التلبس بالجريمة


أولا: تعريفه:


رأينا من مهام ضباط الشرطة القضائية البحث عن الجرائم، وأن حدوث الجريمة يعقبه اضطراب يمس الأمن العام، لكن أهمية هذا الاضطراب تكتسي نوعا من الخطورة لا من حيث نوعية الجريمة بل من حيث بواعثها كذلك.


لهذا ارتأى المشرع المغربي عند تحريره للمسطرة الجنائية أن حداثة الجناية أو الجنحة تستحق أن تطبق في شأنها مسطرة مستعجلة، وفعالة لهدفين، اثنين في آن واحد ألا وهما استتباب الأمن من جهة، وإرضاء الرأي العام من جهة.


وعليه فالتلبس هو كل شيء واضح وأكيد أو يظهر حالا، أو كما يقال: يظهر للعينين المجردتين، ويتعلق الأمر بشيء حالي يرى للعيان.


 أما من الناحية القانونية فإن الفصل 58 من قانون المسطرة الجنائية يعرف أنه يعتبر التلبس بالجناية والجنحة في إحدى الحالات الآتية:

1- في حالة إنجاز الفعل الجنائي أو على إثر إنجازه.

2- في حالة ما إذا كان الفاعل ما زال مطاردا بصياح الجمهور.

3- في حالة ما وجد المجرم بعد مرور زمن قصير على ارتكاب فعلته حاملا لأسلحة أو أشياء يستدل منها على أنه شارك في الفعل الإجرامي أو وجدت عليه آثار أو إمارات تثبت مشاركته.


هذه التعاريف تنطبق على التسلسل الزمني، ففي الحالة الأولى نجد أن حداثة الفعل مطلقة أما في الثانية فإن هذه الحالة تدخل ضمن الماضي القريب.


وعلى كل فإن العبير (ما زال الفاعل مطاردا بصياح الجمهور) يجب أن يفهم منه الفاعل يفر ومن ورائه شخص أو عدة أشخاص يطاردونه من أجل ذلك.


وعليه، فلا يمكن أن يفهم هذا اللفظ الإشاعات العمومية أو ما يشابهها من عبارات تستعمل في قاموس الاستعلامات العامة. وكلمة مازال تغني عن كل بيان في هذا الشأن.


أما في الحالة الثانية: فعلى العكس من ذلك يكون الفعل قد وقع في زمن بعيد نسبيا، وكمثال على هذا: الوجود الحالي للأسلحة أو الأشياء أو الآثار يعطي الدليل على التلبس بالجريمة فيكفي أن يكون الوقت قريبا جدا من الفعل لأن القانون لم يحدد بصفة قطعية هذه المدة، وعليه، فعلى عاتق ضابط الشرطة القضائية تقع مسؤولية تمييز هذه الصلاحية وفي حالة الغموض يلجأ إلى وكيل الملك بالهاتف أو بكل وسيلة أخرى.


4- عندما يلتمس صاحب المنزل من ضابط الشرطة القضائية أن يقدم إلى منزله لمشاهدة جناية أو جنحة وقعت هناك وهذه حالة أخرى من حالات التلبس.


والصعوبة التي تكمن هنا هي تقدير صفة صاحب المنزل الذي يطلب من ضابط الشرطة القضائية التدخل.


وعلى هذا فإن صاحب المنزل هو رئيس العائلة وفي حالة غيابه، زوجته وأولاده الذين يعيشون معه بصفة اعتيادية.


أما في حالة غياب سكان البيت فإن الاجتهاد أباح أن ينوب عنهم الشخص الذي مكنوه مؤقتا من حراسة البيت. ونفس الشيء مثلا للخادم أو حارس العمارة أو الجار الذي تسلم إليه مفاتيح الدار قصد حراستها.


ونشير هنا إلى أن مشاهدة الجريمة تؤدي حتما في أغلبية الأحيان إلى التفتيش والحجز وطلب مساعدة ذوي الخبرة إلى غير ذلك من الإجراءات التي ستأتي في ما بعد.


وعل أي فإذا وجد ضابط الشرطة القضائية نفسه في حالة من هذه الحالات فإنه يطبق مسطرة التلبس، غير أن الفصل 72 يشترط أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة بالحبس.


ثانيا: دور ضابط الشرطة القضائية في حالات التلبس بالجريمة:


تفرض عليهم التزامات ولكنها تعطيهم سلطات واسعة، وفيما يلي هذه الالتزامات والسلطات:

- عندما يصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية خبر التلبس بجناية أو جنحة يجب عليه أن ينتقل إلى عين المكان وأن يخبر بذلك وكيل الملك(الفصل 59 يلزمه بهذا).

- ثم يقوم ضابط الشرطة القضائية بالمشاهدة أو الحجز اللازمين شريطة أن يحافظ على الآثار والأدلة، الفصل 59، ويعاقب الفصل 60 كل شخص تعمد تبديل أو تغيير معالم الجريمة قصد تضليل العدالة.

ويمكنه التلبس قصد البحث عن أدلة:

- أن يقوم بالتفتيش والحجز (الفصل21/62/63)

- أن يطلب مساعدة ذوي الخبرة (الفصل 66)

- أن يمنع الأشخاص من مغادرة المكان(الفصل 67)

- أن يحقق في هوية كل شخص يكون التحقيق معه مفيدا للبحث.

- أن يستعمل حق الحراسة النظرية(الفصل 68/69)

- الاستماع إلى الشهود في محاضر.


وفي كل هذه الحالات يستعمل القوة والقهر فيقوم بكل ما هو ضروري دون أن يخشى شيئا.

وزيادة للإيضاح فإن حالة التلبس تمتد طالما امتد البحث في القضية التي قرر فيها بدون انقطاع.

وعلاوة على ذلك فإن الفصل 71 يلزم ضابط الشرطة القضائية بتحرير المحاضر المتعلقة بكل عملية في الحين وعند اختتام المسطرة المتعلقة بحالة التلبس يجب عليهم أ يوجهوها إلى وكيل الملك (الفصل23).


وكيفما كان الحال فإن العادات التي يتخذها كثير من ضباط الشرطة القضائية وذلك بتحرير المحاضر بعد العمليات بيوم أو عدة أيام، إنما هي خرق سافر للقانون يجب أن نتلافاه بواسطة الضباط المتخرجين من الأكاديمية.


ولهذا ننصحهم بأن يحرروا محاضرهم في الحين وفي حالة استثنائية بمجرد عودتهم إلى مراكزهم. زيادة على أن الحراسة النظرية مدتها محدودة وتتطلب الاسترسال في البحث لفائدة العدالة والمواطنين على السواء.





ثالثا: دور وكيل الملك:


في حالة التلبس بالجريمة فإن وكيل الملك بصفته ضابطا ساميا للشرطة القضائية يمكنه أن يقوم بالإجراءات شخصيا وبمجرد وصوله إلى عين المكان يرفع يد ضابط الشرطة القضائية ولكنه يمكنه أن يكلفه بمتابعة البحث(الفصل73).

وكيفما كان الحال فإن حالة التلبس تعطي لوكيل الملك حق التماس التحقيق أو إصدار الأمرين القضائيين الآتيين:

- الأمر بالإحضار في حالة الجناية وذلك للتأكد من شخص المجرم قبل تكليف قاضي البحث.

- الأمر بالإيداع في السجن في حالة الجنحة وذلك قصد استدعائه مباشرة إلى أقرب جلسة.


رابعا: القاضي المكلف بالتحقيق:


يمكنه أن يقوم بكل الإجراءات بصفته ضابطا ساميا للشرطة القضائية، ووصوله إلى عين المكان يرفع يد وكيل الملك، وضابط الشرطة، غير أن الإجراءات التي يقوم بها لا تدخل في أعمال التحقيق الإعدادي إلا إذا توصل بمطلب من وكيل الملك بصفة قانونية، وعلى أي فإن وكلاء الملك عادة يستدعون القاضي المكلف بالتحقيق بالهاتف في حالة الاستعجال ويوجهون إليه المطلب في أقرب وقت لا يتعدى بعض الساعات حتى تكون الإجراءات التي قام بها قانونية.


خامسا: حالة خاصة (الفصل 79م.ج):


في حالة العثور على جثة شخص وكانت أسباب وفاته مجهولة أو فيها ريب سواء حصل ذلك بعنف أو بغير عنف فينبغي لضابط الشرطة القضائية الذي بلغه خبر العثور أن يعلم حالا وكيل الملك، وينتقل بدون تأخير إلى عين المكان لإجراء التحقيقات الأولى.


ويتعين على وكيل الملك، إما بتكليف ذلك الضابط بمتابعة البحث أو تعيين قاضي مكلف بالتحقيق بفتح بحث في هذا الشأن.


ابحث عن موضوع