تعريف المسطرة الجنائية ومراحلها


أولا :التعريف وهدف المسطرة:


إن المسطرة الجنائية المغربية دونت في مجموعة صدر في شأنها ظهير رقم      1/58/261 بتاريخ فاتح شعبان 1378 (10/2/1959) وصدرت في شأنها تغييرات عديدة.

والهدف من قانون المسطرة الجنائية هو تحديد:

- القواعد القانونية المتعلقة بالبحث حول الجريمة ومعاينتها وجمع الحجج.

- المحاكم والسلط المكلفة والمختصة بالبحث والمتابعة والتحقيق والحكم.

- القواعد الواجب اتباعها أمام السلطات والمحاكم.


وعلى هذا الأساس فإن مثل هذه القواعد تطبق على جميع المواطنين وفي نفس الوقت تمنع قيام الفوضى والشغب والشطط، فكل الناس يضمن لهم القانون نفس الحقوق سواء كانوا قضاة أو متقاضين، إذ الهدف من القانون هو حماية الجماعة لا فرق بين غنيها وفقيرها، كبيرها وصغيرها قويها وضعيفها.


وليس هناك أي امتياز لأحد اللهم ما هو متعلق بالقاصرين الذين نص القانون على قواعد خاصة بهم، ولكن ليس هناك فرق بين القاصر الغني والقاصر الفقير، فكلاهما سواء أمام القانون.


ثانيا: مراحل المحاكمة الجنائية:


إن المحاكمة الجنائية تمر من أربعة مراحل مختلفة:


المرحلة الأولى: الشرطة القضائية


فهي من اختصاص ضباط الشرطة القضائية الذين يقع عليهم عبء البحث عن الجرائم ومشاهدتها وجمع الحجج عنها والكشف عن فاعليها وهم في هذا الميدان مختصون بالقيام بالبحث.


المرحلة الثانية: المتابعــــة


إنها من اختصاص النيابة العامة التي تمثل المجتمع، وحق المتابعة هذا يخول لهذه الهيئة:

1) حق ملاحقة الفاعل المحتمل أمام المحكمة المكلفة بالحكم عليه.

2) أو عدم المتابعة إذا كانت الحجج غير كافية.


المرحلة الثالثة: التحقيـــق


بعد البحث الأول الذي يقوم به ضابط الشرطة القضائية، فإن ممثل النيابة العامة يمكن أن يلجأ إلى تكليف قاضي التحقيق ـ إذا رأى أن ذلك ضروريا ـ لجمع الحجج والأدلة وبذلك يعطي الانطلاقة للتحقيق الإعدادي للمحاكمة.


المرحلة الرابعة: المحاكمــة


إذا كان الملف جاهزا للمحاكمة فإن النيابة العامة تحضر الفاعل المحتمل للجريمة أمام هيئة الحكم التي تقوم ببحث شفوي وعلني، ثم تنظر في التهمة المنسوبة إليه، وفي حالة ثبوتها ضده فإنها تصدر في حقه العقوبة المقررة في القانون.


ثالثا: فصل المراحل عن بعضها:


لقد أخذ المشرع المغربي على عاتقه أن يوفر للمتقاضين ضمانات واسعة في العدل وذلك أنه أوجد قواعد تفصل مبدئيا بين مختلف القضاة الذين يتولون النظر في القضايا، فأصبح من المتناقض أن يشترك قاض واحد في مراحل:

- الشرطة القضائية.

- المتابعة.

- التحقيق.

- الحكم.


لكن هذا المبدأ يقبل بعض الاستثناءات سوف نتعرض لها فيما بعد، وكيفما كان الحال فإن المتناقضات المطلقة هي:


1) عدم الجمع بين وظيفة المتابعة ووظيفة التحقيق:


وعلى هذا فإن تحريك الدعوى العمومية وفتح تحقيق وكذا تقديم الفاعل أمام المحاكم يرجع اختصاصه إلى النيابة العامة.

أما التحقيق ونعني البحث وجمع الأدلة فهو من اختصاص القاضي المكلف بالتحقيق الذي لا يمكن أن ينظر في قضية ما إلا بعد أن تطلب منه النيابة العامة ذلك.


2) عدم الجمع بين وظيفة التحقيق والمتابعة والحكم:


فالمحاكم المكلفة بالنظر في اتهام المجرم وتطبيق العقوبات في حقه إذا اقتضى الحال ذلك لا يمكن لها أن تتكلف بذلك من تلقاء نفسها ولهذا يجب أن تتدخل النيابة العامة في هذا الأمر إما وحدها أو بعد أن ينضم إليها الطرف المتضرر.


3) عدم الجمع بين وظيفة التحقيق والحكم:


إن القاضي الذي حقق في قضية ما لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون ضمن هيئة المحكمة التي كلفت بالنظر في القضية التي سبق له أن حقق فيها.   

ملاحظـــة عامـــة:


وختاما فإن المشرع المغربي شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي قد أخذ على عاتقه أن يحمي الأمن العام عند وقوع أي اضطراب اجتماعي وخصوصا عند وقوع الجريمة. ولذلك نراه يخضع الشرطة القضائية لإشراف النيابة العامة ومراقبة الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف (ف.17 من ق.م.ج).


أما أعمال النيابة العامة وقضاء التحقيق وقضاء الحكم فهو عمل يحضره الأطراف وممثلوهم من محامين ووكلاء إلى غير ذلك، كما أن عملهم يكون بصفة علنية، وفي ذلك تتوفر كل الضمانات الضرورية للحيلولة دون قيام الشطط والتعسف.

وعلى كل حال فإنه بالنسبة للشرطة القضائية اتضح للمشرع أنه لا يمكن أن يحضر المحامون مراحل البحث الذي تقوم به، ولهذا السبب اعتبر أن البحث الذي تقوم به تمهيدا للمحاكمة الجنائية لا يمكن أن يحضره المحامون فأحدث نوعا من الرقابة الصارمة على ش.ق أحيانا، وأعطاها صلاحيات واسعة أحيانا أخرى.


وهكذا أحدث ثلاثة أطر لبحث الشرطة القضائية، فأدخل الأول وهو التلبس بالجناية أو بالجنحة في الباب الأول من الجزء الثاني من ق.م.ج المتعلق بإجراء التحقيق وعنونه كما يلي:" في حالة التلبس بالجنايات والجنح". وتطرق إلى كل جزئيات هذا الإطار من الفصل 58 إلى 79 هذه الفصول التي سوف ندرسها بتفصيل في وقت لاحق.


أما الإطار الثاني فقد أدخله في الباب الثاني من الجزء الثاني وأسماه:"في البحث التمهيدي" الذي خصص له الفصول 80-81-82 و83 من قانون المسطرة الجنائية.


والإطار الثالث أدخله في الباب الأول من الجزء الثالث المتعلق بالتحقيق الإعدادي وجاء في الفرع 8 تحت عنوان:" في الإنابة القضائية" من الفصل 166 إلى الفصل 170 من ق.م.ج.


وبخصوص هذه الأطر الثلاثة، نلاحظ أنه فيما يخص التلبس بالجريمة أعطى لضباط الشرطة القضائية صلاحيات واسعة تمكنهم من السيطرة على الموقف وإرجاع الأمن على نصابه بعد حدوث الجناية أو الجنحة دون ما حاجة إلى طلب إذن من النيابة العامة أو أية سلطة أخرى لأن في ذلك ضياعا للوقت وخصوصا إذا علمنا أن الشرطة القضائية تتوفر على الوسائل البشرية والمادية للتصدي لعمل المجرمين وحماية الناس وسلامتهم وأعراضهم وأموالهم بكل ما من شأنه أن يساعد على ذلك، فهم يفتشون البيوت بقوة القانون ويمنعون الشهود من مغادرة مكان الجريمة ويطلبون مساعدة القوة العمومية، ويحتفظون بالأشخاص تحت الحراسة، إلى غير ذلك من السلط الواسعة التي نتعرض لها بتفصيل فيما بعد. وكل هذه الصلاحيات منصوص عليها في باب التلبس في الفصول من 50 إلى 71.


أما فيما يخص البحث التمهيدي، فإنه ارتأى أن الصلاحيات الواسعة المخولة لضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس المذكورة لا داعي لتطبيقها وخصوصا إذا مر على الجريمة وقت معين أصبح معه اضطراب الرأي العام في خبر كان، ولذلك فلا بد من أن تشارك النيابة العامة أو القاضي المكلف بالتحقيق في كل إجراء تقترحه الشرطة القضائية فإما أن تستجيب لطلبها وإما أن ترفضه وفي ذلك حماية كبيرة لحريات المواطنين من كل شطط ممكن.


وأخيرا فإن البحث في إطار الإنابة القضائية قد جعل له ما يكفيه من القيود لكي   لا يترك لضابط الشرطة أي دور في التصرف بكل حرية فيه حيث لا يمكن فيه أي تجاوز أو نقصان لأن ذلك من شأنه أن يبطل المسطرة ويعرض فاعله للمتابعة الجنائية الإدارية.


ابحث عن موضوع