بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الدفاع الشرعي عن النفس

الدفاع الشرعي عن النفس

يمكن أن يثار في موضوع العنف والدفاع الشرعي تساؤل حول شرعية قبول المسلمين بأحكام القضاة الدوليين غير المسلمين ، أو الالتجاء إلى القضاء الدولي في محكمة العدل الدولية لحل النزاعات بين دول إسلامية وغيرها من الدول ، خصوصاً وأن الشريعة الإسلامية لاتجيز تحكيم غير المسلمين في فض النزاعات وفقاً للآية الكريمة ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً )-54- .
وعليه لا ولاية للكافر على المسلم ، وكل (مايؤدي الى مهانة المسلم ، أو جماعة المسلمين ، أو الأمة الإسلامية ، أو يدخل وهناً على الإسلام ، بأي وجه من الوجوه ، فإن ارتكابه في حال الاختيار ، من أعظم المحرمات الدينية ، وأشد المنكرات الشرعية)-55- .
لذا فإنَّ القاعدة العامة هي عدم جواز التحكيم عند غير المسلمين-56- . وعند الضرورة يمكن للفقهاء المسلمين أن يجيزوا التحكيم الدولي غير المسلم بالعناوين الثانوية إذا توقف تحصيل الحق به وفقاً لقاعدة دفع الضرر-57- . وقد ذهب فقهاء المالكية الى تحكيم غير المسلمين-58- لإنهاء الحرب ، لكنهم قيدوا ذلك بقيد الخوف من الأعداء فقالوا : ( يجوز عقد هدنة مع غير المسلمين على أن يحكموا بين مسلم وكافر إذا كان هناك خوف منهم ) .
بلحاظ أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وافقت على تدخل الأمم المتحدة لحل نزاعها وحربها مع العراق ، وقبلت مصر اللجوء الى لجنة التحكيم الدولية بخصوص طابا بينها وبين ( اسرائيل ) ، وقبلت البحرين التحكيم الدولي بشأن نزاعها مع قطر حول بعض الجزر في الخليج .
ترابط أحكام الشريعة الإسلامية :
الذي أريد قوله وباختصار شديد … هو ترابط أحكام الشريعة وانسجامها وتداخلها وتنظيمها لكل أنشطة المجتمع المسلم ، وعليه فإن من الضروري تصدي الفقهاء لتطبيق القواعد الإسلامية العامة الثابتة ، واستنباط الأحكام الشرعية لاستيعاب تطور العصر وتقدمه .
ويدخل القانون الدولي الإسلامي ضمن ذلك لأنه (لافرق في نظام الإسلام بين الأمور الدينية أو الأمور التشريعية ، فكلها ذات صفة إلزامية لامناص منها ، وكلها واجبة التنفيذ)-59- .
وهكذا فإن الإسلام يعتبر ديناً له نظامه السياسي المحكم ، ونظامه الإجتماعي الكامل ، بحيث لاتنحصر تعاليمه بعلاقات الإنسان بربه فقط ، بل يمتد ذلك إلى تكوين المجتمع المثالي ، الذي يتوسل إلى تحقيق أهدافه بتوفير العنصر الأخلاقي في نفس الإنسان-60- .
وقد امتد العنصر الأخلاقي إلى كل جوانب الحياة ، فشمل علاقات المسلمين بغيرهم ، فكان بدء تاريخ وجود المسلمين كأمة ، وبدء وجودهم الدولي (مقرراً بالهجرة حيث انتقل المسلمون من الموقف السلبي إلى الموقف الإيجابي بمواجهة الأعداء )-61- . علماً أنَّ المسلمين عند استعمالهم للقوة المشروعة كانوا مرتبطين بمبادئ أخلاقية ، بحيث لم يتعسفوا في استعمال حقوقهم .
بلحاظ أنَّ الإسلام يمتلك قوى تحريك هائلة ، حيث استطاع بنجاح في زمن الرسول ( ص ) والخلافة الراشدة أن ينقل أحكامه وقواعده العامة خارج دار الإسلام ، مما أدى إلى نشوء القانون الدولي الإسلامي وتطور قواعده بعد ذلك .
كما أنَّ الرسول( ص ) كان يؤكد دائماً على أخلاقية القواعد الإسلامية ويقول :
( اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولاتغلوا ولا تغدروا ولاتمثلوا ولاتقتلوا وليداً ) .
لذا تصدى فقهاء المسلمين لتنظيم العلاقات الدولية زمن الحرب ، واستعمال العنف على أسس روحية أخلاقية . كما تصدوا إلى تنظيم القواعد الدولية الإسلامية وقت السلم ( كالصلح والأمان وشروطهما والوفاء بالعهود وتبادل السفراء . غير أن الحرب كانت تأخذ مكان الصدارة بسبب الظروف التي أحاطت بالدولة الإسلامية وتربص الأعداء بها في الداخل والخارج )-62- . ومع ذلك كانت علاقات المسلمين بغيرهم علاقات سلم وأمان ، ولم يكن الجهاد عندهم إلا لرفع راية الإسلام، والحفاظ على إعلاء كلمة لاإله إلا الله –63- .
وتعتبر وثيقة الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) إلى مالك الأشتر النخعي ، عندما ولاه مصر ، من الوثائق السياسية والإدارية المهمة ، التي تدل على اهتمام المسلمين بالمبادئ الأخلاقية عند تعاملهم مع الناس ، كل الناس ، مسلمين وغير مسلمين –64- .
ويذهب الدكتور الزحيلي إلى أن جمهور الفقهاء قد تأثروا ( بالحالة الواقعية التي سادت علاقات المسلمين بغيرهم في عصر الإجتهاد الفقهي في القرن الثاني الهجري ….فقرروا أن اصل العلاقات الخارجية مع غير المسلمين هي الحرب لا السلم ، مالم يطرأ مايوجب السلم من إيمان أو أمان )-65-.
ولكن التأثر بالحالة الواقعية للفقهاء لم يبعدهم عن مبادئهم الأخلاقية ، فكانوا بحق مصداق الآية المباركة الكريمة : ( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين . إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )-66- .
لهذا فإن الدولة الإسلامية زمن الرسول ( ص ) والخلافة الراشدة لم تشن حرباً هجومية على الدول المسيحية الغربية ( على الصورة التي هاجمت بها الدول الأوروبية المسيحية الدولة الإسلامية في الحروب الصليبية ، متذرعة حماية الأماكن المسيحية المقدسة ، ثلاث قرون كاملة ، ولم تدخل الدولة الإسلامية في حرب على أساس المبدأ المعروف بمبدأ توازن القوى ، وهو المبدأ الذي تأسست عليه علاقات الدول الأوروبية المسيحية ببعضها )-67- .
الحاجة إلى مبادئ السماء :
يظل الإنسان دائماً وفي كل مكان بحاجة إلى مبادئ السماء الموجودة في القرآن الكريم ، والسنة النبوية لتحقيق السعادة والأمن والسلام في الأرض . علماً أن العلاقات الدولية التي سادت بين المسلمين وغيرهم في الماضي لاتختلف من حيث المضمون عن العلاقات الدولية الحالية ، وإن اختلفت معها في الشكل والمظهر-68-. فقد كان الرسول ( ص ) ومعه الصحابة يطبقون النصوص القرآنية بدقة ، مما جعلهم يمتنعون عن مقاتلة من يلقي إليهم السلم ، لأن الإسلام لايجيز للمسلمين أن يعتدوا على أحد ، لكنه لايجيز لهم أيضاً أن يستسلموا باسم السلم والأمن لدولة غير إسلامية ، ولايجيز لهم استعمار دولة أخرى ، ( وليس للمسلمين أن يتدخلوا في شؤون الدول الأخرى المسالمة إلا لحماية الحريات العامة ، وإغاثة المظلومين ، ودفع الإعتداء عن المعتقدين بالإسلام ، وذلك منعاً للفتنة في الدين …. الإسلام يحترم حق كل دولة في البقاء والسيادة ، وفي الدفاع عن أراضيها وسيادتها ، وإن العلاقات بين المسلمين وغيرهم تقوم أساساً على السلام ، وما الحرب إلا ضرورة يفرضها حق الدفاع عن النفس وعن العقيدة )-69- .
من وحي ما اسلفنا نعرف أنَّ فقهاء الشريعة الإسلامية قد اهتموا كثيراً باستنباط قواعد التنظيم بين الدول ، حيث ارسوا بذلك القانون الدولي الإسلامي-70- ،الذي يستند إلى قواعد أخلاقية لتوطيد السلم والأمن الدوليين لكافة الناس دون تمييز أو عنصرية-71- . لقد كان هذا القانون الإلهي أخلاقياً لأنه لايجيز أبداً استعمال القوة والعنف للإفساد في الأرض ، وإتلاف الحرث والنسل ، والتخريب المتعمد في حالتي السلم والحرب-72- ، كما أنَّ الحرب في الإسلام لاتكون أبداً من أجل احتلال أراضي الغير والتوسع غير المشروع على حساب الدول الأخرى-73-. والجهاد يكون ضرورة إذا : - ( ازدحم الكفار على المسلمين بحيث يخاف منه زوال الحق وإثبات الكفر والباطل ، فيجب على جميع المسلمين حينئذ مدافعتهم ) –74-.
وهكذا فإنَّ العلاقات الدولية في الإسلام ، المستندة إلى قيم روحية أخلاقية ، هي ماتحتاجه الإنسانية في تطلعها للمساواة والحرية ،واقرار السلم والأمن في العالم .

0 تعليق:

إرسال تعليق