مقال عن السياحة
السياحة المستدامة في المملكة العربية السعودية
شهد العقد الماضي اهتماماً دولياً بشؤون السياحة المستدامة وحمايتها وخاصة في السنوات الأخيرة، حيث جاءت قضايا إدارة موارد السياحة ومرافقها وحمايتها وتنميتها من الأولويات في سياسات كثير من الدول ومجالات تعاونها.
وفي الوقت الحاضر تشهد المملكة العربية السعودية وعياً ثقافياً وعلمياً واجتماعياً، يعطي الموارد السياحية اهتماماً بالغاً في الحماية والحفاظ عليها، بحيث أصبح هذا الاتجاه له تأثير مباشر على التفكير ونمط الحياة بين مواطنيها.
وهو توجه يتفق والتراث الحضاري، والذي تسعى إليه خطط التنمية الوطنية في المملكة، فهي رائدة إدراج مبادئ الوعي بالسياحة ومقوماتها.
و هناك حقائق مهمة في هذا الموضوع منها:
1) أن الشريعة الإسلامية ومن خلال القرآن الكريم والسنة النبوية وضعت تصوراً شاملاً لبيئة السياحة تشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد والماء والهواء.
2) لقد أرست الشريعة الإسلامية مبدأ سد الذرائع إلى الفساد أيّاً كان نوعها، تقييداً للتعامل مع بيئة السياحة، وبما يدرأ عنها المفسدة إبان التصرف السيء في المباحات أو الحقوق، فضلاً عن المجاوزة والعدوان وهو مبدأ عظيم الأثر في توثيق مصالح الأمة مادياً ومعنوياً بما يشمل موارد السياحة، ويندرج في مضمون هذا مفهوم الحفاظ على المقومات السياحية.
3) حماية الموارد السياحية في الشريعة الإسلامية أمانة ومسؤولية يتطلبها الإيمان وتقتضيها عقيدة الاستخلاف في الأرض.
وحول مفهوم السياحة فحسب المفهوم العالمي للسياحة، فإن هناك ثلاثة أنواع من السياحة هي:
1- السياحة الداخلية وتشمل حركة المواطن داخل الحدود السياسية لدولة معينة ويمارسها سياح من سكان تلك الدولة من مواطنيها أو المقيمين بها.
2- السياحة الواردة وتعني حركة المسافر غير المواطن في بلد غير بلده (البلد المستقبلة).
3- السياحة الصادرة وتعني حركة المواطن إلى بلد غير بلده.
وهنا نشير إلى أن أهم نوع من أنواع السياحة وأكثرها جذباً للعملات الأجنبية بالنسبة للملكة، هي السياحة الروحية أو السياحة الدينية ـ إن صحت التسمية ـ المتمثلة في الزيارة التي يقوم بها المسلمون إلى المملكة سنوياً إلى الأماكن المقدسة بغرض الحج والعمرة.
وعليه فإن الاستثمار السياحي يعرّف بأنه الاستثمار في أحد المجالات التي يغطيها قطاع السياحة. وتشمل هذه المجالات التسهيلات السياحية الأولية والخدمات السياحية المساندة.
و مفهوم الاستدامة هو مبدأ يقول بأن النمو الاقتصادي والتطور لابد أن يقوما ويحافظ عليها ضمن حدود العلاقات المتبادلة بين الناس وأفعالهم وبين المحيط الحيوي والسنن التي تحكمه.
والاستدامة مبدأ يعني تحقيق مستوى معقول من الرخاء والأمن لجميع أفراد المجتمع بين الدول النامية، ولذلك يُعدُّ أمراً أساسياً لحماية التوازن البيئي والحفاظ على مقومات السياحة.
وغير خافٍ أنه يتوافر بالمملكة كل متطلبات إنجاح إقامة سوق سياحي متطور، وهنا أٌلمح بإيجاز إلى أبرز المحددات الشرعية والاقتصادية والاجتماعية للسياحة في المملكة العربية السعودية، من خلال الآتي:
تتميز المملكة بخصوصية فريدة، وهي أنها مهد الرسالة الإسلامية، وموطن الأماكن المقدسة، ومقصد الحج والعمرة والزيارة لأكثر من ربع سكان الأرض، أو ما يقارب 1.5 بليون مسلم وهو ما يجعلها في موقع لا ينافسها عليها أحد في مجال تطوير سوق سياحي ضخم يقوم على أساس الاستغلال الأمثل لهذه الميزة الفريدة في بناء قطاع سياحي يتميز بقدرته التنافسية العالية على احتلال مواقع متقدمة داخل سوق السياحة العالمية.
وجود آثار تاريخية إسلامية غير متاحة في أي مكان آخر في العالم، يوفر للسياحة في المملكة مقوماً رئيساً للجذب السياحي.
قطاع السياحة في المملكة يمثل مصدراً حيوياً متجدداً يمكنه المساهمة بصورة فاعلة في تنويع هيكل الاقتصاد ومصادر الدخل الوطني.
قطاع السياحة في المملكة يسهم في تنمية المناطق الريفية والصحراوية ورفع مستوى معيشة سكانها الذي يؤدي بدوره إلى الحد من الهجرة إلى المدن الكبرى وما يسببه ذلك من عدم توازن تنموي.
يمثل قطاع السياحة أحد أهم مصادر التوظيف على المستوى المحلي.
تطوير القطاع السياحي يؤدي إلى إحداث نمو وتطور متزامن في التجهيزات الاساسية.
الاستثمار في السياحة يوسع من الفرص الاستثمارية المتاحة للقطاعات المختلفة كقطاع المقاولات وقطاع الصناعة والخدمات المتصلة بالسياحة.
تتميز المملكة بمناطقها السياحية في مكة والمدينة وجدة والطائف وأبها والباحة وعسير بتوافر أنماط سياحية متعددة ومتكاملة كالسياحة البحرية والجبلية والرملية والصحية والثقافية والبيئية.
ويتطلب استمرار كل مجتمع تحقيق التضامن والتماسك بين أفراده، ووجود مجموعة مشتركة من القيم. وتُعدُّ التربية والتعليم إحدى الأدوات التي تساعده في استمرار القيم وتوارثها وذلك من خلال دورها في علمية التنشئة الاجتماعية.
ويعبرّ عن ذلك عالم الاجتماع الفرنسي إميل دور كايم بقوله إن الإنسان الذي يكونه التعليم ليس بالضرورة الإنسان النموذج، ولكنه الذي يريده المجتمع.
ومن هنا فإن التربية والتعليم تنمّي روح الالتزام بين أفراد المجتمع وتزودهم بالقدرات اللازمة لإنجاز الأدوار المتوقعة منهم، وتغرس الثقافة الملائمة للبناء الاجتماعي القائم.
وقد برزت أهمية الجوانب الاقتصادية لقطاع السياحة بعد أن أصبح هذا القطاع وخصوصاً خلال النصف الثاني من القرن الماضي أحد المكونات المهمة في الهيكل الاقتصادي في كثير من الدول، وبعد أن أصبحت السياحة تمثّل أكثر من 6% من الناتج العالمي.
إن النشاط السياحي في غالبيته نشاط موسمي، وهناك عوامل تؤدي إلى الموسمية، أهمها تركيز الإجازات المدرسية والإجازات في موسم معين كما أن العوامل المناخية والجغرافية تدعو إلى هذه الظاهرة.
ومن الواضح أن سياحة الإجازات التي تمثّل قدراً كبيراً من النشاط السياحي هي التي تدعم هذه الظاهرة.
ثم، إن القطاع السياحي يملك تأثيرات مختلفة على التنمية الاقتصادية من خلال تأثيراته على ميزان المدفوعات وتوليد العمالة وتحسين المرافق الأساسية والتأثيرات المضاعفة للإنفاق السياحي، وكذا التأثيرات الهيكلية.
وغير خافٍ، ما له جانب سلبي أو إيجابي من هذه التأثيرات، إذ لا يُتوقع إيجابية تلك التأثيرات بشكل مطلق.
ومن ثم، فإن العمل بقطاع السياحة يستلزم أن يكون الفرد على مستوى مرتفع من الناحية المهنية والناحية السلوكية مع إجادة لغة أجنبية أو أكثر.
كما أن صناعة السياحة تتطلب من الفرد أن يحب العمل الذي يؤديه ويكون مقتنعاً به ولديه وفرة في المعلومات العامة والثقافة مع وثوق في النفس.
أيضاً ينبغي من العامل في المجال السياحي أن يكون متعاوناً يعمل في تناسق مع زملائه. إذ أن العمل السياحي هو عمل فريق متكامل، فعمل كل فرد يكمّل عمل الآخر، مثله في ذلك مثل الفريق الرياضي.
يتضح مما سبق، أن للقوى البشرية دوراً حاسماً في التأثير في نمو النشاط في القطاع السياحي وتطوره.
لذا، فإن تخطيط العمالة في القطاع السياحي بمستوياتها المختلفة (مهني أساسي، وتخصصي، وإشرافي، وإدارة عليا...) تُعدُّ خطوة أساسية في نجاح خطة التنمية السياحية.
ومن الضروري أن يحظى التدريب السياحي بنظرة شاملة تدعمه إمكانيات فنية وبشرية ومالية تضمن نجاح عملية التدريب، من أجل إعداد العمالة المدربة القادرة على الارتقاء بمستوى الأداء في المجتمع السياحي.