بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

تصنيف الجريمة في الشريعة الاسلامية Classification of crime in Islamic law l


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمــة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. 

أما بعد...

إن الجريمة في الشريعة الإسلامية ظاهرة من ظواهر الشرع لأن الشريعة هي التي تحدد نماذج السلوك-الايجابية والسلبية- التي تعد جرائم وهي التي تحدد ما يترتب على هذه النماذج من عقوبات وعندما تجرم الشريعة الإسلامية هذه النماذج السلوكية فما ذلك إلا للحفاظ على مصالح الجماعة وصيانة القيم والفضائل والنظام الإسلامي وضمان بقاء الجماعة قوية متضامنة، لأن مصدر الشريعة هو الخالق سبحانه وتعالى فإن نظام التجريم الإسلامي يتسم بالإطلاق والثبات والموافقة للطبيعة البشرية إلى جانب المرونة.

وعلى صفحات هذا البحث سوف أتناول موضوع تصنيف الجرائم في الشريعة الاسلامية.

وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ...و الله الموفق...

تعريف الجريمة في الشريعة الإسلامية :

تعرف الجريمة في الشريعة الاسلامية بأنها محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزيز، والمحظورات هي إما إتيان فعل منهى عنه أو ترك فعل مأمور به، وقد وصفت المحظورات بأنها شرعية لأن الشريعة هي التي تحدد ما هو سوي وما هو منحرف طبقا لمعايير محددة، وهذا يعني أن الفعل أو الترك لا يعتبر جريمة إلا إذا أوضحت الشرعية ذلك وبنت عليه عقوبة فإذا لم تكن هناك عقوبة على الفعل أو الترك لا يعد أي منهما جريمة، وهذا هو مبدأ الشرعية التي وضعته وأقرته الشريعة الإسلامية ثم أخده عنها القانون حين تحدثوا عن قانونية الظواهر الإجرامية وأن القانون هو الذي يجرم بعض جوانب السلوك .(غباري , 1987م , ص81)

فالجريمة إذن هي إتيان فعل محرم معاقب علي فعله، أو ترك فعل محرم الترك معاقب على تركه، أو هي فعل أو ترك نصت الشريعة على تحريمه والعقاب عليه.

ويتبين من تعريف الجريمة أن الفعل أو الترك لا يعتبر جريمة إلا إذا تقررت عليه عقوبة، ويعبر الفقهاء عن العقوبات بالأجزية، ومفردها جزاء، فإن لم تكن على الفعل أو الترك عقوبة فليس بجريمة.

تصنيف الجريمة في الشريعة الاسلامية :

تتفق الجرائم جميعا في أنها فعل محرم معاقب عليه، ولكنها تتنوع وتختلف إذا نظرنا إليها من غير هذه الوجهة. وعلى هذا يمكننا أن نقسم الجرائم أقساما متنوعة تختلف باختلاف وجهة النظر إليها:

التصنيف المبني على جسامة العقوبة:

(الحدود ، القصاص والدية ـ التعازير) وهي على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: جرائم الحدود: 

وهي الجرائم المعاقب عليها بحد. والحد هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالى ومعنى العقوبة أنها محددة معينة فليس لها حد أدنى ولا حد أعلى، ومعنى أنها حق لله أنها لا تقبل الإسقاط لا من الأفراد ولا من الجماعة.

وتعتبر العقوبة حقا لله في الشريعة كلما استوجبتها المصلحة العامة، وهي دفع الفساد عن الناس وتحقيق الصيانة والسلامة لهم، وكل جريمة يرجع فسادها إلى العامة، وتعود منفعة عقوبتها عليهم، تعتبر العقوبة المقررة عليها حقا لله تعالى تأكيدا لتحصيل المنفعة، وتحقيقا لدفع الفساد والمضرة إذ اعتبار العقوبة حقا لله يؤدي إلى عدم إسقاط الأفراد أو الجماعة لها.

وجرائم الحدود معينة ومحدودة وهي سبع جرائم:

1) الزنا 2) القذف 3) شرب المسكر 5) الحرابة 6) الردة 7) البغي. ويسميها الفقهاء الحدود دون إضافة لفظ جرائم إليها، وعقوباتها تسمى الحدود ايضا ولكنها تميز بالجريمة التى فرضت عليها فيقال حد السرقة، وحد الشرب ، ويقصد من ذلك عقوبة السرقة وعقوبة الشرب.

القسم الثاني: جرائم القصاص والدية:

وهي الجرائم التي يعاقب عليها بقصاص أودية، وكل من القصاص والدية عقوبة مقدرة حقا للأفراد، ومعنى أنها مقدرة أنها ذات حد واحد، فليس لها حد أعلى وحد أدنى تتراوح بينهما، ومعنى أنها حق للأفراد أن للمجنى عليه أن يعفو عنها إذا شاء، فإذا عفا أسقط العفو العقوبة المعفو عنها.

وجرائم القصاص والدية خمس : 1) القتل العمد 2) القتل شبه العمد 3) القتل الخطأ 4) الجناية على ما دون النفس عمدا 5) الجناية على ما دون النفس خطأ. ومعنى الجناية على ما دون النفس الاعتداء الذي لا يؤدى للموت كالجرح والضرب.

القسم الثالث: جرائم التعازير: 

هي الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعزير ومعنى التعزير التأديب، وقد جرت الشريعة عل عدم تحديد عقوبة كل جريمة تعزيرية، واكتفت بتقرير مجموعة من العقوبات لهذه الجرائم تبدأ بأخف العقوبات وتنتهي بأشدها، وتركت للقاض أن يختار العقوبة أو العقوبات في كل جريمة بما يلائم ظروف الجريمة وظروف المجرم فالعقوبات في جرائم التعزير غير مقدرة.

وجرائم التعزير غير محدودة كما هو الحال في جرائم الحدود أو جرائم القصاص والدية. وليس في الإمكان تحديدها. وقد نصت الشريعة على بعضها وهو ما يعتبر جريمة في كل وقت كالربا وخيانة الأمانة والسب والرشوة، وتركت لأولي أمر النص على بعضها الآخر، وهو القسم الأكبر من جرائم التعازير، ولكن الشريعة لم تترك لأولى الأمر الحرية في النص على هذه الجرائم بل أوجبت أن يكون التحريم بحسب ما تقتضيه حال الجماعة وتنظيمها والدفاع عن صوالحها ونظامها، وأن لا يكون مخالفا لنصوص الشريعة ومبادئها العامة.

وقد قصدت الشريعة من إعطاء أولى الأمر حق التشريع في هذه الحدود لتمكينهم من تنظيم الجماعة وتوجيهها الوجهات الصحيحة، وتمكينهم من المحافظة على صوالح الجماعة والدفاع عنها ومعالجة الظروف الطارئة.

والفرق بين الجريمة التي نصت عليها الشريعة والعمل الذي يحرمه أولي الأمر أن ما نصت عليه الشريعة محرم دائما فلا يصح أن يعتبر فعلا مباحا، أما ما يحرمه أولو الأمر اليوم فيجوز أن يباح غدا إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة.

أهمية التقسيم:

تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى حدود، وقصاص، أو دية ، وتعازير من عدة وجوه:

أولا: من حيث العفو: جرائم الحدود لا يجوز فيها العفو مطلقا، سواء من المجنى عليه أو ولي الأمر أي الرئيس الأعلى للدولة، فإذا عفا أحدهما كان عفوه لغوا لا أثر له على الجريمة ولا على العقوبة.

أما في جرائم القصاص فالعفو جائز من المجنى عليهن فإذا عفا ترتب على العفو أثره، فللمجنى عليه أن يعفو عن القصاص مقابل الدية، وله أن يعفو عن الدية أيضا، فإذا عفا عن أحدهما أعفى منه الجاني. وليس لرئيس الدولة الأعلى أن يعفو عن العقوبة في جرائم القصاص بصفته هذه، لأن العفو عن هذا النوع من الجرائم مقرر للمجنى عليه أو وليه، لكن إذا كان المجنى عليه قاصرا ولم يكن له أولياء كان الرئيس الأعلى للدولة وليه، إذ القاعدة الشرعية أن السلطان ولي من لا ولي له، وفي هذه الحالة يجوز لرئيس الدولة العفو بصفته ولي المجنى عليه، لا بأي صفة أخرى، وبشرط ألا يكون العفو مجانا.

وأما في جرائم التعازير لولي الامر أي رئيس الدولة الأعلى حق العفو عن الجريمة، وحق العفو عن العقوبة، فإذا عفا كان لعفوه أثره بشرط أن لا يمس عفوه حقوق المجنى عليه الشخصية. وليس للمجنى عليه أن يعفو في التعازير إلا عما يمس حقوقه الشخصية المحضة . ولما كان الجرائم تمس الجماعة فإن عفو المجنى عليه من العقوبة أو الجريمة لا يكون نافذا وإن أدى في الواقع إلى تخفيف العقوبة على الجاني، لأن للقاض سلطة واسعة في جرائم التعازير من حيث تقدير الظروف المخففة، وتخفيف العقوبة. ولا شك أن عفو المجنى عليه يعتبر ظرفا مخففا.

ثانيا: من حيث سلطة القاضي: في جرائم الحدود إذا ثبتت الجريمة وجب عل القاضي أن يحكم بعقوبتها المقررة لا ينقص منها شيئا ولا يزيد عليها شيئا، وليس له أن يستبدل بالعقوبة المقررة عقوبة أخرى، ولا أن يوقف تنفيذ العقوبة فسلطة القاضي في جرائم الحدود قاصرة على النطق بالعقوبة المقررة للجريمة.

وفي جرائم القصاص سلطة القاضي قاصرة على توقيع العقوبة المقررة إذا كانت الجريمة ثابتة قبل الجاني، فإذا كانت العقوبة قصاص وعفا المجنى عليه عن القصاص أو تعذر الحكم به لسبب شرعي وجب على القاضي أن يحكم بالدية ما لم يعف المجنى عليه عنها؛ فإذا عفا كان على القاضي أن يحكم بعقوبة تعزير.

أما في جرائم التعازير فللقاضي فيها سلطة واسعة في اختيار نوع العقوبة ومقدارها فله أن يختار عقوبة شديدة أو خفيفة بحسب ظروف الجريمة والمجرم، وله أن ينزل بالعقوبة إلى أدنى درجاتها، وله أن يرتفع بها إلى حدها الأقصى، وله أن يأمر بتنفيذ العقوبة أو إيقاف تنفيذها. ثالثا: من حيث قبول الظروف المخففة: ليس للظروف المخففة أي أثر على جرائم الحدود والقصاص والدية، فالعقوبة المقررة لازمة مهما كانت ظروف الجاني، أما في جرائم التعازير فللظروف المخففة أثرها على نوع العقوبة ومقدارها فللقاضي ان يختار عقوبة خفيفة، وأن ينزل بها إلى أدنى حدودها، وله أن يوقف تنفيذها.

رابعا: من حيث إثبات الجريمة: تشترط الشريعة إثبات جرائم الحدود والقصاص عددا معينا من الشهود إذا لم يكن دليل إلا الشهادة، فجريمة الزنا لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود يشهدون الجريمة وقت وقوعها، وبقية جرائم الحدود والقصاص لا تثبت إلا بشهادة شاهدين على الأقل. أما جرائم التعازير فتثبت بشهادة شاهد واحد.

تصنيف الجرائم بحسب قصد الجاني:

(الجرائم المقصودة - والجرائم غير المقصودة) تنقسم الجرائم بحسب قصد الجاني إلى جرائم مقصودة وجرائم غير مقصودة:

أولا: الجرائم المقصودة:

هي التي يتعمد الجاني فيها إتيان الفعل المحرم وهو عالم بأنه محرم، وهذا هو المعنى العام للعمد في الجرائم المقصودة أو الجرائم العمدية، وللعمد معنى خاص في القتل ، وهو تعمد الفعل المحرم وتعمد نتيجته، فإن تعمد الجاني الفعل دون نتيجته كان الفعل قتلا شبه عمد.

ثانيا: الجرائم غير المقصودة:

هي التي لا ينوي فيها الجاني إتيان الفعل المحرم ولكن يقع الفعل المحرم نتيجة خطأ منه، والخطأ على نوعين:

النوع الأول: هو ما يقصد فيه الجاني الفعل الذي أدى للجريمة ولا يقصد الجريمة ولكنه مع ذلك يخطئ: إما في نفس الفعل كمن يرمي حجرا ليتخلص فيصيب أحد المارة، أو يرمي صيدا فيخطئه ويصيب آدميا. وإما أن يكون الخطأ في ظنه كمن يرى ما يظنه حيوانا فإذ هو إنسان، أو يرى من يظنه جنديا من جنود الأعداء فإذا هو أحد المواطنين. 

النوع الثاني: هو ما لا يقصد فيه الجاني الفعل ولا الجريمة ، ولكن يقع الفعل نتيجة لإهماله أو عدم احتياطه، كمن ينقلب وهو نائم على آخر بجواره فيقتله ، وكمن يحفر بئرا في طريق ولا يتخذ احتياطاته لمنع سقوط المارة فيه.

أهمية هذ التقسيم:

تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى مقصودة وغير مقصودة من وجهين:

أولا: أن الجريمة المقصودة تدل على روح إجرامية لدى الجاني، أما غير المقصودة فليس فيها ما يدل على ميل الفاعل للإجرام، ومن ثم كانت عقوبة الجريمة المقصودة شديدة وعقوبة الجريمة غير المقصودة خفيفة.

ثانيا: يمتنع العقاب على الجريمة المقصودة إذا لم يتوفر ركن العمد، أما الجريمة غير المقصودة فيعاقب عليها لمجرد الإهمال أو عدم التثبت.(قايد , 1995م , 25)

تقسيم الجرائم بحسب وقت كشفها: 

جرائم متلبس بها ـ وجرائم لا تلبس فيها:

أولا: الجريمة المتلبس بها:

هي الجريمة التي تكشف وقت إرتكابها، أو عقب ذلك ببرهة يسيرة، وهي رؤيته حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرحة يسيرة، ويعتبر أن الجاني شوهد متلبسا بالجناية إذا تبعه من وقعت عليه الجناية عقب وقوعها منه بزمن قريب أو تبعته العامة مع الصياح، أو وجد في ذلك الزمن حاملا لآلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقا أو أشياء أخرى يستدل منها علة أنه مرتكب الجناية أو مشارك في فعلها.(السراج , 1981م, 142)

ثانيا: الجريمة التي لا تلبس فيها: 

هي التي لا تكشف وقت ارتكابها، أو التي يمضى بين ارتكابها وكشفها زمن غير يسير. 

والمعروف لدى فقهاء الشريعة أن التلبس هو كشف الجريمة وقت ارتكابها والمقصود من اعتبار هذه الحالة قائمة هو تسهيل الإجراءات لكشف الحقيقة.

أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية هذا التقسيم في الشريعة من وجهين:

أولا: من حيث الإثبات: إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود وكان الدليل عليها هو شهادة الشهود فيجب أن يكون الشهود قد شهدوا بأنفسهم الحادث وقت وقوعهن ورأوا الجاني وهو يرتكب الجريمة.

ثانيا: من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذا شوهد الجاني وهو يرتكب الجناية كان لأي شخص أن يمنعه بالقوة عن ارتكاب الجريمة وأن يستعمل القوة اللازمة لمنعه سواء كانت الجريمة اعتداء على حقوق الأفراد كالسرقة، أو اعتداء على حقوق الجماعة كشرب الخمر والزنا وهذا ما يسمى : حق الدفاع الشرعي العام.

تقسيم الجرائم إلى جريمة إيجابية وجريمة سلبية: 

تنقسم الجرائم إلى إيجابية وسلبية بحسب ما إذا كان الفعل قد ارتكب بطريق الإيجاب أو السلب ، أو بحسب ما إذا كان الفعل مأمورا به أو منهيا عنه.

الجريمة الإيجابية :

تتكون من إتبان فعل منهي عنه كالسرقة والزنا والضرب.

الجريمة السلبية:

تتكون من الامتناع عن إتيان فعل مأمور به، كامتناع الشاهد عن أداء الشهادة والامتناع عن إخراج الزكاة. وأكثر الجرائم إيجابية وأقلها الجرائم السلبية.

الجريمة الإيجابية تقع بطريق السلب: ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن الجريمة الإيجابية قد تقع بطريق السلب، فإذا وقعت على هذا الوجه استحق فاعلها العقوبة، فمن حبس إنسانا ومنعه الطعام أو الشراب أو الدفء في الليالي الباردة حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا فهو قاتل عمدا إن قصد بالمنع فتله.

فالمنع عند استيلاء الجوع والعطش والبرد على الممنوع يكون إهلاكا له والأم التي تمنع ولدها الرضاع قاصدة قتله تعتبر قاتلة عمدا، ولو أنها لم تأت بعمل إيجابي.(عودة, 1981م,214)

تقسيم الجرائم بحسب كيفية ارتكابها:

(جرائم بسيطة ـ وجرائم اعتباد)

تنقسم الجرائم في الشريعة بحسب كيفية ارتكاب الجاني لها إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد:

أولا: الجريمة البسيطة: 

هي التي تتكون من فعل واحد كالسرقة والشرب، ويستوي أن تكون الجريمة مؤقتة أو مستمرة، وجرائم الحدود والقصاص أو الدية كلها جرائم بسيطة.

ثانيا: جرائم الاعتياد:

هي التي تتكون من تكرر وقوع الفعل، أي أن الفعل بذاته لا يعتبر جريمة، ولكن الاعتياد على ارتكابه هو الجريمة. وجرائم الاعتياد توجد بين جرائم التعازير. ويستدل عليها من النص المحرم للفعل، فإن كان يشترط للعقاب اعتياد الفعل فالجريمة جريمة عادة، وإن كان يكتفي بمجرد وقوع الفعل فالجريمة بسيطة.

أهمية التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد من الوجوه الآتية:

أولا: من حيث مبدأ سريان التقادم: في الجرائم البسيطة تبدأ المدة المسقطة للدعوى من يوم ارتكاب الجريمة إن كانت مؤقتة، ومن يوم انتهاء الحالة المحرمة إن كانت غير مؤقتة. أما في جرائم العادة فالمدة المسقطة تبدأ من تاريخ وقوع الفعل الأخير المكون للعادة.

ثانيا: من حيث القصاص: يكون الاختصاص في الجريمة البسيطة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة إذا كانت الجريمة مؤقتة، إن كانت مستمرة أو متجددة فالاختصاص لكل محكمة استمر في دائرتها الفعل أو تجدد. ويكون الاختصاص في جريمة العادة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الأخير المكون للعادة. 

ثالثا: من حيث تطبيق قواعد التدخل : الحكم في جريمة عادة يمنع من محاكمة الجاني على الأفعال السابقة ولو لم تدخل في المحاكمة الأولى، لأن قواعد الشريعة لا تسمح بتعدد العقوبة على الجرائم التي من نوع واحد والتي لم يحكم فيها بعد وتكتفي بعقوبة واحدة عنها جميعا طبقا لقواعد التداخل. 

تقسيم الجرائم بحسب كيفية ارتكابها: 

(جرائم مؤقتة ـ جرائم غير مؤقتة)

فالظاهر من تتبع جرائم التعازير أنها تنقسم بحسب الوقت الذي يستغرقه وقوعها إلى جرائم مؤقتة وجرائم غير مؤقتة:

الجرائم المؤقتة:

هي التي تتكون من فعل أو امتناع يحدث في وقت محدود ولا يستغرق وقوعها أكثر من الوقت اللازم لوقوع الفعل أو قيام حالة الامتناع، مثل جريمة السرقة فإنها تتم بمجرد وقوع الفعل أي أخذ الشيئ خفية، ومل جريمة الشرب فإنها تتم بمجرد شرب الخمر، ومثل جريمة كتمان الشهادة فإنها تتم بمجرد الامتناع عن أداء الشهادة.(عبيد , 1979م,149)

الجرائم غير المؤقتة: 

هي التي تتكون من فعل أو أمتناع قابل للتجدد أو الاستمرار فيستغرق وقوعها كل الوقت الذي تتجدد فيه الجريمة أو تستمر، ولا تعتبر الجريمة منتهية إلا بانتهاء حالة التجدد أو الاستمرار. ومثال ذلك حبس شخص دون حق، والامتناع عن إخراج الزكاة، والامتناع عن تسليم إلى حاضنه، والامتناع عن أداء الدين مع القدرة عليه.

مقياس التمييز بين الجريمة المؤقتة وغير المؤقتة: نصوص الشارع هي وحدها التي تبين إن كانت الجريمة مؤقتة أم غير مؤقتة، لأن هذه النصوص تعرف الجريمة وتبين ركنها المادي فتميزها بذلك عن غيرها، فإن كان الفعل أو الامتناع يقع وينتهي بمجرد ارتكاب الفعل أو قيام حالة الامتناع فالجريمة مؤقتة، وإن كان الفعل أو الامتناع يكون حالة مستمرة الحدوث أو التجدد فالجريمة غير مؤقتة.

وينبغي في هذا المقام أن نميز بين استمرار الجريمة واستمرار نتيجتها، فالسرقة تتم بأخذ الشيء خفية فهي جريمة مؤقتة، وبقاء المسروقات بعد ذلك تحت يد السارق ليس استمرار للسرقة، وإنما هو استمرار لنتيجتها، وجريمة الشرب تتم بتناول الخمر فيه جريمة مؤقتة، فإذا سكر الشارب فإن سكره لا يعتبر استمرارا للجريمة، وإنما هو استمرار لنتيجتها، إذ السكر نتيجة الشرب، ومضرب والجرح جريمة مؤقتة تتم بمجرد وقوع الضرب وحدوث الجرح، فإذا بقى المجنى عليه تحت العلاج مدة ما فذلك ليس استمرارا للجريمة، وإنما هو أثر من آثار الجريمة ونتيجة لها.

تنقسم الجرائم غير المؤقتة إلى جرائم متجددة وجرائم مستمرة:

فالجريمة المتجددة هي التي يتوقف فيها استمرار الجريمة على تدخل إرادة الجاني تدخلا متكررا مقصودا، كالامتناع عن أداء الزكاة، أو عن تسليم المحضون لحاضنه، وكإحراز سلاح دون رخصة. ففي هذه الحالات يأتي الجاني الفعل أو يمتنع عنه. ففي هذه الحالات يأتي الجاني الفعل أو يمتنع عنه. وتبقى جريمته فائمة ما بقى محرز السلاح. أو ممتنعا عن أداء الزكاة أو تسليم الطفل. ولكن بقاء الجريمة يتوقف على إرادة الجاني الذي يرى أن يبقى محرزا للسلاح دون ترخيص. أو ممتنعا عن أداء الزكاة أو تسليم الطفل لحاضنه.

والجرائم المستمرة هي التي لا يتوقف استمرار الجريمة فيها على تدخل إرادة الجاني، بل يستمر الفعل المكون للجريمة دون حاجة لتدخل إرادة الجاني. كحفر بئر في الطريق. وإقامة بناء في ملك الغير. أو خارجا عن خط التنظيم.( مصطفى, 1983م,259)

أهمية تقسيم الجرائم إلى مؤقتة وغير مؤقتة:

 لهذا التقسيم أهمية من عدة وجوه كالآتية:

أولا: من حيث الاختصاص: فالمحكمة المختصة بمحاكمة الجاني على الجريمة المؤقتة هي المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة، لأن القضاء يتخصص بالزمان والمكان. أما المحكمة المختصة بمحاكمة الجاني على الجريمة غير المؤقتة، فهي كل محكمة وقع في دائرتها الفعل المتجدد أو المستمر، ولما كان من الممكن أن يقع هذا الفعل في أمكنة متعددة فمعنى ذلك أن المحاكم المختصة بنظر الجريمة غير المؤقتة يصح أن تكون أكثر من محكمة واحدة.

ثانيا: من حيث التقادم: ففي الجريمة المؤقتة تحسب المدة المسقطة للدعوى العمومية من وقت ارتكاب الجريمة، وفي الجريمة غير المؤقتة تحسب المدة من انتهاء حالة التجدد أو الاستمرار.

ثالثا: من حيث تطبيق التشريعات الجديدة: لا تسرى التشريعات الجديدة على ما يقع قبلها من الجرائم المؤقتة، ولكنها تسري على الجرائم غير المؤقتة التي بدأت قبل صدور التشريعات الجديدة، وإذا ظلت حالة التجدد أو الاستمرار قائمة إلى ما بعد العمل بهذه التشريعات.

رابعا: من حيث قوة الشيء المقضي به : يعتبر الحكم في الجريمة المؤقتة صادرا عن الواقعة التي عرضت على المحكمة، فإذا كانت هناك وقائع أخرى سابقة لم تعرض على المحكمة، فلا يعتبر الحكم شاملا لها، ولو كانت من نوع الواقعة المحكوم فيها، جاز رفع الدعوى من جديد عن الوقائع اللاحقة، وامتنع رفعها عن الوقائع السابقة، والعلة في هذه التفرقة أن قواعد التداخل تنطبق على الوقائع السابقة، وطبقا لهذه القواعد لا يجوز رفع الدعوى عن وقائع سابقة إذا كانت مماثلة للواقعة التي حكم فيها، لأن العقوبة شرعت للتأديب والزجر، ووضعت على أنها تكفي لتحقيق هذين المعنيين، فلا حاجة إذن لتعدد العقوبات إلا إذا وقعت وقائع جديدة بعد توقيع العقوبة.

أما في الجرائم غير المؤقتة ، فيعتبر الحكم شاملا لجميع الوقائع السابقة على رفع الدعوى، ولو لم تعرض بعض هذه الوقائع على المحكمة، لأن كل الوقائع تكون جريمة واحدة، ومن ثم فلا يجوز رفع الدعوى من جديد عن الوقائع التي لم نعرض على المحكمة ما دامت سابقة على صدور الحكم. أما الوقائع اللاحقة لصدور الحكم، فهذه يجوز رفع الدعوى من جديد عنها إذا كانت من الجرائم المتجددة، ولا يجوز رفع الدعوى عنها إذا كانت من الجرائم المستمرة. 

(http://theuaelaw.com/vb/showthread.php?t=2053)

تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة: 

( جرائم ضد الجماعة ـ وجرائم ضد الأفراد)

تنقسم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة إلى جرائم ضد الجماعة وجرائم ضد الأفراد.

الجرائم التي تقع ضد الجماعة:

هي التي شرعت عقوبتها لحفظ صالح الجماعة، سواء وقعت الجريمة على فرد، أو على جماعة، أو على أمن الجماعة ونظامها. ويقول الفقهاء : إن عقوبة هذا النوع من الجرائم شرعت حقا لله تعالى ومعنى هذا الاصطلاح أنها شرعت لحماية الجماعة، ولكنهم يجعلون العقوبة حقا لله، إشارة إلى عدم جواز العفو عنها، أو تخفيفها، أو إيقاف تنفيذها.

الجرائم التي تقع ضد الأفراد:

هي التي شرعت عقوبتها لحفظ مصالح الأفراد، ولو أن ما يمس مصلحة الأفراد هو في الوقت ذاته ماس بصالح الجماعة. وتعتبر جرائم الحدود من الجرائم الماسة بمصلحة الجماعة ، ولو أنها في الغالب تقع على أفراد معينين، وتمس مصالحهم مساسا شديدا، كالسرقة والقذف، وليس في اعتبارها ماسة بالجماعة إنكار لمساسها بالأفراد، وإنما هو تغليب لمصلحة الجماعة على مصلحة الأفراد، بحيث لو عفا الفرد لم يكن لعفوه أثر على الجريمة أو العقوبة.

وجرائم القصاص والدية من الجرائم التي تقع على الأفراد، وليس معنى ذلك أنها لا تمس الجماعة وإنما معناه تغليب حق الفرد على حق الجماعة، فللفرد أن يتنازل عن القصاص والدية، وهما العقوبتان المقررتان أصلا للجريمة، وقد أعطى له حق التنازل لأن الجريمة تمسه مساسا مباشرا، فإذا تنازل عن العقوبة لم يترك الجاني، وإنما يعاقب بعقوبة تعزيرية حفظا لمصلحة الجماعة التي مست مساسا غير مباشر.

وجرائم التعازير بعضها يمس مصلحة الجماعة، وبعضها يمس مصلحة الأفراد والجماعة على المعنى الذي شرحناه سابقا. والاصح أن كل جريمة تمس مصلحة الجماعة تمس في النهاية مصلحة الأفراد, وكل جريمة تمس مصلحة الأفراد تمس في النهاية مصلحة الجماعة ، ولو كان محل الجريمة حقا خالصا للفرد، وفي هذا يقول أحد الفقهاء: ((ما من حق لآدمي إلا ولله فيه حق، إذ من حق الله على كل مكلف ترك أذاه لغيره)) فإذا اعتبرت الشريعة بعض الجرائم ماسة بمصلحة الجماعة فذلك لأنها تمس مصلحة الجماعة أكثر مما تمس مصلحة الفرد، وإذا اعتبرت بعض الجرائم ماسة بمصلحة الأفراد فذلك لأنها تمس مصلحة الأفراد أكثر مما تمس مصلحة الجماعة.

(http://theuaelaw.com/vb/showthread.php?t=2053)

تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة :

جرائم عادية وجرائم سياسية

فرقت الشريعة من يوم وجودها بين الجرائم العادية وجرائم البغي أي الجرائم السياسية، ولكن الشريعة راعت في هذه التفرقة مصلحة الجماعة وأمنها، والمحافظة على نظامها وكيانها، فلم تعتبر كل جريمة ارتكبت لغرض سياسي جريمة سياسية، وإن كانت قد اعتبرت بعض الجرائم العادية التي ترتكب في ظروف سياسية معينة جرائم سياسية.

ولا تختلف الجريمة السياسية عن الجريمة العادية في طبيعتها، فكلاهما تتفق مع الأخرى في المحل والنوع والوسائل وإنما يختلفان في البواعث التي تبعث عليهما فالجريمة السياسية ترتكب لتحقيق أغراض سياسية، أو تدفع إليها بواعث، سياسية، أما الجرائم العادية فالأصل فيها أن تكون بواعثها عادية، ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن تدفع إليها بواعث سياسية، ومعنى هذا أن الجريمة العادية تختلط أحيانا بالجريمة السياسية، ولهذا كان للتفريق بين الجريمتين أهمية كبرى.(قايد , 1995م)

الخاتمة

الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...

فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع:" تصنيف الجرائم في الشريعة الإسلامية "

هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...

و بالله التوفيق ...

قائمة المراجع

1- أسامة عبد الله قايد: الجريمة أحكامها العامة في الأنظمة الحديثة, والفقه الإسلامي، الطبعة الثانية, دار النهضة العربية , القاهرة, 1995م . 

2- رؤوف عبيد ، مبادئ قانون العقوبات - القسم العام ، الطبعة الرابعة 1979 م. 

3- عبد القادر عودة ، التشريع الجنائي الإسلامي ، الجزء الأول ، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السابعة، 1986 م.

4- عبود السراج ، علم الإجرام وعلم العقاب ،دار غريب , القاهرة , 1981.

5- محمد سلامة محمد غباري, أسباب جنوح الأحداث , المكتب الجامعي الحديث, الإسكندرية 1987 .

6- محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات القسم العام ، الطبعة العاشرة 1983 ، دار النهضة العربية ، القاهرة , 1983م.

7-

http://theuaelaw.com/vb/showthread.php?t=2053


 المملكة العربية السعودية 

جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية 


تصنيف الجريمة في الشريعة الاسلامية


إعداد الطالب:

سعد عبد الله السعيدان

إشراف اللواء الدكتور:

أحمـــــد السعيـــــــد

العام الجامعي

1433-1434هـ

0 تعليق:

إرسال تعليق