في إطار قراءة مستجدات قانون المسطرة الجنائية نقدم موضوعا للدكتور الباحث العربي مياد الذي عنونه بـ »ضرورة تفعيل حضور المحامي أثناء البحث التمهيدي«، المحامي مساعد القضاء ومؤازر للظنين في الدعوى العمومية ودوره أساسي في البحث عن الحجج والقرائن التي تساهم في استجلاء الحقيقة وتنوير المحكمة.وكثيرا ما يجد المحامي صعوبة في القيام بهذه المهمة النبيلة إذا اصطدم بمعوقات تبرز على الخصوص عند الرغبة في تشكيك المحكمة في الاعترافات المنسوبة إلى موكله بدعوى انتزاعها بالعنف أو تحت تأثير التعذيب النفسي أو الجسدي.. ويدق الأمر أكثر إذا ما رفضت المحكمة الاستجابة لطلب عرض المشتبه فيه على الخبير لتحديد أسباب الآثار الظاهرة على جسده.وقد كان لرجال القانون وحماة حقوق الانسان في المغرب جولة طويلة من النقاش وإصدار التوصيات الرامية إلى اقرار حضور المحامي أثناء إجراءات البحث التمهيدي، حيث ظل هذا المطلب معلقا الى حين صدور القانون رقم 01 - 22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الذي دخل حيز التنفيذ جزئيا مع انطلاق متابعة المتهمين بالأعمال الارهابية لـ 16 ماي 2003.وقد تكفل الباب الثاني من قانون المسطرة الجنائية الجديد ولاسيما المادة 80 منه بالتنصيص صراحة على حضور المحامي لإجراءات البحث التمهيدي.لكن ما ينبغي الاشارة إليه أن هذا المقتضى سيفرغ من محتواه إذا علمنا أنه معلق على جملة من الشروط لا نرى مبررا لها إلا الرغبة في تقديم الجانب الأمني على حقوق الدفاع.وهكذا فإن حضور المحامي لإجراءات البحث التمهيدي غير مرخص به إلا عند تمديد الحراسة النظرية بحق الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية وبناء على طلب هذا الأخير أو ملتمس الدفاع عند انتصابه كمؤازر. ولا يتم الاتصال بالشخص المذكور تلقائيا وإنما لابد من استصدار موافقة النيابة العامة ولمدة محددة لا تتجاوز في أقصى الأحوال 30 دقيقة، حيث تتم الجلسة تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية. ولا يعرف ما إذا كانت هذه المدة ستخصص لكل محامي في حالة تعددهم أو توزيع 30 دقيقة على المحامين الذين يؤازرون موكلهم.
إذن الحاصل أن نظرة المشرع الجنائي للمحامي نظرة فوقية تنم عن فقدان الثقة فيه، وإلا كيف نفسر المراقبة اللصيقة لضابط الشرطة ، وفرض السرية في الاتصال. والحال أن قانون المحاماة وكذا المقتضيات الموازية تفرض هذا التصرف ضمنيا.وفي محاولة لتبسيط إجراءات اتصال المحامي بموكله خلال فترة البحث التمهيدي، يمكن لضابط الشرطة القضائية الترخيص لسلطة الدفاع الاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية مع تحقق شرطين كذلك: تعذر الحصول على ترخيص من النيابة العامة لأسباب موضوعية ولاسيما بعد المسافة يتعين على هذا الضابط أن يرفع تقريرا في هذا الشأن إلى النيابة العامة.ولعل أهمية التقرير تكمن في أنه يرفع إلى سلطة رئاسية التي لها الحق في النظر وتقدير مدى ملاءمة الترخيص المتخذ من طرف ضابط الشرطة القضائية.إن ما يؤخذ كذلك على مقتضيات المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية أنها خولت النيابة العامة سلطة تقديرية لتقرير تأخير اتصال المحامي بموكله، خاصة إذا التمس ضابط الشرطة ذلك لعلة قد تكون جمع المعلومات عن طريق التنصت على المكالمات الهاتفية والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال الحديثة.
وقد أضافت المادة المذكورة التزاما على عاتق المحامي يتمثل في كتمان كل ماراج اثناء الاتصال بموكله قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية المحددة. وهذه المدة قد تكون في 24 ساعة المضافة الى 48 ساعة الأولى، او 96 ساعة اذا ما تعلق الأمر بالمس بأمن الدولة، حيث يكون التمديد بإذن كتابي من النيابة العامة.ولاغرو ان تمديد الحراسة النظرية مكنت للمزيد من البحث والتحري إلا أنها قد تستغل لطمس معالم العنف اذا مورس على الموضوع رهن الحراسة النظرية.ومما ينبغي التذكير به ان المحامي غير مؤهل لتوجيه أية اسئلة لموكله اثناءفترة الحراسة النظرية ولا إبداء أية ملاحظات شفوية على المعاملة او مجريات البحث التمهيدي. ويبقى من حقه فقط تقديم وثائق أو ملاحظات كتابية سواء للشرطة القضائية او النيابة العامة قصد اضافتها للمحضر الذي سينجز مقابل إشهاد.إذن نية المشرع اتجهت الى إلزام المحامي بالقيام بدور شاهد على قانونية الاستنطاف، ومن ثم كان الهاجس السائد هو عدم منح هذا الاخير أية فرصة لتوجيه موكله أو أن يملي عليه اجوبته.لذا نرى ضرورة اعادة صياغة المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية بشكل يجعل للمحامي دورا اسايا في ضمان حسن سير العدالة، اذ المحاكمة العادلة تتمثل اساسيا في تعزيز وتقوية دور المحامي، ليس امام النيابة العامة فقط، وإنما بالضرورة امام الشرطة القضائية لأن لبنة الادانة تبتدىء من الصيغة التي حرر بها محضر الضابطة.وقد صدق وزير العدل عندما اكد في تقديم قانون المسطرة الجنائية الجديد من طرف وزارة ا لعدل بأن من حق محام المتهم ان يتخذ جميع الوسائل الشريفة التي يسمح بها القانون للدفاع عن موكله حتى لاتتخذ في حقه اجراءات تعسفية او يدان دون اجراء اي بحث حقيقي متوازن ومحاكمة عادلة سريعة يحظى فيها المتهم بحقه في الدفاع وبما يخوله له القانون من ضمانات لاحترام حريته الفردية.ولنا ان نتساءل هل المسطرة الجنائية تضمن للموضوع رهن الحراسة النظرية اسس المحاكمة العادلة وقرينة البراءة، وهي لاتضمن له الحق في الاتصال بالمحامي اثناء الحراسة النظرية اي 48 ساعة او 96 حسب الاحوال، مع العلم بأن نفسية الشخص المعني تكون مهزوزة ويمكن ان تصدر عنه افعالا او تصرفات تضر بمصالحه، ويصدق هذا الامر على الخصوص بالنسبة لفئة عريضة من الأميين الذين لايحسنون القراءة.
الدكتور العربي مياد