حدود اختصاص القضاء الشامل و قضاء الإلغاء


ماستـرالمهـن القانونيـة والقضائيـة

(الفوج الرابع)

مـادة: القضاء الإداري

 

 

 

عرض حول  موضــــــــــوع :

حدود اختصاص القضاء الشامل و قضاء الإلغاء

                                    

       من إعداد:                                                              تحت إشراف:     

ü     واصل أقراع                                                                                    د. عمر حمزة

ü     أمين العايوز

ü     مريم براويل

ü     مروان والباز

ü     شاكر الخشين

 

السنة الدراسية: 2017-2018



مقدمـــــة:

    إن الدولة وما تتمتع به من سلطان وسيادة كانت في ظل المذهب الكلاسيكي يقتصر مهامها على الدفاع وتحقيق الأمن والإشراف على المرافق العامة ، فإنها بعد الحرب العالمية الأولى والأزمة الاقتصادية لسنة 1929 ، والحرب العالمية الثانية ،ونظرا لما خلفته هده الأحداث من  أثار وخيمة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية سعت الدولة إلى التدخل في مختلف المجالات ومند ذلك الحين ودورها التدخلي يزداد ، إلى درجة انه أصبح يقتضي ضرورة تقنينه ومراقبته بما يحمي المصلحة العامة ويضمن احترام حقوق وحريات الأفراد .

   وإذا كانت الدولة تتمتع بامتياز كونها شخص من أشخاص القانون العام ، مما يجعلها تتميز عن الخواص ، وما يفترض فيها من الخضوع لأحكام القانون كضمانة لحماية الحقوق والحريات ، فإن تضخم جهازها الإداري ، وتعقد هياكله واتساع مهامه ، جعل الإدارة تنحوا إلى تهديد حقوق وحريات الأفراد عن طريق ما يسمى بظاهرة "البيوقراطية الإدارية".[1]

  ولدلك كان من الضروري احترام الشرعية كمبدأ أساسي في دولة القانون حتى تخضع الإدارة لأحكام القانون وتحترم بالتالي حقوق وحريات الأفراد لكن احترام مبدأ الشرعية من طرف الإدارة يستلزم رقابة قضائية فعالة يكون لها أثر فعلي وملموس يِؤدي إلى إلغاء القرار الإداري غير المشروع أو إلى تعويض المتضرر من جراء عمل الإدارة أو تصحيح القرار.

  وهكذا يعتبر القضاء الإداري من هدا المنطلق دلك الميزان  الذي  يتحقق من خلاله التوازن داخل المجتمع ، إذ لا يسمح للإدارة آن تتطاول على حقوق وحريات المواطنين ، كما لا يبح لهؤلاء التمرد على الإدارة ما دامت تخضع لمبدأ الشرعية وتحمي الصالح العام .

   وان القضاء الإداري  المغربي  الذي  تأسست قواعده مند سنة 1913  وترسخت بعد الاستقلال بإنشاء المجلس الأعلى سنة 1957 وإصلاح النظام القضائي سنة 1974 وإحداث المحاكم الإدارية سنة 1993 يجعلنا نعتقد بأن النظام القضائي عرق الازدواجية كما كان معمول بها في فرنسا .[2]

  فإذا كانت المحاكم العادية تنظر في القضايا المدنية وتطبق القانون الخاص، وتبت في القضايا الإدارية وتطبق القضاء الإداري،ويتلقى المجلس الأعلى طلبات الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة ،فإن إحداث المحاكم الإدارية بعد مصادقة مجلس النواب على قانون 41 .90  [3]، شكل تطورا حتيتا في أفق استكمال دعائم دولة الحق والقانون ، وأسس لوضع ضمانات قانونية تحمي حقوق وحريات الأفراد بحيث أصبحت هده المحاكم هي التي تنظر في مختلف دعاوى تجاوز السلطة ودعاوى القضاء الشامل ، التي كان أمر البت فيها يرجع للمجلس الأعلى والمحاكم الإدارية ، وبدلك حدد قانون 41 .90 اختصاصات المحاكم الإدارية وطبيعة المسطرة المتبعة أمامها في هده الدعاوى التي تعتبر نواة القضاء الإداري المغربي مند إنشائه سنة 1913 بصدور أول ظهير للتنظيم القضائي المحدد للاختصاص القضائي في المادة الإدارية على مر تطوره التاريخ ، واكتمال أسسه بإحداث المجلس الأعلى سنة 1975 المنشئ للطعن بالإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة وانتهاء بصدور قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية ،  الذي  عمل من خلال أحكامه على تكريس تلك الاختصاصات الكلاسيكية التي كانت تبت فيها المحاكم القضائية قبل سنة 1994 ، وأخيرا بصدور قانون 80 .03 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية .

    وإن اختلاف مركز الإدارة عن مركز الأفراد أمام القضاء يجعل الإدارة تتمتع بامتيازات كبيرة سواء بالنسبة لرفع الدعوى والأحكام الصادرة فيها أو تنفيذ هذه الأحكام الصادرة في مواجهتها ،وعلى الرغم من ذلك فان العلاقة الجدلية بين حقوق الأفراد وحرياتهم من جهة ، وسلطات الإدارة المتسعة من جهة ثانية ساعدت على إنشاء المنازعات الإدارية التي يرجع للرقابة القضائية دور كبير في حلها .وباعتبار القضاء يتوفر على خاصيتي الاستقلال والاختصاص وارتكازه على مبدأ الشرعية  الذي  يجب على الجميع حاكمين ومحكومين الامتثال له فإن اللجوء إليه يبقى الوسيلة الوحيدة التي تعطي أحسن الحلول وأسماها ومن تم يمكن تصنيف الدعاوى الكلاسيكية التي تنظر فيها المحاكم الإدارية إلى صنفين رئيسيين دعوى الإلغاء أو الطعن بسبب تجاوز السلطة وهي دعوى إلغاء قرار إداري غير مشروع ودعوى القضاء الشامل .ومن هنا يمكن طرح الإشكال التالي ما هي مختلف الإجراءات التي يجب اتباعها لممارسة دعوى الإلغاء أو ودعوى القضاء الشامل ؟

 للإجابة على هدا الإشكال لابد من اعتماد التصميم التالي:

المبحث الأول: دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل

المبحث الثاني: حدود الاختصاص بين الدعويين

 

 

 

المبحث الأول: دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل

    إن محاولة التوفيق بين المصالح المتضاربة للأفراد والدولة وضمانا لحقوق الأفراد من تعسف الإدارة تدخلت الدولة فأنشأت المحاكم الإدارية التي تعمل على بسط رقابتها على أعمال وتصرفات الإدارة من خلال نوعين من الدعاوى هما دعوى  الإلغاء ودعوى القضاء الشامل

المطلب الأول: دعوى الإلغاء

    إن دعوى الإلغاء هي وسيلة قضائية خولها المشرع للأفراد من أجل إلغاء القرارات الصادرة عن سلطة إدارية والمتسمة بعدم الشرعية أو كما يطلق على تسميتها في القانون المغربي بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة وتجاوز السلطة مرادف لعدم الشرعية فالقاضي لا يلغي القرار إلا إذا كان غير شرعي .

    فهل دور القاضي ينحصر في مراقبة الشرعية أم يتعدى ذلك ملائمة القرار الإداري ؟

انه لمن المسلم به أن امتداد مراقبة القاضي لتشمل الملائمة ضمانة حقيقية لحماية حقوق ومصالح الأفراد إلا أن الواقع شيء اَخر فكثيرا ما نجد القاضي متوقفا عند الحكم بالإلغاء دون تعديل في القرار فلو عدل أو غير القاضي من القرار الإداري المطعون فيه أصبح منتهكا لمبدأ فصل السلط .

    ودعوى الإلغاء شأنها شأن سائر الدعاوى لابد أن تتوفر فيها بعض الشروط ليتم النظر فيها أمام المحاكم المختصة ( المحكمة الإدارية أو الغرفة الإدارية بمحكمة النقض)

الفقرة الأولى: شروط دعوى الإلغاء

إن شروط دعوى الإلغاء تخضع لقانون المسطرة المدنية وكذا القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية

أولا : الشروط الشكلية

وهي الشروط الواجب توفرها لقبول دعوى الإلغاء ويمكن إجمالها في :

فيما يتعلق برافع الدعوى

 فإجراءات الدعوى بوجه عام أمام المحاكم الإدارية هي نفس الإجراءات المطبقة أمام المحاكم العادية الأخرى وتتمثل في :

 وجوب تقديم الطلب أو المقال من شخص ذي أهلية وصفة ومصلحة

أ‌-       الصفة: بأن يكون الطاعن صاحب الدعوى مقصودا بالقرار الإداري المطعون فيه

ب‌-  الأهلية:  يقصد بها أهلية التقاضي وهي أهلية الشخص للترافع أمام المحكمة وذلك بأن يكون الطاعن متمتعا بالأهلية المدنية غير أن الطاعن ذا لم يكن أهلاً لمباشرة الدعوى بنفسه لنقص في أهليته، تعين على القاضي رد الدعوى إذ أن صاحب الصفة في إقامتها في هذه الحالة نائبه أو وصيه ويتعين على هذا الأخير أن يبرز الوثائق القانونية التي تثبت أنه تصرف نيابة عن صاحب المصلحة فاقد الأهلية أو ناقصها قبل مباشرة الدعوى .

ت‌-   المصلحة : انسجاما والقاعدة الفقهية “حيث لا مصلحة لا دعوى" فإن دعوى الإلغاء تشترط المصلحة في رافع الدعوى وذلك بأن يكون الطاعن له مصلحة من إقامة الدعوى وأن يبين أن القرار المطعون فيه مسه في بعض مصالحه...

أما فيما يتعلق بالمسطرة:

 سلوك مسطرة كتابية

      يجب أن ترفع دعوى الإلغاء بواسطة مقال مكتوب، وترفق بهذا المقال نسخة من القرار الإداري المطلوب إلغاؤه ، أو نسخة من قرار رفض التظلم، أو ما يثبت تقديمه في حالة سكوت الجهة الإدارية المعنية، وغيرها من المستندات التي يريد صاحبها إرفاقها بالمقال .

توقيع الطلب من طرف محام :

·        يجب أن يتضمن طلب الإلغاء توقيع محام مسجل في جدول هيئة المحامين بالمغرب مع إمكانية منح المساعدة القضائية للفئات المعوزة حسب نص الفصل 3 من القانون 41.90

·        أن يتضمن الطلب أسماء الأطراف وموطنهم

·        لا يقبل المقال الخالي من أسماء الأطراف وصفتهم

·        كما يجب أن يتضمن المقال أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي إذا كان هذا الأخير شركة وجب أن يتضمن المقال اسمها  وعنوانها ومركزها وممثلها القانوني

·        أن يرفق الطلب بنسخة من القرار الإداري المطعون فيه أو برسالة التظلم

·        يجب أن يرفق الطلب بنسخة من المقرر المطعون فيه المراد إلغاؤه وكذا المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء. وإذا كان القرار شفويا أمكن اللجوء إلى الجهة المصدرة ومطالبتها بالتراجع عنه ويعتبر سكوتها خلال ستين يوما بمثابة رفض ويمكن للطاعن أن يبين أنه تعذر عليه إرفاق طلبه بنسخة من القرار لكونه صدر شفويا.

أما فيما يتعلق بالآجال :

    لقد حددت المادة 23 تقديم أجل الطعن وذلك داخل أجل ستين يوما من تاريخ نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه كما يجوز أن يتم تقديم تظلم إداري إلى الإدارة مصدرة القرار وفي هذه الحالة يبتدئ سريان الأجل من جديد من تاريخ تبليغ القرار المتعلق برفض التظلم كليا أو جزئيا.

 أن لا يكون في وسع الطاعن تقديم دعوى موازية

ثانيا: الشروط الموضوعية

     هي الشروط التي تؤدي بإلغاء قرارات السلطة عند عدم توفرها وقد حددتها المادة 20 من قانون المحاكم الإدارية في خمسة شروط يمكن تقسيمها إلى نوعين أو فئتين من الشروط .

   أولا شروط الشرعية الخارجية وهي المتعلقة بالمظهر الخارجي للقرار المراد إلغاؤه وتتمثل في شرط الاختصاص وشرط الشكل.

   ثانيا شروط الشرعية الداخلية والتي تتعلق بالمحتوى الداخلي للقرار وتتمثل في المحل والغاية والسبب.

أ)  عيب عدم الاختصاص

    يقصد به صدور قرار مخالف للقواعد القانونية المتعلقة بتحديد الاختصاصات ويتخذ عدم الاختصاص أربع صور تتمثل في عدم الاختصاص الايجابي عندما تصدر السلطة الإدارية  قرارا لا يدخل في اختصاصها معتبرة أنها صاحبة الحق في إصداره كما لو أصدرت سلطة معينة قرار  ليس من اختصاصها ويدخل في اختصاص سلطة أخرى.

   عدم الاختصاص السلبي ويتحقق عندما ترفض سلطة معينة إصدار قرار ظنا منها أنه يخرج عن دائرة اختصاصها.

    عدم الاختصاص الزمني كأن يصدر القرار الإداري خارج مدة تقليد الاختصاص أي صدوره قبل أو بعد فوات الميعاد الذي أوجبه القانون.كما لو صدرت بعض القرارات الإدارية خارج المدة التي حددها القانون فتعتبر معيبة بعيب عدم الاختصاص الزماني.

عدم الاختصاص المكاني ويتمثل في صدور قرار من سلطة إدارية في غير نطاق الإقليم أو المنطقة المحددة لها

ب) عيب الشكل

      لابد للقرار الإداري أن يستوفي شكليات معينة حددها القانون ومنها ان يكون القرار كتابي فالكتابة هي ضمانة أساسية لحماية حقوق الإفراد وحرياتهن فالكتابة تلزم السلطة مصدرة القرار بعدم التنكر لقراراتها إلا أنه يجوز بها بصفة استثنائية اتخاذ قرارات شفوية تكون لها نفس القوة الإلزامية للقرارات المكتوبة ويمكن الطعن فيها شريطة إقرار الإدارة بها وكذلك يشترط في القرار أيضا أن يكون مؤرخا وموقعا فالتاريخ يمكن من معرفة دخوله حيز التنفيذ سريان أجل الطعن أما التوقيع فهو يبين مدى صلاحية متخذه واختصاصه. وشكلية القرار الإداري إما أساسية والتي يترتب على مخالفتها إلغاء القرار الإداري وأخرى ثانوية لا يترتب على عدم اتباعها إلغاء القرار بل يمكن تداركه فيما بعد ونقصد بذلك المرحلة القضائية (مادام أن الإدارة يمكنها أن تقدم الأسباب التي استندت إليها في مذكراتها الجوابية ضد الطعن المرفوع ضدها)

ج) عيب مخالفة القانون

     وهو العيب المتصل بموضوع ومحل القرار الإداري ومحله هو الأثر الذي يحدثه وهو المركز الذي تتجه إرادة مصدره إلى إحداثه ويشترط في هذا المحل أن لا يكون مخالفا للقواعد القانونية كالتنكر للقاعدة القانونية وذلك يتحقق عندما تتجاهل الإدارة للقواعد القانونية.

     وأيضا من مظاهر مخالفة الإدارة للقواعد القانونية نجد الخطأ في تأويل القاعدة القانونية وذلك يتحقق عندما تتجه الإدارة لتفسير النصوص القانونية بغير المقصود منها وكذا الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية على الواقع.

د)عيب الانحراف في استعمال السلطة

     يقصد بالانحراف أن تصدر جهة إدارية قرارا داخلا في اختصاصها إلا أنها تصدره تحقيقا لهدف مخالف للذي رسمه القانون وهو المصلحة العامة لهذه الأخيرة التي تتميز بشساعتها ويستحسن ألا يترك للمسؤول الإداري صلاحية مطلقة في تحديد هذه المصلحة لذلك نجد المشرع كثيرا ما يتدخل في تحديد هذه المصلحة وهو ما يصطلح على تسميته بقاعدة تخصيص الأهداف.

ه) عيب السبب

     تلتقي جل التعريفات الفقهية لركن السبب في القرار الإداري على أنه: "الواقعة المادية أو القانونية

 التي تحدث وتقوم خارجا وبعيدا عن إرادة السلطة الإدارية المختصة فتدفعها إلى اتخاذ قرار إداري معين "

     وتجدر الإشارة إلى أن عيب السبب يكون قائما حتى لو كانت الإدارة حسنة النية ويعتبر ركن السبب من أهم المجالات التي تباشر فيه الإدارة سلطتها التقديرية وبالتالي فعنصر السبب يشكل مجالا هاما لممارسة السلطة التقديرية وغالبا ما تقف الرقابة القضائية إلى حدود الشرعية دون أن تتجاوزها الى جانب الملائمة.

الفقرة الثانية: تطبيقات دعوى الإلغاء.

    إن توزيع الاختصاص في دعوى الإلغاء تنقسم إلى نوعين معيار مادي والأخر عضوي وهو ما يهمنا في هذه الفقرة والذي يرتكز أساسا على تحديد السلطة أو الشخص الذي تسبب في النزاع و القانون اعتمد المعيار العضوي في دعوى الإلغاء، إذ اعتبر وجود شخص عام من وراء الأضرار الناتجة عن أفعاله ونشاطاته حجة كافية للإقرار باختصاص المحاكم الإدارية، وقد يترتب عن هذا كله إدخال بعض القضايا التي تعتبر خارجة عن النطاق الإداري ضمن اختصاص المحاكم الإدارية.

     وحسب المادة 8 من القانون السابق تختص المحاكم الإدارية بالبث ابتدائيا في القضايا الآتية:

" تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و 11 من هذا القانون، بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية و دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام  مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام.

    وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين  وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات و الضرائب و نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، و بالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة و النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات العامة و موظفي إدارة مجلس النواب و موظفي مجلس المستشارين، وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.

و تختص المحاكم الإدارية أيضا بفحص شرعية القرارات الإدارية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 44 من هذا القانون " . 

      و لقد خول القانون – المذكور سالفا -، للغرفة الإدارية بمحكمة النقض وهي تبث في الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية، حق التصدي للبت في دعاوى الإلغاء نظرا لأهمية دعوى الإلغاء المتجلية في المراقبة التي يمارسها القضاء على أعمال الإدارة

وتعتبر دعوى الإلغاء من الضمانات التي يلتجئ إليها الموظف لضمان حقوقه من تقاضي الأجر وحق التمتع بالعطلة  وحق الترقية  والحق في الاستقالة ...

     وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة تمتلك حق سحب قراراتها وإنهاء الآثار المترتبة عنه من يوم صدور قرار السحب مما يثير إشكالية خاصة فيما يتعلق بالقرارات التنظيمية  التي يجوز للإدارة سحبها في أي وقت ويرجع السبب إلى أنها تنشئ مراكز عامة هذه الأخيرة التي لا تخول للأفراد حقوق خاصة ولا يقع السحب بأثر رجعي أما قرارات السحب الفردية فينبغي التمييز فيها بين الشرعية وغير الشرعية.

      فالشرعية لا يمكن سحبها مادامت قد ولدت حقوقا للأفراد ، لأنه لا يجوز لأية سلطة إدارية المساس بها مادام أنه لا توجد وقائع تؤثر في مركز المدعي فبعض القرارات رغم أنها تتسم بالشرعية إلا أنها لم تولد حقوقا مكتسبة للأفراد ويتعلق الأمر بقرار عزل موظف أو عقوبة متخذة في حقه فمثل هذه القرارات لا تنشئ أوضاعا قانونية ويكون من حق الإدارة سحبها  في أي وقت.

     أما القرارات المتسمة بعدم الشرعية فيمكن سحبها طالما لم تتحصن بمضي المدة المقررة لرفع دعوى الإلغاء ومن الحالات التي ينبغي فيها للإدارة أن تحترم مبدأ الحقوق المكتسبة حالة إقدامها على تعديل أو تغيير قراراتها طبقا لما تقتضيه المصلحة العامة.

    إن الحديث عن دعوى الإلغاء يتطلب منا الخوض في جل تفاصيلها نظرا لأهميتها والدور الذي تلعبه في رقابة أعمال الإدارة  وذلك من خلال الإمكانية التي خولها المشرع سواء للموظفين أو لغير الموظفين.

 

 

 

المطلب الثاني : القضاء الشامل

الفقرة الأولى : الشروط .

دعوى القضاء الشامل هي دعوى يرفعها صاحب الشأن ضد الإدارة لاعتدائها على مركزه القانوني الشخصي ،بإنكارها ما يدعيه قبلها من حق ، أو منازعتها إياه في مداه مطالبا من القضاء ان يحكم له على الإدارة بفعل شيء أو بدفع مبلغ من المال .[4]

  وتختلف دعوى القضاء الشامل على دعوى الإلغاء من حيث الاختصاص والمسطرة والموضوع والحكم في الدعوى.

   فمن حيث الاختصاص فدعوى الإلغاء ترفع أمام القضاء الإداري، ونلاحظ أنها كانت قبل قانون 41.90 ترفع أمام الغرفة الإدارية  بالمجلس الأعلى، لكن بعد إحداث المحاكم الإدارية أصبحت من اختصاص هذه الأخيرة كدرجة أولى ، أما دعوى القضاء الشامل كانت تنظر فيها محاكم القضاء العادي ابتدائيا أمام المحاكم الابتدائية واستئنافا أمام محاكم الاستئناف ونقضا أمام المجلس الأعلى إلا أن قانون 41.90 اسند الاختصاص بشأنها إلى المحاكم الإدارية من خلال المادة الثامنة ، ومن حيث الإجراءات والنفقات فإن دعوى الإلغاء تمتاز بأنها أبسط في إجراءاتها وأقل في نفقاتها من دعوى القضاء الشامل .

   ومن حيث الموضوع فأن موضوع دعوى الإلغاء هو فحص شرعية العمل الإداري، فالمعني بالأمر يواجه قرارا إداريا ويطلب من القاضي إلغائه لعدم شرعيته، لذلك يسمى هدا النوع من القضاء بالقضاء العيني أو القضاء الموضوعي.أما موضوع القضاء الشامل فهو مركز قانوني فردي ، حيث ان المدعي هو الذي يطالب بمركز قانوني معين ينشئ له حقا تنازعه فيه الإدارة .

ومن حيث الحكم الذي يصدر عن كل منهما ، ففي حالة دعوى الإلغاء فإن القاضي يفحص القرار المطعون فيه لكي يقرر ما إدا كان مشروعا أو غير مشروع ، وفي خالة عدم مشروعيته يحكم بإلغائه .بيد انه في القضاء الشامل توجد قاعدة تسمى في الفقه الفرنسي بقاعدة القرار السابق ومفادها من يدعي حقا في مواجهة الإدارة ، فإن عليه أن يلجأ إليها مطالبا إياها بالوفاء بما يدعي ، فإن رفضت الاستجابة لطلبه صراحة أو ضمنيا أو بالسكوت ، فإنه بعد مضي مدة 60 يوما يستطيع رفع دعواه أمام القضاء الإداري ، ويبحث القاضي في وجود الحق ونطاقه وإذا تبين له ذلك فإنه يحكم للمدعي بأمرين الأول بإلغاء قرار الإدارة الصريح أو الضمني والثاني تجديد حقوق المدعي والحكم على الإدارة بالوفاء.

 

الفقرة الثانية : التطبيقات .

   يشمل مجال دعوى القضاء الإداري الشامل مجموعة من المنازعات التي تدخل ضمن اختصاصات المحاكم الإدارية حيث نصت المادة 8 من قانون المحاكم الإدارية 41.90 [5] على أن هذه الأخيرة تختص بالبت ابتدائيا في "......النزعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ...وتختص كذلك بالنظر في النزعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية من أجل المنفعة العامة والبت في الدعاوى المتعلقة بتحصيل الديون العمومية المستحقة للخزينة العامة والنزعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة ......"

   إن هذه الاختصاصات ليست وليدة اليوم والتي كانت تبت فيها المحاكم القضائية باعتبارها تبت في الدعاوى الإدارية.غير أننا في هدا البحث سوف نقتصر على المنازعات المتعلقة بنزع الملكية من اجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت.                                                                                                         يمكن تعريف نزع الملكية من أجل المنفعة العامة كامتياز يسمح من خلاله للدولة،عن طريق مبادرة شخص عام أو خاص استعمال سلطتها ليتخلى شخص عام أو خاص عن ملكية عقار أو حق عيني عقاري لفائدة شخص عام أو خاص وذلك بهدف تحقيق المنفعة العامة وتحقيق منفعة عامة وتحقيق احترام مجموعة ضمانات ذات طابع إجرائي وموضوعي .

   ويمكن تعريفها كذلك بأنها ذلك الإجراء الذي من شانه يتم حرمان شخص من ملكه العقاري جبرا عنه لتخصيصه للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل.

   ويعرف كذلك بكونه إجراء إداري يقصد به نزع ملكية مال قهرا عن مالكه بواسطة الإدارة لتخصيصه للنفع العام مقابل تعويض عادل .

  وبناء على ما سبق يكون نزع الملكية مبنيا كشرط أول على :

 توفر عنصر المنفعة العامة في عقار يدخل في ملكية أحد الأشخاص

ضرورة أن يكون النزع بمقابل

    أما الاحتلال المؤقت فيقصد به "حق السلطة الإدارية في حيازة العقارات المملوكة ملكية خاصة بصفة مؤقتة تحقيقا للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل.

 أولا: تشريع نزع الملكية

    إن القانون المغربي المتعلق بنزع الملكية من اجل المنفعة العامة متأثر بالقانون الفرنسي فقد نصن اتفاقية الجزيرة الخضراء على نظام نزع الملكية في الفصل 113 ونص الفصل 114 على ضرورة إجراء بحت أولي وإعلان النفع العام قبل ممارسة هذه العملية ، لكن بعد معاهدة الحماية الموقعة في 30 مارس 1912 صدر قانون 31 غشت 1914 الذي يعتبر أول تشريع خاص بنزع الملكية في المغرب والذي عرف عدة تعديلات كانت أهمها التعديل بمقتضى ظهير 3 ابريل 1951 والتعديل بمقتضى ظهير 6 ماي 1982 .[6]

   لقد تأثرت القواعد الشكلية في قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية من اجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت بنظام المحاكم الإدارية بحيث إن المشرع لم يكتفي بنقل الاختصاص بالنظر في قضايا نزع الملكية من اجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت من المحاكم العادية إلى المحاكم الإدارية مع ما يترتب على ذلك من استبدال عدة مصطلحات بل نسخ الفصلين 33 و 62 من قانون نزع الملكية .

   ويتم نزع الملكية وفق شروط تتمثل في استهداف المصلحة العامة وان تنصب العملية على العقار مع استثناء المباني ذات الصبغة الدينية والمقابر والعقارات التابعة للملك العام والمنشآت العسكرية كما حدد ذلك في قانون 7.81 لسنة 1982

  وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 3 من قانون نزع الملكية يتحدد الأشخاص المخول لهم نزع الملكية في الدولة والجماعات المحلية وباقي الأشخاص المعنوية التي تجري عليهم أحكام القانون العام والخاص والأشخاص الطبعين الذين فوضت إليهم السلطة العامة القيام بأشغال أو عمليات اعترف لها بالمنفعة العامة والذين يرتبطون مع الدولة بموجب عقد امتياز أو التزام .

  وتجدر الإشارة إلى ان نظام نزع الملكية من اجل المنفعة العامة يتداخل مع عدة أنظمة مشابهة كنظام المصادرة ونظرية الاعتداء المادي والاستيلاء ، بل ان بعض الفقه دهب إلى اعتبار نظام نزع الملكية من الموضوعات المشتركة بين كل من قانون العام والقانون الخاص بحيث يرتبط هدا النظام من وجهة القانون الخاص بحق الملكية كحق من الحقوق العينية كما يرتبط بمجال التحفيظ العقاري .

 

 

الاحتلال المؤقت

   يعتبر الاحتلال المؤقت نظاما مندمجا في قانون نزع الملكية ووتيق الصلة به وذلك بالنظر للقاسم المشترك بينهما والمتجلي أساسا في وحدة الموضوع إلا انه ومع ذلك يظل نظام الاحتلال المؤقت ينفرد ببعض المميزات التي تجعله يختلف عن نظام نزع الملكية ففضلا عن كون الاحتلال المؤقت ينصب على عقار لخدمة مشروع ذي منفعة عامة حسب مال نص عليه الفصل 50 والفصل 53 من قانون 7.81 فإن هدا الاحتلال المؤقت ينبغي أن يقتصر على القيام بدراسات أو أعمال إعدادية للأشغال عمومية أو إيداع آليات أو مواد لازمة لتنفيذ أشغال عمومية أو استخراج بعض المواد بحيث إذا تجاوزت الإدارة ذلك وقامت مثلا بأعمال مد القنوات والحصر يصبح قرارها مشوبا بالشطط في استعمال السلطة .

  إن مدة الاحتلال لا يمكن أن تتجاوز 5 سنوات ، بحيث إدا تجاوزت الإدارة في احتلالها المؤقت للعقار هذه المدة ولم يحصل بينها والمعني بالأمر أي اتفاق فإنها تكون مضطرة إلى القيام بنزع الملكية وفق الشروط التي يحددها القانون وإلا ترتب على ذلك مسؤوليتها الوجبة للتعويض .

   كما ان الإدارة وبمجرد انتهاء مدة الاحتلال الوقت تكون ملزمة بإرجاع الملك لأصحابه بنفس الحالة الموجود عليها وقت الاحتلال مع تعويض كل تلف أو نقص في قيمته . فإذا أصبح الملك يغير صالح للاستعمال الذي كان مخصصا له من قبل وجب على الإدارة قبل مضي 5 سنوات بوقت كاف ، الشروع في اتباع مسطرة نزع الملكية وحينذاك تقدر قيمة العقار وفق الأوصاف التي كان عليها الاحتلال وحسب الأسعار السائدة وقت نزع الملكية .

المرحلة القضائية: المرحلة القضائية

 لقد تدخل المشرع من خلال مقتضيات الفصل 18 من الظهير المتعلق بنزع الملكية من اجل تحديد الجهة التي ترفع أمامها دعوى نقل الملكية وتحديد التعويض والجهة التي ترفع أمامها دعوى نقل الحيازة وفي هدا الصدد ينص الفصل 18 على انه " يودع نازع الملكية لدى المحكمة الإدارية الواقع العقار في دائرة نفوذها طلبا يرمي إلى الحكم بنقل الملكية وتحديد التعويضات وذلك بمجرد استيفاء الإجراءات المتعلقة بقرار التخلي المنصوص عليها في المقطع الثاني من الفصل 14 وبعد انصرام الاجل المشار إليه في المقطع الثالث من الفصل المذكور ".

   وقد عرف قضاء نوع الملكية من خلال قرار المنفعة العامة تطورات مهمة تعكسها العديد من اجتهادات الغرفة الإدارية بمحكمة النقض والمحاكم الإدارية في الموضوع والتي سنعمل على تحليلها ومقارنتها بالقضاء السابق مميزين في ذلك بين جانب دعوى القضاء الشامل (1) كوسيلة لحصول المتضرر على التعويض المستحق وبين دعوى إلغاء قرار المنفعة العامة (2) على ان نتناول بعد دعوى الاستعجال بشكل موجز من خلال التطور الذي عرفه قضاء نزع الملكية (3).

1 دعوى القضاء الشامل

  إن اختصاص القضاء الشامل في مجال نوع الملكية من اجل المنفعة العامة كما هو محدد في الفصلين 18 و 19 من قانون ة7.81 هو الاختصاص في الحكم بنقل الملكية وتحديد التعويض عنها وذلك في مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي.

  أ نقل الملكية

   يودع نازع الملكية طبقا لمقتضيات الفصل 18 من قانون 7.81 لدى المحكمة الإدارية المختصة طلبا يرمي إلى نقل الملكية يبت فيه قاضي نزع الملكية ويخضع هدا الطلب إلى مجموعة من الإجراءات الأساسية .بحيث يتعين أن يتم طلب نقل الملكية داخل السنتين المواليتين للإعلان عن المنفعة العامة ويتم التأكد من مدى احترام الإدارة لهدا الإجراء من خلال الوثائق المدرجة بالملف ، لذلك صرحت إدارية الرباط في حكم لها بتاريخ 9 فبراير 1995 بان " مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 17 من قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية من اجل المنفعة العامة تشترط صراحة لأجل الحكم بنقل الملكية وجوب إيداع المقال من قبل نازع الملكية داخل اجل السنتين ن ابتداء من تاريخ نشر المقرر بالجريدة الرسمية ، وبحيث انه بالرجوع إلى أوراق الملف يتبين بوضوح ان مقال المدعى سجل بتاريخ 29 نونبر 1994 في حين أن المرسوم رقم 45-290 المتعلق بالإعلان عن المنفعة العامة الصادر في 27 نونبر 1990 أي خارج السنتين المنصوص عليه قانونا ، وبما ان أجال تقييد الدعوى تعتبر من النظام العام فالمحكمة بذلك تعمل على مراقبتها تلقائيا ، لدا يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا .

   لقد اقر اجتهاد المحاكم الإدارية بأن الاتفاق بالتراضي يقوم مقام الحكم بنزع الملكية وفي هدا الصدد صرحت إدارية وجدة في حكم لها بتاريخ 14 يونيو 1995 " بأن الاتفاق بالمراضاة الذي ابرمه المدعى مع المجلس البلدي بأخذ نفس مسار الحكم بنقل الملكية ولا سبيل لفسخ هدا الاتفاق بمجرد عدم أداء المجلس لما بذمتهم من دين ،....وتبت كجزاء على الإدارة في حالة عدم دفع المبالغ الواجبة عليها فوائد لصالح المنزوع ملكيته وذلك حسب السعر القانوني المعمول به في المعاملات المدنية.

   إن طلب نقل الملكية يتعين ان يرفق بالمستندات المنصوص عليها في الفصلين 8 و 10 من قانون 7.81 تحت طائلة عدم قبوله بحيث ان طلب نقل الملكية لا يتم الا بعد القيام بمختلف الإجراءات الشكلية والموضوعية .

   وخلافا للحكم الصادر بالإذن بالحيازة والذي لا يقبل الاستئناف فأن الحكم القاضي بنقل الملكية وتحديد التعويض قابل للاستئناف في شقه المتعلق بالتعويض وذلك داخل اجل 30 يوم يوما الموالية لتاريخ التبليغ

  ويرفع هدا الاستئناف إلى محكمة النقض بوصفها الجهة القضائية التي تستأنف أمامها أحكام المحاكم الإدارية وذلك طبقا للمادة 39 من قانون المحاكم الإدارية.

  2 تحديد التعويض.

     إن التعويض عن نزع الملكية يجب ألا يشمل سوى الضرر الحال والمستحق والناشئ مباشرة عن عملية النزع ، ولا يمكن ان يمتد إلى الضرر الغير المحقق أو المحتمل أو الغير المباشر ، ويحدد هدا التعويض حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية دون مراعاة البناءات والاغراس التي أنجزت دون موافقة نازع الملكية مند نشلا أو تبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة ، كما يحب ألا يتجاوز التعويض المقدر قيمة العقار يوم نشر مقرر التخلي أو التبليغ مقرر إعلان المنفعة العامة ، ولا يدخل في حساب التعويض الزيادة بسبب المضاربات غير انه في حالة ما غدا لم تودع الإدارة داخل اجل ستة أشهر ابتداء من تاريخ وتحديد التعويض وكدا مقال نقل الحيازة فأن القيمة التي يجب ألا يتجاوزها تعويض نزع الملكية هي قيمة العقار يوم إيداع المقال بالمحكمة الإدارية .

   ويمكن للمحكمة في إطار سلطتها التقديرية أن تأمر بإجراء خبرة لتحديد التعويض الملائم إما بناء على طلب احد الأطراف أو من تلقاء نفسها .لذلك صرحت إدارية الرباط بأنه " للمحكمة السلطة التقديرية في تحديد تمن الأراضي في إطار دعوى نزع الملكية وذلك استنادا إلى موقع العقار ومزايا العقار وباقي المعطيات الأخرى المستشفة من أوراق الملف "

  وتجدر الإشارة إلى ان ظهير نزع الملكية قد تحدت عن بعض الحالات كالتعويض عن ضم الموارد المائية أو التعويض الزائد عن القيمة كما تنص على ذلك مقتضيات الفصل 59 من قانون 81.7

 وهدا لا يمكن للمنزوع ملكيته ان يتنازع في مبلغ التعويض المقترح عليه ، إلا أثناء سريان دعوى نقل الملكية ، أو عن طريق استئناف الحكم الصادر بشأن ذلك .لذلك فغن دعوى المنازعة في التعويض السابقة لدعوى نقل الملكية تكون سابقة لأوانها ويتعين التصريح بعدم قبولها .

   كما ان المنازعة في أساس وتحديد التعويض من قبل لجنة التقويم يدخل في اختصاص محكمة موضوع وليس القاضي الاستعجالي حسب الفصل 19 من قانون نزع الملكية

   إن الأموال المخصصة لتغطية التعويضات عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة يمكن الحجز عليها، على اعتبار أن الإدارة ترصد مسبقا أمولا لتغطية التعويضات الناتجة عن نزع ملكية أراضي الخواص.وهي بذلك تخرج بإرادتها هذه الأموال من ذمتها المالية لتخصصها للتعويض عن عملية نزع الملكية ، ومن تم فهي تضفي عليها صبغة خصوصية وتجعلها قابلة للتنفيذ عليها ، وبذلك يحق للمنزوع ملكيتهم القيام بتلك الإجراءات القانونية للتنفيذ على هذه الأموال في ذلك مسطرة الحجز لدى الغير .

  

المبحث الثاني: حدود الاختصاص بين الدعويين

      بعد أن تطرقنا فيما سبق بكل من دعوى الإلغاء و دعوى التعويض نجد أنفسنا ملزمين بالخوض في حدود الاختصاص بين الدعويين، و ذلك بالوقوف على الدعوى الموازية و النظر في إمكانية الجمع أو عدم الجمع بين الدعويين معا في دعوى واحدة، لذلك سندرس في المطلب الأول (الدعوى الموازية) على أن نخوض في الطلب الثاني (مدى إمكانية الجمع أو عدم الجمع بين الدعويين)

المطلب الأول: الدعوى الموازية

     تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 360 من ق.م.م على أنه " لا يقبل طلب الإلغاء الموجه ضد القرارات الإدارية إذا كان في استطاعت من يعنيهم الأمر المطالبة بحقوقهم لدى المحاكم العادية" .

     و نفس المقتضيات أوردها الفصل 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية الذي قال: "لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية إذا كان في وسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل".[7]

     ومعنى هذا الشرط هو عدم قبول دعوى الإلغاء سواء أمام الغرفة الإدارية أو أمام المحاكم الإدارية إذا كان القانون قد نص على وجود دعوى في الموضوع ذاته تؤدي إلى نفس النتيجة أي يكون المشرع قد نظم لصاحب المصلحة طريقا آخر للطعن يتمكن من خلاله التخلص من أثار القرار الصادر عن السلطة الإدارية و المشوب بعدم الشرعية .

     فالدعوى الموازية هي عبارة عن دعوى قضائية أخرى تمارس لدى جهة أخرى غير الجهة المألوفة لممارسة دعوى الإلغاء.

     و يعتبر هذا الشرط من النتائج المنطقية لتوزيع الاختصاص بين محكمة النقض و المحاكم الإدارية من جهة، و باقي المحاكم العادية من جهة أخرى.، و إذا لم ينتف هذا الشرط فإن الغرفة الإدارية و المحاكم الإدارية ستجد نفسها أمام قضايا هي أساسا من اختصاص المحاكم العادية.[8]

     فماذا عن تطبيقات الدعوى الموازية بالمغرب قبل و بعد إحداث المحاكم الإدارية؟

 

الفقرة الأولى: قبل صدور المحاكم الإدارية

     إن الدعوى الموازية قبل صدور القانون 90.41 كانت تستجيب لضرورة الحفاظ على خصائص ومميزات دعوى الإلغاء، بحيث يعتبر الطعن أمام القضاء الشامل هو الأصل لكونه الحامي الطبيعي للحقوق و الحريات ، فيما يعد  الطعن بالإلغاء مجرد استثناء من هذا الأصل، لذلك فإن تدخل قاضي الإلغاء يبقى مقتصرا على الحالات التي لا تتوفر فيها إمكانية أي طعن قضائي آخر،و لذلك اعتبر المجلس الأعلى سابقا أن طلب الطاعن الذي يهدف إلى الحصول على تعويض عادل أو منحه أرضا مماثلة يتعين اعتباره بشكل احتياطي يهدف  إلى الحصول على تعويض، و لا يمكن أن يكون رفض الإدارة للطلب موضوعا لدعوى الإلغاء ما دام الطاعن يملك طريقا آخر للطعن و هو القضاء الشامل.

     كما أن تدخل قاضي الإلغاء يشمل أيضا الحالات التي تكون فيها سلطات قاضي القضاء الشامل محدودة،بحيث لا تمكنه هذه السلطات من النظر في جميع مطالب المتقاضين، و قد ترتب عن عدم البت في الموضوع في مثل هذه الحالات نوع من إنكار العدالة، و لذلك فإن دعوى الإلغاء تعتبر من النظام العام و لا يمكن استبعادها إلا بنصوص صريحة تفتح في وجه جميع الطعون الموجهة ضد القرارات الإدارية العامة التي من شأنها التأثير على أوضاع قانونية عامة، لذلك رفض المجلس الأعلى سابقا الدفع بوجود دعوى موازية، و الذي تمسكت به الإدارة بناء على منشور لوزير المالية يهدف إلى إخضاع المستفيدين من القرار الوزاري المؤرخ في 10 نونبر 1951 المتعلق بمنح تعويضات عن إنهاء الخدمة و الانتقال إلى نظام المعاشات المدنية، و بذلك أخضع النزاعات المتعلقة بتطبيقه إلى اختصاص المحاكم العادية طبقا لمقتضيات الفصل 55 من ظهير فاتح ماي 1955 .

     و من هنا يتضح أن حجية أحكام الإلغاء تسري على الكافة باعتبار دعوى الإلغاء لا تقوم بين أطراف، وإنما تدخل في إطار النزاعات الموضوعية لا الشخصية و توجه ضد القرارات الإدارية لا ضد الأشخاص الذاتية أو المعنوية.

     وإذا كانت الدعوى الموازية  قد عرفت تطبيقها من طرف المجلس الأعلى في عدة مجالات كالمتعاقدين في ظل الاتفاقية الفرنسية المغربية أو المنازعات المتعلقة بالوظيفة و الموظفين العسكريين أو المنازعات المرتبطة بالعقود الإدارية أو منازعات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة أو منازعات المعاشات أو المنازعات المتعلقة بالمؤسسات العمومية أو المنازعات الضريبية، فإنه بعد إحداث المحاكم الإدارية أصبح التساؤل يطرح حول جدوى الإبقاء على شرط انتفاء الدعوى الموازية، لاسيما و أن البعض سجل حدوث تناقض باستمرار على مستوى الغرفة الإدارة التي تصرح بعدم قبول طلب الإلغاء لوجود طعن موازي و تنظر في نفس القضية عن طريق النقض. [9]

الفقرة الثانية: بعد صدور المحاكم الإدارية

     من خلال مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون المحاكم الإدارية يتضح أن المشرع قد حرص على استمرارية مؤسسة الدعوى الموازية ضمن القواعد المسطرية المنظمة لدعوى الإلغاء ، و نعتقد أن هذه الاستمرارية تؤكد عدم حصول أي تحول أو تغيير للدور الذي كانت تقوم به هذه المؤسسة قبل صدور قانون 90-41 رغم اتضاح الطبيعة القانونية للنظام القضائي بعد إحداث المحاكم الإدارية.

     وإذا كان البعض يعتقد بأن الدعوى الموازية هي بمثابة الحد الفاصل بين قضاء الإلغاء و القضاء الشامل في المنازعات الإدارية و وسيلة لتحديد توزيع الاختصاص بين القضاء الإداري و القضاء العادي، فإنه بإحداث المحاكم الإدارية أصبح الاختصاص فيما يتعلق بقضاء الإلغاء و كذلك قضاء التعويض مخولا لها. و مع أن المادة الثامنة حددت الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية، فإنه مع ذلك يطرح السؤال حول ما إذا كان الاختصاص المنصوص عليه هو على سبيل الحصر، أم أن هناك قضايا إدارية لم يتم التنصيص عليها في المادة 8 من قانون المحاكم الإدارية يمكن لهذه الأخيرة البت فيها؟

     و في نفس السياق فإن المشرع جعل اختصاص المحكمة الإدارية بشأن طلبات الإلغاء الموجهة ضد القرارات التنظيمية و الفردية الصادرة عن رئيس الحكومة و قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية،يبقى أمر البت فيها إلى محكمة النقض ابتدائيا و انتهائيا و تبقى محكمة الرباط الإدارية مختصة ابتدائيا بالنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم، وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم.

     وعلى غرار الأحكام السابقة على إنشاء المحاكم الإدارية، صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط حكم في الموضوع صرحت فيه المحكمة بما يلي:"حيث إن من شروط قبول دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة، أن لا يكون بوسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 23 من قانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية.

.... و حيث إنه و بناء على ما ذكر، فإن دعوى الإلغاء تكون غير مقبولة لوجود دعوى موازية."[10]

     و في المقابل استثنى المشرع من اختصاص المحاكم الإدارية الحوادث التي تتسبب فيها السيارات التي يملكها شخص عمومي ، كما أن المنازعات المتعلقة بالعقود الخاصة التي تبرمها الدولة أضحت من اختصاص المحاكم العادية لأن الغالبية منها تدخل في مجال المنازعات الخاصة مع مراعاة مقتضيات المادة 44 من قانون 90-41 المتعلقة بفحص شرعية القرارات الإدارية التي تدخل في اختصاص المحكمة الإدارية.

     و مع أن مجموعة من المحاكم الإدارية اعتبرت اختصاص المحاكم الإدارية كما حدد في المادة 8 هو وارد على سبيل الحصر،فإن المشرع و ضمن هذا الاختصاص المنصوص عليه لم يميز بين المنازعات التي يبت فيها القاضي  عن طريق الإلغاء و بين تلك التي يبت فيها عن طريق القضاء الشامل، بل ترك أمر ذلك إلى القاضي الإداري الذي يميز بين هاته و تلك من خلال تطبيق شرط انتفاء الدعوى الموازية

     و بالرغم من أن الطاعن يفصح عن طبيعة مطلبه في الدعوى فيما إذا كان الطلب يتعلق بالإلغاء ّأو بالقضاء الشامل، فإنه في بعض الأحيان لاسيما حينما تكون النتيجة التي يرغب فيها الطاعن هي نفسها سواء تمت بواسطة دعوى الإلغاء أو دعوى القضاء الشامل، في هذه الحالة يلجأ القاضي إلى تحديد طبيعة المطالب علة أساس الإجراءات المسطرية.

     أخيرا نشير إلى أن قانون المحاكم الإدارية لم يقلص من نطاق شرط عدم وجود دعوى موازية كما ذهب إلى ذلك بعض الفقه، مما يجعلنا نعتقد أن هذا الشرط لا يزال يعتبر من بين الوسائل التي يلجأ إليها القاضي الإداري للتمييز بين الطعن بالإلغاء و الطعن عن طريق القضاء الشامل.[11]

     ولكن هل يمكن تصور الجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى القضاء الشامل معا ؟

 

 

المطلب الثاني: مدى إمكانية الجمع أو عدم الجمع بين الدعويين

     لعل موضوع الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في طلب واحد، من الإشكاليات المهمة التي عرفها القضاء الإداري ، حيث اختلف الفقه و الاجتهاد القضائي بين مؤيد لإمكانية الجمع بين الدعويين وبين معارض لهذا الجمع، وذلك استنادا على مجموعة من الحجج التي دعم بها كل طرف موقفه.فإذا كان المشرع المصري قد سهل مهمة القضاء الإداري، عندما أقر إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في مقال واحد، شريطة أن يكون طلب التعويض ناتجا عن طلب الإلغاء،[12] وإذا كان مجلس الدولة الفرنسي قد أجاز الجمع بين دعويي الإلغاء والتعويض، شريطة استقلال كل واحدة منهما بإجراءاتها، أي أنه لا يجوز الجمع بين الطلبين في عريضة واحدة، وإنما يمكن البت فيهما معا في وقت واحد، تفاديا لطول الانتظار،[13] فإن المشرع المغربي لم يتعرض في القانون المحدث للمحاكم الإدارية لا للمنع ولا للإجازة، مما يفتح المجال واسعا للاجتهاد القضائي.

     فما هو إذن موقف القضاء الإداري المغربي من الموضوع؟ ذلك ما سنحاول أن نجيب عنه باختصار في فقرتين.

 الفقرة الأولى: عدم إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض .

     لم يكن موضوع الجمع بين طلبي الإلغاء والتعويض في مقال واحد محل نقاش في المغرب قبل إحداث المحاكم الإدارية، فالغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى هي الجهة القضائية الوحيدة التي كانت مختصة بالبت في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة، أما دعاوى التعويض المرفوعة ضد الإدارة، التي تندرج ضمن القضاء الشامل، فقد كانت من اختصاص المحاكم الابتدائية، التي تستأنف أحكامها أمام محاكم الاستئناف، التي يطعن بالنقض في قراراتها أمام المجلس الأعلى، وبالتالي لم يكن يتصور أن يثار هذا الإشكال.أما بعد إحداث المحاكم الإدارية، فقد عرضت عليها عدة طلبات تتضمن المطالبة بالإلغاء والتعويض في آن واحد.[14]

     ولقد كان الاجتهاد الذي سلكته هذه المحاكم أول الأمر هو عدم إمكانية الجمع بين الطلبين على الوجه المذكور، بعلة استقلال الطلبين، وبالتالي الدعويين عن بعضهما البعض، سواء من حيث أداء الرسوم القضائية أو الإعفاء من أدائها، أومن حيث أجل رفع كل دعوى على حدة، أو من حيث سلطات القاضي الإداري بشأن كل طلب من الطلبين ، كما أن الحكم بالإلغاء لا يمكن شموله بالنفاذ المعجل لتوفر مسطرته إيقاف تنفيذ القرارات المنصوص عليها في الفصل 24 من قانون المحاكم الإدارية، بينما لا يوجد ما يمنع من شمول الحكم بالتعويض بالنفاذ المعجل القضائي.[15]

     وهناك رأي يتساءل عن السند الذي اعتمدت عليه المحاكم الإدارية للقول بجواز الجمع بين الدعويين، فهذه المحاكم تكتفي بالقول أنه لا يوجد ما يمنع الجمع دون أن تبرز الأساس الذي يبرر هذا الجمع، كما أن هذا الاتجاه يرى أن الجمع لا يساير المنطق القانوني، بالنظر إلى الاختلاف الموجود بين كل من دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل. فهذا الاتجاه يرى أنه بقبول هذا الجمع، فما الذي يمنع القاضي الإداري من قبول دعوى المطالبة بعقار أو دعوى التطليق.

     وقد عمل القضاء الإداري على تبني هذا الرأي المعارض للجمع بين الدعويين في بعض اجتهاداته ،  ففي ملف عدد 2010-5-263 حكم 1126 بتاريخ 4 أبريل 2011، ذهبت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء إلى أنه " من المبادئ الراسخة في القضاء الإداري هو أن دعوى الإلغاء هي دعوى مستقلة عن دعوى التعويض ، ولا يجوز الجمع بينهما على اعتبار أن لكل واحدة من الدعويين خصوصياتها فالأولى معفية من أداء الرسوم القضائية وتنصب على قرار إداري بعينه ، والثانية تستوجب أداء تلك الرسوم ، و أن الجمع بينهما في مقال واحد يربك ترتيب الملفات داخل المحكمة وأن من شأن استبعاد المحكمة لدعوى الإلغاء أو التصريح بعدم  قبولها ثم مطالبتها باستكمال أداء الرسوم القضائية و مناقشة الدعوى المقدمة أصلا في إطار دعوى الإلغاء من جديد في إطار القضاء الشامل المس بالحياد الواجب على القاضي أو المحكمة اتجاه الأطراف ". .

     وقد جاء هذا الحكم ليعزز الرأي المعارض لإمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض ، وذلك حرصا على تحقق الحياد من طرف القاضي ، إذ أنه يمكن أن يتم رفض طلب الإلغاء فيعمد المدعي إلى طلب التعويض ، ويتم البث في طلب التعويض من طرف نفس القاضي الذي طلب رفض طلب الإلغاء ، مما من شأنه أن يجعل القاضي يتأثر بنفس الأسباب التي اعتمد عليها لرفض طلب الإلغاء ليقوم برفض طلب التعويض ، وهذا يشكل مسا بمبدأ الحياد الذي يجب أن يلتزم به القاضي ، لذلك فمن الأصلح أن يتم النظر في طلب الإلغاء قاضي آخر في إطار دعوى أخرى منفصلة عن الدعوى الأولى.

     ومن بين الأحكام التي لم تقبل الجمع بين الدعويين في عريضة واحدة، حكم المحكمة الإدارية بالرباط في قضية محمد بلغازي ضد المدير العام للأمن الوطني، بعلة أنه " لا يجوز الجمع بين دعوى الإلغاء، ودعوى القضاء الشامل في طلب واحد، لأسباب متصلة بأن لكل دعوى خصوصياتها التي تتميز بها عن الأخرى"، واستنادا إلى ذلك، اكتفت بإلغاء القرار المطعون فيه من دون الاستجابة إلى طلب تمتيع الطاعن بالمرتب والتعويض المستحق، فقضت بعدم قبول هذا الشق من الطلب، وهذا نفس المسلك الذي اتبعته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في عديد من قراراتها،  تكريسا للمبدأ الذي تبناه القضاء الإداري الفرنسي القائل بأن:

 " قاضي الإلغاء يقضي ولا يدير"، وهو رأي لا يجد سندا له في القانون المغربي.[16]

أما الفقرة الثانية : إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض

     لعل أول حكم صدر عن القضاء الإداري المغربي، واستجاب لطلبي الإلغاء والتعويض المقدمين في نفس العريضة، هو الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 12/10/2004 في قضية إلهام بحوصي ضد وزير التربية الوطنية.[17]

     هذا الحكم التي تتلخص وقائعه في أن التلميذة المذكورة تقدمت لأجل اجتياز امتحان الباكلوريا (الثانوية العامة) شعبة العلوم التجريبية المزدوجة في دورة يونيو 2002 بإحدى ثانويات مدينة سطات، وعند الإعلان عن نتائج الامتحان، فوجئت بعدم إدراج اسمها من بين الناجحين، فتوصل والدها بعد ذلك، برسالة مجهولة تفيد أن ورقة امتحان ابنته تعرضت لعملية تزوير، فانتهى الأمر إلى ثبوت ذلك فعلا، حيث تم تغيير ورقة امتحان الطاعنة المتعلقة بمادة الفيزياء، من طرف موظف تابع لوزارة التربية الوطنية، بورقة أخرى بيضاء تتعلق بتلميذة أخرى، وأدين ذلك الموظف من أجل التزوير، وتم الحكم عليه من طرف المحكمة الابتدائية بسطات بتاريخ 8/4/2003 بسنة ونصف حبسا نافذة وبتعويض لفائدة الطاعنة في حدود 10.000,00 درهم، وهو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة الاستئناف بسطات بتاريخ 12/5/2003، وعلى إثره تقدمت الطاعنة بتاريخ 28/05/2003 أمام المحكمة الإدارية بالرباط بطلب إلغاء  نتيجة الامتحان المذكور بالنسبة لها، وإعلان نجاحها في شعبة العلوم التجريبية، وبتعويض قدره 500.000,00 درهم، فدفع الوكيل القضائي للمملكة بعدم قبول الطلب، لعدم إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى التعويض في نفس العريضة، ولتقديم طلب الإلغاء خارج الأجل القانوني، وبعدم الاختصاص النوعي، لأن الضرر اللاحق بالطاعنة ناتج عن خطأ شخصي للموظف، فضلا عن أنه سبق لها أن استفادت من تعويض كمطالبة بالحق المدني أمام القضاء الزجري اتجاه مرتكب التزوير، فأصدرت المحكمة الإدارية الحكم المشار إليه أعلاه، الذي قضت بموجبه بإلغاء قرار رسوب الطاعنة في امتحانات الباكالوريا لسنة 2002 المجراة بأكاديمية الشاوية ورديغة، مع ما يترتب عن ذلك قانونا، وبأداء الدولة المغربية لفائدتها تعويضا قدره 200.000,00 درهم...

       و في نفس الاتجاه أجازت إدارية مكناس في أحد أحكامها، الجمع بين طلبي الإلغاء والتعويض، حيث حكمت بإلغاء قرار إداري صادر عن بلدية بوفكران، إلا أنها رفضت التعويض بعلة عدم سلوك الطاعن لمسطرة الفصل 34 من ظهير 30/09/1976 المتعلـق بالتنظيـم الجماعي، وقد سارت المحكمة الإدارية بوجدة في نفس الاتجاه، حيث قبلت الجمع بين الطلبين في عريضة واحدة، فألغت القرار الإداري المطعون فيه، وصرحت بعدم قبول طلب التعويض لعدم أداء الرسم القضائي.

       كما أن المحكمة الإدارية بمكناس أكدت اتجاهها السابق، بقبولها مرة أخرى إمكانية الجمع بين الدعويين من خلال الحكم رقم90/2002/12ش، ملف 125/2001/12ش، الصادر بتاريخ 14/11/2002/ بين العلوي إدريس وجماعة شرقاوة، بحيث جاء في تعليل هذا الحكم أنه:" لا مانع من الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في صحيفة دعوى واحدة...".

     وقد صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط  حكم عدد 1003 بتاريخ 12/10/2004 ، أجازت فيه الجمع بين طلب الإلغاء وطلب التعويض في مقال واحد والبت فيهما معا في حكم واحد، طالما لا يوجد نص تشريعي يحول دون ذلك، ففي غياب أي مانع قانوني، فإن الأصل هو إباحة الجمع.

    وقد أوضح القاضي في هذا الحكم أن إمكانية الجمع رهينة باستيفاء بعض الشروط المتمثلة في كون كل طلب على حدة ( الإلغاء والتعويض) ينبغي أن تتوفر فيه الشروط التي تجعله مقبولا لدى المحكمة، ثم يتعين أن يوجد ترابط بين الطلبين كما هو الحال في هذه النازلة.

    " حيث إنه طالما لا يوجد نص طالما لا يوجد نص صريح يمنع الجمع المذكور، فإن القول بذلك المنع ينبغي أن يقوم على قاعدة تنسجم مع المبادئ التي تنظم الحق في التقاضي بما يضمن استمرارية هذا الحق وتفعيله وليس عرقلته وتعطيله، لذلك فكلما كانت شروط قبول كل طلب على حدة متوفرة، فإن الجمع بينهما في مقال واحد يصبح مقبولا خاصة في حالة الترابط بينهما".[18]

     ولعل  ما يمكن أن يعزز الرأي المدافع عن إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء و دعوى التعويض ، هو الأساس الذي أنشئ من أجله القضاء الإداري ،وهو الفصل في منازعات تجمع بين طرفين غير متكافئين وهما الإدارة بكل ما تمتلكه من إمكانيات و الفرد العادي الذي يبقى ضعيفا في مواجهة الإدارة،لذلك فإن القاضي الإداري منذ نشأته وهو يسعى إلى ترجيح كفة هذا الطرف الضعيف و ضمان حقوقه في مواجهة الإدارة، وأيضا من أجل بناء دولة القانون ، هذه الدولة لا يمكن أن تقوم إذا لم يستطع الأفراد التوصل إلى حقوقهم بسرعة ومن خلال أقصر الطرق وأسهلها.

      وبالنسبة للمشاكل المسطرية التي تعترض إمكانية الجمع، فإنه يمكن التغلب عليها، من خلال اعتبار دعوى الإلغاء هي الدعوى الأصلية، في حين يتم اعتبار المطالبة بالتعويض، مجرد طلب تبعي، مع محاولة المزاوجة بين شروط كل من الدعويين بشكل يضمن لكل واحدة منهما استقلالها.

      و من الجدير بالذكر أن قانون المسطرة الجنائية المغربي من خلال المادة 9 من القانون 01-22 المتعلق بقانون المسطرة الجنائية يسمح بإقامة الدعوى المدنية والدعوى العمومية في آن واحد أمام المحاكم الزجرية المحال إليها الدعوى العمومية ،مع العلم أن هناك أنظمة قد ذهبت إلى الفصل التام بين  الدعوى العمومية و الدعوى المدنية ،إذ تعرض  الدعوى المدنية أمام القضاء المدني وتعرض الدعوى الجنائية أمام القضاء الجنائي ،لكن المشرع المغربي تخفيفا على المتقاضين عندما ينتج عن الجريمة ضرر يستوجب تعويضا ماديا ،أباح للمتضرر المطالبة به أمام القضاء الزجري خروجا عن المبدأ العام الذي يلزم رفع الدعوى المدنية أمام القضاء المدني.

     ودعوى الإلغاء تشبه لحد ما الدعوى العمومية لاتصالهما بالنظام العام ،كما أن الاقتران أو الارتباط الذي يجمع أحيانا الدعوى العمومية بالدعوى المدنية يشبه إلى حد ما الارتباط الذي يجمع دعوى الإلغاء بدعوى التعويض ، عندما ينتج عن القرار الإداري ضرر يستحق التعويض ،لذلك فإن القاضي الإداري يمكنه أن يقتدي بالمشرع الجنائي في هذا المجال .

 

 

 

 

 

خاتمـــــــــة :

       من خلال هدا العرض وتحليلنا للقانون المحدث للمحاكم الإدارية ابرز لنا الطبيعة الحقيقية للنظام

القضائي المغربي والمتمثل في الازدواجية القضائية فمند صدور ظهير التنظيم القضائي لسنة 1913

والقاضي المغربي يلعب دورا أساسيا على مستوى البت في منازعات القضاء الإداري الشامل مطبقا في

دلك قواعد موضوعية وإجرائية تختلف عن نظيرتها المطبقة في المنازعات المدنية فمند دلك الحين كان

من الضروري الحديث عن مبدأ ازدواجية القضاء بالنسبة للمنازعات التي تعرض على المحاكم .

وإن تحليل الاختصاصات التي يبت فيها القضاء الإداري بعد إنشاء المحاكم الإدارية على نوعين :

اختصاصات قديمة واختصاصات جديدة ،فالاختصاصات القديمة تشمل دعوى القضاء الإداري الشامل

ودعوى الإلغاء فبالنسبة لدعوى القضاء الإداري الشامل نلاحظ ان المشرع وقبل إحداث محاكم

الاستئناف الإدارية حرم المتقاضين من حق النقض الذي كانوا يستفيدون منه قبل إنشاء المحاكم الإدارية

،لكن بعد إحداث محاكم الاستئناف الإدارية فإن حق النقض أصبح متاحا للمتقاضين أمام محكمة النقض

في القضايا التي تصدر فيها الأحكام الإستئنافية كما أن تحديد اختصاصات المحاكم الإدارية من خلال

المادة الثامنة يطرح التساؤل فيما إدا كانت هده الاختصاصات هي الوحيدة التي يمكن للمحاكم الإدارية

البت فيها ام ان هناك اختصاصات أخرى لم تتضمنها المادة الثامنة تعتبر إدارية .

 

 

لائحة المراجع:

·        الدكتور حسن صحيب أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في القانون العام تحت عنوان القضاء الإداري المغربي .

·        المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية عدد 80-20

·        التطور التاريخي لقانون نزع الملكية

·        ذ. إدريس الحلابي الكتاني، الدعوى الموازية في ظل إحداث المحاكم الإدارية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد28، يوليوز-شتنبر 1999.

·        ذ. محمد محجوبي، ندوة "القضاء الإداري" (قضاء الإلغاء)  14-11 يوليو( تموز) 2005 م، الرباط – المملكة المغربية.

·        الأستاذ محمد صقلي حسيني، المستشار للمحكمة الإدارية بفاس في مقاله: "النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في المرافق العامة بين القضاء الشامل والقضاء الإداري"، المنشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ضمن سلسلة مواضيع الساعة في العدد 47 لسنة 2004

·        د. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، منشأة المعارف بالإسكندرية، طبعة 2004

·        د. سامي جلال الدين، الوسيط في دعوى إلغاء القرارات الإدارية، منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة الأولى 2004.

·        الدكتور حسن صحيب أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في القانون العام تحت عنوان القضاء الإداري المغربي .

 

·        http://www.startimes.com/?t=15298618

 

 



[1] المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية عدد 80 ;2008

[2] الدكتور حسن صحيب أطروحة لنيل شهادة الدكتورة في القانون العام تحت عنوان القضاء الإداري المغربي .

القانون المحدث للمحاكم الإدارية[3]

حسن صاحب مرجع سابق,[4]

[5] المادة الثامنة من القانون المحدث للمحاكم الإدارية

[6] التطور التاريخي لقانون نزع الملكية

[7]  ذ. إدريس الحلابي الكتاني، الدعوى الموازية في ظل إحداث المحاكم الإدارية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد28، يوليوز-شتنبر 1999، ص 63.

[8]  د. عبد الله حداد، القضاء الإداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية،مطابع منشورات عكاظ الرباط 1994،ص109.

[9]  د. حسن صحيب، القضاء الإداري المغربي ، الطبعة الأولى 2008، ص 287 و 288.

[10]  حكم المحكمة الادارية بالرباط عدد 98 بتاريخ 13/04/1995 بين محمد آل الشريف و مدير الضرائب ، ملف 46/94.

[11]  د. حسن صحيب ، مرجع سابق ص 291.

[12]  د. سامي جلال الدين: الوسيط في دعوى إلغاء القرارات الإدارية، منشأة المعارف بالإسكندرية، الطبعة الأولى 2004، ص 55،

"أجاز المشرع في مصر هذا الأسلوب، إذ أقر إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل في عريضة واحدة هي عريضة دعوى الإلغاء، بحيث يكون طلب إلغاء القرار الإداري غير المشروع هو الطلب الأصلي ويكون طلب التعويض عن الأضرار الناجمة عنه بمثابة طلب تابع لطلب الإلغاء."

    وتجد هذه الإمكانية سندها القانوني في البند الثامن من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، التي أسندت الاختصاص لمحاكم المجلس للفصل في " طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في البنود السابقة سواء رفعت بصفة أصلية أو تبعية".

[13]  د. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، منشأة المعارف بالإسكندرية، طبعة 2004، ص 267

[14]  ذ. محمد محجوبي، ندوة "القضاء الإداري" (قضاء الإلغاء)  14-11 يوليو( تموز) 2005 م، الرباط – المملكة المغربية.

 

[15]  من إعداد: نورة بوطاهر و أنس الأعرج، " الجمع بين قضاء الإلغاء والقضاء الشامل في الدعوى الإدارية" http://www.startimes.com/?t=15298618 تاريخ الاطلاع : 25/11/2017 على الساعة 18:22.

[16]  الأستاذ محمد صقلي حسيني، المستشار للمحكمة الإدارية بفاس في مقاله: "النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في المرافق العامة بين القضاء الشامل والقضاء الإداري"، المنشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ضمن سلسلة مواضيع الساعة في العدد 47 لسنة 2004 ص 98.

[17]  حكم عدد 1003 في الملف رقم 560/03 ش.ت، منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، في العدد 59 السنة 2004، ص 217.

[18]  نورة بوطاهر و أنس الأعرج، مرجع سابق 

ابحث عن موضوع