بحث عن :
مفهوم الاقتصاد الإسلامي و المشكلة الاقتصادية في الإسلام مقارنة بالنظم الأخرى
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمــة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد...
لقد شمل الدين الإسلامي كل ما يحقق السعادة و الخير للناس في العقيدة و العبادات و المعاملات و ما يتعلق بالقوانين العامة في مسائل مدنية و جوانب حياتية و أحوال شخصية و نظم اجتماعية و علاقات دولية و ركائز المجتمع الفاضل ، يأتي كل ذلك في صورة مبادئ دقيقة و في تشريعات ربانية خالدة .(1 )
و على صفحات هذه الورقة البحثية سوف أقوم بالتعريف بالاقتصاد الإسلامي وبالمشكلة الاقتصادية في الإسلام مقارنة بالنظم الأخرى ...
هذا وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ...
و الله الموفق...
التعريف بعلم الاقتصاد :
يهتم علم الاقتصاد بدراسة السلوك الاقتصادي للأفراد والمجتمعات كالإنتاج والاستهلاك والادخار وتبادل السلع والخدمات , وبالتالي فهو يتصل بكل جوانب الحياة ويتميز بالعمومية والإحاطة …وينتمي علم الاقتصاد إلى العلوم الاجتماعية , كعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة
علم الاقتصاد هو ذلك الفرع من العلوم الاجتماعية الذي يبحث الاستخدامات المتعددة للموارد الاقتصادية لإنتاج السلع وتوزيعها للاستهلاك في الحاضر والمستقبل بين أفراد المجتمع.
إذن علم الاقتصاد هو علم اجتماعي موضوعه الإنسان ذو الإرادة يهدف إلى دراسة العلاقة بين الحاجات المختلفة والموارد المحدودة و ذلك بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الإشباع للحاجات من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة .(1)
تعريف الاقتصاد الإسلامي :
يعرف البعض علم الاقتصاد الإسلامي بأنه :" العلم الذي يبحث في طرق الكسب و الإنفاق على ضوء الآداب التي تضمنتها الشريعة الإسلامية "
و هناك من عرفه بأنه : " دراسة تحليلية للفعاليات الاقتصادية في مجتمع يتبنى النظام الاقتصادي الإسلامي "
و بتعريف أكثر دقة يعرف علم الاقتصاد الإسلامي بأنه علم دراسة و تحليل سلوك الفرد و المجتمع تجاه الموارد الإنتاجية من أجل تحقيق الرفاهة في إطار التعاليم الشرعية " .
أما النظام الاقتصادي الإسلامي فهو يعبر ن مجموعة القواعد و الأسس المستمدة من الشريعة الإسلامية و التي يتبعها المجتمع في تنظيم و تسيير شؤونه الاقتصادية .(1) و في المجتمع السعودي نلمس هذا النظام واقعا تطبيقيا ملموسا في شتى مناحي الحياة الاقتصادية .
الأمور التي يهتم بها علم الاقتصاد :
يختص علم الاقتصاد بدراسة الأمور الآتية: :
1- ما هي السلع والخدمات التي ينتجها المجتمع . أي ما هي السلع
والخدمات التي يجب على المجتمع أن يتجها وفقاً لموردة الاقتصادية المتاحة والتي تتميز بالندرة النسبية الأمر الذي يقتضي المفاضلة بين الاستخدامات البديلة من خلال آليات السوق .
2- بأي طريقة يتم الإنتاج فهناك طرق إنتاجية متعددة مثل :
- طرق إنتاجية كثيفة العمالة
- طرق إنتاجية كثيفة رأس المال
- طرق إنتاجية كثيفة التكنولوجيا
3- كيفية توزيع الإنتاج بين أفراد المجتمع :
أي كيفية توزيع الناتج القومي من السلع والخدمات بين عناصر الإنتاج المشاركة في العملية الإنتاجية ، كالعمال ، ملاك الأراضي ، أصحاب رأس المال ، التنظيم.
ينقسم علم الاقتصاد إلى قسمين هما :
1- الاقتصاد الجزئي:
ويختص بدراسة الظواهر الاقتصادية الجزئية، مثل دراسة سلوك الوحدات الاقتصادية الفردية، كسلوك المستهلك وسلوك المنتج، ونظرية الثمن ، وسعر السلعة...
2- الاقتصاد الكلي:
ويختص بدراسة الظواهر الاقتصادية الكلية كالناتج القومي والدخل القومي والاستثمار والادخار والطلب الكلي والعرض الكلي، و العرض الكلي ...
أركان الاقتصاد الإسلامي :
و تتمثل هذه الأركان في :
1- وجود الملكية الاقتصادية المزدوجة ( و تشمل الملكية الخاصة و الملكية العامة بما فيها ملكية الدولة ).
2- اعتماد الحرية الاقتصادية المقيدة .
3- تحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع .(1)
المشكلة الاقتصادية :
أوجه الاتفاق في علاج المشكلة الاقتصادية بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي:
يحاول الاقتصاد الرأسمالي علاج المشكلة الاقتصادية، عن طريق زيادة السلع والخدمات، فبما أن المشكلة الاقتصادية في الاقتصاد الرأسمالي عبارة عن صراع بين الحاجات اللانهائية والموارد المحدودة فمن الطبيعي أن يرتكز علاج المشكلة الاقتصادية على كيفية زيادة السلع والخدمات، ولو فرضنا أن السلع والخدمات المنتجة في مجتمع ما ممثلة بمنحنى إمكانيات الإنتاج.
أن زيادة الإنتاج تتم أما بزيادة عناصر الإنتاج وذلك باكتشاف موارد جديدة أو بالتطور التكنولوجي. وهذا ما يسعى لتحقيقه النظام الرأسمالي لعلاج المشكلة الاقتصادية. ويرى الباحث أن هناك توافق بين الاقتصاد الإسلامي والرأسمالي بذلك، فزيادة التكنولوجيا تخفف من حدة المشكلة الاقتصادية. وكذلك فأنه للحصول على على أفضل نقطة ممكنة على منحنى امكانيات الأنتاج كالنقطة(ج أو ع)،فأنه لا بد من استخدام كل الموارد المتاحة. بفعالية(على أفضل وجه). يرى الباحث أن ذلك لا يخالف الاقتصاد الإسلامي. بل هو ما يسعى اليه الاقتصاد الإسلامي. فكثير من أوامر الإسلام تدعو إلى إتقان العمل وكذلك فالقيم الإسلامية توفر الحوافز الصحيحة للكفاءة. [1]
لذلك فيرى الباحث أنه هناك تشابه في علاج المشكلة الاقتصادية بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الرأسمالي. من حيث ضرورة التنمية الاقتصادية وذلك من ضروريات الاستخلاف واعمار الارض. وكذلك من حيث ضرورة استخدام كل الموارد وعدم هدر أياً منها دون فائدة. ويكون ذلك متأصل في الاقتصاد الإسلامي لكون الإنسان مستخلف في مال الله. وكذلك من حيث الاستخدام الأمثل للموارد. فهذه نقاط اتفاق في علاج المشكلة الاقتصادية. وهناك الكثير من نقاط الاختلاف وقد ذكرناها سابقاً.
خلاصة المقارنة:
1- يؤكد الباحث أن هناك اختلافاً جوهرياً بين طبيعة المشكلة الاقتصادية، من منظور الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي.وهذا الاختلاف في توصيف المشكلة الاقتصادية. بينما هناك اتفاق حول وجود المشكلة الاقتصادية على المستوى الكوني.
2- من أهم نقاط الاختلاف بين طبيعة المشكلة الاقتصادية من منظور الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي. هو سبب هذه المشكلة فبينما يرى الاقتصاد الرأسمالي أن السبب في المشكلة الاقتصادية هو بخل الطبيعة وندرة الموارد. يرى الاقتصاد الإسلامي أن سبب المشكلة الاقتصادية هو الإنسان وذلك بابتعاده عن الكفاءة في استخدام الموارد والعدالة في توزيعها.
3- تختلف نظرة الاقتصاد الإسلامي عن الاقتصاد الوضعي حول الحاجات البشرية. فبينما يرى الاقتصاد الوضعي أن الحاجات البشرية لا نهائية وهو بذلك لا يفرق بين الحاجة والرغبة. يرى الاقتصاد الإسلامي أن الحاجات مع أنها متزايدة ومتجددة الا أنها محدودة. بحدود وضوابط معينة.
4- بينما يرى الاقتصاد الرأسمالي أن الإنسان والاقتصادي الرشيد هو الذي يحاول إشباع اكبر قدر ممكن من رغباته وحاجاته. لا يرى الاقتصاد الإسلامي حاجة لاشباع كل الحاجات.ولا يعول كثيراً على اشباع الرغبات.
5- للبعد الاخروي اثر فعال في مواجهة المشكلة الاقتصادية ويكون ذلك في كافة الفعاليات الاقتصادية للإنسان المسلم فيظهر أثره في النتاج والاستهلاك والتوزيع.
6- يختلف الاقتصاد الإسلامي عن الاقتصاد الوضعي في نظرته إلى الموارد والحاجات. فبينما يربط الاقتصاد الوضعي بين الموارد واشباع الحاجات. يربط الاقتصاد الإسلامي بين السلع والخدمات واشباع الحاجات. وينتج عن ذلك . ظهور فكرة ندرة الموارد في الاقتصاد الوضعي , بينما هي ندرة سلع وخدمات في الاقتصاد الإسلامي.
7- يرى الباحث أن المشكلة الاقتصادية لا يمكن أن تزول من ارض الواقع على المستوى الكوني. بينما يمكن أن تحل على المستوى الجزئي. فيمكن لمجتمعٍ ما أن يشبع كل حاجاته الاساسية من السلع والخدمات. وهذا ما يمكن أن يحصل كذلك للافراد. وخاصة أن الضوابط الإسلامية، تكون الحل الأمثل للمشكلة الاقتصادية.
التوصيات: يرى الباحث بعد نهاية هذا البحث ضرورة ما يلي:
1-عند بحث المشكلة الاقتصادية ضرورة ضبط وتوضيح معنى المصطلحات المستخدمة وذلك لأن القارئ كثيراً ما يقع في لبس. عند قراءته نتيجة استخدام نفس مصطلحات الاقتصاد الوضعي ولكن بمعنى اخر لا يقصده الباحث المسلم. ومن ذلك مفهوم ندرة الموارد. والحاجات.
2-يدعو الباحث إلى ضرورة استخدام الاقتصاد الإسلامي لعلاج المشاكل الاقتصادية، في العالم الإسلامي. وقد بينا أن الاقتصاد الإسلامي هو الاقدر والأنجح في حل المشاكل الاقتصادية.
3-يدعوا الباحث إلى ضرورة استخدام المنهج العلمي والاكثار من الادلة العلمية والتحليل الاقتصادي عند البحث والكتابة في الاقتصاد الإسلامي وذلك حتى يصل علم الاقتصاد الإسلامي إلى كل الأنظمة.
4-يدعو الباحث إلى تبني منهج الاقتصاد الإسلامي وذلك عند الكتابة والتاليف أو تدريس الاقتصاد الرأسمالي في الدول الإسلامية وذلك لأن المدرس والباحث هو مسلم ولو لم يدرس الاقتصاد الإسلامي مع تمنيه أن ينتشر ويعم منهج ونظام الاقتصاد الإسلامي.
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين ، محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ... فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع طبيعة الاقتصاد الإسلامي حيث عرفت بالاقتصاد الإسلامي و بخصائصه و التي يمكن إجمالها في :
الاقتصاد جزء من الإسلام : فنلاحظ انفصال الأنظمة الاقتصادية الوضعية عن القيم والأخلاق ؛ لأنها بشرية ، قي حين يتميز الاقتصاد الإسلامي بارتباطه التام بالدين . و الاقتصاد الإسلامي اقتصاد تعبدي تحكمه رقابة ذاتية و رقابة خارجية و هو اقتصاد متوازن نلمس فيه توازن بين المصلحة الفردية والجماعية فالفرد والجماعة ليسا خصمين و فيه توازن بين الروح والمادة .و هو اقتصاد أخلاقي : يقوم على ( السماحة ، الصدق،الأمانة ،الابتسامة ، غض البصر ، عدم رفع الصوت ، الإنفاق ) فكان من أثر هذه الأخلاق ( انتشار الإسلام ، نقاء المعاملات ، تماسك المجتمع و انتشار الأمن الأمان كما هو الحال في المجتمع السعودي )
وهو اقتصاد موضوعي يقوم على عدم التفريق في التعامل كالأمانة مع الكل وتحريم الربا للكل والتعاون على الخير مع الجميع ...
لقد استلهم ولاة الأمر في بلادنا الثقافة الإسلامية في كل نظم الحياة و منها الشأن الاقتصادي فكان نموذجا تطبيقيا رائعا للنظام الاقتصادي الإسلامي يحتذى به فتجربة المملكة في تطبيق النظام الاقتصاد الإسلامي تجربة فريدة تستحق الاقتداء ... هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ... و بالله التوفيق ...
قائمة المراجع
(1) أحمد العسال و فتحي عبد الكريم : النظام الاقتصادي في الإسلام ، ط 10، مكتبة وهبة ، القاهرة ، 1415هـ.
(2) خالد بن سعد المقرن : الأسس النظرية للاقتصاد الإسلامي ، مكتبة العبيكان ، الرياض ، 1424هـ.
(3) عمر شابرا: الإسلام والتحدي الاقتصادي، المركز العالمي للفكر الإسلامي واشنطن، ط1.
(4) محمود إبراهيم الخطيب : من مبادئ الاقتصاد الإسلامي ،مكتبة الاعتصام ، الرياض ، 1409هـ.
(1 ) محمود إبراهيم الخطيب : من مبادئ الاقتصاد الإسلامي ،مكتبة الاعتصام ، الرياض ، 1409هـ، ص 5.
(1) أحمد العسال و فتحي عبد الكريم : النظام الاقتصادي في الإسلام ، ط 10، مكتبة وهبة ، القاهرة ، 1415هـ ، ص 8.
(1) خالد بن سعد المقرن : الأسس النظرية للاقتصاد الإسلامي ، مكتبة العبيكان ، الرياض ، 1424هـ، ص 21-22.
(1) محمود إبراهيم الخطيب : من مبادئ الاقتصاد الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 20.
[1] - شابرا د.عمر, الإسلام والتحدي الاقتصادي ص 279.