المقدمــة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد...
فإن الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول موضوع : نظام الملكية و الاستثمار للأجانب في المملكة العربية السعودية.
و سيتم في هذا الموضوع الاعتماد على جمع المعلومات من عدة مصادر ومراجع علمية و ذلك في ضوء ما تيسر لي من معلومات...
وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ..
و الله الموفق.
المبحث الأول : حــق التــملك
يعّد حق التملك من اهم الحقوق التي يتمتع بها الاجانب في الدولة( ). والاصل هو اعتبار الحق في التملك من الحقوق اللصيقة بالشخصية ، لان اكتساب ملكية الاموال والتمتع بثمارها هو مظهر من مظاهر الشخصية القانونية للفرد( ). وقد نصت المادة (17) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان صراحة على ان لكل شخص حق التملك بمفرده او بالاشتراك مع غيره ، ولا يجوز تجريد احد من ملكه بطريقة تعسفية .
وتلعب المعاملة بالمثل دوراً بارزاً في تنظيم تمتع الاجانب في الدول والرعايا في الخارج ، لهذا الحق ، كونه يمثل واحداً من اهم الحقوق الخاصة التي تدخل المعاملة بالمثل في تنظيمه .
وأن بيان دور المعاملة بالمثل في تنظيم التمتع بهذا الحق ، يحتاج منا ان نفرق بين نوعين من الاموال ، الاموال المادية ، والاموال المعنوية ، كذلك ان هذا البيان يفرض علينا ، ان نبين دور المعاملة بالمثل في تملك هذه الاموال عن طريق الميراث والوصية ، وذلك بوصفهما سبباً من اسباب التملك في هذا الخصوص .
عليه سنقسم هذا المبحث على ثلاثة مطالب ، نبحث في كل مطلب مستقل مسألة من هذه المسائل .
المطلب الأول
في ملكية الأموال المادية
وتشمل المنقولات والعقارات ، فبالنسبة للمنقولات ، فإن الغالب ، أن المعاملة بالمثل لا تلعب دوراً في تنظيم تملك الاجانب لها ، ما عدا في حالات نادرة( ).
لأن الاتجاه الغالب في معظم دول العالم ، هو السماح للأجانب بتملك معظم المنقولات( ) . باستثناء بعض المنقولات ذات القيمة الاقتصادية الكبيرة والتي من شأنها التأثير في الكيان الاقتصادي للدولة( ) ، فإن المشرع في معظم دول العالم يتجه الى تقييد حق الأجنبي في تملك مثل هذا النوع من المنقولات ، مثل السفن والطائرات والسندات الحكومية( ).
أما فيما يتعلق بتملك الاجانب للعقارات ، فإن المعاملة بالمثل تكون سبباً مؤثراً في تحديد امكانية تملك الاجانب للعقارات من عدمها . ويعود السبب في ذلك الى الاهمية البالغة لتملك العقار من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية( ).
والدول تنقسم في موقفها تجاه حق الاجنبي في تملك العقارات على اتجاهين رئيسيين( ) :
الاتجاه الاول ، يقضي بحرمان او منع الاجانب من تملك العقارات بصفة مطلقة ، دون
الاعتداد بمبدأ المعاملة بالمثل( ).
أما الاتجاه الثاني ، فهو اتجاه اغلب دول العالم في الوقت الحاضر ، إذ يجيز للأجانب تملك العقارات ، ولكن بعد الاستناد الى مجموعة شروط او قيود معينة ، لعل من أهمها، تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ، وهو الاتجاه الذي اخذ به القانون السعودي والمصري والأردني ، وقوانين دول أخرى( ) .
فبالنسبة لموقف القانون السعودي ، نلاحظ ان المشرع السعودي قد ميّز بين طائفتين ، في ما يتعلق بتملك الاجانب للعقارات في السعودية( ) .
الطائفة الأولى – وتشمل الاجانب من غير رعايا الدول العربية .
الطائفة الثانية – وتشمل رعايا دول الاقطار العربية .
فبالنسبة للطائفة الاولى ، نظم قانون تملك الاجنبي للعقار في السعودية رقم 38 لسنة 1961( )، موضوع تملكهم للعقار ، واشترطت المادة الاولى منه ، ضرورة تحقق مبدأ المعاملة بالمثل بين السعودية والدولة التي ينتمي اليها الاجنبي طالب التملك ، حيث نصت هذه المادة على انه : (يعامل الاجنبي في حق الملكية وفي المعاملات التصرفية التي ترد على العقار ، بما يعامل به السعودي في بلد ذلك الاجنبي ، وفقاً لقاعدة المقابلة بالمثل ، فلا يجوز ان يملك الاجنبي من العقار في السعودية الا ما يجوز ان يتملكه السعودي في ذلك البلد من حيث النوع والمساحة والموقع والاستعمال …)( ).
وقد جاءت المادة (154) من قانون التسجيل العقاري ، رقم 43 لسنة 1971 المعدل ، مؤكدة لموقف المشرع السعودي من اشتراط المعاملة بالمثل ، عندما يراد تملك الاجنبي لعقار في السعودية ، حيث نصت هذه المادة ، في فقرتها الثانية على انه : (يسجل العقار الكائن ضمن حدود البلدية باسم الاجنبي وفقاً للشروط الاتية :-
أ- توفر مبدأ المعاملة بالمثل .
هناك مأخذ على موقف المشرع السعودي في هذا الخصوص ، إذ ان دقة الصياغة القانونية واللغوية للنص ، كانت تستوجب على المشرع السعودي ان يستعمل مصطلح المعاملة بالمثل بدلاً من استخدامه لمصطلح (المقابلة بالمثل) ، سواء في المادة الاولى من قانون تملك الاجنبي للعقار في السعودية ام في المادة (154) من قانون التسجيل العقاري ، وهو خطأ وقع فيه المشرع السعودي في اكثر من موضع ، على الرغم من الفرق الواضح بين المصطلحين من حيث المعنى( ) .
أذن ، القيد الأول ، والاهم الذي اشترطه المشرع السعودي ، هو ضرورة تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ، كشرط لجواز تملك الاجنبي للعقار في السعودية . وتطبيقاً لذلك ، قضت محكمة التمييز السعودية في قرارها المرقم 33/74 بتاريخ 24/2/1974( )، بانه:-
((ان تملك الاجنبي للعقار في السعودية يخضع الى احكام قانون تملك الاجنبي للعقار رقم 38 لسنة 1961 المعدل ، وهي تتضمن ما يلي)) :
يجوز ان يتملك الاجنبي عقاراً في السعودية وفقاً لقاعدة المعاملة بالمثل .
إلا ان التساؤل الذي تثيره المادة الاولى من قانون التملك الاجنبي للعقار في السعودية رقم 38 لسنة 1961 ، يتعلق بالكيفية التي يتحقق فيها مبدأ المعاملة بالمثل مع دولة من الدول الاجنبية من جهة ؟ والصورة التي اخذ بها المشرع السعودي في هذا الخصوص من جهة ثانية ؟
فمن المعلوم ان مبدأ المعاملة بالمثل يمكن ان يتحقق (استناداً الى مصدره) وكما راينا ذلك ، بثلاثة صور : دبلوماسي ، تشريعي ، واقعي او فعلي .
نعتقد ان المشرع السعودي قد قصد من وراء نص المادة الاولى من القانون المذكور ، ضرورة تحقيق المعاملة الفعلية او الواقعية بالمثل مع الدولة التي ينتمي اليها الاجنبي طالب التملك .
وأدلُ على ذلك ، بالشطر الاخير من نص المادة الاولى التي جاءت كالاتي :
(… وتضع وزارة العدل السعودية ، تعليمات بقواعد المقابلة بالمثل …) ، وهذا يعني ان وزارة العدل تقوم بالتأكد من ان تلك الدول تجيز للسعوديين فعلاً ، تملك العقارات فيها ، وهي تقوم بهذه المهمة من خلال الاستفسار عن طريق وزارة الخارجية التي تقوم بدورها بالاتصال بمكاتب السفارات والقنصليات السعودية في تلك الدول للتعرف عن مواقف تلك الدول من تملك السعوديين للعقارات في اراضيها ، ثم تقوم بإشعار وزارة العدل بمواقف تلك الدول في هذا الخصوص ، وفي ضوء ذلك تقوم وزارة العدل باصدار التعليمات الخاصة ، بأسماء الدول التي تتحقق معها مبدأ المعاملة بالمثل ، من عدمه( ).
وبالفعل ، فإن وزارة العدل السعودية قد اصدرت قائمة بأسماء الدول التي تتحقق معها مبدأ المعاملة بالمثل في هذا الخصوص( ) وبهذا ، فإنه لا يكفي وفقاً لذلك ، ان تكون تشريعات وقوانين الدولة التي ينتمي اليها الاجنبي طالب التملك في السعودية ، تجيز او لا تمنع السعوديين من تملك العقارات في اقليمها بل يجب ان يتم التأكد فعلاً بان السعودي يستطيع فعلاً ان يتملك العقارات في تلك الدولة الاجنبية ، وذلك من خلال تسجيل العقار باسمه فعلاً ونقل ملكيته اليه ، ودون الاعتداد بما تنص عليه القوانين واللوائح في تلك الدولة .
هذا من جانب ، ومن جانب اخر ، فإن القانون السعودي على ما يبدو ، قد اشترط ضرورة تحقق المطابقة في حق تملك العقار محل المعاملة بالمثل ، بين الاجنبي في السعودية والسعودي في بلد ذلك الاجنبي ، من حيث نوع العقار ومساحته وموقعه والاستعمال المخصص له( ).
وهذا ما نصت عليه صراحة ، المادة الاولى من قانون تملك الاجنبي للعقار في السعودية رقم 38 لسنة 1961 ، المشار اليها انفاً .
ولكن ، هل ان المعاملة بالمثل في شأن تملك الاجانب للعقارات في السعودية ، تشمل جميع انواع العقارات في السعودية ؟
أجابت عن ذلك المادة الرابعة من قانون تملك الاجنبي للعقار ، في فقرتيها الثالثة والرابعة ، بالقول :
(لا يجوز ان يملك الاجنبي عقاراً في السعودية ، بأي سبب كان من اسباب التملك ، ولا ان يشتري في مزايدة بيعه، إلا بعد توفر الشروط التالية) :
1. ان لا يكون قريباً من الحدود السعودية ، بما لا يقل عن ثلاثين كيلومتراً .
2. ان لا يكون العقار ارضاً زراعية او أرضاً اميرية مهما كان نوعها .
وتطبيقاً لذلك ، قضت محكمة التمييز السعودية في قرارها المرقم 57/73 بتاريخ 25/3/1973( ) بأنهُ :
((قانون تملك الأجنبي للعقار في السعودية رقم 38 لسنة 1961 المعدل ، قد أجاز في مادته الأولى تملك الأجنبي للعقار في السعودية وفقاً لقاعدة المعاملة بالمثل ، على أن يكون ذلك بعد توفر الشروط القانونية الواردة في المادة الرابعة من القانون ، وقد اشترطت المادة الرابعة من المادة المذكورة على أن لا يكون العقار أرضاً زراعية أو أرضاً أميرية مهما كان نوعها …)) .
وقد احترز المشرع السعودي لاحتمالية تبدل أحكام القانون الأجنبي ، بحيث يؤدي إلى الإخلال بمبدأ المعاملة بالمثل ، وذلك بعد تسجيل العقار باسم الأجنبي ، حيث نصت المادة (13) من قانون تملك الأجنبي للعقار في السعودية ، على ما يأتي :-
(على المتصرف المختص أو من يخوله وزير الداخلية من القائمقامين ، أن يطلب من إدارة الطابو ببيع العقار الذي يملكه الأجنبي وفقاً لقانون التنفيذ ، إذا تحققت له أحد الأسباب الاتية :
تبدل احكام القانون الاجنبي بما يخل بمبدأ المقابلة بالمثل المنصوص عليها في هذا القانون ، او معاملة السعوديين في البلد الاجنبي معاملة تتنافى مع العمل بهذه القاعدة ).
أما بشأن تملك الدولة الاجنبية للعقار في السعودية ، فقد عالجته المادة الاولى من قانون تمليك العرصات والمباني الاميرية رقم (3) لسنة 1960 وتعديلاته( ) التي نصت على : (لوزير المالية بعد موافقة مجلس الوزراء ان يملك العرصات والمباني الاميرية بدون بدل الى :
1. الحكومات الاجنبية بناءً على طلب من وزير الخارجية السعودية لاتخاذها مقراً لممثلياتها السياسية او القنصلية في السعودية او لانشاء دور سكن عليها او مكاتب لملحقياتها او مقابر لقتلاها في الحرب ، بشرط المقابلة بالمثل) .
ونفس هذا الحكم قررته المادة (153) من قانون التسجيل العقاري السعودي رقم 143 لسنة 1971 المعدل ، والتي اشترطت بدورها أيضاً ، ضرورة تحقق المعاملة بالمثل كشرط لذلك ، بقولها :
(يسجل العقار باسم الدولة الاجنبية او ممثليها ، وكذلك الهيئات الدولية المعترف بها قانوناً ، لغرض اتخاذها دوراً لها او لسكنى رؤساء الممثليات والهيئات استناداً لمبدأ المقابلة بالمثل او نص القانون).
وينبغي الاشارة هنا ، الى ان مبدأ المعاملة بالمثل في هذه الحالة لا يمكن ان يتحقق إلا بالصورة الدبلوماسية ، وذلك من خلال عقد اتفاقية مع الدولة الاجنبية تقضي بتبادل تمليك كل منهما للاخرى ، في اقليمها ، العقار المراد اتخاذه مقراً لها او لسكنى ممثليها ودبلوماسيها( ).
والجدير بالذكر ان المشرع السعودي قد اشترط مبدأ المعاملة بالمثل فيما يتعلق بإجارة الاراضي المملوكة للدولة ، الى الدول الاجنبية ، بموجب المادة (23) من قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم (32) لسنة 1986 وتعديلاته( ) والتي نصت على
(لوزير المالية بناءً على طلب وزارة الخارجية السعودية وبموافقة رئيس الجمهورية ، اجارة الاراضي المملوكة للدولة الى الدول الاجنبية لانشاء مقرات لممثليها السياسية او القنصلية او لغرض انشاء دور سكن عليها او مكاتب لملحقياتها وذلك لمدة لا تزيد على مدة الاجارة المسموح بها في بلد الطرف الاخر وببدل تقدره لجنه خاصة يعينها وزير المالية او بدون بدل ، وذلك بشرط المقابلة بالمثل) .
أما بالنسبة للطائفة الثانية ، وهم رعايا دول الاقطار العربية ، فقد خصّهم المشرع السعودي بقانون خاص ، غير قانون تملك الاجنبي للعقار في السعودية رقم 38 لسنة 1961 ، والذي نصت المادة الثالثة منه على :
(لا تسري احكام هذا القانون على رعايا وابناء الدول والاقطار العربية ، ويطبق بشأنهم الاحكام المنصوص عليها في القوانين الخاصة) .
والقانون الخاص الذي نظم أمر تملك رعايا الدول والاقطار العربية ، هو القانون رقم (5) لسنة 1955( ) الخاص بتملك ابناء دول الجامعة العربية والامارات العربية للعقار في السعودية( ) .
حيث نصت المادة الاولى من هذا القانون على انه :
(يستثنى رعايا دول الجامعة العربية على اساس المقابلة بالمثل ، ويستثنى ايضاً رعايا دولة الامارات العربية من القيود المفروضة على تملك الاجانب أموالاً غير منقولة في السعودية) .
نلاحظ من خلال هذا النص ، ان المشرع السعودي قد وقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه في المادة الاولى من قانون تملك الاجنبي للعقار ، والمادة (153) من قانون التسجيل العقاري ، من استخدام مصطلح (المقابلة بالمثل) ، فكان من الاجدر على المشرع السعودي ان يستخدم (المعاملة بالمثل) بدلاً من استخدامه لمصطلح (المقابلة بالمثل).
ويتضح من النص السابق ، ان المشرع السعودي ، قد ميّز بين حالتين :
الحالة الاولى – اذا كان من يطلب التملك في السعودية من رعايا احدى دول الجامعة العربية . ففي هذه الحالة يجب تحقيق مبدأ المعاملة بالمثل مع الدولة التي ينتمي اليها العربي بجنسيته ، بحيث لا يجوز لهُ التملك إلا إذا كانت دولته تعامل السعودي الذي يطلب التملك في اقليمها بالمثل .
وإذا دققنا النظر على هذه الحالة ، نجد ان المشرع السعودي إن خَصَّ أبناء الدول العربية برعاية خاصة ، من خلال اعفائهم من القيود المفروضة على تملك الاجانب للعقار ، إلا أنه ومع ذلك قد اشترط للإعفاء من هذه القيود ، ضرورة تحقق مبدأ المعاملة بالمثل أيضاً ، بمعنى ان تكون الدولة التي ينتمي اليها العربي بجنسيته ، تعامل السعودي بالمعاملة نفسها من حيث الاعفاء من القيود المقررة في قوانينها وتشريعاتها ، على الاجانب فيما يخص تملكهم للعقارات في اراضيها .
وهكذا نجد ، ان (المعاملة بالمثل) في هذه الحالة ، لا ترد على موضوع أو بالاحرى (حق تملك العقار) بحد ذاته ، كما هو الحال في حالة تملك الاجنبي غير العربي ، بل نلاحظ ان (المعاملة بالمثل) هنا ترد على (الاعفاء من قيود التملك المفروضة على الاجانب) ! وهنا يكمن الاختلاف في شرط المعاملة بين الحالتين ، (المعاملة بالمثل كشرط لتملك الاجنبي غير العربي للعقار في السعودية ، والذي قررته المادة الاولى من قانون تملك الاجنبي للعقار ، والمعاملة بالمثل كشرط لتملك العربي من رعايا دول الجامعة العربية للعقار في السعودية ، التي قررته المادة الاولى من قانون تملك رعايا الدول والاقطار العربية في السعودية) .
الحالة الثانية – اذا كان من يطلب التملك من رعايا دولة الامارات العربية المتحدة ، فيجوز له التملك دونما حاجة الى تحقيق مبدأ المعاملة ، شريطة ان يوافق مجلس الوزراء.
ولا ندري هنا ، لماذا وضع المشرع السعودي قيد المعاملة بالمثل على رعايا دول الجامعة ولم يضعها على رعايا دولة الامارات العربية المتحدة ؟
هل كان التعمد من قبل المشرع السعودي هو السبب من وراء هذه التفرقة ام عدم دقة الصياغة؟
نتفق مع البعض( ) بأنه لا يوجد حكمة من وراء هذه التفرقة بين رعايا دول الجامعة العربية ورعايا دولة الامارات العربية ، والارجح ان عدم دقة الصياغة كان السبب من وراء ذلك ، وكان الاجدر ان يكون النص واضحاً لا لبس فيه ، حتى لا يكون هناك محل للاجتهاد في الموضوع .
أما القانون المصري ، فإنه اخذ بموقف مغاير لموقف المشرع السعودي ، بموجب القانون المرقم (230) والصادر سنة 1996( ) والخاص بتملك الاجانب للعقارات في مصر .
فقد اجاز هذا القانون للأجانب أن يتمّلكوا العقارات في مصر (ما عدا العقارات المتاخمة للحدود والاراضي الزراعية) ودون ان يعلق ذلك على شرط المعاملة بالمثل .
حيث نصت المادة الثانية من هذا القانون على ما ياتي :
(يجوز لغير المصري تملك العقارات ، مبنية كانت او ارض فضاء ، بالشروط الاتية :
1. ان يكون التملك لعقارين على الاكثر في جميع انحاء الجمهورية بقصد السكنى الخاص له ولأسرته وذلك دون الاخلال بحق تملك العقارات اللازمة لمزاولة النشاط الخاص المرخص به من السلطات المصرية المختصة .
2. الا تزيد مساحة كل عقار على اربعة ألاف متر .
3. الا يكون العقار من العقارات المعتبرة أثراً في تطبيق احكام قانون حماية الاثار).
وتجاه موقف المشرع المصري هذا ، يرى البعض من الفقه المصري( ) :
"ولا شك ان التساهل على هذا النحو وعدم اشتراط ضرورة الحصول على موافقة مسبقة من السلطة المختصة لتملك الاجنبي ، وعدم وضع ضوابط محددة ودقيقة للهدف من التملك وقصره على ضرورات السكن او مزاولة النشاط لهو امر خطير ويشجع الاجانب على شراء العقارات بهدف المضاربة وتحقيق الارباح وهو امر له انعكاساته الخطيرة ويضر بالاقتصاد القومي على المدى البعيد" .
ونحن نتفق مع هذا الراي ، ونضيف اليه ، بان هذا الاتجاه قد يؤدي الى الاضرار بمصلحة المصريين سواء اكانوا في داخل مصر ام في خارجها .
فهو يؤدي الى الاضرار بمصلحة المصريين في الداخل ، ويؤدي الى منافسة الاجانب لهم في تملك العقارات في بلدهم ، وهذا الامر له مخاطر كبيرة ، بسبب الاهمية البالغة لتملك العقار من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية . فضلاً عن انه يؤدي الى الاضرار بمصالح الرعايا المصريين الذين يرومون تملك عقارات في بلدان اجنبية ترفض قوانينها تمليكهم اياها ، والذين لا يستطيعون الزام تلك الدول بحجة ان دولتهم تملّك الاجانب العقارات ، فقد رأينا سابقاً ، عدم الزامية تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في مثل هذه الحالة ، وبهذا فان الدولة تفقد سلاح المساومة في مثل هذه الحالات، الا وهو (المعاملة بالمثل)، بحيث تستطيع ان تساوم تلك الدولة على تمكين رعاياها من تملك العقارات في مصر مقابل ان تقبل هي اولاً بتمكين الرعايا المصريين بتملك العقارات في اقليمها. الامر الذي كان من الممكن ان يتحقق ، إذا التزم بمبدأ المعاملة بالمثل باعتباره شرطاً لتملك الاجنبي للعقار .
أما بالنسبة لتملك الدول والهيئات والمنظمات الدولية للعقارات في مصر ، فقد علقه المشرع المصري على تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ، بموجب القانون نفسه ، الذي نص على :
(عدم خضوع التملك لأحكام هذا القانون في حالة ما اذا كانت ملكية العقار لحكومة أجنبية لاتخاذه مقراً لبعثتها الدبلوماسية او القنصلية او ملحقاتها او لسكن رئيس وأعضاء البعثة وذلك بشرط المعاملة بالمثل …) .
لاشك ان المعاملة بالمثل المقصودة في هذه الحالة هي المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، وذلك من خلال اتفاقية بين مصر والدول الاجنبية طالبة التملك . وتطبيقاً لذلك، قضت محكمة النقض المصرية في قرارها المرقم 450/ قضائية بتاريخ 17 كانون الثاني 1979 ، بالجواز لسفير دولة اجنبية اخذ الارض المجاورة للسفارة بالشفعة وذلك بشرط المعاملة بالمثل( ) .
أما بالنسبة لموقف القانون الاردني ، فقد اشترط ايضاً المعاملة بالمثل ، كشرط لتملك الاجانب للعقارات في المملكة الاردنية ، وذلك بموجب القانون المسمى بـ (قانون المقاطعة الاقتصادية وحظر التعامل مع العدو رقم 11 لسنة 1995)( ) الذي نص في مادته السادسة ، على ما ياتي :-
(بالاضافة لما ورد في قانون ايجار وبيع الاموال المنقولة من الاجانب رقم 40 لسنة 1953 وقانون تصرف الاشخاص المعنويين في الاموال الغير المنقولة رقم 61 لسنة 1953 ، لا يجوز لاي شخص أجنبي طبيعي أو معنوي لا يحمل جنسية احدى الدول العربية ، ان يشتري او يستاجر او يتملك بشكل مباشر او غير مباشر اية اموال غير منقولة في المملكة إلا بتوافر الشروط الاتية :
1- ان لا تحظر تشريعات او ممارسات الدولة او الدول التي يحمل طالب التملك او الاستئجار جنسيتها تملك الاردنيين او استئجارهم للاموال غير المنقولة فيها ، وان لا تكون هناك عوائق عملية تحول دون تمتع الاردنيين بهذه الحقوق) .
نلاحظ من خلال هذا النص ، بان المشرع الاردني قد استثنى رعايا الدول العربية من الخضوع لحكم المادة المذكورة ، ولا ندري ما اذا كان المشرع الاردني يقصد من وراء هذا الاستثناء ان يجيز لرعايا الدول العربية ان يتملكوا العقارات في المملكة دون ان يعلق ذلك على شرط المعاملة بالمثل اسوة بالمواطنين انفسهم ؟ ام انه فقط اراد من وراء هذا الاستثناء ان يخص رعايا العرب بمعاملة متميزة ، وذلك من خلال اعفائهم من الخضوع للقيود المفروضة على الاجانب وعلى اساس تحقيق شرط المعاملة بالمثل ؟ وعلى غرار ما فعل به المشرع السعودي ؟
نعتقد ونرجح ، بان المعنى الثاني هو الذي كان في قصد المشرع الاردني عندما اورد هذا الاستثناء .
كما يلاحظ ، اللبس الظاهر على النص ، فبداية الفقرة الاولى تشير الى اشتراط المشرع ، ضرورة تحقق المعاملة التشريعية بالمثل ، (ان لا تحظر تشريعات وممارسات الدولة …) ، في حين ان الشطر الاخير من نص الفقرة الاولي ، يعود ويشترط تحقق المعاملة الفعلية او الواقعية بالمثل ، بقولها (… وان لا تكون هناك عوائق عملية تحول دون تمتع الاردنيين بهذه الحقوق) .
ونعتقد ان هذا اللبس في النص الاردني ، يعد ميزةً له اكثر من كونه مأخذاً عليه، حيث ان التشريع في الدولة الاجنبية قد يقرر الحق للأجانب ، إلا أنه ومع ذلك فإن السلطات الادارية او التنفيذية قد تتجاهل النص التشريعي وتمنع تمتع الاجانب بهذه الحقوق او قد يكون النص التشريعي الذي يقر بالحقوق عاطلاً عن التنفيذ في الدولة الاجنبية بقيد خاص تجهله الدولة الاخرى .
كذلك فان المشرع الاردني اشترط المعاملة بالمثل ايضاً ، بالنسبة لتملك الدول والهيئات الاجنبية للعقارات في المملكة الاردنية ، وذلك بموجب قانون بيع وايجار الاموال غير المنقولة من الاجانب رقم 40 لسنة 1953 ، الذي اجاز في مادته الخامسة لممثلي الدول الاجنبية ان يتملكوا اضافة الى وظائفهم اموالاً غير منقولة في المملكة ، لاقامة مكاتب او دور سكن عليها ، بموافقة مجلس الوزراء وعلى اساس المعاملة بالمثل( ) .
اما بالنسبة لموقف القانون الفرنسي ، فانه وعلى الرغم من انه علق حق تمتع الاجنبي بجميع الحقوق الخاصة بفرنسا على شرط تحقق المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، بموجب نص المادة (11) من القانون المدني الفرنسي ، المشار اليها آنفاً ، الا انه ، تبنى موقفاً خاصاً من حق الاجنبي في تملك العقارات حصراً في فرنسا، وذلك بوجب التشريعات المتعددة والخاصة بحق الاجانب بالتملك في فرنسا ، والتي ساوت بين الاجانب والوطنيين ، من حيث الاعتراف لهم بتملك العقارات في فرنسا دون ان يخضع ذلك لحكم المادة (11) من القانون المدني الفرنسي والتي تشترط المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، باعتبار ان هذا الحق من حقوق القانون الطبيعي ، غير ان المشرع الفرنسي فرض رقابة على تملك الاجانب للعقارات في فرنسا ، وتمثلت هذه الرقابة في اخضاع تملك الاجانب لشرط مسبق هو ضرورة الحصول على تصريح من وزير المالية وذلك لمنع المضاربات العقارية من قبل الاجانب غير المقيمين في فرتسا بصفة دائمة( ) .
ونتفق مع البعض( ) بان سياسة المشرع الفرنسي هذه تجاه السماح للأجانب بتملك العقارات في فرنسا تجد ما يبررها ((اذ ان فرنسا دولة مستوردة للسكان وبصفة خاصة الايدي العاملة الاجنبية ، ويمثل الاجانب نسبة كبيرة من العدد الاجمالي للسكان ، واحتياج الدولة لهؤلاء الاجانب امرٌ يفرض عليها سياسة تقوم على توطين الاجانب في الدولة وادماجهم في الكتلة البشرية الوطنية)) .
المطلب الثاني
ملكية الأموال المعنوية
تسمى بـ (حقوق الملكية الفكرية) ، وهي تعني ملكية الافراد لثمرات عقولهم و قرائحهم( ).
وهذه الملكية تضم نوعين من الحقوق( ):
حقوق الملكية الادبية والفنية ، (حق المؤلف) ، وحقوق الملكية الصناعية والتجارية التي تضم : (العلامات التجارية ، الرسوم والنماذج الصناعية ، براءات الاختراع ، الاسم التجاري).
وتكاد المعاملة بالمثل تلعب الدور الرئيسي في تنظيم تمتع الاجانب بهذه الحقوق، في قوانين اغلبية الدول ، سواء اكان ذلك في نطاق حقوق الملكية الادبية والفنية ام في نطاق حقوق الملكية الصناعية والتجارية ، وسواء اكانت المعاملة بالمثل مقررة بموجب التشريعات الداخلية للدول ام بمقتضى الاتفاقيات الدولية .
لذا سنحاول أولاً ، الكلام على مبدأ المعاملة بالمثل في تنظيم تمتع الاجانب بحقوق الملكية الادبية ، ثم نعقب بالكلام عن المعاملة بالمثل في تنظيم تمتع الاجانب بحقوق الملكية الصناعية والتجارية .
وسنتناول بالدراسة أولاً موقف القوانين والتشريعات الخاصة للدول والمتعلقة بحقوق الملكية الفكرية من حيث بيان دور المعاملة بالمثل في تنظيمها ، ثم بعد ذلك سنوضح دور الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية في تقرير مبدأ المعاملة بالمثل فيما يتعلق بتنظيم تمتع الاجانب بهذه الحقوق .
الفرع الأول
نطاق المعاملة بالمثل في تمتع الأجانب بحقوق الملكية الأدبية
اغلب دول العالم تبنت مبدأ المعاملة بالمثل ، كشرط لتمتع المؤلف الاجنبي بحقه الادبي (حق التأليف) في اقاليمها( ).
إلا أنها ورغم ذلك اختلفت في اساس تبنيها لمبدأ المعاملة بالمثل الى الاتجاهات الاتية :
الاتجاه الأول :- يمثل الدول التي اشترطت لحماية حق المؤلف الاجنبي الذي قام بنشر مصنفه الأدبي في الخارج ، أن تقوم الدولة الاجنبية التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي بجنسيته بتوفير الحماية نفسها لمصنفات رعاياها في إقليمها ، أي بمعنى ان تكون المعاملة بالمثل متحققة بين الدولة التي يطلب منها الحماية ، والدولة التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي بجنسيته . وقد اخذ بهذا الاتجاه قانون حماية المصنفات الفكرية وحقوق المؤلف لدولة الامارات العربية المتحدة رقم 40 لسنة 1992( ) .
الاتجاه الثاني :- يمثل الدول التي اشترطت لحماية حق المؤلف الاجنبي الذي قام بنشر مصنفه الادبي في الخارج ، ان تقوم الدولة التي تم فيها نشر هذا المصنف لأول مرة ، بتوفير الحماية نفسها لمصنفات رعاياها في اقليمها ، أي بمعنى ان تكون المعاملة بالمثل متحققة بين الدولة التي يطلب منها الحماية والدولة التي تم فيها نشر المصنف الاجنبي لأول مرة . وقد تبنى هذا الاتجاه كلاً من القانون المصري والسعودي .
فالمادة (49) من قانون حماية حق المؤلف المصري رقم 354 لسنة 1954 ، نصت على :-
(تسري احكام هذا القانون على مؤلفات المصريين والاجانب التي تنشر او تمثل او تعرض لأول مرة في مصر وكذلك على مصنفات المؤلفين المصريين التي تنشر او تمثل او تعرض لأول مرة في بلد اجنبي ، اما مصنفات المؤلفين الاجانب التي تنشر لاول مرة في بلد اجنبي ، فلا يحميها هذا القانون إلا إذا كانت محمية في البلد الاجنبي وبشرط ان يشمل هذا البلد الرعايا المصريين بحماية مماثلة لمصنفاتهم المنشورة او الممثلة او المعروضة لأول مرة في مصر ، وان تمتد هذه الحماية للبلاد التابعة لهذا البلد الاجنبي).
وقد نقل المشرع السعودي ، هذا النص حرفياً عن المشرع المصري ، في المادة (49) من قانون حماية المؤلف السعودي رقم 3 لسنة 1971( ) ، التي نصت على :
(تسري احكام هذا القانون على مصنفات المؤلفين السعوديين والاجانب التي تنشر او تمثل او تعرض لأول مرة في الجمهورية السعودية وكذلك على مصنفات المؤلفين السعوديين التي تنشر او تمثل او تعرض لأول مرة في بلد اجنبي ، اما مصنفات المؤلفين الاجانب التي تنشر لأول مرة في بلد اجنبي ، فلا يحميها هذا القانون الا إذا شمل هذا البلد الرعايا السعوديين بحماية مماثلة لمصنفاتهم المنشورة او الممثلة او المعروضة لأول مرة في الجمهورية السعودية ، وان تمتد هذه الحماية الى البلاد التابعة لهذا البلد الاجنبي).
ونتفق مع البعض( ) بان كلا من النصين المصري والسعودي السابقين "يخالفان مفهوم المعاملة بالمثل المعمول به في تنظيم مركز الاجانب" .
لانه من المعلوم ، ان العبرة من تطبيق المعاملة بالمثل ، هي بالمعاملة التي يلقاها الرعايا المصريون او السعوديون في اقليم الدولة التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي بجنسيته ، وليس في اقليم الدولة التي يتواجد فيها (أي الدولة التي يقوم بنشر مصنفه الادبي فيها) ، وذلك حتى يتحقق الغرض او الهدف من مبدأ المعاملة بالمثل ، وهو حث الدولة التابع لها الاجنبي على منح المعاملة نفسها للرعايا المصريين او السعوديين في اقليمها .
وبذلك ، فان نص المادتين (49/سعودي) و (49/مصري) لا يكفيان لتحقيق الغاية المقصودة من وراء تبني مبدأ المعاملة بالمثل في هذا الخصوص( ).
وكذلك فان هذا الاتجاه يؤدي - في رأينا – الى لجوء المؤلفين الاجانب الى التحايل لكي تتمتع مصنفاتهم بالحماية في مصر او السعودية ، وذلك عندما يلجأون الى نشر مصنفاتهم في دولة اخرى غير دولهم ، في حالة ما اذا كانت الدول التي ينتمون اليها لا توفر الحماية لمصنفات المؤلفين السعوديين او المصريين ، وفي هذه الحالة تتمتع مصنفاتهم بالحماية في بلدانٍ اخرى على الرغم من ان الدول التي ينتمون اليها لا توفر حماية مماثلة لمصنفات رعايا تلك البلدان ، وبذلك تنعدم الجدوى من وراء النص على شرط المعاملة بالمثل في هذه الحالة .
ومن جانب اخر ، فان كلا من القانونين المصري والسعودي اذا كانا قد تبنيا شرط المعاملة بالمثل على اساس ارتباط المصنف بالدولة التي تم نشره فيها لاول مرة ، وليس على اساس جنسية المؤلف ، فكان من مقتضى الاخذ بهذا المعيار في تحديد المعاملة بالمثل وجوب تعليق حماية حق المؤلف الاجنبي الذي نشر مصنفه لاول مرة بدولة اجنبية على حماية هذه الدولة لحق المؤلف الذي نشر مصنفه الادبي لاول مرة في مصر او في السعودية ،و سواء اكان ذلك المؤلف مصري ام سعودي الجنسية ام كان اجنبياً ، طالما ان هذا المعيار هو مكان نشر المؤلف لاول مرة وليس جنسية المؤلف( ).
الاتجاه الثالث : – وهو الاتجاه الذي تفرد به القانون الفرنسي بموجب قانون 8 حزيران لسنة 1964( ) والخاص بحقوق الملكية والادبية والفنية ، والذي اشترط لتمتع المصنفات الاجنبية بحماية القانون في فرنسا ، بحيث تشمل الدولة الاجنبية التي نشر فيها المصنف بحماية مماثلة للمصنفات المنشورة لاول مرة في فرنسا وعلى نحوٍ كافٍ وفعال ودون الاعتداد بجنسية المؤلف( ).
وبمعنى ان اعمال شرط المعاملة بالمثل على هذا النحو لا يقيم أي تمييز بين المؤلف الوطني والمؤلف الاجنبي ، نظراً لان القانون الفرنسي يتطلب المعاملة بالمثل بين المصنفات المنشورة لاول مرة في الخارج والمصنفات المنشورة لاول مرة في فرنسا دون أي التفات لجنسية المؤلف ( ).
وفي هذه الحالة ، يحق لنا التساؤل عن حالة ما اذا كان المؤلف الذي قام بنشر مؤلفه في دولة لا توفر الحماية للمصنفات المنشورة لاول مرة في فرنسا ، هو فرنسي الجنسية ! فلا شك ، ان تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في هذا الفرض يؤدي حتماً الى الاضرار بالمؤلف الفرنسي الذي لا يستطيع ان يتمتع بحقه الادبي في بلده، بمجرد انه قام بنشر مصنفه في دولةٍ لا تمنح حماية مماثلة للمصنفات المنشورة لاول مرة بفرنسا .
وبالرغم من وضوح صياغة النص والتزام المشرع الفرنسي الصمت تجاه هذا الفرض، فان الفقه في فرنسا يرجح عدم اعمال شرط المعاملة بالمثل في هذه الحالة ، لانها تؤدي الى الاضرار بمصالح الرعايا الفرنسيين في الخارج ( ).
الاتجاه الرابع :- يمثل الدول التي نصت على تبني مبدأ المعاملة بالمثل كشرط لتمتع المصنفات المنشورة لاول مرة في الخارج بالحماية داخل اقاليمها ولكنها لم تحدد المعيار الذي تم الاعتماد عليه في تفعيل نظام المعاملة بالمثل ، بتعبير اخر ، لم تحدد الدولة التي تتم معها تفعيل شرط المعاملة بالمثل ، هل هي الدولة التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي بجنسيته ؟ ام هي الدولة التي تم فيها اول نشر للمصنف الاجنبي ؟
وقد سار بهذا الاتجاه قانون حماية المؤلف الاردني رقم 22 لسنة 1992 ، في المادة (53) منه ، والتي نصت على :
(تسري احكام هذا القانون على مصنفات المؤلفين الاردنيين والاجانب التي تنشر في المملكة ، اما مصنفات المؤلفين الاجانب التي تنشر في خارج المملكة فتراعى في شأنها الاتفاقيات الدولية ومبدأ المعاملة بالمثل).
فيلاحظ على النص الاردني انه جاء غامضاً ولم يفصح عن توجه المشرع الاردني من وراء اشتراطه لمبدأ المعاملة بالمثل ، وهل ان المعاملة بالمثل تطبق مع الدولة التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي بجنسيته ام مع الدولة التي تم فيها نشر المصنف الاجنبي لاول مرة ؟
نرجح هنا ان تحقق المعاملة بالمثل مع الدولة التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي بجنسيته هو الذي كان في قصد المشرع الاردني من وراء اشتراطه لمبدأ المعاملة بالمثل ، وذلك تماشياً مع الاتجاه العام والغالب في ان المعاملة بالمثل في مجال مركز الاجانب تتخذ من جنسية الاجنبي معياراً لها .
ومن خلال الاتجاهات السابقة التي عرضناها ، نرى بأن الاتجاه الاول هو الذي استند فقط على مفهوم نظام المعاملة بالمثل المعمول به في مجال مركز الاجانب ، والذي يتخذ من جنسية المؤلف معياراً لتفعيل دور المعاملة بالمثل ، بين الدولة التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي والدولة التي يطلب منها حماية الحق الادبي للمؤلف الاجنبي على مصنفه .
ونرى في هذا الخصوص بانه كان لزاماً على المشرع السعودي ان يأخذ بنظر الاعتبار جنسية المؤلف ايضاً عند اشتراطه لمبدأ المعاملة بالمثل الى جانب معيار الدولة التي تم فيها نشر المصنف الاجنبي لاول مرة .
ونقترح بهذا الصدد ، اعادة صياغة نص المادة (49) من قانون حماية حق المؤلف السعودي رقم (3) لسنة 1971 ، بالشكل الاتي :
(… اما مصنفات المؤلفين الاجانب التي تنشر لاول مرة في بلدٍ اجنبي فلا يحميها هذا القانون الا اذا شمل هذا البلد الرعايا السعوديين بحماية مماثلة لمصنفاتهم المنشورة والممثلة او المعروضة لاول مرة في الجمهورية السعودية وان تمتد هذه الحماية الى الدولة التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي بجنسيته) .
وبصرف النظر عن تبني الدول لهذا الاتجاه او ذاك من نظام المعاملة بالمثل في هذا الخصوص ، فان تساؤلاً يطرح هنا حول الاثر المترتب على انعدام تحقق شرط المعاملة بالمثل ، فهل يعني ذلك تجريد حق المؤلف الاجنبي عن مصنفه المنشور لاول مرة في الخارج من الحماية القانونية بصورة مطلقة ؟
ويرى البعض ( ) أن التطبيق الحرفي للمادة (49/ مصري و 49/ سعودي ) يجب ان يؤدي الى هذه النتيجة (أي حرمان المصنف الذي تخلف شرط المعاملة بالمثل بالنسبة اليه ، من الحماية القانونية بصفة مطلقة) .
في حين ان الفقه الفرنسي اجاب عن هذا التساؤل ، مفرقاً في ذلك بين الحق المالي والحق الادبي لحق المؤلف الاجنبي( ).
وبالنسبة للحق المالي ، فانه هو الذي يجرد من الحماية القانونية بسبب عدم تحقق شرط المعاملة بالمثل ، الا ان ذلك لا يعني بان هذا الحق اصبح مباحاً لكل من يريد استغلاله والحصول على ارباح مالية من وراء ذلك ، بل ان حق الاستغلال المالي في هذه الحالة يؤول الى الدولة التي يكون لها حق الاستغلال المالي وتحل محل صاحبه في توفير الحماية له ، والقول بغير ذلك من شأنه ان يشجع على انتشار هذه المصنفات ، مما يؤدي الى الاضرار بالمصنفات المنشورة في داخل الدولة والمتمتعة بالحماية ، ويخلق نوعاً من المنافسة غير المتكافئة بينهما .
اما الحق الادبي ، فانه يتمتع بالحماية القانونية بغض النظر عن عدم تحقق شرط المعاملة بالمثل ، وذلك نظراً للارتباط الوثيق بين المصنف وشخصية مؤلفه ( ) حيث ان هذا الحق يعّد من الحقوق اللصيقة بالشخصية ، ويعني حق المؤلف في ان ينسب المصنف الى شخصه ( ).
وفي جميع الفروض السابقة التي تناولناها ، كانت المعاملة التشريعية بالمثل هي مدار البحث ، لأننا كنا بصدد دراسة وتحليل نصوص التشريعات التي تناولت موضوع المعاملة بالمثل فيما يتعلق بتمتع الاجنبي بحق الملكية الادبية ، ولا شك ان المعاملة بالمثل عندما تقرر بموجب نصوص تشريعية ، يعني اننا امام الصورة التشريعية لمبدأ المعاملة بالمثل .
اما فيما يتعلق بتحقيق المعاملة بالمثل دبلوماسياً في هذا الصدد ، فذلك يعني ان تنص عليها اتفاقية دولية تنضم اليها عدة دول تقرر اعتماد هذا المبدأ فيما بينها.
والاتفاقات الخاصة بحماية حقوق الملكية الادبية والفنية ، هي :
1- اتفاقية برن لحماية المصنفات الادبية والفنية .
2- الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف .
وعليه ، سنحاول الكلام عن مبدأ المعاملة بالمثل ، الذي قررته هذه الاتفاقيات فيما يتعلق بالتمتع بحقوق الملكية الادبية والفنية تباعاً .
أ / مبدأ المعاملة بالمثل في اتفاقية (برن) لحماية المصنفات الادبية والفنية( )
تميزت اتفاقية (برن) بان المعاملة بالمثل التي قررتها لحماية المصنفات الادبية والفنية لم تقتصر على المؤلفين الاجانب الذين ينتمون الى احدى دول الاتحاد ، بل علاوة على ذلك فان طائفتين من المؤلفين الاجانب الذين لا ينتمون الى احدى دول الاتحاد يستفيدون من الحماية التي قررتها الاتفاقية ، وعلى اساس المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، وهما :
1. المؤلفون من غير رعايا دول الاتحاد ، عن مصنفاتهم التي تنشر لاول مرة في احدى دول الاتحاد او في ان واحد في دول خارج الاتحاد وفي احدى دول الاتحاد( ).
2. المؤلفون من غير رعايا دول الاتحاد الذين تكون اقامتهم العادية في احدى دول الاتحاد( ).
فهؤلاء يستفيدون من الحماية المقررة في الاتفاقية على اساس المعاملة بالمثل على الرغم من ان دولهم ليست طرفاً فيها .
فالمعاملة الدبلوماسية بالمثل متحققة تلقائياً من خلال الاتفاقية ، بين جميع دول الأطراف ، وفيما يتعلق بمنح كل دولة من دول الاتحاد في اقليمها ، لرعايا الدول الأخرى ، جميع الحقوق التي تمنحها لرعاياها او التي قد تمنحها مستقبلاً ، أي بمعنى ان المعاملة الدبلوماسية بالمثل في هذه الاتفاقية قائمة على اساس تشبيه المؤلف الأجنبي بالمؤلف الوطني فيما يتعلق بتمتعه بحقوق الملكية الادبية في الدولة التي يقيم فيها( ).
حيث ان كل مؤلف تحمية هذه الاتفاقية يعّد في كل دولة من دول الاتحاد مثل مواطني تلك الدولة ، وبالتالي يكون له الحق في التمتع بجميع حقوق ملكيته الادبية مثلما يتمتع بها مواطنو تلك الدولة انفسهم( ). ومن المفهوم المخالف لنص المادة (3) من الاتفاقية ، يتضح أنه يستبعد عن نطاق حماية الاتفاقية المؤلفون من غير رعايا دول الاتحاد ، وذلك بالنسبة لمصنفاتهم التي تم اول نشر لها خارج احدى دول الاتحاد . ونرى أنه ، لكي يتمتع هؤلاء الاجانب بحماية مؤلفاتهم في احدى دول الاتحاد ، وجوب تحقق المعاملة بالمثل بين الدول التي ينتمون اليها والدولة التي يطلبون منها الحماية على حدة ، سواء تحققت تلك المعاملة بالشكل الدبلوماسي ام التشريعي ام الفعلي .
ب/ مبدأ المعاملة بالمثل في الاتفاقية العربية لحقوق المؤلف (2):
فيما يتعلق بمبدأ المعاملة بالمثل في هذه الاتفاقية ، نلاحظ ان الاتفاقية قد ميزت بين طائفتين :
الطائفة الاولى – وهم المؤلفون العرب من مواطني الدول الاعضاء والذين يتخذون منها مكان اقامتهم العادية ، وهم الذين يستفيدون من الحماية التي قررتها الاتفاقية على اساس المعاملة بالمثل ، وبتعبير اخر : ان المعاملة الدبلوماسية بالمثل تطبق في شأن المؤلفين التابعين للدول العربية الاعضاء في الاتفاقية حصراً. وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (26) من الاتفاقية ، في فقرتها (أ) ، بقولها:
(تسري احكام هذه الاتفاقية ، على ما يأتي :-
أ- مصنفات المؤلفين العرب من مواطني الدول العربية الاعضاء ، والذين يتخذون منها مكان اقامتهم العادية .)
نلاحظ على هذا النص ، أنه حصر المستفيدين من الاتفاقية على مواطني دول الاعضاء الذين يتخذون منها مكاناً لاقامتهم العادية ، فقط !
وهنا نتساءل عن الحل بالنسبة لمواطني دول الاعضاء الذين لا يتخذون من دولهم مكاناً لاقامتهم ، وخاصة اذا قاموا بنشر مصنفاتهم في داخل بلدانهم ؟
فالظاهر من النص أنهم لا يستفيدون من الحماية التي قررتها الاتفاقية ! ونستغرب لهذه التفرقة بين المواطنين المقيمين في داخل بلدانهم والمواطنين المقيمين في خارجها ، طالما ان معيار الجنسية العربية للمؤلف ، هو الذي اتبع في تفعيل مبدأ المعاملة بالمثل ، وكان الاجدر على واضعي هذه الاتفاقية عدم التفرقة او التمييز بينهما، سواء اكان المؤلف الذي ينتمي الى جنسية احدى الدول العربية الاعضاء في الاتفاقية مقيماً في دولته ام في خارجها .
الطائفة الثانية – وهم المؤلفون الاجانب الذين يرومون نشر مصنفاتهم في احدى دول الاعضاء في الاتفاقية او في جميع دول الاعضاء ، ففي هذه الحالة يجب تحقق المعاملة بالمثل بين الدولة التي ينتمي اليها المؤلف الاجنبي وبين كل دولة عربية طرف في الاتفاقية على حدة ، سواء تحققت تلك المعاملة بالشكل الدبلوماسي ام بالشكل التشريعي ام بالشكل الواقعي ، حسب الصيغة التي تتحقق فيها مع كل دولة.
وهذا ما نصت عليه ، المادة (26) من الاتفاقية في الفقرة (ب) ، بقولها : (تسري احكام هذه الاتفاقية على ما يأتي :
ب- المصنفات التي تنشر ضمن حدود دول الاعضاء ، لمؤلفين اجانب غير مقيمين فيها ، أياً كانت جنسيتهم ، بشرط المعاملة بالمثل ، وبمقتضى الاتفاقيات التي تكون الدولة طرفاً فيها) .
الفرع الثاني
نطاق المعاملة بالمثل في تمتع الأجانب بحقوق الملكية المتعلقة بالاستثمارت الصناعية والتجارية
مثلما تلعب المعاملة بالمثل الدور البارز في تنظيم تمتع الاجنبي بحقوق الملكية الادبية والفنية – كما رأينا – فأنها تقوم بالدور نفسه فيما يخص تمتع الاجانب بحقوق الملكية الصناعية والتجارية .
وقد تبنت تشريعات عدة دول مبدأ المعاملة بالمثل فيما يتعلق بتنظيم هذه الحقوق، مثل التشريع المصري والتشريع السعودي .
فعلى سبيل المثال ، المادة (4) من القانون المصري رقم (57) لسنة 1939 الخاص بالعلامات التجارية ، نصت على :-
(يحق لكل صاحب مصنع او منتج او تاجر مقيم بإقليم الدولة او له فيها محل حقيقي ، ان يسجل علاماته ، ويحق لكل اجنبي ان يسجل علاماته اذا كان ينتمي لدولة تعامل الجمهورية معاملة بالمثل او يقيم بهذه الدولة او له فيها محل حقيقي ).
ويتضح من هذا النص ، ان المشرع المصري قد فرق بين حالتين ، فيما يتعلق بتطبيق المعاملة بالمثل كشرط لتسجيل الاجنبي لعلامته التجارية في مصر :
الحالة الأولى – اذا كان صاحب المصنع او المنتج او التاجر يقيم في مصر او له فيها محل حقيقي ، فلا يشترط تحقق المعاملة بالمثل كشرط للتسجيل في هذه الحالة.
والسبب في ذلك يعود الى وجود ارتباط اقليمي بين الاجنبي ومصر ، يعبر عن تركيز مصالح هذا الاجنبي في الدولة ، حيث يقوم بعمل صناعي او ممارسة التجارة فيه( ).
الحالة الثانية – اذا كان الاجنبي يقوم بعمل صناعي او تجاري وليس له اقامة او محل حقيقي في مصر ، فهنا اشترط المشرع المصري المعاملة بالمثل كشرط للتسجيل ، وذلك في حالتين :-
أ- اذا تحققت المعاملة بالمثل بين مصر والدولة التي ينتمي اليها الاجنبي بجنسيته .
ب- اذا تحققت المعاملة بالمثل بين مصر والدولة التي يقيم فيها الاجنبي .
ولا ندري هنا ، فيما اذا كانت المعاملة بالمثل يجب ان تتحقق مع الدولتين في ان واحد ام انه يكفي ان يتحقق احد الاحتمالين ، وذلك في الحالة التي يكون فيها الاجنبي مقيماً في دولة اخرى غير دولته الاصلية .
نرجح هنا ، بأنه يكفي لتحقق المعاملة بالمثل في هذه الحالة كشرط لتسجيل الاجنبي لعلامته التجارية ، ان تتوافر المعاملة بالمثل اما مع الدولة الاجنبية التي ينتمي اليها الاجنبي بجنسيته ام مع الدولة التي له فيها محل اقامة حقيقي او فعلي ، فتحقق احد الاحتمالين يسقط الاحتمال الاخر .
ونلاحظ ايضاً ، بأن المشرع المصري قد اكتفى بالنص على مبدأ المعاملة بالمثل دون ان يحدد كيفية تحققها من دبلوماسية او تشريعية او فعلية .
ولا يوجد مثيل لهذا النص في قانون العلامات والبيانات التجارية السعودي رقم (21) لسنة 1957( ) ، وقانون العلامات التجارية الأردني رقم (33) لسنة 1952 وكذلك في مجموعة قوانين الملكية الفكرية الفرنسي رقم (597) لسنة 1992( ).
إذ ان المادة السادسة من هذا القانون ، نصت على :-
(يقدم طلب تسجيل العلامة الى المسجل ، وبالشكل والشروط المبنية بالنظام الذي يصدر بموجب هذا القانون) .
وبالرجوع الى نظام العلامات والبيانات التجارية رقم (21) لسنة 1957 ، تبين ان المادة الرابعة منه نصت على :-
(الطلبات العائدة لأشخاص مقيمين في السعودية يجوز تقديمها للمسجل من قبل الوكيل المزود بوكالة رسمية تخول ذلك) .
فهذه المادة لم تتطرق لمسألة المعاملة بالمثل وفيما اذا كانت تشترط تحققها بالنسبة لتسجيل العلامات التجارية للأجانب في السعودية ؟
نعتقد هنا ، بأنه ليس هناك ما يمنع من تطبيق الحكم نفسه الذي جاءت به المادة (4) من قانون العلامات التجارية المصري ، على هذه الحالة ، وخاصة ان قانون براءة الاختراع السعودي رقم (65) لسنة 1970 ، يقرر الحكم نفسه ، كما سنرى ذلك.
ولذا فأن الأجنبي المقيم في السعودية له الحق في تسجيل العلامات التجارية وتملكها ، شأنه في ذلك شأن المواطنين ، أما الاجانب المقيمين في خارج السعودية، فلا يتمتعون بهذا الحق الا اذا كانوا ينتمون الى دول تعامل السعوديين بالمثل او كانوا يقيمون في دول تعامل الرعايا السعوديين بالمثل ، سواء تحققت هذه المعاملة دبلوماسياً ام تشريعياً ام فعلياً .
اما بالنسبة للمعاملة بالمثل فيما يتعلق بتمتع الاجانب بحق تملك براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية ، فقد نصت المادة (5) من قانون براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية المصري رقم (132) لسنة 1949، على:-
(يحق طلب براءات الاختراع للأجانب الذين يقيمون في مصر او الذين لهم فيها مؤسسات صناعية او تجارية ، كما يحق طلب هذه البراءات للأجانب الذين ينتمون الى دول تعامل مصر بالمثل او الاجانب الذين يقيمون بتلك الدول او يكون لهم محل حقيقي).
ونلاحظ ان المشرع المصري قد نص على مبدأ المعاملة بالمثل في القانون المسمى بـ (قانون براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية) ، الا انه عندما اورد شرط المعاملة بالمثل ، خصه ببراءات الاختراع دون الرسوم والنماذج الصناعية؟
وهنا نعتقد ، ان المعاملة بالمثل في هذه الحالة تشمل ايضاً الرسوم والنماذج الصناعية ، أسوة بالعلامات التجارية وبراءات الاختراع .
كما يلاحظ ايضاً ، ان المشرع المصري لم ينص فيما اذا كانت المعاملة بالمثل هذه يجب ان تتحقق دبلوماسياً ام تشريعياً ام واقعياً ؟
وقد حدا المشرع السعودي حدو المشرع المصري ، باشتراطه مبدأ المعاملة بالمثل ، كشرط لتمتع الاجنبي بحق منحه براءات الاختراع في السعودية ، مفرقاً في ذلك بين طائفتين من الاجانب :
الطائفة الاولى – الاجانب المقيمون في السعودية ، ولا يتشرط المعاملة بالمثل بالنسبة اليهم.
الطائفة الثانية – الاجانب المقيمون خارج السعودية ، وهم الذين خصهم المشرع السعودي ، باشتراط المعاملة بالمثل ، كشرط لتمتعهم بحق الاستفادة من براءة الاختراع في السعودية.
وقد نصت على ذلك ، المادة (7) من قانون براءة الاختراع السعودي رقم (65) لسنة 1970( ) ، بقولها :
للأشخاص الاتي ذكرهم ، حق طلب براءة الاختراع :
1- السعوديون والمواطنون العرب .
2- الاجانب المقيمون في السعودية ولهم فيها محل عمل حقيقي .
3- الاجانب الذين ينتمون الى دول تعامل السعودية معاملة المثل .
ونلاحظ على هذا النص ، ان المشرع السعودي قد ساوى بين المواطنين العرب والسعوديين فيما يتعلق بحق التمتع ببراءات الاختراع في السعودية ، سواء اكان هؤلاء مقيمين في داخل السعودية ام في خارجه ، ولم يحدد فيما اذا كان ذلك على اساس المعاملة بالمثل ام لا ؟ لا نعتقد بأن المشرع السعودي يتطلب المعاملة بالمثل في هذه الحالة .
ومن جانب اخر ، فأن النص لم يحدد الصورة التي يتحقق بها مبدأ المعاملة بالمثل ، ونرى أن ، النص طالما جاء عاماً ، فهذا يعني أنه يكفي تحقق المعاملة بالمثل في اية صورة من صورها الثلاث ، دبلوماسية او تشريعية أو فعلية . هذا وان المعاملة بالمثل فيما يتعلق بتنظيم التمتع بحقوق الملكية الصناعية متحققة دبلوماسياً بين جميع الدول المنظمة لاتفاقية باريس لحماية حقوق الملكية الصناعية( ).
فقد نصت هذه الاتفاقية على مبدأ المعاملة بالمثل بقولها :-
(يتمتع رعايا كل دولة من دول الاتحاد في جميع دول الاتحاد الاخرى ، بالنسبة لحماية الملكية الصناعية ، بالمزايا التي تمنحها حالياً او قد تمنحها مستقبلاً قوانين تلك الدولة للمواطنين وذلك دون الاخلال بالحقوق المنصوص عليها بصفة خاصة في هذه الاتفاقية، وان يكون لهم نفس الحماية التي للمواطنين ونفس وسائل الطعن القانونية ضد أي اخلال بحقوقهم ، وبشرط اتباع الاجراءات المفروضة على المواطنين)( ).
فالواضح من هذا النص ، أن هذه الاتفاقية تؤسس مبدأ المعاملة بالمثل على اساس تشبيه الاجانب بالوطنيين ، حيث يتمتع كل مواطن من رعايا الدول المنضمة الى هذه الاتفاقية في جميع دول الاتحاد الاخرى ، ما لمواطنيها من حق التمتع بحقوق الملكية الصناعية والتجارية من حق الحماية وحق التظلم من كل مساس بحقوقه ، ولكن بشرط اتباع الشروط والاجراءات المفروضة على المواطنين في تلك الدولة( ).
وبلا شك أن اتفاقية باريس تهدف من وراء تبنيها مبدأ المعاملة بالمثل بهذه الصيغة ، الى تقرير المساواة بين الاجانب والوطنيين ، وان تحققت هذه المساواة من الناحية القانونية فقط دون الفعلية منها ، بسبب اختلاف الحقوق والمزايا المحددة في قوانين كل دولة عن تلك التي ترتبها قوانين الدول الاخرى في الاتفاقية( ).
وهذه هي احد اهم المآخذ على هذه الصورة بالذات وبقية بعض الصور الاخرى لمبدأ المعاملة بالمثل في مركز الاجانب.
بقي ان نشير ، بأن اتفاقية باريس لحماية حقوق الملكية الصناعية والتجارية، لم تحصر الانتفاع من الحقوق والمزايا التي اوردتها على الرعايا المنتمين للدول الاعضاء في الاتفاقية فقط ، بل علاوة على ذلك فأن طائفة ثانية سيستفيدون من الحقوق والمزايا الموجودة في الاتفاقية على اساس المعاملة بالمثل، وذلك فيما يتعلق بالانتفاع من مزايا وحقوق الملكية الصناعية والتجارية في دول الاتحاد ، وهؤلاء هم رعايا الدول غير الاعضاء في الاتحاد المقيمين في اقاليم احدى الدول الاعضاء في الاتحاد او الذين لهم فيها منشآت صناعية او تجارية او فعالة ، بشرط ان تكون دولهم تمنح ذات الحقوق والمزايا لرعايا دول الاتحاد في اقليمها( ).
المطلب الثالث
حق الأجنبي في الاستثمار والتملك عن طريق الميراث والوصية .
من المعلوم لدى الجميع ان كلاً من الميراث والوصية يعّدان سبباً من اسباب التملك ، وعليه فقد ارتأينا بحث موضوع (المعاملة بالمثل في نطاق حق الاجنبي بالميراث والوصية) ضمن اطار حق التملك وذلك بوصفها سبباً من اسباب التملك .
ومعظم تشريعات الدول الحاضرة اعترفت للأجانب بحق تلقي الاموال من الوطنيين عن طريق الميراث والوصية ، غير ان هذا الحق لما كان له من صلة بالمسائل المالية التي تتعلق بالثروة الوطنية العامة ، بوصفها من وسائل انتقال ملكية الاموال ، كان من حق كل دولة ان تتدخل في تنظيم التوارث بين الاجانب والوطنيين ، بحيث لا تجيز خروج شيء من ثروتها الى الوارثين الاجانب دون ان تضمن دخول ما يقابله من الباب نفسه ، مشترطة بذلك تحقق مبدأ المعاملة بالمثل كشرط لاستحقاق الوارث او الموصى له الاجنبي ، لنصيبه من الارث او المال الموصى به( ).
وقد تبنى كل من القانون المصري والسعودي والفرنسي ، وقوانين دول اخرى( )مبدأ المعاملة بالمثل ، كشرط لصحة تلقي الاجانب الاموال عن طريق الميراث والوصية .
فبالنسبة للقانون المصري ، نصت المادة (6) من قانون المواريث المصري رقم 77 لسنة 1943 ، على انه :
(لا توارث بين مسلم وغير مسلم ، ويتوارث غير المصريين بعضهم من بعض ، واختلاف الدارين لا يمنع من الارث بين المسلمين ولا يمنع بين غير المسلمين الا اذا كانت شريعة الدار الاجنبية تمنع من توريث الاجنبي عنها) .
يلاحظ ان المشرع المصري قد أعتد بمبدأ هام من مبادئ الشريعة الاسلامية الغراء ، الا وهو (لا توارث بين مسلم وغير مسلم) ، استناداً الى الحديث المروي عن اسامة بن زيد عن النبي انه قال : (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)( ). وما رواه ابو داود عن النبي انه قال : (لا يتوارث اهل ملتين شتى)( )
والمتضح من النص ، ان المشرع المصري قد حصر حالة التوارث في حالتين:
الحالة الاولى – اذا كان التوارث بين مصري مسلم واجنبي مسلم ، أجاز المشرع المصري التوارث في هذه الحالة دون ان يعلق ذلك على مبدأ المعاملة بالمثل ، على خلاف القانون السعودي وبقية القوانين الاخرى كما سنرى ذلك .
الحالة الثانية – اذا كان التوارث بين مصري غير مسلم واجنبي غير مسلم ، ففي هذه الحالة ، علق المشرع المصري صحة التوارث على تحقق شرط المعاملة التشريعية بالمثل ، بين القانون المصري وقانون الدولة الاجنبية التي ينتمي اليها الاجنبي( ).
حيث يجب على القاضي المصري في هذه الحالة ان يرجع الى قوانين الدولة التي ينتمي اليها الوارث الاجنبي ، ليتأكد بنصوص قانونية ، من ان القوانين في ذلك البلد الاجنبي لا تمنع الاجانب من الميراث لديها ، ومتى ما تسنى له التأكد من ان قوانين تلك الدولة الاجنبية لا تحرم الوارثين الاجانب بشكل عام او الوارثين المصريين بشكل خاص من حصصهم الارثية من الاموال الموجودة لديها، اتيح عندئذٍ للقاضي المصري ان يمنح الحق ذاته لرعايا تلك الدولة الاجنبية الموجودة لديها ، تأسيساً على مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل .
اما بالنسبة للوصية ، فان المشرع المصري قد اعتنق مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل في هذا الصدد ايضاً ، فقضى بعدم جواز الايصاء اذا كان الموصى له غير مسلم تابع لبلد غير اسلامي يمنع قانونها الايصاء لمثل الموصي( ).
وقد نصت على ذلك المادة التاسعة من قانون الوصية المصري رقم 71 لسنة 1946 بقولها :
(تصح الوصية مع اختلاف الدين والملة وتصح مع اختلاف الدارين ما لم يكن الموصي تابعاً لبلد اسلامي والموصى له غير مسلم تابع لبلد غير اسلامي تمنع شريعته من الوصية لمثل الموصي) .
نستنتج مما تقدم ، ان المشرع المصري عند اشتراطه لمبدأ المعاملة بالمثل، سواء في الميراث ام في الوصية ، لم يقرر اية تفرقة بين العقارات والمنقولات فيما يتعلق بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ، حيث ان هذه المعاملة تطبق سواء اكان المال محل الارث ام الوصية عقاراً ام منقولاً .
اما بالنسبة لموقف المشرع السعودي من مبدأ المعاملة بالمثل في مسائل الميراث والوصية ، فأنه بدوره أيضاً اخضع مكنة تمتع الاجنبي بحق الارث والوصية على مبدأ المعاملة بالمثل .
فبالنسبة للميراث ، نصت المادة (22) من القانون المدني السعودي رقم 40 لسنة 1951 ، على انه :
(أ- اختلاف الجنسية غير مانع من الارث في الاموال المنقولة والعقارات ، غير ان السعودي لا يرثه من الاجانب الا من كان قانون دولته يورث السعودي منه) .
والمعاملة التشريعية بالمثل التي اشترطها المشرع السعودي ، كشرط لتمتع الاجنبي بحق الارث في السعودية ، تشمل العقارات والمنقولات كما يتضح من نص المادة، وبالنسبة للعقار ، فأن المادة (188) من قانون التسجيل العقاري السعودي ، نصت بدورها أيضاً على مبدأ المعاملة كشرط لتسجيل العقار باسم الوارث الاجنبي في السعودية( ).
حيث نصت هذه المادة على انه :- (يجوز تسجيل العقار باسم الوارث الاجنبي من مورث سعودي استناداً لمبدأ المقابلة بالمثل ، الا انه يخضع تسجيل الارث باسم الاجنبي الى القيود القانونية المفروضة على تملك الاجنبي للعقار في السعودية) .
وبذلك فأن الطائفة نفسها من العقارات التي تدخل في نطاق المعاملة عند تملك الاجنبي للعقار في السعودية بغير طريق الارث ، بموجب قانون تملك الاجنبي للعقار رقم 38 لسنة 1961 ، تدخل ايضاً في نطاق المعاملة بالمثل فيما يتعلق بتملك الاجنبي للعقار عن طريق الارث .
اما بالنسبة للوصية ، فقد اشترط المشرع السعودي تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ايضاً لصحة وصية السعودي لأجنبي ، فلم يجز المشرع السعودي صحة الوصية الصادرة من موصي سعودي لموصى له اجنبي الا اذا كانت الدولة التي ينتمي اليها الموصى له تجيز مثل هذا الحق ايضاً للسعوديين في اقليمها .
وقد نصت على ذلك المادة (71) من قانون الاحوال الشخصية السعودي رقم (188) لسنة 1959 المعدل ، بقولها :
(تصح الوصية بالمنقول فقط مع اختلاف الدين وتصح به مع اختلاف الجنسية بشرط المقابلة بالمثل) .
وبذلك فأن المشرع السعودي قد عدّ المعاملة بالمثل احدى الشروط الموضوعية اللازمة لصحة الوصية الصادرة عن الموصي السعودي للموصى له الاجنبي( ) والتي هي عبارة عن الشروط الجوهرية او الاساسية التي يجب توافرها جميعاً ، بحيث اذا تخلف شرط واحد منها لأدى ذلك الى بطلان التصرف( ).
ويتضح من النص السابق ، ان المعاملة بالمثل تشترط لصحة الوصية في الاموال المنقولة فقط ، وذلك اذا كانت الدولة التي ينتمي اليها الموصى له الاجنبي تجيز الوصية للسعوديين في الاموال المنقولة.
اما العقارات ، فلم يجز المشرع السعودي صحة الوصية فيها ، وبالتالي فانها لا تدخل في نطاق المعاملة بالمثل في الوصية( ). على عكس موقف المشرع المصري والذي لم يفرق في هذا الصدد ، بين المنقولات والعقارات ، كما رأينا ذلك .
ونحن نؤيد الاتجاه الذي سلكه المشرع السعودي ، ونعتقد بأنه كان موفقاً في موقفه بخصوص اجازة صحة الوصية لأجنبي في المنقولات فقط دون العقارات . وذلك بسبب ان العقار جزء لا يتجزأ من اقليم الدولة السياسي ، وركن مهم من اركان الكيان الاقتصادي للدولة ، وتمليكها للأجانب منحة غالية جداً ، بحيث يجب ان يحاط بجميع الضمانات لمصلحة الدولة ومواطنيها ، الامر الذي قد لا يتحقق فيما لو اجيز للأفراد التصرف به للأجانب بارادتهم المنفردة ، وخاصة ان الانسان معرض ان يغرر به او ان يكره على القيام بتصرف قانوني معين بشتى وسائل الضغط او التهديد ، الامر الذي يعود بمردود سلبي وخطير ، سواء في النواحي السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية.
اما بالنسبة لموقف القانون الفرنسي ، فنرى ان حق الأجنبي بالميراث والوصية في فرنسا يخضع لحكم المادة (11) من القانون المدني الفرنسي المشار اليه سابقاً ، والتي اشترطت المعاملة الدبلوماسية بالمثل كشرط عام لتمتع الاجنبي بجميع الحقوق الخاصة في فرنسا ، ومن ضمن هذه الحقوق بلا شك ، حق الميراث والوصية .
يبقى بعد ذلك تساؤلاً حول (المحل) الذي يتحقق به مبدأ المعاملة بالمثل في مسائل الميراث والوصية ، هل هي بالحق ام بالمقدار ؟( )
بتعبير أوضح ، هل يشترط لتحقق المعاملة بالمثل كشرط لتمتع الاجنبي بحقه في الميراث او الوصية ان تنص قوانين الدولة التي ينتمي اليها الاجنبي على حق الاجانب لديها بالميراث او الوصية بشكل عام ، وعلى الرغم من وجود اختلاف في مقدار المال الذي يجوز الايصاء به او في مقدار الحصص الارثية التي يقررها قانون كل من الدولتين لرعايا الاخرى ؟ ام انه يجب ان تتحقق المعاملة بالمثل في مقدار المال الموصى به او مقدار الحصص الارثية للوارث في كل دولة ؟
في الواقع ان المسألة هي مسألة تفسير للنص من اجل ابراز النية الحقيقة للمشرع من وراء الأخذ بمبدأ المعاملة بالمثل في هذا الخصوص .
ونحن نتفق مع البعض( ) بأن نية المشرع تتجه غالباً الى جعل المعاملة بالمثل في هذا الخصوص تتحقق في مقدار الحصص الارثية او في مقدار المال الموصى به، بحيث يجب الرجوع الى قانون الدولة الاجنبية لمعرفة مقدار المال الجائز للإيصاء به للأجنبي او مقدار الحصة الارثية التي تجيزها للاجانب ، وفي ضوء ذلك المقدار يتم تفعيل مبدأ المعاملة بالمثل ، بحيث لا يعطى الوارث او الموصى له الاجنبي الا بمقدار الحصة التي تجيزها قوانين دولته للوارثين او الموصى لهم الاجانب في اقليمها .
" عليه فأن على القاضي السعودي عند تعرفه على الورثة الذين يشير اليهم قانون دولة المورث (القانون السعودي) ، ان يتحقق من الاحكام التي يتضمنها قانون كل وارث، وما تمنحه هذه الاحكام للوارث السعودي من حقوق ، وعلى هذا الاساس يبني المعاملة بالمثل ، بحيث لا يعطي الوارث الاجنبي الا مقدار الحصص التي تمنحها قوانين دولته للوارث السعودي"( ).
وتحقيقاً للغرض نفسه ، تدخل المشرع الفرنسي ، لمصلحة الوارث الفرنسي حمايةً له من القوانين الاجنبية التي تمنع اشراك المواطن الفرنسي كلياً او جزئياً في التركة لسبب ما ، فنص المادة (2) من قانون 14 تموز لسنة 1819 ، على انه( ):
(عندما توزع احدى التركات بين اجانب وفرنسيين ، يستقطع هؤلاء ، من الاموال الكائنة في فرنسا ، حصة توازي قيمة حصتهم في الاموال الكائنة في الخارج والتي يحرمون منها لسبب ما استناداً الى العرف او القوانين المحلية).
مما لا شك فيه ، ان المشرع الفرنسي قد قرر ( حق الاستقطاع )( ) هذا على اساس المعاملة بالمثل وذلك لغرض تحقيق نوع من المساواة في محل الارث بين الاجانب والفرنسيين .
المبحث الثاني في حق الاستثمار و العمل ومزاولة الأنشطة المهنية والحرفية
من الطبيعي ان موافقة الدولة على اقامة الاجنبي بأراضيها ، يترتب عليه السماح له بممارسة الاعمال والمهن التي يتقنها ، في سبيل ان يؤمن كفاف عيشه وقوته اليومي ، بحيث لا يشكل عالة على مجتمع الدولة التي يقيم فيها ، في الوقت الذي تكون فيه الدولة في غنى عن هذا الامر .
وتعد ممارسة الاجنبي لحق العمل والمهن مبدأً مسلماً به ومتعارفاً عليه في المجتمع الدولي ، سواء اكان على اساس المعاملة بالمثل ام بسبب العرف الدولي ام بناءً لأسباب إنسانية( ).
وعلى هذا الاساس ، نصت المادة الثالثة والعشرون من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على انه (لكل شخص الحق في العمل وله حرية اختياره وبشروط عادلة ومرضية ، كما ان له حق الحماية من البطالة) ( ).
وفي الوقت نفسه ، فأن هذا الاعتراف الدولي ليس مطلقاً ، والقول بخلاف ذلك (أي السماح للأجانب بممارسة جميع الأعمال والمهن في الدولة) يعني منافستهم للوطنيين من اهل البلاد في أسباب عيشهم وتجارتهم وسائر اعمالهم ، وبذلك يزول الاساس الذي تقوم عليه الدولة ، وهي صفة الوطنية التي تجمع بينها وبين رعاياها والذين عليهم وحدهم ، يقوم كيانها السياسي واسباب ثروتها .
ولهذا السبب ، فأن الدول عندما تقوم بتنظيم عمل الاجانب في اقليمها تراعي الاعتبارات التالية( ):
1- حماية اليد العاملة الوطنية من المنافسة الاجنبية .
2- حماية مصالح المجتمع الوطني الاقتصادي والاجتماعي ، وذلك بالحد من هيمنة الاجانب على المؤسسات الاقتصادية والتجارية من جهة ، واقصائهم عن المهن التي من شأنها التأثير على حياة المجتمع تأثيراً مباشراً .
3- رعاية مصالح الوطنيين في الخارج ، وذلك عن طريق تعليق تمتع الاجانب بهذه الحقوق على منح الدول الاجنبية ذات الحقوق للوطنيين الموجودين على اقليمها ، (أي شرط المعاملة بالمثل) ، وخاصة اذا كانت الدولة من الدول المصدرة للسكان( ).
نعتقد أن تحقيق هذا الاعتبار الاخير ، أي (المعاملة بالمثل) كفيل بتحقيق الاعتبارات الاخرى في اعلاه ، وذلك لان الضوابط والاسس التي تبنى عليها مبدأ المعاملة بالمثل ليست الا تجسيداً لتحقيق وضمان هذه الاعتبارات . ولهذه الاسباب ، يلاحظ أن النصوص التي يضعها المشرع لمعالجة هذا الموضوع تتفاوت بين الخطر والتقييد والاباحة ، تبعاً لنوع العمل ، ومدى حاجة الدولة لمعاونة الاجانب فيه ( ).
الا ان النهج العام للدول يسير نحو التمسك بحل وسط ، وذلك من خلال السماح للأجانب بممارسة الاعمال والمهن في الدولة ، ولكن بعد ربطها بضوابط وقيود محددة، ولعل من اهمها – بعد الاستقراء – شرط المعاملة بالمثل مع الدولة التي ينتمي اليها الاجنبي على اساس تشريعي او دبلوماسي او فعلي ، ما عدا بعض الوظائف والمهن التي هي محظورة على الاجانب اصلاً بسبب طبيعتها الخاصة ، ولكونها ذات مساس بكيان الدولة الاقتصادي او لشدة ارتباطها بنظام الدولة ، كالوظائف العليا في المجتمع( ).
وبناءً على ما تقدم ، سوف نقسم هذا المطلب على فرعين ، نتناول في الاول ، نطاق المعاملة بالمثل في حق العمل ، اما الفرع الثاني ، فسوف نخصصه لنطاق مبدأ المعاملة بالمثل ، فيما يتعلق بحق الاجانب في ممارسة الانشطة المهنية والحرفية في الدولة .
المطلب الأول
في نطاق حق الاستثمار و العمل
نهج المشرع السعودي في قانون العمل رقم 71 لسنة 1987 والمعدل بالقانون المرقم (17) لسنة 2000 ، النهج العام الذي يقضي بالسماح للأجانب بممارسة الاعمال في الدولة ولكن بعد ربط ذلك بقيود واعتبارات محددة .
اذ جعل حق العمل في الاصل حكراً على السعوديين( ) الا انه عاد وأجاز للأجانب الحق بالعمل في السعودية استثناءاً بعد ان يحدد بتعليمات خاصة نوع الاعمال والحالات التي يجوز لغير السعوديين بممارستها في السعودية( ).
وقد صدرت التعليمات رقم (18) لسنة 1987 والخاصة بممارسة الاجانب العمل في السعودية محددةً في المادة الرابعة منها الشروط التي يجب ان تتوافر لمنح اجازة العمل للاجانب في السعودية ، دون ان يكون من بين هذه الشروط . شرط المعاملة بالمثل( ).
غير ان من الملاحظ هنا ، ان المشرع السعودي وان لم يستلزم توفر مبدأ المعاملة بالمثل ضمن الشروط اللازمة لمنح الاجانب اجازة العمل في السعودية ، الا انه عاد واشترطها ، كشرط لإعفاء الاجنبي في السعودية من الخضوع لهذه الشروط عند ممارسته لحق العمل في السعودية .
وهذا ما يستشف ضمناً من احكام المادة الحادية عشر من تعليمات ممارسة الاجانب العمل في السعودية رقم (18) لسنة 1987 ، فبعد ان بينت هذه التعليمات الشروط والقيود اللازمة لمنح اجازة العمل للاجانب في السعودية ، عادت في المادة الحادية عشرة منها ، بالنص على :-
(أولاً- يستثنى من أحكام هذه التعليمات :
أ- العاملون لدى الهيئات الدولية والبعثات الدبلوماسية والقنصليات التجارية والاجنبية المعتمدة في السعودية .
ب- الاجانب الذين تسمح لهم القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكون الحكومة السعودية طرفاً فيها بممارسة الاعمال في السعودية .
ج- الاجانب المشتغلون لدى الحكومة .)
وبتأمل دقيق لما سبق ، نجد ان المشرع السعودي قد ميز بين طائفتين من الاجانب ، وفقاً لقانون العمل رقم (71) لسنة 1987 ، والتعليمات الصادرة بموجبها:
الطائفة الأولى- وهم الاجانب الذين يسمح لهم قانون العمل بمزاولة العمل في السعودية دون استلزام مبدأ المعاملة بالمثل ، ولقد رأينا ان تعليمات ممارسة الاجانب للعمل في السعودية قد حددت الشروط اللازمة لمنح الاجنبي اجازة العمل في السعودية ، دون ان يكون فيما بينها (شرط المعاملة بالمثل) .
الطائفة الثانية – وهم الاجانب الذين تسمح لهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكون الحكومة السعودية طرفاً فيها بممارسة العمل في السعودية دون الخضوع للقيود والشروط التي تضعها قوانين الدول الداخلية ، استناداً بالطبع على مبدأ المعاملة الدبلوماسية بالمثل ، بين السعودية والدولة التي ينتمي إليها الأجنبي ، سواء اكانت هذه المعاملة تشريعية ام دبلوماسية .
وعليه ، فأن المعاملة في القانون السعودي ليست شرطاً من شروط منح العامل الأجنبي إجازة مزاولة حق العمل في السعودية ، بل هي شرط لإعفاء الاجنبي من الخضوع لهذه الشروط.
ونعتقد أنه من الاجدر بالمشرع السعودي ان ينص صراحة على شرط المعاملة بالمثل من ضمن الشروط اللازمة لمنح العامل الاجنبي إجازة للعمل في السعودية ، خاصة وان المشرع السعودي قد تبنى شرط المعاملة بالمثل بالنسبة لممارسة الاجانب لمعظم المهن والحرف في السعودية ، وكما سنرى ذلك لاحقاً. أما بالنسبة للقانون المصري ، فأن المشرع المصري قد تبنى موقفاً اكثر وضوحاً من الموقف الذي تبناه المشرع السعودي ، وذلك بأنه اشترط صراحة ، بنص عام ضرورة تحقق مبدأ المعاملة بالمثل بين مصر والدولة التي ينتمي اليها الاجنبي كشرط لممارسة الاجنبي لحق العمل في مصر( )وذلك بموجب قانون العمل المصري رقم (137) لسنة 1981( )، والتي نصت المادة (26) منه على : (لا يجوز للأجانب ان يزاولوا عملاً الا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من وزارة العمل ، وان يكون مصرحاً لهم بالاقامة ، وبشرط المعاملة بالمثل مع الدولة التي ينتمي اليها وفي حدود تلك المعاملة …). ومبدأ المعاملة بالمثل وفقاً لذلك ، ليس شرط ابتداء فحسب وانما هو شرط استمرار كذلك ، بحيث لا يسمح للأجنبي بالاستمرار في العمل اذا عدلت دولته عن معاملة المصريين فيها بالمثل( ).
والمعاملة بالمثل التي اشترطها المشرع المصري في هذه الحالة يجب ان تتحقق بالتطابق ، أي (تبادل الحق بالحق) ، بحيث يلقى العامل الاجنبي في مصر نفس المعاملة التي يلقاها العامل المصري في بلد الاجنبي من حيث نوع العمل المسموح له بممارسته فيها( ).
وفي هذا الصدد يرى البعض( ) بأنه : " لا يكفي للسماح للأجنبي بمزاولة عمل معين في الجمهورية العربية ، ان تقر هذه الدولة للرعايا المصريين الحق في مزاولة ذات العمل الذي يطلب الاجنبي السماح له به في الجمهورية العربية ، فاذا كانت تمنعهم من مزاولة اعمال معينة تعين منع رعايا هذه الدولة من مزاولة هذه الاعمال في الجمهورية العربية " .
الا انه ورغم وضوح صياغة النص ، فأن البعض الاخر( ) يذهب ، بأنه ليس بشرط ان تتحقق المعاملة بالمثل هنا بالتطابق ، بل يكفي تحقق التعادل لأعمال مبدأ المعاملة بالمثل هنا ، " لأن هذا التشدد لا يتلائم مع المرونة التي يحسن مراعاتها في اعمال فكرة المعاملة بالمثل بما يتفق ويتلائم مع مصلحة الدولة ، وهي المرد الاخير في هذا الشأن ، بل انه قد يتعارض مع هذه المصلحة ذاتها اذا دعت الحاجة فعلاً الى الترخيص لأجنبي ما بالعمل في قطاع معين وكانت دولته لا تمنح معاملة مماثلة للمصريين فيها ".
ورغم ما استند عليه هذا الرأي الاخير من مبررات منطقية وفعالة ، الا اننا لا نتفق معه ، وذلك لأن صياغة نص المادة (26) من قانون العمل المصري ، جاءت واضحة جداً – وبما لا يقبل الشك – باشتراط المشرع المصري تحقق (المطابقة) في مبدأ المعاملة بالمثل ، الامر الذي يتنافى معه القول بخلاف ذلك .
والمشرع المصري لم يكتف باشتراط المعاملة بالمثل بالنسبة لعمل الاجانب في مصر فحسب ، بل اشترطها كذلك في خصوص استفادة الاجانب الخاضعين لقانون العمل المصري فيما يتعلق بانتفاعهم من مزايا التأمينات الاجتماعية( ).
حيث نصت المادة الثانية ، فقرة (ب) من قانون التأمينات الاجتماعية المصري رقم 79 لسنة 1975 والمعدل بالقانون رقم 25 لسنة 1977 والقانون رقم 93 لسنة 1980 ، على سريان احكام هذا القانون على الاجانب الخاضعين لقانون العمل ، بشرط الا تقل مدة عقد العمل على سنة وان توجد اتفاقية معاملة بالمثل( ).
ويتضح من ذلك ، بأن المشرع المصري قد اشترط لضرورة انتفاع العمال الاجانب من مزايا قانون التأمينات الاجتماعية المصري ، تحقق مبدأ المعاملة بالمثل في شكله الدبلوماسي حصراً (بناءً على اتفاقية) دون الأشكال الأخرى .
بناءً على ذلك تعد المعاملة الدبلوماسية بالمثل متحققة بين مصر والسعودية فيما يتعلق بانتفاع العاملين من رعاياها في كلا البلدين من مزايا التأمينات الاجتماعية (الضمان الاجتماعي) والتي قررتها الاتفاقية العربية للمعاملة بالمثل في نظم التأمينات الاجتماعية ، وذلك باعتبارهما دولتين عضوتين فيها. والتي نصت المادة الرابعة منها على:
(يتمتع المؤمن عليهم المنتمون لجنسية احدى الدول المتعاقدة ، بنفس المزايا التي يقرها تشريع الدولة المتعاقدة الاخرى التي يقيمون بها مع مراعاة الشروط والاوضاع المعمول بها في هذه الدولة) .
وبغض النظر عن المعاملة بالمثل التي تقررها التشريعات الداخلية ، فأن الدول قد تعقد مع بعضها البعض ، اتفاقيات ثنائية او جماعية في سبيل تسهيل اجراءات القيام بممارسة الاعمال والمهن من قبل الاجانب ، وهذه الاتفاقيات تبنى بالطبع على مبدأ المعاملة بالمثل( ).
ومن قبيل هذه الاتفاقيات ، اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة رقم 111 لسنة 1958 ( )، والتي ألزمت الدول الاعضاء فيها ، بالغاء التمييز بين رعاياها ورعايا احدى الدول الاخرى في الاتفاقية ، وفيما يتعلق باستخدام العمال الاجانب في الاعمال والمهن في اقاليمها وذلك من خلال خلق نوع من التكافؤ في فرص العمل والمساواة في المعاملة بين رعاياها ورعايا الدول الاخرى الاعضاء في الاتفاقية ، وعلى اساس المعاملة بالمثل بالطبع .
المطلب الثاني
في نطاق ممارسة الأنشطة المهنية والحرفية
فيما يتعلق بحق الاجانب بممارسة المهن والحرف ، فأن المعاملة بالمثل ، شأنها في ذلك ، شأن المعاملة بالمثل اللازمة لممارسة الاجانب لحق العمل ، تلعب الدور نفسه فيما يتعلق بتنظيم ممارستها من قبل الاجانب .
ومن هذه المهن او الحرف على سبيل المثال : التجارة ، المحاماة ، الطب ، الصيدلة ، والخ … من المهن والحرف الكثيرة .
فهنا نرى المشرع المصري ، يشترط تحقق مبدأ المعاملة بالمثل كشرط عام لممارسة الاجانب لأغلب الحرف والمهن الحرة في مصر .
فعل سبيل المثال ، بالنسبة لمهنة المحاماة ، يستلزم قانون المحاماة المصري رقم (61) لسنة 1968 ، فيمن يدرج اسمه بجدول المحامين المصري ، ان يكون مصري الجنسية او متمتعاً بجنسية احدى الدول العربية بشرط المعاملة بالمثل( ).
ونلاحظ هنا ان المشرع المصري لم يورد قيد المعاملة بالمثل ، بالنسبة للأجانب بشكل عام ، بل قصره على رعايا الدول العربية فقط ، أي انه اجاز لرعايا الدول العربية فقط بممارسة مهنة المحاماة في مصر وذلك اذا كانت دولهم تعامل المصريين بالمثل ، ولكنه اشترط ايضاً الى جانب المعاملة بالمثل أن يكون ترافع المحامين العرب امام المحاكم المصرية في الدرجة المقابلة للدرجة المقررين للمرافعة فيها في بلدانهم وذلك بشرط الاشتراك مع محام مصري ، وبأذن خاص من مجلس نقابة المحامين( ). أما الاجانب من غير رعايا الدول العربية ، فمنعهم المشرع المصري من ممارسة المحاماة سواء اتحققت المعاملة بالمثل ام لا .
وبالنسبة لمهنة الطب ، فقد اشترط قانون مزاولة مهنة الطب المصري رقم 415 لسنة 1954 ، ان يكون الطبيب مصري الجنسية ، ومع ذلك يجوز للأجنبي مزاولة مهنة الطب في مصر في جميع الاحوال ، اذا كان قانون الدولة التي ينتمي اليها هذا الاجنبي يجيز للمصريين مزاولة هذه المهنة بها( ). أي شرط المعاملة التشريعية بالمثل( ).
نلاحظ هنا ، بأن المشرع المصري ، قد خص المعاملة بالمثل هنا على الاجانب بشكل عام على عكس الحالة السابقة والتي خص بها رعايا الدول العربية فقط . وكذلك نهج المشرع المصري النهج نفسه بالنسبة لمهن الصيدلة وطب الاسنان والطب البيطري.
فقد اشترط القانون 127 لسنة 1955 بشأن مهنة الصيدلة ، ان يكون من يزاولها مصري الجنسية او من بلد تجيز قوانينه للمصريين الاشتغال بها . أي مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل ، وذلك باستثناء الاجانب الذين التحقوا بالجامعات المصرية قبل العمل بهذا القانون( ).
والامر نفسه بالنسبة لمهنة طب الاسنان ، حيث استلزم القانون رقم (537) لسنة 1954 بشأن مهنة طب الاسنان ، فيمن يمارس مهنة طب الاسنان في مصر ان يكون مصرياً ، ومع ذلك يجوز للأجانب بصفة عامة ممارسة المهنة دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في القانون المذكور وذلك بشرط المعاملة التشريعية بالمثل ، أي شرط ان يكون قانون الدولة التي يتبعها الاجنبي يسمح للأطباء المصريين بممارسة مهنة طب الاسنان هناك( ).
والحكم نفسه ايضاً يطبق بشأن ممارسة الاجانب لمهنة الطب البيطري في مصر، بموجب القانون رقم 416 لسنة 1954 ، أي شرط تحقق مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل( ).
أما المشرع السعودي ، فأن موقفه لم يختلف عن موقف المشرع المصري ، بل سار معه في نفس المسار ، من تقييد ممارسة الاجانب لبعض الحرف والمهن في السعودية على تحقق مبدأ المعاملة بالمثل . فبالنسبة لمهنة المحاماة ، اشترط قانون المحاماة السعودي رقم (173) لسنة 1965 والمعدل بالقانون المرقم (15) لسنة 1997 ، تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ، فيما يتعلق بترافع المحامين العرب (حصراً) امام المحاكم السعودية ، حيث نصت الفقرة (أ) من المادة الثالثة من هذا القانون على انه : (يحق للمحامي المنتسب لاحدى نقابات المحامين في الاقطار العربية ان يترافع في " قضايا معينة " اما محاكم السعودية في الدرجة المقابلة بعد التثبت من استمراره على ممارسة المحاماة ، شرط المقابلة بالمثل وموافقة النقيب …) وكذلك بالنسبة لمزاولة مهنة الطب في السعودية ، حيث اجازت المادة (45) من قانون نقابة الاطباء السعودية رقم (81) لسنة 1984 ، للعرب والاجانب بمزاولة مهنة الطب في السعودية – شرط ان لا يكونوا قد حرموا من حق الممارسة في بلادهم بسبب اساءتهم للمهنة – وممن تعامل بلادهم السعودية بالمثل . ولم يحدد المشرع السعودي فيما اذا كانت هذه المعاملة تتحقق دبلوماسياً ام تشريعياً ام فعلياً .
ونفس هذا الامر بالنسبة لمهنة طب الاسنان ، حيث اشترط قانون نقابة اطباء الاسنان رقم 446 لسنة 1987 ، ان يكون عضو النقابة سعودي الجنسية ، اما العرب والاجانب فيجوز قبول انتسابهم ، شرط ان لا يكونوا قد حرموا من حق الممارسة في بلادهم بسبب اساءتهم للمهنة ، وممن تعامل بلادهم السعودية بالمثل . دون ان يحدد كذلك الكيفية التي تتحقق فيها مبدأ المعاملة بالمثل ، من دبلوماسية او تشريعية ام فعلية.
اما بالنسبة لمهنة الصيدلة ، فأن المشرع السعودي منع الاجانب من مزاولة هذه المهنة وبغض النظر عن تحقق مبدأ المعاملة بالمثل من عدمه ، وبموجب قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 444 لسنة 1984 والمعدل بالقانون المرقم (27) لسنة 1996 ، وعلى خلاف المشرع المصري الذي اخضع امكانية ممارسة الاجانب لهذه المهنة على مبدأ المعاملة بالمثل ايضاً .
وقد حدا المشرع الاردني حدو المشرعين المصري والسعودي ، باشتراطه تحقق مبدأ المعاملة بالمثل ، كشرط للجواز للاجانب بممارسة بعض المهن في المملكة الاردنية ، فعلى سبيل المثال ، نصت المادة الثانية عشر من قانون نقابة المهندسين الاردنيين رقم 15 لسنة 1972 ، بالجواز للمهندسين من رعايا الدول العربية حق ممارسة المهنة في المملكة الاردنية ، بعد ان تتوفر مجموعة من الشروط لذلك ومن بين هذه الشروط ، شرط المعاملة بالمثل( ).
ويلاحظ ، ان المشرع الاردني ، قد اجاز لرعايا الدول العربية فقط ، من ممارسة مهنة الهندسة في الاردن – وعلى اساس المعاملة التشريعية بالمثل – دون الاجانب من جنسيات غير عربية . وكذلك بالنسبة لمهنة الطب ، فقد اجاز قانون نقابة الاطباء الاردني رقم (13) لسنة 1972 ، لغير الاردنيين بممارسة مهنة الطب في الاردن ، ولكن بعد تحقق شرط المعاملة بالمثل ، ونصت على ذلك المادة الثامنة من القانون المذكور ، باستثنائها الاطباء غير الاردنيين الذين يحق لهم بممارسة المهنة في الاردن ، وهؤلاء الاطباء ، هم ( ):
1- الاطباء العرب ، اذا كانوا مسجلين في نقابة الاطباء لأي بلد عربي ومرخصين للعمل فيه ، بشرط المعاملة بالمثل .
2- الاطباء الاجانب ، اذا كانوا مرخصين للممارسة في بلادهم وبشرط المعاملة بالمثل. وبذلك يكون المشرع الاردني ، قد اجاز للاطباء العرب والاجانب بممارسة الطب في الاردن – على اساس المعاملة بالمثل – عكس الحالة السابقة ، والتي حصر جواز ممارستها لرعايا الدول العربية دون الاجانب غير العرب . وساد نفس هذا الاتجاه في القانون الفرنسي ، حيث اشترط مبدأ المعاملة التشريعية بالمثل كشرط للاجازة للاجنبي بممارسة سائر الانشطة المهنية في فرنسا ، وذلك بموجب القانون الصادر في 17 حزيران 1938 ، والذي حظر على الاجانب بممارسة أي نشاط صناعي او تجاري او حرفي في فرنسا ، اذا لم يتم السماح للفرنسيين بأن يمارسوا النشاط نفسه او الحرفة نفسها ، في دول هؤلاء الاجانب ، وذلك بان يتضمن القانون الاجنبي لنص مشابه قابل التطبيق على الفرنسيين ، دون ان يتطلب الامر وجود معاهدة تمنح هذا القانون صفة الالتزام الدولي( ).
الخاتمة
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...
فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع:" نظام الملكية و الاستثمار للأجانب في المملكة العربية السعودية" .
هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...
و بالله التوفيق ...
قائمة المراجع
1- احمد ابو الوفا ، المرافعات المدنية والتجارية ، ط13 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1980
2- حسن كيرة ، أصول قانون العمل ، ط3 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1979 .
3- حمدي عبد الرحمن ود. محمد يحيى مطر ، قانون العمل ، الدار الجامعية ، بدون مكان نشر، 1987
4- شمس الدين الوكيل ، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب ، ط1 ، منشأة المعارف – الاسكندرية ، 1964 .
5- صالح عبد الزهرة ، حقوق الاجانب في القانون السعودي ، دار الافاق الجديدة ، بغداد ، 1981
6- صدام سعد الله البياتي ، النطام القانوني للرسوم والنماذج الصناعية (رسالة ماجستير) ، قدمت الى كلية القانون ، جامعة الموصل ، 2000 .
7- ابو العلا علي ابو العلا النمر ، تملك الاجانب للعقارات والمنقولات في القانونين المصري والمقارن ، ط2 ، دار النهضة العربية – القاهرة ، 1997 .
8- علاء الدين خروفة ، شرح قانون الاحوال الشخصية السعودي ، ج2 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1963
9- عوض الله شيبة الحمد السيد ، مصدر سابق ، ص248 ؛ وفي المعنى نفسه انظر : د. عبد الناصر توفيق العطار ، شرح احكام قانون العمل ، مؤسسة البستاني ، القاهرة ، 1989
10- فؤاد عبد المنعم رياض ، تطور تنظيم مركز الأجانب في القانون المصري ، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الثاني ، السنة الثالثة والأربعون ، مطبعة جامعة القاهرة ، 1973
11- محمد حسام محمود لطفي ، المرجع العملي في الملكية الادبية والفنية ، الكتاب الثالث ، القاهرة ، 1996 .
12- محمد شفيق العاني ، احكام الأحوال الشخصية في السعودية ، معهد البحوث والدراسات العربية ، 1970
13- هادي رشيد الجاوشلي ، الوضع القانوني للأجانب في السعودية ، ط2 ، مطبعة الادارة المحلية ، بغداد ، 1961 .
14- هالة مقداد الجليلي ، العلامة التجارية ، رسالة ماجستير ، مقدمة الى كلية القانون ، جامعة الموصل ، 1997 .
15- هاني طعيمات ، مركز الاجانب / دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون الدولي ، مجلة دراسات ، المجلد الخامس ، العدد الثاني ، لسنة 1998 .
المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الملك سعود
كلية الحقوق والعلوم السياسية
بحث بعنوان:
نظام الملكية والاستثمار للأجانب في المملكة العربية السعودية
بحث من اعداد
إعــداد الطالب
طلال بن يوسف عبدالعزيز اليحيى
الرقم الجامعي
430103529
إشراف الدكتور
احمد عبدالرزاق الغديان
العام الجامعي
1434/1435هـ