بحث هذه المدونة الإلكترونية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

بحث حول مشكلة الازمات السياسية


المقدمة

     الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , نبينا محمد و بعد ...

تتعدد أسباب الأزمات بتعدد الصراعات وتنوّعها. فقد تكون لعوامل، اقتصادية واجتماعية، ناجمة عن ازدياد الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع. وتكون عواملها سياسية، قوامها التفاخر، القومي والديني، في المجتمعات ذات الأعراق والديانات المختلفة، أو الصراعات، الحزبية والثقافية، وعدم المشاركة السياسية. كذلك، قد يكون سبب الصراع، في مجتمع ما، هو تباين قِيَمه ومبادئه، والذي يؤول إلى تنافر أيديولوجي، بين الطوائف الاجتماعية المتباينة، أو بين نظام الحكم والشعب. وبذلك، تتضح معالم الصراع الداخلي، وتأخذ شكلاً من أشكال المقاومة، حينما تفتقد تسويته الآليات الملائمة، والفاعلة؛ فضلاً عن القدرة على تحقيق التوازن الاجتماعي في الدولة؛ ما يُفْقِد الحكم شرعيته، ويُشعِر أبناء المجتمع بالتمزق، وفقدان الهوية، والاغتراب. وبذلك، تكون الأزمة مرحلة من مراحل الصراع، الذي تتسم به عمليات التفاعل الناشط، أينما وجدت الحياة، وفي أيّ صورة من صورها المختلفة...

و هذا البحث يتناول أحد أقسام و أنماط الأزمات التي تثور في عالمنا المعاصر ألا و هي الأزمة السياسية , حيث سأقوم بالتعريف بالأزمات السياسية و بالأسباب الكامنة وراء ظهورها و كيفية التعامل معها و حلها ... و أسأل الله تبارك و تعالى التوفيق و الرشاد ... إنه نعم المولى و نعم المجيب ,,, و بالله التوفيق ...

مفهوم الأزمة 

 عبر عن الأزمة في اللغة العربية بألفاظ متعددة منها المصيبة والنكبة والفاجعة والكرب و الضيق .( الفيومي , 1421هـ , ص :14) و عرف جاد الله الأزمة  بأنها تعني اللحظة الجرجة و نقطة التحول التي تتعلق بالمصير للفرد أو المؤسسة و تهدد بقاءهما  و تتميز بالمفاجأة و تتطلب مهارة عالية لإدارتها و التصدي لها .( جاد الله , 2008م , ص : 10)

كما عرفت بأنها حادثة أو خبرة أو موقف خطير يهدد حياة الإنسان، وتعجز قدراته وأساليبه التكيفية من التعامل مع معها، مرحلة تحولية في حياة الفرد تحتاج إلى إعادة تنظيم بعض جوانب البناء النفسي للفرد. و قد تنشأ عن الحرمان الشديد و تنطوي على الانفعالات العنيفة .  ( بدوي , 1986م ,ص : 91 )

و في عام 1937، عُرِّفت الأزمة بأنها خلل فادح، وفاجئ، في العلاقة بين العرض والطلب، في السلع والخدمات ورؤوس الأموال. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ التوسع في استخدام مصطلح الأزمة، في إطار علم النفس، عند الحديث عن أزمة الهوية. وكذلك، استخدمه الديموجرافيون، عند حديثهم عن أزمة الانفجار السكاني. وأسفر استخدامه عن تداخل، بين مفهوم الأزمة والمفاهيم المختلفة، ذات الارتباط الحيوي، والوثيق به. ( عليوة , 1997م , ص 14)

مفهوم الأزمة السياسية 

الأزمة السياسية هي ظاهرة سياسية، عرفتها العلاقات بين المجتمعات، قبل أن تأخذ شكل الدول. ومن ثم، فهي تعني الحالة، التي تتسم بالتوتر الشديد، والوصول إلى مرحلة حرجة، تنذر بالانفجار في العلاقات الطبيعية بين الدول. وتشكل طوراً متقدماً من أطوار الصراع الدولي، الذي يبدأ بالمجادلات بين الأطراف، ويطّرد ليصل إلى درجة الصراع المسلح. فهي، إذاً، الطور الذي يسبق المواجهة العسكرية مباشرة. ويستمد مفهوم الأزمة السياسية معاييره العملية، من خلال أهمية التحديد الدقيق للحدود، الفاصلة بين المرحلة التي يمكن الدولة فيها، أن تسعى إلى وقف تدهور الموقف؛ والمرحلة التي يصعب فيها تدارك ازدياد حدّة الأزمة وتطُّورها إلى صراع مسلح. ولكلتا المرحلتَين آلياتها وتقنياتها..( عليوة , 1997م , ص22)

أسباب نشوء الأزمات السياسية 

تتعدد أسباب الأزمات السياسية : فتكون داخلية أو خارجية، أو تعارُض الأهداف والمصالح؛ وتتمثل في الآتي:

1- سوء الفهْم: الأزمات الناجمة عن سوء الفهْم، تكون دائماً عنيفة؛ إلا أن مواجهتها، تكون سهلة، وخاصة بعد تأكد سببها، الذي غالباً ما يرجع إلى المعلومات الناقصة، أو التسرع في إصدار القرارات. 

2. عدم استيعاب المعلومات بدقة يشترط لاتخاذ القرارات السديدة، استيعاب المعلومات وتفهُّمها بصورة صحيحة. إذ إن الخطأ في إدراكها وتداخل الرؤية، سيكونان سبباً لنشوء أزمات عنيفة الشدة .

3. سوء التقدير والتقييم: وهو من أكثر أسباب نشوء الأزمات، وخاصة في حالة الاصطدام العسكري، الناشئ عن الإفراط في الثقة غير الواقعية، واستمرار خداع الذات بالتفوق؛ فضلاً عن سوء تقدير قدرات الطرف الآخر والتقليل من شأنه؛ ما يسفر عن سوء تقدير للموقف برمته..

 ( عليوة , 1997م , ص 35)

4. الإدارة العشوائية، الارتجالية.

5- السيطرة على متخذ القرار: يحمل على هذه الرغبة الابتزاز، وإيقاع متخذ القرار تحت ضغط، نفسي ومادي، واستغلال تصرفاته الخاطئة، التي كان قد اقترفها، وبقيت سِرّاً؛ لإجباره على اجتراح تصرفات أكثر ضرراً، تصبح هي نفسها مصدراً للتهديد والابتزاز. 

6- اليأس .

7- استعراض القوة: تنتهج هذا الأسلوب الكيانات الكبيرة، الرامية إلى تحجيم الكيانات الصغيرة الصاعدة. وكذلك، تلجأ إليه الكيانات الأصغر، رغبة في قياس رد فعل الكيانات الأكبر حجما. 

8- الأزمات المخططة:وهي الأزمات المختَلَقة؛ وقد تسمَّى، تجوُّزاً، في بعض الأحيان، أشباه الأزمات Semi-Crises. 

9- تضارب المصالح..( شريف , 1998م , ص 205)

10- تناقض السبل . 

الحل (  أساليب مواجهة الأزمات السياسية)

على الرغم من تعدد أشكال الأزمات وأنواعها، إلاّ أن الهدف من مواجهتها، يتمثل في الحدّ من التدهور والخسائر؛ والاستفادة من الموقف المستجد، في الإصلاح والتطوير؛ ودراسة أسبابها وعواملها، كي يمكن اتخاذ الإجراءات الملائمة لمنع تكرارها. ولتحقيق ذلك، تُنتَهج عدة أساليب أبرزها:


1- الأساليب التقليددية :

تتميز الأساليب التقليدية بطابعها الخاص، المستمد من خصوصية الأزمة. وتتعدد لتشمل الآتي:

أ‌. إنكار الأزمة وعدم إعلانها..

ب‌. تأجيل ظهور الأزمة.

ت‌. تكوين لجان لدراسة الأزمة.

ث‌. اللجان، هو تحديد الفاعلين الأساسيين في نشوئها، والمحركين لها، وإفقادها قوى دفعها.

ج‌. التقليل من شأن الأزمة.

ح‌. السماح بظهور الضغوط الداخلية للأزمة.

خ‌. تفريع الأزمة.

د‌. عزل القوى الفاعلة في الأزمة.

ذ‌. إخماد الأزمة من خلال مصادمة قواها كافة مصادمة عنيفة والقضاء عليها.( شريف , 1998م , ص 210)

2- الأساليب غير التقليدية :

توافق الأساليب غير التقليدية طبيعة التطورات، التي شهدتها الكيانات الإدارية و السياسية، ولاسيما نوع الأزمات التي تواجهها وشكلها وطبيعتها. وتتمثل تلك الأساليب في الآتي:

أ‌. الفريق المتكامل.

ب‌. ادِّخار الاحتياطات.

ت‌. المشاركة الديموقراطية.( شريف , 1998م , ص 213)

ث‌. احتواء الأزمة.

ج‌. تصعيد الأزمة.

ح‌. تفريغ الأزمة من مضمونها.

خ‌. تدمير الأزمة ذاتياً، من الداخل.

د‌. إعلان الوفرة الوهمية.

ذ‌. تحويل مسار الأزمة.( الخضيري , 1997م , ص241)

3- الأسلوب العلمي:

هو الأسلوب الأكثر ضماناً للسيطرة على الأزمة. ويمر بمجموعة من الخطوات المتكاملة، والمترابطة و تتمثل في الآتي:

1. تقدير الموقف والدراسة المبدئية لأبعاد الأزمة . 

2. تحليل الموقف والدراسة التحليلية للأزمة .

3.التخطيط العلمي والمتكامل، للتعامل مع الأزمة.

4. التدخل العقلاني لمعالجة الأزمة . ( الخضيري , 1997م , ص 245)



الخاتمة


في ختام هذا البحث سوف أختمه ببيان استراتيجيات و تكتيكات كحلول لمواجهة الأزمات السياسية و هي تعتمد أساسا على القدرات الشخصية لفريق المواجهة، والظروف الموضوعية المحيطة بالأزمة، والإمكانيات والقدرات المتاحة. ويمكن اختيار إحدى الإستراتيجيات، لإتباعها طوال عملية المواجهة؛ إلاّ أنه يمكن تغيير الإستراتيجية، طبقاً لمراحل تطور الأزمة. وتتمثل إستراتيجيات المواجهة، وكذلك التكتيكات التي توافقها، في الآتي :

1. التعامل العنيف مع الأزمة:  وغالباً ما تتبع هذه الإستراتيجية مع الأزمات السياسية المجهولة، التي لا معلومات كافية عنها. وكذلك الأزمات المتعلقة بالمبادئ. إضافة إلى اعتمادها في حالة تشعب الأزمة وانتشارها في عدة اتجاهات. وفي إطار هذه الإستراتيجية، تنفَّذ عدة تكتيكات متباينة، هي :  أ. التدمير الداخلي للأزمة: من خلال تحطيم مقوماتها، والتأثير في تفكير محركيها، والسعي إلى خلق صراع داخلي بين القوى المسببة للأزمة، ومحاولة استقطاب بعضها. 

ب. التدمير الخارجي للأزمة: بالحصار الشديد للقوى المسببة لها، وتجميع القوى الخارجية، التي تعارضها، ومحاولة إقحامها في إطار الأزمة، سعياً إلى تدمير مقوماتها.

2. الحدّ من نموّ الأزمة: في إطار هذه الإستراتيجية، يُقْبَل الأمر الواقع، ويسعى إلى منع تدهور الموقف؛ فهي، إذاً، إستراتيجية تلائم مواجهة القوى الكبرى المسببة للأزمات المتشعبة,  أمّا تكتيكاتها، فهي:

أ. التعامل، بحرص، مع القوى المحركة للأزمة والمسببة لها.

ب. تلبية بعض متطلبات القوى المسببة للأزمة، من خلال التفاوض المباشر، وتقديم بعض التنازلات المحدودة.

ج. العمل على تخفيف حدّة الأزمة، من خلال النصح والتوجيه.

د. تقديم المساعدة والدعم إلى القوى المعارضة للأزمة.

3. تقسيم الأزمة: قوام هذه الإستراتيجية، هو تقدير الموقف، بدقة؛ والدراسة التحليلية لمكونات الأزمة، والقوى المؤثرة فيها، والعلاقات الارتباطية بينها. وتُعتمَد في الأزمات الكبيرة، شديدة التهديد؛ إذ تُقسّم الأزمة إلى عدة أزمات ضعيفة الضغط ، ما يسهل التعامل معها. وتركز هذه الإستراتيجية في فك الروابط المكونة للأزمة، وتحويلها إلى عوامل ومكونات متعارضة؛ ولذلك، تتبع عدة تكتيكات، أبرزها: 

أ. إيجاد نوع من تعارض المصالح، بين مكونات الأزمة.

ب. عرض بعض المكاسب على بعض القوى المسببة للأزمة، ما يساعد على انهيار التحالفات القائمة.

4. التأثير السلبي في الفكر المحرك للأزمة: يكوّن الفكر المحرك للأزمة مجموعة ِقيم واتجاهات، ذات تأثير شديد في قوة الأزمة؛ تحاول هذه الإستراتيجية إضعافها، تخفيفاً للضغط، الذي تسبب بظهور الأزمة وتناميها. ولتحقيق ذلك، تُتَّبع عدة تكتيكات، هي:

أ. التشكيك في مبادئ القوى المكونة للأزمة وقِيمها.

ب. محاولة اجتذاب بعض القوى المرتبطة ارتباطاً ضعيفاً بفكر الأزمة.

ج. السعي إلى تضامن وهمي مع الفكر، الذي يحرك الأزمة؛ لإحداث انقسام داخلي فيه.

5. دفع الأزمة إلى مرحلة متقدمة: تهدف هذه الإستراتيجية إلى دفع القوى المحركة للأزمة، إلى الدخول في مرحلة متقدمة، يظهر خلالها الصراع الداخلي، بين التكتلات غير المتجانسة للقوى المسببة لها. وتتمثل تكتيكاتها في الآتي: أ. التظاهر بضعف المقاومة.

ب. استخدام الشائعات في إذاعة معلومات عن بعض الانهيارات، الناجمة عن الأزمة.

ج. تقديم بعض التنازلات، التي قد تثير الخلافات، بين القوى المسببة للأزمة.

6. تغيير اتجاه الأزمة: تهدف هذه الإستراتيجية إلى التعامل مع الأزمات شديدة القوة والعنف، ذات التأثير المدمر، الذي يصعب مواجهته أو مقاومته؛ إذ يُبادَر إلى مسايرة الأزمة، أقصر مرحلة ممكنة؛ ثم العمل على تغيير اتجاهها إلى عدة اتجاهات فرعية، تساعد على المواجهة الفاعلة، وتحقيق نتائج إيجابية. ولتنفيذ هذه الإستراتيجية، تُتَّبع عدة تكتيكات، هي:

أ. التنحي بعيداً عن الأزمة، والسماح لها بالظهور.

ب. التحرك مع الأزمة، وخاصة مع اتجاهها الأساسي الفعال.

ج. العمل على خفض سرعة اندفاع الأزمة.

د. إيجاد اتجاهات فرعية، وبديلة، تساعد على تفتيت الأزمة.

هـ. إبعاد الأزمة عن مجالها الأساسي.

و. إحكام السيطرة على اتجاه تحرك الأزمة.

و بالله التوفيق .




المراجع


1- أحمد زكي بدوي , معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية , ط2 , مكتبة لبنان , بيروت,1986م.

2- أحمد الفيومي , المصباح المنير ,دار الحديث , القاهرة , 1421هـ.

3- السيد عليوة، "إدارة الأزمات والكوارث"، مركز القرار للاستشارات، القاهرة، 1997.

4- عباس رشدي العماري، "إدارة الأزمات في عالم متغير"، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1993.

5- قدري حفني، "ظاهرة العنف السياسي من منظور مقارن، رؤية نفسية"، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1995م.

6- محسن أحمد الخضيري، "إدارة الأزمات"، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.

7- محمود جاد الله , إدارة الأزمات , دار أسامة , عمان , 2008م .

8- منى صلاح الدين شريف، "إدارة الأزمات الوسيلة للبقاء"، البيان للطباعة والنشر،ط1، القاهرة، 1998.




0 تعليق:

إرسال تعليق