المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
الفهرس
المقدمة
أولا : تشكيل المحكمة
ثانيا : اختصاص المحكمة
ثالثا : الإجراءات أمام المحكمة
رابعا : امتيازات وحصانات القضاة
خامسا : صدور الحكم والتنفيذ
سادسا : بعض القضايا التي عرضت على المحكمة
مقدمة
يعتبر مجتمع أوربا الغربية المجتمع الدولي النموذجي في تنظيم وتطبيق واحترام وحماية حقوق الإنسان ، ويرجع ذلك إلى الجدية والأمانة في جميع المراحل التاريخية التي مرت بها أوربا ، فقد اكتوت هذه الدول بنار الحرب ، وكان المدخل الطبيعي لحياة السلم والأمن بعد تلك الحروب ، هو إقامة الديمقراطية الحقيقية ، عن طريق وضع الأسس القوية لصيانة واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية "Les libertes Fondamentales" ، ومن أجل هذا أنشئت الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان (1950)""La Convention europeenne des droits de L homme ، التي تعد النموذج الأكثر تقدما على المستوى العالمي في مجال حماية حقوق الإنسان ، وعنوانا على التقدم في أساليب التقاضي الدولية ، وحسم المنازعات في ميدان حقوق الإنسان ، وتشكل المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان حجر الزاوية في صرح الاتفاقية ، باعتبارها الجهاز القضائي الذي أنشأته الاتفاقية للعمل على تعزيز واحترام حقوق الإنسان الأوربي ، ولأهمية المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان لكونها أحد أهم آليات الرقابة في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان فسوف نعرض لها في عدة نقاط على النحو التالي :-

أولا : تشكيل المحكمة

تتكون المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ، من عدد من القضاة يساوي عدد الدول الأعضاء في مجلس أوربا" Le conseil Europe "،
ولا يجوز أن يكون من بين قضاتها أكثر من قاض واحد يحمل جنسية إحدى هذه الدول ، ويتم اختيار القضاة من بين قائمة من الأشخاص تحددها حكومات الدول الأعضاء ، وذلك من خلال القائمة المقدمة من أعضاء مجلس أوربا ، حيث يقوم كل عضو بترشيح ثلاث أشخاص اثنان منهم يحملان جنسيته .وتتبع ذات الطريقة في تكملة عدد أعضاء المحكمة ، في حالة قبول أعضاء جدد في مجلس أوربا ، حيث يترتب على ذلك ارتفاع عدد أعضاء المحكمة ، للارتباط بين عدد أعضاء مجلس أوربا ، وعدد القضاة الذين تتكون منهم المحكمة ، وأيضا تتبع ذات الطريقة السابقة في ملء المقاعد التي تشغر .
ويتم انتخاب القضاة "juges" لمدة تسع سنوات ، ويجوز إعادة انتخابهم بعد انتهاء هذه المدة ، والقاضي الذي يتم انتخابه بدلا من قاض آخر لم تكتمل مدة ولايته يكمل هذه المدة .وتقوم المحكمة بانتخاب رئيسها ونائب الرئيس ، ويكون ذلك لمدة ثلاث سنوات ، ولكن يجوز إعادة انتخابهم من جديد .
ويوجد في المحكمة عدة دوائر ، كل منها تتكون من سبعة قضاة ، تنظر كل منها في عدد من القضايا ، ويدخل في تشكيل الدائرة القاضي الذي يحمل جنسية الدولة الطرف في النزاع ، فإذا لم يكن هناك قاض يحمل جنسية هذه الدولة ، تختار شخصا يجلس في الدائرة التي تنظر النزاع بصفته قاضيا ، أما باقي أسماء القضاة الذين تتكون منهم الدائرة ، فيتم تعيينهم بطريق القرعة التي يجريها رئيس المحكمة قبل البدء في نظر الدعوى . ويشترط في القضاة أن يتمتعوا بأعلى درجات السمعة الأدبية ، وأن تتوافر فيهم الشروط اللازمة لتولي الوظائف القضائية الكبرى .
وتقوم المحكمة أيضا باختيار مسجلها ، ويختلف وضعه هنا عن وضع سكرتير اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان الذي يعينه السكرتير العام لمجلس أوربا ، وإن كان على رئيس المحكمة أن يطلب رأي السكرتير العام قبل أن تنتخب المحكمة مسجلها .
وتنتخب المحكمة أيضا نائب المسجل ويعاون الاثنين فريق من الموظفين المعينين من قبل السكرتير العام لمجلس أوربا وبموافقة رئيس المحكمة أو المسجل .

ثانيا : اختصاص المحكمة

";Le Competence de l cour
يمتد اختصاص المحكمة لكل القضايا التي تتعلق بتفسير ;" L interpretation de la conventionوتطبيق الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان
 " La convention europeenne des droits de l home;والتي تحال إليها من قبل الدول الأعضاء المتعاقدة أو من قبل اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان .
ولا تعطي الاتفاقية للفرد الشاكي – الذي يقدم شكواه للجنة الأوربية – الحق في التقاضي أمام المحكمة ، وطبقا للمادة 48 من الاتفاقية فإن الأطراف التي لها حق تقديم القضايا إلى المحكمة هي :-
1- الدولة المتعاقدة التي وقع أحد رعاياها ضحية لمخالفة الاتفاقية .
2- اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان .
3- الدولة المتعاقدة التي أحالت القضية للجنة الأوربية لحقوق الإنسان .
4- الدولة الطرف في الاتفاقية والتي قدمت الشكوى في حقها .
ويجب لكي تقبل القضية أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ، أن تكون الدولة المعنية قد صرحت بقبول الاختصاص الإلزامي للمحكمة بنظر شكاوى الأفراد ، وقد يكون هذا التصريح مؤقتا أو خاصا إزاء قضية محددة وقد يكون عاما .
يجوز للمحكمة أن تعطي أراء استشارية ;Le Competence Consultative; بناء على طلب من لجنة الوزراء بمجلس أوربا ، وقد لاتتعلق هذه الآراء الاستشارية Avis Consultatifs بمضمون الاتفاقية أو نطاق الحقوق المقررة فيها ، ولا بأي مسألة أخرى قد تثور أثناء نظر الدعوى وتتناول أيضا المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان القضايا التي بحثتها اللجنة الأوربية ;"La commission europenne من قبل ولم تتوصل بشأنها إلى تسوية ودية ، وأحالتها إليها اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان أو دولة طرفا في الاتفاقية ، ولا يمكن للفرد الشاكي إحالة القضية للمحكمة مباشرة أو عرضها أمامها .
أما عن الاختصاص الزمني للمحكمة فقد حددته المادة 32/1 من الاتفاقية وكذلك المادة 47 التي تنص على أنه لا يجوز إحالة أي قضية للمحكمة إلا بعد انقضاء ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان تقريرها إلى لجنة الوزراء بمجلس أوربا .

ثالثا : الإجراءات أمام المحكمة

يمر عمل المحكمة بمرحلتين :
1- المرحلة الكتابية ، التي تقدم فيها مذكرات كتابية من جانب الأطراف المعنية .
2- المرحلة الشفهية ، وهي علنية ما لم تقرر المحكمة غير ذلك في بعض الأحوال الاستثنائية . وتنظر القضايا المعروضة على المحكمة في دوائر تشكل كل منها من سبعة قضاة; Sept Juges ;،ويجلس بالمحكمة – بحكم الوظيفة – رئيس المحكمة ونائبه ، وقاض من جنسية الدولة المعنية ، وفي أحوال معنية يمكن أن تتنازل الدائرة الصغيرة عن اختصاصها لصالح المحكمة بكامل هيئتها .
ويقوم إجراء المحكمة على نموذج التقصي والتحري ، وعليه فالقواعد تنص على أن هيئة المحكمة هي التي تقرر ما إذا كانت ستستمع للخبراء أو الشهود ، كما أن لها تنيب واحدا أو أكثر للقيام بمهمة التنقيب والتقصي والتحري والتحقق على الطبيعة للحصول على المعلومات الضرورية التي تفيد في القضية المعروضة عليها ، كما يمكنها اللجوء إلى الوسائل الأخرى العديدة للحصول على المعلومات ، إلا أن هذه القواعد نادرا ما تستخدمها المحكمة .
ويجلس القاضي الذي هو من جنسية دولة طرف معينة في دائرة المحكمة بحكم الوظيفة ، ويختار القضاة الآخرون بطريق القرعة ، ويثور تساؤل في هذا المقام عن سبب عدم استبعاد قاضي الدولة الطرف في النزاع ، والواقع أن وجود قاضي الدولة المعنية له مزايا أولها معرفة القاضي بالنظام القانوني الوطني في هذه الدولة وإلمامه بخلفية القضية .
واللغات الرسمية ;"Les Langues Officielles في العمل بالمحكمة هي الإنجليزية والفرنسية .

رابعا : امتيازات وحصانات القضاة

تنص المادة الثانية من البروتوكول الرابع الإضافي ، على أن القضاة يتمتعون أثناء مباشرتهم لوظائفهم ، وأيضا خلال الرحلات التي يقومون بسبب مباشرتهم لهذه الوظائف بالامتيازات والحصانات الآتية :-
1- إعفاؤهم ومرافقوهم من جميع الإجراءات الخاصة بحرية التنقل والخروج والدخول ، في الدول التي يقومون فيها ، وبحرية الدخول في الدول التي يباشرون فيها وظائفهم ، ويشمل الإعفاء أيضا الإجراءات الخاصة بتسجيل الأجانب في الدول التي يقومون بزيارتها أو يمرون بها أثناء مباشرتهم لوظائفهم .
2- الحصانة ضد القبض والاعتقال وحجز الأمتعة الشخصية ، وتتمتع جميع الأعمال التي يقومون بها بصفتهم الرسمية ، بما في ذلك الأقوال والكتابات بحصانة قضائية شاملة .
وتنص المادة الثالثة من ذات البروتوكول protocole على بعض الامتيازات خلال الانتقال لمباشرة وظائفهم فهم يمنحون الامتيازات الآتية :
أ‌- من جانب الحكومات الدول الأعضاء ، يتمتع قضاة المحكمة بذات الإعفاءات المعترف بها لرؤساء البعثات الدبلوماسية .
ب‌- من جانب حكوماتهم يتمتعون بذات التسهيلات المعترف بها لكبار موظفي الدولة عندما يكونوا في مهمة رسمية بالخارج .
وتنص المادة الرابعة : على أن وثائق وأوراق القضاة والمحكمة لا يجوز الاعتداء عليها ، ولا يجوز فرض أي رقابة على المراسلات الرسمية وغيرها من الوثائق المتعلقة بالمحكمة وأعضائها وقلم كتاب المحكمة .
وتنص المادة الخامسة أيضا : من أجل حرية التعبير الكامل والاستقلال الكامل في مباشرة القضاة لوظائفهم ، فإن الحصانة القضائية بالنسبة للأموال والكتابات التي يقومون بها خلال مباشرتهم لوظائفهم تبقى سارية ، حتى بعد انتهاء ولايتهم القضائية .
وتشير المادة السادسة إلى أن الامتيازات والحصانات التي يتمتع بها القضاة ، ليست مقررة لتحقيق مصلحة شخصية لهم ، بل الغرض منها ضمان استقلالهم الكامل في مباشرتهم لوظائفهم ، وأن المحكمة بكامل هيئتها وحدها لها السلطة في رفع الحصانة ، وهذا لا يعد حقا لها بل هو واجب عندما يجب رفع الحصانة عن القاضي ، وذلك إذا رأت المحكمة أن الحصانة تمنع من إقرار العدالة .
وتنص المادة السابعة على أن نصوص المواد من 2 إلى 5 من البروتوكول ، تسري على كبير كتاب المحكمة ومساعده وذلك دون المساس بالامتيازات والحصانات التي يمكن أن يتمتع بها طبقا للمادة 18 من الاتفاق العام الخاص بامتيازات وحصانات أعضاء مجلس أوربا .

خامسا : صدور الحكم والتنفيذ

وظيفة المحكمة الأساسية هي إصدار قرار أو حكم قضائي في القضايا المحالة بموجب الاتفاقية ، بالنسبة للدول التي قبلت اختصاص المحكمة ، فيمتد هذا الاختصاص إلى كل القضايا المتعلقة بتفسير وتطبيق الاتفاقية ، وهي القضايا المقدمة من الدول الطرف أو من اللجنة الأوربية ، وعادة ما تحال القضايا للمحكمة إما بواسطة اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان "des droits de L homme commission europenne La" أو الدولة الطرف المسئولة أمام اللجنة الأوربية ، وللدول حق إحالة القضايا إلى المحكمة في حالة وقوع اعتداء أو خرق أو اعتداء على حقوق وحريات أحد رعاياها ، كما لها أن تحيل القضية إلى المحكمة في حالة النزاعات ما بين الدول .
والحكم الذي يصدر عن المحكمة هو حكم نهائي "ARrete definitif " لا يقبل الاستئناف ، ويقوم رئيس المحكمة بتلاوته علنا .
وتصدر أحكام المحكمة بأغلبية الأصوات ، وهي ملزمة للدول ، ويتم عرض الحكم على لجنة الوزراء" Le Comite des minstres" بمجلس أوربا التي تشرف على تنفيذه" "Surveillance de lexecution .
وعندما تثبت المحكمة وقوع خرق الاتفاقية فإن سلطاتها تقتصر على تقرير التعويض للطرف المضار ، فتنص المادة 50 من الاتفاقية على الآتي :
إذا صدر قرارا من المحكمة حول اتخاذ سلطة قضائية أو سلطة أخرى من سلطات الدول المتعاقدة قرار أو إجراء يتعارض مع الالتزامات المبينة في هذه الاتفاقية تعارضا كليا أو جزئيا ، وكان القانون الداخلي للدولة المذكورة ، لا يسمح بإزالة نتائج ذلك القرار إلا بصورة ناقصة فللمحكمة أن تقرر منح التعويض العادل للطرف المضار إذا رأت محلا لذلك .

سادسا : بعض القضايا التي عرضت على المحكمة

1- قضية دي بيكر ، ويلاحظ أن هذه القضية عرضتها اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان على المحكمة بتاريخ 28 إبريل 1960 ، حيث قررت اللجنة إحالة القضية إلى المحكمة ، وقد استندت اللجنة في ذلك إلى :
أ- قبول اختصاص المحكمة من جانب بلجيكا .
ب‌- السلطات تملكها اللجنة ، طبقا للمادة 48/أ من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ، وقد قررت المحكمة شطب الدعوى وكان ذلك بأغلبية ستة أصوات ضد صوت واحد ، وهو صوت القاضي A.ROSS ، الذي الحق بحكم المحكمة شرحا لرأيه المخالف ، لما استقر عليه رأي أغلبية الدائرة التي نظرت القضية .
2- قضية اللغات في بلجيكا ، أقامها عدد من البلجيكيين الناطقين باللغة الفرنسية ضد حكومة بلجيكا ، وقد عرضت على المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان فيما بين عامي 1962 وعام 1968 ، وكان الأمر يتعلق بما تضمنه قانون التعليم البلجيكي من تمييز على حساب أولاد الأسر الناطقة باللغة الفرنسية ، وفي هذا الحكم حددت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ، المقصود بحق المساواة بين الناس بوصفه من أهم حقوق الإنسان ، وقررت " أن المساواة في المعاملة تنتهك إذا لم تجد التفرقة المبررات الموضوعية المنطقية وتنبغي أن تقام المبررات على ضوء الهدف المنشود من التدبير المعني وما يترتب عليه من الآثار ...بل تنتهك أيضا المادة 14 من الاتفاقية إذا ما ثبت أنه لا يوجد أي تناسب معقول بين الوسائل المستخدمة والهدف المنشود " .
وهكذا أرست المحكمة مبدأ أن التفرقة في المعاملة تجد ما يبررها إذا ما حدثت بهدف موضوعي نابع من الصالح العام شريطة أن يتناسب التدبير مع الهدف المنشود .
وجدير بالذكر أن التفرقة المذكورة أو ما يمكن تسميته بالتمييز المسموح به أو المشروع تجد ما يبررها ، ومجالها فقط في إطار الحقوق التي للإنسان بوصفه عضوا في المجتمع ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تثار بصدد الحقوق التي للإنسان بسبب إنسانيته ، فهذه الأخيرة لا مجال فيها مطلقا للتمييز بين إنسان وآخر ، إلا أنه يجوز التمييز بين الأفراد إذا كان هذا التمييز لهدف موضوعي نابع من الصالح العام مع تناسب الوسائل المستخدمة في التمييز أو كيفيته مع الهدف المراد تحقيقه من تقرير هذا التمييز ، كما هو الحال مثلا في تحديد شروط معينة يجب توافرها فيمن يعمل محاميا ، فرغم تقرير حق الإنسان في العمل ، ورغم أن مهنة المحامي عمل ، فإن القيام به وممارسته رسميا لا يجوز إلا لمن تتوافر فيه الشروط المحددة سلفا من قبل الدولة ، بهذه الشروط يتميز البعض عن البعض الآخر ، لكن هذا التمايز موضوعي من ناحية ، ويتناسب مع الهدف المنشود من ناحية أخرى ، وبالجملة فإن هذا التمييز وارد في مجال الحقوق التي للإنسان بوصفه عضوا في المجتمع ، وليست شروطا موضوعة بقصد التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر ، لأنه إن تبين من الحقوق أن التمييز بصدد أي نوع من الحقوق كان لأي سبب مما تقدم لأصبح ذلك انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان ، يتعين على الدولة التي تمارسه أن تنتهي عنه فورا وبصورة حاسمة .
3- قضايا حرية التعبير والرأي :
أكدت المادة التاسعة عشر من العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية على الحق في حرية التعبير والرأي ، وقد طبقت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان مؤيدة في ذلك القضاء النمساوي في قضية من أهم القضايا التي حددت الخط الفاصل بين حرية التعبير والرأي ، وبين عدم المساس بحرية الآخرين فيما يعتنقونه من معتقدات دينية ، وتعد قضية :"Otto – Preminger – institut C Autriche". من أهم القضايا التي تحدثت عن حرية الرأي والتعبير .
وتخلص وقائع القضية في أن إحدى الجمعيات الثقافية في مدينة إسبروك بالنمسا وهي من أشخاص القانون النمساوي ، وتدير سينما توجراف في ذات المدينة ، وقد أعلنت لأعضائها عن طريق دورية وزعت عليهم ، عن ستة عروض متاحة للجمهور لفيلم بعنوان مجلس أساقفة الحب
"Le Concile de L.amour "، تدور فكرة الفيلم حسبما يراها المؤلف حول مرض الزهري وأنه جزاء من الله لمن يمارسون الزنا والفسق ، وهو ما تمارسه الإنسانية حاليا باسم الحضارة ، وخاصة في بلاط البابا بورجا الاسكندر السادس . وقد صور المخرج القساوسة الموجودين في بلاط البابا الذين يمثلون الرب وفردانين بالإشارات التي تعبر عن سلطتهم الزمنية بأنهم غير مهتمين بفكرة الثواب والعقاب ، وصور ذلك بطريقة هزلية ، وتناول بذات الطريقة التجاوزات في العقيدة المسيحية ، وحلل العلاقة بين المعتقدات الدينية وبين ممارسة السلطة الدينية لرجال الدين ، وصور الإله الأب كشخص أبله كسيح عاجز ، كما صور السيدة العذراء مريم في صورة امرأة فاسقة ، كما تضمن الفيلم أقوالا تمس أحد أهم معتقدات الديانة المسيحية .
وقبل الميعاد المحدد لعرض الفيلم وبناء على طلب ممثل الكنيسة بدأ المحامي العام المختص تحقيقا ، وحكمت المحكمة المحلية بالتحفظ على الفيلم لدى الجهة الموزعة وتم إلغاء العرض ومصادرة الفيلم . وأيدت هذا الأمر محكمة الاستئناف في 30 يونيو 1985 .
وقد أرسل الوزير الاتحادي للتعليم والفنون طلبا إلى النائب العام في مايو 1987 دعاه فيه إلى تقديم طعن لدى المحكمة العليا لمصلحة القانون – وحفاظا على حرية الرأي والتعبير من وجهة نظره ، ورغم أنه يمثل السلطة ، إلا أن النائب العام رفض ذلك فتقدمت الجمعية بطلب إلى المجلس الأوربي مدعية مخالفة قرار التحفظ والمصادرة على الفيلم للمادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والخاصة بحماية حرية الرأي والتعبير ، وفي 12 نوفمبر سنة 1991 أعلنت اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان قبول الإجراء ، وفي تقريرها المؤرخ في 14 يناير 1993 صاغت رأيها بتوافر مخالفة للمادة العاشرة من المعاهدة .
وعرضت اللجنة الأوربية القضية على المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ، التي أيدت موقف القضاء النمساوي في التحفظ على الفيلم ومصادرته وأنه لا يوجد ثمة مخالفة للحق المحمي بموجب المادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان .
1- قضية ( Lawless ) وقد اعتقل الطاعن بموجب قانون مكافحة جرائم أمن الدولة الصادر عام 1940 المعدل ، الذي يجيز للسلطات اعتقال الأشخاص المشتبه في ارتكابهم للنشاط الإرهابي أو التخريبي بالطريق الإداري ، وقد نص القانون على إنشاء لجنة خاصة ، سميت بلجنة حالات الاعتقال , وعهد إليهما بمهمة فحص ومراقبة مشروعية إجراءات الاعتقال التي تتم وفقا لأحكامه ، وإلزامها بتقديم تقرير عن كل أعمالها ، لكل من مجلس العموم ومجلس اللوردات البريطاني ، ولكنه خول لرئيس الوزراء الإفراج عن أي معتقل ، ترى اللجنة المذكورة أنه ليس هناك سبب لاعتقاله ، أو لأنه أعلن تعهده باحترام الدستور والقانون ، وتخليه عن أي نشاط غير قانوني قد يمس أمن الدولة وسلامتها ، وذهبت المحكمة إلى أن ذلك القانون يوفر ضمانات كافية للرقابة على إجراءات الاعتقال الإداري .
وعلى الرغم من أن هذا الموقف من جانب المحكمة ، كان وليد رأي أغلبية أعضائها إلا أنه كان محل نقد من الفقه الدولي لعدم استناده إلى تبرير كاف ، بينما كانت الآراء المخالفة تعبر – وبحق – أن اللجنة الخاصة التي أنشأها القانون ، لا تشكل ضمانات كافية لحماية حريات الأفراد ضد إجراءات الاعتقال الإداري ، ولا تمثل إدارة فعالة بالمعنى الذي يتفق مع نص المادة الخامسة من الاتفاقية ، لأن تلك اللجنة لا تملك – من تلقاء نفسها – سلطة الإفراج عن المعتقل عندما يتكشف لها عدم مشروعية إجراءات اعتقاله ، كما أن القانون المذكور لم يخول المعتقل حق الطعن على إجراءات اعتقاله ، أمام جهة أخرى مستقلة عن السلطة التنفيذية ، وتملك سلطة الإفراج عنه في هذه الأحوال .
2- قضية بر أينفان ومكبرايد ضد المملكة المتحدة في 26 مايو 1993 ، وتلك القضية تعد من أكثر القضايا صعوبة فهي تتعلق بعملية الموازنة بين الحقوق والحريات الفردية من ناحية ، وواجب الدولة في تأمين المجتمع من ناحية أخرى ، وقد قررت السلطات المختصة اعتقال الأشخاص الذين يشتبه في انضمامهم للجيش الجمهوري الأيرلندي ، وذلك لأكثر من ستة أيام بالنسبة للأول وأربعة أيام بانسبة للثاني ، ورأت أن تقييد الضمانات الواردة في المادة 5 يتفق مع المادة 15 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ، ولقد راعت المحكمة طبيعة التهديد الإرهابي في أيرلندا الشمالية وضيق مجال التقييد والأسباب التي تؤيده ، وكذلك وجود ضمانات أساسية بعدم إساءة استخدام هذا التقييد وانتهت المحكمة إلى أن الحكومة لم تتجاوز حدود تقديرها في اعتبار أن مقتضيات الحالة استلزمت فرض هذا التقييد .
كما حكمة المحكمة الأوربية في 26 يناير 1993 في دعوى رفعت ضد سويسرا بأن احتجاز شخص مشبوه افترضت السلطات أنه يلوذ بالفرار في أول فرصة هو احتجاز قانوني ، إذ سبق له الفرار بعد اعتقال ثم إفراج ، وقررت المحكمة أن الأخطار المترتبة على اختفاء المتهم والغش من جانبه تبرر فترة احتجازه قبل المحاكمة لمدة تزيد على أربع سنوات ، وأن هذه المدة المعقولة التي تشترطها المادة 5/3 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان .

ابحث عن موضوع