دراسة قانونية حول لجنة التحقيق الدولية والمحكمة ذات الطابع الدولي
بتاريخ /19/ آذار عام 2006 صدر عن مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1664/2006 بإنشاء محكمة ذات طابع دولي استجابة لطلب الحكومة اللبنانية لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق المرحوم رفيق الحريري وآخرين، وصاغت الأمم المتحدة وحكومة لبنان الحالية مشروع اتفاق بشأن هذه المحكمة تسعى الحكومة اللبنانية لإقراره من الجهات المعنية بهذا الاتفاق.
إن أنشاء هذه المحكمة ومحاولة الاتفاق حولها بين الأمم المتحدة ولبنان لم يكن ليعنينا في شيء لولا أنه بات واضحاً انه أصبح مسخراً لخدمة مصالح السياستين الأميركية والفرنسية في لبنان وما يمكن أن تجنيه من ثمار في المنطقتين العربية والشرق أوسطية، ولا سيما بالنسبة لسوريا.
حتى أنه يستنبط من خلال متابعة حدث الاغتيال وما رافقه فوراً من اتهامات معدة مسبقاً وما تبعه من أحداث واغتيالات ومن إنشاء لجنة تحقيق دولية وطريقة التحقيق وتوجيه الاتهامات إلى سوريا قبل انتهاء التحقيق أن قرار الاتهام وإنشاء المحكمة وإصدار الحكم قرارات جاهزة قبل وقوع عملية الاغتيال، وهذا ما يخيف في الأمر وليس ظهور حقيقة من خطط ومن أمر ومن نفذ عملية الاغتيال، هذه الحقيقة التي نطالب جميعنا باكتشافها وإظهارها لما يعنيه لنا في سوريا شخص المرحوم رفيق الحريري من جهة ولما يعنيه لنا اكتشاف حقيقة أي جريمة عادية أو سياسية أو إرهابية وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم، ولما يعنيه لنا استقرار لبنان وهو ما قدمت سوريا من اجله تضحيات جسام، ولكن مسارعة العديد من السياسيين اللبنانيين ودولتين كبيرتين مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا إلى اتهام علني ومسبق لمسؤولين سوريين كبار بعملية الاغتيال في لحظة حصوله وقبل بدء أي تحقيق ألقى ظلال الشك والريبة على الهدف من التحقيق والمحكمة وما يمكن أن يصدر عنها لا بد ما هو مقرر أن يصدر عنها وهذا ما يخيف كل رجل قانون كان يأمل من دولتين كبيرتين الرصانة في مناقشة ومعالجة هذا الأمر خاصة أنهما دولتا القانون وحقوق الإنسان لا سيما فرنسا التي وضعت القوانين الحديثة بعد الثورة الفرنسية وصدرتها إلى أرجاء العالم.
أن ما يعنينا في هذه الدراسة وفي ضوء توجيه الاتهام المسبق لمسؤولين سوريين هو مدى قانونية هذه المحكمة ومدى الزاميتها لسوريا في ضوء ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقية القضائية السورية اللبنانية.
استند مجلس الأمن في قراره رقم 1664/2006 في إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي على أحكام الفصل السادس من بيان الأمم المتحدة والذي تنص المادة /33/ منه على ما يلي:
1- يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.
2- يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها. من قراءة هذا النص نجد انه اشترط للجوء إلى التسوية القض ائية أي اللجوء إلى القضاء:
1- أن يكون هناك نزاع بين طرفين.
2- أن يعرض هذا النزاع السلم والأمن الدولي للخطر.
3- ا ن يلتمس الطرفان معا حله قضائيا.
ومجلس الأمن يدعو أطراف النزاع أن يسووا نزاعهم بالطرق المشار إليها في المادة المذكورة، وفيما يتعلق باغتيال المرحوم الحريري لا يوجد نزاع بين لبنان وسوريا فإذا كان هناك بعض الاتهامات غير المحقة التي وجهت مسبقا من بعض اللبنانيين إلى مسؤولين سوريين فلا تصل إلى درجة حصول نزاع بين البلدين يعرض السلم والأمن الدولي للخطر، ولم يلتمس البلدان معا حله قضائيا عن طريق مجلس الأمن وهو شرط لتدخل مجلس الأمن وفق احكام المادة المذكورة، وان اشتراط أن يطلب أطراف النزاع مجتمعين وليس واحداً منهم التسوية القضائية من مجلس الأمن واضح في نص المادة المذكورة وما يؤكد ذلك أن المادة 35 اللاحقة قد نصت بوضوح على حق ظرف واحد أو عضو واحد ان ينبه مجلس الأمن إلى أي نزاع يعرض السلم والأمن الدولي للخطر من النوع المنصوص عنه بالمادة 34 مما يجعل موضوع الاغتيال غير منطبق على أحكام هذه المادة وأما المادة 34من الفصل السادس فتنص على انه (لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي). فأين هو النزاع أو الموقف الذي من شأنه أن يعرض للخطر السلم والأمن الدولي وقد كانت القوات السورية موجودة في لبنان وهي التي كانت تحفظ السلم والأمن في لبنان؟
وأما المادة 35 منه فتنص على:
1- لكل عضو من الأمم المتحدة أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من النوع المشار إليه في المادة الرابعة والثلاثين.
2- لكل دولة ليست عضوا في الأمم المتحدة أن تنبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع تكون طرفا فيه إذا كانت تقبل مقدما في خصوص هذا النزاع التزامات للحل السلمي المنصوص عليها في هذا الميثاق.
3- تجري أحكام المادتين 11 و12 على الطريقة التي تعالج بها الجمعية العامة مسائل التي تنبه إليها وفقا لهذه المادة. ونلاحظ هنا أن الفقرة الأولى من هذه المادة قد عطفت في فقرتها الأولى إلى النزاع المنصوص عنه في المادة الرابعة والثلاثين التي تمت مناقشتها وأما الفقرة الثانية فتتعلق بدولة ليست عضوا في الأمم المتحدة وبالتالي لأي علاقة لهاتين الفقرتين ولا شأن لها بموضوع التحقيق الدولي وما يمكن أن ينجم عنه من إحداث محكمة ذات طابع دولي.
وبالعودة إلى المادتين 11 و12 من ميثاق الأمم المتحدة نرى أنهما تتعلقان بصلاحية الجمعية العامة للأمم المتحدة وليس مجلس الأمن وبالتالي لا شأن لهما بالمحكمة ذات الطابع الدولي كونها صدرت بقرار عن مجلس الأمن وليس الجمعية العامة. وبقراءة المادة 36 نجدها تنص على انه:
1- لمجلس الأمن في أية مرحلة من مراحل نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 أو موقف شبيه به أن يوصي بما يراه ملائما من الإجراءات وطرق التسوية.
2- على مجلس الأمن أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم.
3- على مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقا لهذه المادة أن يراعي أيضاً أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع - بصفة عامة - أن يعرضها على المحكمة العدل الدولية وفقا لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة.
فالفقرة الأولى من هذه المادة عطفت على النزاعات المنصوص عنها بالمادة 33 أو مواقف شبيهة بها وقد تمت مناقشة المادة المذكورة وتبين أنها لا تنطبق على موضوع اغتيال المرحوم الحريري فأحكام الفقرة الأولى من المادة 36 لا تنطبق في هذا الشأن طالما أنها معطوفة على المادة 33.
وأما الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 36 فلا شأن لهما بموضوع الاغتيال لأنهما مرتبطتان وتتعلقان بمراعاة مجلس الأمن لما اتخذه الأطراف المتنازعون من إجراءات ومثل هذه الإجراءات لم تتخذ بين سوريا ولبنان ولم يجر الاتفاق عليها بينهما، وأما التوصيات التي يقدمها رئيس مجلس الأمن بشأن المنازعات القانونية فمشروط بعرض النزاع على محكمة العدل الدولية وهذا لا شأن له بإنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي وبلجنة التحقيق الدولية.
والمادة 37 تنص على:
1 - إذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها أن تعرضه على مجلس الأمن.
2 - إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقا للمادة 36 أو يوصي بما يراه ملائما من شروط حل النزاع، ونلاحظ أن هذه المادة معطوفة بدورها على المادة 33 بشأن النزاع المشار إليه فيها وهو ما سبق مناقشته.
ومناقشة أحكام المادة /36/، وبما أن هاتين المادتين لا تنطبقان ولا تساعدان على تشكيل لجنة التحقيق والمحكمة ذات الطابع الدولي فالمادة /37/ لا تساعد بدورها على ذلك.
وأخيراً نص المادة /38/ على أنه: لمجلس الأمن - إذا طلب إليه جميع المتنازعين أن يقدم إليهم توصياته بقصد حل النزاع حلا سلميا وذلك بدون الإخلال بأحكام المواد من 33 إلى 37.
وبالتالي فإن أحكام هذه المادة لا شأن لها أيضا بموضوع اغتيال المرحوم الحريري طالما أنها تتعدل بتوصيات يقدمها مجلس الأمن لأطراف النزاع وبشرط أن يطلب إليه جميع أطراف النزاع ذلك. من خلال هذا العرض لنصوص المواد المذكورة والمنصوص عنها في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة نجد أنها لا تعطي الحق لمجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية ولا بإنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة من تتهمهم لجنة التحقيق بهذا الاغتيال إذا كانوا من غير اللبنانيين، إذ لا صلاحية لمجلس الأمن، وفق الشروط المنصوص عنها بأحكام هذه المواد بإنشاء مثل هذه المحكمة لمحاكمة غير اللبنانيين لعدم انطباق الشروط القانونية المشار إليها على عملية اغتيال المرحوم الحريري ولعدم أخذ موافقة الدولة الأخرى غير لبنان على إنشاء هذه المحكمة ولعدم قبول هذه الدولة (سورية) بالتخلي عن قانونها الوطني الذي هو عنوان ورمز السيادة وهذا ما تنبه إليه الأمين العام للأمم المتحدة كما هو واضح مما جاء في تقريره عن إنشاء محكمة خاصة بلبنان (وقد يتوقف نجاحها إلى حد كبير على تعاون دول ثالثة، ومع اتصاف المحكمة الخاصة بجميع هذه الصفات الدولية إلا أن موضوع اختصاصها أو القانون الواجب التطبيق يظلّ وطنيا في طابعه) وهذا ما يؤكد على عدم قانونية هذه المحكمة وعدم امتداد اختصاصها إلى دول أو رعايا دول أخرى غير لبنان، ونحن لا نقول هذا تهرباً من مواجهة المحكمة، وذلك لعدم وجود ما يدين سورية أو السوريين، وإنما نقول ما قلناه من أجل مواجهة الأهداف السياسية التي تكمن وراء ظاهر إنشاء هذه المحكمة ومن أجل تعرية هذه المحكمة ولجنة التحقيق الدولي من الناحية القانونية حتى بالنسبة إلى لبنان واللبنانيين لأنهما تعتبران تخليا من لبنان عن الصلاحية الوطنية المنصوص عنها في القانون اللبناني.
فإذا كان لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يعطي الحق لمجلس الأمن بإنشاء محكمة خاصة بلبنان في شأن اغتيال المرحوم الحريري سوى الاتفاق، الذي ليس له مبرر أو مستند قانوني، بين الأمم المتحدة ولبنان، وليس من صلاحية هذه المحكمة محاكمة غير اللبنانيين وفق أحكام هذا الميثاق، فالسؤال الذي يحتاج إلى جواب، هل أن اغتيال المرحوم الحريري وما سبقه من محاولة اغتيال الوزير حمادة وما تبعه من اغتيال أو محاولة اغتيال أشخاص آخرين في لبنان يندرج تحت عنوان الجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي الإنساني رغم أن إنشاء المحكمة لم يستند إلى هذا الأمر أصلا؟
الجواب على ذلك هو أن مثل هذه الاغتيالات تبقى محدودة ومحصورة بعدد من المسؤولين السياسيين أو الصحفيين، ورغم أثرها في الحياة السياسية اللبنانية تبقى وفق اتجاهاتها محصورة وهي لم تمتد لتشمل مجموعات كبيرة من الناس لذا لا يمكن أن يطلق عليها على أنها جرائم ضد الإنسانية، والتي يفهم من هذه التسمية أنها الجرائم التي تؤدي إلى قتل أو إبادة مجموعات كبيرة من الناس على اعتبار أن عبارة (جرائم ضد الإنسانية) تشمل في تفسيرها مجموعات إنسانية وليس أفراداW محدودين في العدد فكلمة (الإنسانية) هنا تفيد الجميع والأعداد الكبيرة وهي تختلف عن مفهوم الجريمة ضد الإنسان (أي الفرد الواحد أو الأفراد المحدودين)، وقد استبعد الأمين العام للأمم المتحدة بدوره في الفقرة /25/ من تقريره حول المحكمة أن تكون قد أنشئت استنادا إلى القانون الدولي الإنساني والجرائم ضد الإنسانية حيث جاء في هذه الفقرة (غير انه باعتبار الآراء التي أعرب عنها أعضاء مجلس الأمن المهتمون بالأمر لا توجد حجج كافية لإدراج الجرائم ضد الإنسانية ضمن موضوع اختصاص المحكمة ولهذا السبب اقتصر تعريف الجرائم على الجرائم العامة ضمن قانون العقوبات اللبناني) وحسنا فعل الأمين العام بالنسبة لهذا الأمر لأنه أصاب كبد المفهوم القانوني للجرائم ضد الإنسانية، كما أصابها عندما تحدث عن ضرورة تعاون الدول الثالثة حتى تنجح المحكمة ذات الطابع الدولي، ولان قانونية هذه المحكمة يتوقف على موافقة الدول الثالثة على إحداثها. وبذلك ومع استبعاد المحكمة من دائرة القانون الدولي الإنساني والجرائم ضد الإنسانية يطرح سؤال آخر، هل أن أحكام القانون الدولي العام تكسب المحكمة المشروعية القانونية لمحاكمة الأشخاص غير اللبنانيين وهل تجوز محاكمتهم وفق أحكام هذا القانون؟
من المعروف قانونا وفقها وعرفا أن القانون الدولي العام يتقدم في التطبيق على أحكام القانون الوطني للدول في حال توفر إحدى الحالات الآتية :
1- المعاهدات والاتفاقيات الدولية الملزمة للدول الموقعة عليها.
2- العرف.
3- المبادئ القانونية التي تقرها المحاكم الدولية.
وبالنسبة للمحكمة موضوع البحث فإن الحالتين الثانية (العرف) والثالثة (المبادئ القانونية) غير متوفرتين بدليل محاولة عقد اتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان حول هذه المحكمة ولو كانت إحدى الحالتين /2 و3/ المشار إليها موجودة لما كان هناك من حاجة إلى مثل هذا الاتفاق لإنشاء هذه المحكمة.
وإما بالنسبة للحالة الأولى (وجود المعاهدات والاتفاقيات الدولية) فإن ما يحكم هذا الأمر هو الاتفاقية القضائية السورية اللبنانية الموقعة بين البلدين في عام 1951 وهي الواجبة التطبيق بين الدولتين وهي التي تتقدم على القانون الوطني السوري وعلى القانون الوطني اللبناني في ما يتعلق بالأمور التي نصت عليها هذه الاتفاقية، ومن العودة إلى المادة الأولى من هذه الاتفاقية نجدها تنص على انه (يجري تسليم المجرمين بين سورية ولبنان وتنفيذ الأحكام الجزائية الصادرة عن قضاء إحدى الدولتين في الدولة الأخرى وفقا لإحكام هذا الفصل) مما يدل بوضوح أن الاتفاقية تتعلق بتسليم المطلوبين من مواطني إحدى الدولتين من قبل القضاء في الدولة الأخرى والمقصود هنا القضاء الوطني في كل من الدولتين وليس المحكمة الدولية أو ذات الطابع الدولي، والتي ستنشأ بموجب اتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان، لان هذا الاتفاق ليس ملزما لسورية كونها ليست طرفاً فيه وكون ميثاق الأمم المتحدة لا يلزم سورية كما سبق وذكرنا، إضافة إلى أن أنشاء هذه المحكمة إذا حصل سيكون بتاريخ لاحق لتاريخ الاتفاقية القضائية السورية اللبنانية، مما يفيد عدم شمول هذه المحكمة بأحكام هذه الاتفاقية لعدم النص عليها فيها وكون الاتفاقية محصورة بالقضائين الوطنيين في كلتا الدولتين، وان وجود قضاة لبنانيين بين أعضاء المحكمة ذات الطابع الدولي لا يجعلها وطنية لبنانياً، ولا يدرجها في مفهوم القضاء الوطني اللبناني بالنسبة لسورية وفق الاتفاقية القضائية بين الدولتين والتي حصرت فيه أي القضاء الوطني للدولتين حق استرداد وتسليم المطلوبين ولا يستطيع القضاء الوطني أن يطلب تسليم سوريين إليه من اجل تسليمهم إلى محكمة ذات طابع دولي لمحاكمتهم أمامها تحت أي ذريعة أو اتهام لان هذا يعتبر التفافاً على الأحكام القانونية المشار إليها، وخروجا عن أحكام الاتفاقية القضائية السورية اللبنانية التي أعطت كما ذكرنا الحق للقضاء الوطني في أي من الدولتين تسليم المطلوبين من الدولة الأخرى لمحاكمتهم أمام المحاكم الوطنية في أي منهما وليس أمام المحاكم ذات الطابع الدولي، وبذلك فان سورية ليست ملزمة ولا معنية بلجنة التحقيق الدولية والمحكمة ذات الطابع الدولي، وليست ملزمة بتسليم مواطنيها لمحاكمتهم أمام المحكمة المذكورة إذا طلب منها ذلك لا بل فان القانون الوطني السوري يوجب محاكمة السوريين امام القضاء السوري، فالمادة 20 من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 تاريخ 22/6/1949 نصت تحت عنوان الصلاحية الإقليمية: «يطبق القانون السوري على كل سوري، فاعلاً أو محرضاً أو متدخلا أقدم خارج الأرض السورية على ارتكاب جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون السوري، ويبقى الأمر كذلك ولو فقد المدعى عليه الجنسية السورية أو اكتسبها بعد ارتكاب الجناية أو الجنحة) مما يعني أن السوري الذي يرتكب جناية معاقبا عليها في قانون العقوبات السوري على الأرض اللبنانية يحاكم أمام المحاكم السورية ويعاقب وفق أحكام القانون السوري ما لم يكن مشمولا بأحكام الاتفاقية القضائية السورية اللبنانية المشار إليها فعندئذ يحق للقضاء الوطني اللبناني وحده طلب استرداده واستلامه من القضاء السوري لمحاكمته حصرا أمام القضاء الوطني اللبناني والقضاة اللبنانيين وليس أمام محكمة ذات طابع دولي متفق عليها بين الأمم المتحدة ولبنان لان مثل هذه المحكمة ليس لها أو للجنة التحقيق الدولية كما هو مبين أي صفة قانونية بمواجهة سوريا ومواطنيها.
وعلى الدول المعنية بموضوع قرار مجلس الأمن أن تعيد النظر بموقفها تجاهه وبسياساتها تجاه سورية حرصا على تطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة بشكل صحيح وشفاف.
رئيس محكمة النقض
في الجمهورية العربية السورية
القاضي نائل محفوض