بحث بعنوان: تطــــور الاقتصاد السعـــــودي

بحث بعنوان:
 تطــــور الاقتصاد السعـــــودي

إعداد الطالب : عمر معارك جديع العطية الخالدي
إشراف الدكتور: بشيــــــــــــر رقـــــــــــــــاد

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

لقد حبا الله – سبحانه وتعالى– هذه البلاد مكانة سامية بين دول العالم أجمع، فهي مهد الإسلام ومنطلق الرسالة المحمدية الخالدة وقبلة المسلمين ومقصدهم من كل فج عميق لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة والزيارة.  وقد أضفى كل ذلك بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المتميز والمساحة المترامية الأطراف طابعاً خاصاً على النشاط الاقتصادي لسكانها على مر العصور، فقد كانت أرض الجزيرة ملتقى لطرق التجارة منذ القدم، فأتقن أهلها قواعد التعامل مع الآخرين، وبرعوا في استغلال مواردهم المحدودة لعقد الصفقات وتلبية احتياجاتهم الضرورية.
وعندمــا بدأ توحيد هذا الكيـان الكبير، لم تكن أنشطة أهله الاقتصادية تختلف عما كانت علـيه قديماً، إذ كان أهمها النشــــاط الزراعي والرعي والتجـــارة، وباستقرار الأوضاع وانتشار الأمن شرع جلالة الملك المؤسس – رحمه الله – في إرساء أسس الدولــــة وتوفير مقومات الحياة فيها على الرغم من تواضع موارد الدولة آنذاك وتزايــــد مهامها . إلى أن تدفق النفـــط بكميات تجارية عام 1358هـ فكان ضالة الملك عبد العزيز – رحمه الله– لتحقيق تطلعاته الطموحة وأمانيه في تطوير هذه البلاد وتنمية مختلــــف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت عوائد النفط هي المحرك الرئيس للاقتصاد ، وتوفير فرص الأعمال فضلاً عن ازدهار التجارة والزراعة نتيجة لتوسع الدولــة في الإنفاق.
و على صفحات هذه الورقة البحثية سوف أرصد أبرز ملامح النمو الاقتصادي الذي حققته المملكة العربية السعودية ...

و الله الموفق ...


تطور الأنشطة التجارية:

أرسى جلالة الملك عبد العزيز – رحمه الله – دعائم الحكم على أساس التزام الدولة، وتمسكها بمبادئ الشريعة الإسلامية، ومنها حرية التملك، وصيانة الملكية الفردية وحمايتها، وحرية النشاط الفردي في إطار المصلحة العامة، واحترام العهود والمواثيق، وضمان نزاهة التعامل، وقد تأكد منذ بدايات حكمه – طيب الله ثراه – حرص الدولة على تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة للمواطنين سواء كانوا تجارًا أم مستهلكين بما في ذلك إقرار التدابير المناسبة لاستقرار الأسواق، وتوفير احتياجات المستهلكين.
ولقد كان النشاط التجاري من أقدم الأنشطة التي زاولها القطاع الخاص في المملكة، وقد قامت في البلاد حركة تجارية متنامية عمادها عدد من الأسر التجارية العريقة والشركات ووكالات الاستيراد التي كان لها إسهامها المشهود في بناء الكيان الاقتصادي للمملكة، واتسعت أعمالها، وتطورت أنشطتها في ظل الحكم الجديد بعد شيوع الاستقرار في ربوع البلاد ، واستتباب الأمن في أرجائها الفسيحة، واتجاه الدولة إلى دعم فرص العيش الكريم ودعمها لأبنائها. 
 وعلى الرغم من قلة الموارد في ذلك الوقت فقد كانت مشروعات التنمية الأولى إيذانًا ببداية عهد جديد للقطاع الخاص في المملكة إذ اضطلع ذلك القطاع بالحركة التجارية، وتلبية احتياجات تلك المشروعات ولاسيما  قطاع المقاولات  باستيراد مواد البناء والآلات إلى جانب تأمين احتياجات الحجاج والزائرين،  وقد تزايدت أعدادهم مع الاستقرار واستتباب الأمن، ونشطت حركة السفن القادمة إلى موانئ الحجاز بتزايد حجم الواردات مع انفتاح المملكة على العالم العربي والخارجي ، وعقدت الاتفاقيات التي تنظم التعامل التجــاري، حيث أبرمت أول اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1933م اعتمد في إطارها معاملة الدولة الأولى بالرعاية بين البلدين.
ولعل البدايات الأولى لنمو القطاع الخاص وتوسع مجالات أعماله تتضح من متابعة تطور النشاط الاقتصادي في المنطقتين الشرقية والغربية من البلاد؛حيث توافرت لهما الظروف المواتية للانطلاق والتطور من بداية مسيرة التأسيس المظفرة.
وقد أدى اكتشاف النفط إلى إتاحة فرص عمل هائلة بأجور دائمة ومتزايدة وظروف عمل مريحة مع توافر السكن والإعاشة، فتقاطرت الأمواج البشرية على المنطقة الشرقية لتعمل بالقرب من أبراج التنقيب عن النفط وحقوله
وهكذا أدت هذه التطورات إضافة إلى توافر الخدمات ووسائل النقل والطرق إلى إتاحة فرص مغرية للتوسع في التجارة الداخلية ، وتشجيع المستثمرين على الدخول في مجالاتها سواء كانوا من أهل المنطقة أم من أصحاب الخبرات الذين انتقلوا من المدن الأخرى إلى هذه المدن والمراكز الجديدة.
كما أسهمت في إبراز أهمية تلبية الاحتياجات التي لا يمكن توفيرها من الإنتاج المحلي إلى استيرادها من الدول المجاورة، وتوسع هذا التوجه مستقبلاً إلى الاستيراد من مختلف مصادر الإنتاج العالمية مما نشأ عنه أهمية التمثيل التجاري لبعض الشركات العالمية المنتجة بدلاً من الاستمرار بصفتهم موزعين فقط لمنتجات تلك الشركات.
وأعقب ذلك بروز طائفة من المقاولين الوطنيين الذين نشطوا لتأمين الاحتياجات المتزايدة للخدمات اللازمة لأعمال النفط واستخراجه وتصديره .(1)
وباتساع هذه الأنشطة وتزايد اعتماد الشركات على جهود الرعيل الأول من المقاولين الوطنيين بما كان لهم من كفاءة وحسن تعامل نشأ جيل جديد من رجال الأعمال المتمتعين بالخبرة ، كما أسهم مردود الأعمال المنفذة في تطوير اقتصاد المنطقة وازدهاره ، ودخول مستثمرين مجالات تأسيس شركات صناعية وتجارية وزراعية.   وكان أهم تلك المجالات وأبعدها أثراً في التطور إنشاء شركات محلية لتوليد الكهرباء، فقد كانت حافزاً جيداً أتاح قيام صناعات وخدمات تعتمد على استعمال الطاقة الكهربائية لأول مرة بالمنطقة.  إضافة إلى أن السماح للقطاع الخاص من البداية بإنشاء الشركات العاملة وإدارتها في هذا المرفق الحيوي يكشف عن رؤية مبكرة أرست لها الحكومة مبدأ  تملك القطاع الخاص لخدمات المرافق العامة قبل سنوات عدة من طرح فكرة تحويل تلك المرافق للملكية الخاصة (التخصيص)، وفي ذلك تأكيد للإستراتيجية الثابتة للمملكة الهادفة إلى زيادة دور القطاع الخاص في جميع المجالات.
ونتيجة لاهتمام الحكومة بإدخال السيارات وبناء الطرق استعملت السيارات في نقل الحجاج إلى كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، وما لبث أن تكونت شركات خاصة لنقل الحجاج بعد أن كان يتم ذلك بجهود فردية، ومع تطور حركة النقل اندمجت مجموعة من الشركات الخاصة في شركة موحدة أطلق عليها (الشركة العربية للسيارات) . ثم بتحسن الأوضاع بعد اكتشاف النفط،  ومع نجاح فكرة  تكوين الشركات وقبول مبدأ انفصال الملكية عن الإدارة في الأعمال التجارية وتحقيق الربح من خلال العمل الجماعي، تألفت شركات عدة بمبادرات من رجال الأعمال والاقتصاد المرموقين مما سهل قيام شركات فيما بعد أوسع باعاً وأكثر مساهمين وأموالاً ، منها شركات للكهرباء في مكة المكرمة وفي الطائف وفي المدينة المنورة والرياض، وشركات للأسمنت والغاز والجلود وغيرها، واستمر هذا التوسع في إنشاء الشركات بأنواعها حتى بلغ عددها (8963) شركة مسجلة بوزارة التجارة في مختلف أنحاء المملكة مع بداية عام 1998م، وكان ذلك دافعًا للتوسع في مجال التصنيع(1).
ومن هنا نجد أن أهمية القطاع التجاري تكمن –تاريخياً– في أنه كان بداية للأنشطة الاقتصادية المختلفة ووسيطاً بينها، وقد توسع دوره مع نمو الدخول، واتساع المدن والعمران ، وقيام المراكز الحضارية الحديثة في التسويق والتوزيع سواء للأفراد أم المؤسسات أو حتى للحكومة.


دور الدولة في نمو  الاقتصاد وتطوره


يحكم ممارسة النشاط الاقتصادي في المملكة العربية السعودية المبادئ السامية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية الغراء التي تعطي الأفراد الحرية في السعي والكسب وتقتصر سلطة الدولة بموجبها على الرقابة والإشراف والتوجيه، وممارسة بعض الأنشطة بنفسها إذا تطلب الحال ذلك بشكل مؤقت ولمدة لا تتجاوز حدود نشوء الحاجة وتزول بزوالها.

وعلى هذا فإن المملكة لا تقيد حرية الأفراد في مباشرة أنشطتهم الاقتصادية في المجالات المشروعة، كما أنها لا تضيق من حدود هذه الحرية لصالح النشاط الحكومي، بل إن الحكومة تحرص على عدم منافسة الأفراد في كثير مما يقومون به، كما أنها لا تفرض عليهم من الأعباء ما قد يعيق مباشرة الأنشطة الخاصة ، وإنما أخذت بأيدي رجال الأعمال  وساعدتهم بما قدمته من حوافز وتيسيرات شتى ، وكان هذا موقفها من القطاع الخاص منذ بداية المسيرة ولا يزال.

وبصدور النظام الأساسي للحكم أكدت المملكة اعتمادها مبدأ حرية المواطن في ممارسة مختلف النشاطات الاقتصادية وعده من الأسس الراسخة لنظام الحكم، حيث نصت المادة السابعة عشرة من ذلك النظام على أن الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية في الكيان الاقتصادي والاجتماعي للمملكة ، وهي حقوق خاصة تؤدي وظيفة اجتماعية وفق أحكام الشريعة الإسلامية(1).
وحين أخذت الدولة زمام المبادرة في تنمية قطاعات الاقتصاد الوطني واعتمدت الإنفاق الحكومي محركاً أساسيًّا لعملية التنمية، تأكد مجدداً الالتزام بالمبادئ نفسها، وهي(2):
أولاً: الشريعة الإسلامية والمنهج الذي ينص على حرية النشاط  الاقتصادي للأفراد وتشجيعها لذلك.
ثانياً: فلسفة اقتصاد السوق المفتوحة لجميع الأفراد والجماعات ، وضمان الدولة حرية  التعامل لهم ، واعتماد ذلك في وثائق خطط التنمية.
وعلى هذا فقد ظل القطاع الخاص محوراً مهماً للنشاط الاقتصادي، وتضمنت خطط التنمية الخمسية المتعاقبة العديد من المبادئ والضمانات المؤيدة لذلك ، ومنها:
1– أن غاية خطط التنمية إيجاد المناخ الاقتصادي الذي يساعد الفرد في الحصول على عمل يتناسب مع إمكاناته وقدراته ، ويتيح له الاعتماد على نفسه في تحصيل رزقه والإسهام في بناء وطنه.
2– تشجيع المشاريع الخاصة –الشركات الكبيرة والصغيرة والمؤسسات الفردية– على القيام بالنشاطات التي تستطيع القيام بها تحقيقاً لهدف تنويع القاعدة الاقتصادية.
3– مع ضمان الدولة الحد الأدنى من مستوى المعيشة الكريمة لأفراد المجتمع ممن تكون ظروفهم غير مواتية، فإنها تعد مستويات المعيشة فوق الحد الأدنى التي يبلغها الآخرون حقاً خالصاً لهم مقابل جهودهم، وبحسب ما لديهم من مواهب وملكات.
4– رغم عظم العمل الذي أخذته الدولة على عاتقها في مراحل التنمية، فإنها التزمت بتشجيع القطاع الخاص وإعطائه الفرصة إلى جانبها واضعة في الحسبان أن يتقلص دورها في النهاية لحساب دوره.

 إقامة التجهيزات الأساسية اللازمة لمرافق الاقتصاد الوطني:

يطلق تعبير البنية الأساسية أو التحتية INFRASTRUCTURE على الوسائل المادية والمقومات الهيكلية التي تعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني ، وتتمثل في الطرق والموانئ والمطارات والاتصالات والكهرباء والمياه والسدود وخدمات التعليم والصحة والمصارف وغيرها، وتستهدف إيجاد بيئة مواتية ومناخ ملائم للتنمية الاقتصادية. ومن أبجديات إحداث التنمية أنه لا بد من توافر هذه الخدمات عند التفكير في جدية إقامة المشروعات الإنتاجية والخدمية وتوزيعها على نطاق واسع، ولاسيما في المناطق البعيدة عن المدن الأمر الذي يتطلب الاستثمار المكثف في تلك المرافق لزيادة كمية الخدمات ونوعيتها التي توفرها في أنحاء البلاد.
وقد كان تواضع إيرادات الدولة في المراحل الأولى للتأسيس من أهم المعوقات التي حدّت من التطور والتنمية، وزاد الأمر صعوبة اتساع مساحة المملكة التي تمثل 80% من مساحة شبه الجزيرة العربية وترامي أطرافها وتنوع بيئاتها وتضاريسها فضلاً عن أن مشاريع البنية الأساسية بطبيعتها عالية التكلفة، كما أن الأمر لا يقتصر على مجرد إقامة حجم معين من البنية الأساسية والتوقف عنده أو الاكتفاء به ، وإنما لا بد من أن يكون هناك تناسق باستمرار بين البنيان الاقتصادي وحجم تلك البنية لتلافي المعوقات، وعلى هذا فكلما اتسع حجم البنيان بدت الحاجة إلى ضرورة التوسع في البنية.
ولقد أولت القيادة الرشيدة أهمية بالغة لإنشاء البنية الأساسية لاقتصاد المملكة لكون تلك البنية عصب التنمية وعمادها وأنفقت في سبيل ذلك مبالغ هائلة وزادت من كثافة الإنفاق خلال خطط التنمية الخمسية، والبيان التالي يوضح مدى استحواذ مشاريع التجهيزات الأساسية على النصيب الأوفى في الخطط الأربع الأولى التي كانت متجهة أساساً نحو إنشاء مرافق البنية الأساسية واستكمالها.

ولقد أدى إنشاء البنية الأساسية إلى تغيير وجه الحياة على أرض المملكة في زمن يسير في عمر 
الأمم، وكان توافر البنية وتطورها من أهم الحوافز التي شجعت القطاع الخاص على التوسع في أنشطته التقليدية والدخول في مجالات جديدة، إذ خففت عن كاهله عبء الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة التي كان لا بد من تكبدها لو لم تكن قد توافرت له تلك التجهيزات، كما أسهمت في تخفيض تكلفة أداء العمل التجاري والأنشطة الأخرى حيث يحصل على خدماتها بالمجان أو بأجور رمزية يسيرة، فضلاً عن أنها عامل جذب  للاستثمارات الأجنبية، ويضيق المقام عن الإحاطة الشاملة بما أنجز من عناصر البنية الأساسية جميعها ، وما لحقها من توسع وتطوير.

تنمية القطاع الصناعي:

ظل النشاط الصناعي في المملكة إلى عقد الثمانينيات الهجرية تقريباً مقصورًا على بعض المشاريع الصناعية التقليدية كصناعة النسيج والدباغة ومنتجاتها، وصناعة السجاد والصابون والأثاث والأدوات المنزلية بالإضافة إلى صناعة الأسمنت وبعض مواد البناء الأخرى.  وفي قطاع النفط أقامت شركة أرامكو مصفاة رأس تنورة عام 1365هـ/1945م بطاقة  قدرها 50 ألف برميل يومياً حيث كان يكرر الزيت الخام إلى تسعة منتجات رئيسة يصدر معظمها إلى الخارج، ثم أقامت شركة جيتي مصفاة أخرى، وكانت تقتصر على زيت الوقود فقط(1).
كان من أهم ما اعترض نمو الصناعة في المملكة عدم توافر الخبرة الفنية والأيدي العاملة المدربة ، وقلة المياه اللازمة للأغراض الصناعية، وارتفاع سعر الطاقة الكهربائية، وضعف إمكانيات توفيرها بصورة كافية، وتهيب المستثمرون من الدخول في مشاريع صناعية كبيرة، وحين قررت الدولة الاتجاه إلى التصنيع لتنويع مصادر الدخل الوطني بنت سياستها على محورين رئيسين: أولهما: أخذ زمام المبادرة في إنشاء الصناعات الأساسية نظرًا لما تتسم به من ضخامة الاستثمارات والمخاطر، ولتعقيد النواحي الفنية والتسويقية، والثاني: العمل ليس فقط على إزالة المعوقات التي اعترضت نمو الصناعة بتهيئة المناخ الملائم لتطورها، وإنما أيضاً بتقديم العديد من الحوافز والتيسيرات التي تساعد على جذب المستثمرين السعوديين ورأس المال الأجنبي للدخول في هذا المجال.
ويعد إنشاء المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) سنة 1382هـ/1962م بمثابة بداية لحركة التصنيع الحديثة بالمملكة، حيث عهد إليها بتنمية قطاع البترول والصناعات  المعتمدة عليه إلى جانب إقامة الصناعات المعدنية الأساسية المرتبطة بنشاطها في مجال التعدين، وقد استهلت مشاريعها الصناعية بإقامة مصنع الحديد والصلب في جدة ثم مصنع السماد في الدمام، كما خططت لإقامة عدد آخر من المشاريع العامة.
كذلك كان من أهداف هذه المؤسسة إفساح المجال أمام القطاع الخاص الوطني ليمارس دوره وليسهم إسهاماً مؤثراً في قيام الصناعة الوطنية ونموها وازدهارها عن طريق تشجيعه على الاشتراك في المشاريع التي تقوم بتنفيذها، ومن ثم التخلي له تدريجياً عن مسؤولية إدارة هذه المشاريع متى أصبح قادراً على ذلك. وقد سارت على السياسة نفسها الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) منذ أن تأسست عام 1396هـ/1976م لتتسلم الصناعات البتروكيماوية والأسمدة.
ويتكون القطاع الصناعي في المملكة العربية السعودية من ثلاثة قطاعات رئيسة (تبعاً للملكية وطبيعة النشاط) الأول: الصناعات الأساسية التي تتميز بكثافة عالية في رأس المال المستثمر، وتعتمد على استغلال المواد الهيدروكربونية والمعادن المستخرجة في المملكة، وتقوم سابك بإنشاء مشاريع هذه الصناعات بالمشاركة مع الشركات العالمية المتخصصة ، وذلك من أجل تجاوز مشكلات تسويق المنتجات ، وضمان الحصول على تصميمات جيدة وتقنية متقدمة(1). كما أن القطاع الخاص بادر الآن إلى إقامة عدد من المشاريع الناجحة في هذا القطاع.  والثاني: صناعات تكرير النفط، والثالث: الصناعات التحويلية (الصغيرة والمتوسطة) التي يقوم بإنشائها وإدارتها القطاع الخاص بدعم وتيسيرات كبيرة ومتواصلة من الدولة ، وهي ما تضمنتها السياسة الصناعية للمملكة التي صدرت عام 1394هـ/1974م، وعلى نحو ما سيرد فيما بعد.

أهداف التنمية الصناعية:

بنيت إستراتيجية التصنيع في المملكة على أساس استغلال ما لديها من ميزة نسبية في الموارد ورأس المال، وتحويل المواد الأولية إلى سلع تنافسية نصف مصنعة أو تامة الصنع من أجل تنويع مصادر الدخل والإنتاج ، وتنويع الصادرات ؛ أي إحداث تغيير في هيكل الاقتصاد الوطني ، وإنهاء سيطرة قطاع إنتاج النفط الخام وحده عليه.  وفي هذا الصدد فقد أكدت خطط التنمية المتعاقبة على أهمية التصنيع لكونه البديل الأول للإسراع في تحقيق أهداف التنمية الرامية إلى تنويع القاعدة الإنتاجية ، وزيادة إسهام القطاع الخاص في عمليات التنمية، وتوفير فرص وظيفية جديدة، وتنمية القوى العاملة الوطنية ، وإرساء قاعدة تقنية صلبة. 
كما أكدت الحكومة عزمها على تشجيع الاستثمار الخاص في المشاريع الصناعية بتقديم الحوافز التشجيعية، ووضعت في الحسبان من البداية أن يضطلع القطاع الخاص بالتنمية الصناعية في حين يقتصر دورها على وضع الإطار المؤسسي وصياغة السياسات المناسبة لتشجيع الصناعة دون أن تدخل بصورة مباشرة في مجال الاستثمارات الصناعية فيما عدا المشاريع التي تتطلب استثمارات رأسمالية كبيرة ليس في مقدور القطاع الخاص القيام بها أو التي يحجم عنها، بحيث تتخلى عن ملكية هذه المشاريع في الوقت المناسب، وعلى هذا جاء تأسيس الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) في عام 1396هـ بصفتها شركة حكومية تدار على أسس تجارية ، وليس بصفتها مؤسسة عامة برأس مال أولي عشرة بلايين ريال من أجل إنشاء سلسلة من المشاريع الصناعية الأساسية إلى جانب  مساعدة القطاع الخاص على الاستثمار في مجال الصناعات المكملة، وفي ضوء سياسة الدولة المشار إليها فقد باعت القطاع الخاص في المملكة وفي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كثيراً من أسهمها.
الحوافـز والتسهيـلات:
تضمن بيان السياسة الصناعية (فقرة 5) عزم الدولة على تقديم الحوافز التشجيعية والمالية المختلفة لكل القطاعات الصناعية وإيجاد المناخ الملائم لجذب المستثمرين السعوديين ورأس المال الأجنبي للمشاركة في جهود التصنيع بالمملكة ، وقد كانت هذه الحوافز دافعاً قوياً لدخول بعض رجال الأعمال السعوديين من ذوي الأعمال التجارية أساساً، مجال النشاط الصناعي، كما قام عدد كبير من المستثمرين السعوديين بإقامة مشاريع مشتركة مع جهات أجنبية مختلفة للاستفادة من تحويل التقنية وتوطينها في المملكة إضافة إلى ما لديهم من خبرات فنية وتسويقية.
لقد أتاحت الدولة الحوافز التشجيعية والمالية نفسها للمستثمرين بغض النظر عن جنسياتهم  لخدمة القطاع الصناعي والتعجيل بتطوره، حتى فيما يتعلق بالحد الأدنى المقرر لنسبة مشاركة رأس المال الوطني مع رأس المال الأجنبي وهو 25% من رأس مال المشروع المشترك ، فقد وضع في الحسبان انخفاض هذه النسبة لتكون حافزًا لاجتذاب المستثمرين الأجانب وتمتعهم بالحوافز الملائمة ، والحصول على فرصة تحقيق أرباح معقولة.  وفي الوقت نفسه تعد هذه النسبة كافية للمستثمرين الوطنيين في إقامة قطاع صناعي على أسس راسخة من الخبرة المتقدمة والتقنية الحديثة. 
ومن الحوافز التي أتاحتها الدولة للمستثمرين ما يأتي :
أولاً: القروض الصناعية.
ثانياً: حماية الصناعة الوطنية.
ثالثاً: الإعفاءات الجمركية.
رابعاً: المدن الصناعية.
خامساً: التدريــــب.
سادساً: استثمار رأس المال الأجنبي.

تنمية القطاع الزراعي:

أدركت الحكومة مدى ما تعانيه الزراعة من مشكلات وعقبات، وأن الأمر يتطلب جهداً تنموياً أكبر، وإنفاقاً مكثفاً للنهوض الشامل بها، وعلى هذا فقد شرعت بدءاً من عام 1383هـ في توجيه الاستثمارات الضخمة لإقامة مشاريع البنية الزراعية الأساسية لتكون ركائز ضرورية لتطوير الزراعة على أسس سليمة. ومن ذلك على سبيل المثال مشاريع مسح الموارد المائية بالمملكة ودراستها وتقويمها وتنميتها وإقامة السدود ومشاريع الري والصرف ، ووقف زحف الرمال ، وتنمية الواحات والوديان الخصبة وتطويرها وتوطين البادية.
وقد ساند تلك الاستثمارات والمشاريع توفير الإرشاد الزراعي والأبحاث والمقاومة والعناية البيطرية، وبرامج التدريب ونحوها، كما دعم من مسيرة التنمية الزراعية رعاية الجمعيات الزراعية التعاونية والإشراف عليها إلى جانب إسهام المؤسسات التعليمية سواء الجامعية أم التعليم الفني والتدريب المهني بإعداد الكوادر المتخصصة.  كما بادرت الحكومة إلى إنشاء أول مؤسسة إقراض متخصصة في المجال الزراعي عام 1382هـ، وهو البنك الزراعي العربي السعودي لدفع جهود التنمية الزراعية، وتقديم القروض والتسهيلات الائتمانية على مستوى أنحاء المملكة.ولقد كان للمؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق دور رائد في عملية التوسع في إنتاج المحاصيل الرئيسة لما تقدمه من أسعار تشجيعية لشراء هذه المحاصيل.

  تنمية القطاع المالي:

ويمكن رصد أبرز ما تحقق للقطاع المصرفي فيما يأتي:
أولاً: الإدارة الحكيمة للاحتياطي الرسمي من العملات الأجنبية بما أدى إلى المحافظة على ثبات قيمة الريال في الاقتصاد الداخلي والخارجي.
ثانياً: سعودة فروع البنوك التجارية الأجنبية التي كانت تعمل بالمملكة ومد خدماتها لجميع أنحاء البلاد عن طريق نشر فروعها.
ثالثاً: الرقابة على البنوك التجارية رعاية للعمل المصرفي وحماية له من التعرض للهزات أو الأزمات، وقد صدر تحقيقاً لذلك نظام مراقبة البنوك عام 1386هـ الذي حظر عليها مزاولة الأعمال التي يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بمراكزها المالية وبمساهميها والمودعين لديها، كما حظر على غير المرخص لهم من أشخاص طبعيين أو اعتباريين مزاولة الأعمال المصرفية، وألزم البنوك بالاحتفاظ بوديعة بنسبة معينة مما لديها من الودائع وباحتياطي معين للسيولة.(1)
رابعاً: تنظيم مهنة الصرافة بتحديد الأعمال التي يصرح بمزاولتها ورأس المال المقرر بحسب عدد الفروع ، وإلزام كل صراف بالاحتفاظ بصفة دائمة باحتياطي نقدي تحدده له مؤسسة النقد العربي السعودي يمثل نسبة من رأس ماله واحتياطاته وأن يودعه في البنك الذي تحدده له ، ويتصرف فيه وفقاً لتعليماتها.
خامساً: تأسيس سوق الأوراق المالية .

ومن ناحية أخرى أنشأت الدولة صندوق التنمية العقارية للتغلب على مظاهر قصور العرض عن تلبية الطلب في قطاع الإسكان ، وما رافق ذلك من ارتفاع التكلفة الاستثمارية وعدم كفاية التمويل التجاري، واستهدف الصندوق تدبير الاحتياجات المالية للإقراض الميسر للأفراد لإعانتهم على بناء مساكنهم ولتمكين المستثمرين من إقامة المجمعات السكنية وغيرها، ومن أجل تشجيع تنويع النشاط الاقتصادي أنشأت الحكومة أيضاً صندوقاً خاصاً لتمويل المشاريع الإنتاجية الضخمة ذات الطابع التجاري التي تقيمها بنفسها أو تقام بوساطة  المؤسسات العامة ، ويكون لها دور مهم في التنمية ، وهو صندوق الاستثمارات العامة.(2)

و يحظى الدور المتنامي الذي تقوم به منظومة الغرف التجارية الصناعية بالمملكة ومجلس الغرف السعودية بكل التقدير والتشجيع من قبل الدولة ؛ نظراً لما حققته من منجزات في قيادة العمل المؤسسي للقطاع الخاص ، وتبني مبادراته للنهوض بالعمل المتعاظم لهذا القطاع في الاقتصاد الوطني ، وتعزيز إسهامه المؤثر في تنفيذ خطط التنمية الشاملة وبرامجها حاضراً ومستقلاً.
كما أرسى القطاع الخاص قاعدة صناعية متطورة تثري روافد الاقتصاد الوطني وتسهم في توسيع القاعدة الإنتاجية في المملكة .



الاقتصاد السعودي و الاقتصاد الإسلامي:


تنتهج المملكة العربية السعودية الشرعة الإسلامية منهجا عاما لكل مجالات الحياة السياسية و الفكرية و الاقتصادية و غرها , وهي وضعت أنظمتها الاقتصادية بما لا يتعارض مع مبادئ الشرعة الإسلامية و نلمس ذلك جليا من نصوص الأنظمة الموضوعة لتنظيم الحياة الاقتصادية في البلاد و تهتم مادة الاقتصاد الإسلامي بالوقوف على أسس و مبادئ و خصائص الاقتصاد الإسلامي و من ثم الوقوف على أساليبه و طرقه وأدواته في تحقيق التنمية الاقتصادية للمجتمعات البشرية و عليه فإن دراسة موضوع النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية موضوع وثيق الصلة بهذا المادة حيث أن هذا النمو الاقتصاد في المملكة يمثل تطبيقا فعليا للاقتصاد الإسلامي و الموضوعات التي تم دراستها نظريا في المادة و دراسة هذا الموضوع تبين الجوانب التطبيقية لمادة الاقتصاد الإسلامي في الواقع العملي و من ثم تتكامل المعلومة أما الطالبة نظريا و عمليا مما يحقق مزيدا من الفهم و القناعة لدى الطالبة بدراسة هذه المادة و في ذات الوقت يمكن القيام بالمقارنة و قياس مدى النجاح الذي حققتاه تجربة المملكة العربية السعودية في تطبيق تجربة الاقتصاد الإسلامي .

الخاتمة

الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات و الصلاة و السلام على خاتم النبيين , محمد بن عبد الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا ... أما بعد ...
فقد تناولت على الصفحات السابقة من هذا البحث موضوع :" النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية " و قد استعرضت أبرز ملامح هذا النمو و ختمت البحث بربط موضوع البحث بمادة الاقتصاد الإسلامي .
هذا و أسأل المولى تبارك و تعالى و أدعوه أن أكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع على نحو طيب ...
و بالله التوفيق ...




قائمة المراجع

1- عبدالله ناصر السبيعي، اكتشاف النفط وأثره على الحياة الاقتصادية في المنطقة الشرقية 1407هـ .


2- مجلة المنهل، العدد الصادر في بداية العام الثالث والثلاثين للمجلة (51387) .

 3- المملكة العربية السعودية – وزارة التجارة، الإدارة العامة للتخطيط والتطوير الإداري، الكتاب الإحصائي السنوي 1416/1417هـ .

4- المملكة العربية السعودية – وزارة التخطيط، خطة التنمية السادسة 1415–1420هـ.
5- اقتصاديات شبه الجزيرة العربية – د. عنايات الطحاوي– نشر دار النهضة العربية , بيروت .

6- المستقبل العربي العدد 92، أكتوبر 1986م (مركز دراسات الوحدة العربية) تجربة التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية – دراسة من إعداد د. محمد هاشم خواجكية.

7- محمد سعيد الحاج علي – مؤسسة النقد العربي السعودي 1372–1411هـ، الطبعة الأولى المحرم 1412هـ، مطابع الأيوبي بالرياض.

8- مؤسسة النقد العربي السعودي – التقرير السنوي الثالث والثلاثون ، 1418هـ.

ابحث عن موضوع