نظرية الأنساق العامة

نظرية الأنساق العامة
تعتبر نظرية الأنساق العامة general systems theory أكثر النظريات العلمية استخداماً في حقل الخدمة الاجتماعية فمعظم نماذج الممارسة في الخدمة الاجتماعية تستخدم مفاهيم مستمدة من نظرية الأنساق العامة. فلقد أصبحت "التغذية العكسية" feedback و "نسق العميل" client system و "نسق المساعدة" helping system، على سبيل المثال، من المفاهيم الثابتة والمسيطرة في حقل الخدمة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن نظرية الأنساق العامة خدمت كإطار نظري العديد من نماذج الممارسة المستخدمة حالياً، وفي الواقع، تعد مداخل العلاج الأسري family therapy approaches من النماذج القائمة أساساً على مفاهيم نظرية الأنساق العامة ويعود ذلك لكون هذه المداخل تتعامل مع الأسرة التي تعد بدورها أكثر الأنساق الاجتماعية وضوحاً.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
     إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره ، و نستهديه , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً...  و بعد...
الحديث على صفحات هذا البحث سيدور بحول الله وقوته حول أحد أهم النظريات المهمة في الممارسة المهنية ألا وهي نظرية الأنساق العامة ...
سبب الاختيار للنظرية أنها :
(1) تشرح وتفسر الظواهر 
(2) تساعد على التنبؤ .
(3) تساعد على تنظيم المفاهيم.
و في ضوئها يختار الأخصائي نوع المعرفة و مهارات التدخل ذات الصلة بكل موقف من مواقف الممارسة و أنها توضح للممارس المهني ما هو مهم وما يجب التركيز عليه خلال عملية الممارسة وماذا يجب عمله أثناء عملية التدخل المهني، كما تساعد في عملية التشخيص من خلال تحديد وضع وحالة العميل. كما أن نظرية الأنساق العامة تفسر المشكلة من منظور مهم للغاية في رأيي حيث أنها ترى المشكلة باعتبارها مشكلة ترتبط بثقافة وعادات يتبناها مجتمع العميل، و في ضوء هذا التوجه سيتم التعرف على تأثير المشكلة على علاقات العميل وعلى أداء دوره ومحددات هذا الدور هذا وأرجو من الله العلي العظيم أن يلهمني السداد و التوفيق في عرض هذا الموضوع على النحو الأفضل ...إنه سميع مجيب ... 
مدخل :
تعتبر نظرية الأنساق العامة general systems theory أكثر النظريات العلمية استخداماً في حقل الخدمة الاجتماعية فمعظم نماذج الممارسة في الخدمة الاجتماعية تستخدم مفاهيم مستمدة من نظرية الأنساق العامة. فلقد أصبحت "التغذية العكسية" feedback و "نسق العميل" client system و "نسق المساعدة" helping system، على سبيل المثال، من المفاهيم الثابتة والمسيطرة في حقل الخدمة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن نظرية الأنساق العامة خدمت كإطار نظري العديد من نماذج الممارسة المستخدمة حالياً، وفي الواقع، تعد مداخل العلاج الأسري family therapy approaches من النماذج القائمة أساساً على مفاهيم نظرية الأنساق العامة ويعود ذلك لكون هذه المداخل تتعامل مع الأسرة التي تعد بدورها أكثر الأنساق الاجتماعية وضوحاً. ولا تقتصر إسهامات النظرية على ذلك، فاستخدامها من قبل الأخصائيين الاجتماعيين أحدث نقلة من التركيز ضيق الأفق المعمول به سابقاً على "الشخص- في- الموقف" person–in-situation، إلى تركيز أعم وأشمل ويتمثل في "الشخص- في- البيئة" person-in-environment.

التطور التاريخي لنظرية الأنساق العامة: 

كانت بداية ظهور نظرية الأنساق العامة general systems theory على يد عالم الفيزياء النمساوي فون بيرتالانفي Von Bertalanffy عام 1920م وقد تبلورت في شكلها النهائي عام 1956م (سليمان وآخرون، 2005: 46) وقامت فكرتها على أساس أن الكل أكبر من مجموع الأجزاء المكونة له، وكانت تطبيقاتها في البداية على الأنساق الحية وعلى الإنسان وعلى كيفية تكامل وظائفه وتداخلها مع بعضها البعض واعتمادها على البيئة الخارجية.
واستطاعت نظرية الأنساق العامة أن تحظى بقبول واهتمام الكثير من المتخصصين في العلوم الأخرى وعلى الرغم من أنها ولدت في أحضان العلوم الطبيعية على الأنساق غير الحية ومنها انتقلت للأنساق الحية  organismic biologyحيث تم تطبيقها على الكائنات البيولوجية، إلا أنها أيضاً وصلت للعلوم الاجتماعية والإنسانية وأصبح ينظر لها على أنها أكثر من مجرد نظرية وأنها تمثل توجها نظرياً أو فكرياً في النظر للأنساق الحية وفي علاقتها بالبيئة.  
    وتتسم نظرية الأنساق العامة بالعمومية والشمولية وهاتان الصفتان تؤكدان أصالة أي نظرية ولكن يؤخذ عليها اتساع عموميتها حتى أنها شملت كل ما في الكون تقريباً وما يمكن إدراكه وما لا يمكن إدراكه من مكونات الكون. ومن هذا المنظور أصبح ينظر لها على أنها أكثر من مجرد نظرية لأن من خصائص النظرية العلمية هو اتساق وتكامل مفاهيمها وقدرتها على توجيه المتخصصين في علم ما من العلوم. ونظراً لأن نظرية الأنساق العامة تنظر نظرة شمولية وتحاول تفسير الكون وتقديم فهم لعلاقة أجزائه في إطار تكاملي فهي تمثل توجها نظرياً أكثر من مجرد كونها نظرية محددة.
ومع كل ذلك فإن نظرية الأنساق العامة استطاعت أن تقدم الكثير للعلوم الإنسانية على وجه العموم. ولعل الخدمة الاجتماعية كانت أحد هذه العلوم أو التخصصات التي استفادت منها وأصبح الكثير من أفكارها ومفاهيمها يشكل جزءاً من مكونات تخصص الخدمة الاجتماعية، ويعود الفضل في تبلورها كنظرية تخدم الممارسة في الخدمة الاجتماعية على يد هيرن Hearn في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين.
وقد استطاعت نظرية الأنساق العامة والنظريات المنشقة عنها أن تتبوأ مكانة عالية بين النظريات التي يتم الاعتماد عليها في مهنة الخدمة الاجتماعية فقد قدمت العديد من المفاهيم التي أصبح من الشائع استخدامها في مهنة الخدمة الاجتماعية كمصطلح نسق المساعدة helping system ونسق العميل client system. كما أنها ساعدت أيضاً في ظهور نماذج نظرية اعتمدت على معطيات ومفاهيم نظرية الأنساق العامة حيث تمثل نماذج العلاج الأسري family therapy approaches أحد تلك النماذج النظرية المنبثقة من خلال نظرية الأنساق العامة وكذلك النموذج الايكولوجي أو ما يشار له في بعض الكتابات بنموذج الحياة model life من النماذج التي ظهرت وتطورت من خلال معطيات نظرية الأنساق العامة (سليمان وآخرون، 2005: 47).

أهم فرضيات ومفاهيم نظرية الأنساق العامة: 

قامت نظرية الأنساق العامة على العديد من الفرضيات، وتتفاوت تلك الفرضيات في مدى قابليتها للاختبار، فبعضها تم اختباره تجريبياً وبعضها غير قابل للاختبار، وكذلك في قدرتها على التنبؤ فالكثير من فرضيات الأنساق العامة لا يساعد على التنبؤ. ومع ذلك فإن نظرية الأنساق العامة تحظى بقبول واسع في أوساط المنتمين لمهنة الخدمة الاجتماعية. 
ومن أهم الفرضيات التي قدمتها نظرية الأنساق العامة تلك الفرضية التي ترى أنه يمكن "النظر للمادة في كل صورها الحية منها وغير الحية، كأنساق، وهي باعتبارها أنساقاً لها خصائص مميزة ومعينة جديرة بالدراسة فالفرد نسق والأسرة نسق والمجتمع المحلي نسق وهكذا وكل نسق من تلك الأنساق له صفاته وخصائصه المحددة".
كما أن نظرية الأنساق العامة تنظر نظرة ترابطية للعالم، فكل كيان ينظر له من خلال علاقته بالكيانات الأخرى التي يتأثر بها ويؤثر فيها 
ومن فرضيات نظرية الأنساق تلك الفرضية التي ترى أن مجموع الكل أكبر من الأجزاء المكونة له وأن له خصائصه التي تميزه عن خصائص الأجزاء المكونة له، فالارتباط القائم بين الأجزاء يتولد عنه خصائص تختلف عن خصائص الأجزاء الأساسية والأسرة مثال على ذلك، فالأسرة كنسق تختلف خصائصها عن خصائص الأفراد المكونين لها وكذلك الفريق أو جماعة الأصدقاء تختلف عن الأفراد المكونين لهذه المجموعة لو تم تحليل كل فرد على أنه نسق قائم بذاته.
كما تفترض نظرية الأنساق أن أي تغيير يطرأ في أي جزء من أجزاء النسق يؤثر على بقية أجزاء النسق وعلى النسق ككل .
ومن فرضيات نظرية الأنساق أنها ترى أن لكل نسق إطارا مرجعياً محدداً يحدد سلوك الأفراد داخل النسق.
كما أن نظرية الأنساق تفترض أن هناك نسقين من الأنساق وهي الأنساق المفتوحة open system والأنساق المغلقة closed system وأن الأنساق المفتوحة هي التي يكون هناك تفاعل دائم بينها وبين البيئة المحيطة. وتتميز هذه الأنساق بالنمو المستمر وزيادة التخصصية داخل النسق. وحتى تحافظ الأنساق المفتوحة على وجودها لابد أن يكون هناك توازن في علاقتها مع البيئة الخارجية وأن تحافظ على مستوى محدد من الحدود المفتوحة مع العالم الخارجي، وبالتالي فإن أي زيادة أو نقص في هذه الحدود يؤدي إلى اختلال التوازن داخل هذا النسق.
أما الأنساق المغلقة فإن مصيرها الزوال وذلك لأنها تكون في حالة سكون وليس لديها القدرة على التفاعل مع البيئة الخارجية التي تُعد مصدراً من مصادر الإمداد بالطاقة التي تساعدها على الاستمرار والنمو المتوازن .

مفاهيم نظرية الأنساق العامة: 

تتضمن نظرية الأنساق العامة مجموعة من المفاهيم ومنها: 

النسق System: 

يعرف النسق بأنه "مجموعة الوحدات والعلاقات المتبادلة بين هذه الوحدات". والنسق حسب تعريف هارتمان ولاريد Hartman & Larid هو وحدة تتكون من أجزاء أو وحدات متباينة ومتماسكة معاً، وكل وحدة معتمدة على الوحدات الأخرى. 

الحدود Boundaries:

تشير الحدود إلى مجموعة القواعد التي تشكل إطاراً أو سياجاً يحيط بمجموعة الأفراد أو الأنساق التي تتفاعل مع البعض وهذه الحدود وهمية ولكنها هي المحيط العام الذي يمكن تحديده لتوضيح العناصر الداخلة في النسق والخارجة عنها التي يتفاعل معها. ويجب أن تكون هذه الحدود واضحة ومحددة 
والنسق العام يضم كذلك أنساقاً فرعية وكل نسق من هذه الأنساق الفرعية لابد أن تكون له حدوده الواضحة والدقيقة التي تحدد مهامه وأنشطته. وكلما كانت الحدود واضحة كلما أدى ذلك إلى مزيد من التخصصية بين أجزاء النسق الواحد.

التوازن Equilibrium:

تميل الأنساق بشكل عام إلى تحقيق مستوى من التوازن من خلال استيراد الطاقة وتصديرها، وفي حال حدث اختلال في توازنها فإنها تسعى بشكل تلقائي لاستعادة هذا التوازن للحفاظ على بقائها. أما في حال اختلال اتزانها فإن ذلك قد يكون من أسباب فناء النسق وانتهائه. لذا فإن لدى الأنساق الحية ميلاً طبيعياً للحفاظ على توازنها واستعادته إذا تعرض لعوامل أخلت بتلك الخاصية .

التغذية العكسية Feedback:

يشير مفهوم التغذية العكسية إلى عملية التقويم التي تحدث للمخرجات والمدخلات التي يصدرها ويستوردها النسق أثناء عملية تفاعله مع البيئة الخارجية، أي أنها النتيجة التي تحدث نتيجة للتفاعل وتساعد على نمو النسق واستمرار تفاعله.
وتشكل عملية التغذية العكسية نمطا من التقويم للنسق وهناك نوعان للتقويم، أحدهما داخلي، والذي يقوم به أفراد النسق للتحقق من مدى رضاهم عن كيفية التفاعل، وخارجي، من خلال استجابة ورضا الأنساق في البيئة الخارجية عن أداء النسق .

المدخلات Inputs:

تشير المدخلات إلى كافة ما يأتي للنسق من البيئة الخارجية من معلومات وطاقة، كما تتضمن كافة المصادر resource التي تتجمع لدى النسق سواء كان ينتجها بنفسه أو يحصل عليها من الخارج، وهذه المصادر قد تكون مادية أو حتى معنوية ( سليمان وآخرون، 2005: 53).
المخرجات Outputs:
يقصد بالمخرجات كل ما يصدر عن النسق من معلومات وطاقة إلى البيئة الخارجية، وتعكس المخرجات المدى الحقيقي والواقعي لقدرة النسق على تحقيق أهدافه. فكلما كانت مخرجاته تتفق مع أهدافه كان ذلك دليلاً واضحاً على توازنه ( سليمان وآخرون، 2005: 53)

فقدان الطاقة Entropy:

يكون لدى كل نسق مستوى محدد من الطاقة يستغله في تفاعلاته الخارجية. ويشير فقدان الطاقة إلى العملية التي يبدأ فيها النسق في تصدير طاقة أكثر من تلك التي  يستوردها، وبالتالي يقل ما لديه من طاقة، وذلك يؤثر على توازنه، كما تشير إلى تلك الطاقة الضائعة التي لا يقوم النسق باستغلالها، مما يؤثر في قدرة النسق على تحقيق أهدافه بشكل فعّال (سليمان وآخرون، 2005: 56)

الارتباط التفاعلي Interfance:

يشير مفهوم التفاعل إلى تلك العملية التي تتفاعل من خلالها الأنساق المختلفة بشكل تبادلي، وبينها وبين البيئة بشكل عام. حيث إن عملية التفاعل المتبادل والمستمر تعد من أهم العمليات المطلوبة لاستمرارية النسق وتنمية قدرته على تحقيق أهدافه، وعملية التفاعل خاصية من خصائص الأنساق المفتوحة، بينما الأنساق المغلقة تواجه صعوبات في عملية التفاعل وغياب تلك العملية من أسباب انتهائها (سليمان وآخرون، 2005: 54).

نظرية الأنساق العامة والخدمة الاجتماعية: 

تشكل نظرية الأنساق العامة إحدى النظريات أو التوجهات النظرية التي أثرت بشكل كبير على نمو وتطور الأساس العلمي والمعرفي لمهنة الخدمة الاجتماعية، فنظرية الأنساق العامة من النظريات التي لم تتوقف مساهمتها على اعتبارها إطاراً نظرياً يستعين به الممارس ليوجهه أثناء ممارسته المهنية أو يساعده فقط في فهم عملائه وتفسير مشكلاتهم، بل تعدت ذلك بكثير وقدمت مساهمات كبرى للمهنة، وغيرت بعض مفاهيمها الأساسية. بل وامتد تأثيرها حتى في شكل وتقسيمات المهنة، ففي بداية ظهور مهنة الخدمة الاجتماعية في مطلع القرن العشرين كانت السيادة لخدمة الفرد التي سبقت الطرق الأخرى في الظهور، وكانت كما تم ذكره سابقاً في هذا المبحث السيادة لمدرسة التحليل النفسي التي استمدت خدمة الفرد منها الكثير من مفاهيمها وأساليبها العلاجية. وفي منتصف القرن العشرين بدأت الطرق الأخرى كخدمة الجماعة وتنظيم المجتمع في التبلور كطرق مستقلة وقائمة بحد ذاتها، وفي الخمسينيات وما تلاها من القرن العشرين كانت بداية تبلور واكتمال نظرية الأنساق العامة وانتقالها نتيجة للتكامل المعرفي بين العلوم المختلفة للخدمة الاجتماعية على يد كل من لوتس Lutz 1940م ثم على يد هيرن  Hearnالذي يعود له الفضل الكبير في تبلور نظرية الأنساق العامة واستقرارها كنظرية من النظريات الأساسية في مهنة الخدمة الاجتماعية( الدخيل، 2006: 112).
وقد لقيت نظرية الأنساق العامة اهتماماً واسعاً وكبيراً في أوساط المتخصصين ووجدوا فيها ضالتهم التي أخرجتهم من دائرة النظرة الضيقة لمشكلات العملاء والإغراق في العلاج الطويل المدى وتداخل ما يقومون بأدائه من أدوار مع دور المحللين النفسيين psychologist analyses فكان لا بد من التغيير في المهنة وفي النظرة للمشكلات خصوصاً أن تلك الفترة تزامنت مع ظهور مشكلات كبرى في المجتمع الأمريكي كالبطالة وحركات التحرير ومشكلات الأقليات. وبالتالي كانت النظرة للمشكلة من زاويتها النفسية نظرة غير مثمرة، ولا تساعد على مواجهة تلك الإشكاليات الكبرى. وقد أصبحت الأسر مع الزيادة في حركات التحضر وزيادة الهجرة وارتفاع تعداد السكان وانتشار مشكلات الفقر تعاني هي كذلك من مشكلات وتتطلب تلك المشكلات التدخل لإيجاد حل لها حتى يمكن إعادة التوازن لها. كل تلك الأحداث وظهور نظرية الأنساق العامة -التي ذكرنا في السابق أن تأثيرها كان متجاوزا حد العلوم الطبيعية حيث أصبحت النظرة الشمولية للكون وعلى أنه يتكون من أنساق متداخلة ومتفاعلة ومعتمدة على بعضها البعض وأنه يصعب تفسير الخلل الذي يحدث في أحد تلك الأجزاء دون النظر للأجزاء الأخرى التي شكلت جزءاً من الفلسفة الفكرية التي وجهت تفكير العديد من العلماء في الكثير من التخصصات والمجالات الإنسانية- ساهمت في أن تحظى نظرية الأنساق العامة باهتمام واسع وقبول أوسع في أوساط المنتمين لمهنة الخدمة الاجتماعية حيث توسعت النظرة للمشكلات وللعملاء فتغير مفهوم "الشخص –في– الموقف"person -in- situation 
إلى "الشخص –في- البيئة" person –in- environment 
وتوالت المحاولات والمساهمات التي قدمها المتخصصون من خلال قناعتهم وتبنيهم لمنظور نظرية الأنساق العامة في تقديم الجديد والمبتكر للمهنة ومعطياتها، فقد ظهرت نتيجة لدخول نظرية الأنساق العامة العديد من المصطلحات الجديدة في حينها، كما تم ذكره في فقرة سابقة كمصطلح نسق المساعدة ونسق العميل.
والتأثير لم يتوقف عند حد المصطلحات بل إن نظرية الأنساق العامة ساهمت في تغيير نظرة وتعامل المهنة مع عملائها فقد تغيرت في الستينيات من القرن العشرين العمل بطريقة الطرق الثلاث الفرد والجماعة والمجتمع لتحل محلها أسلوب الممارسة العامة general practice  كطريقة للممارسة والعمل يتضمن التعامل مع كافة الوحدات أفراداً كانوا أو جماعات أو مجتمعات. والتعامل مع مشكلاتهم من خلال النظرة الشمولية لها وفق أسس علمية محددة ووفق ما تصفه الكتابات المتعددة بالإطار النسقي أو الإيكولوجي. بعدما اتسعت النظرة لتكون أشمل وتضيف لها أبعاداً متعددة لتشمل البيئة بمعناها الطبيعي وتأثيرها على الأفراد والمجتمعات. بدلاً من النظرة التي كانت تسعى لتقسيم مشكلات العملاء وحصر الممارسين في التعامل مع مشكلات أو فئة بحد ذاتها. حيث أصبح من الممكن أن يكون لدى الممارس إطار مرجعي يساعد على الممارسة بأسلوب تكاملي من خلال فهم علاقة الفرد بالبيئة .
كما أن نظرية الأنساق العامة ساهمت في ظهور نظريات متوسطة ونماذج ومداخل للممارسة استمدت معطياتها وأفكارها من نظرية الأنساق كالنظرية أو المدخل الإيكولوجي الذي ساعد كثيراً في التعامل مع المشكلات المجتمعية وقدم الكثير من المفاهيم التي تبناها عدد كبير من العلماء كمفهوم "الموقف الكلي" وغيره من المفاهيم والأدوات التي أصبحت جزءاً أساسياً من الإطار النظري لممارسة الخدمة الاجتماعية. وكذلك تعد نظرية الأنساق العامة هي الإطار المعرفي الذي استمدت منه الكثير من مداخل العلاج الأسري أسسها الفلسفية وخطواتها العلمية.
كما ظهر نتيجة لذلك ما يعرف بالنموذج الإيكولوجي في الممارسة ecological model  والذي أصبح يستخدم كبديل للنموذج الطبي، حيث أصبح من المألوف خلال الفترة من عام 1960م وما يليها استخدام النموذج الإيكولوجي، فأصبحت عملية المساعدة تتضمن (تقدير الموقف- التدخل- التقويم). كما أصبح تقدير الموقف هو البديل المستخدم لمفهوم كل من مرحلة الدراسة والتشخيص -وفقاً لوصف النموذج الطبي- بينما حل مصطلح التدخل ليكون بديلاً لمصطلح العلاج. لتأتي بعدها مرحلة تقويم عملية التدخل والتأكد من الخطوات التي قام بها الممارس المهني.
فاعتماداً على النموذج النسقي الإيكولوجي لم تعد النظرة لعملية التشخيص تقتصر فقط على تحديد المشكلة بل لا بد من عمل استقصاء لتفاعل وتداخل العوامل في البيئة والنظرة الشاملة والكلية لتحليل الموقف الإشكالي، وكذلك عملية العلاج لم تعد كافية بل لابد أن تتم وفق خطوات محددة للتدخل المهني من خلال أهداف محددة تسعى كل خطوة من خطوات التدخل لتحقيق تلك الأهداف .
فنظرية الأنساق العامة إذاً استطاعت أن تكون أحد التوجهات النظرية التي ساعدت على أن تنمو مهنة الخدمة الاجتماعية وتطور من أسلوبها وأدائها وأن تكون ملهمة فكرياً وعلمياً للقائمين على المهنة من باحثين وممارسين لأن يطوروا معطيات تخصصهم النظرية وأدواتهم المهنية في الممارسة.
الخاتمة
من خلال دراستي لنظرية الأنساق العامة فقد تبين لي أهميتها باعتبارها أحد أهم المداخل النظرية التي يتم تبنيها خلال عملية الممارسة المهنية و دراسة المشكلات و ذلك لما يمكن أن تقدمه من أوجه الاستفادة للأخصائي الاجتماعي و ما قدمته من مفاهيم و افتراضات استفادت منها كثير من نماذج الممارسة في الخدمة الاجتماعية كما أنها مثلت أداة قوية في فهم الأنساق .
و بالله التوفيق ...







قائمة المراجع

1- الدخيل, عبدالعزيز عبدالله (2006م) معجم مصطلحات الخدمة الاجتماعية والعلوم الاجتماعية , الرياض :فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر.
2- سليمان, حسين حسن, وآخرون(2005م)الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية مع الفرد والأسرة,بيروت: مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.

ابحث عن موضوع