تحديد مسؤولية الشريك في الشركة بين الحرمة والحلية ورقة بحثية






Limited liability of a partner in company
Between sanctity and allowance
Research paper


قانون الشركات التجارية  Corporate law

أستاذ المقرر : الدكتور/حسان عبد الرحيم عكور.
الطالبة : أنوار نجيب محمد البكري سليمان.
رقم القيد : 
المجموعة : L51
ربيع 2015

 

 

 

 



تحديد مسؤولية الشريك في الشركة      
بين الحرمة والحلية
ورقة بحثية

إشراف : الدكتور/حسان عبد الرحيم عكور .
إعداد الطالبة: أنوار نجيب محمد البكري سليمان .
لبرنامج التميز الأكاديمي – جامعة قطر

 

 

تمهيد

    تعد مسؤولية الشريك في الشركة من أكثر القضايا جدلية على صعد مختلفة؛ اجتماعية واقتصادية وفي الطليعة قانونية.   
ويدق الأمر أكثر ما يدق في شأن نطاق هذه المسؤولية ضيقاً واتساعاً . ولعل موضع الإشكال يبرز ويطفو ويتصدر المشهد في بحثه من وجهة فقهية إسلامية , حيث يقر الفقهاء إطلاق الضمان في مسؤولية الشريك في الشركة, وتجيز التشريعات الوضعية تحديد هذه المسؤولية في أشكال مختلفة من الشركات المعاصرة.ومثالها: شركة التوصية بالأسهم, شركة المساهمة بنوعيها , والشركة ذات المسؤولية المحدودة. والأخيرة هي ما تتناوله الورقة بين أيدينا أنموذجاً ,مع امتداد البحث إلى "شركة المساهمة" في بعض مواضع تحتم التطرق إليها.

كلمات مفتاحية : الفقه الإسلامي , القانون الوضعي , فقه المعاملات , القانون التجاري , الشركات التجارية ,  الشركة ذات المسؤولية المحدودة , تحديد مسؤولية الشريك .

المقدمة :

     الحمدلله الواسع العليم , الجواد البر الرحيم, خلق كل شيء فقدره, وأنزل الشرع فيسَّره وهو الحكيم العليم. بدأ الخلق وأنهاه, وسيَّر الفلك وأجراه . حكيم خالق , عظيم حليم صادق , رحيم كريم رازق , رفع السبع الطرائق بدون عمد ولا علائق ,وثبَّت الأرض بالجبال الشواهق, تعرَّف إلى خلقه بالبراهين والحقائق, وتكفَّل بأرزاق جميع الخلائق, خلق الإنسان من ماء دافق, وألزمه بالشرائع لوصل العلائق , وسامحه عن الخطإ والنِّسيان فيما لا يوافق , نحمده ما سكت ساكت ونطق ناطق ؛
ثمَّ أمَّا بعد:

    لمَّا كان حفظ المال من الضروارت الخمس الكبرى في الإسلام , والتي عنيت الشريعة الغرَّاء بإحاطة كل منها بسياج صلد يضمن حمايتها , ويحفظ لها مكانتها, ويبقي على علو شأنها على مر الأزمان؛ فقد حظيت أموال الناس بما يليق بها من عناية الشارع.ففصل في أحكامها , وراعى مقتضيات التغيرات الواقعة عليها, وأطنب في إيجاد قواعد تجد سبيلها إلى تطبيق واقعي فعلي بتبدل العصور , وتفاوت الأحوال. وليس ذلك بالجديد , إذ يقر كل مسلم بصلاحية عقيدته وأسسها لكل زمان ومكان , وأثر هذا الإيمان الراسخ, يظهر أثره في حياة المؤمن على كافة وجوهها , ومختلف أبعادها, وبالضرورة يجعله ساعياً لإثبات ذلك في تطويع كل ما يستجد عليه ليوافق ويلاءم منظور الشرع فيه.

   ولمَّا كان ما تقدم من جعل حقوق الناس خطاً أحمر لا يجوز المساس به,  فقد اهتم الشارع بتبيين أحكام اشتغال الذمم بحقوق الناس , ومن ثم ما كان له أن يقبل بالحيل والطرق الملتوية التي تدفع إليها النقائص البشرية , وضعف النفس الإنسانية , في التعدي على حقوق الغير, ليضمن بذلك سلامة مجتمعه , وأمن رعاياه , فلا يبيت بين ظهرانيه من لا يضمن حماية حقه. فحرص على رد الحقوق إلى أهلها, ولعل النصوص التي جاءت في ذلك أبلغ ما يعين على استظهار سمو تلك المكانة, إذ تبلغ من التشديد مبلغاً ,منها قوله قوله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال : (( يغفر للشهيد كل ذنب إلاِّ الدين )) , وفي رواية : القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلاَّ الدين )), ومعلوم رفعة ومرتبة الشهيد التي لا تضاهيها عند المسلم درجة.
    ومن هذا المنطلق جاءت فكرة اتحاد الذمة بين الشركاء والشركة , ومعنى ذلك أن أموال الشركاء وأموال الشركة سيان للمتعامل معها , فلا يكون لحق الدائن الذي تدين له الشركة أن يضيع في حال لم يوف رأس مالها حقه , فيكون له أن يستوفيه من أموال الشركاء فيها , فيحاط حقه بضمانات متعددة , لا واحدة في رأس المال , بل في مال كل شريك, وهذه ما يطلق عليها فقهاء الشريعة الإسلامية اسم (الضمان ) ويقابله في القوانين الوضعية(المسؤولية), وكلاهما يؤدي الغرض ذاته.
  ولمَّا جاءت التشريعات الوضعية تخالف هذا المفهوم , بتقريرها أشكال مختلفة من من الشركات التي يحتمي الشريك فيها بتحديد مسؤوليته, وحيث شاعت وانتشرت وطغت على المعاملات والأسواق المالية , وجب تقصي حكم الشارع فيها , وعرضها عليه جملة وتفصيلاً , ليقول فيها قوله , وليرى فيها رأيه .

    على الرغم من حجم المسألة التي يطرحها هذا الإشكال , غير أن القول و البحث فيها قل وندر , ويشمل ذلك ما طبع ومالم يطبع من دراسات, إذ أن المصادر التي تدرسها تتسم بالشح ,و المراجع التي يمكن أن يرد إليها المرء في سؤاله عنها أقل بكثير مما تستحق , فضلاً عن أن بعض الدراسات التي تناولتها – على قلتها - جاءت مضيقة سطحية لا تشفي غليل سائل ولا ترو ظمأ حائر . ومن الإنصاف القول أن بعض الباحثين ضمن بحثه شرحاً وتفصيلاً للمسألة ربما أجاد فيه أكثر ممن يفترض فيه الاختصاص البحثي في المسألة . منها بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير بعنوان " مختصر الأحكام المتعلقة بالربح والخسائر في الشركات" لصاحبه الدكتور عبد الله بن عبد العزيز السيف.  
     وأهم من عرض للمسألة محل الطرح فضيلة الشيخ العلامة الدكتور عبد العزيز الخياط :في كتابه (( الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي)) وكذا العلامة الدكتور علي الخفيف:في كتابه (( الشركات في الفقه الإسلامي, بحوث مقارنة)) ولعل أهم مأخذ أخذ على علماءنا ومشايخنا الأجلَّاء , التعرض للمسألة بصورة عرضية – تكاد أن تكون هامشية-  لاتشمل جوانبها كلها , إلَّا أن ما يسد هذا النقص ويخفف هذا المثلب كون هاتين الدراستين جاءتا شاملتين أنواع الشركات كافة دون تخصيص للتي تحمل الخاصية محل البحث, ومن ثم فالعمل كل متكامل لا يمكن الاجتزاء منه والحكم عليه من خلاله. ولعلَّ توفيقه سبحانه حالفني في الوقوف على مراجع حديثة تناقش المسألة بإسهاب , وتمنحها الموضع الذي يليق بها , منها بحث قصير ,وآخر مطوَّل لنيل درجة الماجستير, أمَّا الأوَّل فهو بحث لفضيلة الشيخ الدكتور محمد علي القري بعنوان " الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة" , والثاني لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله الحمَّادي في رسالته بعنوان "الشركة ذات المسؤولية المحدودة في الفقه الإسلامي وقانون دولة الإمارات العربية المتحدة بحث مقارن"  ,وهذه الأخيرة لسعة وشمولية مفاصلها, اعتمدتها أساساً لهذه الورقة البحثية ومرجعاً.
     أمَّا في اللغة الإنجليزية فقد وقعت على ثلاثة بحوث قصيرة , أحدهم من مكتبة الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية بعنوان؛
partners' limited: limited liability in partnerships structure: an overview of the common law and the shariah"

وآخرين لصاحبهما  الأستاذ الدكتور حسن الزمان من جامعة إسلام آباد في باكستان؛
".the liability of partners in an Islamic shirkah "limited liability of shareholders : an Islamic perspective"

     بعد الاطلاع على هذه الدراسات, يمكن القول أن المنهج الذي اتبع في إخراج مخرجات هذه الورقة هو منهج استقرائي بحت , الذي اعتمد على ملاحظة التفاصيل والجزئيات التي أوصلت إلى ما حكم به الفقهاء على هذه المسألة .
ومن ثم جاءت الورقة تسعى إلى تكثيف أهم ما تم الوقوع عليه وتركيزه ولملمة أطرافه المترامية والتي تهتم في المقدمة بالفصل في حكم هذه المسألة.وقد توخت الورقة الحذر في أن تكون تكراراً أو نقلاً حرفياً لغيرها على قلة مصادرها ومراجعها.  

    ويلاحظ القارئ الكريم , إيجازنا في الجزء التمهيدي من هذه الورقة , ومزيد تفصيل في الجزئين التاليين له , حيث يعرضان لب مشكل البحث , محاولة للتقيد بحدود البحث المطلوبة , وتكثيف فكرته إلى أقصى حد ممكن .

خطة البحث :

►المبحث الأول (مبحث تمهيدي) : تعريف المسؤولية والضمان في اللغة والاصطلاح .تاريخ المسؤولية المحدودة .تعريف الشركة ذات المسؤولية المحدودة وخصائصها .

·         المطلب الأول:

-          تعريف المسؤولية .

-          تعريف الضمان .

·         المطلب الثاني :

-          تاريخ المسؤولية المحدودة وصولاً إلى الشركة ذات المسؤولية المحدودة .

·         المطلب الثالث :

-          خصائص الشركة ذات المسؤولية المحدودة .

-          تأسيس الشركة وشروطه.

►المبحث الثاني :التكييف الفقهي للشركة (شركة المضاربة , شركة العنان, شركة المفاوضة , تملك الرقيق)

·         المطلب الأول :

-           تكييفها كشركة مضاربة  أو شركة عِنان .

·         المطلب الثاني :

-          تكييفها كشركة مفاوضة .

·         المطلب الثالث:

-          تطبيق أحكام الرقيق على صيغة الشركة .

►المبحث الثالث : حكم تحديد المسؤولية والشخصيات الاعتبارية ذات الخاصية :

·         المطلب الأول :

-          أسانيد وأدلة من رأى إباحتها

·         المطلب الثاني :

-          أسانيد وأدلَّة من رأى حرمتها .

·         المطلب الثالث :

-          التوفيق بين الرأيين.

-          قرار مجمع الفقه الإسلامي .

·         المطلب الرابع :

-          حكم الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة .

►المراجع





المبحث الأول (مبحث تمهيدي) : تعريف المسؤولية والضمان في اللغة والاصطلاح تاريخ المسؤولية المحدودة .تعريف الشركة ذات المسؤولية المحدودة وخصائصها. .

 

*المطلب الأول : تعريف المسؤولية , وتعريف الضمان .

أولاً : تعريف المسؤولية :

المسؤولية في اللغة :
مسؤوليَّة:مصدر صناعيّ من مَسْؤول : تَبعة :- المسؤوليَّة تقع على عاتقي ,- يستطيع تحمُّل مسؤوليَّات كبيرة.
ألقى المسؤولية على عاتقه : حمَّله إيَّاها.
تعريف المسْؤوليَّة في الاصطلاحات المختلفة :
المسْؤوليَّة (بوجه عام ) : حالُ أو صفَةُ من يُسْأل عن أَمر تقعُ عليه تبعَتُه. يقال : أنا بريءٌ من مسئولية هذا العمل.
وتطلق ( أَخلاقيًّا ) على : التزام الشخص بما يصدر عنه قولاً أَو عملاً.وتطلق (قانوناً) على : الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقاً للقانون.

 قال الدكتور دراز : ( تعنِي المسئولية ُ كون الفرد مكلفاً بأن يقوم ببعض الأشياء ويقدم عنها حساباً إلى غيره ، وينتج عن هذا التحديد أن فكرة المسئولية تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول بأعماله ، وعلاقته بمن يحكمون على هذه الأعمال ، والمسئولية قبل كل شيء هي استعداد فطري ؛ إنما هذه المقدرة على أن يلزم الإنسان نفسه أولا ً ، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بواسطة جهوده الخاصة).

وقيل : المسئولية حالة ٌ يكون فيها الإنسان صالحاً للمؤاخذة على أعماله وملزماً بتبعاتها المختلفة.

ولو أردنا أن نؤول بناءا على ذلك معنى مسؤولية الشريك في الشركة فإنها تكون بمعنى: ما يتحمل الشريك تبعته من تصرفات يأتيها عبر شركته – في مواجهة القانون .


ثانياً : تعريف الضمان :

الضَّمانُ في اللغة :
الضَّمانُ: الكفالةُ والالتزامُ.
 مصدر الفعل ضَمِن بمعني كَفَل، مشتق من التضمن؛ لأن ذمة الضامن تتضمَّن الحق .
الرجل ونحوه ضَماناً: كَفَلَهُ أو التزم أن يؤدي عنه ما قد يقصِّر في أدائه.
معنى ضمن في الصحاح في اللغة : ضَمِنْتُ الشيء ضَماناً: كَفَلْتُ به، فأنا ضامِنٌ وضَمينٌ. وضَمَّنْتُهُ الشيء تَضْميناً فَتَضَمَّنَه
عنِّي، مثل غرَّمْتُه. 
معنى ضمن في لسان العرب الضَّمِينُ الكفيل ضَمِنَ الشيءَ وبه ضَمْناً وضَمَاناً كَفَل به وضَمَّنَه إياه كَفَّلَه.
واصطلاحه عند الفقهاء : الضمان هو تحمل التلف أو النقص الحاصلين في المال المضمون ، فهو ضامن.

*المطلب الثاني : تاريخ المسؤولية المحدودة وصولاً إلى الشركة ذات المسؤولية المحدودة :


    حرَّمت الكنيسة في القرن الثاني عشر القروض بفائدة , ما حدا بالتجَّار إلى التحايل على ذلك بأن يدفعوا إلى آخرين الأموال فيتاجروا فيها , ويكون الربح بينهما مناصفة , على ألَّا يتحمل من قدم ماله المسؤولية في غير ما قدم , في هذه الفترة تحديداً نشأت شركة التوصية البسيطة, ومعها نشأت فكرة تحديد المسؤولية.
ولمَّا توسَّعت السِّياسة الأوروبية الاستعمارية , وتطلب ذلك أمولاً طائلة لاستغلال المستعمرات الجديدة , وصارت الحاجة إلى رؤوس أموال ضخمة تدعم المشروعات التجارية لهذه الدول المستعمرة في مستعمراتها الغنية بالموارد الاقتصادية – ملحة , تم اللجوء إلى إنشاء شركات المساهمة العامة , التي وفرت للشركاء (المساهمين) مسؤولية محدودة في مقدار ما يملكون من أسهم فيها , وذلك تشجيعاً للمدخرين على الاستثمار في هذه الشركات.
جاءت الشركة ذات المسؤولية المحدودة في القرن التاسع عشر لتبلور هذه الفكرة-أي: تحدد المسؤولية- في نظام شامل , وقد ظهرت أول ما ظهرت في القانون الألماني الصادر في (29 -4-1892), وقد تم تطبيقه في مستعمرتي ألمانيا الفرنسيتين الالزاس واللورين -وهو ما يجعل البعض يرد منشأ هذه الشركة عملياً إلى فرنسا- ومن ألمانيا بثت هذه الشركة إلى مختلف أنحاء العالم.  

*المطلب  الثالث : خصائص الشركة ذات المسؤولية المحدودة وتأسيس الشركة وشروطه :

أولاً : خصائص الشركة ذات المسؤولية المحدودة .

تتميز الشركة ذات المسؤولية المحدودة بعدة خصائص وفقاً للغالب الأعم من التشريعات,  نجملها ونوجزها فيما يلي:

·         أولاً :مسؤولية الشريك : وهي أهم وأبرز خصائص الشركة , حيث أن الشريك في هذه الشركة لا يتحمل مسؤولية فيما يجاوز مقدار حصته . وهذا هو أساس تسمية الشركة .

·         ثانيا:الحد الأدنى والأقصى لعدد الشركاء : تكاد التشريعات العربية خاصة تتفق على ألَّا يقل عدد الشركاء في هذا النوع من الشركات عن اثنين , ولا يربو على  خمسين شريكاً.

·         ثالثاً : تقييد انتقال الحصص :في الشركة ذات المسؤولية المحدودة يجوز للشريك أن يتنازل عن حصته بقيود وضوابط محددة معينة, إما أن يتفق عليها في العقد , وإلَّا تولَّى المشرع تحديدها, ومن الضوابط الواجب اتبعاها في ذلك؛ ألاَّ يتم التنازل بغير محرر رسمي ,وألا يؤدي التنازل إلى زيادة عدد الشركاء عن الحد المطلوب , و حق استرداد الشركاء للحصة المتنازَل عنها.. إلخ .

·         رابعاً: استمرارية الشركة وتأثرها بوفاة الشريك : في هذه الشركة لا يكون لوفاة الشريك أو إفلاسه أو إعساره أو الحجر عليه, أثر بالحل للشركة خلافاً لشركات الأشخاص عادة .

·         خامساً:حظر الاكتتاب العام وإصدار الأسهم والسندات : فلا تكتتب الشركة ذات المسؤولية المحدودة لتكوين رأس مالها ,أو زيادة رأس المال , أو الحصول على قروض, كما لا يحق لها إصدار الأسهم أو السندات .

·         سادساً: حظر الممارسة لبعض المجالات :مراعاة لما تستلزمه هذه المشروعات من رؤوس أموال ضخمة لا تكون عادة للشركة ذات المسؤولية المحدودة ؛ فلم يجز المشرع لها مزاولة أعمال التأمين أو المصارف.

·        سابعاً:اسم الشركة  : للشركة اسم يستمد من غاياتها, وأجاز بعض المشرعين أن يكون مشتملاً على اسم واحد أو

أكثر من الشركاء. في كل الأحوال لا يجب أن يخلو الاسم من تضمينه عبارة "ذات مسؤولية محدودة" .

ثانياً:تأسيس الشركة وشروطه .


ونقتصر في هذا المطلب على عرض موجز للأحكام المتعلقة بالحصص و رأس المال لما يبنى عليها بعد ذلك:

أولاً: الحصص :

1- تكون الحصة في الشركة عينية أو نقدية , ولا تكون حصة عمل أبداً.

2- تدفع الحصص النقدية فوراً , وتسلم العينية منها حالاً, والحصة في حالتيها تكون كاملة عند تقديمها من الشريك.

3- تقوَّم الحصة العينية عند التأسيس ويبين نوعها , والشريك الذي قدمها .

ثانياً : رأس المال :

1- للشركة حد أدنى لرأس المال لا يجب أن يقل عنه .

2- رأس المال مقسم إلى حصص متساوية القيمة , ولقيمة الحصة حد أدنى  لا تقل عنه .
3- الحصة في رأس المال غير قابلة للتجزئة , ويختار مالكي الحصة من يمثلهم في الشركة حال تعددهم .

4- تودع الحصص في أحد مصارف الدولة , ولا يصرفها المصرف إلا لمديري الشركة وبالوثائق المطلوبة.

5- رأس مال الشركة لا يكوَّن باكتتاب عام , ولا تتم زيادته به .

6- وجوب فورية حضور رأس المال , وهو ما يبرر منع الحصص الصناعية.




►المبحث الثاني :التكييف الفقهي للشركة (شركة المضاربة , شركة العنان, شركة المفاوضة , تملك الرقيق)

يتبين مما تمَّ الوقوف عليه أن أهل العلم حملوا شركات المسؤولية المحدودة على أربع أشكال عرفها فقهاء الشريعة الإسلامية ؛ نتناولها في ثلاث مطالب آتية : 

*المطلب الأول: حمل الشركة على شركتي المضاربة والعنان في الشريعة الإسلامية :

شركة المضاربة :

المضاربة هي عقد بين شخصين، يقدم أحدهما بموجبه مالاً إلى الآخر ليتجر فيه بنصيب من الربح، فإن لم يك ثمة ربح فالمال لصاحبه، وإن كان فيه وضيعة فمن المال، وليس على الذي اتجر في المال شيئاً من الوضيعة. ويسمى الطرف الذي يقدم المال، صاحب المال أو رب المال أو المالك أو المقارِض. ويسمى الطرف الذي يتولى التجارة والعمل: العامل أو صاحب العمل أو المضارب أو رب العمل أو الأمين أو المقارَض. وأطلق عليها أهل العراق لفظ مضاربة، والمضارب هو من يضرب في الأرض؛ أي يسافر في الأرض ويسعى فيها ابتغاء الفضل.

شركة العنان :

وهي أن يشترك اثنان في مال لهما على أن يتجرا فيه والربح بينهما، ولا يشترط فيها المساواة في المال ولا في التصرف ولا في الربح. فيجوز أن يكون مال أحدهما أكثر من الآخر. ويجوز أن يكون أحدهما مسئولاً دون شريكه. ويجوز أن يتساويا في الربح. كما يجوز أن يختلفا حسب الاتفاق بينهما. فإذا كان ثمة خسارة فتكون بنسبة رأس المال.

أوجه الاتفاق  بين الشركتين والشركة ذات المسؤولية المحدودة:


الوجه الأول : حضور رأس المال , والدفع الفوري له:

     اشترط بعض الفقهاء حضور رأس المال أو المعقود عليه , ولم يجز  شركتا العنان والمضاربة بمال غائب , وقال به الحنابلة نصَّاً في الشركتين , والشافعية ضرورة في العنان والمضاربة , ونص عليه الحنفية في المضاربة.
أمَّا المالكية ؛ جاء في(( كشف القناع )) في معرض الحديث عن شروط العنان :
(( منها : أي شروط الشركة – حضور المالين كمضاربة ؛ لتقرير العمل وتحقيق الشَّركة , فلا تصح الشركة على مال غائب , ولا على مال في الذمة ؛ لأنَّه لا يمكن التصرف فيه في الحال , وهو مقصود الشركة )) .

   وأمَّا الشافعية فلا تصح العنان عندهم إلَّا بخلط المالين قبل العقد وهو ما يستلزم ضرورة حضور المالين , ودفعهما فوراً عند العقد . وفي المضاربة اشترطوا تمكين العامل من رأس المال , والتخلية بينه وبين المال , وألَّا يوجد شرط يخل بهذا الوصف , وهو يعني ضرورة وجود رأس المال وتسليمه فوراً .

   الحنفية نصوا عليه المضاربة ؛ جاء في ((البدائع )) عند الحديث عن شروط رأس المال في المضاربة :
((ومنها:  تسليم رأس المال إلى المضارب )). وجاء فيه أيضاً :((وأمَّا تسليم رأس مال كل واحد منهما إلى صاحبه- وهوالتخلية بين ماله وبين صاحبه – شرط لصحة المضاربة )) .

الوجه الثاني: بقاء الشركة قائمة على الرغم من وفاة الشريك , فتنتقل الحصة إلى الوارث, أو الورثة فيختارون من يمثلهم :


   يشبه ذلك ما ذهب إليه الحنابلة في المضاربة , فأجازوا إقرار رب المال وارث العامل مكانه حال وفاة الثاني , وكذا في موت رب المال. وفرقوا بين مال ناض أو عروض ؛ فإن كان ناضَّاً-أي:نقداً-  وأراد وارث رب المال إتمامه فهو جائز, وإن كان عروضاً فظاهر كلام أحمد الجواز. وإن كان الميت العامل , وأراد وارثه أن يتم المضاربة فهو جائز إن كان المال ناضَّاً, وإن كان عروضاً فليس بجائز إلَّا أن يكون على الطريقة التي تبدأ بها المضاربة بالعروض, بتقويم العروض, وجعل رأس المال قيمتها وقت العقد.

   وخالف القانون ذلك بإطلاقه استمرار الشركة على أي حال , وهذا موضع الاختلاف.

   
    وفي (( المغني)) : (( .. فإن كان الموت أو الجنون برب المال , فأراد الوارث أو وليُّه إتمامه , والمال ناض جاز .. وإن كان المال عرْضاً وأرادوا إتمامه فظاهر كلام أحمد جوازه ؛ لأنَّه قال في رواية علي بن سعيد : إذا مات رب المال, لم يجز للعامل أن يبيع ولا يشتري إلَّا بإذن الورثة , فظاهر هذا بقاء العامل على قراضه , وهو منصوص الشافعي؛ لأنَّه إتمام للقراض لا ابتداء له .. فأمَّا إذا مات العامل أو جن وأراد ابتداء القراض مع الورثة أو وليه , فإن كان ناضَّا جاز , كما قلنا فيما إذا مات رب المال , وإن كان عرضاً لم يجز ابتداء القراض إلَّا على الوجه الذي يجوز ابتداء القراض على العروض , بأن تقوَّم العروض  , ويجعل رأس المال قيمتها يوم العقد ...وإن كان المال ناضَّاً جاز ابتداء القراض فيه إذا ابتدأ ذلك)) .

    وللحنفية رأي قريب من قول الحنابلة, وموافق لهذه الخصلة في هذه الشركة؛ خلاصته : الشركاء إذا كانوا أكثر من اثنين كثلاثة مثلاً , وتوفي أحدهم؛ انفسخت الشركة في حق الميت, واستمرَّت بالنسبة للبقيَّة.

    في (( في الفتاوى الهندية )) : (( ولو كان الشركاء ثلاثة , مات واحد منهم حتى انفسخت الشركة في حقه , لا تنفسخ في حق الباقين)). والقول هنا في عموم الشركة, لا خصوص المضاربة كما يستظهره بعض أهل العلم.

     يقول الإمام الشافعي :: (( وإن مات رب المال صار رأس مال القراض لوارثه , فإن رضي ترك المقارض على قراضه, وإلَّا فقد انفسخ القراض, وإن مات العامل لم يكن لوارثه أن يعمل مكانه )) .
    ونص الإمام الشافعي تأوَّله بعض علماء الشافعية , وفصل بعضهم فيه تفصيل كتفصيل الحنابلة , والمذاهب الثلاثة قريبة من جواز استمرار المضاربة إذا مات أحد المتقارضين وتولَّى الوارث نشاطه .

    وأما شركة العنان , فالشافعية فيها كمذهب الحنفية , صريح في جواز استمرار الشركة بعد موت أحد الشريكين لكن بشروط؛ وهي :
1- أن يكون الوارث بالغاً راشداً .
2- ألَّا يكون على الميت دين , ولا أوصى بشيء.

    فإن تحققت الشروط كان الوارث بالخيار بين المقاسمة؛ أي : طلب حقه في الشركة , أو أن يأذن للآخر بالتصرف, وتستمر الشركة , فالأصل عندهم بطلان الشركة بالموت , ولهما الاتفاق على الاستمرار.

    في ((البيان شرح المهذب ))  :  (( وإن مات أحدهما انفسخت الشركة , وانعزل الباقي منهما عن التصرف في نصيب الآخر ؛ لأن الإذن عقد جائز , فبطل كالوكالة .إذا ثبت هذا : فإن لم يكن على الميت دين , ولا أوصى بشيء ؛ فإن كان الوارث بالغاً رشيداً ؛ فله أن يقيم على الشركة بأن يأذن للآخر في التصرف , ويأذن الشريك له , وله أن يقاسم؛ لأنَّ الحقَّ لهما , فكان لهما أن يفعلا ما شاءا )) .

الوجه الثالث والرابع: يصح في الحصة أن تكون عيناً أو نقداً , وتقوم العينية عند التأسيس , مع بيان نوعها وصاحبها :

 
    لا خلاف بين الفقهاء رحمهم الله قي جواز الشركة بالمال الناض أو النقدين المتفقين جنساً كالدنانير من الطرفين , أو المختلف جنساً على الراجح؛ كالدنانير من طرف والدراهم من طرف آخر.
والراجح جواز الشركة بالعروض , من دور وثياب وأطعمة, واحتال بعض من منعها في المتقوم لذلك حيلة فأجازها .

    وصحة الحصة العينية في الشركة ذات المسؤولية المحدودة , يشبه قول الفقهاء قديماً في مسألة الشركة بالعروض,
فأجازها الشافعية في العنان , إذا كانت العروض من المثليات , وكذا في المتقوم أجازوها بالحيلة , ومعهم من الحنفية محمد بن الحسن , وكذا أجاز الحنفية الحيلة لجواز الشركة بالعروض , وهو يشمل عندهم العنان بلا ريب ؛ لأنَّ الشركة عندهم إما أن تكون عناناً أو مفاوضة , حسب تحقق شروط إحداها , وبيَّن الفقهاء تقدير قيمة العروض عند العرض, وبه ينتفي النزاع.

    ويشبه أيضاُ ما قاله بعض العلماء في شركة المضاربة , لما جوزوا لها رأس المال عرضاً , وهو ما يسمى اليوم بالحصة العينية ؛وورد الجواز في رواية الإمام أحمد , وبعض علماء الحنابلة وغيرهم كالمالكية؛ إذ أجازه إذا انفرد التعامل به .



     وفي (( حاشية الدسوقي )) : (( لكن قال بعضهم : إن الدراهم والدنانير ليست مقصودة لذاتها , حتى يمتنع القراض بغيرها حيث انفرد التعامل به )) .
     ومعنى قوله: (( انفرد التعامل به )) فيرى بعض أهل العلم معناه : جواز كون رأس المال القراض عرضاً؛ حيث انفرد التجار بالتعامل بالعروض في بلد ليس فيها نقد مضروب أو مسكوك , أو حيث انفرد التجار بالتعامل بعرض معين دون غيره في بلد ما.
الوجه الخامس: تولي مدير أو أكثر إدارة الشركة :
فهل تولي المدير فيها لأعمالها شابه به ذلك شركة المضاربة ؟
يحملنا ذلك بدءاً إلى التفريق بين احتمالين ؛

          أ‌-          أن يكون المدير أجنبياً –أي:من غير الشركاء- فيأخذ أجراً مقابل  عمله , وهنا يكون أجيراً عند الشركاء.

        ب‌-         أو أن يكون واحداً من الشركاء, والأمر فيه أحد حالات أربع :

·         الأولى : أن يأخذ نصيبه من الربح فقط , فيكون ربحه مقابل حصته , ويعاونه في العمل باقي الشركاء , وهنا تنطبق أحكام شركة العنان , وفي حال طلب زيادة , كان له ذلك مقابل زيادة من عمل أو خبرة, وهو على القول الصحيح المجيز للمفاضلة في الأرباح مقابل العمل , ولا إشكال أن تكون الحصص متساوية ؛ وفي هذه الحالة يكون وكيلاً عنهم في أكثر الأعمال, فالشركة مبناها التوكيل والتوكل .

·         الثانية: أخذ نصيب من الربح , ومعه أجراً مقطوعاً , ويأخذ الأول مقابل حصته, والثاني مقابل تأجيره نفسه في المهام التي يقوم بها للشركاء , وخاصة في حال كان عمله مما يتطلب أجير أجنبي عادة, ونص على ذلك الحنابلة ؛ ورد في ((شرح المنتهى )) : (( وما جرت عادة بأن يستنيب فيه , كالنداء على المتاع, فله أن يستأجر  من مال الشركة إنساناً حتى شريكه؛ لفعله إذا كان فعله مما لا يستحق أجره , إلا بعمل ؛ كنقل طعام ونحوه ككيله)).

وقولهم (( حتى شريكه )) : يظهر جلياً أن لأحد شريكي شركة العنان أن يؤجر نفسه لصاحبه , ليعمل عملاً لا يقوم به الشريك بنفسه عادة , ويستحق الأجرة على ذلك؛ ويؤول له بذلك ربح حصته التي قدمها , وأجر عمله الذي يقوم به , وهو أقرب الصور . 

·         الثالثة : أن يكون له مبلغاً مقطوعاً مقابل إدارته, على الرغم من عمل الباقين معه . ولم يجز الفقهاء ذلك , فهو مما يكون به الربح محدداً , ولا يجوز في الربح إلا أن يكون جزءاً مشاعاً , بل عده بعضهم من مبطلات الشركة, أو مفسداتها , وعدوه شرطاً مفسداً للعقد , إذ يؤدي إلى الجهالة في الربح , والتنازع بين الشركاء , وقد يؤدي إلى استئثار المدير بالربح وحده وحرمان الباقين , فيكون الربح بمقدار الأجرة فقط.

·         الرابعة : أن يأخذ نصيبه من الربح بحسب اتفاقهم, فضلاً عن أجر مقطوع ثمن إدارته, دون أن يكون له من الشركاء معاون, في هذه الحالة لا يستقيم تطبيق قواعد شركة العنان , فشرطها أن يكون كلا الشريكين عامل مبادر في الاتجار .وتصح هنا صورة من صور المضاربة ذكرها الحنابلة ؛ وهي : مال من الطرفين وعمل أحدهما.
والقول بأن حملها على المضاربة لا يصح لمنع القانون حصة العمل لا يستقيم هنا ؛

ووجه ذلك أن القانون منع واحدة من صور المضاربة لا كلها ؛ والمضاربة أضرب :
1- الصورة المشهورة ؛اشتراك أحدهما ببدنه-أي:بعمله-  ومال من الآخر . وهي الصورة التي يمنعها القانون .  

2- اشتراك بدنين بمال أحدهما .

3- مال كليهما وعمل أحدهما . وهي كما يظهر الصورة المتحققة في الحالة الأخيرة, وهو يستحق حينها الربح لنصيبه في رأس المال,والأجرة مقابل العمل, والله أعلم .

*المطلب الثاني: حمل الشركة على شركة المفاوضة في الشريعة الإسلامية :

شركة المفاوضة :

هي التعاقد بين اثنين أو أكثر على الاشتراك في عمل بالشروط الاتية:
1- التساوي في المال، فلو كان أحد الشركاء أكثر مالا فإن الشركة لا تصح.
2- التساوي في التصرف، فلا تصح الشركة بين الصبي والبالغ.
3- التساوي في الدين، فلا تنعقد بين مسلم وكافر.
4- أن يكون كل واحد من الشركاء كفيلاً عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيل عنه،
فلا يصح أن يكون تصرف أحد الشركاء أكثر من تصرف الاخر.
فإذا تحققت المساواة في هذه النواحي كلها انعقدت الشركة وصار كل شريك وكيلاً عن صاحبه وكفيلاً عنه يطالب بعقده صاحبه، ويسأل عن جميع تصرفاته.
.
وجه الاتفاق :  الأصل في الشركة ذات المسؤولية المحدودة , تساوي حصص الشركاء , فيدفع كل منهم مثل الآخر , وأجاز المشرع الاتفاق على خلاف ذلك بتفاوت الحصص , مع وضع حدٍّ أدنى لها .

   شبَّه من حمل الشركة على المفاوضة بما اشترطه الحنفية فيها ؛ إذ اشترطوا المساواة في رأس المال قدراً؛ أي: تساوي ما يشارك به الشركاء في المقدار.
   جاء في ((البدائع)) عند الحديث عن شروط شركة المفاوضة : (( ومنها: المساواة في رأس المال قدراً , وهي شرط صحة المفاوضة بلا خلاف, حتى لو كان المالين متفاضلين قدراً لم تكن مفاوضة ؛ لأن المفاوضة تنبئ عن المساواة ...)) .

*المطلب الثالث : حمل صيغة المسؤولية المحدودة على تملك الرقيق:

      رأى من نحى هذا المنحى أن أحكام شركة العنان وغيرها من الشركات التي عرفها الفقه تقصر عن تقديم جواب حاسم في أمور باتت تشغل المسلمين في أنحاء العالم وتمس حيواتهم , وهي مسائل ملحة تتطلب فصلاً فيها.
وقد فرق من أخذ بهذا – وأبرزهم فضيلة الشيخ الدكتور محمد القري- بين صفة المسؤولية المحدودة وبين الشركة كمفهوم متكامل .وغني عن الذكر هنا الإشارة إلى اندثار وانقراض الرق ودفع الإسلام للحيولة دونه إلى الحد الذي يستبعده تماماً من المجتمع الإسلامي , غير أنه أقره لما كان عليه العرب وقت ظهوره , ومن ثم ففصلت الأحكام فيه ووردت الأحاديث والنصوص المبينة . إلاّ أنها – أي الأحكام الخاصة بالرقيق- في نظر المعتدين بهذا الرأي لا تعلق فقط به , بل هي أصول يمكن على أساسها أن تبنى فروع عدة , ولعل أهمها المعاملات المالية .

ومن ثم فإن مبنى اعتمادهم على هذا الأساس يتضح في الآتي :

أولاً : تملك العبد واحدة من صيغ المسؤولية المحدودة:

       أجمعت الأمَّة أن تصرفات العبد المملوك التي ينجم عنها التزامات وديون لا تلحق بمال سيده أبداً , بل لا تجاوز مال العبد أو قيمته وتبقى متعلقة بذمته. وفي ذلك لا تفرقة بين مختلف أنواع الرق ؛ فكلها في ذلك سواء, ومن ثم لا تمتد مسؤوليات العبد المالية التي تولدها تصرفاته الخاصة إلى مال السيد بحال. والاختلاف بين المذاهب في نظم أحكام ذلك اختلاف بسيط طفيف .
ويقابله ؛ أن العبد وماله وكل ما يجني من الربح وما يكتسبه بأي سبيل  يكون ملكاً للمولى.
ذكر صاحب إعلاء السنن : " ولا خلاف بين الأئمة في جناية العبد أنها في رقبته وإنما اختلفوا أنه في ماليته أو في ذمته فقال أبوحنيفه وأحمد ومالك والشافعي في قول إنها في ماليته لا في ذمته حتى لا يكون للمجني عليه حق في مطالبة العبد بعد العتق وقال الشافعي في قول أنها في ذمته حتى يباع العبد في الدين فإن وفَّى فبها وإلا يطالب بما بقي بعد عتقه"  
 
     استدل بذلك  على أن ملكية السيد للعبد هي صيغة من صيغ المسؤولية المحدودة وضرب من ضروبها . حيث أن السيد يمتلك أصلاً رأسمالياً وهو محقق للدخل ذا قيمة سوقية, بيد أنه في كل الأحوال لا تتعدى مسؤوليته قيمة الأصل , فلا تطال ماله الخاص.وإن كان من السيد أن أعتقه وعليه دين يبقى على السيد دفع قيمته فقط إذا بيع بدينه. وهذه الصيغة –في رأي القائلين بذلك- تطابق صيغة الشخصية الاعتبارية محدودة المسؤولية , وتكون النوازل فيها فروع يمكن قياسها على أصول معاملة العبيد في الفقه الإسلامي.

ثانيا: أوجه الاتفاق بين ملكية الرقيق وشراكات المسؤولية المحدودة :


1- كل منهما مال مملوك لصاحبه:


     الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة هي بذاتها مال مملوك لصاحبه , وهي في الوقت ذاته قد تكون مالكة لأصول أو نقود أو اسم تجاري له مكانته في السوق أو رخصة تجارية ما بل وحتى لشخص اعتباري آخر.إلخ, وتكون بذلك مال متملك لمال .والعبد يصح القول فيه بما سلف , إذ أنه يعد مالاً وذلك لا يمنعه من تملك المال فيتملك الأصول وله أيضاً أن يمتلك غيره من العبيد يتجر فيهم أو يستخدمهم ويكاتبهم. ومن ثم جاءت الأحكام الخاصة به تنظر إليه من هذا المنظور  ومثال ذلك قول الإمام علي وكرم وجهه: "إنما هو مال وإن بلغ ثلاثين ألفا"يعني في الديات وأرش الجراح فإن العبد إذا قتل خطأاً لا تكون ديته كدية الحر بل هي قيمته يوم هلك بالغة ما بلغت حتى لو زادت على دية الحر ، لأنه مال فأشبه العروض . ولهذا أجازوا فيه كل المعاملات التي تجري في الأموال من بيع وشراء بالنقد والأجل وعارية ووقف وقرض وسلم ، (وأستثنى قرض الإماء للمفاسد المترتبة عليه).( وأجاز الحنابلة إقراض الإماء للمحارم لأمن الفساد عندئذٍ.) .

2- تدر ملكية كل منهما دخلاً مصدره عمل المِلك وآخر مصدره تحسن القيمة السوقية له عند البيع:


      في الشركة الأمر بين واضح ؛ إذن أن ما تحققه من صافي أرباح سنوياً لا يكون إلَّا نتاج عمل تؤديه, من منتوجات أو خدمات. كما أنه في حالة الأسهم فإن القيمة السوقية للسهم تتزايد كلما ازدهرت الشركة في إنتاجها وتمكنها من رفع معدلات ربحها, ومن ثم يعود ذلك على مالك السهم عند بيعه.أمَّا في حالة الرقيق ؛ فكل كسب للعبد هو لسيده , فيكون بذلك عمل العبد مصدر دخل لمولاه. ومن حيث تحسن القيمة السوقية له , فهو جلي في حال البيع بعد أن تتم العناية بتعليم العبد الحرف والصنعة, والقراءة والكتابة والأدب.. وغيره . والبيع بعد أن يتقن ذلك , يكون بثمن يزيد في الربح عن قيمة شرائه ولا شك.

3- قد يكونا للتجارة وقد يكونا للقنية:


     ليست غايات الناس في امتلاك الشركات وحصصها (أو أسهمها) على حد السواء , فالبعض يبتغيها له دخلاً ممتداً طويل الأجل يستثمر ماله فيه ويدخر منه بما يعود عليه من ريعها, وقد يكون الهدف مثلاً التجارة في الأسهم وتحقيق الربح بذلك , ككل عروض التجارة. وكذا فيما يتعلق بالرقيق , فالغالب أن يتخذه المرء له خادماً انتفاعاُ بخدمته أو استيلاداً للأمة , ولا ينفي ذلك كونه أحد عروض التجارة التي ربما امتهنها البعض وتحصل على الربح منها , والمرء ربما امتلك أمة أو عبداً وربما امتلك عشرات منهم .

4-تملك كل منهما ناقص غير مستقر :


     بيان ذلك أنَّ الشخصية الاعتبارية وإن أضفى القانون عليها الأهلية التي تخولها التملك , فتمتلك بذلك الأصول المختلفة , وقد تمتلك قريناتها من الشخصيات الاعتبارية , غير أن هذا التملك يبقى تملكاً ناقصاً غير مستقر؛ ووجه ذلك أن مالك الشركة الأصلي بمقدوره أن ينقل ملكها إلى ملكه مباشرة , ويتضح ذلك في حالات عدة , كالاتفاق على خفض رأس المال ومن ثم ترد الاموال التي خفضت إلى الملاك الأصليين , أو أن تباع بعض أصولها وتوزع على المالكين , وغيرها من التصرفات التي تكشف بوضوح نقصان التملك وعدم كماليته, إذ أن للمالك انتزاع هذا الملك متى عنَّ له ذلك.
      ويسري ذلك في شأن العبد أيضاً , إذ يمتلك كل ما يمكن أن يكون محلَّاً للملك ملكاً ناقصاً غير مستقر . ولعلَّه يمكن الاستدلال في ذلك بقوله : "من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا ان يشترطه المبتاع"وهو ما رد المالكية به قول من قال إن العبد لا يملك فقالوا : في قوله ، أضاف المال إلى العبد باللام واللام تقتضي الملك فإنَّ اللام متى قرن بها ما يملك اقتضت الملك . وبمثل هذه الإضافة أضيف المال إلى البائع فدل ذلك على ملكه له.ومنها قوله   "إلاَّ أن يشترطه المبتاع"فدل على أنَّه للعبد وليس للبائع ولا المبتاع أي لمن كان له قبل البيع ، ومنها أن العبد لو كان له عبيد فأعتق السيد العبد لا يعتق العبيد بل يبقون في مال العبد إلا أن يشترطهم السيد أو ينتزعهم منه قبل العتق.

     ومن ثم وجب وضع مسألة الطبيعة المختلفة لملكية الشركة ذات المسؤولية المحدودة للمال محل اعتبار , فلا يسَوَّى بينها وبين الملكية التامَّة , إذ وكما ظهر لنا آنفاً , فلا الشريك تام الملك على موجودات الشركة , ولا الأخيرة تامة مستقرة الملك, فالحصة ليست في يد مالكها فهي ملكية ناقصة , والمال في يد الشركة لملاكها انتزاعه متى رأوه . وهذا واضح للمطلع على التشريعات الحديثة في تنظيمها لأحكام هذه الشركات.

5- قد يتعدد الملاك وقد ينفرد بالملك واحد :


     في الشخصية الاعتبارية محدودة المسؤولية , لربما كان لها عدد من الملَّاك قلُّوا أو كثروا , وقد يكون المالك واحداً؛ ومثال الأول شركة المساهمة , ومثال الثاني شركة الشخص الواحد . والعبد ينطبق عليه الأمر نفسه ولا يوجد ما يمنع أن يكون مملوكاً لأكثر من مالك يشتركون فيه .وأحكام الرقيق في كتب الفقه لم تخل من بيان وتفصيل حالة اشتراك المالكين .

6- تتحدد مسؤولية مالكهما بالقيمة الكلية:


    وهو لب الاتفاق بينهما ؛ ذلك أن المالك في الشخصية الاعتبارية (ذات المسؤولية المحدودة ) محدودة بما يدفعه كرأس مال لها وبموجوداتها من أرباح وأصول ذات قيمة , وتبقى أمواله الخاصة بعيدة لا تمتد إليها تلك المسؤولية.
كذلك الرقيق قد يكون ممن يتجر في المال فيجمع منه الكثير ويستبقيه السيد عنده –أي: عند الرقيق- , ولربما كان عكس ذلك , فيكون فقيراً معدماً , وأيَّاً ما يكون فليس لغرمائه التنفيذ على غير ما في يد العبد , أو أن يعلقوه –الدين وما في دائرته- في رقبته أو ذمته, فتتحدد مسؤولية سيده بقيمته وبالمال الذي في يده , ولا شيء من التزاماته يمتد إلى سيده.

ثالثاً : قياس الشخصية الاعتبارية محدودة المسؤولية على أحكام الرقيق :


    إن ما يجعل أحكام الرقيق مجالاً لقياس الشخصيات الاعتبارية محدودة المسؤولية , هو هذه الخاصية الأخيرة التي تجمع بينهما وتظهر التشابه بينهما , وتبلور فرعية المسألة عن هذا الأصل .
ولا ينقص من ذلك قول قائل بغياب أثر علَّة المسؤولية المحدودة في أحكام الرقيق , فليس ذلك مما يعاب به القياس عليها , ووجه ذلك أن العلَّة  في القياس على الراجح لا يجب بيان أثرها في الدليل أو الحكم ما دامت صحتها قائمة , فوجود التأثير دليل على الصحة غير أن غيابه لا يستدل به على فساد العلَّة . والصحيح أن معرفة تأثير العلَّة في الحكم لا يبين إلاَّ عند إلحاق الفرع بالأصل. مثال ذلك : القول بحرمة الخمر و التعليل بالإسكار , فإنَّنا لا نستبين ذلك إلَّا في حال إلحاق المخدرات والنبيذ بها , إذ أن المفارقة تكمن في أننا قبل ذلك  كان دليلنا نص صريح , فلم تظهر حاجة إلى معرفة العلَّة أو الدراية بتأثيرها.

   والقياس الذي بين أيدينا عماده وصفين مشتركين كل منهما له تأثير في الحكم ؛ على الرغم من أن ذلك لا يلزم- أي:بيان التأثير - . الأول المسؤولية المحدودة ؛ وظهر لنا ذلك في المحور السابق, وتبينَّا المطابقة بين الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة وبين الرقيق في ذلك . وتأثيره في الحكم يحال فيه إلى ما ذكر آنفاً أيضاً وهو جلي واضح .

    الثاني لا يختص به الرقيق أو شركات المسؤولية المحدودة وحدهما ؛ بل يدخل في مسائل عدة , وهو تصرف كل منهما في مال مالكه دونما إرادة مباشرة منه – أي : المالك- . وهو وصف كاف ٍ لحمل الثانية على الأول , وقيام القياس فيهما . والقول بأن ذلك- أي:التصرف- يحصل في كل شركة لا محل له هنا , ذلك أنَّ الذي ورد في الفقه يشير إلى الاعتداد بوكالة كل شريك عن بقية الشركاء , فلا يستمد المتصرف تصرفه من جوهر الشراكة , بل من وكالة صاحبه .أما في الحالة المنظورة فالأمر مختلف , إذ أن العبد والشركة مملوكين لأصحابهما , وتصرفهما في الأموال ليس مرده وكالتهما عن مالكيهما بل هو ملكيتهما للمال, فالحاصل هنا أننا أمام ملكيتين لا واحدة وكل ملكية لها طبيعتها الخاصة بها . ويطرأ ذلك عند ذكر موظفي الشركة محدودة المسؤولية ,  فلا يقال هنا أنهم يتصرفون وكالة عن ملاك الشركة , بل الصحيح أن الشركة تستأجرهم لها لا للملاَّك , والشركة كما قلنا ليست بوكيلة عن ملَّاكها, فالمال مالها .
وقد حرصت الشريعة على تحديد مسؤولية المالك كلما كان الأصل متصرفاً استقلالاً عنه, من شواهد ذلك مثلاً؛

    قوله : العجماء جبار . وعن الأسود بن قيس عن أشياخ لهم أن غلاماً دخل دار زيد بن صوحان فضربته ناقة لزيد فقتلته فعمد أولياء الغلام فعقروها,فاختصموا إلى عمر بن الخطاب فأبطل دم الغلام وأغرم الأب ثمن الناقة. وقال سفيان في رجل كانت في داره دابَّة قال إذا كان عليها راكب أو ممسك فأصابت إنساناً فقد ضمن وإن ربطها في ناحية الدار فأصابت إنساناً فلا ضمان عليه, فإذا كانت تسير فنضحت (أي ضربت بحافرها) فأصابت إنساناً فليس عليه ضمان. ووجه الدلاله في ذلك إنهم جعلوا المالك ضامناً إذا كان مسئولاً عن فعل الدابة كأن يكون قادراً على منعها فلم يفعل أما إذا حمى الناس منها بجعلها في داره فلا يضمن,وإذا كانت في يده فعليه الضمان لأنه كان قادراً على منعها فلم يفعل .

      ومنه أيضاً التفريق بين العبد المأذون وغير المأذون ؛ فإذا صار مديناً وهو غير مأذون فالدين في ذمته لا يباع به لأن فيه إتلافاً لمال السيِّد وهو لم يأذن له بتحمل دين , أمَّا في حال أّذن له فالدين في ماله , فإذا لم يكف مافي يده من مال , ففي رقبته , يباع بدينه. والفرق أن الشارع حمَّل السيد مسؤولية أكبر في الحالة الثانية لأنَّه أذن له , ومن ثم صار مسؤولاً عن جزء من تصرفاته.


     وعلى ذلك فإن مالك السهم أو الحصة في الشركة التي يتملك فيها له طبيعة خاصة تتجاوز سائر أنواع الملك . وكما أسلفنا أن السبب في ذلك أن الشركة لئن كانت تخضع لملك مالكيها مساهمين كانوا  أو شركاء بحصص , إلَّا أن سيطرتهم عليها والتحكم في زمام أمرها ليس لهم بل لموظفيها , وإن كان لهم تعيين مجلس إدارة إلا أن لذلك شروطه , ولا ينفي عنهم ذلك انفصالهم عن الملك .

رابعاً: حق الدائن ومحدودية مسؤولية المالك:


     حيث أن أهم وأبرز إشكالات الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة هو الخاصية التي يتميز بها الشركاء فيها وهي تحديد مسؤولية كل منهم فيما قدمه في رأس المال. ولا يقتصر الأمر أو يقف عند حد ما قدمه الشركاء في رأس المال , بل إن التاريخ يذكر شواهد - بعضها يتكرر حتى اليوم-  لا يكتفي الملَّاك فيها بتحديد مسؤوليتهم , بل يقومون بتصرفات تؤدي إلى إنقاص ضمان الدائنين العام في الشركة ألا وهو رأس مالها . وسيراً على ما تم الأخذ به من قياس على أحكام الرقيق , فنجد لذلك أيضاً حكماً فيها. تتمثل الحالة في إعتاق العبد قبل أن يكون موفياً بالتزاماته وديونه للغير . المشكل الذي يعرض هنا أن الغير ليس له أن يبيع العبد في الدين إذا لم تف الأموال عنده بسداد ماعليه— على سند من كونه قد صار حرَّاً. والسيد يفعل ذلك بقصد أن يحمِّل العبد ديونه فتكون في ذمته , ولا يخسر هو قيمته حال أدركوه قبل أن يعتق فباعوه بدينه.

    يقول في ((المدونه)) :" قلت أرأيت المدبر إذا جنى جناية فأعتقه سيده أيجوز عتقه وتكون الجناية في ذمته يتبع بها قال لم أسمع من مالك فيه شيئاً ويحلف السيد ما أعتقه وهو يريد أن يحمل عنه الجناية وهو عندي مثل العبد إذا كان حين أعتقه أراد أن يضمن الجناية وإلا حلف بالله ما أعتقه وهو يريد أن يضمن عنه الجناية فإن حلف ردت خدمة المدبر وخير بين أن يسلمه أو يفتديه مدبراً فإن أسلمه وكان للمدبر مال أخذ من المدبر المال وأعطي المجروح ثم خرج حراً إذا كان في مال المدبر وفاء بجنايته وإن لم يكن في ماله وفاء أخذ منه ما كان له..".

   ويقول الباجي في ((المنتقى)) :" ..إن من أحاط الدين بماله فإنَّه لا يبتدىء عتق عبده فإن فعل ذلك وأعتق عبده فإن للغرماء رد ذلك بحكم حاكم ...".

وفي مصنف عبدالرزاق في العبد المأذون له في التجارة قال :"وإذا أعتقه سيده وعليه دين قال بعضهم في ذمته وقال بعضهم قيمة العبد على السيد".
 ذكرابن قدامة رحمه الله في((المغني)) :  السيد إذا غرر بالناس ، وقد أذن لعبده بالتجارة ، فقال لهم داينوه أو أذن له باستدانة تزيد على قيمته يكون السيد ضامناً.

   * لابد من الإشارة إلى أن الذي أخذ بهذا الرأي انتُقد انتقاداً واسعاً على ما اعتمد عليه من أدلة , وأبرز من عارض القول بذلك الشيخ الفقيه الدكتور الصديق الضرير,وفضيلة الشيخ العلَّامة الأستاذ الدكتور القرداغي.

                                                          

المبحث الثالث : حكم تحديد المسؤولية والشخصيات الاعتبارية ذات الخاصية :


المطلب الأول : الإباحة ؛أسانيد وأدلَّة من رأه.


أولاً : الأصل في المعاملات الحِل مالم يرد دليل بخلاف ذلك . والظاهر ألَّا مانع من تحديد المسؤولية ما دامت  الأطراف المتعاملة مع الشركة قد ارتضت القيد بذلك.

ثانياً : تحديد المسؤولية شرط بين الشركاء حين التأسيس , يعلم به المتعامل معهم قبل إبرامه التصرف الذي يأتيه ويرتضي الشرط, والصحيح أن اشتراط الشروط جائز إن لم تخالف نصاً , والمسلمون على شروطهم , فالشرط صحيح .

.
ثالثاً: العلم والبصيرة تنفي الجهالة والغرر ؛ فالمتعامل مع الشركة دخل على بينة من أمره , ووجه ذلك أن القانون يجبر الشركاء على إظهار ذلك مع اسم الشركة في في كل الأحوال , ويفرض جزاءات على مخالفة ذلك . وشبّه ذلك بمن يشتري سلعة يعلم عيبها ومع ذلك يشتريها ؛ فلم يجز له الفقهاء أن يحتج بالعيب بعد ذلك.

رابعاً: جواز تحديد المسؤولية قياساً على شركة المضاربة في الفقه الإسلامي , إذ تكون مسؤولية المضارب ( رب المال )  فيها على قدر المال الذي قدمه . وهو ما استدل به فضيلة العلامة عبد العزيز الخيَّاط- رحمه الله- حيث قال : (( وتحديد مسؤولية الشركاء بمقدار حصصهم متفق مع قواعد شركة المضاربة , إذ أنَّ رب المال فيها لا يسأل إلَّا بما قدم من رأس المال )) .

خامساً: لا ضرر من تحديد المسؤولية ؛ لمَّا لم يكن القول به على عمومه دائماً , فالقانون إذ منح الشركاء ميزة تحديد مسؤوليتهم , غير أنه أطلقها شخصية تضامنية في حالات عدة , منها مثلاً  :

·          زيادة عدد الشركاء عن الحد الذي يقتضيه القانون ؛ فإن حدث ذلك أخطرت الشركة من الجهة المختصة بالمخالفة الواقعة , وتمنح إثر ذلك مهلة لتصحيح أوضاعها , فإن لم يكن , حلت الشركة , وتحمل الشركاء الذين علموا بالإخلال مسؤولية شخصية تضامنية .

·         إذا بالغ أحد الشركاء في تقديره حصته العينية وأضفى عليها ثمناً أعلى من الثمن الحقيقي لها , كان مسؤولاً عن دفع الفرق للشركة , كما يتحمل باقي الشركاء مسؤولية تضامنية وشخصية عن أداء هذا الفارق.

·         في حال أغفل الشركاء أو المديرون الإشارة إلى كون الشركة ذات مسؤولية محدودة في المستندات اللازمة عند التعامل مع الغير , كانوا مسؤولين بالتضامن في أموالهم الخاصة عن التزامات الشركة , كما يلزمون بكل تعويض ينجم عن ذلك .

·         إذا خولفت قواعد التأسيس من قبل الشركاء أو المديرون أو المؤسسون ,التزموا تضامنياً وفي أموالهم الخاصة , بتعويض الغير عن كل ضرر لاحق بهم على إثر بطلان الشركة.يلاحظ أن مخالفة قواعد التأسيس تستلزم أمرين: الأول : البطلان , والثاني : المسؤولية الشخصية التضامنية بتعويض الغير .  

·         يلتزم المديرون بإعداد سجل خاص للشركاء , يكون شاملاً لعدد من البيانات ؛ أهمها حصص الشركاء والتصرفات التي تجرى عليها , والمديرون مسؤولون بالتضامن عن صحة ومصداقية البيانات الواردة فيه .

·         أي تعامل يجريه المؤسسون أو الشركاء أو المديرون مع الغير , قبل إشهار الشركة بتقييدها في السجل التجاري , يؤدي بهم إلى تحمل مسؤولية شخصية عنه.

·         مخالفة المديرين لأحكام القانون أو عقد التأسيس , تعرضهم للمساءلة التضامنية في مواجهة الشركاء ,والشركة , والغير المُتَعامَلْ معهم.

·         في حال أبرم المؤسسون أي تصرف قبل قيد الشركة في السجل التجاري , التزموا به ,ويسألون عنه شخصياً تجاه الغير , لكون الشركة لم تكن قد اكتسبت بعض شخصيتها الاعتبارية الكاملة .

سادساً : المصالح في صيغة هذه الشركة أكبر من مفاسدها ؛ ووجه ذلك في الآتي :

·         حرية القيام بمشروع تجاري من حيث عدم إضفاء صفة التاجر على الشريك ,بخلاف أنواع أخرى من الشركات , ومن ثم التحلل من القيود والالتزامات المفروضة على التاجر , كالمسؤولية الشخصية , والتعرض للإفلاس . 

·         تسهم في نمو الاقتصاد الوطني , إذ تستوعب المشاريع المتوسطة التي تجنب الشركاء المسؤولية المطلقة ,ولا تتطلب رؤوس أموال ضخمة .

·         تحافظ على المؤسسات العائلية ؛ إذ لا تتأثر بما يطرأ عليها من موانع استمرار شركات الأشخاص عادة , كالوفاة أو العجز الصحي لأحد الشركاء , فلا تحل الشركة بل يتابع الوريث العمل في الشركة.

·         قد يتجنب التاجر الإفلاس المقبل عليه من خلال هذا النوع من الشركات , ومثال ذلك أن يتعاون دائني التاجر المدين فينشأوا شركة بهذه الصيغة , يقدم فيها كل منهم حصة تساوي حقه تجاه  مدينه , ويتم استثمارها بأعماله لصالحهم جميعاً, وهم بذلك يحمونه من الإفلاس , ولا يخسرون حقوقهم عنده .

سابعاً: تحديد المسؤولية , مقيد بعدة قيود وضوابط , مما لا يخشى معه ضياع الحقوق و أكل الأموال بالباطل .ومن أمثلة الضوابط المعنيَّة :

·          حظر ممارسة الأنشطة والأعمال التي تستلزم رأس مال ضخم ,وضمان قوي , كأعمال الصرافة , والتأمين, والاكتتاب العام , وإصدار أسهم وسندات . ولا شك أن هذا التضيق مبرر واضح , إذ أن كل هذه الأعمال تحمل ما تحمل من مخاطرات مالية كبيرة , لا يسد حاجتها رأس مال ذات المسؤولية المحدودة  .

·         وجود حد أدنى لرأس المال لا يجوز أن يكون أقل منه , ويشترط أن يكون قد تم دفعه كاملاً عند التأسيس. وهو بهذه الصورة يكون على الأقل ضماناً أولي للمتعامل مع الشركة.

·         تدفع الحصص العينية والنقدية في الشركة كاملة عند التأسيس, وتودع في أحد مصارف الدولة , ضمانة لحقوق الدائنين , وتلافياً لتحايل الشركاء وتهربهم ومماطلتهم في دفع حصصهم , والتصدي لحالات إنشاء شركات وهمية تضيع فيها حقوق الدائنين . كما لا تدفع الحصص أو لا يتم سحبها من المصارف دون أن يكون مدير الشركة قد قدم إثبات قيد الشركة في السجل التجاري . وعلة ذلك كله التحقق من جدية الشركة وإرادة استمرارها.

·         يتحمل الشريك الذي يبالغ في تقدير حصته العينية أو يقلل من قيمتها , مسؤولية شخصية عن أداء هذا الفرق, ويؤديه نقداً للشركة , كما ويتحمل المؤسسون والشركاء مسؤولية شخصية تضامنية عن أداء الفرق .

·         فورية تكوين رأس المال بوجوب دفعه كاملاً عند التأسيس , يقتضي عدم إمكان قبول حصص العمل (أو الحصص الصناعية ) , حيث أن العمل لا يمكن أن يحضر دفعة واحدة , والسبب الأهم من ذلك  كون حصة العمل لا تقوَّم بالنقود ومن ثم لا تكون ضمن رأس المال الذي يعد ضمان دائني الشركة, فاستبعاد حصص العمل من هذه الشركة في المقام الأول لحماية حقوق الغير .

·         وجوب توافر ركن الكتابة في العقد الابتدائي للشركة , وتوثيقه في الجهات الرسمية , وتوثيق كل ما يستجد من تعديلات لاحقة . ويشتمل عقد الشركة على بيانات , أهمها:
مقدار رأس المال , وقيمة الحصص فيه , وتقسيماتها على الشركاء.
أسماء الشركاء , وبياناتهم .
أسماء المديرين. وبياناتهم.
■ تاريخ بدء ونهاية الشركة .
■ كيفية توزيع الأرباح والخسائر .
ولا شك أن هذه المعلومات تؤمن للمتعامل مع الشركة اطلاعاً على أهم مقومات الشركة , وتمكنه من معرفة حدود ضمانات حقه .

·         الرقابة المالية عبر مفاصل الشركة المختفلة , متمثلة في رقابة مجلس الرقابة على الميزانية , وتقريره السنوي , وتوزيع الأرباح , وفحص الدفاتر , والجرد المالي , ووثائق الإثبات لحقوق الشركاء.إضافة إلى رقابة الجمعية العمومية من خلال مناقشتها للميزانية وحساب الأرباح والخسائر , خلال جدول أعمالها.فضلاً عن مراقب أو مراقبي الحسابات , حيث تختار الجمعية العمومية مراقب أو أكثر كل عام .أما المدير فهو مخول بإعداد الميزانية السنوية , واحتساب الأرباح والخسائر, وكتابة التقرير السنوي حول نشاط الشركة , ومركزها المالي , ومقترحات توزيع الأرباح والخسائر .
وكل ذلك يؤدي ولا شك إلى حفظ سير العمل في الشركة متماسكاً, وكأثر لذلك يكون سير نظامها المالي قادراً على حفظ حقوق الغير .

·         إفلاس المدير أو الشركاء لا يعني بحال إفلاس الشركة , وفي ذلك ضمان لحقوق الغير , فلا يتذرع بالإفلاس تجاه الدائنين بمجرد إفلاس أحد الأطراف فيها , فتضيع حقوقهم.  

·         وجوب المحافظة على الحدين الأدني والأقصى , فالأدنى يطمئن المتعامل مع الشركة بوجود شركة حقيقية لا وهمية تغطي شخصاً واحداً, والأقصى يرمي إلى المحافظة على الاعتبار الشخصي في الشركة , ومنه المحافظة على الثقة بين الشركاء , فلا يدخل فرد دون التوثق منه.كما يحد العدد الأقصى للشركاء , من قدرة الشركة على الانخراط في مشاريع ضخمة قد لا تتمكن من الوفاء بديونها لاحقاً فتضيع حقوق الدائنين .

·         لا تباشر الشركة العمل , إلَّا بعد قيدها في السجل التجاري ؛ ويرفق بطلب القيد :
■ نسختان من شهادة لمدير/ي الشركة, مصدق عليها من مراجع حسابات الشركة , بأن جميع الحصص نقدية أو عينية , قد وزعت بين الشركاء في عقد الشركة, وقد تم الوفاء بها جميعاً.
■نسختان من شهادة من المصرف بجملة المبالغ المودعة من كل شريك , وتعهد المصرف بعدم أداء المبالغ إلَّا لمدير الشركة بعد تقديم ما يثبت قيدها في السجل التجاري. وتتأكد السلطة المختصة من المعلومات آنفة الذكر إضافة إلى توافر الأركان والشروط  الأخرى . وبعد الإشهار تكون المعلومات والتفاصيل كلها متاحة لمن أراد التعامل معها .

·         يلزم القانون الشركة باقتطاع جزء من أرباحها الصافية كاحتياطي يتم توفيره في أحد المصارف . وفي ذلك بلا شك حفظ لحقوق الدائنين , إذ يكون للشركة أن تواجه الظروف المختلفة , وتحمي دائنيها , سيما أن الشركاء محدودي المسؤولية.

·         تدني رأس مال الشركة نتيجة توالي الخسائر وكثرتها , يعطي مجلس الإدارة حق اتخاذ قرار حل الشركة , وفي حال بلغت الخسارة  نصف رأس المال, وجب على المديرين عرض  حل الشركة على الجمعية العمومية , ونسبة صدور القرار هي ذات النسبة المطلوبة لصدور قرار تعديل عقد الشركة .

·         إلزام الشركة بإعداد سجل للشركاء يحتوي على البيانات الآتية :
■ بيانات الشركاء .
■بيانات الحصص .
■التصرفات المجراه على الحصص مع تواريخها .
ويسأل مديرو الشركة بالتضامن عن صحة البيانات الورادة في السجل , ولكل ذي مصلحة الاطلاع عليه.
كما يجب على الشركة أن ترسل إلى السلطات والجهات المختصة في مطلع كل عام , المعلومات الثابتة في السجل مع التغيرات التي طرأت كاملة . وعبر الاطلاع على السجل , يتحقق للمتعامل مع الشركة العلم بأوضاع الشركة , وبتحميل المديرين مسؤولية مصداقية المعلومات المثبتة فيه , تخف وطأة المسؤولية المحدودة.

·         ينبغي على الجهات المختصة –وفي الغالب تكون الوزارة- نشر عقد الشركة بنشرتها الخاصة , وتتضمن البيانات التالية:

■رقم وتاريخ ومكان توثيق العقد .
■ الاسم التجاري للشركة مشفوعاً بعبارة (ذات مسؤولية محدودة ) .
■ تاريخ بدء الشركة وانتهائها.
■ غرض الشركة .
■مقدار رأس المال , و وبيان تقسيم الحصص وأنواعها .
■ وصف دقيق للحصص العينية المقدمة من الشركاء , وما تملكته الشركة من أموال من قبل الشركاء أو الغير , وبيان أسماءهم, و الأثمان المدفوعة مقابلاً لها.
■أسماء مديري الشركة , وعناوينهم , وسلطاتهم .
■أسماء أعضاء مجلس الرقابة حال وجد .
■ الشكل المراعى في تبليغات الشركة إلى الشركاء.
■ نصوص العقد الخاص بتكوين رأس المال الاحتياطي من أي نوع كان .
■مركز الشركة الرئيس .
ولا تمارس الشركة أي نشاط قبل القيد في السجل التجاري , ونشر عقدها في نشرة الوزارة , والحصول على الرخصة التجارية من الجهات المختصة .
وهذه المعلومات الدقيقة كفيلة بجعل العميل على بينة من أمره في تعامله مع الشركة .
 

·         لا تؤسس الشركة إلا بتوزيع الحصص العينية والنقدية في عقد التأسيس , ودفع النقدية فوراً , وتسليم العينية حالاً ؛ وبعد ذلك يوقع الشركاء طلب التأسيس , الذي يقدمه المدير بنفسه إلى السلطات المختصة , مرفقاً إياه  بعقد التأسيس, ووثائق مثبتة لتوزيع الحصص ودفعها كاملة وإيداعها أحد المصارف. وفي ذلك ما فيه من ضمانات للدائنين وسلامة للمجتمع من الشركات الوهمية .

·         تقييد التنازل عن الحصص بقيود عدة , أهمها :
■ التنازل لا يكون بغير محرر رسمي قانوني , بناءاً على عقد الشركة .
■ المحافظة على نسبة من الشركاء تحقق قيام هذه الشركة على الوجه الذي يقتضيه القانون, كنسبة من المواطنين وخلافه.
■ألاَّ يزيد عدد الشركاء بهذا التنازل عن الحد الأقصى الذي يحدده المشرع.
■يقيد التنازل في سجل الشركاء, وفي السجل التجاري, ليعتد به في مواجهة الغير.
إضافة إلى حق الاسترداد للشركاء. ويلاحظ أن القيود في عمومها تنبع من محدودية المسؤولية , إذ يحافظ المشرع على تكوين الشركة والثقة التي بين الشركاء فيها , فلا يتسبب التنازل عن الحصة في دخول غريب لا يتمتع بذات الثقة التي يتمتع بها بقية الشركاء . فينأى بالشركة عن الخسائر والتلاعب قدر استطاعته , ويضمن استمراريتها .

·         إذا استغل الشركاء أو المديرون مبدأ تحديد المسؤولية بغش أو تلاعب أو إهمال , سقط ستار المسؤولية المحدودة, وتحولت المسؤولية تضامنية شخصية .

ثامناً : غلبة الطابع التنظيمي على الشركة دون العقدي, ,فللأخير مساحته فيها , غير أنه بخلاف أنواع الشركات الأخرى كالتضامن مثلاً. فلئن كانت إرادة الشركاء  لها أهميتها لإنشاء العقد , ودورها في تقسيم الحصص ,  غير أن ما يتلو ذلك من أمور تنظيمية , يخضع الشركاء فيها لتنظيم دقيق مقنن من قبل الجهات الرسمية . بالطبع مع مراعاة القواعد العامة.
ومرد ذلك رغبة المشرع لمَّا أتاح للشركاء تحديد مسؤوليتهم – أن لا يضيع بذلك حقوق الغير المتعامل مع الشركة , فكان لمحدودية ضمانها أن أخضعها لنظام غاية في الدقة, مراقب منذ لحظة التأسيس, وبهذا الضبط والتنظيم , تزيد الحماية لحقوق الدائنين. والأمر ذاته ينطبق على شركات المساهمة , إذ أنها من الشركات التي تتحدد فيها مسؤولية المساهمين بقدر أسهمهم .

المطلب الثاني : الحرمة  ؛أسانيد وأدلَّة من رآه.


أولاً : القول بتحديد المسؤولية أمر حادث لم يعرفه الفقهاء , ويخالف ما اتفقوا عليه ؛ إذ أنهم وحدوا الذمة بين الشركة والشركاء , والدين لا ينحصر في مال الشركة , فإما أن يكفي هذا الأخير لسداد الديون ,وإلَّا فلا مناص من الرجوع على أموال الشركاء , كل بقدر نصيبه لا يعفى منه أحد .

ثانياً : إن مبنى الشركة الوكالة , وقواعد الوكالة والشركة لا يصح معها القول بتحديد المسؤولية , إذ أن المال للشركاء ,  يعملون فيه وكالة عن بعضهم البعض , ولا يقال أن المال صار للشركة كشخص اعتباري, فهي ليس لها ذمة تملك كما الإنسان وإنما هي لتعين على العمل والتأسيس , فتمثَّل على أن لها شخصية معنوية , وتمثل هي الشركاء كمالكة للمال , وحقيقة الملك هنا للشركاء لا لها , ويعملون فيه وكالة متحدين في الذمة , فلا يصح تحديد المسؤولية .

ثالثاً : قوله في حديث الشريد بن سويد : { ليُّ الواجد يحلُّ عرضه وعقوبته }أخرجه أبو داود.  ذلك أن مبدأ تحديد المسؤولية قد يؤدي إلى عدم دفع مافي الذمة على الرغم من ملاءتها , فيكون للشريك أموالاً طائلة إلَّأ أن ما يملكه في الشركة أقل مما لديه في رصيده, والدين لم يسدد كاملاً بعد, فمعنى ذلك أنه واجد , ومنع الواجد محرم بدليل الحديث أعلاه .   

رابعاً : قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينَكم بالباطِل}[البقرة:188] فتحديد المسؤولية لربما جعل الوفاء بالدين ناقصاً , في حال زاد الدين على رأس المال , والمبدأ أن لا يتعداه الدائن في استيفاء حقه , لكن الشركاء قد يملكون في أموالهم الشخصية ما يفي بالدين بل يفوقه , وهذا نوع من أكل أموال الناس بالباطل , وهو محرم .
 
خامساً :حديث أبي هريرة عن النبي قال : {مطل الغني ظلم , ومن اتبع على مليء فليتبع}أخرجه البخاري. ووجه ذلك أن الشريك قد يدخل في المماطلة المحرمة بذريعة المسؤولية المحدودة , فلا يف رأس المال بالدين كاملاً , ولا يكون للدائنين الرجوع على الشركاء , ولو كان لهم من الأموال مالهم , مما يسد به الدين , وقد يزيد عنه أحياناً , وهذه مماطلة محرمة .
سادساً : بقاء الديون في ذمم الشركاء في حال لم يف رأس المال بالديون , وهم لن يدفعوا هذه الديون لتحديد مسؤوليتهم , وفي ذلك من الخطورة مافيه , سيما أن الشرع قد شدد أيما تشديد في مسائل الدين, ومثال ذلك :

·         عن محمد بن جحش قال : كنا جلوساً عند رسول الله فرفع رأسه إلى السماء, ثم وضع راحته على جبهته , ثم قال : (( سبحان الله , ماذا نزِّل من التشديد؟ )) فسكتنا وفزعنا , فلما كان من الغد سألته : يا رسول الله , ما هذا التشديد الذي نزل ؟ فقال: (( والذي نفسي بيده , لو أن رجلاُ قتل في سبيل الله , ثم أحيي , ثم قتل , ثم أحيي ثم قتل , وعليه دين , ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه))أخرجه النسائي.

·         عن أبي هريرة قال : كان لرجل على النَّبي سنٌّ من الإبل , فجاءه يتقاضاه , فقال : (( أعطوه)) فطلبوا سنَّه, فلم يجدوا له إلَّا سنَّا فوقها , فقال : (( أعطوه)) فقال : أوفيتني أوفى الله بك , فقال النبي : (( إن خياركم أحسنكم قضاءً)) أخرجه البخاري. ووجه دلالة الحديث هنا , أن من الإحسان في الوفاء أن يزاد على الدين , فكيف يستقيم القول بترك بعضه منقوصاً .

سابعاً:حديث عائشة لأن رسول الله قال : (( الخراج بالضمان )) أخرجه أبو داود. والشريك في هذه الشركة يأخذ الربح كاملاً بينما لا يخسر غير مقدار حصته , فهو يأخذ خراج مالا يضمن .

ثامنا:حديث عبد الله بن عمرو م قال: قال رسول الله : { لا يحل بيع ماليس عندك , ولا ربح مالم يضمن}. فالشريك هنا لا يتحمل خسارة أكبر من حصته , ولا يضمن أكثر منها , غير أنه في الربح له الأكثر , فيكون بذلك آخذاً لربح الدين الذي لن يضمنه ؛ في حال زاد , وهذا لا يجوز لأنه داخل في ربح مالم يضمن , والنهي عن ذلك صريح واضح في الحديث .
 
تاسعاً:قوله تعالى : {إلَّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم }[النساء:29] فالتجارة مشروطة برضا الأطراف فيها , والدائن للشركة في حال لم يستوف حقه كاملاً لعدم كفاية رأس المال , لا يكون راضياً عن هذا التعامل قطعاً .

عاشراً: إن تحديد مسؤولية الشركاء , يخشى معه تساهل الشركاء في الدخول إلى مجالات اقتصادية خطرة جداً , ومن ثم نقص ضمان الدائنين , فالإفلاس المبكر للشركة .

إحدى عشر : جواز تحديد المسؤولية فيه ولا شك مفاسد عظام ؛ منها :

·         في كثير من الأحيان لا يكون رأس المال كافياً لسداد الديون , ولقد تفطنت المصارف والمؤسسات المالية إلى هذه الخاصية , وأدركت ضعف ضمان هذه الشركات , فصارت تشترط الكفالات الشخصية من مدير الشركة أو الشركاء فيها لتمنح القروض , والكفالة في حال عجز رأس المال عن السداد تحال مسؤولية مطلقة , ومعها تمحى خصيصة المسؤولية المحدودة مناط تميز هذه الشركة . وهذه الشروط من المؤسسات المالية , تجعل المسؤولية تضامنية بين الشركاء والكفلاء , وهو ما قد يؤدي إلى الإحجام عن التجارة والاستثمار , لما لإنشاء هذه الشركات من صعوبة الحصول على تمويل بنكي , وفي المحصلة يكون لذلك أثره السلبي على الاقتصاد العام .

·         ضعف ضمان الدائنين ؛ فلا شيء لهم غير رأس المال .

·         إن اطمئنان الشركاء إلى عدم المساس بأموالهم حال تدهور حال الشركة , يرتب إهمالاً ولا مبالاة من الشركاء وسوء إدارة منهم , فينتج عنه تقهقر لمشاريعها , بما يعجل إفلاسها. وهو بلا شك مما يعين على التلاعب والتفريط في حقوق الغير , وعدم الاكتراث بضمانها وإعادتها , فتضعف الثقة بين التجار وهي أهم ما تقوم عليه علاقاتهم .

·         عدم اكتساب الشريك لصفة التاجر , يرتب عدم القدرة على إعلان إفلاسه , وفي ذلك ولا شك إهدار لديون الدائنين , فلا تطال الديون أموالهم , لعدم تحملهم بهذه الصفة التي تمكن من استعمال سلاح الإفلاس في مواجهتهم .

·         في الدول التي تمنع شركة الشخص الواحد , تكون الشركة ذات المسؤولية المحدودة أحياناً غطاءاً وهميَّا لأولى , ولا شك أن ضمان الواحد أقل من ضمان الاثنين والثلاثة , ومن ثم مزيد إهدار لحقوق الغير الذين لا يجدون من ضمان سوى رأس المال لهذه الشركة الذي هو في أصله جزء مقتطع من ذمة مالكها الوحيد الأصلي .

·         القول بجواز تحديد المسؤولية , هو فتح لباب الغش على مصراعيه , إذ يمكن ذلك ذوي النفوس المريضة , من اتخاذ أموال الناس بين أيدهم لهواً , وتلاعباً , وسلباً واختلاساً , فهم مرتكنين إلى احتمائهم بحدود مسؤوليتهم,  وبذلك يزعزع الضمان والائتمان الذي عليه يقوم النشاط التجاري. ولعل من سبل سلب الأموال في هكذا حالات :

■ الشراء بالدين من التجار أو العملاء , أو الاقتراض من البنوك دون كفالة , وبيع السلع والبضائع , ثم ادعاء الخسائر والإفلاس .فيقتسم الشركاء الأرباح والعائدات , ويتركون للدائنين فضل موجودات للشركة ورأس مالها.
وليس من اليسير على المحاكم تبين وإيجاد ثغرات للحكم على الشركاء بمسؤولية مطلقة , خاصة مع وجود محامين ومستشارين قانونيين للشركة.وهذه الشركة تعرض القضايا المتعلقة بها على دوائر مدنية لا تجارية , مما يستلزم وقتاً أطول للفصل في الحكم , للحاجة إلى الوقائع والدلائل والإثباتات .

■ في التشريعات التي تشترط نسبة أكبر للمواطن , فهو في غالب الأحوال لا يكون وجوده في الشركة غير بتوكيل للشريك الآخر, أو يوكل مديراً, وفي حال كان شريكه الآخر فهو مسؤول عن كل شيء , من حيث تحكمه وسيطرته على تصرفات الشركة.وقد حصل في بعض الأحايين أن الأخير , كان يشتري بالدين بكثرة , ثم يعطي شيكات كثيرة متأخرة في المقابل , بعد ذلك يعمد إلى بيع السلع بالأجل وضمان الشيك وإن بأقل , ويحولها إلى خارج البلاد , بعدها يهرب هو ويترك كل شيٍ وراءه , فتقع الشركة في أزمة تودي بها إلى الإفلاس , أما الدائنون فليس لهم حينها غير النسبة الخاصة بالشريك المواطن , وهي عادة غير كافية لسداد الحقوق المطالب بها . والدائنون في هذه الحالة يرضخون للأمر الواقع الذي ضاعت فيه حقوقهم , فليس لهم أن يطالبوا الشريك المواطن بأكثر من حصته , سيما أنه وكَّل مديراً له سلطاته وقدراته , ومن بين سلطاته البيع والشراء والتصرف , وهو من يتحمل تبعة تصرفاته .

·         إثنا عشر :القول بتحديد المسؤولية قد لا تكون له الجدوى المأمولة منه ؛ ذلك أن النص الذي جعل للشركة استقلالية في الذمة المالية عن ذمم الشركاء ورتب على ذلك أن الدائنين الشخصيين للشركاء لايحق لهم الحجز على حصص مدينيهم في الشركة على اعتبار أنها قد انتقلت من ذممهم إلى ذمة الشركة —لم يبق على عمومه , بل دخله تخصيص , والعموم كلما دخله تخصيص ضعف وقل أثره ؛ ومن أمثلة التخصيص الذي دخله :

■ لدائن المساهم الحجز على أسهمه في شركة المساهمة .

■ للدائن الشخصي في الشركة ذات المسؤولية المحدودة الحجز على حصة المدين وبيعها في المزاد العلني , بعد اتفاقه على ذلك مع الشركاء .
■ لدائني الشركاء حق الاعتراض على تمديد الشركة في حال أوشكت على الانتهاء , وذلك يخالف كون الشركة شخص مستقل عن الشركاء .
■ الشركة تكتسب شخصية اعتبارية فيما عدا شركة المحاصة , وأهم ثمار ذلك استقلال الذمة المالية وانفصالها عن ذمم الشركاء كما سبقت الإشارة إليه , غير أن ذلك يرد عليه استثناء ؛ وهو شركات الأشخاص التي تتحد فيها الذمم بين الشركة والشركاء , ومثالها شركة التضامن , والشريك المتضامن في شركة التوصية البسيطة .
ومن ثم يضعف المبدأ والأساس الذي تقوم عليه المسؤولية المحدودة , فلا الشركة تستقل بذمة مالية , ولا هي مالكة للمال , فتلك الاستثناءات وذلك التخصيص ينقض القول  به أصلاً .

المطلب الثالث : التوفيق بين الرأيين, وقرار مجمع الفقه الإسلامي .


أولاً : التوفيق بين الرأيين (إباحتها بشروط) :

    إنَّ من الإجحاف القول بمنع تحديد المسؤولية , ما دام المشرع يضع القيود التي رأيناها في المطلب الأول , كما أن إجازتها دونما ضوابط أخرى جديدة غفل عنها المشرع , ليس فيه إنصاف .
     ومناط الإشكال هنا , أننا وإن سلَّمنا بدخول المتعامل على بينة من رأس مال الشركة وخاصية تحديد المسؤولية فيها , إلَّا أن الجهالة لم تزل تماماً بعد , بل هي باقية وبصورة تنفي إفادة المتعامل أساساً من علمه برأس المال القانوني للشركة وخاصيتها, فهو لا ينتفع بدقة من ذلك , ووجه ذلك أنه يتعامل معها وهو لا يدري كم بقي من رأس المال الذي للشركة في حال أنها تحملت بديون قبل تعامله معها , ولا أهم للدائن في هذه الحالة من معرفة ذلك. وفي ذلك تكمن الخطورة , وتنشأ النزاعات , لذلك وجب تنظيم قضية محورية كهذه في المقترحات الآتية :  
1- النص في مادة مستقلَّة على إلزام الشركاء في الشركة بعدم تجاوز معاملاتهم رأس المال والاحتياطي , وموجودات الشركة, وإلَّا سُئلوا على وجه التضامن مسؤولية شخصية تجاه الدائنين. والعكس صحيح , في حال تم الالتزام الكامل من جانب الشركاء بالحدود والأطر المرسومة لتصرفاتهم , وأظهروا حرصاً على حقوق الغير , ومع ذلك حدث أن هلك المال أو ضاع في خسارة لا إرادية , جاز القول حينها بأن الدائنين علموا بحدود المسؤولية , ومقدار رأس المال .

2- إجبار الشركاء في نص صريح على بيان الديون المترتبة على الشركة يومياً وفي ساعات محددة لهذا , فإن لم يكن وتعاملوا دون بيان , سئلوا مسؤولية شخصية . وهذا منفصل عن السجل الذي يبعث به مطلع العام إلى الجهات المعنية , والذي يحتوي بيان التصرفات التي أجريت على الحصص , وعيبه طول المدة التي لاشك أن الشركة خلالها تكون قد أبرمت تصرفاً على الأقل. وقول القائل بمشقة هذا يرد بالنفي ؛ ذلك أنه يسير على الشركة أن تبعث بهذه البيانات مندوباً لها صبيحة كل يوم , أو ترسلها عن طريق البراق(الفاكس) ولا شركة تخلو منه اليوم . إضافة إلى إمكان أن يتم تخصيص الجهات المعنية موقعاً على (الإنترنت) لهذه الشركات بحيث يسجل الشركاء التغيرات والديون الطارئة ويتاح للمتعامل مع هذه الشركات الاطلاع على المستجدات عبر شبكة المعلومات قبل أن يبرم معها أي تصرف , إذ وكما ذكر تكون أوقات التسجيل للديون محددة .   

3- تلتزم الجهات المعنية بمنع الشركة من زيادة ديونها حال تجاوزها سقفها الائتماني , فلا تقبل بتسجيل ديون جديدة إذا اتضح تجاوز رأس المال والاحتياطي , وهي تخطر الشركة فور كشفها التجاوز؛ وما سوى ذلك يعرض الشركاء لمسؤولية تضامنية مطلقة .كما يمكن أن تُخطَر الشركة بالحد المتبقي لديها بصفة دورية , فتتلافى التورط في التزامات جديدة , تفوق رأسمالها والاحتياطي , فإن هي دخلت صفقة رغم ذلك , تحملت مسؤولية كاملة هي والشركاء .

4- إصدار مادة تنبه المتعاملين مع هذه الفئة من الشركات , إلى ضرورة اطلاعهم على رأس مال الشركة , ومقدار ديونها عبر السجل التجاري , أو موقع الشركة على (الإنترنت) , وتقاعسهم عن ذلك هم من يتحمل تبعته , فلا يكون لهم الاعتراض بقلة رأس المال , إذ أنهم من قصر في الاحتراز لنفسه .

وإصدار مثل هذه النصوص  كفيل – بإذن الله – بتخفيف المشكلة , إن لم يكن بضبطها كلية .

ومن ثم يكون تحديد المسؤولية جائز بالمواد المقترحة آنفاً , وتجوز إذا دخل العميل على بينة كاملة لا تشوبها جهالة , كما تجوز في حال تحصل العميل على كفالة –ضمان- إن من الشركاء أو كفالة شخصية , أو توقيع رهن على  أي عقار للشركة.
أما القول بإجازتها رغم جهل المتعامل بالديون التي عليها ففيه ظلم وغرر لا ترضاه الشريعة العادلة .
  

ثانياً : قرار مجمع الفقه الإسلامي (حول تحديد المسؤولية):

قرار رقم : 63( 1/7 )
بشــــــــــــــأن الأسواق المالية
مجلة المجمع (ع 6، ج2 ص 1273 والعدد السابع ج 1 ص 73 والعدد التاسع ج2 ص5)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 – 14 أيار (مايو) 1992 م ، 
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع الأسواق المالية الأسهم ، الاختيارات ، السلع ، بطاقة الائتمان ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ، 
قـــــــــــــــرر ما يلي 
♦ البند الثاني عشر :
تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة:

    لا مانع شرعاً من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها، لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة
كما لا مانع شرعاً من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام . وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية


*المطلب الرابع : حكم الشخصية الاعتبارية ذات المسؤولية المحدودة .

·         الشركة ذات المسؤولية المحدودة شركة تقوم على الأركان الصحيحة ,العامة منها,والموضوعية الخاصة , والشكلية .

·         فيها كثير من الشروط المصححة لعقد الشركة .

·         منعها من إصدار السندات , يضمُّها إلى مصاف الشركات الصحيحة , إذ أن السندات وكما هو معلوم تعد قروضاً بفائدة .

·         تتفق الشركة في كثير من خصائصها مع الشريعة الإسلامية , كتحديد حدها الأدنى , وحق الاسترداد الذي ينشأ للشركاء حال التنازل عن الحصة , وهو موافق للشفعة في الشريعة الإسلامية, وكذا انتقال الحصة لأحد الورثة .

   والشركة أقرب ما تكون إلى شركتي المضاربة والعنان في أوصاف عدة , مع ميزة شاركت فيها شركة المفاوضة.
وعليه : فهي شركة جائزة شرعاً , بالضبط المذكور لمسألة تحديد المسؤولية , ومن الباحثين المعاصرين الذين ذهبوا إلى جوازها , الشيخ العلامة علي الخفيف والشيخ العلامة عبد العزيز الخياط رحمهما الله تعالى.

  ويبقى الإشكال في بعض الجزئيات , فإضافة إلى المسؤولية المحدودة , هناك ما أجازه المشرع للشركاء من الاتفاق على على كيفية تحديد تحمل الخسران , ونبحثه موجزاً هنا :

·     اتفق الفقهاء على قاعدة مفادها : (( أن الخسران على قدر المالين )) , فهم وإن اختلفوا في مسألة جواز تفاضل الربح      من عدمه , حال تساوي الحصص أو اختلافها , إلَّا أن الخسران عندهم على قدر المالين ؛ فكل شريك يحمل من الخسارة بقدر ماله , وفي ذلك أسمى مراتب العدالة . والذي يدق هنا كون الشرط يعد مبطلاً لعقد الشركة أم لا؟ والشروط عن الفقهاء غير الشرط الصحيح , شرط فاسد وينقسم إلى قسمين: شرط فاسد مفسد للعقد وشرط فاسد في ذاته لايفسد العقد, والظاهر أن الشرط محل النظر من النوع الثاني . وينبغي على المشرع تعديله , فالغالب أن النصوص في الشركات المعاصرة تؤخذ كما هي من التقنينات الغربية.

·     كما ينبغي على الشركاء في إيداع أموال الشركة أن يتحروا بنكاً إسلامياً , فإن لم يكن فبنك تجاري دون التحصل

على الفوائد منه.




تم بحمد الله ..





______________________________________________________________________ المراجع :

1 - أبي عمرعبد الله بن محمد الحمَّادي , الشركة ذات المسؤولية المحدودة في الفقه الإسلامي وقانون دولة الإمارات العربية المتحدة بحث مقارن , دار المؤيد , الرياض , الأولى (1428هـ - 2007مـ).

2 - عبد العزيز الخياط , الشركات في الفقه الإسلامي و القانون الوضعي , مؤسسة الرسالة , عمَّان (1414هـ-1994م).

3 - عزيز العكيلي, الشركات التجارية في القانون الأردني دراسة مقارنة,دار الثقافة للنشر والتوزيع , عمَّان ,الأولى (1995م).

4 - على الخفيف , الشركات في الفقه الإسلامي , معهد الدراسات العربية العالي , التابع لجامعة الدول العربية .

http://www.qaradaghi.com/portal/index.php?option=com_content&view=article&id=344:2009-07-07-13-01-30&catid=39:2009-07-06-06-55-20&Itemid=33#

6- مجلة مجمع الفقه الإسلامي , منظمة المؤتمر الإسلامي , جدة(1409هـ- 1988م) .

7- محمد على القرّي , الشخصية الاعتبارية ذات المسؤوليَّة المحدودة , بحث منشور في : دراسات اقتصادية إسلامية / المجلد الخامس ، العدد 2 محرم 1419هـ ، ملخص بحثه.
8- مفلح عوَّاد القضاة, الشركة ذات المسؤوليَّة المحدودة وشركة الشخص الواحد, دار الثقافة للنشر والتوزيع, عمَّان, الأولى (1998م).


♣هذه القائمة خلت من بعض المراجع التي تم اللجوء إليها بشكل إضافي للموضوع لا كمرجع أساسي , مثل كتب المذاهب الأربعة, والمعاجم اللغوية . 

ابحث عن موضوع