بحث بعنوان :
ماهية الأمن الفكري وكيفية حفظه و صيانته في المجتمع السعودي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسلما كثيرا أما بعد ...
فإن الأمن في الأوطان يعد من أعظم النعم التي تفضل الله سبحانه وتعالى بها على بني الإنسان، وحتى تتحقق الغاية من خلق البشر وهي عبادته سبحانه وتعالى لابد من الأمن والأمان المجتمع.
فقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم: " من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا " رواه البخاري. لقد بين في هذا الحديث أن أمن الإنسان على نفسه وماله ومعافاته في بدنه ، ولديه من القوت ما يسد جوعه في يومه أعظم شيء يحصل عليه ، لأن اختلال الأمن تتغير معه الموازين والقيم والأخلاق ، فلا مال يستفاد منه بدون الأمن ، ولا صحة ولا حياة ترُجى بدون الأمن ، ولا استقرار ولا تطور بدون الأمن ، فالأمن هو الحياة .
و على الجانب الأخر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا "
إن إزهاق الأرواح البريئة تعد جريمة عظيمة ، ومفسدة كبيرة تترتب عليها آثار سيئة على الفرد والمجتمع ، ومن أهم تلك الآثار اختلال الأمن ، فإذا أصبح المسلم لا يأمن على نفسه تعطلت جميع المصالح الدينية والدنيوية ، فلا يأمن المسلم على نفسه عندما يريد الذهاب لأداء العبادات في أماكنها المعدة لذلك وهي المساجد ، ولا يأمن كذلك عندما يريد الحج إلى بيت الله الحرام لمن أراد ذلك ، فقد كان الحاج في الماضي يودع أهله على أنه في الأغلب لا يعود بسبب السلب والنهب وقطاع الطرق .
و عليه فإنه لا يتحقق الأمن المحسوس لمجتمع ما دون وجود أمن فكري يستظل أفراده بظلاله ويكون سبباً رئيساً لحلول الأمن بمعناه الشامل.
وفي حقيقة الأمر فإن الأمن كلٌ لا يتجزأ فمحاولة تحقيق الأمن الحسي المادي تكن بالاهتمام وتحقيق الأمن الفكري للمجتمع الذي جاء الإسلام ليحفظه على المسلمين فإن الدين قول وعمل واعتقاد، والاعتقاد محله القلب والفكر .
و على الصفحات التالية من هذا البحث سوف أتناول فيه بالتفصيل موضوع ماهية الأمن الفكري وكيفية حفظه وصيانته وأسأل المولى تبارك و تعالى السداد و التوفيق ...
مشكلة الدراسة :
في ضوء العرض السابق و الذي يشير إلى أن الأمن الفكري أصبح مطلباً ملحاً يتعين استيعاب مفرداته وتضاريسه على خارطة العمل الأمني و السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي في المجتمع السعودي , فإنه يثور تساؤل حيوي و هو يحدد مشكلة هذه الدراسة حول ماهية الأمن الفكري في المجتمع السعودي وكيفية حفظه وصيانته ؟
تساؤلات الدراسة :
هناك تساؤل رئيسي تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عنه و يتمثل في : ماهية الأمن الفكري في المجتمع السعودي ؟
و يتفرع عن هذه التساؤل عدة تساؤلات فرعية تتمثل في :
1- ما هو مفهوم الأمن و مفهوم الأمن الفكري ؟
2- ما هي أهمية الأمن الفكري في المجتمع ؟
3- ما مقومات الأمن الفكري في المجتمع ؟
4- كيفية صيانة الأمن الفكري في المجتمع؟
أهداف الدراسة:
هناك هدف رئيسي تسعى هذه الدراسة إلى تحقيقه بالدرجة الأولى و هو : التعرف على ماهية الأمن الفكري في المجتمع السعودي .
و يتفرع عن هذا الهدف الأهداف الفرعية التالية :
1- الوقوف على مفهوم الأمن و مفهوم الأمن الفكري .
2- التعرف على أهمية الأمن الفكري في المجتمع .
3- التعرف على مقومات الأمن الفكري في المجتمع .
4- التعرف على كيفية صيانة الأمن الفكري في المجتمع.
5- الخروج بتوصيات و مقترحات في ضوء ما تسفر عنه الدراسة من نتائج حول تفعيل وتوطيد الأمن الفكري في المجتمع السعودي.
أهمية الدراسة:
الأهمية العلمية:
على الرغم من وجود العديد من الدراسات العلمية التي تناولت الأمن الوطني و من زواياه المختلفة إلا أن دراسته من زاوية ماهية وكيفية صيانة الأمن الفكري لم يحظ بعد بالاهتمام المطلوب مما يبرر الأهمية العلمية لهذه الدراسة حيث تتمثل الأهمية العلمية في سعي هذه الدراسة إلى الوقوف على الأمن الفكري و أهميته وسبل تحقيقه في المجتمع السعودي وإمكانية التوصل إلى نتائج مهمة , وهو ما يعدُّ إسهاماً معرفياً له قيمته البحثية , و في ذات الوقت يمثل إضافة إلى المكتبة الأمنية المحلية و العربية التي تحتاج إلى مثل هذه الدراسات .
الأهمية العملية:
تتضح الأهمية العملية لهذه الدراسة في كونها تسعى للتعرف على ماهية وكيفية صيانة الأمن الفكري في المجتمع السعودي . وهو ما يساعد على وضع تصوُّر عام حول مفهوم الأمن الفكري و محدداته و سبل تحقيقه و بالتالي يمكن أن نبنى على نتائجها وتوصياتها البرامج والخطط التي تسهم في تحقيق الأمن الشامل في المجتمع السعودي . و يمكن أن يستفيد من نتائج هذه الدراسة أيضا و توصياتها العديد من المؤسسات في المجتمع و منها : المؤسسات و الأجهزة الأمنية و المؤسسات التربوية و التعليمية و الأكاديمية و المؤسسات البحثية .
المبحث الأول: الأمن ماهيته ومفهومة.
المطلب الأول : تعريف الأمن :
- الأمن لغة:
للأمن تعاريف عِدَّة في لغة العرب، فمن ذلك:
في لسان العرب يذكر: الأَمانُ والأَمانةُ بمعنى واحد .
وقد أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غيري من الأَمْن والأَمان.
والأَمْنُ ضدُّ الخوف، والأَمانةُ: ضدُّ الخِيانة
وفي التنزيل العزيز: وآمَنَهم من خوف.
قال ابن سيده: الأَمْنُ نقيض الخوف، أَمِن فلانٌ يأْمَنُ أَمْناً وأَمَناً
قال ابن فارس: "الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر التصديق.
وقال الجوهري: "الأمان والأمانة بمعنىً. وقد أمنتُ فأنا آمن، وآمَنْتُ غيري من الأمن والأمان.
وأصل آمن: أَأْمَنَ بهمزتين، لُيِّنَت الثانية. والأمن: ضد الخوف" (1) .
ومن خلال ما تقدَّم من كلام وأقوال أهل اللغة وأرباب البيان يتَّضِح أنَّ للأمن في لغة العرب اطلاقات عِدَّة، فهو يعني: "الطمأنينة وعدم الخوف، والثِّقة وعدم الخيانة" (2)
- الأمن اصطلاحاً:
للأمن تعاريف عِدَّة في اصطلاح العلماء والكتاب، وذلك لتنوع النظرة واختلاف التصور، وتباين المشارب، وإن اتَّفقت على بعض وظائفه وأهدافه.
فقد عرَّفته موسوعة السياسة بأنَّه: "تأمين سلامة الدولة ضد أخطار خارجية وداخلية قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبيَّة نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي".
وعرَّفه اللواء عدلي حسن سعيد بأنَّه: "تأمين الدولة من الداخل ودفع التهديد الخارجي عنها بما يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له استغلال أقصى طاقاته للنهوض والتقدم والازدهار" .
ويعرِّفه الدكتور علي الدين هلال بأنَّه: "تأمين كيان الدولة والمجتمع ضد الأخطار التي تتهدَّدهما داخلياً وخارجياً، وتأمين مصالحهما وتهيئة الظروف المناسبة اقتصادياً واجتماعياً لتحقيق الأهداف والغايات التي تعبر عن الرضاء العام في المجتمع" .
وقيل أيضاً بأنَّ الأمن هو: "الجهد اليومي المنظم الذي يصدر عن الدولة لتنمية ودعم أنشطتها الرئيسية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودفع أي تهديد أو تعويق أو إضرار بتلك الأنشطة.
وهذه التعاريف تركز على أمن الدولة أو ما يعرف بالأمن الوطني .
تعريف الأمن في الإسلام:
يعرف الأمن في الإسلام تعريفاُ شاملاُ ويتناول أمن الفرد دنيوياً وأخروياً، وأمن الدولة داخلياً وخارجياً، بل ويتعدى ذلك إلى أمن العالم والكون بعضه إلى بعض.
فالإنسان - في نظر الإسلام - هو جوهر العملية الأمنية، وهو محور الأمن الداخلي والخارجي، لأنَّه مناط التكليف في هذه الحياة الدنيا دون غيره من سائر المخلوقات.
وقد عرّف الشيخ سعود الشريم الأمن من الناحية الإسلامية بأنه:"هو ذلك الأمن الذي ينطلق في بادي الأمر في عقيدة المجتمع،وارتباطه الوثيق بربه،والبعد عن كل مامن شأنه أن يوقع أفرداه في الخوف بدل الأمن،والزعزعة بدل الاستقرار، فلا يقتصر مفهومه فقط على حماية المجتمع من الجرائم فحسب،فالأمن بهذه الصورة هو المطلب الأول، وهو الذي تتحقق به الصلة بالله جل وعلا، والتي بسببها يعم الأمن أرجاء المجتمعات".(2)
وهنا يمكن لنا أن نعطي تعريفاً للأمن في مفهوم الإسلام فنقول بأنَّه يعني: السلامة الحِسِّيَّة والمعنوية، والطمأنينة الداخلية والخارجية، وكفالة الحياة السعيدة للفرد والمجتمع والدولة.
فهذا التعريف كما هو ملاحظ يركز على الفرد لأنَّه اللبنة الأساسية والخليَّة الأولى، والذي يتكون منه المجتمع ومن ثَمَّ الدولة بمفهومها الواسع.
ويتناول هذا التعريف عِدَّة أمور هامَّة هي:
أولاً: سلامة الفرد والمجتمع والدولة حِسِّياً ومعنوياً.
ثانياً: الطمأنينة وعدم الخوف أو الفزع والهلع.
ثالثاً: أنَّ التعريف يتناول الأمن الداخلي للفرد والمجتمع والدولة، وكذا الأمن الخارجي.
رابعاً: أنَّ الأمن يكفل الحياة السعيدة - بإذن الله تعالى - للفرد والمجتمع المسلم في هذه الحياة الدنيا، لأنَّه يوفِّر البيئة الصالحة والظروف الملائمة لعبادة الله تعالى وتوحيده، والإيمان به، والتعاون الفاعل المثمر البناء في مختلف المجالات والميادين.
خامساً: أنَّ المسلم حينما يأمن في هذه الحياة الدنيا ويقوم بعبادة ربه تبارك وتعالى ويوحده، فإنَّه ولا شك سيفوز بمرضاته ودار كرامته في الحياة الآخرة،
سادساً: أنَّ التعريف يتناول ويشمل عِدَّة أنواع للأمن كالأمن العقدي، والدعوي، والفكري، والعقلي، والعلمي، والاقتصادي، والبيئي، والزراعي، والعسكري، والسياسي، وغيرها .
المطلب الثاني الأمن في الكتاب والسنة
وردت كلمة الأمن وما يشتق منها في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وذلك بالمعنى الذي نحن بصدده، وهو الأمن الذي يعني السلامة والاطمئنان النفسي، وانتفاء الخوف على حياة الإنسان، أو على ما تقوم به حياته من مصالح وأهداف وأسباب ووسائل، أي ما يشمل أمن الإنسان الفرد، وأمن المجتمع.(1)
يقول الله تعالى:
أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فصلت الآية 45).
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (آل عمران الآية 97).
ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (يوسف الآية 99).
سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (سبأ الآية 18).
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (الحجر الآية 82)
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا (البقرة الآية 125).
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا (إبراهيم الآية 35).
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا (النور الآية 55).
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (النحل الآية 112).
ومن آيات القرآن الكريم يظهر معنى الأمن الذي ينافي الخوف، ففي قوله تعالى:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا (البقرة الآية 125).
أي أمناً للناس وأمناً من العدو وأماناً لمن يدخله.
وفي قوله تعالى:
وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (آل عمران الآية 97).
يعني حرم مكة، إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء.
وفي قول الله تعالى:
ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (يوسف الآية 99).
أي آمنين مما كنتم فيه من الجهد والقحط.
وفي قوله سبحانه:
وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (الحجر الآية 82).
يقصد بالأمن عدم الحاجة.
يقول ابن كثير: " أي نحتوا بيوتاً من الجبال من غير خوف ولا احتياج إليها، بل أشراً وبطراً وعبثاً ".(1)
ولا يتحقق للإنسان في الحياة الدنيا الأمن المطلق.
ذلك أن الإنسان مهما أوتي من نعمة، ومن سلامة نفس وبدن ووفرة رزق، لا يحس بالأمن الكامل، أو الأمن بمعناه المطلق الذي ينافي كل خوف مهما كانت أسبابه. (2)
فالأمن المطلق، لا يوجد إلا في دار النعيم التي وعد الله بها عباده الصالحين.
قال الله تعالى:
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (الحجر الآية 46).
ففي الجنة، لا يكون خوف ولا فزع ولا انقطاع ولا فناء.
أما في الدنيا؛ فالأمن المطلق غير واقع، إذ يشوبه الخوف من انقطاع الأمن، والخوف من زوال الحياة نفسها.
ولا يحس بالأمن المطلق من عذاب الله، إلا الغافلون الخاسرون، يقول الله تعالى:
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (الأعراف الآية 99).
أما المؤمنون حقاً، فحالهم بين الرجاء في رحمة الله عز وجل، والخوف منه سبحانه، الذي يعتبر ضرورياً للمسلم حتى يأمن من ظلمه لنفسه، ومن ظلمه لغيره، ومن ظلم غيره له، فالخوف من الله مفتاح الأمن للمسلم في دنياه والفلاح في أخراه.
ويقع الخوف من الأنبياء والرسل، خوفاً من أعدائهم، ومما يجهلون حقيقته أول الأمر.
يقول الله تعالى لموسى عليه السلام حين أوجس خيفة من السحر:
قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (طه الآية 68).
وقد بشرت الملائكة النبي لوطاً عليه السلام بالأمن، حين اقترب عذاب الله لقومه المكذبين له:
وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ (العنكبوت الآية 33).
وقد أحس إبراهيم عليه السلام بالخوف حين أقبلت ملائكة الله:
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (الذاريات الآية 28).
وقد جعل الله الخوف نوعاً من العذاب للمكذبين والكافرين، يقول تعالى:
وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (الإسراء الآية 59).
وجعل الابتلاء بالخوف، من قبيل الفتن التي يتعرض لها الإنسان (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ))
من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي، وابن ماجه، والطبراني في الكبير.
فالأمن على نفس الإنسان، وعلى سلامة بدنه من العلل، والأمن على الرزق، هو الأمن الشامل الذي أوجز الإحاطة به وتعريفه هذا الحديث الشريف، وجعل تحقق هذا الأمن لدى الإنسان بمثابة ملك الدنيا بأسرها، فكل ما يملكه الإنسان في دنياه، لا يستطيع الانتفاع به، إلا إذا كان آمناً على نفسه ورزقه.
ولقد نهى الرسول صلوات الله عليه وسلامه، عن أن يروع المسلم أخاه المسلم، فقال:
لا يحل لمسلم أن يروع مسلما رواه الإمام أحمد، وأبو داود.
كما نهى عن أن يشهر بالسلاح عليه، حتى ولو كان ذلك مزاحاً، فقال:
لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار متفق عليه.
ونهى عن أن يخفي الإنسان مالاً لأخيه، ولو لم يكن بقصد الاستيلاء عليه، ولكن أراد بذلك أن يفزعه عليه، فقال:
لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً رواه الإمام أحمد، وأبو داود.
المبحث الثاني : مفهوم الأمن الفكري والتأصيل الشرعي له
تتنوع معاني الأمن التي يحتاجها المجتمع، فهناك الأمن النفسي والاستقرار الأسري وهناك ما يسمى بالأمن الغذائي وأمن الصحة الوقائي وكذلك الأمن البيئي، والزراعي مما يوفر حياة سليمة من الأمراض العدوى
وعلى صعيد أخر هناك الأمن العقدي، والدعوي، والفكري، والعقلي، والعلمي، والاقتصادي وكذلك الأمن العسكري، والسياسي.
فالحاجة إلى الأمن بكافة صوره وأشكاله من أهم الحاجات الفطرية التي لا يمكن أن يكون سلوك الإنسان سوياً بدونها، وكما أنه لا حياة للبدن إلاّ بإشباع حاجاته الفطرية، كذلك لا حياة ولا سرور ولا قرار ولا استقرار للقلب والنفس والروح إلاّ بهذا الأمن. بيد ان هذا الأمن نعمة وعد الله تعالى بها عباده الذين يعبدونه ويوحدونه ويذبون عن دينه ويحمون حماه، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) النور 55كما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرص على بيان هذا المعنى فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح معافى في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)
.ولقد حرصت الشريعة الإسلامية على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بل أن مدارها على تلكم القاعدة العظيمة. فما أمرت الشريعة بشيء أو أباحته إلاّ وفيه مصلحة محققة أو راجحة على مفسدة مرجوحة، ولا نهت عن شيء أو منعته إلاّ وفيه مفسدة محققة أو راجحة على مصلحة مرجوحة.
فبهذا الأمن المترابط هو الذي يتكون منه مزاج الأمة الأمني.
ولأنه لا يبحث ولا يستقر في أمن إلا باستقرار الأمن الفكري وإنه في هذه العصور يعد هاجساً أمنياً لكل مجتمع، فالأمن الفكري الذي يحمي عقول المجتمعات ويحفظها من الوقوع في الفوضى، والعَبِّ من الشهوات بنهم، أو الولوغ في أتون الانسلاخ الأخلاقي الممزق للحياء الفطري والشرعي.
فجميع أنواع الأمن مرهونة الحصول بالأمن الفكري، فالإنسان إذا عاش آمناً استطاع أن يفكر بعمق، وان يجتني من ثمرات خواطره المعاني الصحيحة السامية الرفيعة وتولدت في قلبه الرغبات الطاهرة والإرادات المشروعة ثم جاء سلوكه على مقتضى رغبته مأموناً نافعاً فكان رحمة وأمناً وسلاماً على نفسه ومجتمعه وأمته.
إن الأمن كل لا يتجزأ، وهو منظومة متناغمة الأجزاء متساوقة الأنحاء إذا حدث خلل في إحداها تداعى له سائرها بالحمى.
ولقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب لإرساء قواعد الإيمان الصحيح الذي يقوم على سلامة الاعتقاد والقول والعمل ولا يكون ذلك إلاّ بسلامة القلب الذي هو بيت الفكر والإرادات والمشاعر وسلطان الجوارح ولن يكون القول سليماً مرضياً ولا العمل صحيحاً مقبولاً إلاّ إذا كان القلب سالماً لله عز وجل، سليماً من الآفات والعلل ورديء الهمات والعزمات قال تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
إن الأمن الفكري حالة تشعر الفرد والمجتمع بالطمأنينة على ثقافته ومعتقداته وأعرافه ومكونات أصالته ومنظومته الفكرية المستمدة من الكتاب والسنة من ان يصيبها التشويه أو التشويش أو الاختراق أو الضبابية أو التعتيم. (1)
إنها الحالة التي تجعل كل فرد من أفراد المجتمع جبلاً شامخاً لا تستطيع رياح الشبهات ولا العواصف الكفريات ولا الأعاصير النفاقيات ولا البدع الضلالات من شرقيات أو غربيات أن تهزه أو أن تنال من ثباته على قيمه ومبادئه.
إنه ضرورة دينية حرص عليها الأنبياء لأممهم وأقوامهم فخليل الله إبراهيم يناصح أباه في غاية اللطف ليرده عن مصدر الضلالات والوساوس الكفريات يقول: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً)
يطلب الأمن بجميع صوره وأشكاله للبلد الحرام وساكنيه من الطائفين والعاكفين والركع السجود، وقد سطر ذلك القرآن في قوله تعالى: (وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً) وقال تعالى ممتناً على قريش: (لإيلاف قريش لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وقال تعالى: (أو لم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء)
إن الأمن الفكري هو السبيل الوحيد لبلوغ الأمة عزها ومجدها و إحرازها خيريتها واستخلافها وتمكينها أيما تمكين، فوحدة الفكر على عقيدة الإسلام تثمر وحدة الشعور بالمسؤولية والواجب وتحيي الضمائر وتدفع إلى المعالي فيتحقق للأمة سعادتها وفلاحها وعزها وكرامتها.
إن فكرنا جزء لا يتجزأ من عقيدتنا وثقافتنا وتأمينه لديننا وإسلامنا، وحراسته حراسة لعقيدتنا وشريعتنا.
وإذا كانت الأمم تسعى إلى الإبداع والعبقرية والنبوغ، فإن الأمن الفكري هو أعظم مناخ للإبداع والنبوغ والعبقرية والرقي والحضارة فإن الحضارات الراقية على مر التاريخ ما قامت إلاّ على فكر حر وبيئة آمنة مطمئنة.
وإذا كان الشباب هم عماد النهضة وأمل المستقبل فبالأمن الفكري نحميهم ونصونهم عن الشبهات وضبابيات الأفكار المنحرفة.
وحتى لا تذهب بنا الظنون كل مذهب فإن أمننا الفكري مستمد من ديننا، من نور الوحي ومشكاة النبوة (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار).
إن مضامين الأمن الفكري لابد أن تكون مستمدة من ديننا ومن مصادره الصحيحة المعتمدة من القرآن والسنة الصحيحة، منسجمة مع مقاصد شريعتنا تدور مع المصلحة والمنفعة حيث دارت، وتحقق الوسطية والعدل ولا مجال لمتأول أو متفلسف أو متعولم في أن يحوم حول الحمى إلاّ بحق عليه نور من القرآن وسنة نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. فالأمن الفكري ليس مجالاً لتلاعب المتلاعبين ولا لعبث العابثين من أنصاف المتعلمين أو أرباعهم أو أدعياء التفكير والتنوير، قال الله تعالى: (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) (1)
المبحث الثالث : الأمن والمجتمع
المطلب الأول : دواعي الأمن في المجتمع:
بعث الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم للناس هدايةً ورحمة، وجعل مبعثه في مكَّة المكرَّمة في جزيرة العرب، التي كانت تنتابها المحن والقلاقل والفتن وعدم الأمن، سوى أهل مكة بلد الله الحرام الذين امتن الله تعالى عليهم بالأمن وعدم الخوف كما قال سبحانه: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} ( سورة قريش).
ولقد تعاقبت على جزيرة العرب عهود تاريخية كثيرة، وأحداث جسيمة ألقت بظلالها عليها، الأمر الذي أدَّى إلى عدم الاستقرار وتضعضع الأمن ونشر الخوف بين الناس، وتوجس الشر في كثيرٍ من الأحيان. ناهيك عن انتشار البدع والخرافات وتعلُّق الناس بالأوهام، وانصرافهم عن العقيدة الإسلامية الصحيحة في كثيرٍ من الأوقات، وعدم فهمهم لدعوة الإسلام الخيرة النافعة للإنسان في آخرته ودنياه ، وخاصَّة في العهود الإسلامية المتأخرة.
حتى امتن الله تعالى على الناس في هذه الجزيرة بدعوة الشيخ الإمام محمد ابن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - داعية التوحيد، ومجدِّد ما كان من عقيدة الإسلام في العصور الحديثة ، وساعده ووقف بجانبه الإمام محمد ابن سعود أمير الدرعية، بل يمكن لنا القول أنَّ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لم يكن لها أن تصمد وتنتشر ويكتب لها النجاح لولا توفيق الله تعالى وحفظه وتأييده، ثُمَّ وقفة الأمير محمد بن سعود لها وجهاده من أجلها.
وتتابع الأئمة من آل سعود في احتضان ورعاية الدعوة السلفية والعناية بها، وتكبدوا في سبيل ذلك المشاق والأهوال، بل وتحمَّلوا المحن التي رانت على دولتهم في بعض عهودها من أجل هذه الدعوة المباركة ومن أجل بقائها.
حتى كان العصر الحاضر، وفي عهد الإمام المؤسِّس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود الذي وحَّد الجزيرة بعد شتات، ولَمَّ شعثها بعد طول سبات، فانتشرت على يديه المباركتين دعوة التوحيد، وراجت كتبها، وتعدَّدت مؤسساتها العلمية، وانتفع الناس بها في الداخل والخارج. كذلك ساد الأمن، وألقت الطمأنينة بظلالها الوارفة، وعمَّت السكينة أرجاء البلاد بعد طول شتات وفرقة وخلاف، فلله الحمد والمنة.
ومِمَّا سبق وتأسيساً عليه يمكن لنا أن نذكر ونسجِّل بعض الأمور التي تستدعي الأمن وتتطلبه، بل وتؤكِّد عليه وتجعله ضرورة هامَّة في هذه البلاد المباركة، ومطلباً حيوياً فيها وهي(1):
أولاً: أنَّ المملكة العربية السعودية تشغل معظم جزيرة العرب موطن دعوة الإسلام، ومبعث النور والضياء إلى الإنسانية بأجمعها، فكان حريّاً بها أن تكون واحة الأمن والاستقرار.
ثانياً: وجود الحرمين الشريفين في مكَّة المكرَّمة والمدينة المنورة، وكذا بقية الأماكن والمشاعر المقدَّسة التي يهوي إليها المسلمون لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، أو ما يكون بقصد العمرة والزيارة والصلاة.
ولا شكَّ أنَّ الأمنَ لازمٌ لكي يقوم المسلمون بتأدية عباداتهم تلك وإتمام ما أتوا من أجله في راحةٍ واطمئنان، ومن هنا فقد أمر الله تعالى بأن يكون حرمه آمناً، وبيته ملاذاً للطمأنينة، ومستقراً للسكينة منذ أن أمر جلَّ شأنه ببنائه على يد إبراهيم الخليل وإسماعيل عليهما السلام كما قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
وعن عبد الله بن زيد بن عاصم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مؤكِّداً على حرمة مكَّة والمدينة: "إنَّ إبراهيم حرَّم مكَّة ودعا لأهلها، وإني حرَّمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيم مكَّة، وإني دعوت في صاعها ومدِّها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكَّة" وعن سهل بن حُنيفٍ قال: أهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقال: "إنَّها حرمٌ آمن" .
ثالثاً: وفود المسلمين في كُلِّ عام إلى الديار المقدَّسة لأداء العمرة والحج، وبأعداد هائلة، ومن بلدان ومجتمعات مختلفة، وتنقُّلهم في مشاعر عديدة كمنى وعرفات ومزدلفة، وفي أوقات وأزمنة محدَّدة، وبكيفيةٍ معتبرة، كل ذلك يجعل من الأمن مطلباً هامّاً لهذه الجموع المسلمة حتى تؤدي عبادتها ونسكها على أفضل وجه.
رابعاً: إنَّ طبيعة هذه البلاد وموقعها الجغرافي بين عِدَّة أماكن ونقاط التقاء برية وبحرية واحتوائها على ثروات عديدة، جعل من الأمن ضرورة هامَّة لها.
خامساً: نهضة المملكة العربية السعودية والتنمية الشاملة في جميع المجالات والميادين الاقتصادية والزراعية والتعليمية والاجتماعية، والرخاء الذي تنعم به، والأهمية المنوطة بأجهزتها تجاه المحافظة على تلك المكتسبات جعل من الأمن مطلباً هامّاً لها.
سادساً: احتواء المملكة العربية السعودية العديد من الأجهزة والمنظمات والهيئات الإسلامية العالمية، كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي، والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، وغيرها من المنظمات والهيئات والسفارات والبعثات الدولية، كُل ذلك يضاعف من مسؤوليتها الأمنية تجاه المحافظة على تلك الهيئات.
سابعاً: مجالات العمل والإنتاج المتعددة التي تشهدها المملكة العربية السعودية وتعيشها في عدة ميادين ومناشط، جعل من الأمن مطلباً هامّاً لتحقيق هذه المطالب الهامة، وتوفير الحماية والأمان اللازم لعناصرها.
ثامناً: علاقات المملكة العربية السعودية مع غيرها من الدول العربية والإسلامية والدولية، وارتباطها بهيئات ومنظمات ومواثيق دولية، جعل من الأمن مطلباً هامّاً كذلك.
تاسعاً: وهذا أمر وعنصر هام، وهو أنَّ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز – رحمه الله تعالى - جاء على فترة من الخوف وانقطاع السبل وتفشي الرعب بين الناس في هذه الجزيرة، فكان توحيده لها على أساسٍ من العقيدة الإسلامية وجعل الأمن أصلاً من الأصول التي ترتكز عليها هذه الدولة حتى يقطع دابر الفتن ويستأصل شأفة الخلاف بين أرجائها.
وكان جهاده - رحمه الله تعالى - في توطيد الأمن في ربوع هذه البلاد مضرب المثل بين سائر البلدان ومختلف المجتمعات، وأصبح كثيرٌ من المجتمعات يتمنى بعضاً ممَّا وصلت إليه هذه البلاد المباركة في إيمانها وأمنها واستقرارها.(1)
المطلب الثاني : مقومات الأمن في المجتمع :
أولا : تحكيم شرع الله و إصلاح العقيدة ، بإخلاص العبادة لله ، وترك عبادة ما سواه ، والبراءة من الشرك وأهله وملازمة العمل الصالح .
قال تعالى : (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).
فعلق سبحانه حصول هذه المطالب العالية : الاستخلاف في الأرض والتمكين للدين وإبدال الخوف بالأمن علق ذلك كله ووعد به إن تحقق أمران هما : عبادة الله سبحانه وتعالى ، وترك الإشراك به : " يعبدونني لا يشركون بي شيئاً " .
وهذا هو الذي بعث الله برسله كلهم ، قال تعالى : (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )، وهو حق الله على عباده ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " .
ونحن في هذه البلاد بلاد الحرمين أعزها الله بالإسلام ، قد أنعم الله علينا بدعوة سنية سلفية ، دعوة التوحيد التي قام بها الإمامان محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود .
فكان من ثمراتها زوال البدع والشركيات ، وظهور السنة وأهلها وتحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، وقيام دولة تحكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح ، فذاق الناس طعم الأمن ونعموا به بعد سنوات الخوف والفرقة في جزيرة العرب ، واجتمعت القلوب بعد تباغض ، وعبد الناس ربهم فعمرت المساجد ووفد الحجاج إلى بيت الله الحرام من كل فج عميق في أمن ورخاء وطمأنينة ، فاللهم لك الحمد على نعمك العظيمة وآلائك الجسيمة ، اللهم لك الحمد على نعمة الأمن والإيمان ، اللهم من أرادنا وعلمائنا وولاة أمرنا وبلادنا بسوء وفتنة اللهم رد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء .
ثانياً : إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال تعالى : " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) .
فربط سبحانه وتعالى حصول النصر على الأعداء الذي يتوفر به الأمن للمسلمين ربط ذلك بإقامة الصلاة التي هي ثاني أركان الإسلام ، وإيتاء الزكاة .
وكما أن هذه الأمور هي من أهم أسباب النصر والأمن في الدنيا ، فهي كذلك من أسباب الأمن في الدار الآخرة: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وقوله : (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي لم يخلطوا عبادتهم بشرك بل أخلصوا الدين لله رب العالمين وقال تعالى فيهم : (إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون) . وقال تعالى : (وهم في الغرفات آمنون) جعلنا الله منهم أجمعين .
ثالثاً : اجتماع الكلمة والحذر من التفرق وطاعة ولاة الأمور بالمعروف وعدم الخروج عليهم.
قال تعالى :" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " ، وقال تعالى " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " ، وقال تعالى " ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون " .
ولهذا حرم الله معصية ولي الأمر إذا لم يأمر بمعصية ، لما في ذلك من المفاسد ، وحرم الخروج على إمام المسلمين وتفريق الكلمة وأمر بردع من سعى في ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم : " من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد ، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه "
رابعاُ : للجهاد ضوابط ..وهي
"إذن ولي الأمر و القتال تحت راية الحق والاستعداد العسكري بالإضافة أن لايترتب على ذلك ضرر أكبر من نفعه فأي فعل عسكري ضرره أكثر من نفعه وجب الامتناع عنه" (1).
خامساً : شكر النعمة ، ومن أسباب زواله كفرها
قال تعالى : " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " .
وقال تعالى : (ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
أسباب تزعزع الأمن في المجتمع:
إذا كان لتحقيق الأمن أسباب ، فإن لزواله أسباباً أيضا ، ينبغي الحذر والبعد عنها .
فمن الأسباب التي تفسد الأمن في المجتمع، وتحرض على الفتنة وشق عصا المسلمين ، وتوغر الصدور على علماء أهل السنة وولاتهم وبلادهم : تلك الكتب الفكرية الحركية فإنها أصل البلية ، وهي ينابيع الشر والتكفير والعنف والفرقة .
وعدم رد الأمور المتنازع فيها إلى الثوابت الدينية المتفق عليها : وهذا الخلل الفكري أدى إلى اختلاف الرؤى والتوجهات سواء من قبل أهل الغلو والإفراط أو من قبل أهل الجفاء عن الدين والتفريط فيه ؛لأن كل واحد من الطرفين احتكم إلى عقله وهواه وما يراه صواباً دون رجوع إلى الثوابت وهي نصوص الكتاب والسنة على وفق فهم السلف الصالح وقد قال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) وقال ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول )فهي تؤدي إلى تربية الشباب على القيام بالانقلابات والثورات والتفجير والعنف.
حفظ الله شباب المسلمين من كل سوء ، وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وزقهم العلم النافع والعمل الصالح وجعلهم قرة أعين لوالديهم وبلادهم .
المبحث الرابع : صيانة الأمن الفكري
مع أن التشخيص لأسباب الإخلال بالأمن الفكري كان ميسوراً لوضوحه إلا أن وصف العلاج أشد صعوبة في هذه الظروف التي وصل فيها الخلل إلى درجة الاختراق الفكري ،ومع ذلك فإن وسائل حماية الأمن الفكري منها ما هو وقائي ـ وهو الأنفع ومنها ما هو علاجي وهو ضروري ، ذلك أن العيش في مجتمع مزدحم يختلط أفراده وفيهم الصحيح والسقيم مظنة لانتشار بعض الأمراض فيه بفعل العدوى فإما أن ننتظر حتى تظهر الأعراض على البعض فنبادر بعلاجهم ، وإما أن نسعى إلى الوقاية بأخذ الجميع جرعة من اللقاح الواقي من المرض بإذن الله ، واللقاح الفكري أولى وأكبر تأثيراً(1) .
المطلب الأول : من الوسائل الوقائية لحماية الأمن الفكري :
(1) إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه : وترسيخ الانتماء لدى الشباب لهذا الدين الوسط وإشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية( وكذلك جعلناكم أمة وسطاَ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) ، وهذا يعني الثبات على المنهج الحق وعدم التحول عنه يمنة أو يسرة وعدم نصرة طرف الغلو والإفراط أو طرف الجفاء والتفريط في صراعهما المستمر.
(2) معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها: فلا بد من تعريفهم بهذه الأفكار وأخطائها قبل وصولها إليهم منمقة مزخرفة فيتأثرون بها ؛لأن الفكر الهدام ينتقل بسرعة كبيرة جداًّ ولا مجال لحجبه عن الناس ولقد كان الناس يسألون رسول الله عن الخير لكن حذيفة بن اليمان كان يسأله عن الشر مخافة أن يدركه وهو منهج قرآني دل عليه قوله تعالى: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) فإستبانة سبيل المجرمين لاجتنابها كان سبباً لتفصيل الآيات حولهم ، كما أن فضح المنافقين في القرآن وخصوصاً في سورة التوبة وكشف طريقة تفكيرهم كان من أهدافه تحذير المسلمين عن سلوك مسالكهم
والغالب أن القلب والفكر محل لمن سبق إليه ،ومن هنا فأهمية السبق بالبيان كبيرة في الوقاية من الفكر المنحرف بإذن الله ومثال ذلك أفكار أهل التكفير التي قادت إلى التفجير لو تم مناقشتها بوضوح في بداياتها لما راجت على كثير من الشباب الذين تأثروا بها فيما بعد وكتاب المقدسي المسمى ( الكواشف الجلية ) الذي يكفر فيه الدولة السعودية صدر قبل سنوات عديدة بل وتأثر به من فجروا في العليا بالرياض في عام 1415هـ كما جاء في اعترافاتهم التي بثها التليفزيون السعودي آنذاك ، ومع ذلك لم تتم مناقشة الشبهات المثارة ودحضها بالدليل الشرعي في ذلك الحين مع أنها شبهات لا تصمد أمام النقد العلمي المدعم بالدليل الواضح من الكتاب والسنة على وفق نهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى .
(3) إتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد داخل المجتمع الواحد : وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع؛ لأن البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة سرية غير موجهة ولا رشيدة مما يؤدي في النهاية إلى الإخلال بأمن المجتمع كما حدث ، ومن تطبيقات هذه القاعدة في السنة النبوية قول بعض حدثاء العهد بالإسلام لرسول الله: ( اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ) والمقصود طلب تخصيص شجرة يتبرك بها المسلمون ويعتقدون فيها مالا يحل اعتقاده في مخلوق ، وعلى الرغم من مصادمة هذا الطلب لثوابت المعتقد فإن البيئة الصحية التي كان المسلمون يعيشون فيها جعلت هذا الانحراف الفكري يظهر للسطح فوراً وتتم مناقشته في العلن مع القيادة العلمية والسياسية للأمة المتمثلة في النبي صلى الله علية وسلم
(4) الاهتمام بالتربية : في المدارس والمساجد والبيوت ، وكم يؤلم أن نرى ونسمع هذا الانفصال الشعوري بين الآباء والأبناء ، وبين المعلمين والطلاب ، وبين الخطباء والمصلين في كثير من الأحيان ؛ بل إن معظم المشاركين في أحداث التفجيرات الأخيرة انفصلوا عن أهلهم وخرجوا من بيوتهم منذ مدة طويلة ، والمربي الناجح لا يترك مثل هذه الأحداث تمر دون تعليق ولفتات تربوية تناسب المقام
(5) الدعاء : وهو سلاح عظيم له أثر كبير في حلول الأمن الفكري وقد أهمله كثير من الناس فلا تكاد الأيدي ترتفع سائلة الله الهداية إلى الصواب مع أن نبي الله وهو المؤيد المسدد بالوحي كان يقول في دعائه : (اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ) بل إن المسلم لا يكاد يكرر دعاء ولا كلاماً في حياته كتكراره لكلمة ( إهدنا الصراط المستقيم ) التي هي جزء من الفاتحة وقراءتها ركن في كل صلاة بل في كل ركعة بما يزيد عن ستة آلاف مرّة في العام الواحد فالقلوب كما في الحديث الصحيح : ( بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ) .
المطلب الثاني : من الوسائل العلاجية لحماية الأمن الفكري :
الواقع العملي أن البعض قد وقعوا في هذا المرض ( الانحراف الفكري ) ولم تجد محاولة الوقاية شيئاً في دفعه عنهم ، ومن هنا وجب على المجتمع السعي في علاجهم قبل فوات الأوان ومن وسائل العلاج:
(1) دعوة المخطئ إلى الرجوع عن خطئه : وبيان الحق بالمناقشة العلمية الهادئة دون اتهام للنيات فقد تكون صادقة ، ولكن هذا لا يغني عن صاحبها شيئاً كما قال تعالي : ( وجوه يومئذٍ خاشعة عاملة ناصبه تصلى نار حامية ) .
(2) تجنب الأساليب غير المجدية : فالمصاب بهذا المرض لا يعالج بالتركيز على الوعظ والتخويف من عقاب الله فهذا الأسلوب في الغالب لا يجدي معهم لأن أمثال هؤلاء يرون أنهم على صواب ودين فكيف تعظ إنساناً يظن أنه على الدين الحق قبل أن تبين له خطأه الفكري فيما يراه حقاًّ ، ولا يعالج المصاب بهذا المرض بالتركيز على التهديد والوعيد ؛ لأن أمثال هؤلاء يرون أنهم يتقربون إلى الله بما يصيبهم من الأذى والنكال ؛ بل رأينا من يُقدم على ما يضره عالماً بذلك بزعم طلب الأجر من الله فهذا التهديد والوعيد لا يزيده إلا إقداماً فمثل هذه الأساليب تستنزف الكثير من الجهد والوقت وقد تكون ثمرتها محدودة في العلاج .
(3) وجوب الأخذ على أيديهم : ومنعهم من الإخلال بالأمن الفكري للمجتمع ولو أدى ذلك إلى إجبارهم على عدم مخالطة الآخرين لاتقاء شرهم ، وقد ضرب النبي الله علية وسلم مثلاً بليغاً لمثل هذه الحالة فقال :( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ،وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونحوا جميعاً)
(4) النهي عن مجالسة أهل الانحراف الفكري : الذين يريدون خرق سفينة المجتمع وإغراق أهلها بخوضهم في آيات الله وتجرأهم على الفُتيا بغير علم وقد قال تعالى : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) .
(5) ضرورة التفريق بين الانحراف الفكري الذي لم يترتب عليه فعل وبين من أخل بفعله بالأمن في مجتمعه : فمن ظهر منه عمل تخريبي وثبت عليه شرعاً فيجب محاسبته على ما بدر منه كائناً من كان وعقابه بما يستحقه شرعاً حتى ولو كان ظاهره الصلاح والاستقامة فيما يرى الناس شأنه في ذلك شأن من كان ظاهره الصلاح لكنه وقع في السرقة والزنا أو القذف على سبيل المثال ، فإن ما ظهر للناس من صلاحه واستقامته لا يشفع له ويسقط المحاسبة عنه لكن العبرة هنا بالثبوت الشرعي المعتبر لجرمه التخريبي ، ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(1).
الخاتمة
الحمد لله ربا العالمين , و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , أما بعد ...
وفيما يلي عرض موجز لأهم التوصيات التي يمكن الخروج بها في نهاية هذا البحث و ذلك لضمان تحقيق الأمن الفكري في المجتمع السعودي و الإسلامي .
دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تحقيق الأمن الفكري:
ضرورة تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تحقيق الأمن الفكري لتسهم مع غيرها من المؤسسات المعنية في حماية الأمن الوطني بكل مقوماته، أما أهم الأدوار التي يرى الباحث ضرورة قيام مؤسسات التنشئة الاجتماعية بها في هذا المجال فهي على النحو التالي:
(أ) دور المساجد والقائمين عليها في تحقيق الأمن الفكري:
•ترسيخ وسطية الإسلام واعتدال مبادئه في المجتمع، والتعريف بالأفكار المنحرفة للتحذير من الوقوع فيها، ومراعاة ألا تكون المساجد ـــ بمرافقها وأنشطتها المختلفة ـــ منطلقاً للأفكار المتطرّفة الداعية إلى الإرهاب.
•بيان موقف الإسلام من الإرهاب، ومن التَّكفير لخطورة النتائج المترتبة على كل منهما، على ضوء مقاصد الإسلام وغاياته من حفظ الضرورات الخمس.
•توعية المجتمع بالأحكام المتعلقة بالجهاد وضوابطه، وتصحيح مفهوم المصطلحات الشرعية (كمفهوم الولاء والبراء والحاكمية وغيرها) لدى العامة.
• المبادرة ـــ كلما اقتضت الحاجة ـــ إلى بيان موقف الإسلام من القضايا المعاصرة التي تهم المجتمع.
•أن يسهم المسجد في تأصيل الولاء والانتماء وتحقيق المواطنة الصالحة، وإيضاح حقوق ولاة الأمر كالسمع والطاعة وتحريم الخروج عليهم.
•العمل على تحقيق رسالة المسجد الشاملة، بحيث يتجاوز دوره الديني إلى الأدوار الاجتماعية والثقافية والتربوية والأمنية.
•أن تقوم الجهات المعنية بالإشراف على المساجد باختيار الأئمة والخطباء وفق معايير دقيقة، مع استمرارية المتابعة وتقويم الأداء، ووضع البرامج المناسبة لرفع مستوى ثقافة الأئمة والخطباء الدينية والسياسية والاجتماعية ليُسهِموا في تحقيق الأمن الفكري.
(ب) دور الأسرة في تحقيق الأمن الفكري
•التربية الفكرية الصالحة للأبناء، من خلال ترسيخ مبادئ الوسطية والاعتدال في معتقداتهم وأفعالهم وأقوالهم، وتنمية روح الانتماء والمواطنة لديهم في مراحل نموهم المختلفة.
•تحصين الأبناء ضد التأثُّر بدعاة الانحراف الفكري، وفي مواجهة ما يُبث من انحرافات فكرية وعقدية عبر وسائل الإعلام، ومراقبتهم للتعرف على توجهاتهم الفكرية من أجل تهذيبها في مرحلة مبكرة.
•تثقيف الأبناء أمنياً ليدركوا أهمية استتباب الأمن باعتباره مطلباً وحاجة إنسانية أولية، وتعريفهم بأخطار التكفير والإرهاب على الأمن الوطني بكل مقوماته.
•التعاون مع المؤسسات الدينية والتعليمية والأمنية، لتحقيق الأمن الفكري وفق الأهداف التي تنسجم مع الثوابت الدينية والوطنية.
•تثقيف الأبناء سياسياً وتعريفهم بالضوابط الشرعية التي تنظم علاقة الحاكم بالمحكوم، وتوعيتهم بحقوق غير المسلمين في المجتمع المسلم.
(ج) دور المؤسسات التعليمية في تحقيق الأمن الفكري
•ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة والتمسك بثوابتها، وتعزيز قيم الوسطية والتسامح والاعتدال لدى الطلاب من خلال المناهج والمناشط التربوية والتعليمية، والعمل على إشاعة ثقافة الحوار وتقبُّل الرأي الآخر في المؤسسات التعليمية.
•توعية الطلاب بأخطار التكفير والغلو في الدين، وأخطار الإرهاب (الدينية والاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية) وسبل الوقاية منه.
•العمل على تنمية قِيَم الانتماء والمواطنة لدى الطلاب من خلال إبراز خصائص المملكة الدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
•قيام المؤسسات التعليمية بما في وسعها لئلا تكون منطلقاً للانحرافات الفكرية، ومن ذلك الإشراف المكثف على جميع الأنشطة الطلابية لضمان عدم توظيفها لنشر الانحرافات الفكرية والعقدية.
•العمل على اكتشاف أعراض الانحراف الفكري مبكراً لدى الطلاب من أجل معالجتها في بداياتها، ودراسة المشكلات التي قد تؤدي إلى انقطاع الطلاب عن التعليم أو عدم انتظامهم به؛ مما يتيح الفرصة لالتحاقهم بالجماعات المنحرفة.
•الاهتمام بحسن اختيار عضو هيئة التدريس في جميع المراحل التعليمية من خلال معايير دقيقة تكفل توافر الكفايات اللازمة لديه، وتضمن تبنّيه الوسطية والاعتدال فكراً وممارسة، والحرص على رفع مستوى ثقافته الدينية والعلمية والسياسية والاجتماعية ليعمل على تحقيق الأمن الفكري لدى الناشئة، وضرورة وضع برامج فاعلة للمتابعة وتقويم الأداء في هذا المجال.
•وضع ضوابط دقيقة (علمية وشخصية) لاختيار المشرفين التربويين والمرشدين ومديري المدارس ووكلائهم، وتقويم أداء المعلمين في مجال تحقيق الأمن الفكري بصورة فعّالة ومعالجة الخلل إن وجد.
•مراجعة الأوعية العلمية المتاحة للطلاب لتنقيتها مما يدعو إلى الغُلُو والتطرّف، وتوفير المراجع العلمية المناسبة لمعالجة الانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية لتكون في متناول الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
•تضمين المناهج الدراسية شرحاً وافياً لأحكام الإسلام فيما يستند إليه دعاة الانحراف الفكري لتبرير أقوالهم وأعمالهم، وبيان منهج الإسلام في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
•ربط مناهج التعليم بواقع الحياة ومشكلات المجتمع الفكرية المعاصرة، وتوظيف بعض المقررات الدراسية والأنشطة التعليمية لإيضاح مدى خطورة الانحراف الفكري لتحصين الطلاب في مواجهته.
• أن تقوم الجامعات بتنظيم اللقاءات العلمية التي تهتم بمناقشة سُبل تحقيق الأمن الفكري، وتفعيل دور البحث العلمي في مجالات تحقيق الأمن الفكري والوقاية من الإرهاب من خلال مراكز البحوث العلمية وبرامج الدراسات العليا.
• إيجاد مراكز ترفيهية موجهة توجيهاً تربوياً ودينياً لشغل أوقات الفراغ لدى الطلاب، وتنمية روح الإبداع والابتكار لديهم. وإنشاء أندية علمية وثقافية واجتماعية وتطوعية في جميع مدن المملكة لاحتواء الشباب تحت إشراف وزارتي التعليم العالي، ووزارة التربية والتعليم، وغيرها من مؤسسات المجتمع الفاعلة.
و في الختام آمل أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو أفضل , و بالله التوفيق ...
قائمة المصادر و المراجع
1- القرآن الكريم .
2- كتب السنة النبوية .
3- أحسن طالب، الوقاية من الجريمة:نماذج تجريبية ناجحة، مجلة الفكر الشرطي، المجلد السادس: العدد الثالث، رجب 1418هـ ديسمبر 1997م، الشارقة، شرطة الشارقة.
4- أحمد الفيومي المقرئ : المصباح المنير , دار الحديث , القاهرة , 1421هـ.
5- الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم:تحقيق سامي بن محمد السلامة، ط2، ج3، الرياض، دار طيبة للنشر، 1420-1999م .
6- صالح الفوزان : الملخص الفقهي , دار ابن الهيثم , القاهرة , 2003م .
7- عادل بن علي الشدي : مسئولية المجتمع عن حماية الأمن الفكري لأفراده , ورقة عمل مقدمة لندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض من 21/2 حتى 24/2 من عام 1425هـ .
8- عبد الرحيم بن محمد المغنوي : جهود الملك عبد العزيز في بسط الأمن وأثره في حفظ مقومات المجتمع ، كلية الدعوة وأصول الدين الجامعة الإسلامية - بالمدينة المنورة , 1419هـ .
9- عبد الله الطريف: الأمن الفكري: البعد الاستراتيجي للأمن الوطني, جريدة الشرق الأوسط السبـت 18 رمضـان 1428 هـ 29 سبتمبر 2007 العدد 10532
10- محمد فؤاد عبد الباقي : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم مكتبة الحرمين , الرياض , 1408هـ .
11- خطبة الشيخ سعد الشريم، مفهوم الأمن في الإسلام،29/4/1422 ، المسجد الحرام.
12- القاموس العربي :http://www.baheth.info/all.jsp?term =الأمن
13- الموسوعة العربية العالمية على الانترنت : http://www.mawsoah.net/maogen.asp?th=0$$main&fileid=start
14- خطبة الجمعة "مفهوم الأمن في الإسلام" للشيخ سعود الشريم بواسطة http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=5549