبعا لطبيعة العلاقة العقدية أو ما تتطلبه من مرونة يهدف منها الحفاظ على الرابطة التجارية و العلاقات العقدية المستمرة بين المتعاقدين في العقود الدولية . و هكذا فان الحادث المفاجيء يصبح ذلك الحادث الذي لا يمكن تجاوزه عندما نستعمل من الوسائل و الكلفة ما يكون غير معقولا . و يصح ما ورد في رأي الفقهاء بأنه من الفائدة ملاحظة إن كافة الحوادث التي تعترض تنفيذ العقد يمكن تجاوزها أحيانا إذا وضعنا لها الأموال الضرورية ، أما المعيار الاقتصادي الذي يقيد منفعة مشروع المتعاقد فانه لا يجوز استعمال أية وسيلة مهما تكن كلفتها ، إنما ينبغي أن تكون الالتزامات المادية ما يمكن تحملها دون إن تقود بالمدين العاجز عن الوفاء بالتزاماته إلى تعطيل عمل مشروعه بالكامل ( 2 ) .
هنالك ثلاث أنواع أساسية يمكن بموجبها صياغة شرط القوة القاهرة . و لطرفي العقد حق اختيار نوع الصياغة التي تقدم لهم التعريف المتكامل بحيث يغطي المفاجئات التي تعترض ،حسب تقديرهم ، ظروف تنفيذ التزاماتهم .
1- الشرط ذات التعريف العام للقوة القاهرة
يتمكن طرفي العقد إعطاء تعريف عام للحدث الذي سيعتبر حالة من حالات القوة القاهرة . وهذا الاختيار ما هو إلا تطبيقا لما جاء به النموذج التقليدي لتعريف الحادث الجبري . و تتميز هذه الصياغة ببساطة النص وضرورة تسهيل محتوى شروط العقد في المعاملات الدولية . و الشرط التالي يعطينا مثالا لهذا الأسلوب :
" يقصد بالقوة القاهرة كل عمل أو حادث غير متوقع ، لا يمكن التغلب عليه يعود إلى ظروف خارجة عن إرادة الطرفين ، و لا يمكن لهما تجنبه رغم الجهود الممكنة و المعقولة " :
On entend par force majeure pour l'exécution du contrat tout acte ou événement imprévisible , irrésistible , hors du contrôle des parties et qui ne pourra être empêché par ces dernières malgré des efforts raisonablement possibles ( 3 )
( 1 ) المادة 175 من القانون المدني الكويتي
(2 ) KAHN Ph.. : Force majeure et contrats internationaux de longe durée , Clunet 1975 , p.477.
( 3 ) انظر نماذج الشروط العقدية التالية : Les conditions générales de livraisons de l'équipements mécanique , n° 574 A Les conditions générales de vente-achat de bois conifère , n° 410 .
31
و لكي يحقق التعريف العام لشرط القوة القاهرة التوازن بين مصلحة طرفي العقد ، ينبغي أن يأخذ بالاعتبار كافة الظروف التي تهم طرفي العقد حين تقييمها لخصائص الحالة الجبرية . إلا انه من الملاحظ في نماذج العقود الجاهزة ، أن هذه الصياغة دائما تكون لمصلحة المجهز أي البائع دون أهمية لمصلحة المشتري .
و مثال على ذلك نص الشرط التالي :" تعتبر حالة من حالات القوة القاهرة كل الحوادث مهما كانت طبيعتها ، خارج السيطرة المعقولة (للبائع ) ذات طبيعة تعوق أو تؤخر تنفيذ البيع " :
Seront considérés comme cas de force majeure tous les événements de quelque nature
qu'ils soient , en dehors du contrôle raisonable du ( vendeur) de nature à entraver ou
à retarder l'exécution de la vente ( 1 ) .
و لغرض الحفاظ على التوازن العقدي ، ينبغي عدم إعطاء تعريف للقوة القاهرة ذات ميل لطرف واحد أو تحقيق
مصلحة أحد طرفي العقد دون الآخر . فهنالك من الأحداث التي تعرقل تنفيذ الالتزام سواء من جانب البائع أو من جانب المشتري ، حيث أن لكل طرف الظروف الخاصة به التي ترافق تنفيذ التزاماته العقدية الدولية . و بالتالي فان صياغة الشرط يجب أن تعطي تعريفا محايدا لحالة القوة القاهرة كما هو في نص الشرط التالي :
" يقصد بالقوة القاهرة أو الحادث الجبري ، كل حادث مستقلا عن أي خطأ أو أي عمل لطرفي العقد غير متوقعا له ، يجعل تنفيذ التزامات المتعاقدين مستحيلا بشكل مطلق فيما عدا تلك الحوادث التي تجعل التنفيذ اكثر صعوبة أو اكثر كلفة " :
Par cas de force majeure ou par cas fortuit , il faut entendre tout événement qui idépendement de toute faute ou de tout fait de la parties , et de façon imprévisible pour elle rend absolument impossible l'exécution des obligations contractuelles , à l'eclusion des événement qui rendent cette exéction plus difficile ou plus onéreuse ( 2 ) .
ومن الملاحظ على هذا الشرط شموله لطرفي العقد على السواء، ولكن تعريف القوة القاهرة يتمسك أيضا بنفس الخصائص التي جاءت بها النظرية التقليدية . فهو لا يمثل حلا مرضيا للمتعاقدين في إطار العلاقات التجارية الدولية ،حيث هنالك الكثير من الظروف التي هي حادث جبري ، لا يتم اعتبارها إلا بصورة ضيقة و محددة ، إنها قد تعرض حماية حقوق المدين إلى خطر تحمل المسئولية رغم وجود الحادث الذي كان سببا فعليا في منع المدين تنفيذ التزاماته
( 3 ) .و من ناحية أخرى فإن احتمال إلغاء العقد يبدو أكيدا بمجرد تخلف أحد عناصر القوة القاهرة لهذا التعريف التقليدي الضيق ،ولا يدع أية فرصة للحفاظ على العقد لفقدانه أية وسيلة تسمح بالتفاوض في إعادة توازن العقد.
( 1 ) ALTER M. : thèse cit. n° 179 , p. 303 ; FONTAINE M. , op. cit. DPCI 1979 , T.5 , n° 4 , p. 474 . ( 2 ) KAHN Ph. ، المصدر السابق ، ص. 470 .
( 3 ) انظر حكم محكمة التحكيم الدولية للغرفة التجارية الدولية : CCI , affaire n ° 3093/3100 , 1979 , Clunet 1980 , p. 952 .
32
ومن الشروط ذات المضمون الشامل نجد النص التالي :
" يعد من قبيل القوة القاهرة كل حادثة اتفق عليها القضاء واعتبرها قوة قاهرة "
" Par cas de force majeure , on entend les cas communément admis par la jursprudence " ( 1 )
وهذا الشرط غير دقيق و جاء مطلقا في مضمونه. كما أنه بتقديرنا حلا لا يخلو من المخاطر ولا يؤمن مطلقا الحماية اللازمة لطرفي العقد عندما يتعرض أحدهما باستحالة تنفيذ التزاماته العقدية . وإن مجرد الإشارة إلى ما وافق عليه القضاء لتقييم الحادث باعتباره قوة قاهرة ، فانه ليس واضحا حيث لا يسمح بمعرفة أي قضاء يقصده هذا الاتفاق . و من المعروف أن موقف القضاء الدولي ليس موحدا و لكل له نظريته الخاصة التي يستند عليها في تقييم حالة القوة القاهرة .
و من المفضل إذن أن لا يتعرض طرفي العقد إلى مثل هذا الغموض في صياغة شروطهم العقدية . كما أن عليهم الابتعاد عن قيود النظرية التقليدية لمفهوم القوة القاهرة . فما عليهم إذن إلا إعطاء تعريفا وإن كان عاما ، إلا أنه يجب أن يقلل من صرامة معيار اعتبار الحادث الذي يعتبر غير متوقعا Imprévisible كما هو واضح في الشرط التالي : " يقصد بالقوة القاهرة في تنفيذ العقد كل الحوادث مستقلة عن رغبة الطرفين غير متوقعة ، أو إن كانت متوقعة ، لا يمكن تجنبها " ( 1 ) .
On entend par force majeure pour l'exécution du contrat tous les événements "
" idépendants de la volonté des parties , imprévisibles ou , si prévisibles , inévitables .
إن مثل هذا الاتفاق الذي يرمي إلى تعديل المفهوم التقليدي للقوة القاهرة ، يتطلب تقييم عدد كبير من الحالات التي ممكن أن تكتسب صفة القوة القاهرة . وهذا الحل يدع المجال واسعا لشمول عدد كبير من الحالات التي ممكن أن تندرج تحت أحكام القوة القاهرة . ولكن رغم المرونة التي يمنحها التعريف العام لشرط القوة القاهرة ، فان نطاق تطبيقه يعود أخيرا لتقدير القاضي المختص عند النزاع ، حيث له كامل سلطة التقدير للحكم فيما إذا كان الحادث أو الحوادث التي تعيق المدين من تنفيذ التزامه ممكن اعتبارها أو عدم اعتبارها حوادث جبرية . و بما أن ذلك هي مسألة وقائع فقد تكون النتائج غير أكيدة و غير مرضية لضمان حقوق الطرفين .
2- شرط يعدد حالات القوة القاهرة Par Enumération
إنه إجراء بسيط يتضمن بأن يتفق الطرفين عند صياغة نص الشرط على ذكر الحوادث بالتحديد ، تلك التي يعتبرونها إن وقعت عند تنفيذ العقد حالة من حالات القوة القاهرة . وهذا الأسلوب يفرض على المتعاقدين التفاوض بجدية
بهدف التوصل إلى الاتفاق الذي يسمح بتحديد تلك العوائق التي قد يتعرض إليها كل منهما وقت تنفيذ العقد .ومثل هذا التطبيق يمكن أن نلاحظه في نص الشرط التالي :
( 1 ) Fontaine M. المصدر السابق ، ص. 474 .
33
" اتفق الطرفان بأن الحوادث التالية هي حالة من حالات القوة القاهرة ، الحرب ، التمرد ، الحريق ، الفيضانات
الهزات الأرضية ، و غيرها من الكوارث الطبيعية " :
Les parties retiennent d'un commun accord comme cas de force majeure les événements
suivants : guerre , rébellons , incendie , innondiations , tremblements de terre et autre
calamités naturelles ( 1 )
وهذا النوع من الشرط يمثل في الحقيقة النموذج الذي اقترحه و أوصي به القانون الإنكليزي ، حيث أنه لا يأخذ مباشرة بفكرة القوة القاهرة . كما أن مثل هذا النص يحقق من ناحية أخرى رغبة القضاء الإنكليزي الذي يتقيد حرفيا بما عبرت عنه إرادة الطرفين والنية المعلنة صراحة في العقد دون الحاجة في البحث عن سواها .
ولاشك بأن صياغة الشرط بهذا المضمون يقدم من حيث المبدأ ضمانا أكيدا لمعرفة حدود مسئولية المدين العقدية
و نطاق تمتعه بقاعدة الإعفاء عن المسئولية عند عدم التنفيذ ، دون أن يدخل طرفي العقد في نزاع قانوني قد يكون باهظا و غير أكيد في نتائجه أو يأتي بآثار سيئة على ديمومة العلاقات التجارية بينهما . إن هذا الشرط لا يترك لتقدير القاضي مهمة تقييم الحادث.
أما الاتفاقات العقدية التي تحدد حالات القوة القاهرة ، فأنها تأخذ شكلين رئيسيين. و يرجع لطرفي العقد حرية
الأخذ بذلك الشكل الذي يرونه مناسبا .
أ - التعداد المحدد بالذات للقوة القاهرة
بموجب هذه الصياغة ، يجهز الطرفان قائمة بالحوادث على سبيل الحصر التي من الممكن أن تحدث أو يقدران وقوعها بأن لو حصلت فأنها تنشأ الحادث الجبري الذي يمنع تنفيذ العقد . ومن محاسن هذا الاتفاق أنه يستبعد كل نقاش لاحقا لأي حادث قد يطرأ فيما بعد لم ينص عليه الشرط صراحة في العقد . ومن الجدير بالذكر أن على طرفي العقد أن لا يغيب عن ذاكرتهم النص على كافة الحوادث التي تجعل تنفيذ التزاماتهم مستحيلا .
على البائع مثلا أن يذكر كافة الحوادث التي تهدد نشاط مشروعه ، كتلك التي تنشأ بقرار من السلطة العامة
أو تحصل بفعل الأزمات الاقتصادية وكذلك الكوارث الطبيعية وغيرها من الكوارث ذات أثر يجعل تنفيذ التزامه
بتسليم المبيع مستحيلا . وعلى المشتري أن يحدد أيضا نوع الحوادث التي تعيق تنفيذ التزامه باستلام المبيع وكذلك
تلك التي تتصل بدفع مبلغ العقد . ومثال ذلك قرارات منع الاستيراد أو منع تحويل العملات الأجنبية أو غلق
( 1 )انظر : SARIS M. N. ، المصدر السابق ، ص. 247 .
34
ميناء الوصول .... وبمعنى شامل ، ينبغي على طرفي العقد ذكر كافة أنواع الحوادث التي تكون سببا في إثارة المسئولية العقدية لعدم التنفيذ حسبما يرونه نافعا وضروريا لضمان حقوقهم .
ومن مزايا هذا الشرط الذي يحدد حالات القوة القاهرة هو :
- أن يتمكن البائع الاتفاق على إن حالة الإضراب في منشآته يمكن اعتبارها قوة قاهرة . ومثل هذا النص قد يكون تطورا مهما و عنصرا يساهم في تكوين المفهوم الحديث للقوة القاهرة يستند على مبدأ سلطان الإرادة للمتعاقدين في العقود الدولية . ولاشك أن هذا الحل يتعارض مع المواقف المتشددة حاليا لكثير من التشريعات المحلية التي لا تعتبر الإضراب سببا معفيا من المسئولية العقدية للمدين عند عدم التنفيذ . وحتى إذا نظرنا إلى موقف القضاء الفرنسي فإنه محترسا كثيرا في هذا الجانب حيث يدعو إلى تحليل حادث الإضراب بشكل متعمق لتقييمه فيما إذا كان حالة من حالات القوة القاهرة . أما في الدول ذات الاقتصاد الموجه ، فمن الصعب غالبا القبول بفكرة الإضراب ذاتها ، فكيف الموافقة على تحمل نتائجها واعتبارها قوة قاهرة .
- إمكانية الاتفاق بين طرفي العقد على اعتبار تدخل السلطة العامة في المعاملات التجارية سببا لإعفاء المدين من المسئولية عند عدم التنفيذ . إن كثير من القرارات السياسية و الصحية و الاقتصادية ما يؤثر سلبيا على حياة العقد أو قد تعطله نهائيا وتجعل تنفيذه مستحيلا . وقد يحصل ذلك بسبب الفوضى السياسية و الاقتصادية لذلك البلد الذي يكون المتعاقد أحد رعاياه . رغم ذلك ، ليس صحيحا إطلاق القاعدة باعتبار قرار الدولة في كل الافتراضات حالة من حالات القوة القاهرة . فعندما تكون الدولة نفسها طرفا في العقد وذلك في العقود الدولية التي تبرمها من خلال مؤسساتها في عمليات الاستيراد أو التصدير فإنه لا يحق لها الدفع بعدم المسئولية لعدم التنفيذ كما حصل في المثال التالي حينما أجازت إحدى الدول عقد تجهيز مع دولة أخرى . ولقد تضمن شرط القوة القاهرة حالة قرار السلطة العامة Le fait du Prince يعد سبب معفيا لمسئولية المدين بالتنفيذ .ولقد أصدرت الدولة المجهزة فيما بعد قرار اقتصادي يترتب على تطبيقه جعل تنفيذ العقد مستحيلا. وتطبيقا لشرط القوة القاهرة الذي ورد في العقد ما كان إلا إعفائها من المسئولية إضرارا بالمتعاقد الآخر ( 1 ) .
إنه من غير الصحيح القبول على اعتبار قرار السلطة حالة من حالات القوة القاهرة عندما يتعلق الأمر بالعقد الذي يكون فيه أحد مشروعاتها ، شركة أو مؤسسة ، طرفا في هذا العقد بشكل مباشر أو من خلال الغير . إن ذلك يتعارض بدون شك مع القاعدة القانونية التي تقضي بأن استحالة تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد ، يجب ألا تكون بسبب يعزي للمتعاقد ( 2 ) ، وحيث إن مثل هذا الوضع يؤدي إلى الإضرار بالتوازن العقدي ، و يعطل مبدأ حسن النية في التعامل بين الطرفين في العقود الدولية . فقد تتعمد الإدارة المالية للطرف المدين إلى خلق الموانع بقصد التخلص من تنفيذ التزاماتها العقدية مع الدائن الأجنبي .
إن حرية المتعاقدين في تعداد و تحديد الحالات التي يشملها شرط القوة القاهرة وبما يرونه ضروريا لا يخلو من النقد
( 1 ) PISAR : Transactions entre l'est et l'ouest , Dunod , Paris 1972 .
( 2 ) انظر نص المادة 77 فق1 من القانون المدني الكويتي .انظر كذلك تحليلنا سابقا صفحة 26
.
35
حيث قد ينطوي الشرط على إهمال أو إغفال حالة معينة كان يجب أن تندرج ضمن الحالات التي تم إدراجها في النص . و نذكر على سبيل المثال نص الشرط التالي :
" جميع الظروف المستقلة عن رغبة الطرفين تحصل بعد إبرام العقد وتمنع تنفيذه في الظروف الاعتيادية تعتبر أسباب معفية لالتزامات الطرفين . و تكون مستقلة عن إرادة الطرفين ضمن مفهوم هذا الشرط ، الحالات التي لا تنتج عن خطأ من الطرف الذي يثيرها ، وخاصة الحالات مثل الحرب ، التمرد ، الهزات الأرضية ، نزاع العمل ، .....الخ"
Toutes circostances idépendantes de la volonté des parties intervenant après la conclusion
du contrat et en empêchant l'exécution dans les conditions normales sont considérées comme causes d'exonérations des obligations des parties . Sont indépendantes de la volonté des parties au sens de ctte clause les circonstances qui ne résultent pas d'une faute de la partie que les invoque , et , notamment les circonstances telles que guerre , insurrection , tremblements de terre , conflit de travail , etc.( 1 )
إلا إن من مزايا دقة تحديد الحالات التي يتم الاتفاق عليها في الشرط تسهل عمل القضاء في إصدار أحكامه دون الحاجة للبحث عن مفهوم القوة القاهرة ( 2 ) .
ب- عدم الدقة في تعداد حالات القوة القاهرة
يكون أحيانا ذكر حالات القوة القاهرة غير محدد وينطوي على مجرد الإشارة إلى بعض الأمثلة ، وبالتالي فإن القياس عليها يعتبر مثيل لها و اعتبار ما شابهها حالة من حالات القوة القاهرة التي جاء الاتفاق عليها في العقد . وهنالك نماذج لمثل هذه الشروط تتضمن دائما أحد التعابير الآتية : خصوصا notamment " ، أو مثال ذلك par exemple أو ، أي ظروف مشابهة أخرى autres circonstances analogues .
إن اعتماد هذه الصياغة لتعريف القوة القاهرة من قبل طرفي العقد أساسه الرغبة المزدوجة في إعطاء شيء من المرونة لمفهوم هذا الشرط ، و أحيانا تضييق نطاق تطبيقه بإعطاء أمثلة محددة كما هو الحال في النص التالي :
" نزاعات العمل وغيرها من الظروف كالحرائق ، التعبئة العامة… تعد على وجه الخصوص من قبيل القوة القاهرة إذا وقعت بعد إبرام العقد و منعت تنفيذه " :
Sont notamment considérés comme cause d'exonération s'ils interviennent après la conclusion du contrat et en empêchant l'exécution : les conflits de travail et toutes autres circonsatnces telles qu'incendies , mobilisation..( 3 )
ومن الملاحظ على هذا النوع من النموذج الغير محدد لحالات القوة القاهرة أنه لا يوفر ضمانا أكيدا للعلاقات التجارية الدولية ، حيث يتمتع القاضي المختص في هذه الحالة بدور كبير في تشبيه الحادث من خلال القياس للأمثلة
( 1 ) SARIS M.N. ، المصدر السابق ، ص. 249 .
( 2 ) انظر الأحكام القضائية التالية : Cass. Com 8 juil.1981 : Bull. IV , p.247 ; CA Versailles 12 déc. 1996 : RJDA 797 , n° 906 ; Cass. Com. 9 déc. 1986 : BRDA 3 / 87 , p.2 ; CA Aix , 6 mars 1980 : Bull. Cour d'Aix 198011 , p. 68 .
( 3 ) FONTAINE M. ، المصدر السابق ، ص. 481 .
36
التي تضمنها الشرط لتقدير فيما إذا كان الحادث الذي يدفع به المدين يجعل تنفيذ العقد مستحيلا . وقد يكون القرار غير صائبا وينتج عن ذلك خطر أن تتعرض حقوق طرفي العقد عندما يتعرض حقيقة أحدهما لحادث جبري يجعل تنفيذ التزامه غير ممكنا .
3- التعريف مع التعداد لحالات القوة القاهرة
في هذا النوع من الشروط ، نحاول التخلص من مساوئ النص الذي يقدم فقط تعريفا عاما للقوة القاهرة ، أو
ذلك النص الذي يحدد فقط حالاتها سواء تلك الحالات التي يذكرها على سبيل الحصر أو على سبيل المثال . وإذا كان مهما أن يتضمن الشرط على تعريف دقيق لحالة الإعفاء من المسئولية العقدية عند عدم التنفيذ ، فإن ذلك سيسمح للمتعاقدين معرفة المبدأ القانوني الذي يستقر عليه تسوية خلافاتهما بشأن القوة القاهرة . وفي هذا الاتجاه فإن محتوى الشرط المتفق عليه ينبغي أن يقدم تعريفا عاما للحادث الجبري . وبقدر ما يتعلق الأمر بالعلاقات التجارية الدولية وما يرافق تنفيذ الالتزامات المترتبة عليها من خصوصية الحوادث التي تعرقل تنفيذها ، فإن معايير المفهوم الحديث للقوة القاهرة هو أكثر ضمانا و ملائمة لظروف العقد الدولي كما هو في نص الشرط التالي :
" تعتبر حالة من حالات القوة القاهرة جميع الظروف غير المتوقعة ، لا يمكن تجنبها ، خارج سيطرة الطرفين ، والتي تجعل مستحيلا بصورة معقولة التنفيذ الكلي أو الجزئي للالتزام العقدي " :
Sont considérées comme cas de force majeure toutes les circonstances imprévisibles , irrésistibles , hors du contrôle des parties qui rendet raisonablement impossible l'exéction totale ou partielle de l'obligation contractuelle .
لاشك أن هذا التعريف للقوة القاهرة جاء بصياغة أكثر مرونة من تلك التي يقدمها المفهوم التقليدي لها . مع
ذلك ، فإن الاكتفاء بإعطاء تعريف للحادث مهما يكن مضمونه يبقى خاضعا لتقدير القاضي المختص حينما لا ترافقه ذكر بعض الحالات المهمة التي قد يتعرض إليها تنفيذ التزامات المتعاقدين . ومن حيث المبدأ ، فإن التطرق لتحديد و تعداد بعض الحوادث يعبر في الحقيقة عن قلق الطرفين و الخشية من تعرضهم لموانع و عقبات خاصة بهم عند تنفيذ العقد مما يفترض عليهم التخلص من عواقبها ( 1 ) .
ومن الشروط التي تعطي تعريفا لحالة القوة القاهرة وتنص بنفس الوقت على ذكر بعض الحالات الخاصة بظروف
المتعاقدين ، نذكر نص الاتفاق التالي :
( 1 ) انظر في هذا المعنى : ALTER M. ، المصدر السابق ، ص. 304 .
37
" لا يكون أي من الطرفين مسئولا عن عدم تنفيذ الالتزامات التي تعهد بها في هذا العقد عندما تمثل ظروف قوة قاهرة أو حادث جبري . وهذا يعني أي حادث أو ظرف مستقل و خارج سيطرة الطرفين . وتعتبر قوة قاهرة أو حادث جبري حسب الحالة ، ما فيها ، الحرب ( معلنة أو غير معلنة) ، التمرد ...." :
Aucune des parties ne sera responsable de la non-exécution des obligations qu'elle assume par
le présent contrat , s'il se présente des circonstances de force majeure et / ou de cas fortuit , c'est - à - dire n'importe quel événement ou circonstance indépendant et en dehors du contrôle des parties . On considèrera force majeure ou cas fortuit , selon le cas , entre autres , la guerre ( déclarée ou non ) , la rébellion.. ( 1 )
لاشك إن هذا النص يفتقر إلى التحديد الدقيق . إلا أنه رغم ذلك يمثل الصياغة المتعارف عليها في أغلب العقود الدولية . وقد يكون سبب ذلك هو إنها تحدد النظام القانوني الذي تتجه إليه نية الطرفين ورغبتهم الخضوع لأحكامه عند النزاع لتعريف القوة القاهرة . ومن جانب آخر يقدم النص إيضاحا يسترشد به القاضي لتفسير ما هو اقرب لنية الطرفين عند ذكر بعض الحالات علي سبيل المثال . وقد يجد القضاء أحيانا في ذكر جميع الحوادث المحتمل وقوعها عدم الحاجة في البحث لتحديد حالات القوة القاهرة عندما ينص عليها الشرط صراحة ( 2 ) . من ذلك نفضل بأن على المتعاقدين تضمين الشرط جميع الاحتمالات التي يقدرونها ذات أثر يعيق تنفيذ التزاماتهم خاصة تلك التي يكون مصدرها عمل من أعمال الدولة . ولقد تطرقنا سابقا لأهمية هذا الافتراض وكيف يؤدي تدخل السلطة الدائم من آثار تحد من قدرة المتعاقدين في احترام التزاماتهم في العلاقات التجارية الدولية . ومنها :
- منع التصدير أو الاستيراد - منع تحويل العملات الأجنبية - غلق المطارات أو محطات السكك الحديدية
أو الموانئ ، وغير ذلك من الأسباب والتي يكون دافعها أما اقتصاديا ، سياسيا ، صحيا ، أمنيا أو فنيا....
ويفترض مبدأ حسن النية ألا يتحمل أي من المتعاقدين مسئولية عدم تنفيذ التزاماته لأسباب خارجة عن إرادته . وإذا افترضنا توفر هذا المبدأ لدى المشتري في علاقاته الدولية ، فإن قرارات السلطة الرسمية بأنواعها السالفة ، لابد أن تخلق له عقبات تمنعه احترام التزاماته العقدية . ويصبح من غير العدالة أن تنسب إليه مسئولية عدم التنفيذ لأسباب خارجة نهائيا عن إرادته . وليس اكثر ضررا بحد ذاته أن يتحمل ما ينتج عن فقدان عقدا دوليا إذا ما عرفنا مقدار الخسارة الناتجة عن عدم التنفيذ و خطر ذلك الذي قد يهدد نشاطه الاقتصادي إلى الانهيار . وتأثير عدم تنفيذ العقد بقرارات السلطة يهدد أيضا البائع ويجعله غير قادرا احترام التزاماته العقدية . ينبغي عليه إذن اشتراط الظروف الخاصة به و النص عليها لكي ترافق التعريف العام للقوة القاهرة ، على أن لا يؤثر ذلك بالتوازن العقدي .
( 1 ) KAHN Ph : La clause de force majeure dans les contras internationaux , DPCI 1979 , T. II , 481 .
( 2 ) انظر الأحكام القضائية التالية : Cass. Com 8 juil.1981 : Bull. IV , p.247 ; CA Versailles 12 déc. 1996 : RJDA 797 , n° 906 ; Cass. Com. 9 déc. 1986 : BRDA 3 / 87 , p.2 ; CA Aix , 6 mars 1980 : Bull. Cour d'Aix 198011 , p. 68 .
38
ويعني ذلك ألا يكون متشددا في ذكر بعض الظروف التي يراد منها محاولة التخلص من الالتزام بمتابعة تنفيذ العقد . وفي كل الأحوال ، فإن محتوى شرط القوة القاهرة لابد أن يخضع لتقييم طرفي العقد عند التفاوض ، ومن ثم الاتفاق على صياغته بشكله النهائي بهدف الحفاظ على التوازن العقدي بينهما ، رغم أن هذا الافتراض يعتمد تحقيقه على بعض المعايير التي تتصل بوضع المتعاقدين وقوة التفاوض الذي يتمتع به كل واحد منهم وقت تكوين العقد .
وما يؤثر على ذلك أيضا الثقة المتبادلة بين الطرفين و المنافسة التجارية الدولية و كذلك مقدار خضوعهما لمعيارالنظام الاقتصادي الدولي ( 1 ) .
المبحث الثاني : تطبيق شرط القوة القاهرة :
عندما يتفق طرفي العقد على تحديد معنى القوة القاهرة في العقد ، فانه من الضروري أيضا وضع الترتيبات الخاصة لتطبيقه بالشكل الذي يؤمن التوازن العام للعقد بين طرفيه . فما هي إذن شروط التطبيق عندما يتحقق حادث القوة القاهرة ؟ ونظرا لخاصية و طبيعة العقد الدولي ، فإن ما يرافقها من الحوادث التي تمنع التنفيذ تشكل من حيث المبدأ حالة خاصة بالمدين لهذا التنفيذ ناتجا عن تنوع الأنظمة السياسية و الاقتصادية و القانونية .ومن ناحية أخرى ، فان ابتعاد طرفي العقد جغرافيا أحدهما عن الآخر يستلزم معرفة طبيعة الموانع التي يتعرض إليها أحدهم ، مما يترتب على المدين بتنفيذ الالتزام إعلام الطرف الآخر لحالة القوة القاهرة واثبات وقوعها بالوسائل الأكيدة . فوق ذلك ، على المدين أن يبذل جهدا مهما لإيقاف حالة القوة القاهرة . سنحاول إيضاح ذلك في الفقرتين الآتيتين .
الفرع الأول : الالتزام بأعلام الطرف الآخرعن حالة القوة القاهرة
تؤدي الظروف التي خلقت حالة القوة القاهرة إلى نشوء آثار سلبية مهمة تنعكس على إمكانية تنفيذ العقد الدولي.
فعندما يلاحظ أحد طرفي العقد وجود العائق الذي يمنعه من الاستمرار واحترام التزاماته العقدية ، عليه إعلام
الطرف الآخر بعدم إمكانية تنفيذها . ويبدو هذا الالتزام ضروريا لأنه سيتيح الفرصة للمتعاقد الذي تم إخباره من
أن يعمل بدوره تقليل الإضرار التي قد تنتج عن استمرار تنفيذ التزاماته من جانبه .
فإذا افترضنا بان السلطات الإدارية تمنع البائع من تصدير البضاعة محل العقد ، فلم يعد هنالك سببا للمشتري اتخاذ
الإجراءات اللازمة لفتح الاعتماد لصالح البائع لغرض تحويل مبلغ العقد أو الاستمرار بمتابعة هذه الإجراءات إن بدأ
بتنفيذها. وكذلك الأمر عندما يتعرض المشتري إلى قرار السلطة يمنعه من الاستيراد أو استحالة حيازة الموافقة الرسمية اللازمة للوفاء بثمن الشراء ، فلابد من إخطار البائع بالحاث الجبري لكي يتوقف عن شحن البضاعة أو دفع رسوم
( 1 ) SALEM M. : Vers un nouvel ordre économique international , Clunet 1975 , p. 753 à 799
CARREAU D : Le nouvel ordre économique international , Clunet 1977 , p. 595 à 629 .
39
التصدير أو إجراء عقد النقل وكل ما يتصل بإجراءات تصدير وإرسال المبيع لبلد المشتري حسبما جاءت به بنود العقد الأخرى . والتقييد بهذا الالتزام من قبل طرفي العقد على السواء أثرا إيجابيا في المحافظة على ديمومة العلاقات التجارية الدولية بينهما، لأنه يؤكد توفر حسن النية في التعامل بين الطرفين .
لقد أعطاها المشرع الدولي هذه الأهمية في نص المادة 79 من اتفاقية فينا لعام 1980 ، حيث تنص الفقرة الرابعة
من هذه المادة على ما يلي :
" يجب على الطرف الذي لم ينفذ التزاماته أن يوجه إخطارا إلى الطرف الآخر بالعائق و أثره في قدرته على التنفيذ . وإذا لم يصل الإخطار إلى الطرف الآخر خلال مدة معقولة بعد أن يكون الطرف الذي لم ينفذ التزاماته قد علم بالعائق أو كان من واجبه أن يعلم به فعندئذ يكون مسئولا عن التعويض عن الأضرار الناتجة عن عدم استلام الإخطار المذكور " .
ويبدو من محتوى هذا النص بأن على الطرف الذي لا يتمكن تنفيذ التزاماته ليس فقط إخطار الطرف الآخر بالعائق
وإنما عليه أن يعلم به . وقد اعتبر المشرع الدولي هذا الافتراض التزاما مضافا يقتضيه مبدأ حسن النية في التعامل
التجاري الدولي يجد سنده في افتراض امتلاك الخبرة المهنية لدى المتعاقد ومعرفته لطبيعة الظروف القائمة التي تسمح أو إنها لا تسمح بتنفيذ العقد بمقتضى الشروط التي تم الاتفاق عليها .
وإذا كان إعلام الطرف الآخر بحادث القوة القاهرة ملزما للمدين بالتنفيذ ، هل يخضع ذلك إلى ضوابط معينة
تحدد الكيفية و الفترة التي يجب أن يحصل فيها هذا الإخطار ؟
عندما يتأكد حدوث القوة القاهرة ، فإن الالتزام بالإخطار يجب أن يخضع إلى احترام بعض الضوابط الشكلية وكذلك الفترة التي ينبغي خلالها تبليغ الإخطار . وهذا ما تؤكده صياغة النصوص التالية :
" على الطرف الذي يدعي حدوث القوة القاهرة أن يوجه حالا إخطار صريح للطرف الثاني " :
La partie qui invoque un cas de force majeure devra aussitôt adresser une notification expresse à l'autre partie .(1 )
" الطرف الذي يدعي بحالة القوة القاهرة ، فبمجرد وقوعها عليه أن يوجه خطابا صريحا ومسجلا للطرف
الثاني " :
La partie qui invoque le cas de force majeure devra , aussitôt après sa survenance , adresser une notification expresse et recommandée à l'autre partie .( 1 )
( 1 ) FONTAINE M ، المصدر السابق ، ص. 482 .
40
" على البائع أن يعلم المشتري حالا عند حصول القوة القاهرة ، مبينا الفترة المحتملة لإعاقة التنفيذ ، فإذا لا يراعي
أحد طرفي العقد هذا الالتزام ، فلا يتمكن أن يدعي حالة القوة القاهرة " :
Le vendeur est tenu à informer immédiatement l'acheteur de l'arivée du cas de force majeure
, en indiquant la durée probable de l'entrave . Si une des parties du contrat n'observe pas cette
1 ) obligation , elle ne porra pas invoquer le cas de force majeure
ومن حيث المبدأ فإن الإخطار بحالة القوة القاهرة يجب أن يحصل باستخدام الطرق الملائمة المضمونة و الأكثر سرعة ضمن الوسائل المتعارف عليها في حقل الاتصالات ونقل المعلومات . وليس أسرع اليوم من اتصالات الفاكس أو البريد الإلكتروني . أما ما يتعلق بمدة إخبار الطرف الآخر ، فقد لا تكون لها أهمية إلا عندما نعلم متى بدأت حالة القوة القاهرة . مع ذلك فإن ما جرى عليه العرف في الاتفاقات العقدية يركز على ضرورة إيصال الخبر بالسرعة القصوى . فلقد درج على ذكر صيغ متنوعة مثل : حالا aussitôt ، في فترة وجيزة dans un bref delai ، بالحال immédiatement أوفي وقت معقول with in a reasonable time.
ومن المفضل أن يتفق طرفي العقد على تحديد الفترة الزمنية التي في خلالها يجب على من تعرض لحالة القوة القاهرة
إعلام الطرف الثاني بوقوعها . وللطرفين كامل الاستقلالية في تحديد فترة نفاذها كما هو في الشروط التالية :
" على البائع في غضون سبعة أيام من تاريخ حصول القوة القاهرة أن يخطر المشتري وأن يشهد غرفة التجارة المختصة في منطقته . ما عدا ذلك ، لا يستطيع الادعاء بحالة القوة القاهرة " .
Le vendeur remettra dans les 7 jours de l'arrivée du cas de force majeure et simultanément avec l'avis y relatif , la confirmation par sa Chambre de Commerce compétente . Au cas où cet avis ne serait pas donné dans les 7 jours , il ne porra plus invoquer le cas de force majeure . ( 2 )
" يجب على البائع إخبار المشتري بالظروف التي تؤخر تنفيذ العقد في حدود خمسة عشر يوما اعتبارا من وقوع
حالة القوة القاهرة " . ( 3 )
( 1 )انظر : SARIS M N. ، المصدر السابق ، ص 254 .
( 2 )انظر : SARIS M N ، المصدر أعلاه ، ص 255 .
( 3 )انظر : EISEMANN F : Usage de la vente commerciale internationale , Coll. Exporter, Ed. Jupiter 1980, p. 140
41
والملاحظ في اتفاقية فينا لعام 1980 ، إنها تلزم في مادتها 79 ضرورة إخطار الطرف الآخر في فترة معقولة dans un délai raisonnable ويسري ذلك ابتداء من اللحظة التي يعلم فيها الطرف المدين بالتنفيذ أو كان عليه العلم بوجود العائق . وإن تنوع هذه الصيغ لتحديد فترة الأخطار لا تمنع طرفي العقد تثبيت المدة التي يجب أن يحصل فيها الإعلام عن حالة القوة القاهرة في خلال أيام محددة تسري ابتداء من تاريخ حصولها أو التاريخ الذي ينبغي على المدين بالتنفيذ معرفة وجودها عندما يكون الإخطار خلالها ملزما .
إن مراعاة مبدأ الالتزام بإعلام الطرف الآخر سيحقق المنفعة المتوقعة من مزايا وجود شرط القوة القاهرة . وإن أي إهمال من المدين بعدم مراعاة واحترام هذا الالتزام يؤدي من حيث المبدأ إلى سقوط حقه في المطالبة بالإعفاء من المسئولية ما لم يكن سبب عدم إجراء الإخطار بحادث القوة القاهرة ناتج بحد ذاته عن هذا الحادث . ويحصل ذلك مثلا عندما تتعرض وسائل الاتصالات إلى الدمار الشامل بسبب الحرب أو غيرها من الأسباب التي تمنع نهائيا إمكانية إرسال المعلومات من خلال القنوات الإعلامية المتعارف عليها في العرف التجاري الدولي بين المتعاقدين .
أما في غير هذا الافتراض ، سيكون المدين مسئولا عن تعويض الأضرار الناتجة عن عدم التنفيذ . وهذا ما يؤكده الشرط التالي : " يجب التنبيه عن جميع أسباب التأخير فور ظهورها بطريقة تمكننا من اتخاذ كافة التدابير النافعة ، و بشكل خاص تجاه زبائننا ، وفي غياب ذلك تكون مسئولا عن ما ينتج من أضرار لشركتنا " :
Vous devez nous signaler de toutes les causes de retard dès qu' elles apparaîtrons , de manière que
nous puissions prendre toutes dispositions utiles , en particulier vis-à-vis des clients , faute de quoi vous seriez tenu pour responsables des préjudices qui en résulteraient pour notre société . ( 1 )
ومفاد هذا الشرط إنه يرتب على المدين نوعا من العقوبات مبنيا على افتراض الخطأ La faute من قبله عندما أهمل إخبار الطرف الثاني عن وجود عائق القوة القاهرة . وكما هو واضح أيضا في نص الشرط التالي :
" الطرف الذي لا يراعي هذا الشرط يتحمل بشكل نهائي تبعة المخاطر وجميع ما ينتج عن القوة القاهرة "
La partie qui n'a pas respecté cette condition sera réputée avoir pris en charge irrévocablement les risques et toutes les conséquences de la force majeure . ( 2 )
( 1 ) FONTAINE M. ، المصدر السابق ، ص. 484 .
( 2 ) SARIS M N ، المصدر السابق ، ص. 257 .
42
و من ناحية أخرى ، فان من آثار إخبار الطرف الآخر عن الحادث الجبري هو تعليق تنفيذ التزام المدين طالما يبقى هذا التنفيذ ممكنا بعد زوال العائق . فقد تكون حالة القوة القاهرة طارئة ومؤقتة مرهونة بفترة زمنية فرزت استحالة تنفيذ الالتزام ، فيحق للدائن التمسك بالعقد . إلا أنه ومن مصلحة طرفي العقد الإشارة إلى تعليق التنفيذ عند صياغة اتفاقهم كما هو الحال في النص التالي :
" كل حالة للقوة القاهرة أو ما شابهها …تعلق التنفيذ لهذا العقد ابتداء من اللحظة التي يكون فيها الطرف ذات العلاقة قد أخبر الطرف الآخر " :
Tout cas de force majeure ou assimilé …suspend l'exécution de la présente convention …à partir du moment où la partie intéressée informe l' autre …( 1 )
ومفهوم هذا النص يعني أن تعليق التنفيذ وإن تم الاتفاق عليه بين الطرفين ، إلا إنه لا يمكن أن يحصل طوعا ، وإنما هو مشروط بإعلام الطرف الآخر به لاتخاذ الإحترازات اللازمة لتقليل الأضرار الناتجة عن عدم التنفيذ في الوقت أو التأريخ المقرر . ولكن كيف نأخذ بعين الاعتبار مثل هذا الأخطار ما لم يكن متضمنا لبعض الإثباتات التي تفيد فعلا وجود حالة القوة القاهرة ؟
الفرع الثاني : الالتزام بإثبات حالة القوة القاهرة
إذا كان إعلام الطرف الآخر عن وجود حالة القوة القاهرة في وقتها المناسب يزيل كل اعتراض محتمل حول صحة الموانع التي تعرض لها تنفيذ العقد ، فإنه من المفضل أن ترافق هذا الإخطار تقديم بعض دلائل الإثبات .ولا يهم أن تقدم مثل هذه الإثباتات للطرف الآخر في فترة لاحقة لإعلامه بوجود حالة القوة القاهرة .
و هذا ما تبينه النصوص العقدية التالية :
" الإخطار بحالة القوة القاهرة يجب أن يرافقه كافة المعلومات المفصلة و النافعة …." :
Cette notification devra être accompagnée de toutes les informations circonstaciées utiles …( 2 )
أو في هذا النص : " بعد الإخطار بحالة القوة القاهرة ، سوف ترسل جميع المعلومات مفصلة …" :
Après cette notification seront envoyées toutes les informations circonstaciées …( 3 )
( 1، 2 ، 3 ) FONTAINE M ، المصدر السابق ، ص. 484 .
43
أما قيمة الإثبات لهذا الوثائق ، فإنها لا تكتسب قوتها الملزمة إلا بعد خضوعها لإجراءات الجهات ذات العلاقة بإصدارها .و لهذا السبب ، فإن على المدين بالتنفيذ الحصول على وثيقة أو استشهاد يؤكد بدليل قاطع وجود حالة القوة القاهرة ، و بالتالي فإنه سيمنح هذه المعلومات حجة الإثبات في مجابهة الغير .
ومن المسائل التي يثيرها هذا الافتراض هو معرفة نوع الهيئة أو الجهة المؤهلة لإصدار مثل هذه الإثباتات لحادث القوة القاهرة . . ويقضي الإجماع بان الشهادات التي تصدرها أو توثقها الهيئات الرسمية تشكل إثباتا قاطعا يبعد أي نوع من الاجتهاد أو الاعتراض عليها من قبل القاضي المختص أو المحكم عند النزاع المحتمل . وحول هذه المسألة ، فإن العرف التجاري يعترف بدور متميز للغرف التجارية و الصناعية المحلية لإصدار مثل هذه الوثائق ، وقد نجد لمثل هذا الافتراض في نص الشرط التالي :
" هذا الأعلام يجب أن توثقه الغرفة التجارية المحلية للبلد الذي حصلت فيه حالة القوة القاهرة . " :
Cette communication devra être confirmée par la Chambre locale du pays dans lequel est survenu le cas de force majeure ( 1 ) .
ولابد من القول بأن الإهمال أو أي سبب آخر في عدم تقديم الإثبات اللازم لبيان حقيقة الحادث الجبري ، سيخضع المدين لنفس المسئولية المنصوص عليها في حالة غياب مثل هذه المعلومات كليا . و أساس هذه المسئولية في كلا الإفتراضين قائم على وجود الخطأ لدى المدين بعدم تنفيذ التزاماته والذي سينتج عنها أضرار مماثلة بحق الدائن .
وإذا كان من أولويات المتعاقدين هو تحقيق تنفيذ العقد ، لماذا لا يسعيان إلى إيقاف حالة القوة القاهرة إن كان ذلك ممكنا ؟
الفرع الثالث : الالتزام بإيقاف حالة القوة القاهرة
إن الحفاظ على ديمومة حياة العقد هو الهدف الأساسي في العلاقات التجارية الدولية . وهذا الباعث يفرض أولا على المدين بالتنفيذ بذل الجهود اللازمة لإيقاف حالة القوة القاهرة ، ويفرض ثانيا قدر من التعاون بين الطرفين .
1 - مضمون هذا الالتزام :
إن ما يميز النظام القانوني لشرط القوة القاهرة هو أنه يوفر لطرفي العقد إمكانية تعليق التنفيذ خلال الفترة التي يبدو فيها هذا التنفيذ مستحيلا بصفة مؤقتة . وهذه القاعدة توجب على المدين التصرف بجدية مع حسن النية للحفاظ ومواصلة تنفيذ التزاماته . ومن جانب آخر ،فإن التزام المدين بإيقاف حالة القوة القاهرة له أثر إيجابي ينفع مصير العلاقة العقدية حيث لا تؤدي دائما حالة القوة القاهرة إلى انقضاء العقد ، إنما تقود إلى تعليق تنفيذه عندما يكون هذا التنفيذ مستحيلا استحالة طارئة ومؤقتة. وهي تكون كذلك حينما يستقر مصدرها في قرار السلطة أو
( 1 ) ورد هذا النص في عقد مع هنغاريا . انظر في هذا المعنى قائمة من الشروط التي ذكرها Fontaine ، المصدر السابق ، ص 484 .
44
حالات الإضراب العام أو التمرد أو الحظر على الاستيراد و التصدير لبعض المواد لأسباب صحية . كما إن تطبيق هذه القاعدة يستلزم حسن النية والعمل الجاد من قبل المدين بالتنفيذ وكافة الأطراف المعنية بهذا التنفيذ ، لغرض أن يتحقق الهدف الأساسي وهو العودة لتنفيذ العقد بتوفير الظروف الملائمة له .
إن مضمون هذا الالتزام يفرض على المدين عمل ما هو ضروريا في تقليل الأضرار التي قد يتعرض إليها الطرف الآخر إلى أقصى ما يمكن . ويحصل ذلك باستئناف تنفيذ العقد بمجرد أن يكون ممكنا وذلك بالعمل في إعادة مستلزمات التنفيذ والعودة إلى الوضع الاعتيادي للعقد . ومثال ذلك ما جاء في صياغة الشرط التالي :
" في جميع الأحوال ، يجب على الطرف المعني بالتنفيذ ، أن يأخذ جميع الترتيبات النافعة في فترة وجيزة لتأمين العودة إلى التنفيذ الطبيعي للالتزامات التي شملتها حالة القوة القاهرة ، و تقليل ما أصابها من تأخير إلى أقصى درجة " :
Dans tous les cas , la partie concernée devra prendre toutes dispositions utiles pour assurer
dans le bref delai la reprise normale de l'exécution des obligations affectées par le cas de force majeure et réduire au maximum le retard subi ( 1 )
2- التعاون بين طرفي العقد
لقد حرص العرف التجاري الدولي الحفاظ على الرابطة التجارية بين المتعاقدين ، معتبرا أن حالة القوة القاهرة ما هي إلا ظرفا استثنائيا تعرضت لها بنود تنفيذ العقد كما اتفق عليها الطرفين . وإن تجديد العلاقات العقدية بينهما وديمومتها تفرض نوعا من التعاون الضروري بينهما . ومن الممكن اعتبار ذلك نوعا من الالتزام الذي ينبغي احترامه لأنه يثبت حسن النية في التعامل و يعزز استمرار العلاقات التجارية بين المتعاقدين . ينص الشرط التالي :
" في حالة القوة القاهرة ، على الطرفين المتعاقدين المساهمة في بذل كافة جهودهم من أجل إزالة أو تقليل الصعوبات و الأضرار التي تسببها " .
En cas de force majeure , les parties contractantes sont tenues de conduire tous les efforts nécessaires dans le but de supprimer et/ ou de diminuer les difficultés et les dommages provoqués ,…( 2 )
ومن الملاحظ على هذه القاعدة بأن الالتزام بالتعاون بين الطرفين المتعاقدين لا يكون ناجحا وممكنا في جميع الافتراضات إذا علمنا اختلاف الظروف الجغرافية التي تحصل عندها حالة القوة القاهرة ، و كذلك الإقامة المتباعدة بينهما . فقد يقع الحادث الجبري في بلد البائع ، أو في بلد المشتري فقط . عند ذلك كيف نتصور تطبيق مبدأ التعاون بينهما لإزالة آثار الحادث عندما تقع بظروف وحدود بلد واحد . فنحن لا نرى لهذه القاعدة إمكانية تطبيقها إلا من خلال إخطار الطرف الآخر فورا بحصول القوة القاهرة ، أو استئناف التنفيذ حالما تنتهي
( 1 ، 2 ) FONTAINE M. ، المصدر السابق ، ص. 488 .
45
استحالة التنفيذ المؤقتة . ولهذا التصرف آثاره الإيجابية لتقليل الأضرار الناتجة عن عدم تنفيذ العقد ، حيث سيسمح للدائن ترتيب وضعه التجاري أو الصناعي بعودة علاقاته العقدية مع الآخرين لوضعها الطبيعي . وتبقى دائما فرضية تعاون المدين بالتنفيذ مسألة وقائع قد تجعله في كثير من الأحيان عاجزا عن إزالة أسباب حالة القوة القاهرة طالما هي خارجة عن إرادته ومن المستحيل تجاوزها . أما استئناف تنفيذ العقد بعد زوال المانع ، فإنه سيسمح لطرفي العقد تحقيق الغرض الذي من أجله تم إبرام العقد . وكل إهمال أو سوء النية من أي طرف في العقد تعرضه للعقوبات اللازمة لإصلاح الضرر . وفي هذا الموضوع نستطلع نص الشرط التالي :
" على طرفي العقد في حالة القوة القاهرة بذل كل الجهود الضرورية لغرض إنهاء أو تقليل الصعوبات والأضرار التي تسببت ، وفي هذه الحالة ينبغي أن يكون الطرف الآخر دائما على علم بهذا الوضع . وبخلاف ذلك ، قد يتعرض الطرف المتخلف للمطالبة بدفع التعويضات اللازمة من قبل الطرف الآخر " :
En cas de force majeure , les parties contractantes sont tenues de conduire tous les efforts nécessaires dans le but de supprimer et/ ou diminuer les difficultés et les dommages provoqués , auquel cas l' autre partie sera constamment tenue au courant de la situation . Dans le cas contraire , la partie défaillante pourra se voir réclamer des dommages - intérêts par l' autre partie . ( 1 )
إن صياغة الشرط بهذا المضمون يبين في الواقع الافتراض التالي ، وهو : إما إن تكون حالة القوة القاهرة حادثا لا يمكن تجاوزه مطلقا ، وعند ذلك ينبغي إخبار الطرف الآخر بضرورة فسخ العقد . أو إعادة التفاوض من جديد للنظر في شروط تنفيذه إن كان ذلك ممكنا. وعليه ينبغي استخدام الوسائل الفعالة التي بواسطتها يمكن تجاوز سبب عدم التنفيذ ،و يستمر العقد في صياغته الأساسية أو تعديلها نسبيا بما يتعلق مثلا بفترة التنفيذ . ولهذا السبب ، يجب العلم دائما بتطور الأحداث المحيطة بتنفيذ العقد وإخبار الأطراف المعنية حال انتهاء حادث القوة القاهرة . أما استمرار هذه الحالة ، يترتب عليها آثار متنوعة على التزامات الطرفين حيث أول ما تستهدف مصير الرابطة العقدية و ما ورد في العقد من بنود أخرى .فما هو القاعدة القانونية لهذه الآثار ؟
المبحث الثالث : آثار القوة القاهرة Les effets de Force majeure
تتحقق آثار القوة القاهرة بسبب توفر معيارين أساسيين في حالة عدم تنفيذ الالتزامات العقدية . وهذه القاعدة تنطبق سواء كان العقد محليا أم ذات طابع دولي .
المعيار الأول : أنه في حالة تخلف أي طرف من الأطراف تنفيذ التزاماته العقدية ، فإن إخفاق المدين بسبب الحادث الجبري ينشأ عنه بالضرورة آثارا سلبية مباشرة على مصير العقد . وإذا كان مبدأ القانون المحلي أو الدولي يقضي بفسخ العقد وانحلال الرابطة بين المتعاقدين عند استحالة التنفيذ المطلق ، فإنه ليس هنالك ما يمنع تعليق تنفيذ العقد لمدة معقولة يقبل بها الطرفين إذا تبين احتمال زوال ظروف القوة القاهرة وإمكانية استئناف تنفيذ العقد
ضمن شروطه الطبيعية من جديد . وهذا الحل يتطابق مع مصلحة طرفي العقد الدولي حيث المهم لهم ليس فقط في تكوين العقد ، وإنما في تمام تنفيذه وتحقيق الغرض الذي يرميان إليه من إبرامه .
( 1 ) FONTAINE M. ، المصدر السابق ، ص 488 .
( 2 ) انظر المادة 373 من القانون المدني المصري ؛ والمادة 81 من اتفاقية فينا لعام 1980 سابقة الذكر.
46
المعيار الثاني : تطبيقا للقاعدة العامة في الالتزامات العقدية ، هو إن عدم تنفيذ الالتزام يرتب على المدين المسئولية العقدية ودفع التعويض عن الأضرار الناجمة عن فسخ العقد لعدم الوفاء بالتزامه . إلا أن حالة القوة القاهرة تعطل العمل بهذه القاعدة استنادا إلى القواعد القانونية التي تحكم الآثار المعفية لمسئولية المدين عند عدم وفائه بالتزاماته العقدية لأسباب خارجة عن إرادته ولا يد له فيها . ولقد حاول العرف التجاري الدولي تأكيد العمل بهذا المبدأ من خلال النص عليه صراحة في الشروط الاتفاقية بين المتعاقدين . تلك هي الآثار المباشرة لحالة القوة القاهرة . ونرى الآن ضرورة التعرف على موقف القواعد القانونية والاتفاقية لتقرير آثارها على حياة العقد ، وما هي حدود مسئولية المدين عن المخاطر الناجمة عن عدم تنفيذ التزاماته في العقد الدولي
الفرع الأول : آثار القوة القاهرة على مصير العقد .
تتحقق منفعة المتعاقدين في حقل التجارة الدولية عندما يتم تنفيذ العقد بكامل شروطه . وطبقا لهذه القاعدة ، فإن انحلال الرابطة العقدية بفسخ العقد الدولي لعدم الوفاء بالتنفيذ من قبل المدين ما هو إلا حلا استثنائيا ( 1 ) تتيح للطرفين العودة إلى وضعهم الطبيعي قبل التعاقد .إن أهمية و خصوصية العقود التجارية الدولية تفرض ألا يكون مصير العقد هو نفسه عندما يجعل حادث القوة القاهرة تنفيذ العقد مستحيلا بشكل نهائي ، أو إنه فقط مجرد عائق عرضي يجعل تنفيذ الالتزام غير ممكنا بصورة مؤقتة تبعا لطبيعة الحادث ومصدره . وفي هذين الافتراضين ، لابد أن يختلف مصير العقد .
عندما تكون استحالة التنفيذ مؤقتة ، فإن العائق لا يمنع من تعليق التنفيذ خلال فترة حالة القوة القاهرة . ويعود الطرفان لاستئناف تنفيذ التزاماتهم بمجرد زوال العائق ، و ينبغي على طرفي العقد صياغة شروط هذا الحل ونطاق تطبيقه . أما عندما تجعل حالة القوة القاهرة تنفيذ العقد مستحيلا بصفة مطلقة ، كهلاك المبيع أو إفلاس المشتري أو غلق منشآت البائع أو الحرب والحصار الدائم…وغيرها ففي مثل هذا الحالات التي يتعذر فيها على المدين بالتنفيذ تجاوزها أو مجابهتها بحلول ممكنة ، ينبغي إذن العمل على فسخ العقد .
أولا : تعليق تنفيذ العقد La suspension du contrat
لا يمكن القبول بتعليق تنفيذ العقد دون أن يكون هنالك أمل في إمكانية العودة الطبيعية لظروف التنفيذ . ومن جانب آخر ، هل يجوز أن يبقى هذا التعليق إلى أجل غير معلوم تنتفي عنده منفعة الطرفين ؟ .
1- الباعث لتعليق تنفيذ العقد
يجد أحيانا طرفي العقد بأن الحادث الجبري يعيق تنفيذ التزاماتهما لفترة زمنية مؤقتة . وطبقا لتقديراتهما ، فانه بعد مرور هذا الظرف العائق ، فانه سيكون ممكنا العودة للظروف الطبيعية التي تسمح لتنفيذ العقد . ومن حيث المبدأ ، فإن هذا الافتراض يرجع تقديره أولا للطرف المدين بالتنفيذ لأنه الطرف المباشر الذي يقدر بأن تنفيذ العقد في هذه الفترة أصبح مستحيلا ، كما أنه الأكثر دراية لتخمين حجم الظروف الغير اعتيادية و أثرها على حياة العقد .
( 1 ) انظر في هذا المعنى ALTER M ، المصدر السابق ، فقرة 181 ، ص 306 .
47
ومن المؤكد لمنفعة طرفي العقد الدولي هو التمسك بالعقد وعدم الإسراع بطلب الفسخ بمجرد وجود الحادث الجبري .ومن الصواب القول بأنه من مصلحة المشتري التريث بعض الوقت ،حيث سيكون له اكثر نفعا فيما لو حاول البحث من جديد على مورد آخر للحصول على المبيع بنفس المواصفات والصنف ( 1 ) . من ناحية أخرى ، فإن من محاسن تعليق العقد على فسخه هو إن إبرام عقد جديد سيتطلب أيضا فترة من الوقت قد تطول حتى يتم تنفيذه . وقد يكون من الصعب الحصول على نوعية المبيع بالثمن الملائم .فقد يكون أكثر كلفة ويرتب أعباء مالية جديدة .ويصح هذا الافتراض بما يتعلق بالبائع . حيث عليه أن يأخذ بالاعتبار تفضيل تعليق تنفيذ العقد على فسخه عند تقديره بان حالة القوة القاهرة مؤقتة ، خاصة عندما يعلم بأن الطرف الآخر تتوفر عنده حسن النية في التعامل معه ولكنه حاليا سيئ الحظ بسبب الحادث الجبري .
فمن مصلحة الطرفين أن يتضمن الاتفاق في شرط القوة القاهرة حق تعليق تنفيذ الالتزام لأي طرف منهما عندما يتعرض العقد لمثل هذه الحالة . ويلتزم الطرفان بنفس الوقت باستئناف التنفيذ التام حال انتهائها . ولقد أوجد لنا العرف التجاري الدولي نماذج كثيرة تبين أهمية هذا الافتراض نذكر منها ما يلي :
" حالات القوة القاهرة ومنها أيضا حالة الإضراب ،غلق المصنع ، الحرب ، قرارات السلطة العامة ، تعفي الطرفين المتعاقدين من الوفاء بالتزاماتهما للمدة التي يضطرب فيها التنفيذ وفي حدود آثارها . ومجرد ظهور علامة تنذر بوجود حالة من الحالات المذكورة أعلاه ، يلزم على أي طرف إعلام الطرف الآخر حالا والتشاور معه حول الآثار التي قد تصيب هذا العقد وما ينبغي اتخاذه من تدابير . وعلى الطرفين عمل ما هو افضل لديهما لتجنب أو حصر النتائج الضارة المحتملة ، وعليهما استئناف التنفيذ الكامل للعقد حالما يكون ذلك ممكنا . " :
Le cas de force majeure parmi lesquels il faut compter également la grève , le lock-out , la guerre , les dispositions des autorités , libèrent pour la durée des perturbations et dans l' étendue de leurs effets , les parties contractantes de l' accomplissement de leurs obligations contractuelles . Dès l' apparition de signes précurseurs d'un des cas mentionés ci-dessus , chaque partenaire est obligé de le communiquer immédiatement à l' autre et de délibérer avec lui de des effets qu'il peut avoir sur le présent contrat et des mesures à prendre . les parties feront de leur mieux pour éviter ou limiter les conséquences nuisible éventuelles . Elles sont tenues à reprendre , dès que possible , l'exécution complète du contrat ( 2 )
" جميع حالات القوة القاهرة ، وما شابه ذلك التي قد تحصل في وقت تنفيذ هذا العقد تعفي الطرف الذي تعرض لها من كل مسئولية مهما كانت ، وتعلق تنفيذ التزاماته حتى وإن طالت المدة طالما يكون فيها أثر لحالات القوة القاهرة تمنع تنفيذ هذه الالتزامات " .
( 1 ) انظر في نفس المعنى : ALTER M. ، المصدر السابق ، فقرة 181 ، ص 307 .
(2 ) SARIS M . N. ، المصدر السابق ، ص 260 .
48
وإذا كان تعليق تنفيذ العقد لأسباب القوة القاهرة يجد له ما يبرره في علاقات المتعاقدين ، إلا إنه لابد أن يخضع لبعض الضوابط لضمان الوصول إلى نتائج مرضية ومنطقية يقرها مبدأ القانون والعرف التجاري المعمول به في هذا المجال .
2- أن تكون فترة التعليق ثابتة أو محددة نسبيا : لقد رأينا كيف أن الباعث الحقيقي لتعليق تنفيذ العقد الدولي هو الحفاظ على حياته وتنفيذه بالكامل نضرا لأهميته في اقتصاد مشروعات الأطراف المتعاقدة. فليس هنالك ما يمنع ،إن كان ذلك ممكنا، تعليق إجراءات التنفيذ وأن يعود الطرفين لتنفيذ العقد بشكله الطبيعي في الوقت الذي تنتهي فيه حالة القوة القاهرة . وإذا كانت هذه هي القاعدة العامة ، فإن تعليق تنفيذ العقد يجب أن يخضع لمعيار الوقت الجائز منطقيا .ويعني ذلك أن لا يستمر عدم التنفيذ لفترة لا حدود لها حيث يستنفذ الالتزام بين المتعاقدين الفائدة منه .ولهذا السبب يجب أن تقترن إمكانية تعليق تنفيذ بالمدة التي تعتبر نسبيا محددة أو معلومة بالدقة ، وتجاوزها يؤدي إذن إلى إنهاء العقد .
إن هذا الحل كما جرى عليه العرف يسمح بإزالة المساوئ لحالة غياب القواعد القانونية في القانون الداخلي التي تجيز إمكانية العودة إلى تنفيذ العقد في مثل هذه الافتراضات . حيث أن أغلب التشريعات المحلية تنص فقط على إنهاء العقد و المطالبة بالتعويض لعدم التنفيذ ( 1 ) . وهذا الموقف هو انعكاس لتطبيق آثار المفهوم التقليدي للقوة القاهرة . مع ذلك فان أحكامه تعرضت لبعض التطور حيث أن كثير من التشريعات التي أخذت بهذا المفهوم تعترف بخصوصية ظروف تنفيذ العقود الدولية ذات الأمد الطويل à long terme . إنها تنص على مبدأ الأثر الموقف l’effet suspensif لتنفيذ العقد عند استحالة التنفيذ المؤقتة ( 2 ) .
وغني عن البيان أن تعليق العقد حينما يتم الاتفاق عليه بين الطرفين لا يكون نافذا إلا في حالة التيقن بأن وجود المانع لتنفيذ العقد وجودا مؤقتا . وهذا يعني بأن المدة التي يحصل فيها تأجيل التنفيذ يجب أن لا تكون مفتوحة بشكل لا نهاية لها . و تطبيقا لذلك ينبغي على طرفي العقد الاتفاق و النص بأن لكل واحد منهما الخيار، بعد مرور فترة محددة ، الإفصاح عن رغبته في أية لحظة عن انقضاء الرابطة العقدية بما يتعلق بالجزء الذي تعرض لحادث القوة القاهرة أو إنهاء العقد كليا ( 3 ) .ويتبع العرف التجاري الدولي دائما الرأي الذي يقضي بتثبيت حدودا قصوى عندها يمكن فقط استمرار حياة العقد .
( 1 ) انظر نص المادة 1184من القانون المدني الفرنسي .
( 2 ) انظر FONTAINE M ، المصدر السابق ، ص499 . إن مبدأ الأثر الموقف لشرط القوة القاهرة سبق أن أخذت به اتفاقية لاهاي لعام 1964 المتعلقة بالبيع الدولي في المادة 74 فق 2 حيث تنص : "عندما تمنع الظروف تنفيذ الالتزام بشكل مؤقت ، سيحصل تنفيذه متى يكون ممكنا ". ولكن مثل هذا الحل تجاهلته اتفاقية فينا لعام 1980 عند مطالعتنا للمادتين 79 و80 المتعلقتين بقاعدة الإعفاء من المسئولية .
( 3 ) DUBISSON M. : La négociation des marchés internationaux , Economica 1982, p. 220.
49
وفي هذا المعني يمكن الإشارة إلى الاتفاقات العقدية التالية :
-" إذا استمرت ظروف القوة القاهرة أكثر من ثلاث أشهر ، يحق لكل طرف من أطراف العقد العدول لاحقا عن تنفيذ الالتزامات العقدية ." :
Si les circonstances durent plus de 3 mois , chacune des deux parties aura le droit de renoncer à l'exécution ultérieure des engagements contractuelles ( 1 )
-" إذا كانت حالة القوة القاهرة تسبب تأخيرا يتجاوز ستة أشهر ، للمشتري الحق في طلب انهاء العقد " :
Si le cas de force majeure cause un retard de plus de 6 mois , l'acheteur a le droit de se retirer du contrat ( 2 ) .
ومن الخطورة وجود بعض النصوص الاتفاقية التي تغفل تثبيت فترة محددة لتعليق التنفيذ . وحالة كهذه ممكن أن تتسبب في إثارة النزاع القضائي بين الطرفين لتحديد المسئولية عند عدم التنفيذ . ومثال ذلك الشرط التالي :
-" تعلق آثار العقد خلال فترة القوة القاهرة إلى حين زوالها وعودة الحياة الطبيعية ،…":
Pendant la durée de la force majeure , la présente convention suspendera ses effets jusqu' à rétablissement normal de la situation , …( 3 )
إن مثل هذا النص لا يقدم لنا دليلا قاطعا على المدة المسموح عندها بقاء العقد بعد زوال المانع . من ناحية أخرى ، فانه يثير التساؤل لمعرفة الجهة التي يعهد إليها البت في تاريخ انتهاء حالة القوة القاهرة . وكذلك الحال في نص الشرط التالي :
" الالتزامات التي تعرضت لحالة القوة القاهرة تؤجل من تلقاء نفسها لمدة مساوية للتأخير الناجم من حصول حالة القوة القاهرة " :
…les obligations affectées par le force majeure sont prorogées automatiquement d' une durée égale au retard entrainé par la survenance du cas de force majeure . (4 )
من جميع ما تقدم يصبح من مصلحة الطرفين النص في العقد على إنه في حالة وجود عائق يمنع التنفيذ ، سيتم تأجيل مواعيد التنفيذ لتاريخ محدد . وإن تجاوز هذا الوقت يعطي الحق لكل منهما فسخ العقد . على أن يثبت المدين حسن النية ويعلن رغبته في إيقاف حالة القوة القاهرة و إعلام الطرف الآخر بوقوعها . ويسري نفاذ مدة التعليق ابتداء من تاريخ هذا الإعلام كما نرى ذلك في نص الشرط التالي :
( 1 ) KAHN Ph.. ، انظر رسالته للدكتوراه ، ص 109 .
( 2 ) SARIS M. N. ، المصدر السابق ، ص255 .
( 3 ) SARIS M. N. ،المصدر أعلاه ، ص262 .
( 4 ) FONTAINE M. ، المصدر السابق ، ص 496 .
50
" في حالة للقوة القاهرة أو ما شابهها …يعلق تنفيذ هذا العقد ..ابتداء من تاريخ إعلام الطرف الآخر عن حصول القوة القاهرة " :
Tout cas de force majeure ou assimilé .. suspend l'exécution de la présente convention ..à partir du moment où la partie intéressée a informé l' autre … ( 1 )
من ناحية أخرى ، فإن فترة تعليق العقد تعتمد على طبيعة محل العقد l’objet du contrat حيث يثير موضوع التعليق التساؤل في إمكانية تأجيل هذا التنفيذ لوقت آخر، وقد يكون عامل الزمن معيارا أساسيا يحدد المنفعة الاقتصادية للمتعاقد والذي يأمل أن يحققها تنفيذ العقد فيما لو تم ذلك في وقته المثبت ابتداء .
فإذا نظرنا إلى وضع المشتري الذي يتعاقد على شراء مواد من المثليات كالحبوب أو الأخشاب أو الفواكه والخضار مخصصة لفصل من فصول السنة أو الغرض منها هو لمناسبة محلية كالأعياد أو المهرجانات ، فإن مرور هذا الفصل أو تلك المناسبة يفقد البضاعة جزءا كبيرا من قيمتها التسويقية . وكذلك الحال عندما يكون محل العقد من غير المثليات ، فإن تعليق التنفيذ قد يؤدي أيضا إلى آثار سلبية تضر بمصلحة المشتري ، كأن يتصف المبيع بنوع أو طراز يتعلق بسنة الصنع كالسيارات أو الأجهزة الإلكترونية المنزلية وغيرها من الأجهزة التي تتحدد قيمتها السوقية بوقت ترويجها في سوق المنافسة .ولغرض الحكم فيما إذا كانت طبيعة السلعة تسمح أو أنها لا تقبل بتأجيل تنفيذ العقد ، لابد من الرجوع إلى اتفاق الطرفين للوقوف على شروطهما بما يتعلق في تأريخ التنفيذ حيث أن هنالك احتمالين :
الأول هو الذي يقضي بأن يكون تسليم محل العقد محددا ومحصورا بأجل معين يلزم التقيد به. Le délai de rigueur . في هذا الافتراض يجب على المدين بالتنفيذ تسليم المبيع في هذا الأجل لا غيره . ويرى القضاء الفرنسي بأن مجرد عدم التقيد بتمام التنفيذ في الوقت المتفق عليه يؤدي إلى انحلال الرابطة العقدية لإخلال المدين بالوفاء بتقصير منه حتى وإن لم ينذره الدائن ( 2 ) . والاحتمال الآخر هو أن يكون تسليم المبيع خاضعا لأجل غير محدد كأن يقضي تنفيذ الالتزام في زمن معين أو خلال مدة معينة يمكن أن نطلق عليها بالفترة الدالة un délai indicatif . وفي هذه الحالة اتفق الطرفان على إمكانية تأجيل التنفيذ حسبما تقتضيه ظروف المدين و إمكانيته بالتوريد . ولاشك أن التأخير في تاريخ التسليم لا يعتبر تصرف المدين في هذا الافتراض إخلال بمسئوليته العقدية .
ثانيا : فسخ العقد La resolution du contrat
1- السند القانوني لفسخ العقد
علمنا بأن تعليق تنفيذ العقد في حالة القوة القاهرة ما هو إلا حلا استثنائيا و إنه مقيدا و محددا بفترة العائق التي قد تطول أو تقصر . ولكن عند استمرارها فلابد من اعتبار ذلك عائقا نهائيا يستلزم فسخ العقد . كما تعتبر حل الرابطة القانونية بين المتعاقدين عند استحالة التنفيذ انتهاء طبيعي وقانوني لتحرير ذمة الطرفين من التزاماتهم العقدية التي
( 1 ) FONTAINE M.، المصدر السابق ، ص 474 .
( 2 ) وقد نعتبر أحيانا في عقد البيع الدولي تأخير التنفيذ بالنسبة للمشتري وكأنه عدم التنفيذ النهائي للعقد يجيز فسخ العقد . انظر في هذا الموقف KAHN Ph.: La vente commerciale internationale, thèse Dijon 1961, p. 109 ،
Paris 9 mars 1977 : rev. trim. dr. civ. 1978 , 150 , note Cornu G.
51
أصبحت لا ضرورة لبقائها وغير نافعة لهم ولم تعد بعد تمتلك السبب القانوني لاستمرارها. إن حالة القوة القاهرة ينعكس أثرها مباشرة عل مصير العقد . وهذا الأثر يقوم على معيارين أساسين يحكمان شرعية بقاء التزام الطرفين واستمرار الرابطة العقدية بينهما .
المعيار الأول : يستند على انقضاء سبب الالتزام لكل من المتعاقدين La cause لأنه من الأركان الأساسية لصحة العقد . فعندما يتخلف أحد الطرفين الوفاء بالتزامه مهما كان المانع لذلك ، فلن يبقى سببا بعد لاستمرار التزام الطرف الآخر . كما أنه لا يصح أن يبقى أحد الالتزامين قائما طالما يصبح تنفيذ الالتزام المقابل مستحيلا كما هو في حالة القوة القاهرة .وتطبيقا لذلك مثلا انتهاء التزام المشتري بدفع الثمن إذا اصبح تسليم المبيع مستحيلا . وكذلك الحال للبائع ، حيث ينقضي التزامه بتسليم المبيع إذا تبين بأن الحادث الجبري يمنع المشتري الوفاء بتسديد الثمن طبقا لشروط العقد . لاشك أن فكرة السبب تحقق لنا منطق توازن الالتزامات بين الطرفين . وكما يرى الفقيه كابيتان " بأن سبب الالتزام في العقد الملزم للجانبين ليس هو وجود الالتزام المقابل له وإنما تنفيذه " ( 1 ) . فعندما تثبت استحالة التنفيذ لالتزامات أحد طرفي العقد تنتهي عند ذلك التزامات الطرف الآخر لاعتماد أحدهما على إمكانية الطرف الآخر تنفيذ الالتزام المقابل.
المعيار الثاني : فانه يدور مع وجود محل العقد L’objet du contrat . . حيث أن فسخ العقد يجد ما يبرره في العلاقات التجارية الدولية لازالت استحالة التنفيذ تنصب على العين محل العقد . وفي هذا الافتراض تصبح علاقة الطرفين العقدية فاقدة إلى ركن أساسي من أركانها لانعدام وجود الشيء محل العقد حيث يصبح الالتزام غير قابلا للتنفيذ ويتخلف عند ذلك الغرض الذي قصد إليه المتعاقدين من التعاقد . وبمعنى آخر هو إن أثر هذا المعيار يمكن أن نستنتجه من القاعدة العامة في العقود الملزمة للجانبين التي تقضي بأنه لا يصح استمرار حياة العقد عندما ينعدم محله ، ولو كان هذا الافتراض حاصلا قبل الانعقاد لأصبح العقد باطلا تطبيقا للمبدأ القائل بأنه لابد لكل التزام نشأ عن العقد من محل يضاف إليه يكون قابلا لحكمه ( 2 ) . فمن الشروط اللازمة في المحل هو أن يكون موجودا وقت التعاقد أو ممكن الوجود بعد إبرام العقد حيث يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا ( 3 ) . ويصح تطبيق هذه القاعدة سواء انصبت استحالة التنفيذ على محل العقد أو محل التزام الطرفين خلال الفترة اللاحقة لانعقاد العقد بسبب القوة القاهرة ، و سواء اعتبرنا المحل ركنا في الالتزام أم في العقد . فلابد للمحل أن يظل قائما كي يبقى العقد صحيحا والالتزام نافذا . فمن المعروف لدى الفقه أن محل العقد في البيع هو الشيء المبيع والثمن . و محل التزام البائع هو تسليم المبيع ومحل التزام المشتري هو دفع الثمن ( 4 ) . فانعدام محل التزامات الطرفين بسبب القوة القاهرة
يؤدي بالنتيجة إلى فسخ العقد من تلقاء نفسه ويتحقق ذلك بحكم القانونipso facto عندما يتخلف البائع بتسليم
( 1 ) انظر التحليل في نظرية السبب ، د. الحكيم ، المصدر السابق ، ص 433. انظر أيضا نص المادة 215 من القانون المدني الكويتي .
( 2 ) انظر المادة 157 ، قانون مدني أردني ؛ المادة 126 قانون مدني عراقي .
( 3 ) انظر المادة 131 قانون مدني مصري .
( 4 ) د. الحكيم ، المصدر أعلاه ، ص 362 .
52
المبيع أو يتخلف المشتري بدفع الثمن لوجود قوة قاهرة .
2- طرق فسخ العقد :
أ - الفسخ باتفاق طرفي العقد
تطبيقا لمبدأ حرية التعاقد و مبدأ سلطان الإرادة في تحرير شروط العقد الدولي ، فلا يوجد ما يمنع الطرفين من تحديد الطريقة التي يتم فيها فسخ العقد بالشكل الذي يرونه مناسبا . ولقد درج العرف التجاري الدولي على أن يتضمن شرط القوة القاهرة نصا صريحا يجعل فسخ العقد من تلقاء نفسه في حالة حصول القوة القاهرة دون حاجة لتقديم طلب للقضاء المختص لإصدار حكمه بالفسخ .
إن هذا الحل يبدو ملائما لظروف المتعاقدين و يؤمن لهم تحديد الآثار المباشرة لاستحالة تنفيذ العقد . كما إنه من ناحية أخرى يزيل المساوئ التي قد تحصل عند تدخل القضاء لأنه يتطلب النظر في القواعد التي يفرضها قانون العقد الواجب التطبيق . وقد ينتج عن ذلك تعارض في الأحكام وتنازع في القوانين و اختلاف موقفها من آثار فسخ العقد . ولربما تكون هذه الإجراءات طويلة و بطيئة ، كما أنه لا ينكر مدى ما يتمتع به القاضي أو المحكم من سلطات تقديرية في تقييمه مدى تحقق شرط القوة القاهرة و اعتباره قائما ( 1 ) .
إن فوائد شرط القوة القاهرة الذي ينص صراحة على طريقة فسخ العقد يعزز أيضا حالة التوازن العقدي بين الطرفين و يؤكد مساواتهم في ممارسة حق إنهاء العقد من جانب واحد . ولقد تأكد هذا الموقف في الشروط العامة للبيع الخاصة بمنظمة السوق الأوربية المشتركة حيث تنص على أنه عندما يصبح مستحيلا تنفيذ العقد في مدة معقولة : " للطرفين الحق في أن يتحلل من العقد بمجرد الإخطار كتابة دون الحاجة للمطالبة بالفسخ لدى المحكمة "
…chacune des parties a le droit de se dégager du contrat par simple notification écrite sans devoir demander la résiliation au tribunal . ( 2 )
. إلا أن مثل هذا الحق لفسخ العقد يتطلب حذرا كثيرا والتأكد من قبل طرفي العقد بتحقق حالة القوة القاهرة بحيث لا يسمح للطرف المقابل الطعن في صحة الفسخ و المطالبة بالتعويض لعدم التنفيذ .
أما عند عدم وجود الاتفاق بين الطرفين لكيفية فسخ العقد في حالة القوة القاهرة ، فانه لابد من الرجوع إلى قواعد القانون المحلي أو الدولي التي تحكم ذلك . فما هو مبدأ القانون الساري على العقد الدولي في فسخ العقد ؟
ب-فسخ العقد تبعا لأحكام القانون :
ليس غريبا أن يحصل تباين في موقف التشريعات من مبدأ فسخ العقد و تحديد شروط هذا الفسخ . فكثير من هذه القوانين تفرض تدخل القضاء لإصدار حكمه وإعلان فسخ العقد .، حيث تنص المادة 1184 من القانون المدني الفرنسي " بان فسخ العقد يجب أن يحصل بطلب لدى القضاء ". وينتج عن هذا المبدأ بأن أية حالة تكشف عن
( 1 ) انظر في هذا المعنى ALTER M ، المصدر السابق ن ص349 ؛
Cass. Civ. III , 27 mai 1971 : bull. Civ. n° 339 ; Cass.com. , 5 mars 1974 : JCP 1974 , IV , 145 .
( 2 ) Les conditions générales de vente de la C. E. E. : art 10.4, C. G. n° 188 , 25-3, C. G. 188A .
53
عجز المدين عن تنفيذ التزاماته مهما كانت أهميتها و مصدرها لا تؤدي إلى فسخ العقد من تلقاء نفسه ، إنما ينبغي إقامة دعوى الفسخ action résolutoire أمام القضاء وعند ذلك تخضع هذه الدعوى لتقدير القاضي المختص . وجدير بالذكر إن للقضاء في هذه الحالة كامل الصلاحيات لتقييم مقدار وأهمية استحالة التنفيذ و مدى تأثيرها على مصير العقد وتقدير فيما إذا كانت سببا كافيا يتطلب عنده إنهاء العقد ( 1 ) .
إن ما يدعو المشرع الفرنسي في موقفه هذا هو حذره الشديد واحترازه تجاه كافة حالات فسخ العقد لأنه يقدر مقدار ما يتضمنه إنهاء العقد من نتائج ضارة تترتب على من تقع عليه أعباء المسئولية لعدم تنفيذ التزاماته العقدية .ولهذا اشترط المشرع بان تؤسس المحكمة صحة حكمها تبعا لظروف الحادث التي استحال فيها تنفيذ العقد . وقصد من ذلك إزالة كافة احتمالات التعسف في استعمال هذا الحق فيما لو تركت حرية اتخاذه من طرف واحد .
مهما يكن من أمر ، فان قرار القاضي سيكون اختياريا وخاضعا لتقديره الخاص لظروف الدعوى ، حيث أنها مسألة وقائع تتأثر بعامل الزمن وظرف المكان ووضع المتعاقدين . وقد لا يقضي بفسخ العقد ويكتفي فقط بإعطاء مهلة للمدين بتنفيذ التزاماته وتعليق مصير العقد للفترة التي يراها مناسبة ( 2 ) . فالقاضي لا يتمسك مطلقا بما اختاره الدائن من حل مستعجل لأجل إنهاء العقد ( 3 ) .
إذا كانت هذه القاعدة في إنهاء العقد لها تبريرها في نطاق العقود المحلية ، لكنها تتعارض دائما مع الوضع الخاص للعلاقات التجارية الدولية وتشكل عائقا لما يجب أن يتمتع بها المتعاقدين ومنها سرعة التعامل والحرص على تنفيذ الالتزامات في وقتها الصحيح ، أو التخلي عنها وإنهائها عند حصول القوة القاهرة بمليء إرادة الطرفين دون الحاجة لانتظار إصدار حكم قضائي .
وكذلك إن الانتظار لغاية إصدار هذا الحكم لا يتفق مع بعض المعايير التي تشخص البيع التجاري الدولي ومنها تقلبات الأسعار للبضائع في السوق الدولية والحاجة السريعة للحصول على المبيع من مورد آخر . كما إن إنهاء العقد من خلال الإجراءات القضائية لها مساوئها التي لا تتفق مع اقتصاد العقد الدولي لأنها في جميع الافتراضات بطيئة و مكلفة للطرفين . وهو ما يبرر دائما لجوء طرفي العقد إلى الاتفاق على شرط التحكيم التجاري الدولي الذي يتسم بالسرعة في حسم النزاع العقدي بين الأطراف 0
ولقد خرج المشرع الفرنسي عن هذه القاعدة حيث أجاز إمكانية انقضاء العقد من تلقاء نفسه عند عدم تنفيذ الالتزامات في مواضع معينة كما جاء في نص المادة 1657 من القانون المدني التي تنص بأنه " في بيع الغلل والأموال المنقولة ينفسخ العقد من تلقاء نفسه ، لصالح البائع ، دون حاجة للإنذار بعد نفاذ الموعد المقرر للاستلام " ( 4 ).
( 1 ) MAZEAUD M : Leçons de droit civil, Montchrestien , T.II, p.892- La gravité de l'inexécution.
C. A. de Paris , 21e Chambre B, 20 avril 2000, Gazette du Palais 14/02/2001 , P. 15-17 .
( 2 ) انظر المادة 157 فقرة 2 من القانون المدني المصري .
( 3 ) انظر MAZEAUD M ، المصدر السابق ، رقم 1094.
( 4 ) Cass. Com. 28 avril 1982, Bull.civ. IV, n°145; Cass.1re civ. 12 mars 1985, Bull. Civ. I, n°94.
54
ولاشك في أن الجواز للبائع فقط حق فسخ العقد عند عدم التنفيذ دون منح المشتري هذا الحق يؤدي إلى الإخلال بمبدأ التوازن العقدي بين حقوق كلا الطرفين التي يجب أن يتضمنها العقد سواء وقت انعقاده أو عند فسخه مهما كان سبب عدم التنفيذ . ولقد حاول القضاء الفرنسي إزالة هذا التباين في حقوق الطرفين والحفاظ على مبدأ التوازن في ممارستها حينما تتعرض التزامات الطرفين على السواء لحالة القوة القاهرة حيث أصدرت محكمة النقض حكمها الذي يتضمن " إن طلب الفسخ القضائي للعقد عند استحالة التنفيذ ليس ضروريا " ( 1 ) .
وهذا الحكم يقضي إعفاء الطرفين من تقديم طلب الفسخ عند حصول القوة القاهرة . وحلا كهذا ينسجم مع ما يتطلبه مستوى التعامل في العلاقات التجارية الدولية لتحديد مسئولية طرفي العقد عند عدم التنفيذ دون تمايز بينها ونرى فيه اكثر نفعا لو يتضمن مبدأ القانون المحلي صراحة إمكانية فسخ العقد من قبل الطرفين على حد سواء عند استحالة تنفيذ العقد كما حاولت بعض التشريعات . فلقد أجاز مبدأ القانون السويسري و الألماني إعلان إنهاء العقد من جانب واحد بشرط أن يستهدف عدم التنفيذ إحدى الالتزامات الرئيسية في العقد . ولاشك في سريان هذه القاعدة عند حالة القوة القاهرة لاستحالة التنفيذ المادية أو الاقتصادية أو القانونية . وتعتبر من المخالفات الجوهرية للعقد حينما لا يتم مثلا تسليم المبيع أو تسديد الثمن ، فكلاهما من الالتزامات الرئيسية في العقد . كما أن تطبيق هذه القاعدة لا تمنع أي طرف في العقد الطعن أمام القضاء أو لبيان صحة إعلان إنهاء العقد من قبل المدين بالتنفيذ .وقد يؤدي هذا الطعن إلى إلغاء إعلان الفسخ والاستمرار بتنفيذ الالتزامات من قبل الطرفين حينما لا يثبت أمام المحكمة تحقق استحالة التنفيذ . وطريق الطعن يقلل أيضا من محاولة أي طرف في العقد التعسف في استعمال حقه في فسخ العقد أو التسرع في ممارسته تقديرا منه لوجود حالة القوة القاهرة ، والتي قد يعتبرها القضاء حالة مؤقتة يمكن تجاوزها تبعا لظروف الحادث كما ذكرنا ذلك في أعلاه .
لقد أخذ المشرع الدولي أيضا بمبدأ إنهاء العقد من جانب واحد حيث تنص المادة 72 من اتفاقية فينا بأنه " إذا تبين بوضوح قبل حلول ميعاد تنفيذ العقد أن أحد الطرفين سوف يرتكب مخالفة جوهرية للعقد جاز للطرف الآخر أن يفسخ العقد " . كما تأكد العمل بمبدأ حق فسخ العقد لأي طرف من طرفي العقد عندما تعرضت الاتفاقية الدولية في أحكامها إلى التزامات كل من المشتري و البائع في نص المادة 49 والمادة 64 .حيث أجازت كل منهما إنهاء الرابطة العقدية وذلك عندما يكون عدم تنفيذ إحدى الالتزامات التي يرتبها العقد أو نصوص الاتفاق على المدين ،البائع أو المشتري ، يشكل مخالفة جوهرية للعقد .
ولاشك في أن هذا المبدأ يجد له تطبيقا أكيدا في ظروف القوة القاهرة حيث يتعذر على طرفي العقد تنفيذ التزاماتهما
العقدية مما يؤدي إلى اعتباره إخلالا جوهريا لاتفاق الطرفين . وكما تنص المادة 25 من الاتفاقية الدولية ( 2 ) ، إن
( 1 ) Cour de Paris , 25 juil.1980 , Cass.com.28 avril 1982, n° 145, JCP 82 , Ed. G. IV, 237; Rev.trim.dr.civ.1983, 340, obs. Chabas F ;Cass.1re civ. 12 mars 1985, Bull.civ. I, n° 94.
( 2 ) انظر اتفاقية فينا لعام 1980 سابقة الذكر .
55
هذه المخالفة الجوهرية تتحقق "إذا تسببت في إلحاق ضرر بالطرف الآخر من شأنه أن يحرمه بشكل أساسي مما كان يحق له أن يتوقع الحصول عليه بموجب العقد …". ولكي ينتج إعلان فسخ العقد أثره ، اشترط المشرع الدولي في نص المادة 26 من اتفاقية فينا إعلام الطرف الآخر بفسخ العقد . ولقد أراد المشرع من هذا القيد تقليل الأخطار التي قد يتعرض لها الدائن عند عدم تنفيذ الالتزامات من قبل المدين بالتنفيذ بسبب حالة القوة القاهرة .
ج- فسخ العقد من تلقاء نفسه :
تبنى المشرع الدولي وكذلك بعض القوانين المحلية مبدأ انقضاء العقد من تلقاء نفسه عندما يتعرض تنفيذه إلى حالة من حالات القوة القاهرة . ولقد اعتبر المشرع هذا الحل من باب الإعفاءات من المسئولية لعدم تنفيذ الالتزام .تنص
المادة 79 من اتفاقية فينا لعام 1980 بأنه " لا يسأل أحد الطرفين عن عدم تنفيذ أي من التزاماته إذا اثبت أن عدم التنفيذ كان بسبب عائق يعود إلى ظروف خارجة عن إرادته وانه لم يكن من المتوقع بصورة معقولة أن يأخذ العائق في الاعتبار وقت انعقاد العقد أو أن يكون بإمكانه تجنبه أو تجنب عواقبه أو التغلب عليه أو على عواقبه ". ونرى لهذه القاعدة أثرا في نص المادة 373 من القانون المدني المصري بأنه " ينقضي الالتزام إذا اثبت المدين إن الوفاء به اصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه " . وقدم كذلك المشرع الأردني موقفا اكثر وضوحا يستهدف حالة القوة القاهرة في نص المادة 274 من القانون المدني وهو : " في العقود الملزمة للجانبين إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له وانفسخ العقد من تلقاء نفسه فإذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل … " ( 1 ) . ومحتوى هذه النصوص ينفع في منح كل من طرفي العقد على السواء الحق في فسخ العقد عندما يثبت لديه استحالة تنفيذ التزاماته العقدية تحت تأثير القوة القاهرة .
لاشك إن انقضاء العقد بسبب القوة القاهرة ينسجم مع مبدأ العدالة والاتجاه الصحيح الذي يتطلب استقرار المعاملات التجارية محلية أو دولية . ولكن تطبيق هذه القاعدة لابد أن يخضع لمبدأ القانون الذي يحكم العقد .فإذا كان قانون العقد يقضي وجوب إعلان الفسخ من قبل القضاء ، فلابد من مراعاة الإجراءات والالتزام بمراعاتها لضمان حقوق الطرفين . ولتحقيق ذلك لابد إذن من قيام دعوى فسخ العقد action en résolution .
وهنالك موقف آخر يستند على قواعد قانون العقد ذاته في جواز فسخه من طرف واحد أو من تلقاء نفسه في حالة القوة القاهرة . وينتج هذا الحل أما عن اتفاق الطرفين بنص صريح في شرط القوة القاهرة ، أو بتطبيق قواعد القانون المختص الذي يخضع إليه العقد كما رأينا ذلك في أعلاه. عند ذلك يحق لأي من الطرفين أن يعلن من جانب واحد نيته في إنهاء العقد وإخطار الطرف الآخر عن هذه النية في الوقت المناسب لكي تنتج أثرها على مصير العقد . ومثل هذا الموقف القانوني نجده في نص المادة 158 من القانون المدني المصري الذي أجاز الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه ، بشرط اعذار الدائن إن لم يتفق الطرفين على خلاف ذلك .
( 1 ) هذه هي القاعدة أيضا عند المشرع الكويتي : انظر نص المادة 215 من القانون المدني رقم 67 لسنة 1980 .
56
الفرع الثاني : آثار انقضاء العقد بسبب القوة القاهرة :
أولا : آثار انفساخ العقد على المعقود عليه :
عندما ينفسخ العقد بسبب القوة القاهرة ، يختلف اثر ذلك حسب طبيعة محل الالتزام وقصد المتعاقدين . ومن المهم التفرقة بين إفتراضين . الأول هو أن يكون محل الالتزام عينا لا تقبل التعدد أو التجزئة .والحالة الثانية حينما يكون محل التزام المتعاقدين متعددا في عناصره . فما هي إذن أحكام آثار الفسخ على محل العقد ؟
عندما ينصب محل الالتزام على عين واحدة فقط متحدة بكامل عناصرها وأجزاؤها ، فإن حالة القوة القاهرة تصيب محل العقد بكامله . ويتبين لنا عند هذه الحالة إن التزام الطرفين لا يقبل التجزئة والتبعيض indissociable. ومن الطبيعي أن يفسخ العقد كليا بكامل عناصره لاستحالة التنفيذ طالما إن المعقود عليه يعبر عن التزام واحد متحد العناصر والاستعمال كما تقضي به طبيعة الأشياء وقصد المتعاقدين . ولاشك إن عدم التنفيذ في أي عنصر من العقد يشكل مخالفة جوهرية لتنفيذه تعطي الحق للمشتري بفسخ العقد كما نصت على ذلك المادة 49 من اتفاقية فينا. وكما هو أيضا في المفهوم المقابل للمادة 51 فقرة 2 من هذه الاتفاقية حيث لا يجوز للمشتري أن يفسخ العقد برمته إلا إذا كان عدم التنفيذ الجزئي يشكل مخالفة جوهرية للعقد . فحينما يجعل الحادث الجبري تنفيذ هذا النوع من الالتزام مستحيلا حتى في جزء منه فهو مخالفة جوهرية للعقد . فلابد أن يفسخ العقد ليشمل التزام الطرفين بكامله وينقضي عندئذ الاتفاق لاستحالة التنفيذ . ويجري تطبيق هذه القاعدة أيضا لصالح البائع عندما تصيب حالة القوة القاهرة قدرة المشتري في تسديد الثمن .
إن الحكم بأن استحالة التنفيذ حالة ينفسخ بها العقد تتفق عليه التشريعات الداخلية . وحيث القاعدة العامة هو إن هلاك المعقود عليه بسبب القوة القاهرة في العقود الملزمة للجانبين حالة تؤدي إلى أن ينفسخ العقد ( 1 ). وتقضي كذلك المدة 159 من القانون المدني المصري بأنه " في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه " . وكما تجيز المادة 438 من هذا القانون للمشتري أن يطلب فسخ البيع إذا كان النقص جسيما بحيث لو وجد قبل العقد لما تم البيع .ومضمون هذه القاعدة ينطبق عندما يكون المعقود عليه غير قابل للتجزئة و التبعيض لأنه يفقد قيمته كليا بغياب جزء جوهري منه يؤثر على طبيعة الشيء ويعدم الانتفاع منه.
وقد يكون محل العقد قابلا للتجزئة والتبعيض dissociable حينما يشمل عناصر متعددة الاستعمال وقصد المتعاقدين . في هذه الحالة ينشأ اتفاق الطرفين التزامات متعددة . ومع ذلك هنالك احتمالين . الأول هو إن محل العقد وإن كان متعدد العناصر ، إلا إنه لا يقدم المنفعة التامة للدائن إلا بعد تنفيذ كافة عناصره .وإذا تخلف أي جزء من المعقود عليه يفسد الفائدة ويلغي قصد المتعاقد . فعندما تتعرض إحدى عناصره لحالة القوة القاهرة ، انفسخ العقد ، ويأخذ حكم الفسخ الذي يصيب العقد باعتباره عين واحدة غير قابل للتجزئة لانتفاء منفعة المعقود عليه. وبمعنى آخر هو
( 1 ) المادة 179 قانون مدني عراقي ، المادة 247 قانون مدني أردني .المادة 215 فق1 قانون مدني كويتي .
57
انتفاء الحاجة للأجزاء الأخرى وإن كان من الممكن تنفيذها .وهذا الموقف يتطابق مع المبدأ القائل بأن مع الاستحالة الجزئية ينقضي ما يقابل الجزء المستحيل من التزام ، وللدائن بحسب الأحوال ، أن يتمسك بالعقد فيما بقي ممكن التنفيذ ، أو أن يطلب فسخ العقد ( 1 ) عندما لا يكون نافعا تنفيذ جزء من العقد .
أما قاعدة انقضاء الالتزام بما يقابل الجزء المستحيل فمن منفعة المتعاقد التمسك بها حينما يكون محل العقد متعددا وانه قابل للتجزئة والتبعيض بحيث إن عدم تنفيذ أحد أجزائه ، وإن كان ينقص من مقدار المنفعة التي ينتظرها المتعاقد من وراء التزامه ، إلا إن التنفيذ الجزئي لا يلغيها بالكامل . عند ذلك لا يسري فسخ العقد إلا على الجزء الذي تعرض لحالة القوة القاهرة حيث اصبح تنفيذه مستحيلا، وذلك مثلا عندما يكون محل العقد كمية من المكائن الصناعية أو الحاسبات الإلكترونية أو التجهيزات المنزلية .حينما يتعرض جزء من الكميات المتفق عليها لحالة القوة القاهرة فإن ذلك لا يلغي الالتزام بتنفيذ باقي الكمية طالما لا يؤثر عدم التنفيذ الكلي على الجانب الوظيفي الفني أو المنفعة الجوهرية عند تشغيل هذا الجزء ، ولازال من الممكن التزود به فنيا وتجاريا من مصادر أخرى في السوق الدولية.
ويبقى العمل بهذه القاعدة ملزما إلا في حالة اتفاق الطرفين على خلاف ذلك حيث إن هذا الواقع الجديد بسبب القوة القاهرة يجعل تنفيذ الالتزام حكمه هو حكم التنفيذ الجزئي للمبيع La livraison patielle . ومن الملاحظ أيضا في العرف التجاري الدولي إنه لا يبرر فسخ العقد كليا بسبب القوة القاهرة طالما إن محل التزام الطرفين قابلا للتجزئة أي عندما لا يؤثر عدم تنفيذ الجزء بكثير في منفعة الطرف الدائن في العقد عملا بقاعدة استقرار المعاملات والتقيد بمبدأ حسن النية في العقود التجارية الدولية .
وتسري أحكام الفسخ الجزئي كذلك على ملحقات المبيع Les accessoires وتقييم فيما إذا كانت قابلة للتجزئة أو إنه لا يمكن الاستغناء عنها أحيانا ولا يصح تنفيذ العقد دونها لانعدام الفائدة في الانتفاع بالشيء محل العقد .
ثانيا : آثار انفساخ العقد وتبعة هلاك المبييع :
من المسائل المهمة التي يثيرها فسخ العقد هو معرفة على من تقع تبعة هلاك المبيع عندما يتعرض كله أو جزء منه لحالة القوة القاهرة كالحريق أو الغرق أو التلف وغير ذلك من الحالات التي تصيب محل العقد .
في العقود الاتفاقية ومنها عقد البيع التجاري الدولي تقضي القاعدة العامة بأن هلاك محل العقد يقع على عاتق المدين بالتنفيذ قبل تسليم المبيع . وبعبارة أخرى ، يتحمل المدين بالتنفيذ تبعة استحالة تنفيذ التزامه عند هلاك المبيع بسبب القوة القاهرة.
( 1 )انظر المادة 215 فق2 قانون مدني كويتي ؛ المادة 247 من القانون المدني الأردني .
58
ومن المؤكد من ناحية أخرى بأن تبعة هلاك المبيع تدور مع وقت نقل ملكية الشيء محل العقد transfert de propriété وليس في تاريخ تسليمه للدائن date de livraison إلا في حالة أن يكون فعل التسليم شرطا لانتقال الملكية من ذمة المدين إلى ذمة الدائن .
ولمعرفة وقت انتقال الملكية لابد إذن من النظر إلى القواعد التي تحكم شروط العقد الدولي . ينبغي عند هذه الحالة معرفة القانون الواجب التطبيق على العقد حيث تختلف القوانين الداخلية في أحكامها لتحديد وقت انتقال ملكية المبيع محل العقد .
تقضي قواعد القانون الفرنسي بأن انتقال ملكية المبيع تتم بمجرد التقاء إرادة طرفي العقد solo consensu . وبموجب ذلك فإنه عند هذه اللحظة يعتبر العقد قائما وينشأ أثره على المعقود عليه . حيث تقضي المادة 1583 من القانون المدني بأنه يعتبر البيع تاما بين الطرفين ويكتسب المشتري حق الملكية قبل البائع بمجرد الاتفاق على الشيء المبيع والثمن حتى وإن لم يتم بعد تسليم المبيع أو دفع الثمن . ومن مبدأ القانون فإن وقت انتقال ملكية الشيء يشمل بنفس الوقت انتقال المخاطر التي قد يتعرض لها . وهذا الحكم ما هو إلا تطبيقا للقاعدة التي تقضي بأن الشيء يهلك على المالك res perit dominus التي يأخذ بها النظام القانوني الفرنسي ومفاده بأن الشيء يهلك في أموال من كان مالكا له . وتطبيقا لذلك يتحمل المشتري المخاطر التي يتعرض لها المبيع منذ وقت إبرام العقد .فإذا هلك الشيء بفعل حالة القوة القاهرة ق بل أن يتم التسليم ، يبقى المشتري ، باعتباره مالكا للمبيع ، مدينا بدفع الثمن حيث يندمج انتقال المخاطر مع انتقال الملكية وهو تاما ونافذا منذ أن تم انعقاد العقد .
إلا إن للقضاء الفرنسي موقفا معتدلا حينما يكون المبيع من المثليات une chose de genre حيث يقضي بعدم انتقال الملكية للمشتري إلا من لحظة فرز المبيع individualisation ( 1 ) . وموقف القضاء هذا ما هو إلا تطبيقا لمضمون المادة 1585 من القانون المدني التي تنص بأن بيع البضائع من الموزونات أو المعدودات أو القابلة للقياس لا
يكون تاما وتهلك على البائع قبل وزنها أو عدها أو قياسها . ولقد أخذ المشرع الدولي بهذه القاعدة في نص المادة 67 - فقرة 2 من اتفاقية فينا التي تقضي بأن : " لا تنتقل تبعة الهلاك إلى المشتري ما لم تكن البضائع معينة بوضوح بأنها المشمولة بالعقد ، سواء بوجود علامات مميزة على البضائع ، أو بمستندات الشحن ، … " وهذا الموقف ينطبق تماما مع ما درج عليه العرف التجاري الدولي حيث يتم في العقود الدولية الاتفاق على نموذج وبالتالي لا يمكن أن تتحدد تبعة هلاك المبيع قبل صنعه مطابقا للنموذج في النوعية والكمية المتعاقد عليها . فيبقى البائع ضامنا لكل المخاطر التي يتعرض لها محل العقد قبل فرزه وتشخيصه باعتباره المشمول بالعقد .
( 1 ) تنص المادة 531 من القانون المدني العراقي بأنه إذا كان المبيع لم يعين إلا بنوعه فلا تنتقل الملكية إلا بالإفراز .انظر : Cass. Com . 28 fèvrier 1950 : Rev. Trim. Dr. Com. 1950 , note Hemard .
انظر أيضا نص المادة 463 من القانون المدني الكويتي : في نقل ملكية المبيع ، فإن لم يعين إلا بنوعه ، لا تنتقل ملكيته إلا بالإفراز .
59
إن مبدأ انتقال الملكية بمجرد انعقاد العقد وما ينتج عنه من انتقال المخاطر للمالك الجديد ، لم يحظى بقبول عام في مجال العلاقات التجارية الدولية لأسباب كثيرة منها . إن هنالك من القوانين التي تحكم قواعدها العقد الدولي تؤخر في الواقع انتقال الملكية إلى الوقت الذي تتم عنده الحيازة المادية للمبيع والفعلية في يد المشتري .وهذا الموقف يجد جذوره في القانون الجرماني ( 1 ) حيث يعتبر وقت تسليم المبيع هو الفاصل لتحديد تبعة هلاك الشيء . وكثير من القوانين العربية تبنت هذا المعيار ، حيث ورد في المادة 547 من القانون المدني العراقي بأن تبعة هلاك المبيع تدور مع القبض حيث تنص هذه المادة بأن " إذا هلك المبيع في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري يهلك على البائع ولا شيء على المشتري ، إلا إذا حدث الهلاك بعد إعذار المشتري لتسلم المبيع … " . فهلاك المبيع إذن قبل القبض على عاتق البائع وإن كان قضاءا و قدرا . ونجد هذا الحكم في محتوى المادة 437 من القانون المدني المصري التي تنص بأنه " إذا هلك المبيع قبل التسليم لسبب لا يد للبائع فيه انفسخ البيع واسترد المشتري الثمن إلا إذا كان الهلاك بعد اعذار المشتري لتسليم المبيع " . وكذلك ما جاء في نص المادة 472 من القانون المدني الأردني التي تقضي بأنه " إذا هلك المبيع في يد المشتري بعد تسلمه لزمه أداء الثمن المسمى للبائع وإذا هلك قبل التسلم لسبب لا يد للمشتري فيه يكون مضمونا على البائع " ( 2 ) .
ولابد من القول بأن استخدام كلمة " التسليم " من قبل المشرع تعطي دلالة تعبر عن الأثر القانوني لهذا الالتزام أوسع شمولا من مصطلح " القبض "، ولهذا فهو أكثر استعمالا في التعامل التجاري . وكما عرف المشرع المصري في نص المادة 435 فقرة1 من القانون المدني " التسليم " بأنه وضع المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق ولو لم يستولي عليه استيلاء ماديا ما دام البائع قد اعلمه بذلك ( 3 ) . وهذا الحل يتطابق دائما مع ما هو معمول به في العرف التجاري الدولي الذي يعتبر التسليم صحيحا بإرسال سند الشحن للمشتري أو شهادة النقل الجوي . وإن استلام هذه الوثائق تعوض عن التسليم المادي ، أي القبض ، وتؤكد بنفس الوقت الحيازة القانونية للمبيع وحرية التصرف به في بيعه أو التنازل عنه قبل وصوله لمخازن المشتري .
وقد تبنى المشرع الدولي هذا الموقف وأعتبر انتقال تبعة الهلاك تدور مع الالتزام بالتسليم ، حيث تنص المادة 67 فقرة 1 من اتفاقية فينا عندما يتضمن عقد البيع نقل المبيع بأن " تنتقل التبعة إلى المشتري عند تسليم البضائع إلى أول ناقل لنقلها إلى المشتري . وإذا كان البائع ملزما بتسليم البضائع إلى ناقل في مكان معين ، لا تنتقل تبعة الهلاك إلا عند تسليم البضائع إلى الناقل في ذلك المكان " .
إن القاعدة في العرف التجاري الدولي هو الفصل دائما بين انتقال الملكية و انتقال المخاطر . وإذا أخذنا مثلا نوع من أنواع البيوع الدولية C & F أو C A F أو البيع EX - SHIP التي تعني شرط تسليم المبيع في ميناء الوصول ، حيث تنتقل ملكية المبيع في هذه البيوع مباشرة بعد شحنها ، بينما تبقى مخاطر الهلاك والتلف التي قد يتعرض لها
( 1 ) Droit Allemand : §873, 925, et § 446 du Code civil BGB ; Droit Autrichien : allg BGB § 1051 et Code civil .
( 2 ) وهذه هي القاعدة أيضا في القانون الكويتي : نص المادة 478 من القانون المدني .
( 3 ) انظر أيضا نص المادة 472 من القانون المدني الكويتي .
60
المبيع على عاتق البائع لأن حقه في الثمن لا ينشأ إلا بعد وصول الشيء إلى المكان المتفق عليه في العقد .ويمكن أن نذكر مثلا على ذلك الشرط التالي :
le vendeur s'engage à livrer les marériels et équipements complets spécifiés
dans les annexes C.I.F./Alger ou tous les autres ports algériens à ses
risques et périls avec l'emballage maritime appropié au moyen de transport . ( 1 )
وإذا نظرنا إلى نماذج البيوع الدولية Les incoterms ( 2 ) بشكل عام نجدها أهملت مبدأ نقل الملكية معتبرة بأنه لا يعطي حلا ينفع عمليا لتنظيم موضوع نقل المخاطر و تحمل تبعة الهلاك .ولكنها اهتمت بتقديم قواعد متنوعة ، تلزم أحيانا المشتري وأحيانا أخرى البائع ، مسئولية تحمل المخاطر وتبعة هلاك المبيع كما يقرره نوع البيع الدولي الذي تم الاتفاق عليه بين الطرفين .
ويستقر معيار نقل المخاطر في البيوع الدولية على مبدأ التزام البائع بتسليم المبيع للدائن .وقد يكون هذا التسليم مباشرا ، عندها تقع تبعة الهلاك على المشتري بمجرد فرز المبيع أو تعيينه كما هو الحال في البيوع :
à l'usine , Ex - Ship , à quai , Rendu Frontière
وعندما يكون تسليم المبيع للدائن غير مباشر كما هو الحال في البيوع التي تستوجب تدخل الناقل البري أو البحري أو الجوي لنقل المبيع من دولة إلى أخرى كما هو الحال في البيوع التالية :
CAF , C & F , FAS , FOB , Fret/ Port payé .
في هذه البيوع يبدأ انتقال المخاطر على عاتق المشتري من الوقت الذي توضع البضاعة في يد الناقل .في هذا المعنى ترى المحكمة في أحد القضايا بأن نوع البيع هوFOB عند الشحن ، وبموجبه تكون نتائج فقدان البضاعة التي وقعت أثناء النقل البحري على عاتق المشتري ( 3 ) . وهذه هي القاعدة التي أخذ بها المشرع الدولي في نص المادة 67 من اتفاقية فينا كما ذكرنا ذلك في أعلاه . ويستنتج من ذلك بأن تبعة هلاك المبيع تكون على عاتق البائع قبل التسليم للناقل وتنتقل للمشتري عند التسليم للناقل فيصبح المبيع في رقابته أو رقابة مستخدميه حتى يتم تسليمه للمشتري .
ومفهوم تسليم المبيع في البيع الدولي جاء واضحا في المادة 436 من القانون المدني المصري حيث تنص بأنه " إذا وجب تصدير المبيع للمشتري فلا يتم التسليم إلا إذا وصل إليه ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك " . وتنطبق هذه القاعدة على البيع CAF حيث يتضمن مبلغ العقد ثمن الشيء المبيع ، وبدل التأمين ، والنقل لغاية وصول المبيع للدائن .
( 1 ) Saris M. N.. ، المصدر السابق ، ص 134 .
( 2 ) انظر نماذج البيوع الدولية Les Incoterms للغرفة التجارية الدولية في باريس .
( 3 ) Cass. Com . 28 nov. 1972 , n° 71-14 , 818, Bull. Civ. IV, 290.
61
ثالثا : آثار انفساخ العقد على مسئولية المدين بالتنفيذ :
من المبدأ العام في العلاقات العقدية هو التزام المدين بتنفيذ الشروط التي وردت في العقد . أما الإخلال بعدم تنفيذ أي من هذه الشروط يعرض المدين للمسئولية العقدية ويلزمه بالتعويض عن الأضرار التي قد يتعرض لها الطرف الآخر لما فاته من كسب أو ما لحقه من خسارة .
إلا إن حالة أن ينفسخ العقد بسبب القوة القاهرة يعطي استثناء لهذه القاعدة بإعفاء المدين cause exonératoire من المسئولية لعدم تنفيذ الالتزامات التي رتبها العقد وما ينتج عنها من أضرار . ومصدر الإعفاء من المسئولية يستقر أولا في الظروف التي أفرزت استحالة التنفيذ والتي تفيد بعدم وجود الخطأ من قبل المدين ، ويتأكد من ناحية أخرى في انعدام العلاقة السببية Lien de causalité بين عدم تنفيذ تلك الالتزامات والأضرار الناتجة عنها . ( 1 )
ولكي يتمتع المدين بأثر الإعفاء effet exonératoire عليه أن يثبت حالة القوة القاهرة لدفع المسئولية لعدم التنفيذ . وهذه هي القاعدة العامة في كافة التشريعات المحلية أو الدولية حيث تنص المادة 1148 من القانون المدني الفرنسي بأنه " لا يوجد أي تعويض في حالة وجود القوة القاهرة أو الحادث الجبري منعت المدين إعطاء أو عمل ما التزم القيام به ….". كذلك تنص المادة 165 من القانون المدني المصري بأنه "إذا اثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة …. كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ، ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك " ( 2 ) .
أما المشرع الدولي ، فتقضي المادة 79 من اتفاقية فينا لعام 1980 بأنه " لا يسأل أحد الطرفين عن عدم تنفيذ أي من التزاماته إذا أثبت أن عدم التنفيذ كان بسبب عائق يعود إلى ظروف خارجة عن إرادته وانه لم يكن من المتوقع بصورة معقولة أن يأخذ العائق في الاعتبار وقت انعقاد العقد أو أن يكون بإمكانه تجنبه أو تجنب عواقبه أو التغلب
عليه أو على عواقبه " . ولقد أراد المشرع بهذا النص الواسع أن يذكر في آن واحد خصائص حالة القوة القاهرة ، وإنها من جانب آخر سببا معفيا للمدين عند عدم تنفيذ التزاماته التعاقدية .
إن مبدأ الإعفاء من المسئولية بسبب القوة القاهرة يقدم حلا ملائما لعلاقات الأطراف في البيع التجاري الدولي لأن مجرد فسخ العقد سواء كان جزئيا أم كليا يؤدي إلى أضرار جسيمة على مصالح طرفي العقد . فمن باب أولى إعفاء المدين أيضا من مسئولية إصلاح الضرر الناتج عن حالة القوة القاهرة . ورغم وجود هذا المبدأ العام للإعفاء في القانون المحلي والدولي على السواء ، نرى من مصلحة الطرفين أن يتضمن العقد صراحة هذا الأثر المعفي للمسئولية في حالة وقوع الحادث الجبري أو القوة القاهرة كما هو واضح في نص الشرط التالي :
( 1 ) MAZEAUD MM : Leçons de droit civil , T II, n° 452, p. 387 et n° 560, p. 255 ; JACOB N. et LE TOURNAU Ph. : La responsabilité civile , T. I , Dalloz 1972 , n° 282, p. 157.
Tribunal de Commerce de Paris, 12ème Chambre , 3 février 1999, Gazette du Palais 2001, P.14-18 .
Jean Pierre Gridel, note sous Civ.1, 3 juillet 2002, Bulletin, 2002,I,
Le Dalloz , 3 octobre 2002, n° 34, Jurisprudence, Page 2631 – 2635.
( 2 ) C.A. de Chambéry, 2nov. 1999, Gazette de Palais 26/07/2000 , p.12-13 .
62
" لأي تأخير أو عدم تنفيذ الالتزامات بسبب القوة القاهرة ، لا يحق لأي طرف من الطرفين مطالبة الطرف الآخر بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة انقضاء العقد بسبب القوة القاهرة " :
Pour le retards et non exécution des obligations dus à la force majeure , aucune des parties ne peut réclamer à l' autre des pénalités , des intérêts ou tout autre dédommagement ou participation au préjudice souffert par elle à cause de la force majeure . ( 1 )
كما إنه ينبغي تحرير الأثر المعفي للمسئولية في النص الذي يعرف حالة القوة القاهرة كما اتفق عليه طرفي العقد . وبالتالي يتمكن البائع أو المشتري الدفع بعدم المسئولية عند عدم التنفيذ لحصول أي حادث أو عائق تضمنه النص ذات طبيعة تمنع الوفاء بالالتزامات .وهذا الحل يقيد سلطة القاضي في اتخاذ حكم مغاير لما اتفق عليه صراحة طرفي العقد وذلك تطبيقا للقاعدة بأن " المتعاقدين عند شروطهم "وكذلك احترام مبدأ سلطان الإرادة في العقود التجارية.
رابعا : الأثر الرجعي لانفساخ العقد :
عندما ينفسخ العقد بسبب القوة القاهرة ، لا يعني فقط بأن العقد قد توقف في انتاج أثره في المستقبل، وإنما يلغي أثره أيضا في الماضي . وينتج عن ذلك بأن على البائع إعادة مبلغ العقد أو ما قبضه من هذا الثمن . وفي حكم لمحكمة النقض الفرنسية يقضي بأن فسخ البيع له أثر مادي هو إعادة طرفي العقد إلى نفس و عين الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد ( 2 ) . وهذا الحكم ما هو إلا تطبيقا لمبدأ القانون بشكل عام حيث تنص المادة 160 من القانون المدني المصري على ما يلي : " إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض " (3) . وفي أحكام آثار الفسخ لعقد البيع الدولي تنص كذلك الفقرة الأولى من المادة 81 فقرة1 من اتفاقية فينا على ما يلي : " بفسخ العقد يصبح الطرفان في حل من الالتزامات التي يرتبها عليهما العقد ، مع عدم الإخلال بأي تعويض مستحق ،…"
ولقد جرى العرف في العقود التجارية الدولية تسديد جزء من الثمن كشرط لإبرام العقد كي يكون نافذا قبل البائع. ولهذا يكون طبيعيا أن يتم إعادة ما قبضه البائع من الثمن عند استحالة تنفيذ العقد . ولأجل ذلك فإنه من منفعة المشتري تضمين العقد شرطا "ضمان إعادة تسديد ما تم قبضه من ثمن " . من ناحية أخرى ، فإن مبدأ العدالة يقضي دفع فوائد يقررها السوق المالية تكون واجبة على البائع لما قبض من ثمن العقد لأهمية هذا المبلغ من حيث القيمة في العقود التجارية الدولية وما له من آثار اقتصادية على استثمارات المشتري . ولم تغفل اتفاقية فينا لعام 1980 أهمية هذه القاعدة لتحقيق العدالة بين مصلحة المتعاقدين ، حيث تنص المادة 84 فقرة1 بما يلي : " إذا كان البائع ملزما بإعادة الثمن وجب عليه أن يرد الثمن مع الفائدة محسوبة اعتبارا من يوم تسديد الثمن ".
وإذا جاء النص مطلقا بهذه الصيغة عند ذكره الثمن ، نعتقد بأن المشرع الدولي أراد من هذه القاعدة أن تنطبق سواء كان تسديد الثمن كليا أو جزئيا كما هو الحال عندما يتضمن العقد دفع العربون للبائع عندما يتم إبرام العقد .
( 1 ) FONTAINE M ، شرط ورد في المصدر السابق ، ص485.
( 2 ) Cass. Civ. III, 7 nov. 1968 : Bull. Civ. 1968, III , n° 448 .
( 3 ) انظر أيضا نص المادة 248 من القانون المدني الأردني .والمادة 211 من القانون المدني الكويتي .
63
الفرع الثالث: آثار انفساخ العقد على مصيرالبنود الأخرى:
عند تحرير العقد التجاري الدولي ، فإنه لابد أن يتضمن بعض الشروط الاتفاقية لضمان التوازن العقدي وتأكيد حقوق الأطراف عند التنفيذ أو عند النزاع . ومن هذه الشروط هي :
- الشرط الجزائي ،- شرط تسديد ما تم قبضه من ثمن ، - شرط ضمان التنفيذ الجيد ، - شرط تسوية المنازعات . فما هو أثر فسخ العقد بسبب القوة القاهرة على مصير هذه الشروط العقدية ؟
من المبدأ العام بأن فسخ العقد بسبب القوة القاهرة يولد أثرا رجعيا يؤدي إلى إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد . وعملا بهذه القاعدة ، ينبغي إذن لبعض شروط العقد باستمرار نفاذها قبل الطرفين حتى بعد فسخ العقد . إلا إن بعض منها يتوقف أثره حال فسخ العقد .
أولا :الشرط الجزائي La clause pénale
وهو الشرط الذي يقضي بأن على المدين بالتنفيذ دفع مبلغا معينا للدائن عند عدم تنفيذ إحدى الالتزامات العقدية . ولهذا تم اعتبار حالة عدم التنفيذ من قبل المدين لالتزاماته العقدية هي سببا لوجود الشرط الجزائي . فهل ينطبق ذلك عند استحالة التنفيذ بسبب حالة القوة القاهرة ؟
إذا رجعنا إلى مبدأ القانون الفرنسي ، نجد أولا بأن المادة 1226 من القانون المدني تعرف لنا الشرط الجزائي بأنه "الشرط الذي يلتزم به شخص لتأمين تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مقابل دفع شيء عند عدم التنفيذ ":
La clause pénale est celle par laquelle une personne , pour assurer l'exécution d'une convention ,
s' engage à quelque chose en cas d’inexécution .
أما المادة 1126 من هذا القانون ، فقد وردت بتعريف آخر للشرط الجزائي لبيان آثاره على المدين و اعتبرته بأنه "التعويض عن الأضرار والفوائد التي تحملها الدائن لعدم تنفيذ الالتزام الأصلي في العقد " :
La compensation des dommages et intérêts que le créancier souffre de l'inexécution de l'obligation principale .
ولقد حدد العرف التجاري الدولي مفهوما للشرط الجزائي لا يختلف في مضمونه وآثاره مع ما ورد في مبدأ القانون الفرنسي . واعتبره ذلك الاتفاق " الذي يشترط دفع مبلغ من المال عند عدم تنفيذ الالتزام العقدي " :
Celle qui stupile le paiement d'une somme d'argent en cas d'inexécution d'une obligation
( 1 ) . contractuelle
لاشك بأن هناك دوافع متعددة للنص على الشرط الجزائي في الاتفاقات العقدية المحلية أو الدولية و منها :
محاولة طرفي العقد ترتيب حدود آثار عدم تنفيذ الالتزامات العقدية . فقد يهدف تطبيق الشرط الجزائي إلى تخفيف مسئولية المدين العقدية من خلال التسوية الاتفاقية المسبقة بين الطرفين حول مقدار التعويض والفوائد لتغطية الأضرار
( 1 ) FONTAINE M : Les clauses pénales dans les contras internationaux , DPCI 1982 ,
T., n° 3 p. 405.
64
والخسائر التي يتعرض لها الدائن . وقد يكون الشرط الجزائي نوعا من العقوبة المالية التي تهدد المدين وذلك في تشديد مسئوليته العقدية لكي تدفعه في الحرص على احترام تنفيذ التزاماته . وإننا نرى أيضا بأن القصد من هذا الشرط هو محاولة طرفي العقد حجب سلطة القضاء المختص في تقدير مبلغ التعويض والفوائد عن الأضرار الناتجة لإخلال المدين بالتزاماته .كما إن الاتفاق العقدي للطرفين في دفع مبلغ يتم تحديده مسبقا عند إبرام العقد ، سيحل محل ما يقرره مبدأ القانون للدائن من حق في التعويضات والفوائد عند عدم الوفاء بالالتزامات من أي طرف في العقد .
وإذا كانت خاصية الشرط الجزائي هي مجرد التعويض عن الأضرار الناتجة عن عدم التنفيذ ، فإن انقضاء العقد بسبب القوة القاهرة يلغي تماما أثر الشرط الجزائي استنادا إلى مبدأ الإعفاء من المسئولية التي تطرقنا إليها سابقا . فيصبح الشرط لا قيمة قانونية له ويتوقف في أن ينتج أي أثر على المدين لاستحالة التنفيذ بسبب القوة القاهرة .ولقد عمل العرف التجاري الدولي بهذه القاعدة كما هو واضح في نص الاتفاق الذي ورد سابقا ( 1 ) .
ثانيا : شرط ضمان استرجاع ما تم قبضه من ثمن :
في أغلب العقود الدولية يشترط على المشتري تقديم جزء من ثمن العقد وذلك في فترة قد تطول أو تقصر تسبق التنفيذ الفعلي لالتزامات البائع . وهذا الشرط يستند في الواقع على مفهوم طبيعة العربون في العقود الدولية وحتى المحلية لغرض أن يسهل ويساعد البائع في تنفيذ التزاماته حيث يعطي الإمكانيات المالية الضرورية لنشاطه وتلزمه من جانب آخر احترام تنفيذ العقد في المدة المتفق عليها. وقد يهدف هذا الشرط إلى تقليل أثر المخاطر التي لربما يتعرض إليها نشاط مشروع البائع إلى التوقف أو الإفلاس .
وهذا الشرط الاحترازي هو نوع من الضمان المالي للمشتري بأن يسترجع ما تم دفعه من الثمن عند عجز البائع عن الوفاء بالتزاماته بتنفيذ العقد الدولي وعدم قدرته إعادة مبلغ العربون من خلال الضمان الذي يوثقه البنك الضامن .
ولقد قدمت لنا الغرفة التجارية الدولية في باريس تعريفا خاصا لهذا الشرط يبين مضمونه وآلية تنفيذه مفاده بأن ضمان التسديد يرتب التزاما يقدمه الضامن ، المصرف أو أي مشروع مالي أو شركة تأمين ، يلتزم بموجبه عوضا عن الآمر بالضمان وهو البائع الذي لا يقوم برد ما قبضه من مبلغ العقد إلى المستفيد وهو المشتري . ويتعين على الضامن السداد في حدود الثمن المشار إليه في الشرط .
La garantie de remboursement désigne un engagement pris par une banque , un companie d'assurance ou une autre partie, par lequel le garant s'oblige au cas où le donneur d'ordre omettrait de rembourser , conformément aux conditions du contrat conclu entre le donneur d'ordre et le bénéficiaire , toute somme ou sommes avancées ou payées par le bénéficiaire au donneur d'ordre et non remboursées par ailleurs , à effectuer un versement dans les limites d'un montant indiqué . ( 2 )
( 1 ) انظر نص الشرط في هذا البحث ، فقرة 1 ، ص 62.
( 2 ) انظر القواعد الموحدة للضمانات العقدية للغرفة التجارية الدولية في باريس :
Les Règles uniformes de la C.C.I. de Paris pour les garantes contractuelles .
65
والواضح في هذا الشرط هو أن يدخل الضامن كشخص ثالث لسداد ما قبضه البائع من الثمن عند عدم تنفيذ التزاماته العقدية ولأي سبب حتى في حالة القوة القاهرة . أما التزام الضامن فإن مصدره العلاقة التعاقدية بينه وبين البائع وهو الآمر بالضمان الساحب donneur d'ordre . إن وجود طرف ثالث في العقد الدولي باعتباره مقتدرا ماليا وأجنبي عن عقد البيع ، فيه تأكيد لحماية حقوق المشتري في استرجاع العربون الذي تم دفعه للبائع بأضمن الوسائل . إن هذا النوع من الضمان يخلق حقا مؤكدا لمصلحة المستفيد منه وهو المشتري لأن التزام الضامن ذات قوة تنفيذ أكيدة ومستقلة عن رغبة البائع بمجرد الموافقة على إصدار خطاب الضمان La lettre de garantie ( 1 ) . ولا يتمكن الضامن بعد ذلك الانسحاب منه طالما تمت الموافقة بشأنه بطلب من البائع وهو الآمر بهذا الضمان لمنفعة المشتري .
و إذا تضمن عقد البيع على مثل هذا الشرط ، فإن قيمته التعاقدية تبقى قائمة ويستمر في أن ينتج أثره قبل الضامن حتى عندما ينفسخ عقد البيع بسبب القوة القاهرة لازال الغرض الرئيسي لقيام هذا الضمان باقيا وهو عدم قيام البائع سداد ما قبض من ثمن لعدم تنفيذه العقد . فيبقى الشرط صحيحا وقائما قبل الضامن ، إلا إذا ثبت قيام البائع برد ما قبض من الثمن للمشتري ، فينتهي العمل بهذا الشرط . ونجد لهذه القاعدة تطبيقات كثيرة عند القضاء الفرنسي( 2 ) .
ثالثا : شرط ضمان حسن التنفيذ La garantie de bonne exécution
يلجأ دائما طرفي العقد إلى هذا الشرط في معاملاتهم الدولية سواء كان العقد بيعا أو من عقود تنفيذ المشاريع الصناعية أو التجارية أو الخدمات. ويهدف في مضمونه إلى تغطية المخاطر المحتملة الناتجة عن عدم التنفيذ كليا أو إن هذا التنفيذ ناقصا وغير صحيحا أو مخالفا لبنود العقد . ويتم إدراج هذا الشرط في العقود الدولية لغرض تحديد ومعرفة مقدار التعويض الذي سيحصل عليه الدائن عند مخالفة تنفيذ العقد من قبل الطرف الآخر . كما إنه يؤدي بالنتيجة إلى التخلص من سلطة القضاء التقديرية للحكم بمقدار التعويض اللازم. وهذا الشرط يستبدل في الحقيقة الحق الذي يقرره مبدأ القانون لدفع التعويضات والفائدة عن الخسائر والأضرار التي يسببها عدم تنفيذ العقد.وفي عقد البيع ، نعتبر مثل هذا الشرط أيضا وسيلة ضغط مصدره اتفاق الطرفين الذي سيحدد صيغته وشروط تطبيقه التي تهدد المدين وتدفعه إلى احترام تنفيذ شروط العقد كما يلزم .
ولأهمية وجود شرط ضمان جودة تنفيذ العقد وتكرار العمل به في العرف التجاري الدولي ، اهتمت الغرفة التجارية الدولية في باريس C C I في أن تقدم تعريفا له بمعنى " إنه الالتزام الذي يتعهد به المصرف باعتباره الضامن ، عند عدم تنفيذ الساحب Le donneur d'ordre وهو البائع ، لما فرض عليه العقد بينه وبين المستفيد وهو المشتري ، في حدود مبلغ معين أو كما نص عليه الضمان الذي قبله الضامن لتأمين تنفيذ العقد " :
( 1 ) Cour de Bruxelles 15 oct. 1987 :Rev. Banque 1988 , n° 2 p.29 obs. Devos .
( 2 ) Cass. Com. 19 nov. 1985 , JCP 1986, IV, 47 ; Cass. Com. 17 oct. 1984 : Dalloz 1985 , 269, note Vasseur ; JCP 1985, II , 20436, note Stoufflet .
66
Un engagement pris par une banque par lequel le garant s'oblige - au cas où le donneur d'ordre n'exécuterait pas dûment un contrat passé entre le donneur d'ordre et le bénéficiaire dans les limites d’un montant indiqué ou si la garantie le prévoit , au choix du garant à assurer l'exécution du contrat . ( 1 )
ومن خصائص هذا النوع من الضمان أولا خلق علاقة قانونية جديدة بين المصرف باعتباره الضامن وبين المشتري المستفيد من الضمان . وهذه الرابطة القانونية مستقلة وتتمتع بانفصال التزامات الضامن عن المخاطر التي قد تصيب نشأة أو تنفيذ العقد الأصلي بين البائع و المشتري ( 2 ) .و ما يؤخذ على هذا النوع من الضمان التعاقدي بأنه محدد ومقيد بمقدار ما تم الاتفاق عليه في شرط الضمان من تعويض . فهو لا يتجاوز هذا المبلغ حتى وإن كانت الخسائر والأضرار التي تعرض لها الدائن عند الإخلال في تنفيذ التزامات الطرف الآخر تفوق كثيرا ما نص عليه الشرط . وهذا الأثر المقيد للضمان يستند على عدم اعتباره ضمانا عاما وإنما مجرد ضمان تنفيذ محدد يستهدف فقط حسن تنفيذ العقد . إن تطبيق هذا الضمان يستند على مسئولية المدين العقدية في عقد البيع وما ينتج عن هذه المسئولية من آثار في تحمله إصلاح الضرر عند عدم التنفيذ . إلا إن هذا المبدأ يتوقف أثره طبقا لقاعدة الإعفاء من المسئولية التي تطرقنا إليها سابقا عندما يصبح تنفيذ العقد مستحيلا بسبب الحادث الجبري أو القوة القاهرة . وينتج عن ذلك إمكانية إبراء المدين من مسئولية عدم تنفيذ العقد . ويتبع ذلك أيضا إعفاء الضامن لانتهاء السبب وعدم دفع مبلغ الضمان لاستحالة تنفيذ العقد الأصلي من قبل المدين أي الساحب لأمر الضمان .
وإذا كان ثابتا بأن عقد الضمان هو نظام قانوني مستقل عن العقد الأصلي أي عقد البيع ، إلا انه يستند في سبب نشوئه واستمراره على هذا العقد . ومن ناحية أخرى ، فان حالة القوة القاهرة تجعل سبب نشوء العقد الأصلي غير صحيحا لانعدام وجود محل العقد وبالتالي استحالة تنفيذه . وانعدام وجود السبب في العقد الأصلي تنسحب آثاره على التزامات الضامن وانقضاء عقد الضمان حيث يفقد قيمته القانونية ولا حاجة عملية لاستمراره . ولقد تأكد هذا الحل عند القضاء الفرنسي عندما اعتبر بان حالة القوة القاهرة التي منعت تنفيذ العقد الأصلي ينبغي أن تنسحب على عقد الضمان . وقد يستند موقف القضاء هذا على ما ورد في مبدأ القانون الذي يحكم عقد الكفالة ، بأن شرط الكفالة لا يلغي ما جاء به نص المادة 2036 من القانون الفرنسي . وكما يرى القضاء بان الكافل يمكن أن يحتج على الدائن بجميع الاستثناءات التي يتمتع بها المدين الأصلي تلك التي تتصل بوجود الدين ( 3 ) .
رابعا : شرط تسوية المنازعات La clause compromissoire
يبين لنا العرف التجاري الدولي رغبة المتعاقدين دائما على الاتفاق في تحديد القانون و نوع القضاء المختص لتسوية خلافاتهم العقدية . وكثير من العقود الدولية تتضمن هذا الشرط وفيه يتفق الطرفين على إحالة صلاحية النظر في المنازعات العقدية المحتملة إلى قضاء معين . ويقصد طرفي العقد في ذلك امتلاك وسائل حماية كافية لضمان حقوقهم
( 1 ) انظر القواعد الموحدة للضمانات العقدية للغرفة التجارية الدولية سابقة الذكر .
( 2 ) Cour de Bruxelles 18 déc. 1981 : Rev. Banque 1982 , p.118 ; Grenoble 12 nov.1987, Dalloz 1988, Som.247 , obs. Vasseur .
( 3 ) Cour d'appel de Paris , 15 Juin 1973 : Rev de jurisprudence commerciale 1973 , p.273 .
67
عند احتمال تعرض التوازن العقدي للخطر . وهذا ما يفسر اللجوء إلى نظام التحكيم التجاري في أغلب العقود الدولية لما له من مزايا الاطمئنان والسرعة في تسوية المنازعات العقدية مقارنة بالقضاء التقليدي. وكما يجمع عليه الفقه على اعتباره نظام قضائي متخصص ومستقل للعلاقات الدولية . ( 1 ) .
إن أهمية شرط تسوية منازعات الطرفين تكمن في ضرورة نفاذه حتى بعد فسخ العقد لأي سبب كان ومنها حالة القوة القاهرة وذلك للحكم في إعادة وضع الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد . ومما يساعد على ذلك هو إن على طرفي العقد تحديد الاختصاص القانوني والقضائي الذي يرونه مناسبا للحكم في المنازعات التي قد تنشأ عن العقد حتى في تطبيق آثاره بعد فسخه . ومن نماذج الشروط المعمول بها في العرف التجاري الدولي هو هذا النص الذي قدمته غرفة التجارة الدولية في باريس وهو بأن : " جميع الخلافات التي قد تنشأ عن العقد يتم حسمها نهائيا وفقا لنظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية بواسطة حاكم أو عدة حكام يتم تعيينهم طبقا لذلك النظام " .
ولقد اعتبر القضاء الفرنسي شرط تسوية المنازعات شرطا صحيحا في العقد واعتبره نافذا حتى بعد فسخ العقد. وتأكد هذا المبدأ في إحدى القضايا بين شركة فرنسية وأخرى سويدية ، فيها تم طلب فسخ العقد لأنه ظهر ،بعد تكوين هذا العقد، إجراء تنظيمي قد يكون مانعا لتنفيذه . اعتبرت محكمة النقض الفرنسية بأن " فسخ هذا العقد ليس في طبيعته أن يكون عائقا لتطبيق شرط التسوية الرضائية الذي ورد فيه " ( 2 ) . ولقد كرر القضاء العمل بهذه القاعدة حيث حكم في إحدى القضايا بأن " فسخ العقد لعدم تنفيذ التزامات المشتري ليس من طبيعته أن يعرقل تطبيق شرط الاختصاص القضائي الذي اختاره الطرفين للنظر في المشاكل الناجمة عن عدم تنفيذ هذا العقد "( 3 ) .
أما اتفاقية فينا لعام 1980، فإنها قدمت حلا موضوعيا حاول فيه المشرع الدولي أن يبعد التحايل على مصير بعض الشروط العقدية التي يتضمنها البيع الدولي .حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 81 على ما يلي : " بفسخ العقد يصبح الطرفان في حل من الالتزامات التي يرتبها عليهما العقد ، مع عدم الإخلال بأي تعويض مستحق ، ولا يؤثر الفسخ على أي من شروط العقد المتعلقة بتسوية المنازعات أو أي من أحكامه الأخرى التي تنظم حقوق الطرفين والتزاماتهما المترتبة على فسخ العقد " . أما هذا النص ، فهو يوضح من ناحية العمل بمبدأ الأثر الرجعي لفسخ العقد الذي يقصد منه إعادة الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد كما ذكرنا ذلك سابقا ، ومن جانب آخر يؤكد على أن لا تؤثر انتهاء الرابطة العقدية بين الطرفين إلى التحلل من تطبيق شرط تسوية المنازعات لأن فيه ضمان
( 1 ) DAVID R. : L’arbitrage dans le commerce international , Ed. Economica , Paris 1982 .
انظر بحثنا بالفرنسية المنشور في مجلة الحقوق، الكويت ، العدد لسنة 2001، La clause de l'arbitrage dans le contrats internationaux . ( 2 ) Cass.. com. 12 nov. 1968 : Bull. Civ. 1968, IV, n° 316.
( 3 ) Cass. Civ. II, janv. 1978 : Bull. Civ. 1978, II, n° 13 .
68
لتنظيم حقوق المتعاقدين بسبب فسخ العقد . ويتبين من كل ما تقدم بأن هذا الشرط هو إجراء احترازي لا يمكن الاستغناء عنه في العقود الدولية لضمان حقوق المتعاقدين . أما ضرورته فهي ليست فقط عندما يكون التنفيذ ناقصا أو معيبا وإنما أيضا بعد فسخ العقد لأي سبب كان ومنها حالة القوة القاهرة . وتزداد أهميته مع تعقد المعاملات التجارية الدولية وتوفر سوء النية لدى كثير من الأطراف المتعاقدة ، وكذلك تدخل السلطات العامة أحيانا في عرقلة تنفيذ العقد الدولي وبالتالي لا بد من تضمينه مثل هذا الشرط .
69
الخاتمة :
إن كل ما تقدم يثبت محاولة أطراف العقد الدولي تعديل قيود أحكام القوانين الداخلية باعتبارها جامدة وتتعارض مع ظروفهم العقدية . وفي هذا الجانب الفني في صياغة العقود ، تم التوصل إلى خلق نظام إعفاء من المسئولية ملائم و قادر على ضمان حقوقهم وحاجاتهم في علاقاتهم التجارية الدولية . ومما تقدم في هذا البحث ، تبين لنا الآن نشوء نظام قانوني متكامل لشرط القوة القاهرة ينبغي أن يكون مدرجا في بنود العقد الدولي . وهذه الأهمية ممكن اعتبارها شاهدا على مدى تطور مفهوم نظام العقد المستقل lex mercatoria . وإذا كان مصدر هذا النظام قد بدأ يفرض ضرورته على القضاء بسبب عدم توفر قواعد موحدة تحكم نظام العقد الدولي ، فقد أعانت بعض التشريعات المحلية وكذلك التشريع الدولي ، من خلال اتفاقية فينا لعام 1980 ، على ضرورة إيجاد الأحكام الملائمة لوضع المعاملات التجارية في السوق الدولية من خلال ما يرتضيه المتعاقدون من شروط أدت في جعل الأطراف المتعاقدة اكثر اطمئنانا على مصير العقد لضمان حقوقهم عند النزاع .
لقد برهن العرف التجاري الدولي وحتى القضاء الفرنسي على أهمية الابتعاد عن قيود النظرية التقليدية لمفهوم القوة القاهرة دون إغفال خصائصها بالكامل . إلا إن صياغة الشروط التي جاء بها العرف كانت غنية وتتمتع بعناصر جديدة ومتطورة تغطي حاجات و اهتمامات المتعاقدين . كما إنها تصلح، عند صياغة العقود الدولية ، في الرجوع إليها والاسترشاد بمضامينها حالة بحالة .وإن في خصائصها الجوهرية مفهوما موضوعيا ينسجم كليا مع مبدأ القوة الملزمة للعلاقات التجارية الدولية . ولكن من الخطأ أن نثبت نموذجا موحدا لشرط القوة القاهرة أو نجعله صالحا في مضمونه لكافة الاتفاقات العقدية في هذا المجال حيث لكل تاجر أو دولة أو منطقة في سوق التبادل التجاري ظروف ومفاجئات خاصة في خلق حالة القوة القاهرة. كما إن مستقبل العقود الدولية في ظل العولمة الاقتصادية ونشوء المناطق التجارية الحرة بين عدة مجموعات من الدول ، قد يكون له الأثر في التشديد من ناحية أو لربما التخفيف من احتمال نشأة المعوقات والحالات التي تمنع تنفيذ العقد .
و أخيرا فإن واقع العلاقات العقدية بين أطراف قد يختل التوازن الاقتصادي والقانوني بينها سيدفعنا إلى الحذر الشديد في كيفية صياغة بنود العقد بشكل عام ومنها بشكل خاص شرط القوة القاهرة . لقد رأينا كيف إن هذا الشرط ينبغي أن يتضمن كثير من العناصر التي تقرر صلاحيته من أجل ضمان التوازن العقدي بين المتعاقدين وأهمها أن يكون قابلا للتنفيذ وألا يكون مخالفا للنظام العام وحسن الآداب .وفي جميع الافتراضات هناك ضرورة أن يكون الشرط محددا وصريحا وخاصة في تعريف مضمون استحالة التنفيذ باعتباره العنصر الجوهري لتقييم حالة القوة القاهرة ، ولأنه العنصر الأكثر قبولا لدى التشريعات المحلية لإعفاء المدين من مسئولية عدم التنفيذ . ومن جانب آخر ، يجب ألا يغفل نص الشرط الالتزامات المتقابلة والتأكد من إمكانية تنفيذها لكي نجعل تطبيقه ملزما للطرفين . وقد رأينا أهمية إتباع بعض الضوابط لضمان التمتع بآثاره المعفية من المسئولية عند عدم التنفيذ . وفي جميع ما تقدم يبقى شرط القوة القاهرة وسيلة حماية قانونية لا يمكن إغفالها عند صياغة العقد الدولي خاصة في العقود طويلة الأمد .
70
المراجع الاجنبية:
Alter M. :L’obligation de délivrance dans la vente de meubles corporels , thèse , Paris 1968 , n° 179
Batiffol H. " Contrats et conventions " , Encyclop. Dalloz - droit international " , n° 9 , P. 564 .
. Batiffol H. et Lagarde P : Traité de droit hnternational privé , L. G. D. J. , T.II , n° 4
839 . 3B and 1863 Caldwel Blackbrun J. in Taylor c/
CADIET et LE TOURNEAU, Droit de la responsabilité , Dalloz Action, 1998 , n° 915 .
.CARREAU D : Le nouvel ordre économique international , Clunet 1977 , p. 595 à 629
. CHABAS F. “ Force majeur " , Encyclopédie Droit Civil , IV , n° 1
CHABAS F. " Les clauses de hardship " ,Thèse Monpillier 1981
CONTIN R : L'arrêt Fruehauf et l'évolution du droit des sociétés , JCP 1968 , chr.45
de demain “ Ed. Dalloz 1984, p.195 DAVID R. “ Le droit comparé , droits d' hier , droits
DAVID R. : L’arbitrage dans le commerce international , Ed. Economica , Paris 1982
DUBISSON M. : La négociation des marchés internationaux , Moniteur 1982 , p.218
. EISEMANN F : Usage de la vente commerciale internationale , Coll. Exporter, Ed. Jupiter 1980
Engel M. : Traité des obligations en droit Suisse , p. 528 - 534
FONTAINE M. : La clause de hardship , D. P. C. I 1976 , T 2 , n° 1 , pp. 7 - 49 .
FONTAINE M : Les clauses pénales dans les contras internationaux , DPCI 1982,DPCI 1982, T , n° 3 , p.405.
FONTAINE M. : Les clauses de force majeure dans les contrays internationaux , DPCI 1979, T.5 . n°4, p. 469 .
KAHN Ph.. : Force majeure et contrats internationaux de longe durée , Clunet 1975 , p.477.
KAHN Ph.: La vente commerciale internationale, thèse Dijon 1961
. LE TOURNEAU Ph. " La responsabilité civile " Dalloz 3è Ed. 1982 , n° 704
Loussouarn Y. et Bredin J. D. " Droit du commerce international " Sirey 1969 , n° 511 et 556
MAZEAUD H .L.et J. “ Leçons de droit civil " , Tome II , n° 721 , p. 655 .
OPPETIT B. L' adaptation des contrats internationaux aux changements de circonstances , la
clause de hardship " , Clunet 1974 , p. 797
.PISAR : Transactions entre l'est et l'ouest , Dunod , Paris 1972
SALEM M. : Vers un nouvel ordre économique international , Clunet 1975 , p. 753 à 799
SARIS M. N.: Les clauses particulières du contrats internationaux, thèse Montpillier 1981 .
71
SCHMITTHOFF M Clive , L'exportation , ses problèmes - leurs solutions , p. 168 , éd. Jupiter,Paris 1975 .
THIEFFRY J. et GRANIER Ch. “ La vente internationale “ , Ed. C.F.C.E. , Paris 1985 , p. 27
TUNC A. Colloque d' HELSINKI 1960 : Problèmes de l'inexécution et la force majeure dans les
contrats de vente internationale , Discussions , p. 255 .
المراجع العربية :
د. عبد المجيد الحكيم " الوسيط في نظرية العقد " الجزء الأول في انعقاد العقد ، شركة الطبع والنشر الأهلية - بغداد 1967.
اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع ، فينا 11 نيسان 1980، النص العربي .
القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 ، دار الطبع الحديثة 1990 .
القانون المدني الأردني لسنة 1992 ، المكتب الفني - نقابة المحامين / عمان
القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 ، مكتبة المثنى - بغداد .
القانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 ، الفتوى والتشريع ، الطبعة الخامسة 1998 .
المحتويات
مقدمة عامة
المبحث الأول : مصادر النظام القانوني للقوة القاهرة
الفرع الأول : النظام القانوني التقليدي للقوة القاهرة :
النظرية الأولى : نظرية الاستحالة المطلقة
النظرية الثانية : نظرية القضاء الفرنسي
أولا : القوانين التي تعتمد معيار استحالة التنفيذ
القانون الاردني
القانون السويسري
القانون الالماني
القانون الانكليزي
ثانيا : موقف القانون الفرنسي
أ- النظرية التقليدية للقوة القاهرة لدى القضاء الفرنسي
ب - خواص النظرية التقليدية للقوة القاهرة
أولا : المعيار الاقتصادي Le critère économique :
ثانيا : المعيار القانوني Le critère juridique
الفرع الثاني : النظام القانوني الحديث للقوة القاهرة
أولا : اتفاقية فينا لعام 1980
ثانيا : العرف التجاري الدولي
أ - أسباب استحالة التنفيذ في العرف التجاري الدولي
1- الاستحالة المادية للتنفيذ : L’impossibilité materielle
2-الاستحالة الاقتصادية للتنفيذ L’impossibilité économique
3- الاستحالة القانونية للتنفيذ : L’impossibilité juridique
ب –يجب أن لاترجع استحالة التنفيذ لفعل المدين
ثالثا : تنوع صياغة شرط القوة القاهرة
1- الشرط ذات التعريف العام للقوة القاهرة
2- شرط يعدد حالات القوة القاهرة Par Enumération
أ - التعداد المحدد بالذات للقوة القاهرة
ب- عدم الدقة في تعداد حالات القوة القاهرة
3 - التعريف مع التعداد لحالات القوة القاهرة
المبحث الثاني : تطبيق شرط القوة القاهرة
الفرع الأول : الالتزام بأعلام الطرف الآخر عن حالة القوة القاهرة
الفرع الثاني : الالتزام بإثبات حالة القوة القاهرة
الفرع الثالث : الالتزام بإيقاف حالة القوة القاهرة
1 - مضمون هذا الالتزام
2- التعاون بين طرفي العقد
المبحث الثالث : آثار القوة القاهرة Les effets de Force majeure
الفرع الأول : آثار القوة القاهرة على مصير العقد
أولا : تعليق تنفيذ العقد La suspension du contrat
1- الباعث لتعليق تنفيذ العقد
2- أن تكون فترة التعليق ثابتة أو محددة نسبيا
ثانيا : فسخ العقد La resolution du contrat
1- السند القانوني لفسخ العقد
2- طرق فسخ العقد :
أ - الفسخ باتفاق طرفي العقد
ب-فسخ العقد تبعا لأحكام القانون
ج- فسخ العقد من تلقاء نفسه
الفرع الثاني : آثار انقضاء العقد بسبب القوة القاهرة
أولا : آثار انفساخ العقد على المعقود عليه
ثانيا : آثار انفساخ العقد وتبعة هلاك المبييع
ثالثا : آثار انفساخ العقد على مسئولية المدين بالتنفيذ
رابعا : الأثر الرجعي لانفساخ العقد
الفرع الثالث: آثار انفساخ العقد على مصيرالبنود الأخرى
أولا :الشرط الجزائي La clause pénale
ثانيا : شرط ضمان استرجاع ما تم قبضه من ثمن
ثالثا : شرط ضمان حسن التنفيذ La garantie de bonne exécution
رابعا : شرط تسوية المنازعات La clause compromissoire
الخاتمة
المراجع الاجنبية
المراجع العربية
المحتويات