جامعة الزيتونة الأردنية
كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية
المؤتمر العلمي الدولي السنوي السابع
إدارة المخاطر واقتصاد المعرفة
عنوان المداخلة:
"استخدام الهندسة المالية الإسلامية في إدارة المخاطر بالمصارف الإسلامية"
محور: إدارة المخاطر بالمصارف الإسلامية
من إعداد الباحثين:
الدرجة العلمية: دكتوراه دولة (نائب رئيس الجامعة المكلف بالبيداغوجيا و رئيس المجلس العلمي بكلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير)
المؤسسة: جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف.
استخدام الهندسة المالية الإسلامية في إدارة المخاطر بالمصارف الإسلامية
مستخلص:
يعتبر مصطلح الهندسة المالية من المفاهيم الحديثة التي دخلت عالم المال و الاستثمار، و هي تعني عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل، و من تعريفها يتضح إمكانية استخدامها في إدارة المخاطر، و لعل الاستفادة منها بالمصارف الإسلامية يعتبر ضرورة ملحة أكبر حتى من نظيرتها التقليدية، و إذا كانت الهندسة المالية تستخدم لإيجاد حلول لمشاكل التمويل أو تحقيق مزيد من الأرباح أو لإدارة لمخاطر، فإننا سنركز على دورها في إدارة المخاطر بالمصارف الإسلامية.
Abstract
The term financial engineering is a modern concepts, which entered the world of finance and investment, and is the means the design, development and implementation of the tools and processes innovative financial, in addition to formulate creative solutions to the problems of financing. From the definition it is clear the possibility of their use in risk management and the benefit from it in Islamic banking is very important, and whether the financial engineering used to find solutions to the funding problems or achieve more profits or for the risk management, we will focus on its role in risk management in Islamic banks.
المحور الأول: ماهية الهندسة المالية الإسلامية و تاريخها.What is Islamic financial engineering and its history.
أولاً: مفهوم الهندسة المالية الإسلامية و تاريخها. The concept and history of Islamic financial engineering
1- ماهية الهندسة المالية الإسلامية: What is Islamic financial engineering?
يقصد بالهندسة المالية: " مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل".
يقصد بالهندسة المالية الإسلامية: " مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل وكل ذلك في إطار موجهات الشرع الحنيف".
و يلاحظ أن هذا التعريف مطابق لتعريف الهندسة المالية غير أنه أضاف عنصراً جديداً و هو أنه يأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن يكون موافقاً للشريعة الإسلامية.
و هذا التعريف يشير إلى أن الهندسة المالية الإسلامية تتضمّن العناصر التالية:
- أولاً: ابتكار أدوات مالية جديدة.
- ثانياً: ابتكار آليات تمويلية جديدة.
- ثالثاً: ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية، مثل إدارة السيولة أو الديون، أو إعداد صيغ تمويلية لمشاريع معيّنة تلائم الظروف المحيطة بالمشروع.
- رابعاً: أن تكون الابتكارات المشار إليها سابقاً، سواء في الأدوات أو العمليات التمويلية موافقة للشرع مع الابتعاد بأكبر قدر ممكن عن الاختلافات الفقهية، أي تتميّز بالمصداقية الشرعية.
2- تاريخ الهندسة المالية في الإسلام:History of financial engineering in Islam
من حيث الواقع فالصنـاعة المـالية الإسـلامية وُجِدت منذ أن جاءت الشـريعة الإسـلامية بأحكامها المطهّرة. و ربّما كان توجيه النبي صلّى الله عليه و سلّم لبلال المازني رضي الله عنه، حين أراد أن يبـادل التمر الجيّد بالتمر الرديء، فقال له صلّى الله عليه و سلّم: "لا تفعل. بع الجمع بالدراهم و اشتر بالدراهم جنيباً " إشارة إلى أهمية البحث عن حلول تلبي الحاجات الاقتصـادية دون إخلال بالأحكام الشرعية، لكن الملاحظ أن الشريعة الإسلامية لم تأت بتفصيل هذه الحلول، و إنما جاءت بتفصيل ما لا يحل من المعاملات المالية. و هذا يتفق مع القول بأن الأصل في المعاملات الحل إلا ما عارض نصّاً أو حكماً شرعيـاً ثابتاً. و عليه فالشريعة الإسـلامية لم تحجر دائرة الابتكـار، و إنما على العكس، حجرت دائرة الممنوع، و أبقت دائرة المشروع متاحة للجهد البشري في الابتكار و التجديد.
كما يمكننا من خلال تتبع التاريخ الإسلامي الوصول إلى أنه تم استخدام الهندسة المـالية في كثير من المعاملات المالية، و من أمثلتها ما أجاب به الإمام محمد بن الحسن الشيباني حين سُئل عن مخرج للحالة التالية:
إذا قال شخص لآخر: اشترِ هذا العقار – مثلاً- و أنا اشتريه منك و أُربِحُكَ فيه، و خشي إن اشتراه ألا يشتريه منه مَن طلب الشراء. فقال الإمام: المخرج أن يشتري العقّار مع خيار الشرط له، ثم يعرضه على صاحبه، فإن لم يشتره فسخ العقد و ردّ المبيع. فقيل للإمام الشيباني: أرأيت إن رغب صاحبه – من طلب الشراء- في أن يكون له الخيار مدة معلومة؟
فأجاب: المخرج أن يشتري مع خيار الشرط لمدة أكبر من مدة خيار صاحبه، فإن فسخ صاحبه العقد في مدة خياره استطاع هو الآخر أن يفسخ العقد فيما بقي من المدة الزائدة على خيار صاحبه. إن الحلول أو المخارج التي أشار إليها الإمام الشيباني رحمه الله هي هندسة مالية بالمعنى الحديث للمصطلح و هي حلول مبتكرة للمشاكل المالية التي كانت تواجه الأفراد خلال تلك الفترة، بل و تستخدم هذه الحلول إلى يومنا هذا.
ثانياً: خصائص الهندسة المالية الإسلامية. Characteristics of Islamic Financial Engineering
الصنـاعة المـالية الإسلامية تهـدف إلى إيجاد منتجات و أدوات مـالية تجـمع بين المصـداقية الشـرعية و الكفـاءة الاقتصادية. فالمصداقية الشرعية هي الأساس في كونها إسلامية، و الكفاءة الاقتصادية هي الأساس في قدرتها على تلبية احتياجات الاقتصادية و منافسة الأدوات التقليدية.
1- المصداقية الشرعية:
تعني المصداقية الشرعية أن تكون المنتجات الإسلامية موافقة للشرع بأكبر قدر ممكن، و هذا يتضمن الابتعاد الخروج من الخلاف الفقهي قدر المستطاع. إذ ليس الهدف الأساس من الصناعة المالية الإسلامية ترجيح رأي فقهي على آخر، و إنما التوصل إلى حلول مبتكرة تكون محل اتفاق قدر الإمكان. و عليه ينبغي أن نفرق ابتداءً بين دائرة ما هو جائز شرعاً، و بين ما تطمح إليه الصناعة الإسلامية. فالصناعة الإسلامية تطمح لمنتجات و آليات نموذجية إن صح التعبير. بينما دائرة المشروع تشمل ما قد يكون نموذجياً بمقيـاس العصر الحـاضر، و ما ليس كذلك. السبب أن الشرع جاء للجميع في كل زمـان، و ظروفُ الأفراد و المجتمعات تتفاوت و تتباين، فقد لا تكون الحلول النموذجية الآن ملائمة لعصر آخر. بينما الحلول التي تقدمها الصناعة الإسلامية ينبغي أن تكون نموذجاً للاقتصاد الإسلامي، فينبغي اختيار أفضل تلك النماذج و أحسنها تعبيراً عن الإسلام.
2- الكفاءة الاقتصادية:Economic efficiency
إن التطرق لمفهوم الكفاءة الاقتصادية يستدعي البحث في المفاهيم التالية الربح القياسي، الربح البديل و التكلفة. تتميز الهندسة المالية الإسلامية بالإضافة إلى المصداقية الشرعية بخاصية أخرى مناظرة لتلك التي تتميز بها الهندسة المالية التقليدية و هي الكفاءة الاقتصادية. و يمكن لمنتجات الهندسة المالية زيادة الكفاءة الاقتصادية عن طريق توسيع الفرص الاستثمارية في مشاركة المخاطر و تخفيض تكاليف المعاملات و تخفيض تكاليف الحصول على معلومات و عمولات الوساطة و السمسرة.
3- العلاقة بين الكفاءة الاقتصادية و المصداقية الشرعية:
إن الخاصيـتين المشار إليهما: المصـداقية الشـرعية و الكفاءة الاقتصادية، ليستا منعزلتين عن بعضهما، بل في غالب الحالات نجد أن البحث عن الكفاءة الاقتصادية يؤدي إلى حلول أكثر مصداقية، و العكس صحيح. و يمكن توضيح ذلك من خلال الأمثلة التالية:
بطاقة الائتمان: من بين صور الترابط الكفاءة الاقتصادية و المصداقية الشرعية في الهندسة المالية الإسلامية بطاقة الائتمان. حيث من بين الحلول التي أمكن استخدامها باستخدام الهندسة المالية الإسلامية ما يلي:
- يدخل المصرف شريكاً للتاجر من خلال شراء 97% من السلعة(بافتراض أن المصرف يفرض 3%رسماً من سعر السلعة).
- يبيع التاجر السلعة، بحكم كونه شريكاً، لحساب المشاركة بثمن مؤجل على العميل، مثلا بزيادة 10% على السعر الحال، مع تحديد وقت السداد.
- يتولى التـاجر تسليم السلعة للمشتري و تقديم الخـدمة الفنية المتصلة بها، بينما يتولى المصرف التحصيل و متابعة السداد.
- عند اكتمال السداد، تم اقتسام الأرباح بين المصرف و التاجر بحسب الاتفاق.
بهذه الطريقة تصبح النسبة التي يخصمها المصرف على التاجر حصة في السلعة المباعة، و يصبح التاجر من ثم شريكاً للمصرف في الأرباح....
و هناك الكثير منها، نكتفي هنا بهذا المثال، و يمكن النظر إلى استخدام الهندسة المالية الإسلامية في التحوط و إدارة المخاطر بالمؤسسات المالية الإسلامية في المحور الثاني من هذا البحث، حيث تتأكد لنا ارتباط المصداقية الشرعية و الكفاءة الاقتصادية.
ثالثاً: أسس الهندسة المالية الإسلامية:Fundamentals of Islamic Financial Engineering
يمكن توضيح الأساس الإسلامي لمفهوم الهندسة المالية في الإسلام من خلال حديث النبي صلّى الله عليه و سلّم حيث قال ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أوزارهم شيئا ). و يستدل من هذا الحديث الدعوة للابتكار وإيجاد الحلول للمعضلات المختلفة المالية وغير المالية طالما كانت في مصالح العباد. أيضا الدعوة للاجتهاد وضرورة مواصلته تعتبر من الموجهات الإسلامية القيمة التي تدعو إلى التجديد باستمرار ضمانا لحسن الأداء، وبالتالي المنافسة بإيجابية في سوق الخدمات المالية وأيضا في غيره من المسائل الحياتية للمجتمع المسلم، كما يدل الحديث على أن العمل الذي يصدق عليه أنه استنان، يتصف بالأمور التالية:
أنه حديث أو جديد، لأنه وجه أنظار الناس على شيء لم يكونوا قد عملوا به من قبل.
أنه في الإسلام، أي في المجتمع الإسلامي و في البيئة الإسلامية. و ظاهر العبارة يشير إلى أن المقصود من السنة المبتكرة هو إتباع الإسلام، و إن كان هذا القصد وحده لا يكفي في اعتبار العمل نفسه إسلامياً.
أنه يوصف بالحسن و السوء، بحسب موافقته أو مخالفته لأحكام الشريعة و مقاصدها. لكن لا يلزم أن يعمل الناس بهذه السنة حتى تستحق هذا الوصف، لأن الأجر أو الوزر ثابت، سواء وجد الأتباع أم لم يوجد.
لكن الحديث نبّه كذلك إلى خطورة الابتكار الضار غير المشروع، إذ يتحمل الشخص في هذه الحالة مثل أوزار من تبعه. فالحديث ينبه على القاعدة الاقتصادية المعروفة: ارتباط العائد بالمخاطرة، و كلما كان العائد المحتمل أكبر، كلما كانت الخسارة المحتملة أكبر. فكما أن فضل الابتكار النافع كبير، فكذلك وزر الابتكار الضار.
انطلاقاً مما سبق يمكننا تفصيل الأسس التي تقوم عليها الهندسة المالية الإسلامية، ذلك كما يلي:
الأسس العامة للهندسة المالية الإسلامية.General foundations of Islamic financial engineering
1- تحريـم الربـا بأنـواعـه:
الربا في اللغة الزيادة، و المقصود به هنا هو الزيادة على رأس المال، قلّت أو كثرت. يقول الله تعالى: "وَ إِن تُبتُم فَلَكُم رؤُوس أَموَالِكُم لا تَظلَمون". و يقول سبحانه و تعالى: "يَا أيها الذِين آمنُوا اتّقُوا الله و ذَرُوا مَا بقِي منَ الرِّبا إِن كنتُم مُؤمنين"، و قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم: "اجتنبوا السبع الموبقات"، و ذكر منها "الربا" ، و هو محرم في جميع الأديان السماوية و الحكمة من تحريمه أن فيه ضرراً عظيماً، فهو يسبب العداوة بين الأفراد، كما يؤدي إلى خلق طبقة مترفة لا تعمل شيئاً. و الربا قسمان: ربـا النسيئة، و هو الزيـادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التـأجيل، و هذا النوع محرم بالكتـاب و السنة و إجماع الأئمة، و ربا الفضل الذي هو بيع النقود بالنقود أو الطعام بالطعام مع الزيـادة، و هو محرم لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة. و يعتبر بحث الربا مشبعاً من النواحي الشرعية و مؤصلاً و مسنداً في كتب الفقه، لكن الغوص فيه ليس سهلاً للكثيرين، خاصة غير المختصين بالعلوم الشرعية، لهذا نجد من الاقتصاديين من حاول إيجاد نماذج لإعادة تقديم الربا بأسلوب يتناسب و اللغة العلمية المعاصرة.
2- حريـة التعــاقـد:
و المقصود بحرية التعاقد إطلاق الحرية للناس في أن يعقدوا من العقود ما يرون، و بالشروط التي يشترطون غير مقيَّدين إلا بقيد واحد، و هو ألاّ تشتمل عقودهم على أمور قد نهى عنها الشارع، و حرمها كأن يشتمل العقد على الربا، أو نحوه مما حرمه في الشرع الإسلامي. فما لم تشتمل تلك العقود على أمر محرم بنص أو بمقتضى القواعد العامة المقررة التي ترتفع إلى درجة القطع و اليقين، فإن الوفاء بها لازم، و العاقد مأخوذ بما تعهّد به، و إن اشتملت العقود على أمر حرمه الشارع فهي فاسدة، أو على الأقل لا يجب الوفاء بالجزء المحرّم منها.
3- التيسير و رفع الحرج:
من غير عسر أو حرج أي بدون مشقة، والمـراد من الحرج الضيق، فإذا صار العبد في حـالة لا يستطيع معها القيـام بالعبـادة على النحو المعتـاد فإن الله سبحانه وتعالي يرخص له في أدائها حسب إستطاعته, وفي هذا رفع للحـرج عن العبـاد, وقد عبر العلماء عن هذه القاعدة بقولهم { المشقة تجب التيسير }.يقول الله عز وجل :{ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا إِلاَّ وُسْعَها } ... ويقول : { ومَا جَعَلَ عليكُم في الدِّين مِن حَرَج } ... وقال النبي صلى الله عليه وسلّم:{ إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} ويظهر أثر هذه القاعدة واضحا في التكاليف الشرعية، فالله جل وعلا لم يفرض علي المؤمنين من العبادات إلا ما وسعهم، وفي مجال المعاملات نجد القاعدة مطردة حيث جعل الله سبحانه باب التعاقد مفتوحا أمام العباد وجعل الأصل فيها من الاباحة و لم يضع من القيود الا تلك التي تمنع الظلم أو تحرم أكل أموال الناس بالباطل.
4- الاستحسـان و الاستصـلاح (المصـالح المرسلة):
و الاستحسان هو باب لحرية التعاقد. و يُروى عن الإمام مالك أنه قال: "الاستحسان تسعة أعشار العلم". و الاستحسان هو ما يستحسنه المجتهد بعقله من غير أن يوجـد نص يعارضه أو يثبته، بل يرجع فيه إلى الأصل العام، و هو جريان المصالح التي يقرها الشرع، و قال البعض أن الاستحسان هو أن يعدل المجتهد عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حَكَمَ به في نظائرها، إلى غيره، و ذلك لدليل أقوى يقتضي العدول عن الدليل الأول المُثْبِت لحكم هذه النظائر. أما المصـالح المرسـلة و التي يسميها بعض الأصوليين الاستصـلاح، و هو صنو الاستحسـان، و قريب منه في مرماه و إن كان هو أوسع شمولاً. و معنى المصالح المرسلة أو الاستحسان الأخذ بكل أمر فيه مصلحة يتلقاها العقل بالقبول، و لا يشهد أصل خاص من الشريعة بإلغائها أو اعتبارها. و لكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار:
- أن الأخذ بمبدأ المصالح، و لو لم يشهد لها دليل خاص من الشارع يفتح باب الهوى و الشهوة، فيكون كل ما يشتهيه الشخص و يرغبه مصلحة ينبني عليها حكم شرعي بالإباحة و الإقرار، و ذلك يؤدي إلى المفاسد و البوار.
- أن المصالح المرسلة تختلف باختلاف البلدان و باختلاف الأقوام، باختلاف الأشخاص، بل باختلاف أحوال الشخص الواحد، فإذا جعلنا كل مصلحة تقتضي حكماً يناسبها، فقد تتناقض أحكام الشريعة الإسلامية، و تتضارب، فيكون مرة حلال، ومرة حراماً، و ذلك لا يجوز في الشرع.
- أن المصلحة المرسلة التي تناط بها أحكام الشريعة الإسلامية هي المصلحة التي فيها المحافظة على مقصود الشارع.
5- التحذير من بيعتين في بيعة واحدة:
الأساس الآخر للهندسة المالية الإسلامية هو النهي عن بيعتين في بيعة واحدة. و النهي هنا ينصب على ما كان بين الطرفين، لأنه صلّى الله عليه و سلّم نهى عن بيعتين في بيعة، والبيعة إنما تكون بين طرفين، فإذا تضمنت بيعتين عُلِم أنها بين طرفين. فإذا كانت إحدى البيعتين مع طرف و الأخرى مع طرف آخر لم تدخل في النهي. و باختصار فإن أي بيعتين بين طرفين تكون محصلتهما بيعة من نوع ثالث، ينبغي النظر إليها بمقياس البيعة الثالثة. و في هذه الحالة الحكم تابعاً لحكم البيعة الثالثة، فإن كانت (أي البيعة الثالثة) ممنوعة شرعاً كانت البيعتان كذلك. و إن كانت البيعة الثالثة مقبولةً شرعاً لم يكن هناك حاجة للبيعتين، و أمكن تحصيل المقصود من خلال البيعة الثالثة مباشرة. و هذه القاعدة أي النهي عن بيعتين في بيعة واحدة هي أهم أسس الهندسة المالية الإسلامية. و ترجع أهميتها إلى أنها هي التي تضمن بالإضافة إلى السلامة الشرعية، الكفاءة الاقتصادية للمعاملات المالية.
المحور الثاني: مخاطر المصارف الإسلامية و استخدام الهندسة المالية في التحوُّط منها و إدارتها.The risks of Islamic banks and the use of financial engineering in hedging and managing them.
مبدئياً فإن ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار عند دراسة المخاطر التي تواجه المصارف الإسلامية هو طبيعة هذه المؤسسات في ذاتها، و بالضبط ما تعلق بهيكل الموجودات (ميزانية المؤسسة المالية)، حيث سنجد نوعين رئيسين هما:
الأول: هي المصارف الإسلامية التي تعمل على أساس المضاربة في جانب الأصول و في جانب الخصوم. و تكون صيغة المشاركة في الربح هي التي تحل محل التمويل الربوي. و وفقاً لهذا النموذج، فإن جميع الأصول يأتي تمويلها من خلال أموال استقطبت على أساس المشاركة في الربح- المضاربة.
الثاني: و هو نموذج المضاربة من طرف واحد في جانب الخصوم مع استخدام صيغ تمويل متعددة في جانب الأصول.
أولاً: مخاطر تختص بطبيعة عمل المصارف Risks related to the nature of the banking business
و هذه المخاطر يمكن أن تشترك فيها المصارف الإسلامية مع بقية المصارف التقليدية، و هي تشمل:
1- مخاطر الائتمان :credit risk
تكون مخاطر الائتمان في صورة مخاطر تسوية أو مدفوعات تنشأ عندما يكون على احد أطراف الصفقة أن يدفع نقودا (مثلا في حالة عقد السلم أو الاستصناع ) أو عليه أن يسلم أصولا (مثلا في بيع المرابحة قبل أن يتسلم ما يقابلها من أصول أو نقود،مما يعرضه لخسارة محتملة. وفي حلة صيغ المشاركة في الأرباح (مثل المضاربة والمشاركة وتأتي مخاطر الائتمان في صورة عدم قيام الشريك بسداد نصيب المصرف عند حلول اجله . وقد تنشأ هذه المشكلة نتيجة تباين المعلومات عندما لا يكن لدى المصارف المعلومات الكافية عن الأرباح الحقيقية لمنشآت الأعمال التي جاء تمويلها على أساس المشاركة / المضاربة. وبما أن عقود المرابحة هي عقود متاجرة، تنشا المخاطر الائتمانية في صورة مخاطر الطرف الآخر وهو المستفيد من التمويل والذي تعثر أداؤه في تجارته ربما بسبب عوامل خارجية عامة وليست خاصة به.
2- مخاطر السيولة:liquidity risk
و هي التي تحدث نتيجة صعوبات الحصول على نقدية بتكلفة معقولة إما بالاقتراض أو ببيع الأصول. و مخاطر السيولة التي تنشأ من هذين المصدرين حرجة و مهمة للمصارف و المؤسسات المالية الإسلامية. و كما هو معلوم، فإن القروض بفوائد لا تجوز في الشريعة الإسلامية، و لذلك فإن المصارف الإسلامية لا تستطيع أن تقترض أموالا لمقابلة متطلبات السيولة عند الحاجة. و إضافة لذلك، لا تسمح الشريعة الإسلامية ببيع الديون إلا بقيمتها الاسمية. و لهذا فلا يتوفر للمصارف الإسلامية خيار جلب موارد مالية ببيع أصول تقوم على الدين.
3- مخاطر السعر المرجعي:Reference price risk
قد يبدو أن المصارف الإسلامية لا تتعرض لمخاطر السوق الناشئة عن المتغيرات في سعر الفائدة تحدث بعض المخاطر في إيرادات المؤسسات المالية. فالمؤسسات المالية تستخدم سعراً مرجعياً لتحديد أسعار أدواتها المالية المختلفة. ففي عقد المرابحة مثلاً يتحدد هامش الربح بإضافة هامش المخاطرة إل السعر المرجعي، و هو في العادة مؤشر ليبور. و طبيعة الأصول ذات الدخل الثابت تقتضي أن يتحدد هامش الربح مرة واحدة طوال فترة العقد. و على ذلك، إنْ تغيّر السعر المرجعي، فلن يكون بالإمكان تغيير هامش الربح في الدخول ذات الدخل الثابت. و لأجل هذا، فإن المصارف الإسلامية تواجه المخاطر الناشئة من تحركات سعر الفائدة في السوق المصرفية.
4- مخاطر التشغيل و المخاطر القانونية:Operational and legal risks
تنشأ مخاطر التشغيل عندما لا تتوافر للمصرف الإسلامي الموارد البشرية الكافية و المدربة تدريباً كافياً للقيام بالعمليات المالية الإسلامية. و بما أن هناك اختلافاً في طبيعة العقود المالية الإسلامية، فإن هنالك مخاطر تواجه المصارف الإسلامية في جـانب توثيق هذه العقود و تنفيذها، و كذلك بما أنه لا تتوفر صور نمطية موحدة لعقود الأدوات المالية المتعددة، فقد طورت المصـارف الإسلامية هذه العقود وفق فهمها للتعاليم الشرعية و القوانين المحلية، و وفق احتياجاتها الراهنة. ثم إن عدم وجود العقود الموحدة إضافة إلى عدم توفر النظم القضائية التي تقرر في القضايا المرتبطة بتنفيذ العقود من جانب الطرف الآخر، تزيد من المخاطر القانونية ذات الصلة بالاتفاقيات التعاقدية الإسلامية.
5- مخاطر السحب و مخاطر الثقة:Withdrawal risk and confidence risk
يقود نظام العائد المتغير على ودائع الادخار و الاستثمار إلى حالة عدم التأكد من القيمة الحقيقية للودائع. فالمحافظة على قيمة الأصول بمعنى تخفيض مخاطر الخسارة جراء معدل العائد المنخفض ربما يكون العامل المهم في قرارات العملاء الخاصة بسحبهم أرصدة ودائعهم. و من وجهة نظر المصرف، فإن ذلك يؤدي إلى مخاطر السحب التي يكون وراءها معدّل العائد المنخفض مقارناً بالمؤسسات المالية الأخرى، كما قد يؤدي معدل عائد منخفض للمصرف الإسلامي مقارناً بمتوسط العائد في السوق المصرفية، قد يؤدي إلى مخاطر الثقة، حيث ربما يظن المودعون و المستثمرون أن مرد العـائد المنخفض التعدي أو التقصير من جانب المصرف الإسلامي. و قد تحدث مخاطر الثقة بأن تخرق المصارف الإسلامية العقود التي بينها و بين المتعاملين معها. و على سبيل المثال، قد لا يستطيع المصرف الإسلامي الالتزام الكامل بالمتطلبات الشرعية لمختلف العقود. و بما أن المسوِّغ الأساسي لأعمال المصارف الإسلامية، هو التزامها بالشريعة، فإن عدم مقدرتها على الوفاء بذلك أو عدم رغبتها يمكن أن يقود إلى مشكلة ثقة عظيمة الأثر و بالتالي تؤدي إلى سحب الودائع.
6- مخـاطر الإزاحة التجارية:Commercial displacement risk
و هذا النوع من المخـاطر هو تحويل مخـاطر الودائع إلى المساهمين. و يحدث ذلك عندما تقوم المصارف، وبسبب المنافسة التجارية في السوق المصرفية. بدعم عائدات الودائع من أرباح المساهمين لأجل أن تمنع أو تقلل من لجـوء المودعين إلى سحب أموالهم نتيجة العـوائد المنخفضة عليها. و مخاطر الإزاحة التجارية تعني أنه قد يعجز المصرف الإسلامي(رغم أنه يعمل وفق ضوابط الشريعة الإسلامية) عن إعطاء عائد منافس على الودائع مقارناً بالمصارف الإسلامية أو التقليدية المنافسة. و هنا قد يتوفر الدافع مرة أخرى لكي يقرر المودعون سحب أموالهم. و لمنع ذلك يحتاج مالكو المصرف الإسلامي إلى أن يتخلوا عن بعض أرباح أسهمهم لصالح المودعين في حسابات الاستثمار.
ثانياً:المخاطر التي تختص بها صيغ التمويل الإسلامية.The risks that are specific to Islamic financing formulas
1- التمويل بالمرابحة:Murabaha financing
إن عقد المرابحة هو أكثر العقود المـالية الإسلامية استخدامـاً، و إن أمكن تنميط العقد و توحيده فإنه يمكن أن تكون مخاطره قريبة من مخاطر التمويل التقليدي الربوي. و بصفة عامة فإن المخاطر التي تعترض هذه الصيغة التمويلية تتمثل في أن الصيغة الموحدة لعقد المرابحة قد لا تكون مقبولة شرعاً لجميع علماء الشريعة، و هذا ما يؤدي على ما يعرف بـ"مخاطر الطرف الآخر في العقد". و وفقاً لقرار مجمع الفقه الإسلامي فإن الوعد في عقد المرابحة قد يكون ملزماً لطرف واحد (و هو بالنسبة للمجمع ملزم للزبون)، لكن فقهاء آخرين اعتبروه غير ملزم للزبون...و هذا يعني أن بإمكان الزبون التراجع عن إتمام عقد الشراء حتى بعد أن يصدر عنه الوعد و بعد أن يقوم بدفع العربون.
2- التمويل بالسلم:
هنالك على الأقل نوعان من المخـاطر في عقد السلم مصدرهما الطرف الآخر في العقد. و فيما يلي تحليل مختصر لهذه المخاطر:
تتفاوت مخاطر الطرف الآخر من عدم تسليم المسلم فيه في حينه أو عدم تسليمه تماماً، إلى تسليم نوعية مختلفة عما اتفق عليه في عقد السلم. و بما أن عقد السلم يقوم على بيع المنتجات الزراعية، فإن مخاطر الطرف الآخر قد تكون بسبب عوامل ليس لها صلة بالملاءة المالية للزبون.
لا يتم تداول عقود السلم في الأسواق المنظمة أو خارجها، فهي اتفاق بين طرفين ينتهي بتسليم سلع عينية و ن تحويل ملكيتها. و هذه السلع تحتاج إلى تخزين و بذلك تكون هناك تكلفة إضافية و مخاطر أسعار تقع على المصرف الذي يملك هذه السلعة بموجب عقد السلم.
3- التمويل استصناعاً:
عندما يقدم المصرف التمويل وفق عقد الإستصناع ،فانه يعرض رأس ماله لعدد من المخاطر الخاصة بالطرف الآخر، وهذه تشمل الآتي:
مخاطر الطرف الآخر في عقد الإستصناع التي تواجهها المصارف و الخاصة بتسليم السلع المباعة استصناعا تشبه مخاطر عقد السلم،حيث يمكن أن يفشل الطرف الآخر في تسليم السلعة في موعدها أو أنها سلعة رديئة، غير أن السلعة موضع العقد في حالة الإستصناع تكون تحت سيطرة الزبون (الطرف الآخـر ) و اقل تعرضا للجوائح الطبيعية مقارنا بالسلع المباعة سلماً. و لأجل ذلك ،من المتوقع أن تكون مخاطر الطرف الآخر (المقاول)في الإستصناع أقل خطورة بكثير مقارنا بمخاطر الزبون في عقد السلم.
مخاطر العجز عن السداد من جانب المشتري ذات طبيعة عامة، بمعنى فشله في السداد بالكامل في الموعد المتفق عليه مع المصرف.
إذا اعتبر عقد الإستصناع عقدا جائزا غير ملزم – وفق بعض الآراء الفقهية- فقد تكون هنالك مخاطر الطرف الآخر الذي يعتمد على عدم لزومية العقد فيتراجع عنه.
وان تمت معاملة الزبون في عقد الإستصناع معاملة الزبون في عقد المرابحة، وان تمتع بخيار التراجع عن العقد ورفض تسليم السلعة في موعدها، فهناك مخاطر إضافية يواجهها المصرف الإسلامي عند التعامل بعقد الإستصناع.
4- التمويل مشاركة:
مضاربة. بصفة عامة تزيد المخاطر المتوقعة في صيغ المشاركة و المضاربة للأسباب التالية:
إذا كان المصرف الإسلامي يتلقى الأموال باعتباره عامل مضاربة لاستثمارها، و رأينا أن جزءاً من هذه الأموال يستثمر في التجارة بالبيع و الشراء، فإن من العقود التي يلجأ إليها في استثماراته عقد المضاربة (أو القراض)، هذا يعني ـ في هذه الحالةـ انه يصبح صاحب رأس المال، و العميل المشارك يكون عامل المضاربة. و حيث أن عامل المضاربة وكيل أمين فهنا تكمن المخاطرة الأخلاقية، و لذلك كان لا بد من اتخاذ الوسائل الكفيلة بتقليل مخاطرة المضاربة...
عدم وجود مطلب الضمان مع وجود احتمالات الخطر الأخلاقي.
الانتقاء الخاطئ للزبائن.
بسبب ضعف كفاءة المؤسسات المالية الإسلامية في مجال تقييم المشروعات و تقنياتها.
ثم إن الترتيبات المؤسسية مثل المعاملة الضريبية و نظم المحاسبة و المراجعة، و الأطر الرقابية جميعها لا تشجع التوسع في استخدام هذه الصيغ من قبل المؤسسات المالية الإسلامية.
المحور الثالث: الهندسة المالية في إدارة المخاطر بالمؤسسات المالية الإسلامية.Financial engineering in risk management in Islamic financial institutions
إن استخدامات الهندسة المالية الإسلامية في إدارة المخاطر و التحوط منها لا يمكن حصرها بسبب تشعّبها ثم لأنها لا تتقيّد بقيود إلا تلك التي أشرنا إليها عندما تطرقنا لأسس الهندسة المالية الإسلامية. و لكن يمكننا عموماً تقسيم استخدامات الهندسة المالية الإسلامية في إدارة المخاطر إلى قسمين، الأول منها يستخدم عقود تقليدية إسلامية، أي عقود مسماة في الفقه الإسلامي، و الثاني يستخدم العقود المستحدثة (مثل المشتقات الإسلامية و التوريق...) و هي التي ما يزال النقاش دائراً حول مدى مشروعيتها أصلاً...
أولاً: إدارة المخاطر و التحوط منها باستخدام عقود مسماة في الفقه الإسلامي.Risk management and hedging using contracts named in Islamic jurisprudence
1- البيع الحال:
و ذلك بشراء جـميع الاحتياجات المستقبلية حالاً و دفع قيمتها نقداً و استلامها و تخزينها. إن هذه الطريقة قد لا تكون ممكنة أو تكون ممكنة بتكلفة مرتفعة و ذلك لأنه:
قد لا تتوفر جميع الاحتياجات حالاً و خاصة المنتجات الموسمية.
قد لا تتوفر السيولة لشراء الاحتياجات حالاً
هناك تكاليف إضافية يتحملها المشتري مثل تكلفة التخزين للسلع و تكلفة الفرصة البديلة لثمن السلعة المخزنة التي سوف لن يحتاجها إلا في المستقبل.
2- بيع السلم:
و هنا يتم شراء احتياجاته المستقبلية و لكن بثمن حال، و بالتالي يحقق بيع السّلم التحوط المطلوب بتثبيت ثمن الشراء المستقبلي، و لكن فقط لمن يستطيع أن يقوم بسد حاجة البائع للتمويل.
ثانياً: استخدام الهندسة المالية الإسلامية في التحوط و إدارة المخاطر بالمؤسسات المالية الإسلامية.The use of Islamic financial engineering in hedging and risk management in Islamic financial institutions
1. بيع دين السلم (أو التوريق الإسلامي):
يعتبر بيع دين السـلم قبل قبضه من القضـايـا التي تثير خلافـات فقهية. فقد أجازه الإمام مـالك رحمه الله إذا كان من غير الطعام، و منعه سائر الأئمة. قد يتبنى البعض رأي الإمام مـالك و يطرح فكرة تسييل (توريق) الديـون السلعية على هذا الأسـاس. بل و من المـمكن تسيـيل الديـون السلعية بصـورة يوافـق عليها جميع الأئمة (فالهنـدسة المـالية الإسـلامية كمـا رأينـا من قبل تهدف إلى الابتعـاد قدر الإمكـان عن الخلاف الفقهي) دون فـارق كبير بالنسبة للمنـتج. فيمكن للدائن (حامل سند دين السلم) أن يبيع سلماً موازٍ للأول، بنفس المواصفات و الشـروط و يمكن أن يضـاف إلى ذلك اعتبار الدين رهناً للسلم الموازي. فإذا صح اعتبار السلم الأول رهناً للسلم الثاني صار الدينان متقاربين في درجة المخاطرة و متماثلين في الخصائص الأخرى.
2. التورق و إدارة المخاطر:
التورق هو صيغة للحصول على السيولة ، و هو أن يشتري شخص السلعة إلى أجل، ليبيعها و يأخذ ثمنها لينتفع به، و يتوسع فيه، كأن يحتاج إلى نقود، فيذهب إلى التاجر و يشتري منه ما يساوي مائة (100) بمائة وخمسين (150) على أجل، ليسد به حاجته. و هو بيع جائز لا مانع منه لأن البائع الذي كان مشترياً باع السلعة إلى شخص آخر غير البائع الأول. و هو مثال لهندسة مالية غير كفؤة، إذ يتحمل المشتري تكاليف القبض و الحيازة ثم خسارة البيع الفوري، و هي جميعاً تكاليف إضافية لا تفيد المتورق بشيء. لكن يوجد في الفقه الإسلامي ما يغني عن هذه الصيغة، بصورة أكثر كفاءة و أكثر مشروعية، و ذلك من خلال عقد السّلَم. حيث يقبض المحتـاج للسيولة النقد مقدَّماً مقابل سلعة في الذمة مؤجلة. و إذا كان الدائن تاجراًَ كان السَّلَم محقِّقاً لمصلحة الطرفين: البائع (الراغب في السيـولة) ينتفع من خلال الحصول على النقد دون إجراءات إضافية، و المشتري (التاجر)، ينتفع من خلال ضمان حصوله على سلعة تدخل في نطاق تجارته، بذلك يمكن للتاجر توظيف فائض السيولة لديه في مجال الائتمان. و إذا كان المشتري ممولاً، فيمكنه استخدام السلعة في البيع الآجل، و بذلك تكتمل الدورة التجارية للممول. فيشتري السلعة سلماً، ثم بعد قبضها يبيعها بالأجل. و هذا سيعطي الممول فرصة أفضل لتنويع محفـظته الاستثمـارية، فبدلاً من أن تكون جميعها ديوناً نقدية، يكون بعضها نقديـاً و بعضها سلعياً. و التنويع كما هو معلوم من أفضل الطرق لتحييد المخـاطرة. فإذا ارتفعت أسعار السلعة محل المتاجرة، كان ذلك خسـارة في ديون النقد، و لكنه يمثّل ربحاً في ديون السّلم، و العكس بالعكس. فالمحصِّلة هي تخفيض المخاطرة بدرجة عالية. و بناءً على توقُّعات السوق يمكن للممول أن يوزِّع محفظته بين السلم و البيع الآجل بما يحقق أفضل عائد بأقل مخاطرة.
3. إدارة مخطر عدم السداد أو المماطلة في الدفع في عقود المرابحة للآمر بالشراء، و يقترح بهذا الخصوص أ.د أحمد بن علي السالوس الحل التالي:
- عند عجز المدين (المشتري) عن الدفع، و علم المصرف بهذا، يمكنه آن يدخل مع هذا المدين في شركة بقيمة الدين.
- اللجوء إلى إعادة الاتفاق على نسبة الربح، بحيث تزيد هذه النسبة لصالح المصرف تبعاً للزمن الذي يتأجل إليه الدفع.
هذا مع الإشارة في الأخير إلى أن هناك اعتقادًا لدى الكثير من المنظرين في التمويل و الصيرفة الإسلامية إلى أن المخاطر التي تواجه المصارف و المؤسسات المالية الإسلامية تزداد بشكل كبير نتيجة الفجوة ما بين النظرية و التطبيق...هذا ما يعني أن واحدة من أهم طرق تقليل مخاطر المصارف المؤسسات المالية الإسلامية هو الالتزام التام بأحكام فقه المعاملات المالية في كل تعاملاتها.